ذكر قصة إبراهيم ومن تلأ عصره من الأنبياء والملوك من بني إسرائيل وغيرهم

ذكر قصة إبراهيم ومن تلأ عصره من الأنبياء والملوك من بني إسرائيل وغيرهم

ولما نشأ إبراهيم عليه السلام، وخرج من المغارة التي كان بها، وتأمل آفاق الأرض والعالم، وما فيه دلائل الحدوث والتأثير، نظر إلى الزهرة وإشراقها فقال: هذا ربي، فلما رأى القمر أنور منها قال: هذا ربي، فلما رأى الشمس أبْهَرَ مما رأى قال: هذا ربي هذا أكبر، وقد تنازع الناس في قول إبراهيم هذا ربي، فمنهم مَنْ رأى أن ذلك كان منه على طريق الاستدلال والاستخبار، ومنهم مَنْ رأى أن ذلك منه كان قبل البلوغ وحال التكليف، ومنهمِ مَنْ رأى غير ذلك، فأتاه جبرائيل فعلمه دينه، واصطفاه الله نبيّاً وخليلاَ، وكان قد أوبي رُشْدَه من قبل، ومن أوتي رشده فقد عصم من الخطأ والزلل وعبادة غير الواحد الصمد، فعاب إبراهيم عليه السلام على قومه ما رأى من عبادتهم واتخاذهم المجَوّفَاتِ آلهة لهم، فلما كثر عليهم ذم إبراهيم لالهتهم، واستفاض ذلك فيهم اتخذ النمروذ النار وألقاه فيها، فجعلها اللّه بَرْداً وَلمسَلاَماً، وخمدت النار في سائر بقاع الأرض في ذلك اليوم.

مولد إسماعيل بن إبراهيم

وولد لإِبراهيم إسماعيلُ عليهما السلام، وذلك بعد أن مضى من عمره ست وثمانمون سنة أو سبع وثمانون سنة وقيل: تسعون سنة من هَاجَر جارية كانت لِسَارَةَ، وكانت سَارَةُ أول من آمن بإبراهيم عليه السلام، وهي ابنة بتوايل بن ناحور، وهي ابنة عم إبراهيم، وقد قيل غير هذا مما سنورور بعد هذا الموضع، وأمَنَ به لوط بن هاران بن تارح بن ناحور، وهو ابن أخي إبراهيم عليه السلام.

أصحاب المؤتفكة

وأرسل الله لوطاً إلى المدائن الخسمن، وهي: سدوم، وعمورا، وأدموتا، وصاعورا، وصابورا، وإن قوم لوط هم أصحاب المؤتفكة، وهذا الاسم مشتق من الِإفك، وهو الكذب على رأي من ذهب إلى الاشتقاق، وقد ذكرهم اللّه في كتابه بقوله: "وَالْمُؤْتَفكَةَ أهْوَى" وهذه بلاد بين تُخُوم الشام والحجاز مما يلي الأردن وبلاد فلسطين، إلا أن ذلك في حيز الشام، وهي مُبَقاة إلى وقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة خراباً لا أحد بها، والحجارة المُسَومَة موجودة فيها يراها الناس السُّفَّار سَوداء برَّاقَةً، فأقام فيهم لوط بضعاً وعشرين سنة يدعوهم إلى اللّه فلم يؤمنوا، فأخذهم العذاب على حسب ما أخبر اللّه من شأنهم. ولما ولد إسماعيل لِإبراهيم من هاجر غَارَتْ سارة فحمل إبراهيم إسماعيل وهَاجَرَ إلى مكة فأسكنها بها، وذلك قوله عز وجل يخبر عن إبراهيم: ""رب إني أسكنت من فريتي بوادٍ غير في زرع عند بيتك المحرم " فأجاب اللّه دعوته، وآنس وحشتهم، بجُرْهُمٍَ والعماليق، وجعل أفئِدةً من الناس تَهْوِي إليهم.

وأهلك الله قوم لوط في عهد إبراهيم لما كان من فعلهم واتضح من خبرهم ثم أمر اللّه إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، فبادر إلى طاعة ربه،وَتلَّهُ للجبين؟ فَفداه اللّه بِذبحٍ عظيم، ورفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل.

مولد إسحاق

ثم ولد لإِبراهيم من سارة" إسحاقُ عليه السلام، وذلك بعد مضي عشرين ومائة سنة من عمره.

الذبيح من ولد إبراهيم

وقد تنازع الناس في الذبيح، فمنهم من ذهب إلى أنه إسحاق، ومنهم من رأى أنه إسماعيل، فإن كان الأمر وقع بالذبح بالحجاز فالذبيح إسماعيل، لأن إسحاق لم يدخل الحجاز، هان كان الأمر بالذبح وقع بالشام فالذبيح إسحاق، لأن إسماعيل لم يدخل الشام بعد أن حمل منه. وتوفيت سارة وتزوج إبراهيم بعد ذلك بقنطوراء، فلد منها ستة ذكور، وهم: مرق، ونفس، ومدن، ومد ين، وسنان، وسرح، وتوفي إبراهيم بالشام، وكان عمره إلى أن قبضه اللّه عزوجل مائة سنة وخمساً وتسعين سنة، وأنزل اللهّ عليه عشراً من الصحف.

أولاد إسحاق بن إبراهيم الخليل

وتزوج إسحاق بعد إبراهيم برفقا ابنة بتوايل ؛ فلدت له العيص ويعقوب في بطن واحد، وكان البادىء منهما إلى الفَصل عيص، ثم يعقوب، وكان لِإسحاق في وقت مولدهما ستون سنة، وذهب بَصَرَ إسحاق، فدعا ليعقوب بالرياسة على إخوته والنبوة في ولده، ودعا لعيص يالملك في ولده، وكان عمر إسحاق إلى أن قبضه اللّه مائة وخمساً وثمانين سنة، ودفن مع أبيه الخليل، ومواضع قبورهم مشهورة، وذلك على ثمانية عشر ميلاً من بيت المقدس في مسجد هناك يعرف بمسجد إبراهيم ومراعيه.

يعقوب بن إسحاق وأخوه العيص

وقد كان إسحاق أمر ولده يعقوب بالمسير إلى أرض الشام وبَشَّره بالنبوة ونبوة أولاده الاثني عشر، وهم: لاوى، ويهوذا، ويساخر، وزبولون، ويوسف، وبنيامين، ودان، ونفتالى، وكان، وإشا ر، وشمعون، وروبيل، هؤلاء الأسباط الاثنا عشر، والنبوة والملك في عقب أربعة منهم: لاوى، ويهوذا، ويوسف، وبنيامين، وكثرجزع يعقوب من أخيه العيص و، فأمنه اللّه من ذلك، وكان ليعقوب خمسة آلاف وخمسمائة من الغنم؛ فأعطى يعقوث لأخيه العيص العشرمن غنمه استكفاء للشر وخوقاً من سَطْوَته، من بعد أن آمنه اللّه عزوجل من خوفه، وأن لا سبيل له عليلا، فعاقبه الله في وللى لمخالفته لوعده، فأوحى اللّه تعالى إليه: ألم تطمئن إلى قولي. فلأجعلن ولد العيص يملكون ولدك خمسمائة وخمسين عاماً، وكانت المدة منذ أخْرَبَتِ الروم بيت المقدس، واستعبدت بني إسراثيل إلى أن فتح عمر بن الخطاب رضي اللهّ عنه بيت المقدس.

وكان أحب ولد يعقوب إليه يوسف؛ فحسده إخوته على ذلك، وكان من أمره مع إخوته ما قَصَّ الله عزوجل في كتابه، وأخبر به على لسان نبيه، واشتهر ذلك في أمته.

وفاة يعقوب ويوسف

وقبض اللّه عز وجل يعقوب ببلاد مصر، وهو ابن مائة وأربعين سنة، فحمله يوسف فدفنه ببلاد فلسطين، عند تربة إبراهيم وإسحاق، وقبض اللّه يوسف بمصر وله مائة وعشرون سنة، وجعل في تابوت من الرخام، وسد بالرصاص، وطلى الأطلية الدافعة للهواء والماء، وطرح في نيل مصر نحو مدينة مَنْفَ، وهناك مسجده وقيل: إت يوسف أوْصى أن يحمل فيدفن عند قبر أبيه يعَقوب في مسجد إبراهيم عليه السلام

أيوب النبي

وكان في عصره أيوب النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهوأيوب بن موص بن زراح بن رعوايل بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام،وذلك في بلاد الشام من أرض حُورَانَ والبثنية من بلاد الأردن من بين دمشق والجابية، وكان كثير المال والولد، فابتلاه اللّه في نفسه وماله وولده، فصَبَر، ورد اللّه عليه ذلك، وأقاله عَثرَته، واقتص ما اقتص من أخباره في كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، ومسجده والعينُ التي اغتسِل مئها في وقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلائمائة، مشهوران ببلاد نوَى والجولان فيما بين لمحمشق وطبرية من بلاد الأردن، وهذا المسجد والعين على ثلاثة أميال من مدينة نَوَى، أو نحو ذلك، والْحَجَرُ الذي كان يأوي إليه في حال بَلائِه هو وزوجته واسمها رحمةفي ذلك المسجد إلى هذا الوقت.وذكر أهل التوراة والكتب الأولى أن موسى بن ميشاء بن يوسف بن يعقوب نبي قبل موسى بن عمران، وأنه هو الذي طلب الخضربن ملكان ابن فالغ بن عابوربن شالخ بن إرفخشد بن سام بن نوح، وذكر بعض أهل الكتاب أن الخضر هو خضرون بن عميائيل بن النفر بن العيص بن إسحاق ابن إبراهيم، وأنه أرسل إلى قومه فاستجابوا له.

موسى بن عمران

فكان موسى بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب بمصر في زمن فرعون الجبار، وهو الوليد بن مصعب بن معاوية بن أبي نمير بن أبي الهلواس بن ليث بن هران بن عمرو بن عملاق، وهو الرابع من فراعنة مصر، وقد كان طال عمره وعظم جسمه، وكان بنو إسرائيل قد استرقُوا بعد مضي يوسف، واشتد عليهم البلاء، وأخبر أهل الكَهَانة والنجومٍ والسحر فرعون أن مولودأ سيولد ويزيل ملكه ويحدث ببلاد مصر أموراً عظيمة، فجزع لذلك فرعون، وأمر بذبح الأطفال، وكان من أمر موسى ما أوحى اللّه عزوجل إلى أمِّهِ في أمره: أن اقذفيه في اليم، فقذفته، إلى آخر ما اقتص من خبره، وأوضحه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. وكان في ذلك الزمان شُعَيْب عليه السلام، وهو شعيب بن نويت بن رعوايل بن مر بن عنقاء بن مدين بن إبراهيم، وكان لسانه عربيّاً، وكان مبعوثاً إلى أهل مَدْيَنَ، ولما خرج موسى عليه السلام هارباً من فرعون مر بشعيب النبي عليه السلام، وكان من أمره معه وتزويجه ابنته ما قد ذكره اللّه عزوجل.

هارون أخو موسى وبعثهما إلى فرعون

وكلم اللّه موسى تكليماً، وشدَ عَضُده بأخيه هارون، وبعثهما إلى فرعون، فخالفهما، فأغرق اللّه عز وجل فرعون، وأمره اللّه عز وجل بالخروج ببني إسرائيل إلى التَّيه، وكان عددهم ستمائة ألف بالغ دون من ليس ببالغ، وكانت الألواح التي أنزلها اللّه على موسى بن عمران على جبل طور سيناء من زمرد أخضر فيها كتابة بالذهب، فلما نزل من الجبل رأى قوماً من بني إسرائيل قد اعتكفا على عبادة عجل لهم، فارتعد، فسقطت الألواح من يده، فتكسرت، فجمعها وأودعها تابوت السكينة مع غيرها وجعله في الهيكل، وكان هارون كاهناً؛ وهو قيم الهيكل وأتم الله عزوجل نزول التوراة على موسى بن عمران وهو في التّيه، وقبض الله هارون في التّيه فدفن في جبل ومَوَاتٍ من نحو جبل الشراة مما يلي الطور، وقبره مشهور في مغارة عادية يسمع منها في بعض الليالي عوقيٌ عظيم يجزع منه كل فيى روح، وقيل: إنه غير مدفن، بل هو موضوع في تلك المغارة، ولهذا الموضع خبر عجيب قد ذكرناه في كتابنا أخبار الزمان عن الأمم الماضية والممالك الداثرة ومن وصل إلى هذا الموضع علم ما وصفنا، وكان ذلك قبل وفاة نوسى بسبعة أشهر، وقبض اللّه هارون وهو ابن مائة وثلاث وعشرين سنة، وقيل: إنه قبض وهو ابق مائة وعشرين، وقيل: إن موسى قبض بعد وفاة هارون بثلاث سنين، وإنه خرج إلى الشام وكان له بها حروب من سرايا كانوا يسرونها من البر إلى العماليق والقربانيين والمدنيين وغييرهمٍ ممن كانوا بالشام وغيرهم من الطوائف على حسب مافي التوراة، وأنزل اللّه عز وجل على موسى عشر صحف، فاستتم مائة صحيفة، ثم أنزل اللّه عليه التوراة بالعبرانية وفيها الأمر والنهي والتحريم والتحلْيل والسنن والأحكام، وذنك في خمسة أسفار، والسًفر يريدون به الصحيفة، وكان موسى قد ضرب التابوت الذي فيه السكينة من الذهب من ستماتة ألف مثقال وسبعمائة وخمسين مثقالاً، فصار الكاهن بعد هارون يوشعُ بن نون بن سبط يوسف، وقبض اللهّ موسى وهو ابن عشرين ومائة سنة، ولم يحدث لموسى ولا لهارون شيء من الشيب، ولا حالا عن صفة الشباب. ولما قبضَ اللّه عز وجل موسى بن عمران سار يوشع بن نون ببني إسرائيل إلى بلاد الشام، وقد كان غلب عليها الجبابرة من ملوك العماليق وغيرهم من ملوك الشام، فأسرى إليهم يوشع بن نون سرايا، وكانت له معهم وقائع، فافتتح بلاد أريحاء وزغر من أرض الغور، وهي أرض البحيرة المنتنة التي لا تقبل الغرقى، ولا يتكون فيها ف روح من سمك ولا عْيزه، وقد ذكرها صاحب المنطق وغيره من الفلاسفْة ومَنْ تقدم وتأخر من عصره، وإليها ينتهي ماء بحيرة طبرية، وهو الأردن، وبدء ماء بحيرة طبرية من بحيرة كفرلى والقرعون من أرض دمشق، فإذا انتهى مَصَب نهر الأردن إلى البحيرة المنتنة خَرَقَهَا وانتهى إلى وسطها متميزاً عن مائها فيغوص في وسطها، وهو نهر عظيم، فلا يدري أين غاص من غير أن يزيد في البحيرة ولا ينقص منها، ولهذه البحيرة أعني المنتنة أخبار عجيبة وأقاصيص طويلة، وقد أتينا على ذلك في كتابنا أخبار الزمان عن الأمم الماضية والملوك الداثرة وذكرنا أخبار الأحجار التي تخرج منها على صورة البطيخ على شكلين، ويعرف الواحد منها بالحجر اليهودي، وذكرته الفلاسفة، واستعمله أهل الطب لمن به وجع الحَصَاة في المَثَانة، وهو نوعان: ذكر، وأنثى، فالذكر للرجال، والأنثى للنساء، ومن هذه البحيرة يخرج الغبار المعروف بالحمرة، وليس في الدنيا واللّه أعلم بحيرة لا يتكون فيها ف روح من سمك وغيره إلا هذه البحيرة، وبحيرة ركِبْتُها ببلاد أفربيجان بين مدينة إرمينية والمراغة، وهي المعروفة هنا بكبودان، وقد ذكر الناس ممن تقدم عذر عدم تكون الحيوان في البحيرة المنتنة، ولم يتعرضوا لبحيرة كبودان، وينبغي على قياس قولهم أفي تكون علّتهما واحدة.

وسار ملك الشام وهو السميدع بن هوبر بن مالك إلى يوشع بن نون؛ فكانت بينهم حروب إلى أن قتله يوشع، واحتوى على جميع ملكه، وألحق به غيره من الجبابرة والعماليق، وشَنَّ الغارات بأرض الشامِ، وكانت مدة يوشع بن نون في بني إسرائيل بعد وفاة موسى بن عمران تسعاَ وعشرين سنة، وهو يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وقيل: إن يوشع بن نون كان بدء محاربته لملك العماليق وهو السميدع ببلاد أيْلَةَ نحو مدين، ففي ذلك يقول عوف بن سعد الجرهمي:   

ألم ترأنَ الْعَمْلَقـي ابـن هـوبـرٍ

 

بأيْلَةَ أمسى لَحْمُهُ قـد تـمـزَّعـا

تداعت عليه من يهود حَـجـافـل

 

ثمانين ألفـاً حـاسـرين ودرًعـا

فأمست عداداً للعمـالـيق بـعـده

 

على الأرض مشياً مصعدين وفُزَّعا

كأنْ لم يكونوا بين أجـبـال مـكة

 

ولم يَرَراء قبل ذاك السَّـمَـيْدعـا

بلعم بن باعوراء

وكان بقرية من قرى البلقاء من بلاد الشام رجل يقال له بلعم بن باعوراء بن سنور بن وسيم بن ناب بن لوط بن هاران، وكان مستجاب الدعوة، فحمله قومه على الدعاء على يوشع بن نون، فلم يتأتَّ له ذلك، وعجز عنه، فأشار على بعض ملوك العماليق أن يبرزوا الحسان من النساء نحو عسكر يوشعع بن نون ففعلوا، فتسرعوا إلى النساء فقع فيهم الطاعون، فهلك منهم سبعون ألفاً، وقيل أكثر من ذلك وبلعم هو الذي أخبر الله عنه أنه آتاه الآيات فانسلخ منها وقيل: إن يوشمع بن نون قبض وهو ابن مائة وعشرين سنة.

كالب بن يوقنا

وقام في بني إسرائيل بعد يوشع بن نون كالبُ بن يوقنا بن بارض بن يهوذا، ويوشع وكالب الرجلان اللذان أنعم الله عليهما. قال المسعودي: ووجدت في نسخة أن القائم في بني إسرائيل بعد وفاة يوشع بن نون كوشان الكفري، وأنه أقام فيهم ثمانين سنة، وهلك، وملك عميائيل بن قابيل من سبط يهوذا أربعين سنة، وقيل: كوش جبار كان في آب من أرض البلقاء، وإن بني إسرائيل كفرت بعد ذلك فملًكَ الله عليهم كنعان عشرين سنة، وهلك، فكان على بني إسرائيل عملال الأحباري أربعين سنة، ثم قام شمويل إلى أن وليهم طالوت، وخرج عليهم جالوت الجبار ملك البربر من أرض فلسطين. قال المسعودي: فأما على الرواية الأولى التي قمنا ذكرها أن القيم بعد يوشع في بني إسرائيل كالب بن يوقنا وأن القائم بعده في بني إسرائيل والمدبر لهم فنحاص بن العازر بن هارون بن عمران ثلائين سنة، وكان عَمَدَ إلى مصاحف موسى بن عمران عليه السلام فجعلها في خابية نحاس ورصَصَ رأسَهَا، وأتى بها صخرة بيت المقدس، وذلك قبل بنائه فانفرجت، فإذا مغارة فيها صخرة ثانية، فضع الخابية فيها، وانضصت الصخرة على ذلك ككَوْنها أولاَ. ولما هلك فنحاص بن العازر دبر أمرهم كوشان الأثيم ملك الجزيرة فتعبد بني إسرائيل، وأخذهم البلاء ثمان سنين، ثم دبرهم عنيائيل بن يوقنا أخو كالب من سبط يهوذا أربعين سنة، ثم دبرهم أعلون ملك مواب بجهد شديد ثمان عشرة سنة، ثم دبرهم أهوذ من ولد إفرايم خمساً وخمسين سنة، ولخمس وثلاثين سنة خلت من أيامه ثم للعالم أربعة آلاف سنة وقيل غير ذلك من التاريخ، ثم دبرهم شاعان بن أهوذ خمساً وعشرين سنة، ثم دبرهم يابين الكنعاني ملك الشام عشرين سنة ثم دبرهم امرأة يقال لها دبورا، وقيل: إنها ابنته، وضمت إليها رجَلاَ من سبط نفتالي يقال له باراق أربعين سنة، ثم تداولتهم رؤوس من بني مدين وهم عريب وربيب وبرسونا ودراع وصلنا تسع سنين وثلاثة أشهر، ثم دبرهم كدعون من آل منشا أربعين سنة، وقتل ملوك مدين،.ثم ابنه أبيمالخ ثلاث سنين وثلاثة أشهر، ثم دبرهم تولع من آل إفراين ثلاثاً وعشرين سنة، ثم يامين من آل منشا اثنتين وعشرين سنة، ثم ملوك عمان ثماني عشرة سنة وثلاثة أشهر ثم نحشون من بيت لحم سبع سنين، ثم شنشون عشرين سنة، ثم أملج عشر سنين، ثم عجران ثماني سنين، ثم قهرهم ملوك فلسطين أربعين سنة، ثم عيلان الكاهن بعد ذلك أربعين سنة، وفي زمانه ظفر البابليُّون ببني إسرائيل وغنموا التابوت، وكان بنو إسرائيل يستفتحون به، فحملوه إلى بابل، وأخرجوهم من ديارهم وأبناءهم، وكان ما كان من أمرف حزقيل، وهم الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حَنَرَ الموت، فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم، وكان قد أصابهم الطاعون، فبقي منهم ثلثةز أسباط، فلحقت فرقة بالرمل، وفرقة بشواهق الجبال، وفرقة بجزيرة من جزائر البحر، وكان لهم خبر طويل حتى رجعوا إلى ديارهم، فقالوا لحزقيل: هل رأيت قوماً أصابهم ما أصابنا؟ قال: لا، ولا سمعت بقوم فروا من اللّه فراركم، فسلط اللّه عليهم الطاعون سبعة أيام، فماتوا عن آخرهم، ودبر بني إسرائيل بعد عيلان الكاهن شمويلُ بن بروحان ابن ناحورا، ونبىء فمكث فيهم عشرين سنة.

طالوت وجالوت

ووضع اللّه عز وجل عنهم القتال، وصلح أمرهم، فخلطوا بعد ذلك، فقالوا لشمويل: ابعث لنا ملكاً يقاتل معنا في سبيل اللّه، فأمر بتمليك طالوت، وهو ساود بن بشر بن إينال بن طرون بن بحرون بن أفيح بن سميداح بن فالح بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، فملكه اللّه عليهم، ولم يجمعهم قبل ذلك مثل طالوت، وكان بين خروج موسى عليه السلام ببني إسرائيل من مصر إلى أن ملك على بني إسرائيلِ طالوت خمسمائة سنة واثنتان وسبعون سنة وثلاثة أشهر، وكان طالوت دَبَّاغاَ يعمل الأدمَ فأخبرهم نبيهم شمويل أن اللهّ قد بدث لكم طالوت ملكاً، فقالوا فيه ما أخبر اللّه عزوجل في كتابه:"وأنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سَعَةً من المال؟ قال: إن اللّه اصطفاه عليكم، وزاعه بسطة في العلم والجسم" وأخبرهم نبيهم أن "وآية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة، من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة" وكان مدة ما مكث التابوت ببابل عشر سنين، فسمعوا عند الفجر حفيف الملائكة تحمل التابوت، واشتد سلطان جالوت، وكثرت عساكره وقُوَّاورُ، وبلغه انقياد بني إسرائيل إلى طالوت، فسار جالوت من فلسطين بأجناس من البربروهو جالوت بن بايول بن ريال بن حطان بن فارس فنزل بساحة بني إسرائيل، فأمر شمويل طالوت بالمسير ببني إلبمرائيل إلى حرب جالوت، فابتلاهم اللّه عز وجل بنهر بين الأردن وفنسطين، وسلط اللّه عليهم العطش، وقد قص اللهّ ذئك في كتابه، ومروا كيف يشربون من النهر، فلغه أهل الريبة ولوغ الكلاب، فقتلهم طالوت عن آخرهم، ثم فضَل من خيارهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فيهم إخوة داود عليه السلام ولحق داود بإخوته، فتوافؤ الجيشان جميعاً، وكافت الحروب بينهما سِجَالاً، وندب طالؤت الناس، وجعل لمن يخرج إلى جالوت ثلث ملكه ويتزوج ابنته، فبرز داود فقتله بحجر كان في مِخلاَتِهِ، رماه بمقلاع فخر جالوت ميتاً، وقد أخبر اللّه عزوجل بذلك في كتاِبه بقوله: "وقتل داود جالوت " وقد ذكر أن الحجر الذي كان في مخلاة داود كان ثلاثة أحجار، فاجتمعت وصارت حجراً واحداً، ولها أخبار قدمت ذكرها فيما سلف من كتبنا، وهي التي قتل بها جالوت، وإن القوم الذين ولغوا في الماء وخالفا ما أمروا به كان القاتل لهم طالوت. وقد أتينا على خبر الدرع التي كان أخبرهم نبيهم أنه لا يقتل جالوت إلا من صلحت عليه تلك الدرع إذا لبسها، وأنها صلحت على داود، وما كان من هذه الحروب، وخبر النهر الذي نَشَّ على رأسه، وخبر تملك طالوت، وأخبار البربر وبدء شأنهم في كتابنا في أخبار الزمان، وسنورد بعد هذا جُمَلاً من أخبار البربروتفرقهم في البلاد في الموضع اللائق بها من هذا الكتاب.

داود

ورفع اللّه ذكر داود، وأخْمَل ذكر طالوت، وأبى طالوت أن يفي لداود بما تقدم من شرطه، فلما رأى ميل الناس إليه زَوَّجه ابنته، وسَلم إليه !ثلث الجباية، وثلث الحكم، وثلث الناس. ثم حس!ه بعد ذلك وأراد اغتياله، فمنعه الله عزوجل من ذلك، فأبى داود أن ينافسه في ملكه، ونما أمر داود، فبات طالوت على سرير ملكه فمات من ليلته كمداً، وانقاذث بنوإسرائيل إلى داود عليه السلام، وكانت مدة ملك طالوت عشرين سنة، وذكر أن الموضع الذي قتل فيه جالوت كان ببيسان من أرض الغور من بلاد الأردن، وَألَانَه اللهّ عز وجل لداود الحديد فعمل منه الحروع، وسَخرَ له الجبال والطير يُسَبِّحْنَ معه، وحارب داود أهل مواب من أرض البلقاء،  وأنزل اللّه عز وجل عليه الزَّبُورَ بالعبرانية خمسين ومائة سورة، وجعله ثلاثة أثلاث: فثلث ما يلقون من بُخْت نضرَ. وما يكون من أمره في المستقبل، وثلث ما يلقون من أهل أثور، وثلث موعظة وترغيب وتمجيد وترهيب، وليس فيه أمر ولا نهي ولا تحليل ولا تحريم، واستقامت الأمور لداود، ولحقت الخوارج من الكفار بأطراف الأرض لهيبة داود، وبنى داود بيتاً للعبادة بأورشليم، وهو بيت المقدس، وهو البيت الباقي لوقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، ويدعى بمحراب داود عليه السلام، وليس في بيت المقدس بناء هو أعلى منه في هذا الوقت، وقد يرى في أعلاه البحيرة المنتنة ونهر الأردن المقدم ذكره، وكان من أمر داود مع الخصمين ما قص اللّه عزوجل في كتابه من خبره، وقوله لأحدهما قبل استماعه من الاخر: "لَقَدْ ظَلَمَك " الآية، وقذ تنازع الناس في خطيئة داود: فمنهم من رأى ما وصفنا ونفى عن الأنبياء المعاصي وتعمد الفسق وأنهم معصومون فكانت الخطيئة ما ذكرنا، وذلك قوله عز وجل: "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق "ومنهم من رأى أن ذلك كان من قصة أروياء بن حيان ومقتله على ما ذكرنا في كتاب المبتدأ وغيره، وتاب اللّه عزوجل على داود بعد أربعين يوماً كان فيها صائماً باكياً، وتزوج داود عليه السلام مائة امرأة.

نشأة سليمان بن داود

ونشأ سليمان بن داود عليه السلام، وبرع، ودَاخَلَ أباه في قَضَائه،فآتاه اللهّ فَصْلَ الخطاب والحكم، على ما أخبر اللهّ عزوجل عنهما بقوله: "وكلاآتينا حكماوعلما" ولما حضرت داود الوفاة أوصى إلى ولده سليمان، وقبض، فكان ملكه أربعين سنة على فلسطين والأردن، وكان عسكره ستين ألفاً أصحاب سيوف جُرْداً مُرْداً أصحاب بأس ونجدة.

لقمان الحكيم

وكان ببلاد مَدْين وأيْلَة في عصر داود عليه السلام لُقْمَان الحكيم،وهو لقمان بن عنقاء بن مربد بنم صاوون، وكان نوبيا مولى للقَيْن بن جسر، ولد على عشر سنين من ملك داود عليه السلام، وكان عبداَ صالحاً فَمَنَّ اللّه عزوجل عليه بالحكمة، ولم يزل باقياً في الأرض مُظهراً للحكمة والزهد في هذا العالم إلى أبام يونس بن مَتَّى حين أرسل إلى أرض نِينَوَى من بلاد الموصل.

ملك سليمان

ولما قبض اللّه داود عليه السلام قام بعده ولده سليمان بالنبوة والحكم، وغمر عدلُه رعيته، واستقامت له الأمور، وانقادت له الجيوش، وابتدأ سليمان ببنيان بيت المقدس، وهو المسجد الأقصى الذي بارك اللّه عزوجل حَوْلَه، فلما استتم بناءه بنى لنفسه بيتاً، وهو الموضع الذي يسمىفي وقتنا هذا كنيسة القيأمة، وهي الكنيسة العظمى ببيت المقدس عند النصارى، ولهم كنائس غيرها معظمة ببيت المقدس، منها كنيسة صَهْيُون، وقد ذكرها داود عليه السلام، والكنيسة المعروفة بالجسمانية ويزعمون أن فيها قبر داود عليه السلام، وأعطى اللّه عزوجل لسليمان عليه السلام من الملك ما لم يُعْطِهِ لأحد من خَلْقِه، وسَخَّر له الجن والِإنس والطيروالريح على. حسب ما ذكر اللّه عزوجل في كتابه، وكان ملك سليمان بن داود على بني إسرائيل أربعين سنة، وَقُبِضَ وهو ابن اثنتين وخمسين سنة، والله ولي التوفيق.

ذكر ملك أرخبم بن سليمان بن داود عليهما السلأم

ومن تلاه من ملوك بني إسرائيل، وجمل من أخبار الأنبياء

ملوك بني إسرائيل بعد وفاة سليمان

وملك على بني إسرائيل بعد وفاة سليمان بن داود عليهما السلام أرخبعم بن سليمان، واجتمعت عليه الأسباط، ثم افترقوا عنه، إلا سبط يهوذا وسبط بنيامين، وكان ملكه إلى أن هلك سبع عشرة سنة، وملك على العشرة الأسباط بوريعم، وكانت له كوائن وحروب، واتخذ له عِجْلاً من الذهب والجوهر، واعتكف على عبادته؟ فأهلكه اللّه عز وجل، فكان ملكه عشرين سنة، وملك بعدهأبيابن أرخبعم بن سليمان ثلاث سنين، ثم ملك بعده أحاب أربعين سنة وملك بعده يورام، فأظهر عباثة الأصنام والتماثيل والصور، وكان ملكه سنة، ثم ملكت بعده امرأة يقال لها عيلان؛ فضعت السيف في ولد داود عليه السلام، فلم يَنْجُ منهم إلا غلام، فأنكرت بنو إسرائيل ذلك من فعلها، فقتلوها، وكان ملكها سبع سنين، وقيل غير ذلك، وملكوا عليهم الغلام الذي بقي من نسل داود، فملك وله سبع سنين، فأقام ملكاً أربعين سنة، وقيل دون ذلك، وملك بعده مليصا، وكان ملكه اثنتين وخمسين سنة، وكان في عصره شعيب النبي، ولشعيب معه أخبار، وكانت له حروب قد أتينا على ذكرها في كتاب أخبار الزمان وملك بعده نوقا بن عدل عشرسنين، وقيل: ست عشرة سنة، وملَكَ بعده أجام، فأظهر عبادة الأصنام، وطغى وأظهر البَغْيَ، فصار إليه بعض ملوك بابل، وكان يقال له فلعيعس، وكان من عظماء ملوك بابل، وكان للإِسرائيليِّ معه حروب إلى أن أسره البابلي، وخَرّب مدن الأسباط ومساكنهم، وكان في أيامه تنازع بين اليهود في الديانة، فشذ منهم الأسامرة، وأنكروا نبوة داود عليه السلام ومن تلاه من الأنبياء، وأبوا أن يكون بعد موسى نبي، وجعلوا رؤساءهم من ولد هارون بن عمران، والأسامرة في وقتنا هذا وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة ببلاد فلسطين والأردن، وفي قرى متفرقة مثل القرية المعروفة بعارا، وهي بين الرملة وطبرية، وغيرها من القرى إلى مدينة نابلس، وأكثرهم في هذه المدينة أعني نابلس ولهم جبل يقال له طوريك، وللأسامرة عليه صلوات في أوقاتها، ولهم بوقات من فضة يُنْفَخ فيها عند أوقات الصلاة، وهم الذين يقولون لا مِسَاسَ ويزعمون أن نابلس هي بيت المقدس، وهي مدينة يعقوب النبي عليه السلام، وهناك مَرْعَاه وهما صنفان متباينان كتباينهم لسائر اليهود، وأحد الصنفين يقال له الكوسان، والآخر الدروسان، أحد الصنفين يقول العالم ومعانٍ غير ذلك أعرضنا عن ذكرها مخافَةَ التطويل، وأن كتابنا هذا كتاب خبر لا كتاب آراء ونِحَلً.

وكان ملك أجام إلى أن أسره الملك البابليُّ سبع عشرة سنة، ولماأسر الملك أجام ملك ولد له يقال له حزقيل بن أجام، فأظهر عباثة الرحمن، وأمر بتكسير التماثيل والأصنام، وفي ملكه سار سنجارب ملك بابل إلى بيت المقدس، وكانت له حروب كثيرة مع بني إسرائيل، وقتل من أصحابه خلق كثيرون، وسبى من الأسباط عدداً كثيراً، وكان ملك حزقيل إلى أن هلك سبعاً وعشرين سنة.ثم ملك بعد حزقيل ولد له يقال له ميشا؛ فغمرشَرُّه سائرمملكته،وهو الذي قتل شعيباً النبي، فبعث اللّه قسطنطين ملك الروم فسار إليه في الجيوش فهزم جيشه وأسره فأقام في أرض الروم عشرين سنة، وأقلع عما كان عليه، وعاد إلى ملكه، فكان ملكه إلى أن هلك خمساً وعشرين سنة، وقيل: ثلاثين سنة.ثم ملك بعده ولد له يقال له أمور بن ميشا، فأظهر الطغيان، وكفر بالرحمن، وعبد التماثيل والأصنام، ولما اشتد بغيه سار إليه فرعون الأعرج من بلاد مصر في الجيوش، فأمعن في القتل، وأسره ومضئ به إلى مصر، فمات هناك، وكان ملكه خمس سنين، وقيل غيرذلك.

وملك بعده أخ له يقال له نوفين، وهو أبو دانيال عليه السلام، وفي عصر هذا الملك سار البخت نَصّر، وهو مَرْزُبان العراق والعرب من قبل ملك فارس، وكان يومئذ ببَلْخَ، وكانت قَصَبة الملك، فأمعن البخت نَضَرُ في القتل لبني إسرائيل والأسر، وحملهم إلى أرض العراق، وأخذ التوراة وما كان في هيكل بيت المقدس من كتب الملوك وطَرَحه في بئر، وعمد إلى تابوت السكينة فأودعه بعض المواضع من الأرض فيقال: إنه كان عِمّدةُ منْ سبى من بني إسرائيل ثمانية عشرألفاً.وفي هذا العصر كان أرميا النبي عليه السلام، وسار بخت نَصَّرُ إلى  مصر ة فقتل فرعون الأعرج، وكان يومئذ ملك مصر، وسار نحو المغرب فقتل بها ملوكاً، وافتتح مدائن .وكان ملك فارس تزوج جارية من سبايا بني إسرائيل، فأولدهاولداً، فرذَ بني إسرائيل إلى ديارهم، وكان ذلك بعد سنين.

ولما رجعت بنو إسرائيل إلى بلادهم ملكت عليها زريايل بن سلسان،فابتنى مدينة بيت المقدس، وعَمَّرَ ما كان خرب، وأخرجت بنو إسرائيل التوراة من البئر، واستقامت لهم الأمور، فأقام هذا الملك على عمارة أرضهم ستاً وأربعين سنة، وشرع لهم الصلوات وغيرها من الشرائع مما كان تلف منهم في حال السبي، والأسامرة تزعم أن التوراة التي في يد اليهود ليست التوراة التي أوردها موسى بن عمران عليه السلام، وأن تلك حرفت وبدلت وغيرت، وأن الْمُحْدِثَ لهذه التي بأيديهم هذا الملك المذكور؛ لأنه جمعها ممن كان يحفظها من بني إسرائيل، وأن التوراة الصحيحة هي التي في أيدي الأسامرة دون غيرهم، وكان ملك هذا الملك ستاً وأربعين سنة، ووجدت في نسخة أخرى أن المتزوج في بني إسرائيل هو بخت نصرنفسه، وهوالذي رَدهم، ومنَ عليهم وفيه نظر.

إسماعيل بن إبراهيم وأولاود

ودبَّرَ إسماعيل بن إبراهيم أمْرَ البيت بعد إبراهيم عليه السلام، ونَبأةالله عز وجل، وأرسله إلى العماليق وقبائل اليمن، فنهاهم عن عبادة الأوثان، قآمن طائفة منهم وكفر أكثرهم، وولد لإِسماعيل اثنا عشر ذكراً. وهم: فائث، وقيدار، وأربل، وميم، ومسمع، ودوما، ودوام، وميشا، وحداد، وحيم، وقطورا، وماس، وكانت وصية إبراهيم إلى ابنه إسماعيل عليه السلام، ووصًى إسماعيل إلى أخيه إسحاق عليهما السلام، وقد قيل: إلى ولده قيذار بن إسماعيل، وكان عمر إسماعيل إلى أن قَبَضَه الله مائة سنة وسبعاً وثلاثين سنة، ودفن بالمسجد الحرام في الموضع الذي كان فيه الحَجَرً الأسود.

أنبياء بين سليمان والمسيح

ودبر أمر البيت بعحه فائث بن إسماعيل عليه ال!سلام، على منهج إسماعيل وملًته، وقيل أيضأ: إنه كان وصيَّ أبيه إسماعيل عليه السلام.

وكان بين سليمان بن داود وبين المسيح عليهما السلام أنبياء وعباد وصالحون منهم: أرمينيا، ودانيال، وعُزَيْر، وقد تنازع الناس في نبوته، وأيوب، وأشعياء، وحزقيل، وا لياس، وا ليسع، ويونس، وفالكفل، والخضر، وروى عن ابن إسحاق أنه أرمينيا، وقيل: بل كان عبداًصالحآَ، وزكريا وهو زكريا بن أدق وهو من ولد داود من سبط يهوذا، وكان تزوج أشباع بنت عمران أخت مريم بنت عمران أم المسيحٍ عليهما السلام، وهو عمران بن ماتان بن يعاميم، من ولد داود أيضا، واسم أمّ أشباع ومريم حنة، وولدت لزكريا يحيى، وكان يحيى ابن خالة المسيح عليهم السلام، وكان زكريا نجاراً، فأشاعت اليهود أنه ركب من مريم الفاحشة فقتلوه، وكان لما أحس بهم جاء إلى شجرة فدخل في جوفها فدلَّهم عليه إبليس لعنه اللّه عزوجل، فنشروا الشجرة وهو فيها، فقطعوه وقطعوها، ولما ولدت أشباعُ ابنةُ عمران أختُ مريمَ أمِّ المسيح يحيى بن زكريا عليهما السلام هربت به من بعض الملوك إلى مصر، فلما صار رجلاً بعثه اللّه عزوجل إلى بني إسرائيل، فقام فيهم بأمر الله عزوجل ونهيه فقتلوه، وكثرت الأحداث في بني إسرائيل، فبعث اللّه عليهم ملكاً من ناحية المشرق يقال له حردوس، فقتل منهم على دم يحيى بن زكريا ألوفاً من الناس وهو يفر إلى أن هدأ الدم بعد خَطْب طويل.

مولد عيسى بن مريم عليه السلام

ولما بلغت مريم ابنة عمران سبع عشرة سنة بعث الله عزوجل إليها جبرائيل، فنفخ فيها الروح، فحملت بالسيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وولدت بقرية يقال لها بيت لحم على أميال من بيت المقدس، ولدته في يوم الأربعاء لأربع وعشرين ليلة خلت من كانون الأولى، وكان من أمره ما ذكره الله عزوجل في كتابه، واتضح على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد زعمت النصارى أن أشيوع الناصري أقام على دين مَنْ سلف من قومه يقرأ التوراة والكتب السالفة في مدينة طبرية من بلاد الأردن في كنيسة يقال لها المِدْرَاسُ ثلاثين سنة، وقيل: تسعاً وعشرين سنة، وأنه في بعض الأيام كان يقرأ في سفرأشْعِيَاء إذ نظر في السفر إلى كتاب من نور فيه أنت نبي، وخالصتي، اصطفيتك لنفسي فأطبق السَفر ودفعه إلى. خادم الكنيسة، وخرج وهو يقول: الآن تمت المشيئة للّه في ابن البشر،. وقد قيل: إن المسيح عليه السلام كان بقربه يقال لها ناصرة من بلاد اللجون من أعمال الأرعن، وبذلك سميت النصرانية، ورأيت في هذه القرية كنيسة تعظمها النصارى وفيها توابيت من حجارة فيها عظام الموتى يسيل منهلا زيت ثخين كالرُّبِّ تتبرك به النصارى، وأن المسيح مر ببحيرة طبرية وعليها أناس من الصيادين وهم بنو زبدا، واثنا عشر من القصارين، فدعاهم إلى الله وقال: اتبعوني تصيدوا البشر، فاتبعه ثلاثة من الصيادين، وهم بنو زبدا واثنا عشر من القصارين، وقد ذكر أن ميروحنا وشمعون وبولس ولوقاهم الحواريون الأربعة الذين تلقوا الِإنجيل، فألفا خبر عيسى عليه السلام، وما كان من أمره، وخبرمولده، وكيف عَمدَهُ يحيى بن زكريا، وهو يحمى المعمداني، في بحيرة طبرية، وقيل: في بحر الأردن الذي يخرج من بحيرة طبرية ويجري إلى البحيرة المنتنة، وما فعل من الأعاجيب وأتى من المعجزات، وما قالت اليهود إلى أن رفعه اللّه عزوجل إليه، وهو ابن ثلالث وثلاثين سنة.وفي الِإنجيل خطب طويل في أمر المسيح ومريم عليها السلام ويوسف النجار، أعرضنا عن ذلك، لأن اللّه عزوجل لم يخبر بشيء من ذلك في كتابه، ولا أخبر به محمد نبيه صلى الله عليه وسلم.

ذكر أهل الفترة ممن كان بين المسيح ومحمد صلى اللّه عليهما وسلم

وقد كان بين المسيح ومحمد صلى اللّه عليهما وسلم في الفترة جماعَةمن أهل التوحيد، ممن يُقِر بالبعث، وقد اختلف الناس فيهم: فمن الناس من رأى أنهم أنبياء، ومنهم من رأى غير ذلك.

حنظلة بن صفان

فممن ذكر أنه نبي حَنْظَلة بن صفان، وكان من ولد إسماعيل بن إبراهيم، صلّى اللهّ عليهما وسلم، وأرسل إلى أصحاب الرَّسِّ، وكانوا من يد إسماعيل بن إبراهيم وهم قبيلتان يقال لِإحداهما أدمان، وللأخرى يامن، وقيل: رعويل وذلك باليمن، فقام فيهم حنظلة بأمر اللهّ عزوجل فقتلوه، فأوحى اللّه إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل من سبط يهوذا أن يأمر بخت نَصَرَ بأن يسير إليهم، فسار إليهم، فأتى عليهمِ، فذلك قوله عز وجل: "فلما أحسوا بأسنا" إلى قوله: "حصيداَ خامدين " وقيل:إ ن القوم كانوا من حِمْير، وقد ذكر ذلك بعض شُعرائهم في مرثية له، فقال:

بكَتْ عيني لأهل الرَّس

 

رَعْـويل وقـدمـان

وَأسلَمَ من أبـي زَرْع

 

نكال الْحَيِّ قَحْطـان

ذو القرنين

وقد حكي عن وهب بن منبه أن ذا القرنين وهو الِإسكندر كان بعد المسيح عليه السلام في الفَتْرة، وأنه كان حلم حلماً رأى فيه أنه دَنَا من الشمس حتى أخذ بقرنيها في شرقيها وغربيها، فقص رؤياه على قومه، سموه بني القرنين، وللناس في في القرنين تنازع كبيز وقد أتينا على ذلك في كتاب أخبار الزمان وفي الكتاب الأوسط، وسنذكر لمعاً من خبره عند ذكرنا لملوك اليونانيين الروم.

أهل الكهف

وكذلك تنازع الناس في أصحاب الكهف في أي الأعصار كانوا؛ فمنهم من زعم أنهم كانوا في زمن الفترة، ومنهم من رأى غيرذلك، وسنأتي بلمع من خبرِهم في ذكرنا ملوكَ الروم في هذا الكتاب، وإن كنا قد أتينا على ذلك في الكتاب الأوسط، فيما سلف قبله من كتاب أخبار ا لزمان.

جرجيس

وممن كان في الفترة بعد المسيح عليه السلام: جرجيس، وقد أدرك بعض الحواريين فأرسله إلى بعض ملوك الموصل، فدعاه إلى اللّه عز وجل، فقتله، فأحياه اللّه وبعثه إليه ثانية، فقتله، فأحياه اللّه، فأمر بنشره ثالثة وإحراقه وإذرائه في دجلة، فأهلك اللّه عز وجل ذلك الملكَ وجميعَ أهل مملكته ممن اتبعه، على حسب ما وردت به الأخبار عن أهل الكتاب ممن آمن، وذلك موجود في كتاب المبتدأ والسير لوهب بن مُنَبِّه وغيره.

حبيب النجار

وممن كان في الفترة: حبيب النجار، وكان يسكن أنطاكية من أرض الشام وكان بها ملك متجبر يعبد التماثيل والصُّوَر، فسار إليه إثنان من تلامذة المسيح، فدعوَاه إلى اللّه عز وجل، فحبسهما وضربهما، فعززهما اللّه بثالث، وقد تنوزع فيه؛فذهب كثير من الناس إلى أنه بطرس، وهذا اسمه بالرومية، واسمه بالعربية سمعان، وبالسريانية شمعون وهو شمعون الصفاء، وذكر كثير من الناس وإليه ذهب سائر فرق النصرانية أن الثالث المعزَّزَ به هو بولس، وأن الاثنين المتقَدمين اللذين أودعا الحبس توماوبطرس، فكان لهم مع ذلك الملك خطب عظيم طويل فيما أظهروا من الإعجاز والأعاجيب والبراهين: من إبراء الأكمة والأبرص، وإحياء الميت، وحيلة بولس عليه بمداخلته إياه وتلطفه له، واستنفاذ صاحبيه من الحبس، فجاء حبيب النجار فصدقهم، لما رأى من آيات الله عزوجل، وقد أخبر اللّه عزوجل بذلك في كتابه بقوله: "إذا أرسلنا إليهم اثنين فكنبوهما" إلى قوله: "وجاء من أقصى المدينة رجل يَسْعَى" وقتل بولس وبطرس بمدينة رومية، وصُلِبا منكسين، وكان لهما فيها خبرطويل مع الملك، ومع سيما الساحر، ثم جعلا بعد ذلك في خزانة من البلور، وذلك بعد ظهور دين النصرانية، وحرمهما في كنيسة هتاك قد ذكرناها في الكتاب الأوسط عند ذكرنا العجائب رومية، وأخبار تلاميذ المسيح عليه السلام، وتفرقهم في البلاد، وسنورد في هذا الكتاب لمعاً من أخبارهم، إِن شاء الله تعالى.

أصحاب الأخدود

فأما أصحاب الأخدود فإنهم كانوا في الفترة في مدينة نجران باليمن،في مُلْكِ ينُوَاس، وهو القاتل لذي شَنَاتر، وكان على دين اليهودية، فبلغ ذانُوَاس أن قوماً بنجْرَان على دين المسيح عليه السلام؟ فسار إليهم بنفسه، واحتفر لهم أخاديد في الأرض، وملأها جَمْراً، وأضْرَمها ناراً، ثم عرضهم على اليهودية؛ فمن تبعه تركه، ومن أبى قَذَفه في النار، فأتَى بامرأة معها طفلها ابن سبعة أشهر، فأبت أن تتخلى عن دينها، فأدنيتْ من النار، فجزعت، فأنطق الله عزوجل الطفل فقال: يا أمهْ امْض على دينك فلا نار بعد هذه، فألقاها في النار، وكانوا مؤمنين موحَدين، لا على رأي النصرانية في هذا الوقت، فمضى رجل منهم يقال له ف ثعلبان إلى قيصرملك الروم يستنجده، فكتب له إلى النجاشي لأنه كان أقرب إليهم داراً ا فكان من أمر الحبشة وعبورهم إلى أرض اليمن ؤتغلبهم عليها إلى أن كان من أمر سَيْفٍ في يزن واستنجاده الملوك إلى أن أنجده أنو شروان ما قد أتينا على ذكره في كتابنا أخبار الزمان، وفي الكتاب الأوسط، وسنذكر لُمعاً من ذلك فيما يرد من هذا الكتاب عند ذكرنا لأخبار الأفاء وملوك اليمن، وقد ذكر اللّه عزوجل في كتابه قصةَ أصحاب الأخدود بقوله عزوجل: "قتل أصحاب الأخدود إلى قوله: "وما نَقَمُوا مئهم إلا أن يؤمنوا باللّه العزج الحميد"

خالد بن سنان العبسي

وممن كان في الفترة: خالد بن سنان العبسي، وهو خالد بر سنان بن غيث بن عبس،، وقد ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فقال:ذلك نبي أضَاعه قومه " وذلك أن ناراً ظهرت في العرب، فافتنوا بها، وكانت تنتقل، وكادت العرب تتمجَّسُ وتغلب عليها المجوسية، فأخذ خالد بن سنان هراوة وشد عليها وهو يقول: بدا بَدَا، كُلُّ هدى، مؤدٍّ إلى اللّه الأعلى، لأدخلتها وهي تتلظى، ولأخْرُجَنّ منها وثيابي تتنذَى، فأطفأها، فلما حضرت خالد بن سنان الوفاة قال لإِخوته: إذا أنا دفنت فإنه ستجيء عانة من حميريَقْدمُها عَيْرأبتر، فيضرب قبري بحافره ة فإذا رأيتم ذلك فانبشوا عني فإني سأخرج إليكم فأخبركم بجميع ما هو كائن، فلما مات ودفنوه رأوا ما قال فأرادُوا أن يخرجوه، فكره ذلك بعضهم وقالوا: نخاف أن تنسبنا العرب إلى نبْشنا عن ميت لنا، وأتت ابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقرأ: "قل هوالله أحد، اللّه الصمد" فقالت: كان أبي يقول هذا، وسنورد فيما يرد من هذا الكتاب لمعاً من أخباره مما تدعو الحاجة إلى ذكره، إن شاء الله تعالى.

رئاب الشني أحد بني عبد القيس

قال المسعودي: وممن كان في الفترة: رئاب الشَّنِّئُ، وكان من عبد القيس، ثم من شَن، وكان على دين المسيح عيسى بن مريم عليه سلام قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعوا مناديَاَ ينادِي من السماء قبل مبعث نبي: خير أهل الأرض ثلاثة: رئاب الشني، وبحيرةَ. الراهب، رجل آخر لم يأت بعد، يعني النبي عليه السلام وكان لا يموت أحد من ولد رئاب فيدفن إلا رأوا واسطاً على قبره.

أسعد أبوكرب الحميري

ومنهم أسعد أبو كرب الحميري، وكان مؤمناً، وأمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة، وقال: 

شهحْتُ عـلـى أحـمـدٍ أنـه

 

رَسُولٌ من اللَّه بارِي النَـسَـمْ

فَلَوْمُدَّ عُمْـرِي إلـى عـمـره

 

لكنْتً وزيراً لـه وابـن عـم

وألْزِمُ طـاعَـتَـهُ كـلً مـنْ

 

على الأرض من غرُب أوعجم

و أول من كسا الكعبة الأنطاع والبُرُودَ، فلذلك يقول بعض حِمْيَر:

وكَسَوْنَا البيْتَ ائَنِي عظم اللَّهُ مُلاَءً مُقضَباً وَبُرُودا

قس بن ساعدة الِإيادي

ومنهم: قس بن ساعدة الإيادي من إياد بن أد بن معد، وكان حكيم العرب، وكان مقراً بالبعث، وهو الذي يقول: من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هوآت آت، وقد ضرب العرب بحكمته وعقله الأمثال، قال الأعشى: 

وأحْكَمُ مِنْ قُسٍّ، وأجْرَا من الـذِي

 

بِذِي الغيل مِنْ خَفَّانَ أصْبَحَ خَادِرَا

وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم وَفد من إياد، فسألهم عنه، فقالوا: هلك، فقال: رحمه اللّه ة كأننىِ أنظر إليه بسوق عُكَاظ على جمل له أحمر، وهو يقول: أيها الناس، اجتمعوا واسمعوا وَعُوا، مَنْ عاش مات، ومَزن مات فات، وكل ما هوآت ات، أما بعد فإن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبراً، نجوم تمور، وبحار تغور، وسَقْف مرفع، ومهاد موضوع، أقسم قس باللّه قسماً لا حانثاً فيه ولا آثماً، إن اللّه لدينا هو أرضى من دين أنتم عليه، مالي أراهم يذهبون ولا يرجعون، أرَضُوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا. سبيل مؤتلف، وعمل مختلف. وقال أبياتاً لا أحفظها، فقام أبو بكررضي اللهّ عنه فقالى: أنا أحفظها يا رسول الله، فقال :هاتها، فقال:  

في الذَّاهِـبِـينَ الأوَّلـي

 

ن مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ

لمـا رَأيْتُ مَـــوَارِداً

 

لْلمَوْتِ لَيْسَ لَها مَصَادرْ

ورَأيْتُ قَوْمي نَحْـوَهـا

 

تمْضِي الأوَائِلُ وَالأوَاخِرْ

لَا يَرْجِعُ المـاضـي، ولَا

 

يَبْقَى مِنَ الْبَاقِينَ غَـابِـرْ

أيْقَنْـتُ أنـي لَا مـحـا

 

لةحَيْثُ صَار الْقَوْمُ صائِرْ

فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : رحم اللّه قسا، إني لأرجو أن يبعثه الله أمة وحْده.قال المسعودي: ولقس أشعار كثيرة وحِكَمٌ، وأخبار تُبصِّر في الطب الزجر والفأل وأنواع الحكم، وقد ذكرنا ذلك في كتاب أخبار الزمان وفي الكتاب الأوسط.

زيد بن عمرو بن نفيل

 وممن كان في الفترة: زيد بن عمرو بن نُفَيْل، أبو سعيد بن زيد أحد العَشَرَة، وهو ابن عم عمر بن الخطاب لَحّاً، وكان زيد يرغب عن عبادة الأصنام، وعابها فأولع به عَمُّه الخطابُ سفَهاء مكة، وسلطهم عليه، فآفهُ، فسكن كهفاً بحراء، وكان يدخل مكة سراً، وسار إلى الشام يبحث عن الدين، فسمته النصارى، ومات بالشام، وله خبر طويل مع الملك الترجمان، ومع بعض ملوك غسان بدمشق، وقد أتينا عليه فيما سلف من كتبنا.

أمية بن أبي الصلت الثقفي

ومنهم: أمية بن أبي الصَّلْتِ الثقفي، وكان شاعراً عاقلاً، وكان يتَّجِر إلى الشام، فتلقاه أهل الكنائسي من اليهود والنصارى، وقرأ الكتب، وكان قدعلم أن نبيّاً يبعث من العرب، وكان يقول أشعاراً على آراء أهل الديانة صف فيها السماوات والأرض والشمس والقمر والملائكة، وذكر الأنبياء البعث والنشور والجنة والنار، ويعظم اللّه عز وجل ويوحده، من ذلك قوله:

الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَاشَرِيكَ لَـه

 

منْ لَمْ يَقُلْها فَنَفْسَهُ ظَلَما

ووصف أهل الجنة في بعض كلماته فقال:

فَلا لَغْوٌ ولاَتأثيمَ فيها

 

ومافَاهُوابِه لَهُمُ مُقيمُ

ولما بلغه ظهور النبي صلى الله عليه وسلم اغتاظ لذلك وتأسف، وجاء المدينة ليسلم فرده الحسد، فرجع إلى الطائف، فبينما هو ذات يوم في فتية يشرب إذ وقع غراب فنعَبَ ثلاثة أصواب وطار، فقال أمية: أتدرون ما قال؟ قالوا: لا، قال: فإنه يقول لكم: إن أمية لا يشرب الكأس الثالثة حتى يموت، فقال القوم: لتكَذِّبَنَّ قوله: ثم قال: أحْسُوا كأسكم، فَحَسَوْها، فلما انتهت النوبة إليه أغمي عليه، فسكت طويلًا ثم أفاق وهو يقول:

لًئيْكُما لًبّيْكُمَـا

 

ها أنا ذَالَديْكُما

أنا من حفت به النعمة، والحمد والشكر.

إنْ تَغْفِرِاللهُئم تَغْفِرْجَمّا

 

وأيُّ عبْدٍ لَك لَا ألَمَّـا

أو قال: أنا من حفت به النعمة والحمد ولم يجهد في الشكر، ثم أنشأ يقول:

إنَ يَوْمَ الْحـسَـاب يَوْم عـظـيمٌ

 

شَابَ فيه الصًغير يَوْمـاً طَـوِيلَا

لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَ مـا قـد بَـدَالِـي

 

فِي رُؤوس الْجِبال أرْعَى الْوُعُولاَ

كُلّ عَيْشٍ وَإنْ تَـطَـاوَلَ حـينـا

 

فَقُـصَـارَى أيامــه أنْ يزُولاَ

ثم شَهق شهقة ة فكانت فيهانفسه. قال المسعودي: وقد ذكر جماعة من أهل المعرفة بأيام الناس، وأخبار مَنْ سلف كابن دأب، والهيثم بن عدي، وأبي مِخْنَف لوط بن يحيى، ومحمد بن السائب الكلبي أن السبب في كتابة قريش، واستفتاحها في أوائل كتبها باسمك اللهم هو أن أمية بن أبي الصَّلْت الثقفي خرج إلى الشامٍ في نفر من ثقيف وقريش في عِيرٍ لهم، فلما قفلوا راجعين نزلوا منزلا، واجتمعوا لعشَائهم ؛ إذ أقبلت حية صغيرة حتى دَنَت منهم، فَحَصَبَهَا بعضهم بشيء في وجهها، فرجعت، فَشَدُواسفرتهم ثم قاموا فَشَدوا على إبلهم وارتحلوا من منزلهم، فلما برزوا عن المنزل أشرفت عليهم عجوزمن كثيب رمل متوكئة على عَصاً لها، فقالت: ما منعكم أن تطعموا رحيمة، الجارية اليتيمة، التي جاءتكم عشية؟ قالوا: ومن أنْتِ؟ قالت: أم العوام، أوتمْتُ منذ أعوام، أما ورب العباد، لتفترقُنَّ في البلاد، ثم ضربت بعصاها الأرض، فأثارت بها الرمل، وقالت: أطيلي إيابهمِ، وأنْفِرِي ركابهم، فثبت الِإبل فكأن على ذرْوَة كل بعير منها شيطاناَ، ما نملك منها شيئاً، حتى افترقت في البوادي، فجمعناها من آخر النهار إلى غد، ولم نكد، فلما أنخناها لنرحلها طلعت علينا العجوز فعادت بالعصا كفعلها أولاً، وعادت إلى مقالتها الأولى: ما منعكم أن تطعموا رحيمة، الجارية اليتيمة؟ أطيلي إيابهم وأنْفِرِي ركابهم، فخرجت الِإبل ما نملك منها شيئَاَ، فجمعناها من آخر النهار إلى غد، ولم نكد، فلما أنخناها لنرحلها طلعت علينا العجوز، ففعلت مثل فعلتها الأولى والثانية، فتفرقت الإبل وأمسينا في ليلة مُقْمِرَة، وقد يئسنا من ظهورنا، فقلنا لأمية بن أبي الصَّلْتِ: أين ما كنت تخبرنا به عن نفسك؟ فتوجَّهَ إلى ذلك الكثيب الذي كانت تأتي منه العجوز، حتى هَبَطَ من ناحية أخرى، ثم صعد كثيباً آخر حتى هبط منه، ثم رفعت له كنيسة فيها قناديل، وإذا رجل جالس أبيض الرأس واللحية، قال أمية: فلما وقفت عليه رفع رأسه إلي وقال: إنك لمتبوع، قلت: أجل، قال: فمن أين يأتيك صاحبك. قلت: من أذني اليسرى، قال: فبأي الثياب يأمرك. قلت: بالسواد، قال: هذا خَطْب الجن، كدت ولم تفعل، ولكن صاحب هذا الأمريكلمه في أذنه اليمنى، وأحَب الثياب إليه البياضُ، فما جاء بك. وما حاجتك.

فحدثته حديث العجوز، قال: صَدَقَتْ، وليست بصادقة، هي امرأة يهودية هلك زوجها منذ أعوام، وإنها لا تزال تصنع بكم ذلك حتى تهلككم إن استطاعَتْ، قال أمية: فما الحيلة؟ قال: اجمعوا ظُهُورَكم فإذا جاءتكم ففعلت ماكانت تفعل فقولوالها: سبعاً من فق، وسبعأمن أسفل، باسمك اللهم، فإنها لا تضركم، فرجع أمية إلى أصحابه، فأخبرهم بما قيل له، فجاءتهم، ففعلت كما كانت تفعل، فقالوا: سبعاً من فق، وسبعأ من أسفل، باسمك اللهم، فلم تضرهم، فلما رأت الإبل لم تتحرك قالت: عرفت صاحبكم، لَيَبْيَضن أعلاه، ويسودن أسفله، وسِرْنَا، فَلما أدركنا الصبح نظرنا إلى أمية قد بَرِصَ في عذارية ورقبته وصدره، واسودّ أسفله، فلما قدموا مكةذكروا هذا الحديث.وكان أمية أول من كتب باسمك اللهم إلى أن جاء الله عزوجل بالإسلام فرفع ذلك وكتب: "بسم الله الرحمن الرحيم"، وله أخبار غير هذه قد أتينا عليها وعلى ذكرها في أخبار الزمان وغيره مما سلف من كتبنا.

ورقة بن نوفل

ومنهم: ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة بنت خُويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم لَحًاً، وكان قد قرأ الكتب وطلب العلم، ورغب عنِ عبادة الأصنام، وبشر خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي هذه الأمة، وأنه سيؤذى ويكذبُ، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يابن أخي، اثْبُتْ على ما أنت عليه.، فالذي نفس ورقة بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولتؤذَيَن ولتكذبن ولتخرجن ولتقاتلن، ولئن أدركت يومك لأنصرن الله نصراً يعلمه، وقد اختلف فيه: فمنهم من زعم أنه مات نصرانياً، ولم يدرك ظهورَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتيسر له أمره، ومنهم من رأى أنه مات مسلماً وأنه مدخ النيي صلى الله عليه وسلم فقال:

يَعْفوَيَصْفَحُ لَا يَجْـزِي بِـسَـيِّئةٍ

 

وَيَكْظِمُ الْغَيْظَ عِنْدَالشتْم وَالْغَضَبِ

عداس مولى عتبة بن ربيعة

ومنهم: عَدَّاس مولى عُتْبَةَ بن ربيعة، وكان من أهل نِينَوَى، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم بالطائف حين خرج يدعوهم إلى الله عزوجل، وكان له مع النبي صلى الله عليه وسلم خَطْب في الحديقة، وقتل يوم بدر على الئصرانية، وكان ممن يبشربالنبي صلى الله عليه وسلم.

أبو قيس صرمة بن أبي أنس

ومنهم: أبو قيس صِرْمَة بن أبي أنس من الأنصار من بني النجار،وكان ترهَّبَ، ولبس المسوح، وهجر الأوثان، ودخل بيتأ، واتخذهُ مسجداً لا تدخله طامث ولا جُنُب، وقال: أعبد رَب إبراهيم، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلم وحسن إسلامه، وفيه نزلت آية السحور: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" وهو القائل في رسول الله صلى الله عليه وسلم :

ثَوَى في قُرَيْش بِضْعَ عَشْرَةَ حَجَّةً

 

بِمَكَةَ لَا يَلْقَى صَدِيقـأ مُـؤَاتِـيا

أبو عامر الأوسي

ومنهم: أبو عامر الأوسي واسمه عبد عمرو بن صَيْفِي بن النعمان،من بني عمروبن عوف، من الأوس وهوأبوحنظلة غَسِيل الملائكة، وكان سيدا قد ترهَّبَ في الجاهلية، ولبِس المسوح، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان له معه خطب طويل، فخرج في خمسين غلاماً، فمات علىالنصرانية بالشام.

عبد اللّه بن جحش الأسدي

ومنهم: عبد اللهّ بن جَحْش الأسدي من بني أسد بن خُزَيمة، وكانت عندهُ أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، قبل أن يتزوجها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وكان قد قرأ الكتب فمال إلى النصرانية، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى أرض الحبشة فيمن هاجر من المسلمين ومعه زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، ثم إنه ارتَدَّ عن الإِسلام هنالك وتنصر، ومات بأرض الحبشة، وكان يقول للمسلمين: إنا فَقَحْناَ وصأصاتم، يريد أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر، وهذا مَثَل ضربه لهم، وذلك أنه يقال للكلب إذا فتح عينيه بعدما يولد، وهو جَرْو: قد فَقحَ، وإذا كان يريد أن يفتحهما ولم يفتحهما بعدُ قيل: صأصأ، ولما مات عبد اللّه بن جَحْش تزوج رسور اللّه صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، زَوّجَها إياه النجاشي، وأمهرها عنه أربعمائة دينار.

بحيرا الراهب

ومنهم: بَحِيرَا الراهب، وكان مؤمناً على دين المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، واسم بَحِيرَا في النصارى سرجس، وكان من عبد القيس، ولما خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام في تجارة وهو ابن اثنَتيْ عشرَةَ سنة ومعهما أبو بكر وبلال، مروا ببَحِيرا وهو في صَوْمعته، فعرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بصفته ودلائله وما كان يجمه في كتابه ونظر إلى الغمام تظله حيث ما جلس، فأنزلهم بَحِيرَا، وأكرمهم، واصطنع لهم طعاماً، ونزل من صومعته حتى نظر إلى خاتم النبوة بين كتفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ووضع يده على موضعه، وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأعلم أبا بكر وبلالاً بقصته، وما يكون من أمره، وسأل أبا طالب أن يرجع به من وجهه ذلك، وحَذَّرهم عليه من أهل الكتاب، وأخبر عمه أبا طالب بذلك، فرجع به، فلما رجع من سفره ذلك، كان بدْء قصته مع خديجة وما أظهر اللّه لها من دلائل نبوته، وما أخبرت به مما كان منه في طريقه. قال المسعودي: فهذه جمل مبدأ الخليقة إلى حيث انتهينا من هذا الموضع ولم نشُبْهُ بشيء غيرما جاءت به الشرائع، ونطقت به الكتب، وأوضحت عنه الرسل عليهم الصلاة والسلام.ولنذكر الان بدء ممالك الهند، ولمعاً من آرائها، ونُتْبع ذلك بذكر سائر الممالك، إذ كنا قدمنا جملاً من ذكر ملوك الِإسرإئيليين على حسب ما وجدنا في كتب الشرعيين، واللّه أعلم.

ذكر جمل من أخبار الهند وآرائها وبَدء ممالكها وملوكها

ذكَرَ جماعة من أهل العلم والنظر والبحث الذين وصلوا الغاية بتأمل شأن هذا العالم وبدئه أن الهند كانت في قديم الزمان الفرقة التي فيها الصلاح والحكمة؛ فإنه لما تجيلت الأجيال، وتحزبت الأحزاب، حاولت الهند أن تضم المملكة، وتستولي على الحَوْزة، وتكون الرياسة فيهم، فقال كبراؤهم: نحن كنا أهل البدء، وفينا التناهي، ولنا الغاية والصدر ولا انتهاء، ومنا سرى الأب إلى الأرض، فلا ندع أحداً شاققنا ولا عاندنا وأراد بنا الِإغماض إلا أتينا عليه وأبَدْنَاه أو يرجع إلى طاعتنا.

البرهمن

فأزْمَعَتْ على ذلك، ونصبت لها ملكاً، وهؤ البرهمن الأكبر، والملك الأعظم، الإمام فيها المقدم، وظهرت في أيامه الحكمة، وتقدمت العلماء، واستخرجوا الحديد من المعدن، وضُرِبَتْ في أيامه السيوف والخناجر، وكثير من أنواع المقاتل، وشيد الهياكل، ورصعها بالجواهر المشرقة المنيرة، وصوؤرَ فيها الأفلاك والبروج الاثنى عشر والكواكب، وبين بالصورة كيفية العالم، وأرى بالصورة أيضاً أفعال الكواكب في هذا العالم وأحداثها للأشخاص الحيوانية: من الناطقة وغيرها، وبين حال المدبر الأعظم الذي هو الشمس، وأثبت في كتابه براهين جميع ذلك، وقَرَّبَ إلى عقول العوام فَهْمَ ذلك، وغرس في نفس الخواص دراية ما هو أعلى من ذلك، وأشار إلى المبدأ الأول المعطى سائر الموجودات وجودَهَا الفائض عليها بجوده، وانقاد له الهند، وأخصبت بلادها، وأراهم وجه مصالح الدنيا، وجمع الحكماء فأحدثوا في أيامه كتاب السند هند وتفسيره دهر الدهور، ومنه فرغت الكتب ككتاب الأرجيهد والمجسطى، وفرع من الأرجيهد الأركند، ومن المجسطى كتاب بطليموس، ثم عمل منهما بعد ذلك الزيجات، وأحدثوا التسعة الأحرف المحيطة بالحساب الهندي، وكان أول من تكلم في أوج الشمس، وذكر أنه يقيم في كل برج ثلاثة آلاف سنة، ويقطع الفلك في ستة وثلاثين ألف سنة، والأوج الآن على رأي البرهمن في وقتنا هذاوهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة في برجِ الثور وأنه إذا انتقل إلى البروج الجنوبية انتقلت العمارة، فصار العامر خراباَ، والخارب عامراً، والشمال جنوباً، والجنوب شمألاً، ورتَّبَ في بيت الذهب حساب الدورالأول والتاريخ الأقدم الذي عليه عملت الهند في تواريخ البدءة، وظهورها في أرض الهند دون سائر الممالك، ولهم في البدء خَطْب طويل أعرضناعن ذكره إذ كان كتابنا كتاب خبر، لا كتاب بحث ونظر، وقد أتينا على جمل من ذلك في الكتاب الأوسط، ومن الهند من يذكر أن ابتداء العالم في كل سبعين ألف سنة هازروان، وأن العالم إذا قطع هذه المدة عاد الكون؛ فظهر النسل،ومرحت البهائم، وتغلغل الماء، ودبَّ الحيوان، وبَقَلَ الغشْبُ، وخرق النسيم الهواء، فأما أكثر أهل الهند فإنهم قالوا بكرور منصوبات على دوائر تبتدىء القوى متلاشية شبيهة الشخص، موجوعة القوة، منتصبة الذات، وحدوا لذلك أجلًا ضربوه، ووقتاً نصبوه، وجعلوا الدائرة العظمى والحادثة الكبرى، وسموا ذلك بعمر العالم، وجعلوا المسافة بين البدء والإِنتهاء مدة ست وثلاثين ألف سنة مكررة في اثني عشر ألف عام، وهذا عندهم الهازوران الضابط لقوى الأشياء والمدبر لها، وأن الحوائر تقبض وتبسط جميع المعاني التي تستودعها، وأن الأعمار تطول في أول الكر لانفساخ الدوائر، وتمكن القوى من المجال، وتَقْصُر الأعمار في آخر الكر لضيق الدوائر، وكثرة ما يعرض فيها من الأكدار الباترة للأعمار، وذلك أن قوى الأجسام وَصَفها في أول الكر تظهر وتسرح، وأن الصف سابق الكدر، والشافي يبادر الثفل، والأعمار تطول بحسب صفاء المزاج، وتكامل القوى المدبرة لعناصره أخلاط الكائنات الفاسدات المستحيلات البائدات، وأن آخر الكر الأعظم وغاية البَدء الأكبر تظهر الصورة متشوهة، والنفس ضعيفة، والأمزجة مختلطة، وتناقض القوى، وتبيد المواسك، وترد المواد في الحوائر منعكسة مزدحمة، فلا يحظى فو الأعصار بتمام الأعمار، وللهند فيما ذكرناه علل وبراهين في المبادى الأول، وفيما بسطناه من تفريعهم في الدوائر والهازروانات، ورموز وأسرار في النفس في اتصالها بما علا من العوالم وكيفية بَدْئها من أعلى إلى أسفل، وغير ذلك مما رتب لهم البرهمن في بدء الزمان، وكان ملك البرهمن إلى أن هلك ثلاثمائة سنة وستين سنة

البرا همة

وولده يعرفن بالبراهمة إلى وقتنا، والهند تعظمهم، وهم أعلى أجناسهم وأشرفهم، ولا يغتفن بشيء من الحيوان، وفي رقاب الرجل والنساء منهم خيوط ُصفْر يتقلدون بها كحمائل السيوف، فرقاً بينهم وبين غيرهم من أنواع الهند.

وقد كان اجتمع منهم في قديم الزمان في ملك البرهمن سبعة من حكمائهم المنظور إليهم في بيت الذهب فقال بعضهم لبعض: اجلسوا حتى نتناظر ة فننظر ما قصة العالم. وما سره؟ ومن أين أقبلنا. وإلى أين نمر؟ وهل خروجُنا من عدم إلى وجود حكمةٌ أو ضد ذلك. وهل خالقنا المخترع لنا والمنشىء لأجسامنا يجتلب بخلقنا منفعة، أم هل يدفع بفَنَائنا عن هذه الدار عن نفسه مضرة، أم هل يدخل عليه من الحاجة والنقص ما يدخل علينا. أم هل هو غني من كل وجه فما وجه إفنائه إيانا وإعدامنا بعد موجودنا وآلامنا وملاذنا؟ فقال الحكيم المنظور إليه منهم: أترى أحداً من الناس أدرك الأشياء الحاضرة والغائبة على حقيقة الِإدراك؛ فظفر بالبغية واستراح إلى الثقة؟ قال الحكيم الثاني: لو تناهت حكمة البارىء عزوجل في أحد العقول كان ذلك نقصاً من حكمته، وكَان الغرض غير مدرك، وكَان التقصير مانعاً من الإِدراك، قال الحكيم الثالث: الواجب علينا أن نبتدىء بمعرفة أنفسنا التي هي أقرب الأشياء منا ونحن أولى بها وهي أولى بنا، من قبل أن نتفرغ إلى علم ما بعد منا قال الحكيم الرابع: لقد ساء وقوع من وقع موقعاً احتاج فيه إلى معرفة نفسه، قال الحكيم الخامس: من ههنا وجب الاتصالُ بالعلماء الممدودين بالحكمة، قال انحكيم السادس: الواجب علر المرء المحب لسعادة نفسه أن لا يغفل عن ذلك، لاسيما إذا كان المقام في هذه الدنيا ممتنعاً، والخروج منها واجباً، قال الحكيم السابع: أنا لا أدري ما تقولون، غير أني أخْرِجْتُ إلىهذه الدنيا مضطراً، وعشت فيها حائرأ، وَأخْرج منها مكرهاً.

فاختلف الهند ممن سلف وخلف في آراء هؤلاء السبعة، وكل قد اقتدى بهم، ويمم مذهبهم، ثم تفرعوا بعد ذلك في مذاهبهم، وتنازعوا في آرائهم، والذي وقع عليه الحصرمن طوائفهم سبعون فرقة.

قال المسعودي: وقد رأيت أبا القاسم البَلْخيَّ ذكر في كتاب عيون المسائل والجوابات وكذلك الحسن بن موسى النوبَختِي في كتابه المترجم بكتاب الآراء والديانات مذاهِبَ الهند وآراءهم، والعلة التي من أجلها أحرقوا أنفسهم في النيران، وقطعوا أجسامهم بأنواع العذاب، فما تعرضا لشيءمماذكرنا، ولايَمما نحوما وصفنا.

حقيقة البرهمن

وقد تنوزع في البرهمن: فمنهم من زعم أنه أدم عليه السلام، وأنه رسول الله عزوجل إلى الهند، ومنهم من يقول: إنه كان ملكاً على حسب ما ذكرنا، وهذا أشهر.

الباهبود بن البرهمن

ولما هلك البرهمن جزعت عليه الهند جزعأ شديدأً، وفزعت إلى نَصْب ملك عليها من أكبرولده؛ فكان ولي عهده الموصى له من ولده ابنه الماهبود، فسار فيهم سيرة أبيه، وأحسن النظر إليهم،زاد في بناء الهياكل، وقَدم الحكماء، وزاد في مراتبهم، وحَثهم على تعليم الناس الحكمة، وبَعَثَهم على طلبها، فكان ملكه إلى أن هلك مائة سنة. 

صنع النرد وحكمته

وفي أيامه عمل النرْدُ، وأحدث اللعب بها، وجعل ذلك مثالاً للمكاسب، وأنها لا تُنَال بالكَيسْ ولا بالخيل فى هذه الدنيا، وأن الرزق لا يتأتى فيها بالحذق، وقد ذكر أن أردشير ين بابك أول من صنع النرد، ولعب بها، وأرى تقلب الدنيا بأهلها، واختلاف أمورها، وجعل بيوتها اثني عشر بيتأ بعدد الشهور، وجعل كلابها ثلائين كلباً بعدد أيام الشهر، وجعل الفصين مثلاً للقَدرِ، وتقلُّبه بأهل الدنيا، وأن الإِنسان يلعب بها فيبلغ بإسعاد القحر إياه في مراده باللعب بها ما يريد، وأن الحازم الفطن لا يتأتى له ما تأتي لغيره، إلا إذا أسعده القدر، وأن الأرزاق والحظوظ في هذه الدنيا لا تُنَال إلا بالجدود.

زامان بعد الباهبود

ثم ملك زامان بعد الباهبود، فكان ملكه نحواً من خمسين ومائة سنة، ولزامان سيز وأخبار وحروب مع ملوك فارس وملوك الصين قد أتينا على الغُرَرِمنها فيما سلف من كتبنا.

ملك فر

ثم ملك فر، وهو الذي واقَعَهُ الإسكندر، فقتله الإسكندر مبارزة،وكان ملك فر إلى أن هلك أربعين ومائة سنة.

ملك دبشليم

ثم ملك بعده دَبْشَلِيمُ، وهو الواضع لكتاب كليلة ودمنة النى ينسب لابن المقفع، وقد صنف سهل بن هارون الكاتب لأمير المؤمنين المأمون كتاباَ ترجمه ثعلة وعفرة يعارض به كتاب كيلة ودمنة في أبوابه وأمْثَالِهِ، ويزيد عليه في حسن نظمه، وكان ملكه مائة وعشرين سنة، وقيل غيرذلك.

ملك بلهيت وصنع الشطرنج

ثم ملك بعمه بلهيت، وصنعت في أيامه الشطرنج؟ فقضى بلعبهاعلى النرد، وبَيَّنَ الظفر الذي يناله الحازم، والبلية التي تلحق الجاهل، وحسب حسابها، ورتَّبَ لذلك كتاباً للهند يعرف بطرق جنكا يتداولونه بينهم، ولعب بالشطرنج مع حكمائه،وجعلها مصورةً تماثيل مشكلة على صور الناطقين وغيرهم من الحيوان مما ليس بناطق، وجعلهم درجات ومراتب، ومثَّلَ الشاة بالمدبِّرِ الرئيس، وكذلك ما يليه من القطع، وأقام ذلك مثالاً للأجساد العلوية التي هي الأجسام السماوية من السبعة والاثني عشر، وأفرد كل قطعة منها بكوكب، وجعلها ضابطة للمملكة، وإذا كان عدو من أعدائه، فقعت منه حيلة في الحروب نظروا من أين يؤتَوْنَ، في عاجل وآجل، وللهند في لعب الشطرنج سريسرونه في تضاعيف حسابها، ويتغلغلون بذلك إلى ما عَلاَ من الأفلاك، وما إليه منتهى العلة الأولى، وأعداد أضعاف الشطرنج ثمانية عشر ألف ألف ألف ألف ألف ألف وأربهمائة ألف وستة وأربعون ألف ألف ألف ألف ألف وسبعمائة وأربعون ألف ألف ألف ألف، وثلاثة وسبعون ألف ألف ألف، وسبعمائة ألف ألف، وسبعة آلاف ألف وخمسمائة ألف وأحد وخمسون ألف وستمائة وخمسة عشر، ومراتب هذه الألوف الستة الأولى، ثم الخمسة التي هي ألف ألف خمس مرات، ثم الأربع، ثم الثلاث، ثم الاثنين، ثم الواحدة ة لها عندهم معانٍ، يذكرونها في الدهور والأعصار، وما تقتضيه سائر المؤثرات العلوية في هذا العالم؟ لارتباط نفس الناطقين بها، ولليونانيين والروم وغيرهم من الأمم في الشطرنج كلام ونوع من اللعب بهذه. وقد ذكر ذلك الشطرنجيون في كتبهم، ممن تقدم منهم إلى الصولي والعدلي، وإليهما كان انتهاء اللعب بالشطرنج في هذا العصر.وكان مًلْكُ بلهيت ملك الهند إلى أن هلك ثمانين سنة، وفي بعض النسخ أنه ملك ثلاثين ومائة سنة.

ملك كورش

ثم ملك بعده كورش، فاحمث للهند آراء في الديانات، على حسب مارأى من صلاخ الوقت، وما يحتمله من التكليف أهل العصرِ، وخرج عن مذاهب من سَلَفَ، وكان في مملكته وعصره سندباد، دونَ له كتاب الوزراء السبعة والمعلم والغلام وامرأة الملك، وهو الكتاب المترجم بالسندباد وعمل في خزانة هذا الملك الكتاب الأعظم في معرفة العلل والألدواء والعلاجات، وشكلت الحشائش، وصورت، وكان مدة ملك الهند هذا إلى أن مات عشرين ومائة سنة.

اختلاف أهل الهند وتعدد ملوكهم

ولما هلك هذا الملك اختلفت الهند في آرائها، فتحزبَتِ الأحزاب، وتجيلت الأجيال، وانفرد كل رئيس بناحية، فملك على أرض السند ملك، وملك على أرض القنوج ملك، وتملك على الأرض قشميرملك وتملك على مدينة المانكير وهي الحوزة الكبرىملك يسمى بالبلهري وهذا أول ملك سمي من ملوكهم بالبلهري. فصارت سِمَةً لمن طرأ بعد من الملوك لهذه الحَوْزَة إلى وقتنا هذا، وهوسنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.

صفة أرض الهند

وأرض الهند أرض واسعة في البر والبحر والجبال، وملكهم متصل بملك الزابج، وهي دار مملكة المهراج ملك الجزائر، وهذه الممَلكة قدر بين مملكة الهند والصين، وتضاف إلى الهند، والهند متصلة مما يلي الجبال بأرض خراسان والسند إلى أرض التبت، وبين هذه الممالك تباين وحروب، ولغاتهم مختلفة، وآراؤهم غير متفقة والأكثر منهم يقول بالتناسخ، وَتَنَقُّل الأرواح على حسب ما قدمناه آنفاً، والهند في عقولهم وسياساتهم وحكمتهم وألوانهم وصفاتهم وصحة أمزجتهم وصفاء أذهانهم ودقة نظرهم بخلاف سائر السودان من الرنْج والدمادم وسائر الأجناس.

وقد ذكرجالينوسُ في الأسْوَدِ عشرخصال اجتمعت فيه، ولم توجد في غيره: تفلفل الشعر، وخفة الحاجبين، وانتشار المنخرين، وغلظ الشفتين، وتحديد الأسنان، ونتن الجلد، وسواد الحق، وتشقق اليدين والرجلين، وطول الذكر، وكثرة الطرب، قال جالينوس: وإنما غلب على الأسود الطرف لفَسَادِ دماغه، فضعف لذلك عقله. وقد ذكر غيرجالينوس في طرب السودان، وغلبة الفرح عليهم، وماخص به الزنج من ذلك دون سائر السودان في أكثار من الطرب أموراً قد ذكرناها فيما سلف من كتبنا.ولقد كان طاوس اليماني صاحبُ عبد الله بن عباس لا يأكل من ذبيحة الزنجي، ويقول: إنه عبد مُشَوه الخلقة.

وبلغنا أن أبا العباس الراضي بالله ابن المقتدر بالله كان لا يتناول شيئامن أسود، ويقول: إنه عبد مشوه خلقه؟ فلست أدري أقلدَ طاوساً في مذهبه أم لضرب من الآراء والنحل.وقد صنف عمرو بن بحر الجاحظ كتاباً في فخر السودان ومناظرتهم مع البيضان .

من عادات الهنود

والهند لا تملكُ الملك عليها حتى يبلغ من عمره أربعين سنة، ولا تكاد ملوكهم تظهر لعوامهم إلا في كل برهة من الزمان معلومة، ويكون ظهورها للنظر في أمور الرعية؟ لأن في نظر العوام عندها إلى ملوكها خَرْقأ لهيبتها، واستخفافاً بحقها، والرياسات عند هؤلاء لا تجوز إلا بالتخير، ووضع الأشياء مواضعها من مراتب السياسة.قال المسعودي: ورأيت في بلاد سرنديب وهي جزيرة من جزائر البحر أن الملك من ملوكهم إذا مات صُيِّر على عجلة قريبة من الأرض صغيرة البكرة مُعدةٍ لهذا المعنى، وشَعْرُه ينجر على الأرض، وامرأة بيدها مكنسة تحثو التراب على رأسه: وتنادي: أيها الناس، هذا ملككم بالأمس قد ملككم وجاز فيكم حكمه، وقد صار أمره إلى ما تَرَون من ترك الدنيا، وقَبَضَ روحه مَلَكُ الموت، والحي القديم الذي لا يموت، فلا تَغْتَروا بالحياة بعده، وتقول كلاماً هذا معناه من الترهيب والتزهيد في هذا العالم، ويطاف به كذلك في جميع شوارع المدينة، ثم يفصل أربع قطع، وقد هيىء له الصندل والكافر وسائر أنواع الطيب، فيحرق بالنار، ويُنَرُّ رماده في الرياح، وكذا فِعْلُ أكثر أهل الهند بملوكهم وخواصهم لغرض يذكرونه، ونهج يتيممونه في المستقل من الزمان، والملك مقصور على أهل بيتٍ لا ينتقل عنهم إلى غيرهم، وكذلك بيت الوزراء والقضاة وسائر أهل المراتب لا تغير ولا تبدل.والهند تمنع من شرب الشرإب، ويعنَفن شاربه، لا على طريق التديُّنِ، ولكن تنزهاً عن أن يوردوا على عقولهم ما يغشيها، ويزيلها عما ضعت له فيهم، وإذا صح عندهم عن ملك من ملوكهم شربه استحق الخَلعَ عن ملكه؟ إذ كان لا يتأتى له التدبير والسياسة مع الاختلاط، وربما يسمعون السماع والملاهي، ولهم ضروب من الآلات مطربة تفعل في الناس أفعالاً مرتبة من ضحك وبكاء وربما يسقون الجواري فيطرَبْنَ بحضرتهم، فتطرب الرجال لطرب الجواري.وللهند سياسات كثيرة قد أتينا على ذكر كثير منها ومن أخبارهم وسيرهم في كتابنا أخبار الزمان وفي الكتاب الأوسط، وإنما نذكر في هذا الكتاب لمعاً.

وأعظم ملوك الهند في وقتنا هذا البلهري صاحب مدينة المانكير، وأكثرملوك الهند تتوخهُ في صلواتها نحوه، وتصلي لرسله إذا وردوا عليهم، وتلي مملكة البلهري ممالك كثيرة للهند. ومنهم ملوك في الجبال لا بحر لهم مثل الراي صاحب القشمير وملك الطافن وغير ذلك من ملوكهم أعني ملوك الهند ومنهم من بملكه بر وبحر فأما البلهري فإن بين ديار ملكه وبين البحر مسيرة ثمانين فرسخَاَ سندية، والفرسخ ثمانية أميال، وله جيوش وفِيَلَة لا تمرك كثرتها، وأكثر جيوشه رَجَّالة؟ لأن دار ملكه بين الجبال، ويساويه من ملوك الهند ممن لا بحر له بؤورة صاحب مدينة القنوج، وهذا الاسم سمةٌ لكل ملك يلي هذه المملكة، وله جيوش مرتبة على الشمال والجنوب والصبَا والدَّبُور ؟ لأنه في كل وجه من هذه الوجوه يلقى ملكاً محاربأ له.

وسنذكر جملاً من أخبار ملوك السند والهند وغيرهم من ملوك الأرض فيما يرد من هذا الكتاب، عند ذكرنا البحار وما فيها وما حولها من العجائب والأمم ومراتب الملوك وغير ذلك، وإن كنا قد أسلفنا ذلك فيما تقدم من كتبنا، والله أعلم.