أخبار ليلى

ثالث ما ألف من الكتب في أشعار النساء، بعد (أشعار الجواري) للمفجع البصري المتوفى سنة 327هـ و(الإماء الشواعر) لأبي الفرج الأصفهاني المتوفى سنة 356هـ. ويضم الكتاب تراجم 38 شاعرة، يمتاز الكتاب بانفراده بذكر الكثير من الأخبار والأشعار، سيما شعر النساء الخارجيات.

أخبار ليلى مع النابغة الجعدي

كتب إلي أحمد بن عبد العزيز، أخبرنا عمر بن شبة عن أبي الحسن المدائني، قال: هاجى النابغة الجعدي ليلى الأخيلية فقال لها:

ألا حيّيا ليلى وقولا لها هـلا

 

فقدْ ركِبتْ )...( أغرُّ محجَّلا

فقالت ترد عليه وهما قصيدتان له ولها، فغلبته بقوله:

وعيَّرتني داءً بأمك مثلـه

 

وأيُّ جوادٍ لا يقال لها هلا

وهلا: كلمة تقاس للفرس الأنثى إذا أنزي عليها الفحل لتسكن.

حدثني محمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال: حدثني الحكم بن موسى السلولي، أخبرني الباهلي العلامة قال: "أنه تحاكم إلى ليلى" شعراء هوزان: النابغة الجعدي "وحيد بن ثور" الهلالي وتميم بن أبي بن مقبل العجلاني والعجير السلولي فأنشأت تقول:

ألا كلّ ما قالَ الرواة وزبّبـوا

 

به غير ما قال السلوليُّ بهْرج

تعني: العجير، قال: فنمى الخير عنها، فقال النابغة الجعدي:

كأنَّك ليلى بـغـلة تـدْمـريَّة

 

رأت حصناً فعارضتهنَّ تشْحج

قال: ثم قال:

ألا حيّيا ليلى وقولا لهـا: هـلا

 

فقد ركبتْ )...( أغرَّ محجَّـلا

وبرذَوْنة بلَّ البراذين ثـفْـرهـا

 

وقد شرِبتْ في أوَّلِ الصيف أيِّلا

وقد أكلتْ بقْلاً وخيماً نـبـاتـه

 

وقد أنكحت شرَّ الأخايلِ أخْـيلا

رأى نفسه يقلاً وخيماً، يقول: إنها ستسوخم هجائي.

وكيف أهاجي شاعراً رمْحه أسته

 

خضيبَ البنانِ ما يزال مكحَّـلا

دعي عنك تهجاءَ الرجَالِ وأقبلي

 

على أذْلغيّ يمْلأ أسْتكِ فـيْشـلا

قال: وبنو الأذلغ بن بني عبادة بن "ربيعة البكاء وكان" نكاحاً، فبلغها قوله فقالت:

أنابغ لم تنبـغْ ولـم تـك أولاً

 

وكنْت صنياً بينَ صُدَّيْن مجهلا

ويروى: ولم تك موبهاً، ويروى: بين شعبين مجهلا، ويروى: وكنت شعيباً بين صدين، والصدان: جانبا سفح الجبل، والصني: الثميد يبض شيئاً يسيراً يشرب به الطير ولا يشرب به الإنسان لقتله وصني تصغير صنو، والصنو: الشعب الصغير.

أنابغ إن تنبغ بلؤمكَ لا تـجـدْ

 

للؤمكَ إلا وسطَ جعدة مجْعلا

أعيرتني داءً بأمك مـثـلُـه

 

وأي جوادٍ لا يقال لها: هل؟!

ويروى: وأي حصان. ويقال للفرس الحجر: هلا، وذلك إذا دعيت للإقرار لتنزى. فاجتمع الجعديون وقالوا: والله لنأتين أمير المدينة فلنستعدينه عليها فأنها قد قذفتنا، وبلغها ذلك فزادت في القصيدة.

أحقاً بما أنبـيت أنَّ عـشـيرتـي

 

بشوران يزجون المطيَّ المنعَّـلا

يروح ويغدو وَفدهم لـصـحـيفةٍ

 

ليستجلدوا لي ساءَ ذلك معـمـلا

على غير جرْم غير أنْ قلت: عمهم

 

يعيش أبوهم في ذَراه مـغـفَّـلا

عمهم: هو عقيل، وأبوهم: هو جعدة. في ذراه: في ذرى عقيل، ويروى: نداه.

وأعمى أتاه بالحجاز نثـاهـم

 

وكان بأطراف الجبال فأسهلا

الأعمى: النابغة. جعلته أعمى القلب.

فجاء بهِ أصحابه يحمـلـونـه

 

إلى خيرِ حـيٍ آخـرين وأوَّلا

إذا صدرت ورَّادهم عن حياضهم

 

تغادر نهباً للزكـاة مـعـقَّـلا

تقول: هم يؤدون الصدقة عن إبلهم.

تنافر سوّراً إلى المجد والعلا

 

وأقسم حقاً إن فعلت ليفعلا

ويروى: تسابق سواراً، وهو سوار بن أوفى بن سبرة بن سلمى بن قشير، وكان يهاجي النابغة ويفخر عليه بأيام بني جعدة.

بمجْدٍ إذا المرء الـلـئيم أرادَه

 

هوى دونه في مهْيلٍ ثمّ عضَّلا

عضل: عيا وبلد وضاق.

وهلْ أنت إن كان الهجاء محرّمـا

 

وفي غيره فضْل لمنْ كان أفْضلا

وفي غيره فضل: تقول: في غير الهجاء الحسب والكرم، وليس في الهجاء خير ولا يفضل به أحد. تريد: هل لك أن تدع الهجاء وتناسب سواراً حتى تعرف نفسك ونسبك وقدرك.

لنا تامك دونَ السماءِ وأصْلـه

 

مقيمٌ طوال الدَهْرِ لنْ يتحلحلا

وما كان مجْدٌ في أناس عَلمْتُه

 

من الناس إلاّ مجدُنا كان أوّلا

فجليت إلى المدينة، فأقامت بباب مروان وأنشأت تقول:  

أنيخَتْ لدى باب ابن مروانَ ناقتي

 

ثلاثاً لها عند النِتـاج صـرِيفُ

يُطيف بها فتـيانُـهُ كـلَّ لـيلةٍ

 

بنيرين مئرانُ الجـبـالِ وَريفُ

نيرين: شيئين، ويقال: لونين من العلف.

غُلامٌ تَلقّى سؤدداً وهو ناشىءٌ

 

فانتَ به رَحْبُ الذراعِ أليفُ

بقيْلٍ كتحبير اليمانـي ونـائلٍ

 

إذا قُلّبتْ دونَ العَطاءِ كفوفُ

وَرُحْنا كأنا نمتطي أخـدَرِيَّةً

 

أضرَّ بها رخوُ اللبان عنيفُ

وحلأّها حتى إذا لم يسُغ لهـا

 

حليٌّ بجَنْبيْ ثادقٍ وجفِـيفُ

جفيف: يابس الكلأ، والصغار من الحلي. والنصي: الذي يبس وأصابه المطر فاصفر.

أرنَّ عليها قارباً وانتـحـت لـه

 

مُبِـرَّةُ أرْسـاغِ الـيدينِ زَروفُ

تُهادي خجُوجاً خدَّدَ الجرْيُ لحْمَـهُ

 

فلا جحْشَها بالصيف فهي خروفُ

الخروف من الإبل: تنتج في الخريف، والمصيف: في الصيف، والمربع: في الربيع، والهبع: في القيظ، والصقعي: وهو الربعي، والصفري: مطلع سهيل، والدفيء: في آخر الشتاء.

ثم قالت في مروان تمدحه وتذكر أمر الجعديين:

طرِبْتَ وما هذا بساعة مطْـربِ

 

إذا الحيُّ حلواً بين عاذٍ فحَبْحبِ

قديماً فأضْحَتْ دارُهُم قد تلعَّبـتْ

 

بها خَرِقات الريح من كلِّ ملعبِ

وكمْ قد رأى رائيهُـمُ ورأيتـهـا

 

بها لي من عمٍّ كريمٍ ومـن أبِ

فوارسَ من آل النُفـاضةِ سـادةً

 

ومن آل سعْدٍ سؤدداً غير متْعبِ

وحيٍّ حريدٍ قد صبحنا بـغـارةٍ

 

فلم يُمْس بيتٌ منهمُ تحت كوكبِ

شننَّا عليهم كلَّ جرداءَ شـطْـبةٍ

 

لجوجٍ تباري كلَّ أجردَ شرْجبِ

لوَ حشيِّها من جانبي زفيانـهـا

 

حفيفٌ كخذروف الوليد المثقَّبِ

إذا جاش بالماء الحميم سجالهـا

 

نضخْنَ بهِ نضْخ المزادِ المسرَّبِ

فذَرْ ذا، ولكن قد تمنيت راكـبـاً

 

إذا قال قولاً صادقاً لـم يُكـذًّبِ

وكتب إلي أحمد بن عبد العزيز: أخبرنا عمر عن شبة، وحدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي، وحدثني أحمد بن محمد المكي، قال: حدثنا أبو العيناء، أن النابغة لما قال أبياته التي أولها: ألا حييا ليلى، أجابته بقولها الذي تقدم.

وروى أبو عمرو الشيباني أن النابغة لما قال يذكر يومي رحرحان وهو يهاجي سوار بن سبرة ويفخر عليه بأيام بني جعدة في قصيدة:

هلا سألتَ بيومي رحرحان وقد

 

ظنَّتْ هوازن أن العزَّ قد زالا

فلما قال:

تلك المكارم لا قَعبانِ من لبنٍ

 

شيبا بماءٍ فعاد بعْـد أبـوالا

قالت ليلى:

وما كنتُ لو قاذَفْتُ جلَّ عشيرتي

 

لأذكر قعبي حازرٍ قد تثـمـلا

فلما أتى النابغة هذه الأبيات وما دعته إليه ليلى قال: ألا حييا ليلى. حازر: حامض. وتثمل: صار كتلاً من الرغوة، والثمالة: الرغوة ويقال: الرعوة.

حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لليلى تمدح مروان بن الحكم:

طربت وما هذا بساعة مطْربِ

 

إذا الحيُّ حَلواً بين عاذٍ فحبْحبَ

وذكرها بطولها فاخترنا منها بعد ذكر ناقته:

أدلَّتْ بقُربي عنْدَه وقضى لـهـا

 

قضاءً فلمْ ينقضْ ولم يُتعـقّـبِ

فإنّك بعد اللـه أنـت أمـيرُهـا

 

وقُنعانُها في كلّ خوفٍ ومرغبِ

"قنعان الذي" يقنع برأيه. يقال : هذا قنعاني وقنعاني: أي ما قنعت به من شيء.

فتُقضى فـلـولا أنـه كـلّ ريبةٍ

 

وكلّ قليلٍ من وعيدِكَ مرهـبـي

إذن ما ابتغى العادي الظلومُ ظلامةً

 

عليَّ وما أجْلبْت للمـتَـجـلِّـبِ

معناه لا بل تعدي علي من ظلم وهجا فخاف أن أهجو وأنتصر فيعدي علي:

تبادِرُ أنباءَ الـوشـاةِ وتـبـتـغـي

 

لها طلباتِ الحقِّ من كل مطْـلـبِ

إذا أدلجتْ حتى ترى الصبحَ واصَلت

 

أديم نهارِ الشمس ما لـم تَـغَّـيبِ

فلمَّا رأتْ دارَ الأمير تخـاوَصـتْ

 

فقلت لها قد هبْت من مـتَـهـيًّبِ

تخاوصت بعينيها  

صياحَ فَراريج العقول وحاجبـاً

 

وصوْتَ المنادي بالصلاة المثوِّبِ

العقور: الحصون والقصور. ويروى: بالأذان المثوب.

وترْجيعَ أصواتِ الخصوم تردُّها

 

بيوت فضاءٍ في طمارٍ مبـوَّبِ

الطمار: المكان المرتفع. ومبوب أي له باب.

يظلُّ لأعلاها دَوِيٌّ كـأنـه

 

ترنُّمُ قاري بيْتِ نحْلٍ منوِّب

القاري: ذكر النحل الذي يجمعها، والمنوب: المسود، أي يسود هذا النحل بما يعمل موضعه ومنه سمي النوبي لسواده، وأنشد: في بيت نوب عوامل. ويروى نحل مجوب.

وأنشدني محمد بن أحمد، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى لليلى أيضاً:

أنيختْ لدى بابِ ابنِ مروانَ ناقتي

 

ثلاثاً لها عنْدَ الرتـاجِ صـريفُ

يطيف بها فتـيانـه كـلَّ لـيلةٍ

 

بنيْرَيْنِ مئران الجـبـال وريف

الرتاج: الغلق، ومنه أرتج على القارئ. ومئران من النشاط. النيران: شحم العام الأول وشحم عامها هذا، ويقال: ناقة ذات نيرين: أي شحم عامي وشحم حولي.

أخبار ليلى مجموعة

حدثني أحمد بن محمد الجوهري، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي، قال: حدثنا محمد بن زياد البكراوني، قال: سمعت العتبي يقول: دخلت ليلى الأخيلية على عبيد الله بن أبي بكرة.

قال محمد: وسمعت ابن عائشة يقول: دخلت امرأة من هوزان على عبيد الله بن أبي بكرة فقلت له: هي الأخيلية. فقال: لعلها. فقالت أصلح الله الأمير، أتيتك من بلاد شاسعة ترفعني رافعة وتهضبني هاضبة، لملمات من البلايا برين عظمي ونكهن جسمي، وتركنني أمشي بالحريض قد ضاق بي البلد العريض بعد عدة من الولد وكثرة من العدد، أفنين عددي وأوعزن تلدي، فلم يتركن لي سبداً ولم يبقين لي لبداً، فسألت في أحياء العرب من المرتجى سيبه والمأمون غيبه والمحمود نائله فدللت عليك- أصلحك الله- وأنا امرأة من هوازن هلك الوالد، وغاب الفاقد، فاصنع بي إحدى ثلاث.
قال: وما هن؟ قالت: تحسن صفدي أو تقيم أودي أو تردني إلى بلدي، فقال: بل نجمعهن لك. فجمع لها الخلال الثلاث. قال أحدهما: ثم أوصى لها بعد مؤته بمثل ميراث أحد بناته.

حدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال: قالت ليلى الأخيلية لبني عبادة قومها، وسئلت عنهم، فقالت: شر كالتراب وخير كالصؤاب.

أنشدني محمد بن أحمد الكاتب، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى النحوي لليلى:

شُمُّ العَرانينِ أسْماطٌ نِـعـالـهـم

 

بِيض السرابيلِ لم يعْلقْ بها الغَمَرُ

نعل سمط: إذا كان طاقاً واحداً ليست مطارقة.

أنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي، وقال: هو لليلى الأخيلية:

ألا ليت شعْري والخطوب كثيرةٌ

 

متى رحْل قيس مستقِلٌّ فراجع

بنفسيَ من لا يسْتقِل برحْـلـهِ

 

ومن هو إن لم يحفظ الله ضائعُ

حدثني عبد الله بن يحيى العسكري قال: روى أبو عمرو الشيباني لليلى تمدح أبي بكر بن كلاب بن ربيعة:

إن كنْتَ تبغي أبا بكـرٍ فـإنَّـهـم

 

بكلّ ساحةِ قـوْم مـنـهـم أثَـرُ

نعمي وبؤسي بآفاق البـلاد فـمـا

 

ينال أعداؤهم منهـم، ولا قـدروا

والعالمون إذا ما الأمر ضـافـهـمُ

 

أنَّى يحاوَلُ منه الوِرْد والـصـدَرُ

واخترت آل أبي بكْرٍ لحـاجـتـنـا

 

وكان فيهم لمن يختـارهـم خـيَر

وما اتهمت بني جَزْءٍ بـظـنَّـتـهِ

 

وما أساؤوا وما ضاعَ الذي حضروا

بظنته: أي بظنه أبي جزء، وبنو جزء آل عبد العزيز بن زرارة وهم من بني بكر بن كلاب.
قال: وروى أبو عمرو أيضاً لها تفخر:

نحن منعْنا بين أسْفَـل نـاعـت

 

إلى وارداتٍ بالخميس العرمرم

بحيّ إذا قيل أظعنوا قد أتِـيتُـم

 

أقاموا على هَوْلِ الجنانِ المُرَجَّمِ

تحمَّل أولاهم من الـدار غـدوةً

 

وتمسي بها أخراهم لم تَصَـرَّمِ

أخبار ليلى مع الحجَّاج

بن يوسف وذلك في آخر عمرها

حدثني أبو عبد الله الحكيمي. قال: حدثني يحيى بن يموت بن المزرع قال: حدثنا رفيع بن سلمة. قال: حدثني أبو عبيدة، قال: دخلت ليلى الأخيلية على الحجاج فأنشدته:  

فنعم فتى الدنيا لئنْ كانَ فاجـراً

 

وفوق الفتى إن كان ليسَ بفاجرِ

فتىً هو أحيا من فـتـاةٍ حـييّة

 

وأشجعُ من ليْثٍ بخفانَ خـادرِ

فتىً فـيه فـتـيانـيَّةٌ أريحـيَّةٌ

 

بقيَّة أعرابيَّةٍ من مُـهـاجـر

فقال فتى من جلساء الحجاج: والله أيها الأمير ما كان في توبة عشير ما تقول ليلى.

فقالت ليلى: والله أيها الأمير لو رأى ذلك توبة لتمنى أن لا تبقى في داره بكر إلا حملت منه.

وأخبرني عبد الله بن يحيى قال: حدثني محمد بن جعفر، قال: حدثنا ابن أبي سعد، قال: حدثني أبي الحسن الموصلي عن سلمه بن أيوب بن مسلمة الهمذاني فقال: كان جدي عند الحجاج فذكر أن امرأة قد دخلت عليه فسلمت فرد عليها، وقال: من أنت؟ قالت: أنا ليلى. قال: صاحبة توبة بن حمير؟ قالت: نعم. قال: فماذا قلت فيه لله أبوك؟ قالت: قلت:

فإنْ تكنِ القتلى بواءً فـإنَّـكـم

 

فتىً ما قتلتُم آل عوفِ بن عامرِ

وذكر منها أبياتاً فقال لها أسماء بن خارجة الفزاري: أيتها المرأة إنك لتصغين لهذا الرجل بشيء ما تعرفه به العرب. قال: فقالت: أيها الرجل: هل رأيت توبة؟ قال: لا. قالت: أصلح الله الأمير، فوالله لو رأى توبة فود أن كل عاتق في بيته حامل من توبة. قال: فكأنما فقئ في وجه أسماء حب الرمان. فقال له الحجاج : وما كان لك ولها.
حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال حدثنا أحمد بن يحيى النحوي عن عبد الله بن أحمد المكي عن عبد الله بن مشهور، قال: دخلت ليلى الأخيلية على الحجاج فقال لها: أنشديني ما قلت في توبة فأنشدته:

كأنّ فتى الفتـيان تـوبةَ لـم ينـخْ

 

قلائِصَ يفْحصْنَ الحصى بالكراكرِ

ولمْ يبْنِ أبراداً رقـاقـاً لـفـتـيةٍ

 

كرامٍ ويرحلْ قبْلَ فيءِ الهواجـرِ

فقال لها الحجاج: هل كان بينك وبينه سوء؟ قالت لا والله إلا أنه أرسل رسولاً مرة، فقال: إذا أتيت حاضر بني عبادة-يعني ابن عقيل- فناد فيه:

عفا الله عنها هل أبيتـنَّ لـيلةً

 

من الدهر لا يسري إليّ خيالها

فظننت أنه جنح لبعض الأمر فناديت:

وعنْه عفا رَبي وأصْلحَ بالهُ

 

فعزَّ علينا حاجةٌ لا ينالهـا

وحدثني محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن أبي خثيمة قال: أخبرنا علي بن المغيرة الأثرم عن أشياخه، قال أحمد: وأخبرنا عبد الله بن أبي كريم عن أبي عمرو الشيباني أن ليلى الأخيلية قدمت على الحجاج بن يوسف وعنده وجوه أصحابه وأشرافهم إذ أقبلت جارية فأشارت إلى الحجاج وأشار إليها بيده، فذهبت فما تلبث أن جاءت امرأة من أجل النساء وأكمله وأتمه خلفاً وأحسنه محاورة، فلما دنت منه سلمت عليه وقالت: أتأذن أيها الأمير؟ قال: نعم. فأنشأت تقول:

أحجَّاج إن اللَّهَ أعطاكَ غايةً

 

يقصر عنْها منْ أرادَ مداها

أحجَّاج لا يفْللْ سِلاحك إنَّما

 

المنايا بكف اللَّه حيث يراها

حتى أتت على آخرها.

فقال الحجاج لمن عنده: أتدرون من هذه؟ قالوا: ما نعرفها ولكنا ما رأينا قط امرأة أطلق لساناً منها، ولا أجمل وجهاً، ولا أحسن لفظاً فمن هي أصلح الله الأمير؟؟ قال: هذه ليلى الأخيلية صاحبة توبة بن الحمير العقيلي التي يقول فيها:

فلو أنَّ ليلى الأخيلية سـلـمَـت

 

عليّ وفوقي تـرْبَةٌ وصَـفـائحُ

لَسَلمْتُ تسليم البـشـاشَةِ أو زَقـا

 

إليها صدىً من جانبِ القبر صائحُ

ثم قال: يا ليلى أنشدينا بعض ما قال توبة فيك، فأنشدته:

نأتْكَ بليلى دارها لا تـزورهـا

 

وشطَّتٌ نواها واستمرَّ مريرها

وكنت إذا ما زرْت ليلى تَبَرْقَعَت

 

فقد رابني منها الغداة سُفورها

حتى فرغت من القصيدة.

فقال لها: يا ليلى وماذا رابه من سفورك؟ قالت: اصلح الله الأمير! لم يرني قط إلا متبرقعة فأرسل إلي رسولاً إنه ملم بنا، وفطن الحي لرسوله، فأخذوا له واستعدوا وكمنوا، ففطنت لذلك من أمرهم، فلما رأى ذلك أنكره، فلم يزد على أن سلم وانصرف.

فقال الحجاج لله درك يا ليلى فهل كان بينكما ريبة قط؟ قالت: لا والذي"أسأله أن يصلحك" إلا أنه مرة قال قولاً، فأضنه أنه خضع لبعض الأمر فقلت:  

وذي حاجةٍ قلنا له لا تبح بها

 

فليس إليها ما حييت سبـيل

لنا صاحبٌ لا ينبغي أن نخونه

 

وأنت لأخرى صاحبٌ وخليل

تخالكَ تهوى غيرها فكأنمـا

 

لها من تَظنّيها عليك دلـيلُ

فما كلمني بعد ذلك بشيء حتى فرق بيني وبينه الموت.

قال: فما كان حديثكما بعد ذلك؟ قالت: لم يلبث أن قال لصاحب له: إذا أتيت الحاضر من بني عبادة فقل بأعلى صوتك:

عفا الله عنها هل أبيتـنَّ لـيلةً

 

من الدهر لا يسري إليَّ خيالها

فلما سمعت الصوت خرجت فقلت:

وعنه عفا ربي وأصلح حاله

 

فعز علينا حاجةٌ لا ينالهـا

ثم لم لبث أن قتل.

قال: فأنشدينا بعض مراثيك إياه. فأنشدته قصيداً كثيراً، فكان مما أنشدته قصيدتها التي تقول فيها:

كأنّ فتى الفتـيان تـوبةَ لـم يُنـخ

 

قلائص يفحصن الحصى بالكراكر

فلما أتمتها قال رجل من القوم: والله ما أظنه بلغ عشر ما وصفتيه به. فنظرت إليه ليلى، وقالت: أصلح الله الأمير، إن هذا المتكلم لو رأى توبة لسره-ألا يكون في داره عذراء إلا وهي حبلى من توبة.

فقال الحجاج: هذا والله الجواب الحاضر، وقد كنت غنياً عنه. ثم قال: لها ما حاجتك؟ قالت: حاجتي أن تحملني إلى قتيبة والي خراسان على البريد. فحملها فاستظرفها قتيبة ووصلها ثم رجعت فماتت بساوة فقبرها بها.

أخبرني محمد بن أبي الأزهر، قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال: روى أن ليلى الأخيلية قدمت إلى الحجاج فأنشدته:

إذا وردَ الحجاج أرضاً مريضة

 

تَتَّبع أقصى دائها فشـفـاهـا

شفاها من الداء العضال الذي بها

 

غلامٌ إذا هز القنـاةَ ثـنـاهـا

قال: أتقولين غلام؟ قولي همام. ثم قال لها: أي نسائي أحب إليك أن أنزلك عنده؟ قالت: ومن نساؤك أيها الأمير؟ قال: أم الجلاس بنت سعيد بن العاصر الأموية، وهند بنت أسماء بنت خارجة الفرازية، وهند بنت المهلب بن أبي صفرة العتكية. قالت: القسية أحب إلي، فلما كان الغد دخلت عليه فقال: يا غلام أعطها خمسمائة. فقالت أيها الأمير اجعلها أدماً. فقال قائل: إنما أمر لك بشاء. فقالت: الأمير أكرم من ذلك. فجعلها ابناً إناثاً استحياء، وإنما كان أمر لها بشاء أولاً. الأدم: البيض من الإبل وهي أكرمها.

أخبرني علي بن عبد الرحمن عن علي بن يحيى الأطروش بن إسحاق عن أيوب بن عباءة، قال: حدثني الهيثم بن عدي، قال: دخلت ليلى الأخيلية على الحجاج فقال لأصحابه: ألا أخجلتها لكم؟ قالوا: بلى. قال: يا ليلى. قالت: لبيك أيها الأمير. قال: أكنت تحبين توبة بن الحمير؟ قالت نعم أيها الأمير وأنت لو رأيته لأحببته.

وحدثني أحمد بن محمد الجوهري، قال: حدثنا العنزي، حدثنا أبو السائب بن سلم بن جنادة، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف بن معمرالتيمي، قال: حدثنا خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد، قال: أخبرني أبي، قال: جاءتنا ليلى الأخيلية فقالت: إني أريد أن أمدح الحجاج. فأدخلناها إليه، فقالت:

لقد وجد الحجاج أرضاً مريضةً

 

فطبّق أعلى دائها فشفـاهـا

تتبّعها الداء العضال الذي بهـا

 

غلامٌ إذا هز القناة سقـاهـا

فقال الحجاج: يا خيلية اجعليني هماماً، لا تجعليني غلاماً.

ثم قال: على من أنزلك من نسائي؟ قالت اذكر لي نساءك. قال: عندي بنت سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، وعندي أم سلمة بنت عبد الرحمن بن سهيل بن عمرو، وعندي بنت المهلب بن أبي صفرة، وعندي بنت أسماء بنت خارجة الفزاري، فاخترت بنت أسماء بنت خارجة، لقرابتها منها، فنزلت عليها.

وحدثني محمد بن أحمد الوزيري قال: حدثنا محمد بن العباس، قال: حدثنا الخليل بن أسد النوشجاني، حدثني حفص بن عمر العمري عن الهيثم بن عدي، قال: أخبرنا أبو يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير، قال: حدثني محمد بن الحجاج بن يوسف، قال: بينا الأمير جالس-يعني الحجاج-إذ استأذنت ليلى، فقال الحجاج: ومن ليلى؟ فقيل: الأخيلية قال: صاحبة توبة، أدخلها. فدخلت امرأة طوالة، دعجاء العين، حسنة المشية، حسنة الثغر إلى الفوه ما هي، فسلمت فرحب بها الحجاج، فدنت فقال الحجاج: وراءك، ضع لها وسادة يا غلام، فجلست، فقال: ما أعملك إلين؟ قالت السلام على الأمير، والقضاء لحقه، والتعرض لمعروفه. قال: كيف خلفت أهلك؟ قالت: تركتهم في حالة خصب وأمن ودعة. أما الخصب ففي الأموال والكلأ، وأما الأمن فقد آمنهم الله بك، وأما الدعة فقد خامرهم من خوفهم ما اصلح بينهم. ثم قالت: ألا أنشدك أيها الأمير؟قال: إذا شئت. فقالت:

أحجاج لا يُفْلَلْ سلاحك إنـمـا

 

المنايا بكف الله حـيث يراهـا

إذا هبط الحجاج أرضاً مريضةً

 

تتبَّع أقصى دائها فشـفـاهـا

شفاها من الداء العُضال الذي بها

 

غلام إذا هز القناة سـقـاهـا

سقاها فروّاهـا دمـاء غـزيرةً

 

دماء رجال حيث قال حَشاهـا

ويروى: فراوها بصوب سجاله دماء رجال. وشرب سجال، وقال: يقيل.

إذا سمع الحجاج صوت كتيبة

 

أعدَّ لها قبل النزول قِراهـا

ويروى:

وإن سمع الحجاج زحف كتيبة

 

أعدَّ لها قبل الصباح قراهـا

أعدَّ لها مصقـولة فـارسـيَّة

 

بأيدي رجال يحلبون ضَراها

أحجاجُ لا تعط العداة مناهـمُ

 

ولا الله لا يعطي العداة مناها

ولا كل خطَّاف تقـلَّـد بـيعة

 

بأعظم عهد الله ثم شـراهـا

فما ولد الأبكار والعَوْن مثلـه

 

ببحرٍ ولا أرض يجفُّ ثراها

فقال الحجاج ليحيى بن منقذ: لله بلاؤها ما أشعرها. قال: ما لي بشعرها علم. قال: علي بعبيد بن موهب. وكان حاجبه قال: أنشديه، فأنشدته، فقال: هذه الشاعرة الكريمة "قد" وجب حقها. قال: ما أغناها عن شفاعتك! يا غلام. مر لها بخمسمائة درهم واكسها خمسة أثواب، أحدها كساء خز، وأدخلها على ابنة عمها هند بنت أسماء بن خارجة وقل لها: صليها. فقالت: أصلح الله الأمير أضر بنا العريف في الصدقة وقد جربت إبلنا وتكسرت قلوبنا، واخذ خيار المال. قال: اكتبوا لها بن الحكم بن أيوب فليتبع لها خمسة أجمال، وليجعل أحدها نجيباً، واكتبوا إلى صاحب اليمامة يعزل العريف. قال: ابن موهب: أصلح الله الأمير أأصله؟ قال:نعم. فوصلها بأربعمائة درهم، ووصلتها هذه بثلاثمائة درهم، ووصلها محمد بن الحجاج بوصفين. قال الهيثم بن عدي: ولم أسمع أنادي من حماد. قال: لما فرغت ليلى من شعرها أقبل الحجاج على جلسائه فقال: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا والله ما رأينا امرأة قط أفصح ولا أبلغ ولا أحسن إنشاداً منها. فمن هي؟ قال: ليلى الأخيلية صاحبه توبة بن حمير ثم أقبل عليها، فقال: بالله يا ليلى أرأيت من نوبة أمراً تكرهينه أو سألك شيئاً يعاب؟ قالت: لا، والذي أسأله المغفرة ما كان ذلك منه. فقال: أما إذا لم يكن فيرحمنا الله وإياه.

وأخبرني عبد الله بن يحيى قال: أخبرني محمد بن جعفر العطار، قال: حدثنا ابن أبي سعد، قال: حدثني أحمد بن رشد بن خثيم الهلالي قال: حدثني هاشم بن محمد الهلالين، قال: حدثني أيوب بن عمرو عن رجل من بني عامر يقال له:ورقا.
قال: كنت عند الحجاج بن يوسف فدخل الآذن فقال: أصلح الله الأمير، امرأة بالباب تهدر كما يهدر البعير الناد. قال: أدخلها. فلما دخلت نسبها فانتسبت له، فقال: ما أتاني بك يا ليلى؟ قالت: إخلاف النجوم، وكلب البرد، وشدة الجهد فكنت لها بعد الله الرد. قال : فأخبريني عن الأرض؟ قالت: الأرض مقشعرة والفجاج مغبرة، وأصابتنا سنون مجحفة مظلمة لم تدع لنا متبعاً ولا ربعاً ولا عافطة أهلكت الرجال ومزقت العيال وأفسدت الأموال وأنشدته قولها: أحجاج لا تشلل يمينك إنما...و ذكر الأبيات.

فالتفت الحجاج إلى أصحابه فقال: هل تعرفون هذه؟ قالوا: لا، قال: هذه ليلى الأخيلية التي تقول:

نحن الأخايل لا يزال غلامنـا

 

حتى يدِبَّ على العصا مذكورا

تبكي الرماح إذا فقدنَ أكُفّـنـا

 

جزعاً وتلفينا الرفاق بحـورا

ثم قال لها : يا ليلى أنشديني بعض شعر توبة قالت: وأي شعره أحب إليك؟ قال لها:

نأتْكَ بليلى دارُهـا لا تـزورُهـا

 

وشطّت نواها واستمرَّ مريرهـا

يقول رجالٌ: لا يضيرك نـأيُهـا

 

بلى كلُّ ما شفَّ النفوسَ يَضِيرُها

أليس يضير العينَ أن تُكثر البكـا

 

ويُمنع منها نومُها وسـرورهـا

وكنتُ إذا ما جئتُ ليلى تبرْقَعـتْ

 

فقد رابني منها الغداةَ سُفُورهـا

وقد رابني منها صـدودٌ رأيتـهُ

 

وإعراضُها عن حاجتي وبسورُها

ما الذي رابه من صدودك يا ليلى؟ قالت: أصلح الله الأمير أنه لم يرني قط إلا مبرقعة فأرسل لي رسولاً أنه ملم بنا وفطن الحي برسوله فلما رأيته سفرت. فلما رأى ذلك انصرف. فقال: قاتلك الله يا ليلى فهل كان بينكما ريبه قط؟ فقالت : أصلح الله الأمير لا إلا أنه قد قال مرة قولاً عرفت أنه قد خضع لبعض الأوامر فقلت له:

وذي حاجةٍ قلنا له: لا تَبحْ بها

 

فليس إليها ما حييتَ سـبـيلُ

لنا صاحِبٌ لا نَبْتَغي أن نخونَهُ

 

وأنتَ لأخرى فارْعَ ذاك خليلُ

قال: فما كان بعد ذلك؟ قالت: قال لصاحب له: إذا أتيت الحاضر من بني عبادة بن عقيل

فاهتف به:

عفا الله عنها هل أبيتـنَّ لـيلةً

 

من الدهر لا يسري إليَّ خيالها

فناديت:

وعنه عفا ربِّي وأصلح بالَه

 

فعَزَّ علينا حاجَةٌ لا يَنالُهـا

قال: فأنشدينا بعض شعرك فيه. فأنشدته:

لعمركَ ما بالموتِ عار على الفتـى

 

إذا لم تصبه في الحياةِ الـمـعـاير

وما أحَد حَيٌّ وإن كـان سـالـمـاً

 

بأخلدَ ممَّن غيَّبـتْـهُ الـمـقـابِـر

فلا الحي مما استحدث الدهر مُعتْبُ

 

ولا الميت إن لم يصبر الحي ناشر

وكل جديد أو شبـاب إلـى بـلـىً

 

وكل امرىء يوماً إلى الموت صائر

قتيل بني عوْفٍ فيا لهـفـتـي لـه

 

وما كنتْ إياهـم عـلـيه أحـاذر

ولكنني أخـشـى عـلـيه قـبـيلة

 

لها بدروب الشام بـادٍ وحـاضـر

قال: فقال الحجاج لحاجبه: اذهب بها اقطع عني لسانها. قال: فدعا لها الحجام ليقطع لسانها فقالت: ويلك إنما قال لك الأمير اقطع لساني بالعطاء والصلة، فارجع إليه فاسأله قال: فرجع إليه فاستشاط عليه وهم بقطع لسانه. ثم أمر بها فأدخلت عليه فقالت: كاد العلج أيها الأمير يقطع مقولي وأنشدته:

حجاجُ أنت الذي ما فـوقـه أحـد

 

إلا الخليفةُ والمستغفر الصـمـد

حجاج أنت شهاب الحرب إذ لقحت

 

وأنت للناس نـور ضـوءه يَقِـدُ

وحدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي قال: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال: دخلت ليلى الأخيلية على الحجاج بن يوسف وهو في السفينة يريد البصرة فقال لها: ما جاء بك يا ليلى؟ قالت: كلب البرد وشدة الجهد وكان إليك بعد المفر. قال: يا ليلى كيف تركت الناس؟ قالت: الفجاج مغبرة والأرض مقشعرة والناس مسنتون ورحمة الله يرجون، ثم أنشدته:

إذا هبط الحجاجُ أرضاً مريضةً

 

تتبعَ منها داءها فشـفـاهـا

فنظر الحجاج إلى مولى له قائد البخارية فقال: اذهب بهذه العجوز إلى يزيد فقل له: أعطها ألف دينار واقطع عني لسانها. فلم يفهم البخاري إلا قطع اللسان، فقال ذلك ليزيد، فدعا بالحجام فقالت: وما تريد؟ قال: اقطع لسانك. قالت: ويلك أمر لي بالعطاء. قال: ومر بها عتبة بن سعيد فنادته فقال: ويلك لا تعجل أنا رسوله إليك ثم دخل على الحجاج فأخبره، فقال: علي بها فلما دخلت قالت: كاد العلج-أماته الله- أن يقضب مقولي، وأنشدته: حجاج أنت الذي ما فوقه أحد........... وذكر البيتين.

فقال لها الحجاج: أين تريدين أترجعين إلى بلدك وأجهزك؟ قالت: لا، أريد الباهلي تعني قتيبة. فخرجت إلى قتيبة فماتت بالري أو بدون الري.

وروى علي بن المغيرة الأثرم أنه سمع الأصمعي يقول: أن الحجاج أمر لليلى عشرة آلاف درهم وقال لها : هل لكي من حاجة؟ قالت: نعم -أصلح الله الأمير- تحملني إلى ابن عمي قتبية بن مسلم، وهو على خراسان يومئذ، فحملها إليه فأجازها وأقبلت راجعة تريد البادية، فلما كانت بالري فماتت فقبرها هناك.

وحدثني أبو عبد الله الحكيمي قال: حدثنا أحمد بن أبي خثيمة عن نصر بن عبد علي الجهضمي عن بعض البصريين، قال: لما أتت ليلى بن قتيبة جفاها فقالت: ردني إلى ابن عمي. فردها، فلما صارت بساوة ماتت. وإنما قالت للحجاج ابن عمي لأنها من هوازن من بني عقيل ، والحجاج من بني قسي بن منبه بن بكر بن هوزان.
قال أحمد : أخبرنا عبد الله بن أبي كريم عن أبي عمرو الشيباني: إن ليلى لما حملها الحجاج إلى قتيبة بخراسان على البريد استظرفها قتيبة ووصلها ثم رجعت ثم ماتت بساوة بقبرها.

آخر أخبار ليلى

أخبرنا ابن دريد، قال: أخبرنا أبو عثمان الأشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة، قال: كانت ريا بنت الأعرف إحدى بني عقيل، عند ثروان بن السميع، وهو رجل من قومها. وكان شيخاً أعشى كثير شعر الرأس والوجه. فرقد يوماً في بيتها وهي قاعدة بين يديه فأنشأت تقول:

بنو عقيل

من يشتري مِني زوجاً خَبا

أخبّ من ضبٍّ يداهي ضبا

كأنّ منه الحاجِبَ الأزبَّا

قنَيْفِذ بقنْفذٍ أدَبّا

كأنّ خصْيَيْهِ إذا أكبا

فرّوجتان تلقطان حَبا

فأجابها ثروان فقال:

أوسعتني عرامةً وَسَبا

يا ربِّ أركسه لها يا رَبا

فاقدر لها أربد مسْلحِبا

تخالُ ما استقْدم منه ضبّا

وما سواه وَرَلاً مُهْتبا

يفرِغ في عرقوبِها المكْرَبا

مجاجَ نابين إذا ما أكرَبا

في جسمها زايل إربٌ إربا

أخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثنا المغيرة بن محمد المهلبي سنة أربع وسبعين ومائتين، قال: حدثنا عبد الله بن محمد التوزي، قال: أنشدني أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري لامرأة من بني عقيل، قال محمد: وغير أبي زيد ينشده لغيرها:

أخبرتني يا قلـب أنَّـك ذاهـل

 

لليلى فذقْ ما كنتَ قبل تقـول

ومنيتني حتى إذا ما تقطـعـتْ

 

قوىً من قوىً اعوَلتَ دامَ عويل

وغير التوزي ينشده على الاقواء: أي عويل.

وإن سأل الواشون عنها فقل لهم

 

وذاك عطاء للوشـاةِ جـزيل

ملمُّ بلـيلـى سـاعةً ثـم إنـه

 

لهاجِر ليلى بعدها فمـطـيل

أخبرنا ابن دريد، قال: أخبرنا أبو الحاتم عن الأصمعي، قال: تزوج رجل من بني عقيل امرأة منهم، فدخل يوماً وهي تمثل بيت عزل فقال لها: ما هذا الذي تتمثلين به، لعلك عاشق؟ قالت: لا، ولكن أبيات حضرتني. فقال: لئن سمعتك إلى مثل هذا لأوجعن ظهرك وبطنك. فأنشأت تقول:

فإنْ تضربُوا ظهري وبطني كليهما

 

فليس لقلبٍ بين جنبـيَّ ضـارب

يقولون: عَزِّ النفسَ عمـنْ تـوده

 

وكيف عزاء النفس والشوق غالب

فطلقها.

أخبرني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي، قال: قالت امرأة من بني عقيل كانت نازلة في عكل فهجت قوماً غزوهم أو رجلاً غزاهم.

يا بنَ الدَعي إنهم عكل فقِفْ

 

لتعلمنَّ اليومَ إنْ لم تنصرفْ

إن اللئيمَ والكريمَ مختلِفْ حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثني أحمد بن أبي خثيمة، قال: أخبرنا مصعب بن عبد الله الزبيري، قال محمد: وحدثنا محمد بن يحيى بن الزبير بن بكار: أن امرأة من بني عقيل كان أهلها مجاورين لبني النمير، وكان لها تربان قد ألفتهما، فلما أراد أهلها الترحل أنشأت تقول:

أتِرْبيَّ من عليا نميرِ بنِ عامـرٍ

 

أجدّا البكا أن التفرُّقَ بـاكِـر

أتربيَّ عاقتنا نوىً عن نـواكـم

 

وشِعْب نوىً قد بان لي متشاجِر

ألا تريان البرقَ بـانَ كـأنـه

 

دواضِحِ شُعْرٌ تُتقى بالحوافـر

فما مكثنا دامَ الجمال عليكـمـا

 

بثهلانَ إلا أنْ تزَمَّ الأبـاعـر

وحدثني أبو عبد الله الحكيمي، قال: حدثنا أحمد بن أبي خثيمة، قال: أخبرني مصعب بن عبد الله، قال: جاءني زبير يدعونني من غداة يومنا، فقلت له: اجلس نستمع منك، فأني ذكرت أبيات العقيلية:

أتربيَّ من عليا نمير بن عامرٍ

 

أجدّا البكا أن التفرق باكـر

قال: فقال لي زبير: قد ذكرتني هذه أيضاً فراقنا بالبيت الرابع من شعرها:

فما مكثنا دام الجمال عليكما

 

بثهلانَ إلا أنْ ترَدَّ الأباعِر

أخبرني الصولي، قال: حدثنا علي بن الصباح، قال: أنشدنا أبو محلم لهنيدة الخفاجية في ابنها المضاء:

يا رَب من عابَ المضاء أبدا

 

فاحرِمه أمثالَ المضاءِ وَلدا

كأنَّ عـينـيه إذا تـوَقّـدا

 

وأخَذَ المُنصلَ ثم استأسـدا

عيْنا قطامي من الطير غدا

 

يَنفض عنه بجناحيه النـدى

القطامي: الصقر، وهو أحد الجوراح نظراً وأبعده، ومنه قول امرئ القيس:

رمتني بعيني جؤذر وَرَميتـهـا

 

بعيني قطاميٍّ على مرقبٍ عالِ

وجدت بخط حرمي: عن ابن المزربان لماوية العقيلية في ابن عم لها يقال له كثير وكانت تحبه:

ألمَّ كثير لمةً ثـم شـمـرَتْ

 

به خِلة يطلبن برْقاً يمـانـيا

ألا ليتنا والنفس تصبر بالمنى

 

يمانونَ إذ أضحى كثير يمانيا