ذكر شهور القبط والسريانيين والخلاف في أسمائها وجمل من التاريخ

ذكر شهور القبط والسريانيين والخلاف في أسمائها وجمل من التاريخ

شهور القبط ومقابلها من شهور السريان

أول شهور القبط: توت، وهو أيلول، وبابه، وهو تشرين الأول، وهاتور، وهو تشرين الثاني، وكيهك، وهو كانون الأول، وطوبه، وهو كانون الثاني، وأمشير، وهو شَبَاط، وبرمهات، وهو آذار، وبرموعه، وهو نيسان، وبشنس، وهو أيًار، وبؤونه، وهو حزيران، وأبيب، وهو تموز، ومسرى، وهو آب.

وللقبط بعد هذا خمسة أيام لواحق، تدعى العدياء، تزيدها على ما سمينا من شهورها، وهي ثلثمائة يوم وستون يوماً؛ فتصير السنة ثلثمائة وخمسة وستين يوماً.

سنة القبط

وأول يوم من السنة عند القبط هو اليوم التاسع والعشرون من شهر آب، وعلى كل شهر منها ثلاثون يوماً، وكانت أيام السنة ثلثمائة وخمسة وستين يوماً كعدة أيام سنة الفرس وكانت شهور القبط فيما مضى توافق أوائلها شهور الفرس فكان أول توت أول أذر ما، ثم كل شهر كذلك على هذا الوصف إلى آخر سنة القبط آخر آذر ماه، وهذا الحساب بعينه موجود في كتب الزيجات في النجوم، وأهل مصر وسائر القبط في هذا الوقت- وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة- يستعملون في حسابهم في الشهور غيرما قدمنا، وذلك أنهم زادوا في أيام السنة ربع يوم على مذهب السريانيين والروم فصارت شهورهم مخالفة لشهور الفرس وموافقة لشهور السريانيين والروم فيعدد أيام السنة، وتاريخ القبط في كتاب المجسطي من أول السنة التي ملك فيها البخت نَضر وكان أولها يوم الأربعاء.

مبدأ التواريخ

وأما تاريخ القبط في كتاب زيج بطليموس، فمن أول سنة ملك فيلقوس وكان أولها يوم الأحد، والتباين الذي بين تاريخ البخت نصر وتاريخ يزد جرد ألف وثلثمائة وتسع وتسعون سنة فارسية وثلاثة أشهر، والذي بين تاريخ فليقوس وتاريخ يزدجرد تسعمائة وخمس وخمسون سنة وثلاثة أشهر، وبين تاريخ الإسكندر وتاريخ يزدجرد تسعمائة واثنتان وأربعون سنة من سني الروم ومائتان وتسعة وخمسون يوماً، وبين تاريخ يزدجرد وتاريخ الهجرة من الأيام ثلاثة آلاف وستمائة وأربعة وعشرون يوماً، فأول هذه التواريخ تاريخ البخت نصر، ثم تاريخ فيلقوس، ثم تاريخ ابنه الإسكندر، ثم تاريخ الهجرة، ثم تاريخ يزدجرد.

أوائل كل تاريخ

وتاريخ العرب من أول السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة، وكان أولها يوم الخميس.

وتاريخ الفرس من أول السنة التي ملك فيها يزدجرد بن شهر ياربنكسرى أبرويز، وكان أولها يوم الثلاثاء.

وتاريخ الروم والسريانيين من أول السنة من ملك الإسكندر، وكان أولها يوم الاثنين، واللهُ تعالى أعلم بحقيقة ذلك.

ذكر شهور السريانيين ووصف موافقتها لشهور العرب وعدة أيام السنة ومعرفة الأنواء

شهورهم وأيام كل شهر

فأول ذلك أن أيام السنة ثلثمائة وخمسة وستون يومأ وربعٍ يوم، وهي مختلفة في العدد: فنيسان ثلاثون يوماً، وأيار أحد وثلاثون يوما، وحزيراز ثلاثون يومأ، ولثمان عشرة ليلة منه رجوع الشمس هابطة من الشمال على ما أوجبه حساب الهند وهو أطول يوم في السنة وليلته أقصر ليلة، وتموز أحد وثلاثون يوماً، وآب أحد وثلاثون يوماً، فإذا انسلخ آب ذهب الحر، قال محمد بن عمد الملك الزيات:

بَرَدَ الماء وطال آل

 

ليل والْتَذ الشـراب

ومضَى عنك حَزيرا

 

ن وتـمـوزُ وآبُ

وأيلول ثلاثون يومأ، ولخمس منه عيد زكريا، ولعشر منه تطع الصرفة فينصرف الحر، ولثلاث عشرة منه عيد الصليب، وهو الرابع عشر منه، وفي هذا اليوم تفتح الترع بمصر على حسب ما ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب، ولتمام عشرين منه، يستوي الليل والنهار، وقال أبو نُوَاس:

مضى أيلول وارتفع الحرُور

 

وأخْبَتْ نارها الشعرى الْعَبُور

سر تسمية المهرجان

وتشرين الأول أحد وثلاثون يوماً، وفيه يكون المهرجان، وبين النيروز والمهرجان مائة وتسعة وستون يوماً، وعند الفرس في معنى المهرجان أنه كان لهم ملك في قديم الزمان من ملوك الفرس قد عًم ظلمه خواصَ الناس وعوأمه، وكان يسمى مهر، وكانت الشهور تسِمى بأسماء الملوك، فقيل مهرماه، ومعنى ماه: هو الشهر، وأن ذلك الملك طال عمره واشتدت وطأته؛فمات في النصف من هذا الشهر، وهو مهرماه، فسمي ذلك اليوم الذي مات فيه مهرجان وتفسيره نفس مهر ذهبت؛لأن الفرس تقدم في لغتها ما تؤخره العرب في كل أمه ا، وهذه اللغة اللهلوية، وهي الفارسية الأولى، وأهِل المروآت بالعراق وغيرها من مدن العجم يجعلون هذا اليوم أول يوم من الشتاء؛ فتغير فيه الفرش والآلات وكثيراً من الملابس، ولخمس منه- وهو تشرين الأول- عيد كنيسة القيامة ببيت المقدس، وفي هذا اليوم تجتمع النصارى من سائر الأرض، وتنزل عليهم نأر من السماء فيسرج هناك الشمع، ويجتمع فيه من المسلمين خلق عظيم للنظر إلى العيد، ويقتلع فيه ورق الزيتون، ويكون للنصارى فيه أقاصيص، ولهذه النار حيلة لطيفة وسرّ عظيم، وقد ذكرنا وجه الحيلة في ذلك في كتابنا المترجم بكتاب القضايا والتجارب وتشرين الثاني ثلاثون يوما، وكانون الأول ثلاثون يوما، ولتسع عشرة منه يكون النهار تسِع ساعات ونصفاً وربعاً، وهو منتهى قصره، والليل أربع عشرة ساعة وربعاَ، وهو منتهى طوله، وليلة الخامس والعشرين منه ميلاد المسيح عليه السلام، وكانون الثاني أحد وثلاثون يوماً، وأول يوم منه القلندس، فيكون فيه بالشام لأهله عيد يوقدون في ليلته النيران، ويظهرون الأفراح، لا سيما بمدينة إنطاكية، وما يكون في كنيسة القسيان بها من القداس عندهم، وكذلك بسائر الشام وبيت المقدس ومصر وأرض النصرانية كلها، وما يظهر أهل دين النصرانية بإنطاكية من الفرح والسرور وإيقاد النيران والمآكل والمشارب، ويساعدهم على ذلك عوام الناس وكثير من خواصهم، وذلك أن مدينة إنطاكية بها كرسي البطرك المعظم عندهم في ديانتهم، وأن النصرانية تسمى إنطاكية مدينة الله، ويسمونها أيضاً مدينة الملك، وأم المدن، لأن بدُؤ ظهور النصرانية كان فيها. 

بطارقة النصارى

والبطارقة عند النصرانية أربعة: أولهم صاحب مدينة رومية، ثم الثاني وهو. صاحب مدينة قسطنطينية، وهي أقسس، واسمها القديم بوزنطيا، ثم الثالث وهو صاحب الإسكندرية من أرض مصر، ثم الرابع وهو صاحب إنطاكية، ورومية وإنطاكية لبطرس، فبدءا برومية لأنها لبطرس، ثم ختموا بإنطاكية لأنها له، وتعظيماً لبولس، وقد أحدثوا كرسياً ببيت المقدس، ولم يكن هذا متقدماً؛ وإنما هو محدث، وكان لإِيليا وهو بيت المقدس أسقف ولكورة لد من أرض فلسطين.

مشهور كنائسهم

وبإنطاكية أيضاً كنيسة بولس، وتعرف بإنطاكية بدير البراغيث وهي مما يلي باب فارس، وبها أيضاً كنيسة أخرى تدعى أشمونيت، وبها عيد عظيم للنصرانية وكذلك بها كنيسة بربارا، وكنيسة مريم وهي كنيسة مدورة، وبنيانها من إحدى عجائب العالم في التشييد والرفعة، وكان الوليد بن عبد الملك بن مروان اقتلع من هذه الكنيسة عُمدأ عجيبة من المرمر والرخام لمسجد دمشق حملت في البحر إلى ساحل دمشق، وبقي الأكثر من هذه الكنيسة إلى هذا الوقت.

وقد كان لملك من ملوك الروم مع اليهود بإنطاكية خبر عجيب في كنيسة أشمونيت وكانت خارج السور من إنطاكية، وهي في أيدي اليهود، فعوضت اليهود دار الملك بإنطاكية بدلاً من كنيسة أشمونيت، وهذه الدار التي كانت دار الملك تعرف في هذا الوقت بدار اليهود، ولليهود حيلة احتالوها حين خرجت الكنيسة من أيديهم حتى قتلوا من النصرانية خلقاً عظيماً من نشر خشب فيها وغير ذلك. وقدمنا أخبار بطرس وبولس وما كان من أمرهما بمدينة رومية وغيرها من تلاميذ المسيح وتفرقهم في البلاد، وذكرنا قصة الملك الذي بنى مدينة إنطاكية، وهو المعروف بأنطيخش، وتفسير ذلك محوط الحوائط، وكان اسم إنطاكية بالرومية على اسمه أنطيخش، فلما ورد المسلمون وافتتحوها حذفت الأحرف إلا الألف والنون والطاء.

وفي تاريخ النصارى الملكية وغيرها من أهل دين النصرانية يكون لمولد المسيح إلى وقتنا هذا- وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة- وتسعمائة سنة وأربعونْ سنة، وتكون سِنُو الإسكندر ألفاً ومائتين وخمسأ وثمانين،. ويكون من الإسكندر إلى المسيح ثلثمائة سنة وتسع وستون.

هذا ما وجدت في تاريخ الملكية في كنيسة القسيان بمدينة إنطاكية، وسنذكر بعد هذا الموضع جملاً من التاريخ في باب نفرده لذلك، إن شاء اللّه تعالى. 

عود إلى الشهور وأي أمه ا وأيام العجوز

فلنرجع الآن إلى وصف حساب الشهور: شباط ثمانية وعشرون يوما وربع ثلاث سنين متوالية، والرابعة كبيسة فيكون تسعاً وعشرين يومأ، وتكون السنة ثلثمائة وستة وستين يوماً، ولسبعة منه تسقط الجمرة الأولى، وهي الجبهة ولأربع عشرة منه تسقط الجمرة الثانية، وهي الزبرة، ولإحدى وعشرين منه تسقط الجمرة الثالثة، وهي الصرفة، وينصرف البرد، وثلاثة أيام من آخره أيام العجوز، وآذار أحد وثلاثون يوماً، ولأربعة من أوله تتم أيام العجوز، والعرب تسمى هذه السبعة الأيام: صِنَا، وصِنبْرا، ووَبْرأ، وآمرا، ومؤتمرا، ومعللا، ومطفئ الجمر، قال بعض العرب في أسماء أيام العجوز:

كسع الشتاء بسبعة غُبْرِ

 

صِنٍّ وصنَبرٍ وبالوبـر

وبآمر وأخيه مؤتـمـر

 

ومعلل، وبمطفئ الجمر

فإذا انقضت أيامِ شَتْوَتنـا

 

أيام صادرة عن القـر

كسع الشتاء مُولياًهربـا

 

وأتتك واقدة من الحـر

ولخمس عشرة من آذار يستوي الليل والنهار، وتحل الشمس الحمل، وهذا اليوم تحويل سنة العالم، قال أبو نُوَاس:

أما ترى الشمس حًلّتِ الحمـلا

 

وطاب وَزْنُ الزمان واعْتَـدَل

وغَنتِ الطير بعد عُجْمَـتـهَـا

 

واستوفت الخمر حولها كَمَـل

أو اكتست الأرض من زخارفها

 

وَشْيَ نَبَاتٍ تخالـهـا حُـلَـل

فاشرب على جِدَةِ الزمان فقـد

 

أصبح وجه الزمان مقتـبـلا

وليس بحلول الشمس الحمل تستوفي الخمر سنة، وإنما أراد بحلولها قربها من الحول والقوة.

شهور الروم

قال المسعودي: وأما شهور الروم فهي موافقة لشهور السريانيين في العدد وذلك أن أول شهور الروم يواريوس وهو كانون الثاني، وقد قدمنا أن في أول يوم منه يكون القلندس، ؤشباط فبراريوس، وأزار مارتيوس، ونيسان إبريليس، وأيار مايوس، وحزيران يونيوس، وتموز يوليوس، وآب أغسطوس، وأيلول سبطمبر، وتشرين الأول أقطوبر، وتشرين الثاني نوفمبر، وكانون الأول عشمير.

ذكر شهور الفرس

أسماء الشهور وعدة أيامها

شهور الفرس كلها ثلاثون يوماَ، فأولها فروردينماه، وأول يوم منه النيروز، وبينه وبين المهرجان مائة وأربعة وسبعون يوماً، والثاني أردبيهشت ماه، وخردافماه، وتيرماه، وتميروز عيد المهرجان، ومرد افماه، وشهريرماه، ومهرماه، ويوم السادس عشر منه المهرجان، وأبانماه فيه أبان رزذ عيد أبان كاه، وفي آخره خمسة أيام: الفرودجان، وآذرماه، وأول يوم منه يخرج الكوسج فيه راكباً بغاله بالعراق وأرض فارس، ولا يعرف ما وصفنا إلا بالعراق وأرض العجم، وأهل الشام والجزيرة ومصر واليمن لا يعرفون ذلك، ويطعم مدة من الأيام الجوز والثوم واللحم السمين، وما عدا ذلك من الأطعمة الحارة والأشربة المسخنة الدافعة للبرد، فيظهر طارداً للبرد، فيصب عليه الماء البارد؛ فلا يجد لذلك شيئاً من ألمه، ويصيح بالفارسية كرماً كرمأ، يعني الحر الحر، وهذا وقت عيد الأعاجم: يطربون فيه، ويظهرون السرور، وكذلك في أوقات كثيرة من فصول السنة وع!ران الأفرخش لمس ودينماه، وبهمناه، وإسفندار مزماه، فذلك ثلثمائة وخمسة وستون يوماً، والله أعلم.

ذكر أيام الفرس

أسماء الأيام

وهي هرمز وبهمان وأرديبهشت وشهرير واسفندأرمر وخرداذ ومرداذ وعيبافر وأفر وأبان وخورماه وتيروجوش ودبر ومهر ودمل وأسروش وفروردين وبهرام، وفيه يقول الشاعر:

باكر بنـا لـدة الـمُـدَام

 

في يوم سَبْـتٍ ويوم رام

شريطتي فيه أن ترانـي

 

وَقْتَ الضحى فاتر الكلام

وباد وديبادين وأذر وأشتاد وأسمان وداماد ومار وسفند وأنيران.

فأما أي أمه م المعروفة بالفرودجان فهي أهندكاه أسميهاه مشركاه مشروكاه كاساه.

وكانت العرب تسمي هذه الأيام الخمسة: الهرير، والهبير، وقالب الفهر، وحافل الضرع، ومدحرج البعر.

كبس الفرس

وكانت الفرس تكبس في كل مائة وعشرين سنة شهراً، وإنما أخروا ذلك إلى مائة وعشرين سنة، لأن أي أمه م كانت سُعُوداً ونحوسأ- فكرهوا أن يكبسوا في كل أربع سنين يومأ، فتنتقل بذلك أيام السعود إلى أيام النحوس، ولا يكون النيروز أول يوم من الشهر، واللّه تعالى أعلم.

ذكر سني العرب وشهورها وتسمية أيامها ولياليها

أسماء الشهور

شهور الأهلة: أولها المحرمٍ، وأيامها ثلثمائة وأربعة وخمسون يوماً، تنقص عن السرياني أحد عشر يوما وربع يوم، فتفرق في كل ثلاث وثلاثين سنة سنة؛ فتنسلخ تلك السنة العربية، ولا يكون فيها نيروز، وقد كانت العرب في الجاهلية تكبس في كل ثلاث سنين شهراً وتسميه النسيء وهو التأخير وقد ذم اللّه تبارك وتعالى فعلهم بقوله: " إنما النسيء زياعة في الكفر" ورسمت العرب الشهور فبدأت بالمحرم؛ لأنه أول السنة، وإنما سمته المحرم لتحريمها الحرب والغارات فيه، وصفر بالأسواق التي كانت باليمن تسمى الصفرية، وكانوا يمتارون منها، ومن تخلف عنها هلك جوعاً، وقال نابغة ذبيان:

إني نهيت بني ذبيان عن أفق

 

وعن ترفُّهم في كل أصفار

وقيل: إنما سمي الصفر لأن المدن كانت تخلو فيه من أهلها بخروجهم إلى الحرب، وهو مأخوذ من قولهم: صَفِرَتِ الدار منهم، إذا خلت، وربيع، وربيع؛لارتباع الناس والدواب فيهما، فإن قيل: قد توجد الدواب ترتبع في غير هذا الوقت، قيل: قد يمكن أن يكون هذا الاسم لزمهما في ذلك الوقت فاستمر لعريفهما بذلك مع انتقال الزمان وإخلافه، وجماعي؛وجماعي؛ لجمود الماء فيهما في الزمان الذي سميت به هذه الشهور؛ لأنهم لم يعلموا أن الحر والبرد يدران فتنتقل أوقات ذلك، ورجب؛ لخوفهم إياه، يقال: رَجَبْتُ الشيء، إذا خفته، وأنشد:

فلا تَهَيَّبْهَا ولا ترجبها

وشعبان؛ لتشعبهم إلى مياههم وطلب الغارات، ورمضان؛ لشدة حر الرمْضَاء فيه ذلك الوقت، والوجه الأخر أنه اسم من أسماء اللّه تعالى ذكره، ولا يجوز أن يُقال رمضان، وإنما يُقال: شهر رمضان، وشوال؛ لأن الإِبل كانت تَشُول في ذلك الوقت يأذنا بها من شَهْوة الضِّراب، تشاءمت به العرب، ولذلك كرهت التزويج فيه، وذو القعدة،لقعودهم فيه عن الحرب والغارات، وذو الحجة؛ لأن الحج فيه.

الأشهر الحرم شهور الحج

والأشهر الحرم هي: المحرم،ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة.

وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من في الحجة، والأيام المعلومات العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق، والتعجيلُ باتفاقٍ غيرُ جائز إلا في اليوم الثالث من يوم النحر، فدل ذلك على أن أولها ثاني يوم النحر، ولو كان يوم النحر من المعدودات كان يوم التعجيل في ثلاثة أيام، وهذا خلاف القرآن؛ لإخبار اللّه تعالى أن التعجيل في يومين من المعدودات وإذا كانت المعدودات ما وصفنا صح أن المعلومات منها، والذبح في يوم النحر ذبح في المعلومات لكونه منها.

ولا تمانع بين العرب أن يقول القائل أتيتك في الشهر، والإتيان إنما كان في بعضه. وجئتك في اليوم والمجيء في بعض أوقاته، ولا يُصَام يوم النحر، ولا يوم الفطر، ولا أيام منى، لفرضٍ ولا تطوع؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ ولم يخص فرضاً من تطوع بالنهي، فالواجب الامتناع على وصفنا.

وقد ذكر عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام ثلاثة أيام التشريق وفي جميع ما ذكرنا من المعلومات والمعدودات والصيام في أيام التشريق خلاف بين الناس، وأيام التشريق أولها ثاني النحر، وآخرها اليوم الثالث عشر من في الحجة إلى العصر.

تسمية أيام التشريق

قال المسعودي: وقد اختلفت الناس في علة تسميتها أيام التشريق،وهي أيامُ مِنَى ولياليها، فقالت طائفة: إنما سميت أيام التشريق لأنهم كانوا يَذْبحون الذبائح بمنى ويُشَرِّقون اللحم في الشمس، وقال آخرون: إنما سميت أيام التشريق لأن أهل مكة وغيرهم يتشرقون منصرفين إلى أوطانهم، وفيه قول آخر، وهو أنها إنما سميت أيام التشريق لأنهم كانوا يخرجون بمنى وغيرها كالمزدلفة إلى مصليات لهم في فضاء من الأرض فيسمونها المشارق، واحدها مشراق، يسبحون ويدعون، فسميت بذلك أيام التشريق، وفيه قول آخر، وهو أن طائفة زعمت أنه مأخوذ من ذبح البهائم، وهو التشريق، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الضحية بالمشرقة، يعني المشقوقة الأذنين بالطول، فهي أيام التشريق، وللناس في التشريق من أهل الآراء والنحل كلام كثير لا يحتمله كتابنا هذا وإنما ذكرنا ما أوردناه لتغلغل الكلام بنا إليه واتصاله بما قدمناه، وإن كان كلاماً يلحق بالفقه.

الأيام النحسات وأسماء الأيام عند العرب قديماً

والأيام النحسات: كل أربعاء يوافق أربعاً من الشهر، مثل أربع خلون وأربع عشرة خلت، وأربع عشرة بقيت وأربع وعضرين، وأربع بقين.

وأما أسماء الأيام فأولها الأحد، وإنما سمي بذلك لانه أول يوم خلقه الله من الزمان، وبذلك نطقت التوراة، وقد قدمنا في صدر هذا الكتاب ما في الأيام من بدء الخلق، والاثنين، وسمي لأنه ثان، والثلاثاء، وسمي لأنه ثالث، والأربعاء لأنه رابع، والخميس لأنه خامس، والجمعة لأن الخلق اجتمعوا فيه، والسبت لأن الخلق انقطع فيه وخلق في آخره آدم: وهو مأخوذ من قولهم: نعل سِبْتِيَّة، إذا كانت مقطوعة الشعَر، ويُقال: سَبَتَ شعره، إذا قطعه، وكانت العرب تسميها في الجاهلية: الأحد أول، والاثنين أهون، والثلاثاء جبار، والأربعاء دبار، والخميس مؤنس، والجمعة عروبة، والسبت شيار قال شاعرهم:

أؤمل أن أعيش وأن يومي

 

بأول أو بأهون أو جبـار

أو المردى دبار، فإن أفتـه

 

فمؤنس أو عروبة أو شيار

أسماء الشهور عند العرب

وكانوا يسمون الشهور: المحرم ناتق، وصفر ثقيل، ثم طليق، نأجر، أسلخ أميح، أحلك، كسع، زاهر، برك، حرف، نعس، وهو ذو الحجة.

الأزمنة الأربعة

وقد اختلف العرب في أسماء الأزمنة الأربعة: فزعمت طائفة منها أن أولها الوَسْمي، وهو الخريف، ثم الشتاء، ثم الصيف، ثم القَيْظ، ومنهم من يعدُّ الأول من فصول السنة الربيع، وهو الأشْهَرُ والأعَمُّ، والعرب تقول: خَرَفْنَا في بلد كذا، وشَتَوْنا في بلد كذا، وتربعنا في بلد كذا،- وصِفْنَا في بلد كذا.

شهور الروم مرسومة على فصول السنة دون شهور العرب

وشهور العرب ليست مرتبة على فصول السنة ولا على حساب سنة الشمس بل المحرم وغيره من الشهور العربية قد يقع تارة في الربيع وتارة في غيره من فصول السنة.

وشهور الروم مرسومة على ما يوافق فصول السنة التي تقطع فيها الشمس بروج الفلك عن آخرها، ومقادير أيام كل شهر منها ولياليه في الطول والقصر وظهور ما يظهر فيه من النجوم الثابتة للأبصار واستتار ما يستتر منها على ممر الدهور والسنين وهي اثنا عشر شهراً على حسب ما ذكرنا أن أولها تشرين إلى أيلول؛فكل فصل من السنة أربعة شهور معلومة من هذه الأثني عشر شهراً غير حائلة ولا منتقلة انتقال الشهور العربية، ولكل برج منها شهر، فأيلول وتشرين وتشرين لسلطان السوداء. وكانون وكانون وشباط لسلطان البلغم، وآذار ونيسان وأيار لسلطان الدم، وحزيران وتموز وآب لسلطان الصفراء، فأيلول لبرج السنبلة وتشرين الأول لبرج الميزان، وتشرين الأخر لبرج العقرب، وكانون الأول برجه القوس، وكانون الأخر برجه الجدي، وشباط برجه الدَلْو، وآذار برجه الحوت، ونيسان برجه الحمل، وأيار برجه الثور، وحزيران برجه الجوزاء، وتموز برجه السرطان، وآب برجه الأسد.

وقال المسعودي: وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب جملاً من الكلام في الطبائع وفصول السنة، وما يلائم ذلك من المآكل والمشارب وغير ذلك مما لحق بهذا الباب، إن شاء الله تعالى، واللّه ولي التوفيق.

ذكر قول العرب في ليالي الشهور القمرية وغيرها

كانت العرب تخبر عن القمر في كل ليلة من الشهور على حسب ما  هو به من الضياء وغيره على طريق المسألة والجواب؛ فتقول: قيل للقمر: ما أنت ابن ليلة؟ قال: رضاع سخيلة، حل أهلها برميلة، قيل: فما أنت لليلتين؟ قال: حدثت أمتين، فَوَاتيْ إفك وَمَيْن، قيل: فما أنت لثلاث؟ قال: حديث فتيات، يجتمعن من شتات وقيل: قليل الثبات، قيل فما أنت لأربع؟ قال: غنمة رتع، غير جائع ولا مرضع قيل: فما أنت لخمس؟ قال: حديث وأنس، قيل: فما أنت لست؟ قال: سِرَوَبت، قيل: فما أنت لسبع؟ قال: تصفر في الشفع، وقيل: دلجة الضبع قيل: فما أنت لثمان؟ قال: قمر أصبحان، وقيل: رغيف اقتسمه أخوان، وقيل: فما أنت لتسع؟ قال: تلتقط في الجرع، قيل: فما أنت لعشر؟ قال: محق للفجر، قيل: فما أنت لإحدى عشرة؟ قال: أرى مساءَ وارَى بكرة، قيل: فما أنت لاثنتي عشرة؟ قال: موفق للسير في البدو والحضر، قيل: فما أنت لثلاث عشرة؟ قال: قمر باهر، يُعْشِي عين الناظر، قيل: فما أنت لأربع عشرة؟ قال: مقتبل الشباب، أضيء بين السحاب، قيل: فما أنت لخمس عشرة؟ قال: تم التمام ونفذت الأيام، قيل: فما أنت لست عشرة؟ قال: ناقص الخلق، في الغرب والشرق، قيل: فما أنت لسبع عشرة؟ قال: ركب الفقير الفقر، قيل: فما أنت لثمان عشرة؟ قال: قليل البقاء، سريع الفناء، قيل: فما أنت لتسع عشرة؟ قال: بطيء الطلوع، من الخشوع، قيل: فما أنت لعشرين؟ قال: أطلع سحرة، وأرى بكرة، قيل: فما أنت لإحدى وعشرين؟ قال: لا أطيل السرى، إلا ريثما أرى، قيل: فما أنت لاثنتين وعشرين؟ قال: مسفع خطب، وليث حرب، قيل: فما أنت لثلاث وعشرين؟ قال: كالقبس، أطلع في الغلس، قيل: فما أنت لأربع وعشرين؟ قال: أطلع في قسمه، ولا أجلي ظلمة، قيل: فما أنت لخمس وعشرين؟ قال: أنا في تلك الليالي، لا قمر ولا هلال، قيل: فما أنت لست وعشرين؟ قال: دنا الأجل، وانقطع الأمل، قيل: فما أنت لسبع وعشرين؟ قال: دنا ما دنا، فليس في من سَنَا، قيل: فما أنت لثمان وعشرين؟ قال: أطلع بكراً، ولا أرى ظهراً، قيل: فما أنت لتسع وعشرين؟ قال: أسبق شعاع الشمس، ولا أطيل الجلس، قيل: فما أنت لثلاثين؟ قال: هلال مستقبل سريع الأفل.

تقسيم الليالي ثلاثاً وثلاثاً واسم كل ثلاث

وكانت العرب تسمي الثلاث الأولى من ليالي الشهر و فتقول: ثلاث غرر، والثلاث التي تليها ثلاث سَمَر، والثلاث التي تليها ثلاث زهر، والثلاث التي تليها ثلاث درر، والثلاث التي تليها قمر، وثلاث بيض، وتقول في النصف الثاني من الشهر في الثلاث الأول: ثلاث درع، وفي الثلاث التي تليها ثلاث ظلم، وفي الثلاث التي تليها ثلاث حناديس، وفي الثلاث التي تليها ثلاث دواري، وفي الثلاث التي تليها ثلاث محاق، وقيل في وجه آخر من الروايات: إنه يُقال لليالي الشهر: ثلاث هلل، وثلاث قمر، وست نقل وثلاث بيض، وثلاث درع، وثلاث بهم، وست حناديس، وليلتان داريتان، وليلة محاق.

أسماء الهلال والليالي

قال المسعودي: فأما ما ذهب إليه العرب في تسمية القمر فإنها تسمية في ليلة طلوعه هلالا، وما لم يستدير فهو هلال، ثم تسمه قمراً إذا ما استدار، وإذا ما حجر وأضاء فهو قمير، قال شاعرهم:

وقمير بَدَا ابن خمس وعشري

 

ن له قالت الفتاتان قـومـا

ثم يستوي لثلاث عشرة منه، وهي ليلة السّوَاء، ثم ليلة البحر لأربع عشرة، ويُقال: غلامٌ بحر، إذا امتلأ شبابأ قبل أن يحتلم، ويُقال: عين حدرة بدرة، إذا كانت حديدة كعين الفرس، والليالي البيض ليلة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، والليالي الدُّرْع هي التي تسودُ صدورها وتبيض سائرها، والمحاق إذا ما طلعت عليه الشمس، والسواد حين يستتر فيكون خلف الشمس، ويُقال: قد حجر القمر، إذا استدار بخط رقيق من غير أن يغلظ، ويُقال: أفتق القمر إذا أصابته فرجة من السحاب فخرج وأفتق علينا فأبصرنا الطريق، وكل سواد من الليل حِندِس، والليالي الزًّهْر الليالي البيض والزهرة: البياض واللّه الموفق للصواب.

ذكر القول في تأثير النيرين في هذا العالم

وجمل مما قيل في ذلك وغير ذلك مما لحق بهذا الباب

قال المسعودي: ذهب الحكماء جميعاً من اليونانيين وغيرهم إلى أن أفعال القمر في الجواهر التي قلنا عظيمة، إلا أنها أقصر من أفعال الشمس، وهو الثاني بعدها، وذلك أن الشهور به تكون، وعلى حسب حركته يجري أمرها، وأفعاله لرى أعظم وآبين في حيوان البحر خاصة، وهو ينمى النبات وغيره، ويعظم البحار، ويسمن الحيوان، ويلزم النساء الطمث أزماناً محدودة.

تصور الجنين في الرحم

قال المسعودي رحمه اللهّ: وقد تنازع الناس في كيفية تصور الجنين فيٍ الرحم.

فذهب قوم من أهل القدم إلى أن في المني قوة تصور الجنين إما منة،. وما من دم الطمث.

وذهب قوم إلى أن في الرحم قالباً يتصور فيه الجنين، وقد ذكر جالينوس في كتابه عن بقراط أن مقام المني مقام الفاعل والمفعول في تصور الجنينَ.

وقال صاحب المنطق: إن ذلك بمنزلة الفاعل، وإن الجنين يتصور في دم الطمث من المني، قال: والمني يعطي الدم مثل الحركة، ثم يستحيل ريحاً فيخرج من الرحم، وزعم جالينوس أن الجنين يكون من المني، وقد يجذب إليه الدم الذي هو الطمث، والروح من العروق والشريانات فيكون من المني، ومن ذلك الدم الذي يجذبه، ومن الريح الذي تصير إليه من الشريانات. قال: وكون الجنين بمنزلة كون النبات، والطبيعة تصوره من المني والدم، وتفعل الطبيعة في الجنين ما تفعله في النبات. لأن بزر النبات يحتاج إلى أرض لينال منها ما يتغذى به، فالجنين إلى الرحم، والنبات يرسل عروقه من الأصول ليجذب بها من الأرض غداه،وللجنين في المشيمة شريانات، والعروق نظير لذلك وهي أصول الجنين، وبَزر النبات ينبت منه سوق، ومن السوق أغصان كبار، ثم من هذه الأغصان أغصان أخرى تتفرع أولاً حتى تنتهي إلى الأقاصي، ونظير ذلك يوجد في الجنين؛ فتجد السوق في بدئه ثلاثة من كل واحد كل الأغصان الأصول وهي؛الشريان الأعظم، والعرق الأجوف، والنخاع ثم تجد كل واحد من هذه تتشعب منه شعب كالأغصان المنقسمَة ألم أغصان آخر حتى ينتهي إلى الأطراف، ثم قال بعد ذلك: إن المني و المحرك لنفسه، وإن الجنين يكون من الرجل والمرأة الطمث.
وحكى جالينوس عن أنبدقلس أن أجزاء الولد منقسمة فيمنى الذكر والأنثى وأن شهوة الجماع تسوق هذه الأجزاء إلا الالتئام، وهذا موجود في كتاب أنبدقلس الكبير وفيما ذكره من مذهبه في كيفية تركيب العالم واتصال النفس بعالمها وغير ذلك.

وقد ذهب قوم من، أهل القدم إلى أن ذلك هو أجزاء تخرج من أعضاء الإنسان لطيفة من جنس سائر أعضاء الإنسان، فتنصب في الرحم، فيتغذى منه وينمو، فيكون من ذلك الجنين.

يشبه الولد أباه وأهل بيت أبيه

ومنهم من رأى أن هذه الأجزاء الواردة من سائر أعضاء الذكر تقاربها مواد من الرحم ومن ماء المرأة عند اجتماعهما فيكون الجنين من ذلك، فمن ذلك صار الولد يشبه أباه في الأغلب من سائر الأعضاء ويشاكله وأهل بيت أبيه، ولهذا وقع الشبه بين البنين والآباء في الأغلب من تشهابه الأعضاء، ومن ههنا أدركت القَافُة إلحاق النسب عند الشبه والشك في لنسب، وذلك على قول من رأى إلحاق النسب بالقيافة من الفقهاء، وقد تقدم الكلام في هذا المعنى فيما سلف من هذا الكتاب في باب القيافة.

وللناس في كيفية تصور الجنين في الرحم وما بدؤه وما عنصره وكيفية تقلبه من النطفة إلى العلقة ومن العلقة إلى المضغة إلى استكمال شكله كلام كثير: منهم أصحاب الاثنين وغيرهم ممن تقدم وتأخر، أعرضنا عن ذكر ذلك؛ إذ كان فيه خروج عما إليه قصدنا في هذا الباب.

قال المسعودي رحمه الله: والذي يقضي على سائر ما تقدم وصفه نقطع علم العقول عنده، وهو ما أخبر به الباري عز وجل في كتابه بقوله: " هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز حكيم" ولم يخبر عن كيفية وقوع ذلك وما سبب مواده، بل استأثر بعلمه، وأبدى الدلالة بظهور حكمته دالة على توحيده وإتقانه لما أظهر لعباده من حكمته ثم أخبر عن المبدأ الذي خلقهم منه فقال: " يا أيها الناس أنا خلقنكم من ذكر وأنثى" وقال عز وجل: يا أيها الناس إن كنتم ريب من البعث فأنا خلقنكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مغة مخلقة وغير مخلقة؛ لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى، ثم نخرجكم طفلاً، ثم لتبلغوا أشدكم، ومنكم من يتوفى، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر" الآية.

ختلاف في تأثير النيرين

قال المسعودي: وللناس ممن سلف من الأوائل وخلف من الشرعيين،م كثير في كيفية أفعال النيرين وتأثيرهما في هذا العالم، وما قالوه في ذلك، وما خصوا به كل واحد منهما وأفرده، وما ذهبوا إليه من فعل الثاني منهما وهو القمر وما يظهر من تأثيره في الجزر والمد في بحر الصين الهند والحبش واليمن على حسب ما قدمنا في هذا الكتاب، وكذلك فعله المعادن وأدمغة الحيوان والبيض وسائر النبات، وما يظهر من الزيادات فيه عند امتلائه، والنقص عند نقصانه، وما يكون من بحرانات المرضى ؤ اليوم السابع من العلة،- والرابع عشر وإلحادي والعشرين والثامن والعشرين لأن القمر أربعة أشكال هي أثبت صوره، فيه شكل التنضيف، وشكل التمام، وشكل التنصيف عن التمام، وشكل المحاق، ولكل شكل هذه سبعة أيام؛لأنه في سبع ليالي يتنصف، وفي الرابعة عشرة يتم، وب الحادية والعشرين يتنصف، وفي الثامنة والعشرين ينمحق، كذلك البحرانات، وعند هذه الطائفة يصح في السابع والرابع عشر وإلحادي والعشرين والثامن والعشرين ويصح أيضاً في تنصيفات هذه،إذ كانت هذه الأشكال أثبت أشكال الشيء المنقسم، وقد خالف هؤلاء خلق كثير من ذهب إلى غير هذا القول، وأن ذلك من قبل الأخلاط، وغير ذلك كل الطبائع الأربع، وغيرها مما قد أتينا على إيضاحه في كتابنا المترجم بكتاب الزلف وفي كتاب المبادي والتراكيب وغير ذلك في كيفية تأثير الشمس والقمر.

كروية السماء والأرض

وأما الدلائل على أن السماء على مثال الكرة وتدويرها بجميع ما فيما من الكواكب كدورة الكرة، وأن الأرض بجميع أجزائها من البر والبحر علم مثال الكرة، وأن كرة الأرض مثبتة في وسط السماء كالمركز، وقدرها عند قمر السماء قدر النقطة في الدائرة صغراً، ووصف الرابع المسكون من الأرض، وما يعرض فيه من دور الفلك، واختلاف الليل والنهار ووصف خواص هذا الربعٍ المسكون من الأرض ووصف المواضع التي تطاع الشمس فيها شهور ألا تغرب، وتغرب شهوراً لا لطلع، فقد أتينا علم وصف جميع ذلك، وما اتضح عليه وانتصب من البراهين، وما قاله الناس في ذلك في كتابنا المترجم بكتاب أخبار الزمان وما أوضحنا فيه من هيث الأفلاك والكواكب، وأن الأرض مع ما وصفنا تدويرها موضوعة فيجوف الفلك. كالمحة في البيضة، والنسيم جاذب أيضاً لما في أبدان الخلق من الخفه والأرض جاذبة لما في أبدانه من الثقل؛ إذ كانت الأرض بمنزلة حجر المعناطيس الذي يجذب بطبعه الحديد، وأن الأرض مقسومة نصفين وربينهما خط الاستواء، وهو بين المشرق إلى المغرب وهذا عندهم هو طول الأرض؛لأنه أكبر خطفي كرة الأرض كما أن منطقة البرج أكبر يخط في الفلك، وعرض الأرض من القطب الجنوبي إلى القطب الشمالى، الذي تدور حوله بنات نَعْش؛ وأن استدارة الأرض فيخط الاستواء ست وثلاثون درجة، والدرجة خمسة وعشرون فرسخا، والفرسخ اثنا ألف ذراع، والذراع اثنان وأربعون إصبعا، والإصبع ست حبات، وتسعا مصفوفة بعضها إلى بعض، يكون ذلك تسعة آلاف فرسخ.

وقد قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب في باب ذكر الأرض والبحار ومبادئ الأنهار مقدار المِيل والذراع الأسود، وإنما نذكر في كل موضع من هذا الكتاب ما يسنح لنا ونجده في كتب الناس؛ فننقل ذلك عنهم على ما وجدناه في كتبهم، لا أنا نقطع على صحته؛إذ كان ما يذهب إليه في مقدار الميل من الأذرع، والذراع من الأصابع، هو ما بيناه آنفاً في باب ذكر الأرض والبحار.

وبين خط الاستواء وكل واحد من القطبين تسعون درجة، واستدارتها - عرضاً مثل ذلك، وزعم هؤلاء أن العمارة في الأرض بعد خط الاستواء أربع وعشرون درجة، وأن الباقي قد عمه البحر الكبير، وأن الخلق على الرابع الشمالي من الأرض، والربع الجنوبي لشدة الحر فيه، والنصف البإقى من الأرض لا ساكن فيه، وكل ربع من الشمال والجنوب سبعة أقاليم، وقد ذكرناها فيما سلف من هذا الكتاب عند ذكرنا الأرض والأقاليم السبعة، وأن عدد المدن عند صاحب كتاب الجغرافيا أربعة آلاف مدينة ومائتا مدينة، فأما قبله أهل المشرق والمغرب والتيمن والجنوبي، فقد ذكرنا جملاً من ذلك في كتابنا أخبار الزمان. وقد حرر ذلك في كتابه أبو حنيفة الدِّينَوَرِيّ، وقد سلب ذلك ابَن قتيبة ونقله إلى كتبه نقلاً، وجعله عن نفسه، وقد فعل ذلك في كثير من كتب أبي حنيفة الدينوري. هذا، وكان أبو حنيفة هذا ذا محل من العلم كبير، ولبطليموس في كتاب المجسطي، وغيره ممن تقدم،، ثم لمن طرأ بعد ظهور الإسلام- مثل الكندي، وابن المنجم، وأحمد بن الطيب-، وما شاء الله، وأبى معشر، والخوارزمي، ومحمد بن كثير الفرغاني، فيما ذكره في كتابه الفصول الثلاثين، وثابت بن قرًة، والتبريزي، ومحمد د بن جابر البتانِي، وغير هؤلاء ممن قد عنى بعلوم الهيئة- علوم كثيرة في هذا المعنى، وإنما ننقل من ذلك إلى هذا الكتاب لمعاً، طلباً للاختصار والإيجاز، وباللّه التوفيق.