القسم الأول: العاربة

وهم بنو قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام. وشذ بعضهم، فقال: قحطان بن الهميسع بن أبين بن نبت ابن إسماعيل عليه السلام. وحينئذ فيكون جميع العرب من ولد إسماعيل عليه السلام.

قال في العبر: واسم قحطان في "التوراة": يقطن، فعُرِّب بقحطان.

ومن العرب من يُنسب إلى "قحطان" نفسه إلى الآن.

قال في مسالك الأبصار: وبنابلس من بلاد الشام كثير منهم.

وكان لقحطان عدة أولاد، منهم: يعرب، وجُرهم، وحَضرَمَوت. ولما مات مَلَكَ اليمن بعده ابنه "يعرب" دون سائر بنيه.

قال الجوهري: وهو أول من تكلم بالعربية، ولعله يريد أول من تكلم بها من بني قحطان، وإلا فقد كان قبله أمم من العرب، كعاد وثمود وغيرهم يتكلمون العربية.

ولما مَلَكَ يعرب اليمن ولّى أخاه جُرهماً الحجاز، وتداول ملكه بنوه بعده إلى أن أنزل إبراهيم عليه السلام ابنه إسماعيل وأُمه بمكة، فنزلوا عليهم وتعلّم إسماعيل منهم العربية وتزوج منهم. وجاء إبراهيم عليه السلام إلى مكة ثانياً، وبنى البيت هو وإسماعيل، وتولى إسماعيل أمره، وتداوله بنوه من بعده، ثم استولت جُرهم على أمر البيت، فلما تفرقت قبائل اليمن بسيل العرم نزلت خُزاعة مكة وغلبت جرهماً عليها، فخرجت جرهم من مكة ورجعوا إلى ديارهم من اليمن حتى انقرضوا، وبقي حضرموت مع أخيه باليمن لم يبرح، وتناسل بنوه به، وبنوا مدينة حضرموت وسكنوها، فعُرفت بهم.

قال علي بن عبد العزيز الجرجاني النسابة: وكان فيهم ملوك تقارب ملوك التبابعة في علوّ الصيت ونباهة الذكر.

قال في العبر: وقد ذهب أكثرهم واندرج باقيهم في كِنْدَه، وصاروا في عدادهم.

ومن حضرموت هؤلاء: وائل بن حُجر، كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً نصه: من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أرض حضرموت بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. على التِّيعة الشاة، والتِّيمة لصاحبها. وفي السيوف الخُمس، ولا خِلاط، ولا وراط، ولا شِناق، ولا شِغار، ومن أجْبى فقد أربى، وكل مسكر حرام.

وفي رواية ذكرها القاضي عياض رحمه الله في "الشفاء": أن في كتابه صلى الله عليه وسلم إليهم: إلى الأقيال العباهلة، والأرواع المشايب، وفي التِّيعة شاة، لا مُقوّرة الألياط، ولا ضِناك، وانطوا الثَّبَجة، وفي السيوف الخمس. ومن زنى مِم بكر فاصفعوه مائة واستوفضوه عاما. ومن زنى مم ثَيِّب فضرّجوه بالأضاميم، ولا توصيم في الدين، ولا غُمة في فرائض الله، وكل مسكر حرام. ووائل بن حُجر يترفَّل على الأقيال.

ومن حضرموت: بنو الصدِف، بكسر الدال المهملة، قال القُضاعي في خِططه: حضروا فتح مصر واختطوا بها. وأما يعرب: فإنه ولد ابنه يشجُب، وملك اليمن بعده. وولد ليشجب: سبأ، واسمه عبد شمس، فملك اليمن بعد أبيه، وأكثر الغزو والسبي فسُميَّ سبأ. وغلب ذلك عليه حتى لم يُسمّ به غيره، ثم أطلق الاسم على بنيه بعده على عادتهم في القبائل. وورد القرآن بذلك في قوله تعالى حكاية عن الهدهد في خطابه لسليمان عليه السلام: (وجئتُك من سبأٍ بنبأٍ يقين) وقوله: مخبراً عن أمرهم، وما كانوا فيه من النعمة، وكيف تبدلت بغيرها: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وعن شمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدةٌ طيبة وربٌّ غفور. فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العَرم وبدَّلناهم بجنَّتيهم جنتين ذواتي أُكُل خَمْط وأَثْل وشيء من سِدر قليل).

وكان لسبأ عدة أولاد اشتهر منهم خمسة وتناسلوا وبقيت أعقابهم إلى الآن. ومن نسلهم جميع قبائل اليمن، وهم: حِميَر، وكهلان، وعمرو، وأشعر، وعاملة، وبحسبهم صارت أصول قبائل اليمن خمسة منهم تفرعت العمائر والبطون والأفخاذ، والفصائل، السابق بيانها.