القسم الثاني: العرب المستعربة - القبيلة الخامسة: قريش

مشاهير العرب المستعربة الموجودين الآن: قريش، بالضبط المعروف.

وهم: بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، المقدم ذكره. وقريش لقب غلب على بنيه أخذاً من التقارش، وهو التجارة. لأنهم كانوا تجاراً. وقلي: أخذاً من التقريش، وهو الإجماع، لاجتماعهم على قصي. أو لغير ذلك.

وقيل: قريش اسم، وفهر، لقب علب عليه.

وذهب ذاهبون إلى أن قريشاً هو النضر بن كنانة نفسه، وعليه جرى المؤيد صاحب حماة في تاريخه.

والأصل عند أصحابنا الشافعية ما عليه الجمهور الأول.

وزعم المبرّد في كتابه "المقتضب" أن هذه التسمية إنما وقعت لقُصيّ ابن كلاب.

ثم قريش على قسمين: قريش البطاح، وقريش الظواهر.

فقريش البطاح، هم: بنو قصي بن كلاب، وبنو كعب بن لؤي.

وقريش الظواهر مَن سواهم.

وق صارت قريش إلى زمن الإسلام عدة بطون، وهم: بنو الحارث بن فهر، وبنو جذيمة، وبنو عائذة، وبنو سامة، وبنو لؤي بن غالب، وبنو عامر بن لؤي، وبنو عدي بن كعب بن لؤي، وبنو فهم بن عمرو بن هُصيص بن كعب بن لؤي، وبنو جمح، وبنو مخزوم، وبنو تميم بن مرة، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو أسد بن عبد العزى، وبنو عبد الدار، وبنو نوفل، وبنو عبد المطلب، وبنو أمية، وبنو هاشم.

ثم تفرق قريش هؤلاء بعد الإسلام أفخاذاً كثيرة: كالبكريين، والعمريين، والعثمانيين، والعلويين، والزبيريين، والعوفيين، وغيرهم.

وبالجملة فقريش قد ملأت الأقطار وانتشرت في الآفاق حتى لم يخْلُ منهم قطر ولا أفق من الآفاق.

ثم مشاهير قريش الموجودون الآن عدة بطون.

البطن الأول منهم: عدي، بفتح العين وكسر الدال المهملتين وياء مثناة من تحت في الآخر.

وهم: بنو عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، وهو قريش على ما تقدم ذكره.

والنسبة إلى عدي: عدوي.

ومن عدي: العمريون، بضم العين وفتح الميم. وهم: بنو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العُزى بن رباح بن عبد الله بن قُرط بن رزاح بن عدي.

قال القاضي محب الدين الطبري في "الرياض النضرة في فضائل العشرة": كان له من الولد تسع بنون. هم: عبد الله، وعبد الرحمن الأكبر، وأمهما زينب بنت مظعون؛ وزيد الأكبر وأمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب- رضي الله عنهم- من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقال: إنه مات هو وأمه في ساعة واحدة؛ وعاصم، وأمه جميلة بنت عاصم بن ثابت؛ وزيد الأصغر، وعبد الله، وأمهما مليكة بنت جَرول الخزاعية؛ وعبد الرحمن الأوسط، وأمه لهية، أم ولد؛ وعبد الرحمن الأصغر، وأمه أم ولد؛ وعياض، وأمه عاتكة بنت زيد.

وذكر أن العقب منهم لثلاثة: عبد الله، وعاصم، وعبيد الله.

والعمريين موجودون إلى الآن بكثرة بمصر والشام وغيرهما.

وقد ذكر في مسالك البصار أنه وفد منهم طائفة على الفائز الفاطمي بالديار المصرية في وزارة الصالح طلائع بن رُزيك في طائفة من قومهم بني عدي، ومقدمهم خلف بن نصر، وهو شمس الدولة أبو علي، ومعهم طائفة من بني كنانة بن خزيمة، وأنهم وجدوا من ابن رُزَّيك ما أربي على الأمل، وحلُّوا محل التكرمة عنده على مباينة الرأي ومخالفة المعتقد.

ثم ذكر أن من بني عمر رضي الله عنهم جماعة بثغر دمياط والبرلس، وأحال في بسط ذلك على كتابه المسمّى: "بفاضل السمر في فضائل آل عمر" وذكر أن بوادي بني زيد من بلاد الشام فرقة منهم، وكذلك بالقُدس، وعجلون، والبلقاء.

وممن ينسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بنو فضل الله كُتّاب السر الشريف بمصر والشام.

وقد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه "التعريف" أنه من ولد: خلف ابن نصر، المقدم ذكره.

ومن العمريين الآن جماعة من الأعيان بالديار المصرية. منهم: القاضي شمس الدين العمري، والقاضي ناصر الدين البرلسي، كاتبا الدست الشريف.

وممن ينسب نفسه إلى عمر رضي الله عنه: الحفصيون، ملوك إفريقية الآن من بقايا الموجودين. وهم أولاد أبي حفص، أحد العشرة أصحاب المهدي بن تومرت.

ويقولون: هم بنو أبي حفص عمر بن يحيى بن محمد بن وانود بن علي بن أحمد بن والال بن إدريس بن خالد بن اليسع بن الياس بن عمر بن وافتق بن نجية بن كعب بن محمد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه: "التعريف بالمصطلح الشريف". ومن أهل النسب من ينكر نسبتهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمنهم من يجعلهم من عديّ بن كعب رهط عمر، وليسوا من بني عمر نفسه، ومنهم من يجعلهم في هنتانه من البربر، وليسوا من قبائل العرب.

البطن الثاني: من مشاهير العرب الموجودين من قريش: بنو جُمَح، بضم الجيم وفتح الميم وحاء مهملة في الآخر.

وهم: بنو جمح بن هَصيص بن كعب بن لؤي، المقدم ذكره.

وكان له من الولد: حُذافة، وسعد.

فمن بني سعد بن جمح: أبو مَحذورة، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأخوه أنيس، قتل يوم بدر كافراً.

ومن بني حذافة: أمية، وأبيّ، ابنا خلف، عدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلدة بن أسيد، الذي أنزل فيه: (لقد خَلقنا الإنسان في كبد).

وجميل بن معمر، الذي أنزل فيه: (ما جعل الله لرجلمن قلبين في جوفه) على أحد الأقوال.

قال في مسالك الأبصار: وبأذرعات من بلاد الشام قوم منهم.

البطن الثالث: بنو سهم: بالضبط المعروف.

وهم: بنو سهم بن عمرو بن هصيص، المقدم ذكره.

كان له من الولد: سعد، وسعيد.

فمن بني سعد بن سهم: قيس بن عدي، الذي يقال فيه: كأنه في العز قيس بن عدي كانت عند الغيطلة بن بني كنانة. فيها يعرفون.

ومنهم: عبد اله بن الزبعري الشاعر.

ومن بني سعيد بن سهم: العَمْريون، بقتح العين وسكون الميم. وهم: بنو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم، فتح مصر في سنة عشرين من الهجرة، واختط جامعها. ويقال: إنه وقف على إقامة محرابه ثمانون رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم، وبنوه بها إلى الآن.

قال في مسالك الأبصار: وهم بالفُسطاط، ومنهم أشتات بالصعيد، ولهم حصة في وقف عمرو بن العاص على أهله بمصر.

وقد ذكر القُضاعي في خططه "دور السهميين" وقال: إنها حول المسجد حيث كان الفُسطاط.

قال: وهو موضع المحراب وما يليه من جانبه إلى حيث السواري القبلية.

البطن الرابع: بنو تميم، بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء المثناة من تحت وميم في الآرخ.

وهم: بنو تميم بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.

وهم رهط طلحة، أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة.

ومن تميم: البكريون. وهم: بنو أبي بكر الصديق رضي الله عنه، واسمه عبد الله- وقيل: عتيق بن عثمان، وكنيته أبو قحافة- بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم، المقدم ذكره.

وأمه: أُم الخير بنت صخر، من تميم أيضاً.

كان له من الولد: ثلاث بنين: أحدهم: عبد الله، وهو أكبر ولده، وأُمه قتيلة، ومات في خلافة أبيه.

والثاني: عبد الرمن، وكنيته أبو عبد الله، أسلم في هُدنة الحُديبية، وهاجر وكان شجاعاً، له مواقف مشهورة في الجاهلية والإسلام، وشهد بدراً وفتوح الشام. وأمه أم رومان بنت الحارث، من بني فراس بن غنم، ومات فجأة سنة ثلاث وخمسين من الهجرة.

قال القاضي محب الدين الطبري في "الرياض النضرة في فضائل العشرة": وعقبه كثير.

الثالث: محمد، ويكنى: أبا القاسم، وكان من نُساك قريش، وأمه: أسماء بنتعُميس الخثعمية: ولاّه عثمان رضي الله عنه في خلافته مصر، ثم ولاها أيضاً علي في خلافته، بعد مرجعه من صفين، فجرى بينه وبين عمرو بن العاص حرب انتهت به الحال فيه إلى أن هرب محمد بن أبي بكر، فيقال: إنه وجد حماراً ميتاً فدخل في جوفه، فوجد فأحرق فيه فمات، وقيل: بل قُتل ثم جعل فيه وأحرق، وذلك في سنة ثمان وثلاثين من الهجرة.

وبالديار المصرية من البكرين جماعة كثيرة من ولد عبد الرحمن بن أبي بكر، بعضهم بالفُسطاط، وبعضهم بناحية دَهروط من البهنساوية، وقد خرج منهم جماعة من العلماء وهم، يَتمذهبون بمذهبي الشافعي ومالك رضي الله عنهما.

قال الحمداني: ومن البكريين جماعة بالصعيد منهم: بنو طلحة بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه.

قال: وهم ثلاث فرق، هم وأقرباؤهم، وقد أطلق على الكل اسم بني طلحة.الفرقة الأولى: بنو إسحاق. ويقال إن إسحاق ليس جداً لهم، ولكنه موضع تحالفوا عنده سموه إسحاقكناية، كما تحالفت الأزد عند أكمة سموها مذحجاً.

الفرقة الثانية: قصة. قال: وهم بطون كثيرة، وأكثرهم أشتات بالبلاد لاحد لهم.

الفرقة الثالثة: تعرف ببني محمد، وهم من ولد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. قال الحمداني: ومنازل بني طلحة بالبرجين- وهي البرجانية- وسفط سكرة، وطلحا المدينة.

البطن الخامس: بنو مخزوم، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وضم الزاي المعجمة وسكون الواو وميم في الآخر.

وهم: بنو مخزوم بن يَقْظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.

وكان لمخزوم من الولد: عمرو، وعامر، وعمران.

منهم: خالد بن الوليد: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خالد ابن الوليد بن المُغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

ومنهم أيضاً: أبو جهل بن هشام، عدو رسول الله صلى الله علسه وسلم. واسمه: عمرو. فيه نزل (وكذلك جَعلنا لكُل نبي عدوا من المُجرمين) وأخوه العاصي بن هشام، قتلا يوم بدر كافرين، وأخوهما سَلمة بن هشام، وأسلم: وهو من: خيار المسلمين.

ومنهم: سعيد بن المسيّب الإمام الكبير التابعي المشهور.

قال الحمداني: وخالد، من عرب حمص، وخالد من عرب الحجاز، يدعون أنهم من عقبه.

ثم قال: ولعلهم من سواهم من بني مخزوم، فهم أكثر من قريش بقية، وأشرفهم جاهلية.

ولا يخفى أن من بني مخزوم جماعة موجودين إلى الآن في أقطار متفرقة، وقد رأيت بعضهم بالديار المصرية.

البطن السادس: زهرة، بضم الزاي وسكون الهاء وفتح الراء المهملة وهاء في الآخر.

وهم: بنو زهرة بن كلاب، جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم نسبه في عمود النسب.

قال الجوهري: زهرة: اسم امرأة كلاب، نُسب ولده إليها.

كان له من الولد: عبد مناف، والحارث.

منهم: آمنة بنت وهب، أُم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومنهم: سعد بن أبي وقاص، أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومنهم: عبد الرحمن بن عوف، أحد العشرة أيضاً.

قال الحمداني: ومن عقب عبد الرحمن رضي الله عنه جماعة بالبهنساوية، وما حولها من صعيد مصر.

وقد رأيت أنا منهم قوماً ببيدق من بلاد الجيزة.

البطن السابع: عبد الدار، بالضبط المعروف.

وهم: بنو عبد الدار بن قُصي. وقد سبق نسبه إلى قريش في عمود النسب.

كان لعبد الدار من الولد: عثمان، وعبد مناف، والسباق.

وفي النسبة إليهم ثلاثة مذاهب: أحدها ينسب عبدي، نسبة إلى المضاف، وداري، نسبة إلى المضاف إليه، وعبدري، نسبة إليهما جميعاً، كما ينسب إلى "عبد شمس" عبشمي، وإلى "عبد القيس" عبقسي.

ومن بني عبد الدار: النضر بن الحارث، كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبراً، فرثته أخته قُتيلة بنت النضر بقولها:

يا غـادياً إن الأُثـيل مَـظِـنّة

 

من صبح خامسة وأنت موفَّقُ

أبلغ به مَـيتـاً بـأنْ تَـحـية

 

ما إن تزال به الركائب تَخفِقُ

مني إليه وعيرةً مَـسـفـوحة

 

جادت بكوافها وأُخرى تَخْنُـق

هل يسمعنّي النضر إن ناديتُـه

 

إن كان يسمع مَيِّت أو ينطـق

ظَلَّت سيوف بني أبيه تنوشُـه

 

لله أرحام هنـاك تُـشـقـق

أمحمدو لأنت نـجْـل كـريمة

 

في قومها والفَحل فحل مُعْرق

ما كان ضَرّك لو مننت ورُبما

 

مَنّ الفتى وهو المغيظ المُحْنق

والنضر أقربُ من قتلت قرابةً

 

وأحقهم إن كان عتقاً يُعـتـق

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو بلغني قبل أن أقتله ما قتلته.

وفي بني عبد الدار حجابة الكعبة من الزمن القديم، والأصل في ذلك أن قصيّاً لما اشترى مفاتيح الكعبة من أبي غُبشان الخزاعي بزق خمر بعث المفاتيح مع ابنه عبد الدار هذا، فوقف بها عند البيت وقال: يا بني إسماعيل، هذه مفاتيح البيت قد رَدَّها عليكم- على ما تقدم ذكره في الكلام على بني إسماعيل.

بقيت السدانة فيه وفي بنيه من بعده.

ومن بني عبد الدار: بنو شَيبة، بفتح الشين المعجمة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الباء الموحدة وهاء في الآخر.

وهم: بنو شَيبة بن عثمان بن طلحة بن عبد الدار بن قصي، المقدم ذكره. وبيدهم سدانة البيت، وذلك أن السدانة انتهت إلى عثمان، والد شيبة هذا، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع استدعى منه فتح البيت ليلاً ليُدخل عائشة رضي الله عنها الكعبة، فامتنع من فتحها ليلاً مُحتجاً بأن ذلك لم تجر به عادة، فانتزع النبي صلى الله عليه وسلم المفاتيح منه، فأنزل الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تُؤدوا الأمانات إلى أهلها) فردها النبي صلى الله عليه وسلم إليه وجعلها في عقبه إلى يوم القيامة. فهي بيدهم إلى الآن.

وبمكة المشرفة جماعة منهم.

قال الحمداني: ومنهم جماعة بالديار المصرية بنواحي سفط وما يليها، ويقاربها ويدانيها، يعني سفط وما يليها من البهنساوية، ويعرفون بجماعة نهار.

البطن الثامن: بنو أسد. بالضبط المعروف.

وهم: بنو أسد بن عبد العزى بن قصيّ. وقد سبق نسبه إلى قريش في عمود النسب.

ومن بني أسد هؤلاء: خديجة بنت خويلد، زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

وورقة بن نوفل، الذي أتته خديجة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الوحي، على ما هو مذكور في كتب الصحيح.

ومنهم: الزبير بن العوام، أحد العشرة المقطوع لهم بالجنة، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومنهم: الزبيريون، وهم: بنو الزبير بن العوام بن خُويلد بن أسد، المقدم ذكره.

وأمه: صفية بنت عبد المطلب بن هاشم، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قيل: أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: اثنتي عشرة. وقيل: ست عشرة. ولم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها. ويروى أنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فما يُدخل بيته منها درهماً، بل كان يتصدق بذلك كله وينفقه في وجوه البر. وناهيك أن فضَّله حسان بن ثابت رضي الله عنهما في شعره على جميعهم في ذبِّهِ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن جميل مناقبه أنه تحاكم مع رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ماء يُسقى به زرع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اسق حتى يبلغ الكعب". ثم أرسل إليه، فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "احبس يا زبير حتى يبلغ الجدار". ثم أرسل إليه فأنزل الله تعالى: (فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يُحَكِّمُوك فيما شجر بينهم) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه: بشّر قاتل ابن صفية بالنار.

وقتل يوم الجمل بعد انصرافه عن قتال عليّ نادماً، وهو ابن سبع وستين سنة.

قال الطبري: وكان له عشرة أولاد: أحدهم: عبد الله، وأمه: أسماء بنت أبي بكر الصديق، وهو الذي بويع له بالخلافة في خلال خلافة بني أمية.

والثاني: المنذر.

والثالث: عروة، وكان فقيهاً فاضلاً.

والرابع: الهاجر، وأمهم أسماء.

والخامس: مصعب.

والسادس: حمزة، وأمهما الرباب بنت أنيف.

والسابع: عبيدة.

والثامن: جفعر، وأمهما زينب بنت بشر.

والتاسع: عمرو.

والعاشر: خالد، وأمهما: أم خالد بنت سعيد بن العاص.

قال الطبري في "الرياض النضرة في فضائل العشرة". والعقب منهم لعبد الله، ومصعب، وعروة، والمنذر، وعبيدة، وعمرو.

قال الحمداني: وبالبهنساوية، من صعيد مصر أقوام منهم.

فمن بني عبد الله: بنو بدر، وبنو مصلح، وبنو رمضان. ومن بني مصعب قوم يعرفون بجماعة محمد بن رواق.

ومن بني عروة: بنو عتي.

ثم قال: وأكثرهم ذو معايش وأهل فلاحة وزرع وماشية وضرع.

البطن التاسع: بنو أمية، بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء المثناة من تحت وهاء في الآخر.

وهم: بنو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وقد تقدم نسبه إلى قريش في عمود النسب.

قال أبو عبيد: وهما أميتان: أحدهما: أمية الأكبر، وكان له عشرة أولاد.

أربعة منهم يسمون بالأعياص، وهم: العاص، وأبو العاص، والعيص، وأبو العيص، سموا بذلك أخذاً من أسمائهم.

وستة منهم يسمون: العنابس، وهم: حرب، وأبو حرب، وسفيان، وأبو سفيان، وعمرو وأبو عمرو. سموا العنابس بابن من أبناء حرب أحدهم، اسمه عنبسة، غلب عليهم اسمه.

ومن عقب أمية هذا أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو عثمان بن عفان بن العاص بن أمية، المقدم ذكره.

ومنهم أيضاً: معاوية بن أبي سفيان، والحكم بن العاص.

وسائر خلفاء بني أمية بالشام ثم الأندلس. والثاني: أمية الأصغر، وأولاده يقال لهم: العَبلات، بفتح الباء.

قال الجوهري: سموا بذلك لأن اسم أمهم عبلة.

وقال أبو عبيد: سموا بذلك لابن لأُمية المذكور اسمه عبلة، وهو:عبلة الشاعر.

ومن عقب أمية الأصغر: الثريا بنت عبد الله بن الحارث بن أمية، وهي التي كان يُشَبِّب بها عمر بن أبي ربيعة، وهي مولاة الغريض المغني، وكان تزوَّجها سُهيل بن عبد الرحمن بن عوف، وفيهما يقول عمر بن أبي ربيعة المقدم ذكره:

أيُّها المُنْكح الثريّا سُهيلا

 

عَمرك الله كيف يَلْتَقيانِ

هي شاميَّة إذا ما استقلت

 

وسُهيل إذا استقلَّ يمان

وقد اختلف في النسبة إلى أمية على مذهبين: أحدهما أنه يُنسب إليه أُموي، بضم الهمزة جرياً على لفظ أُمية، وإليه يميل كلام الشيخ أثير الدين أبي حيان في "شرح التسهيل".

والثاني: أَموي، بفتحها، وعليه اقتصر الجوهري في "صحاحه" محتجاً بأن أُمية تصغير أمة، وأصل أمة أموة، فإذا نسبت رددته إلى الأصل.

قال الحمداني: وبالصعيد جماعة من بني أمية بناحية تندة وما حولها، من الأشمونين، بالديار المصرية، من بني أبان بن عثمان رضي الله عنه، وبني خالد بن يزيد بن معاوية، وبني سلمة بن عبد الملك، وبني حبيب بن الوليد بن عبد الملك، ومن بني مروان بن الحكم، وهم المروانية.

قال: ولهم قرابات بالأندلس، ومنهم أشتات ببلاد المغرب.

قال: ومرت الدولة الفاطمية، وهم بأماكنهم من الديار المصرية لم يروَّع لهم سرب، ولم يكدر لهم شرب.

ثم قال: وهم إلى الآن بها.

وذكر في مواضع أخر أن منهم فرقة بالبلقاء من بلاد الشام.

قال: وبالشعراء من بلاد الشام أيضاً قوم منهم.

البطن العاشر: بنو هاشم وهم: بنو هاشم بن عبد مناف. وقد مر نسبه في عمود النسب.

وإلى هاشم انتهت رياسة قريش. وكان إذا حضر الحجيج إلى مكة قام في قؤيش فقال: يا معشر قريش، إنكم جيران الله، وأهل بيته، وهم ضيوف الله، وأحق الضيف بالكرامة، فاجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعاماً أيامهم هذه التي لا بُدّ لهم من الإقامة بها، فوالله لو كان مالي يسع ذلك ما كلفتكموه. فيُخرجون لذلك خرجاً من أموالهم كل امرئ بقدر ما عنده، فيصنع به للحاج طعاماً حتى يصدروا منها.
وهو أول من سن الرحلتين لقريش. وأول من أطعم الثريد بمكة، وكان اسمه عمراً. فسميّ هاشماً لذلك. ففي ذلك قيل:

عَمْرو الذي هَشم الثريد لقومه

 

قوم بمكة مُسنتـين عُـجَـافِ

كانت إليه الرحلتان كلاهـمـا

 

سَفر الشتاء ورحلة المُصْطاف

ومات هاشم بغَزّة من الشام ودُفن بها.

وكان له ولدان: عبد المطلب، وعليه عمود النسب، والثاني: أسد، وهو أبو فاطمة أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وكان لهاشم ثلاثة أخوة، وهم: عبد شمس، المقدم ذكره، والمطلب، وهوجد الشافعي رضي الله عنه، ونوفل.

ويقال: إن هاشماً وعبد شمس توأمان، وُلدا لبطن واحد وجلداهما مُعتلقان، فلما فُرق بينهما بعد الولادة سال الدم بينهما، فقيل: إنه يكون بينهما دم يُطل. فكان الأمر كذلك، حتى لم تزل الدماء تطل بين بني هاشم وبني عبد شمس ابن أمية، وإلى ذلك يشير بعض الشعراء بقوله:

عبد شمس قد أوقدت لبني هـا

 

شم ناراً يشيب منهـا الـولـيدُ

فابن حَرب للمُصْطفى وابن هند

 

لعلـيّ ولـلـحُـسـين يَزِيدُ

وعلى نحو من ذلك جرى صاحب "دور السّمط في خبر السّبط" حيث قال: واحرباه، ألّب على النبي صلى الله عليه وسلم أبو سفيان، ولاكت هند كيد حمزة، وغصب معاوية عليّاً حقه، واحتز يزيد رأس الحسين.

أما عبد المطلب فإنه مع هاشم. وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: نحن والمطلب كهاتين لم نفترق في جاهلية ولا إسلام.

ومن ثم حُرمت الصدقة على بني المطلب مع بني هاشم، وكان المُطلبي كفؤاً للهاشمية في النكاح، بخلاف نوفل وعبد شمس. وقد أوضحتُ القول على ذلك في كتابي "الغيوث الهوامع في شرح جامع المختصرات ومختصر الجوامع".

وولد لهاشم ولدان: أحدهما: أسد، وهو أبو فاطمة أم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، والثاني عبد المطلب.

وولد لعبد المطلب اثنا عشر ولداً: عبد الله، أبو النبي صلى الله عليه وسلم، على عمود النسب. وأبو طالب، والزبير، وعبد الكعبة، وأمهم فاطمة بنت عمر المخزومي.

والعباس، وضرار، وأمهما نُفيلة بنت جَناب.

وحمزة، والمقوِّم، وحَجّل، وأمهم هالة بنت أهيب.

وأبو ليث، وقُثم، والغَيداق، والحارث. على خلاف في هذا العدد.

قال أبو عبيد: والعقب منهم لستة: والعباس- رضي الله عنهما- وعبد الله، وأبو لهب، والحارث.

ومن هاشم: زهرة الوجود، وزبدة العالم، وثمرة كمامه، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكر نسبه في عمود النسب إلى هاشم، ثم من بعده إلى آدم عليه السلام، على ما تقدم ذكره قبل عدنان وبعده من الخلاف.

ثم المشهور من الموجودين من بني هاشم: فخذان: الفخذ الأول منهما: العباسيون، وهم: بنو العباس بن عبد المطلب بن هاشم، المقدم ذكره، عم النبي صلى الله عليه وسلم وصِنوا أبيه، أسلم بعد وقعة بدر الكبرى، وبقي إلى خلافة عمر، فأقحط الناس في سنة ثمان عشرة من الهجرة، وهو عام الرمادة، فاستسقى الناس به عمر، فسقي الناس. وبقى حتى توفي في خلافة عثمان في سنة اثنتين وثلاثين، عن ثمان وثمانين سنة، وكان إذا مرّ به عمر أو عثمان في خلافتيهما ترجل إجلالاً له.

ويقال: إنه لم يُر بنو أب أبعد قبوراً من بنيه: عبد الله بالطائف، وعبيد الله بالمدينة، والفضل بالشام، وقثم بسمرقند، ومعبد بإفريقية.

وفضائله أشهر من أن تذكر.

كان لد تسعة أولاد: الفضل،وبه كان يُكنّى، وعبد الله: حبر الأمة، وعبد الله الثاني، وقثم،وعبد الرحمن، ومعبد، وتمام، وكثير، والحارث.

والستة الأول أمهم لبابة بنت الحارث، من بني هلال بن عامر بن صعصعة.

والخلفاء من بني ابنه عبد الله حبر الأمة. وأول من وُلي منهم الخلافة: أبو العباس السفاح بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.

وقد ذكرتهم على التوالي إلى حين انقراض الخلافة من بغداد بقتل التتر المعتصم، في كتابي "مآثر الإنافة في معالم الخلافة" الذي ألفته لأمير المؤمنين المعتضد بالله ابي الفتح داود خليفة العصر، مع أمور مهمة أخرى أوردتها فيه، من ذكر الخلفاء العباسيين بالديار المصرية من ابتداء أمرهم إلى زمانه، والكلام على لفظ الخلافة وما يتعلق به، وأحكامها الشرعية، وما كان يكتب عن الخلفاء من المكاتبات والولايات، وماكان يكتب إليهم من المكاتبات، ونوادر تتعلق بالخلافة لا توجد في غيره.

وبنو العباس قائمون بالخلافة بالديار المصرية إلى زماننا هذا نتيجة لقوله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس حين امتدحه بأبياته المشهورة التي أولها:

من قبلها طبت في الظلال وفي

 

مستودع حيث يُخصف الورق

فأسر إليه أن قال: ألا أبشرك ياعم، بي ختمت النبوة وبولدك تختم الخفة.

وقد بسطت القول على ذلك في كتابي "مآثر الإنافة في معالم الخلافة" المقدم ذكره.

الفخذ الثاني: من بني هاشم: الطالبيون، وهم: بنو أبي طالب.

قال ابن إسحاق: واسمه عبد مناف- قال أبو عبد الله الحاكم: اسمه كنيته- ابن عبد المطلب بن هاشم.

قال أبو عبيد: وكان له من الولد: طالب- وبه يكنى، ولا عقب له- وعقيل، وجعفر، وعلي، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم.

قال ابن عبد البر في "الاستيعاب": وكان جفعر أكبر من عقيل بعشر سنين، وعقيل أكبر من علي بعشر سنين، وطالب أكبر من عقيل بعشر سنين.

ومن الطالبيين: الجعافرة، وهم: بنو جعفر بن أبي طالب، المقدم ذكره، ويعرف بجعفر الطيار، وذلك إنه قطعت يداه يوم موته سنة ثمان من الهجرة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله جعل منهما جناحين يطير بهم في الجنة، ولذلك قيل له: الطيار.

وكان لجعفر أولاد، منهم: محمد، وعبد الله، مسح النبي صلى الله عليه وسلم على رءوسهم، حين جاء نعي أبيهم جعفر، ودعا لهم، وقال: أنا وليهم في الدنيا والآخرة.

وكان عبد الله بن جعفر من أجود الناس حتى إن أهل المدينة يتداينون على مقدمه في الموسم.

وتزوج محمد أم كلثوم بنت عمه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- بعد موت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

قال في العبر: ومن ولد عبد الله هذا: عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، قام بفارس، وبويع له بالكوفة في آخر الدولة الأموية.

قال: وأراد بعض شيعة بني العباس تحويل الدعوة إليهم، فلم يوافقهم على ذلك أبو مسلم الخراساني القائم بدعوة بني العباس. ومن الطالبيين أيضاً: العلويون. وهم: بنو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم، المقدم ذكره، كانت قد أسلمت وهاجرت، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي. وعلي رضي الله عنه أحد العشرة المقطوع له بالجنة، وهو أول خليفة كان أبواه هاشميين، وبويع له بالخلافة يوم قتل عثمان رضي الله عنهما، وقتل لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة. ودُفن بالكوفة عند مسجد الجماعة في قصر الإمارة، وغُيب قبره، وعمره يوم مات ثلاث وستون سنة. وقيل: سبع وخمسون.

قال القاضي محب الدين الطبري: وكان له ثلاثة عشر ولداً ذكراً، وهم: الحسن والحسين، من سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال العسكري في كتاب: "التصحيف". وهذان الإسمان حباهما الله لنبيه صلى الله عليه وسلم حتى سمى بهما ابنيه هذين أما ما وجد في قبائل طيء من الحسن والحسين: فالأول منهما بفتح الحاء وسكون السين، والثاني بفتح الحاء وكسر السين.

وعمر، وأمه حَمْنة بنت جَحش- وطلحة. وأمه حمنة أيضاً- ويحيى وإسماعيل وأسحاق- ويعقوب. وأمهم أم أيمن بنت معاوية- وموسى، وزكريا. وأمهما أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه- ويوسف: وأمه أم كلثوم أيضاً.

وذكر أن العقب منهم لستة، محمد بن الحنفية، والسجّاد، ويحيى، وإسحاق، ويعقوب، وموسى.

وزاد القُضاعي في بنيه "العباس" فجعلهم خمسة عشر.

قال الطبري: والنسل فيهم لخمسة: الحسن، والحسين، ومحمد بن الحنفية، وعمر، والعباس.

قال: وأكثر أنساب العَلويين راجع إلى: الحسن، والحسين، وأخيهما محمد بن الحنفية.

ثم قال: وإنما أختص هؤلاء بالذكر لأنهم الذين قاموا بطلب الخلافة وتعصب لهم الشيعة، ودعوا لهم في الجهات.

ثم المشهور من العلويين الآن فصيلتان: الفصيلة الأولى: الحسنيون: وهم: بنو الحسن السِّبط ابن أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه، من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن الحسنيين المذكورين: المهديّ محمد بن عبد الله الكامل بن حسن المثنى ابن الحسن السبط، بويع له بالخلافة بمكة في آخر الدولة الأموية، وحضر بيعته أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس، ثم كان له شأن مع أبي جعفر المنصور في خلافته، وجرت بينهما مكاتبات ومحاورات يطول ذكرها.

ومنهم: إبراهيم بن عبد الله، أخو المهدي المقدم ذكره، بويع له بالخلافة، بالبصرة.

ومنهم الأدارسة، بنو إدريس. وهو الذي بنى مدينة فاس قاعدة المغرب الأقصى الآن.

وقد ذكر صاحب "الروض المعطار" أنّ سبب تسميتها "فاساً" أنه حين بُنِيَ أساسها وُجد فيها فأس، فسُميت به المدينة، ثم صار لهم مُلك بعد ذلك بالأندلس.

ومنهم: السُّليمانيون، الذين كان منهم أمراء مكة بعد نُواب خلفاء بني العباس عليها. وهم: بنو سليمان بن داود بن الحسن المُثنى بن الحسن السِّبط.

قال في العبر: ثم لم يزل عُمَّال بني العباس على مكة إلى زمن المستعين، فحدثت الرياسة بها لبني سليمان هؤلاء.

قال: وكان كبيرهم في آخر المائة الثالثة محمد بن سليمان، من ولد سليمان، المقدم ذكره.

قال البيهقي: وخطب لنفسه بالأمامة في سنة إحدى وثلثمائة بعد خلع طاعة العباسيين، أيام المقتدر العباسي.

ومنهم: الهواشم. وهم: بنو أبي هاشم محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجَوْن بن عبد الله بن الحسن المُثنى بن الحسن السبط.

وهؤلاء هم الذين صارت إليهم إمرة مكة بعد السليمانيين، المقدم ذكرهم.

وأول من ولي إمرتها منهم: محمد بن جعفر بن أبي هاشم، المذكور، وبقيت فيهم إلى آخر سنة تسع وثمانين وخمسمائة.

ومنهم: بنو قتادة: - ويقال، ذَوو قتادة- ابن إدريس بن مُطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط.

ملك مكة من يد الهواشم بعد أن ملك يَنبع والصَّفراء، ثم ملك اليمن وبعض أطراف المدينة وبلاد نجد، ولم يَقْدَم على أحد من الخلفاء والملوك، وان يتعاظم على الناصر لدين الله الخليفة العباسي ويقول: أنا أحق بالخلافة منه. وكتب إليه الناصر يستدعيه إليه في بعض السِّنين، فكتب في جوابه هذه الأبيات:

بلادي وإن هانت عليك عزيزةٌ

 

ولو أنني أعرى بها وأجـوعُ

 

ولي كفٌّ ضِرغام أُذِل ببطشها

 

وأشرِي بها وبين الورى وأبيع

تَظل ملوك الأرض تَلْم ظهرها

 

وفي بَطنها للمُجدِبـين ربـيع

أَأَجعلها تحت الرَّحى ثم أبتغي

 

خلاصاً لها إنِّي إذا لوضـيع

وما أَنا إلا المِسْك في كل بلدة

 

يصُوغ وأما عندكم فـأضـيع

           

وبقي حتى تُوفي سنة سبع عشرة وستمائة.

وبقيت إمارة مكة في عقبه إلى الآن في بيت عَجلان بن رميثة بن أبي نُميّ بن أبي سعد بن عليّ بن قتادة.

وانت قد استقرت آخراً في ابنه حسن، ثم تغير عليه السلطان الملك المؤيد، شيخ سلطان العصر خاد الله سلطانه، فصرفه عنها ووليّ ابن أخيه رُميثة بن محمد ابن عجلان سنة ثمان عشرة وثمانمائة، والأمر على ذلك إلى الآن.

ومن بني قتادة أيضاً: أمراء الينبع وغيرهم، وذلك أنه كان بالينبع من بني الحسن بن علي، رضي الله عنهما: بنو حراب، وبنو عيسى، وبنو علي، وبنو أحمد، وبنو إبراهيم. فلما ملك قتادة مكة أدى الحال بعد ذلك إلى أن استقرت إمارة الينبع في إدريس بن حسن بن قتادة، وابني عمه: أحمد، وجماز، فهي في عقبهم إلى الآن.

وبنو حسن هؤلاء من أهل مكة، والينبع، وغيرهم على مذهب الزّيدية.

ومن بني حسن أيضاً: بنو الرَّسي، بفتح الراء المهملة المشددة وكسر السين المهملة، الذين منهم أئمة الزيدية باليمن الآن.

وهم: بنو القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغَمر ابن عبد الله بن الحسن المُثنى بن الحسن السبط.

ودارهم صنعاء وما والاها.

وأول من قام بالإمامة منهم هناك: يحيى بن الحسين بن القاسم الرسيّ بن إبراهيم طباطبا، المقدم ذكره، في سنة اثنتين وثمانين ومائتين، في حياة أبيه الحسين، وتلقب الهادي، وملك صعدة، وصنعاء وما معهما، وبقي ذلك في عقبهم حتى غلبهم عليه السليمانيون أمراء مكة، عندما أخرجهم الهواشم منها. ثم عاد ذلك إليهم فيما بعد، وبقيت بيدهم إلى أن كان في حدود سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة صلاح بن يحيى بن حمزة، ثم ابنه نجاح، فلم يدينوا له بالإمامة، فقال: أنا محتسب لله تعالى.

قلت: ومن بني حسن غير من تقدم في الشرق والغرب من لا يسع ضبطه، ولا يتأتى حصره، ومن يدخل منهم في دواوين الأشراف بالأمصار جزء من كل.

الفصيلة الثانية: من العلويين: الحسينيون: وهم بنو الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن حزم: وليس للحسين عقب إلا من ابنه زين العابدين.

ومن الحسينيين هؤلاء: الجعافرة. وهم: بنو جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين السبط.

وجعفر هذا، هو أحد الأئمة الاثنى عشر، عند الاثنى عشرية، الذاهبين إلى اثنى عشر إماماً، وهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم ابنه الحسن السِّبط، ثم أخوه الحسين السِّبط، ثم ابنه علي السجَّاد زين العابدين، ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق هذا، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضى، ثم ابنه محمد المتقي، ثم ابنه علي التقي، ثم ابنه الحسن الزكي المعروف بالعسكري، ثم ابنه محمد الحُجة، ويقال: القائم، وهو ثاني عشرهم، وهم يعتقدون حياته وينتظرون خروجه.

كان له من الولد: موسى الكاظم، ومحمد الديباجة.

ومن ولد موسى الكاظم: ابنه علي الرضى، الذي جعله المأمون ولي عهده بالخلافة، ةمات في حياة المأمون.

ومن ولده أيضاً: إسماعيل الإمام، الذي تنسب إليه طائفة الإسماعيلية بقلاع الدعوة، بأعمال طرابلس من الشام.

ومن الجعافرة أيضاً: العُبيديون، بضم العين وفتح الباء، وهم: بنو عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر المصدق بن محمد المكتوم بن إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق، المقدم ذكره.

على أنه قد طَعن في هذا النسب طاعنون من النسّابة، فيهم جماعة من أكابر العلماء والأشراف، وليس هذا موضع البسط فيه، وقد استوفيت الكلام على ذلك في كتابي "مآثر الإنافة في معالم الخلافة".

كان لهم دولة بالمغرب ثم بمصر والشام، وعبيد الله المهدي أول من بويع له منهم بالمغرب، وبنى مدينة المهدية في مشارف إفريقية وسَكنها. ويقال: إنه لما عمرها قال: أمنت على العلويين، وأنه صعد سورها ورمى بسهم وقال: إلى هنا ينتهي صاحب الحمار، فخرج خارجيّ يقال له: أبو زيد صاحب الحمار، فقصد المهدية، فوصل إلى ذلك المكان ثم رجع، وبقي المغرب بيده ثم بيد عقبه مدة، إلى أن كان من عقبه المعز لدين الله الفاطمي، فجهز جوهراًالقائد إلى مصر ليأخذها، وخرج لتشييعه، فجمع المشايخ الذين مع جوهر وقال: والله لو دخل جوهر إلى مصر وحده لأخذها، ولندخلنها بالأردية من غير قتال، وَلَتَبْنينّ مدينة تُسَمّى: القاهرة، تقهر الدنيا.

فكان الأمر على ما ذكر من دخول مصر من غير قتال. واختط له جوهر القاهرة في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، ثم وصل إليها المغرب، ونزل بقصر الخلافة الذي بناه له جوهر بوسطها.

وبقيت الديار المصرية بأيديهم إلى أن كان آخرهم العاضد لدين الله يوسف، وكانوا جميعهم على مذهب الشيعة يسبون الشيخين، وينادون في الآذان: بِحَيَّ على خير العمل.

ومنهم أيضاً: بنو طاهر الذين منهم أمراء المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

وهم: بنو أبي القاسم طاهر، من ولد يحيى الفقيه، من ولد الحسن، من ولد جعفر حجة الله، من ولد أبي جعفر عبد الله بن الحسين الأصغر، ابن علي زين العابدين ابن الحسن السبط.

وكانت في سنة تسع وتسعين وسبعمائة بيد ثابت بن جَمّاز بن قاسم بن مهنا بن الحسين بن مُهنا بن داود بن القاسم بن عبد الله بن طاهر بن يحيى، المقدم ذكره، ثم تنقلت بعده في بني عمه إلى أن صارت الآن إلى ثابت بن جماز بن هبة بن جماز ابن منصور، من قبل سلطان العصر الملك المؤيد شيخ عز نصره.

وبنو الحسين هؤلاء من أمراء المدينة، وأتباعهم كلهم رافضة وسبّابة؛ إلا أنهم لا يتجاهرون بذلك خوفاً من السلطان.

وبقايا بني الحسين منتشرون في أقطار الأرض مع بني عمهم الحسن، قد ملأوا الخافقين.