وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا بَدْءَ التاريخ في أخبار العالم وأخبار الأنبياء والملوك، وعجائب البر والبحر، وجوامع التاريخ للفرس والروم والقبط، وشهور الروم والقبط، وما كان من مولد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مَبْعَثه، ومَنْ آمن به قبل رسالته، وقد قدمنا في هذا الكتاب مَنْ كان بينه وبين المسيح من أهل الفَتْرَة، فلنذكر الآن مولده؛إذ كان الطاهر المطهر الأعز الأزهر، الذي اتسعت أعلام نبوته، وتواترت دلائل رسالته، ونطقت الشهادات له قبل بعثته.
وهو محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مَنَاف بن قُصَي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لُؤي بن غالب بنِ فهربن مالك بن النَّصْر بن كنانة بن خُزَيمة بن مدركة بن إلياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أُدد بن ناخور بن سود بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل ابن إبراهيم بن فالغ بن عابر بن شالخ بن إرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلح بن أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن أدم عليه السلام.
هذا ما في نسخة ابن هشام في كتاب المَغَازِي والسير عن ابن إسحاق، والنسخ مختلفة الأسماء من نزار.
وفي نسخة أن نزاراً بن مَعد بن عدنان بن أدد بن سام بن يشجب بن يعرب بن الهميسع بن صانوع بن يامد بن فيدربن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناخوربن أرعواء بن أسروح بن فالغ بن شالخ بن إرفخشذ بن سام بن نوح بن متوشلخ بن أنوخ بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم.
وفي رواية ابن الأعرابي عن هشام بن محمد الكلبي: هو نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن الهميسع بن نبت بن سلامان بن فيدربن إسماعيل بن إبراهيم الخليل بن تارخ بن ناخوربن أرعواء بن فالغ بن عابر بن شالخ بن إرفخشذ ين سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن أدم عليه السلام.
وفي التوراة أن آدم عليه السلام عاش تسعمائة سنة وثلاثين سنة،فيجب والله أعلم أن أدم عليه السلام كان عند مولد لمك- وهو أبو نوح النبي عليه السلام- ابن ثمانمائة سنة وأربع وستين سنة، وشيث ابن سبعمائة وأريع وأربعين سنة؛ فيجب على هذا الوصف من الحساب أن مولد نوح عليه السلام كان بعد وفاة آدم بمائة وست وعشرين سنة.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم على حسب ما ذكرنا من نَهْيِه- أن يتجاوز عن معد؛ فقد ثبت أن نتوقف في النسب على معد، وقد اختلف أهل النسب على ما ذكرنا، فالواجب الوقف عند أمره عليه السلام ونهيه.
قال المسعودي: وقد وجدت نسب معد بن عدنان في السفْر الذي أثبته باروخ بن ناريا كاتب ارميا النبي صلى الله عليه وسلم أن معداً بن عَدْنان بن أدد بن الهميسع بن سلامان بن عوص بن بروبن متَساويل بن أبي العوام بن ناسل بن حرا بن يلدأرم بن بدلان بن كالح بن فاجم بن ناخوربن ماحي بن عسقي بن عنف بن عبيد بن الرعاء بن حمران بن يسن بن هري بن بحري ابن يلخى بن أرعوا بن عنقإء بن حسان بن عيسى بن أقتاد بن إيهام بن معصر ابن ناجب بن رزاح بن سمآى بن مربن عوص بن عوام بن قدير بن إسماعيل ابن إبراهيم الخليل عليه السلام.
وقد كان لأرمياء مع معد بن عدنان أخبار يطول ذكرها، وما كان من أمرهما بالشام، وقد أتينا على ذكر ذلك فيما سلف من كتبنا، وإنما ذكَرنا هذا النسب من هذا الوجه ليعلم تنازع الناس في ذلك.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تجاوز معد؛ لعلمه من تباعد الأنساب وكثرة الآراء في طول هذه المدة والأعصار.
وكنيته صلى الله عليه وسلم: أبو القاسم، وفي ذلك يقول الشاعر:
للَه ممَنْ بَـرَا صـفـوةٌ |
|
وصفوة الخلق بنوهاشـم |
وصفوة الصفوة من هاشم |
|
محمد النور أبوالقـاسـم |
وهو محمد، أحمد، والماحي الذي يمحو اللهّ به الذنوب، والعاقب، والحاشر الذي يحشر اللّه الناس على عقبه صلى الله عليه وسلم.
وكان مولده عليه الصلاة والسلام عَامَ الفيل، وكان بين عام الفيل وعام الفِجَار عشرون سنة، والفِجَار حرب كانت بين قيس عَيْلاَن وبني كنانة، استحلوا فيها القتال في الأشهر الحرم، فسميت الفِجَار، وكنانة: ابن حزيمة بن مدركة، وهو عمرو بن إلياس بن مضر بن نزار، وكان ولد إلياس عمراً وعامراً وعديراً، فعمرو هو مدْركه، وعامر هو طابخه، وعمير هو قمعة، وكانت أمه م ليلى بنت حُلْوَان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة وهي خِندحِف؛فغلب على من ذكرنا الألقاب، ونسب ولد إلياس إلى أمه م خندف، وفي ذلك يقول قصَي بن كلاب بن مرة:
إني لدى الحرب وحيّ، وأبي |
|
عند تناديهـم بـآل وَهَـبِ |
معترم الصَّوْلة عالي النسبِ |
|
امِّيَ خندف وإلـياس أبِـي |
وقريش خمسة وعشرون بطناً، وهم: بنو هاشم بن عبد مناف بنو المطلب بن عبد مناف، بنو الحارث بن عبد المطلب، بنو أمية بن عبد شمس، بنو نَوْفَل بن عبد مناف، بنو الحارث بن فِهْر، بنو أسد بن عبد العُزَّى، بنو عبد الحرب قصَيّ- وهم حَجَبَة الكعبة- بنو زهرة بن كلاب، بنو تَيم بن مرة، بنو مخزوم، بنو يَقَظَة، بنو مرة، بنو عَدِيّ بن كعب، بنوسَهْم، بنوجُمَح، وإلى هنا تنتهي قريش البطاح على حسب ما قدمناه فيما سلف من هذا الكتاب، بنو مالك بن حنبل، بنو مُعَيْط بن عامر بن لُؤَي بنو نزار بن عامر، بنو سَامَةَ بن لُؤَي، بنو الأعرم، وهو تَيمْ بى غالب، بنو محارب بن فِهْر، بنو الحارث بن عبد الله بن كنانة، بنو عائذة، وهو خزيمة بن لُؤَي، بنو نباتة، وهو سعد بن لُؤَي، ومن بني مالك إلى آخر القبائل في قريش الظواهر على حسب ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب عند ذكرنا للمطيبين وغيرهم من قريش.
وكان من حرب الفِجار ما ذكرنا للمتفاخرين بالعشائر والتكاثر، وانتهى الفِجَار في شوال، وكان حِلْفُ الفضول بعد منصرفهم من الفِجَار، فقالا بعضهم:
نحن كُنَا المُلُوك من آل نجد |
|
وحماة الزمان عند الذِّمَار |
ومنعنا الْحَجُونَ من كل حي |
|
ومنعنا الفجار يوم الفِجَار |
وفي ذلك قال خِدَاشُ بن زهير العامري:
فلا توعديني بالفِجَـار فـإنـه |
|
أحَلَّ ببطحاء الْحَجُونِ المخازيا |
وقد كان الْحِلْفُ في ذي القعدة بسبب رجل من زبيد من اليمن أو كان باع سلعة له من العاص بن وائل السَّهْمي، فَمَطَلَه بالثمن حتى يئس، فعلا جبل قُبْيس، وقريش في مجالسها حول الكعبة، فنادى بشعر يصف فيه ظُلاَمتَه. رافعاً صوته منادياً يقول:
يا للرجال لمظلوم بضاعتـه |
|
ببطن مكة ناس الحي والنفير |
إن الحرام لمن تصت حرامته |
|
ولا حرام لثوب الفاجر الغَدر |
فمشَتْ قريش بعضها إلى بعض، وكان أول من سعى في ذلك الزبير بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، واجتمعت قبائل قريش في دار النّدْوة وكانت للحَلِّ والحقد، ؤكان ممن اجتمع بها من قريش بنو هاشم بن عبد مناف، وبنو المطلب بن عبد مناف، زهْرَة بن كلاب وَتَيْم بن مرة، وبنو الحارث بن فهرٍ، فاتفقوا على أنهم ينصفون المظلوم من الظالم، فساروا إلى دار عبد الله بن جُدْعان، فتحالفوا هنالك؛ ففي ذلك يقول الزبير بن عبد المطلب:
حلفت لنعقِدَنْ حلفاً عليهـم |
|
وإن كنّا جميعاً أهـل دار |
نسميه الفضول إذا عقدنـا |
|
يعزبِهِ الغريب للى الجوار |
ويعلم مَنْ حَوَالى البيت أنا |
|
ابَاة الضيم نهجر كل عار |
وقد قدمنا في كتابنا الأوسط أخبار الأحلاف والفجارات الأربعة: فجار الرجل، أو فجار بدر بن معشر، وفجار القرد، وفجار المرأة، والفجار الرابع هو فجار البراض، وبين الفجار الرابع الذي كان فيه القتال وبين بنيان الكعبة خمس عشرة سنة، وكان من حضور النبي صلى الله عليه وسلم ومشاهدته الفِجَارَ الرابع إلى أن خرج إلى الشام في تجارة خديجة، ونظر نسطور الراهب إليه وهو في صومعته، والنبي صلى الله عليه وسلم مع مَيْسَرَة، وقد أظلته غمامة، فقال: هذا نبي، وهذا آخر الأنبياء- أربع سنين، وتسعة أشهر، وستة أيام، وإلى أن تزوج خديجة بنت خُويلد شهران، وأربعة وعشرون يوماً، وإلى أن شهد بنيان الكعبة، وحضر منازعة قريش في وضع الحجر الأسود عشر سنين.
وقد كان السيلُ هَدَم الكعبة فسرق منها لما أن هدمت غزال من الذهب وحلي وجواهر، فنقضتها قريش، وكان في حيطانها صُوَر كثيرة بأنواع من الأصباغ عجيبة: منها صورة إبراهيم الخليل في يده الأزلام، ويقابلها صورة إسماعيل ابنه على فرس يُجيز بالناس مُفِيضاً، والفاروق قائم على وفد من الناس يقسم فيهم، وبعد هذه الصور صور كثير من أولادهم إلى قصي بن كلاب وغيرهم، في نحو من ستين صورة مع كل واحد من تلك الصور إله صاحبها، وكيفية عبادته، وما اشتهر من فعله.
ولما بنت قريش الكعبة ورفعت سَمْكها وتأتَّى لها ما أرادت في بنيانها من الخشب الذي ابتاعوه من السفينة التي رمى بها البحرُ إلى ساحلهم التي بعث بها ملك الروم من القلزم من بلاد مصر إلى الحبشة، لُتبنى هنالك له كنيسة، وانهوا إلى موضع الحجر على ما ذكرنا وتنازعوا أيهم يَضَعُه، فاتفقوا أن يرضوا بأول مَنْ يطلع عليهم من باب بني شَيْبة، فكان أول من ظهر لأبصارهم النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك الباب، وكانوا يعرفونه بالأمين؛ لوقاره وهديه وصدق اللهجة، واجتنابه القاذورات والأدناس، فحكموه فيما تنازعوا فيه، وانقادوا إلى قضائه، فبسط ما كان عليه من رداء، وقيل: كساء طاروني، وأخذ عليه الصلاة والسلام الحَجَرَ فوضعه في وسطه، ثم قال لأربعة رجال من قريش- وهم أهل الرياسة فيهم، والزعماء منهم، وهم: عتبة بن ربيعه بن عبد شمس بن عبد مناف، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العُزَّى بن قصي، وأبو حذيفة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم، وقيس بن عدي السهمي- ليأخُذْ كل واحد منهم بجنب من جنبات هذا الرداء، فشالوه حتى ارتفع عن الأرض، وأدنوه من موضعه، فأخذ عليه الصلاة والسلام الحَجَرَ ووضعه في مكانه وقريش كلها حضور، وكان ذلك أول ما ظهر من فعله وفضائله وأحك أمه .
فقال قائل ممن حضر من قريش متعجباً من فعلهم وانقيادهم إلى أصغرهم سناً: واعجباً لقوم أهل شرف ورياسة وشيوخ وكهول عمدوا إلى أصغرهم سناً؛وأقلهم مالاً، فجعلوه عليهم رئيساً وحاكماً!! أما واللات والعزى ليفوقنهم سَبْقاً، وليقسمن بينهم حظوظاً وجدوداً وليكونَنَّ له بعد هذا اليوم شأن ونبأ عظيم.
وقد تنوزع في هذا القائل: فمن الناس من رأى أنه إبليس ظهر في ذلك اليوم في جمعهم في صورة رجل من قريش كان قد مات، وزعموا أن اللات والعزى أحيتاه لذلك المشهد، ومنهم من رأى أنه بعض رجالهم وحكمائهم ومَنْ كانت له فطنة.
فلما استتمت قريش بناء الكعبة كَسَتْهَا أردية الزعماء، وهي الوصائل، وأعادوا الصور التي كانت مصورة في الكعبة، وأتقنوا شكل ذلك واحك أمه .
وكان أبو طالب حاضراً فلما سمع هذا الكلام من هذا القائل في النبي صلى الله
عليه وسلم ، وما يكون من أمره في المستقبل، أنشأ يقول:
إن لـنـا أولـه وآخـــره |
|
في الحكم العدل الذي لا ننكره |
وقد جهدنا جهدنا لـيغـمـره |
|
وقد عهـدنـا أولـه وآخـره |
فإن يكن حقاً ففينا أكـثـره |
|
|
وكان من بناء الكعبة إلى أن بعثه اللّه صلى الله عليه وسلم خمس سنين، ومن مولده إلي يوم مبعثه أربعون سنة ويوم.
والذي صح من مولده عليه الصلاة والسلام أنه كان بعد قدوم أصحاب الفيل مكة بخمسين يوماً، وكان قدومهم مكة يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة ثمانمائة واثنتين وثمانين من عهد ذ القرنين، وكان قدوم أبرهة مكة لسبع عشرة خلت من المحرم ولست عشرة ومائتين من تاريخ العرب،الذي وله حجة الغد ولسنة أربعين من ملك كسرى أنو شروان.
وكان مولده عليه الصلاة والسلام لثمان خلون من ربيع الأول من هذه السنة بمكة، في دار ابن يوسف، ثم بعد ذلك بنتها الخيزران أم الهادى الرشيد مسجداً وكان أبوه عبد اللّه غائباً بأرض الشام فانصرف مريضاً، فمات بالمدينة ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم حَمْل، وقد تنوزع في ذلك: فمنهم من قال: إنه مات بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بشهر، ومنهم من قال: إنه مات في السنة الثانية من مولده.
وأمه آمنة بنت وَهْب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب.
وفي السنة الأولى من مولده دُفع إلى حليمة بنت عبد اللّه بن الحارث لتُرْضِعه، وفي السنة الثانية من كونه في بني سعد كان أبو عبد الله يقول:
الحمد للهّ اللَّه الذي أعطانـي |
|
هذا الغلام الطـيب الأردان |
قد ساد في المهد على الغلمان |
|
أعيذه بالبـيت ذي الأركـان |
وفي رواية أن عبد المطلب قال:
لا هُمّ رب الراكب المسافر |
|
يحمد قلب بخـير طـائر |
تنح عن طريقه الفـواجـر |
|
وحيه برصد الطـواهـر |
واحبس كل حلف فـاجـر |
|
في عرج الريح والأعاصر |
وفي السنة الرابعة من مولده شَق الملكان بطنه، واستخرجا قلبه، فشقاه وأخرجا منه عَلَقَة سوداء ثم غسلا بطنه وقلبه بالثلج، وقال أحدهما لصاحبه: زِنْهُ- بعشرة من أمته، فوزنه فرجَعَ، ثم ما زال يزيد حتى بلغ الألف، فقال والله لو وزنته بأمته لوزنها.
وفي السنة الخامسة رَدَّته إلى أمه مرضعته حليمة؛ وقيل: في مستهل السادسة وبين ذلك وبين عام الفيل خمس سنين وشهران وعشرة أيام.
وفي السنة السابعة من مولده خرجت به أمه إلى أخواله تزورهم، فتوفيت بالأبْوَاءٍ، وقدمت به أم أيْمَنَ إلى مكة بعد خامسة من موت أمه .
وفي السنة الثامنة من مولده توفي جده عبد المطلب، وضمه عمه أبو طالب إليه، وكان في حِجْره، وخرج مع عمه إلى الشام، وله ثلاث عشرة سنة، ثم خرج في تجارة لخديجة بنت خويلد إلى الشام مع غل أمه ا مَيْسَرَة وهو ابن خمس وعشرين سنة.
قال المسعودي: وقد أتينا على مبسوط هذا الباب، في كتابينا أخبار الزمان والأوسط.
ثم بعث اللّه رسوله وأكرمه بما أختصه به من نبوته، بعد بنيان الكعبة بخمس سنين على ما قدمنا آنفاً، وهو ابن أربعين سنة كاملة، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وأخفى أمره ثلاث سنين، ونكح خديجة بنت خويلد وله خمس وعشرون سنة وأنزل عليه بمكة من القران اثنتان وثمانون سورة، ونزل تمام بعضها بالمدينة، وأول ما نزل عليه من القران "اقرأ باسم ربك الذي خلق "، وأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم في ليلة السبت، ثم في ليلة الأحد، وخَاطَبه بالرسالة في يوم الاثنين، وذلك بحراء، وهو أول موضع نزل فيه القرآن، وخاطبه بأول السورة إلى قوله تعالى: "عَلّم الإنسان ما لم يعلم " ونزل تم أمها بعد ذلك؛ و خوطب بفرض الصلوات ركعتين ركعتين، ثم أمر بإتم أمها بعد ذلك، واقرَّتْ ركعتين في السفر وزِيدَ في صلاة الحَضَرِ.
وكان مبعثه صلى الله عليه وسلم على رأس عشرين سنة من مُلْك كسرى أبرويز، وذلك على رأس مائتي سنة من يوم التحالف بالرَّبَذَة، وذلك لستة الاف ومائة وثلاث عشرة سنة من هبوط آدم عليه السلام، وقد ذكر مثل هذا عن بعض حكماء العرب في صدر الإسلام ممن قرأ الكتب السالفة على حسب ما استخرج منها، وفي ذلك يقول في أرجوزة طويلة:
في رأس عشرة من السنين |
|
إلى ثلاث حصلت يقـين |
والمائة المعدوة الـتـمـام |
|
إلى الوف سدست نظـام |
أرسله اللَّه لـنـا رسـولا |
|
وكان فينا هادي السبـيلا |
وقد تنوزع في علي بن أبي طالب كرم اللهّ وجهه وأسل أمه ، فذهب كثير من الناس إلى أنه لم يشرك باللّه شيئاً فيستأنف الإسلام، بل كان تابعاً للنبي صلى الله عليه وسلم في جميع أفعاله مقتدياً به، وبلغ وهو على ذلك، وأن الله عصمه وسدده ووفقه لتبعيته لنبيه عليه السلام؛ لأنهما كانا غير مضطرين ولا مجبورين على فعل الطاعات، بل مختارين قادرين، فاختارا طاعة الرب، وموافقة أمره، واجتناب منهياته، ومنهم من رأى أنه أول من آمن، وأن الرسول دعاه وهو موضع التكليف بظاهر قوله عز وجل: "وأنذر عشيرتك الأقربين "، وكان بدؤى بعلني إذ كان أقْرَبَ الناس إليه وأتبعهم له، ومنهم من رأى غير ما وصافنا، وهذا موضع قد تنازع الناس فيه من الشيعة، وقد احتج كل فريق لقوله ممن قال بالنص في الإمامة والاختيار، وأرضى كل فريق كيفية إسلامه ومقدار سنيه، وقد أتينا على الكلام في ذلك على الشرح والإِيضاح في كتابنا المترجم بكتاب الصفوة في الإِمامة وفي كتاب الاستبصار وفي كتاب الزاهي وغيره من كتبنا في هذا المعنى.
ثم أسلم أبو بكر رضي الله عنه، ودعا قومه إلى الإِسلام، فأسلم على يديه عثمان بن عفان والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وَقَّاص، وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا، فهؤلاء النفر سَبَقُوا الناس بالإِيمان، وقد قال بعض مَنْ تقدم من الشعراء في صدر الإِسلام يذكرهم:
فيا سائلي عن خيار العـبـا |
|
د، صَادَفْتَ ذا العلم والخبرهْ |
خِيَارُ العباد جميعـاً قـريْش |
|
وخير قريش ذوو الهجـرهْ |
وخير ذوي الهجرة السابقون |
|
ثمانية وحدهـم نـضـرَهْ |
علي وَعُثمان ثم الـزبـير |
|
وَطَلْحَة واثنان من زُهـرهْ |
وشيخان قد جَاوَرَا أحـمـداً |
|
وَجَاوَرَ قبراهمـا قـبـرهْ |
فمن كان بعدهما فـاخـراً |
|
فلا تذكروا عِندهم فخـرهْ |
وقد اختلف في أول صن أسلم: فمنهم من رأى أن أبا بكر الصديق كان أول الناس إسلاماً، وأسبقهم إيماناً، ثم بلال بن رباحة، ثم عمرو بن عبسة، ومنهم مَنْ ذهب إلى أن أول من أسلم من النساء خديجة، ومن الرجال عَلِيّ، ومنهم مَنْ رأي أن أول من أسلم زيد بن حارثة حِبّ النبي صلى الله عليه وسلم و ثم خديجة، ثم عليِّ كرم الله وجهة، وقد ذكرنا ما اجتبينا من القول في ذلك فيما قدمنا ذكره من كتبنا في هذا المعنى، والله تعالى ولي التوفيق.
أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة، وفرض عليه الجهاد، وذلك في سنة إحدى من سني الهجرة، وهي السنة التي نزل فيها الأذن، وكانت سنة أربع عشرة من المبعث.
وكان ابن عباس يقول: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وهاجر عشراً، وقبض وهو ابنُ ثلاث وستين سنة.
وكانت سنة إحدى من الهجرة، وهي سنة اثنتين وتلاثين من ملك كسرى أبرويز، وسنة تسع من ملك هرقل ملك النصرانية، وسنة تسعمائة وثلاث وثلاثين من ملك الإسكندر المقدوني.
قال المسعودي: وقد ذكرنا في الكتاب الأوسط كيفية فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجه من مكة ودخوله الغار واستئجار علي له الإبل، وَنوْمه على فراشه؛ فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، ومعه أبو بكر، وعامر بن فُهَيْرَة مولى أبي بكر، وعبد الله بن أرَيْقِط الديلي دليل لهم على الطريق، ولم يكن مسلماً، وكان مُقَام علي بن أبي طالب بعده بمكة ثلاثة أيام إلى أن أدى ما أمر بأدائه، ثم لحق بالرسول صلى الله عليه وسلم.
وكان دخوله عليه الصلاة والسلام إلى المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، فأقام بها عشر سنين كوامل، وكان نزوله عليه الصلاة والسلام في حال موافاته المدينَةَ بقَبَاء على سعد بن خَيْثَمَةَ وابتنى المسجد وكان مع أمه بقَبَاء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وسار يوم الجمعة ارتفاعَ النهار، وأتته الأنصار حيّاً حياً يسأله كل فريق منهم النزول عليه، ويتعلقون بزمام راحلته وهي تجذبه. فيقول عليه الصلاة والسلام: "خَلُّوا عنها فإنها مأمورة" حتى أدركته الصلاة في بني سالم، فصلّى بهم يوم الجمعة، وكانت تلك أول جمعة صليت في الإِسلام، وهذا موضع تنازع الفقهاء في العدد الذي تتم بهم صلاة الجمعة: فذهب الشافعي في آخرين معه إلى أن الجمعة لا تجب إقامتها حتى يكون عدد المصلين أربعين فصاعداً، وأقَلُّ من ذلك لا يجزي، وخالفه غيره من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم، وكانت صلاته في بطن الوادي المعروف بوادى رأنونَاءَ إلى هذه الغاية، ثم استوى على ناقته، فسارت لا تُعَرِّج على شيء، ولا يردها راد، حتى أتت إلى موضع مسجده عليه الصلاة والسلام، والموضع يومئذ لغلامين يتيمين من بني النجار، فبركت، ثم سارت فمضت غير بعيد، ثم عادت إلى مبركها فبركت وأطمأنت، والنبي صلى الله عليه وسلم يراعي أحكام الباري فيه،- وتوفيقه له، فنزل عنها، وسار إلى منزل أبي أيوب الأنصاري- وهو خالد بن كليب بن ثعلبة بن عوف بن سحيم بن مالك بن النجار- فأقام في منزله شهراً حتى ابتنى المسجد من بعد ابتياعه الموضعَ، وأحدقت به الأنصار واشتد سرورهم به، وأظهروا التأسف على ما فاتهم من نُصْرته، وفي ذلك يقول صرمة بن أبي أنس أحد بني عدي النجار من قصيدة:
ثَوَى في قريش بضع عشرة حجة |
|
يُذَكَرل ايلقى صديقـا ًمـواتـيا |
|
||
ويعرض في أهل المواسم نفسـه |
|
فلم ير من يوفي، ولم ير داعـيا |
|
||
فلما أتانا أظْـهَـرَ الـلـه دينـه |
|
وأصبح مسروراً بطَيْبَةَ راضـيا |
|
||
وأصبح لا يخشى من الناس واحداً |
|
بعيداً، ولا يخشى من الناس دانيا |
|||
بذلْنَا له الأموال في كـل ملكـنـا |
|
وأنفسنا عنـد الوغى والتآسـيا |
|||
ونـعـلـم أن الـلـه لارب غــيره |
|
وأن رسـول الـلـه لـلـحـق رائيا |
|||
ونعادي الـذي عـادى مـن الـنـاس |
|
كلهم جميعاً، وإن كان الحبيب المصافيا |
|||
فافترض صيام شهر رمضان، وحُؤَلت القبلة إلى الكعبة بعد قدومه بثمانية عشر شهراً، وقد قيل: إنه أنزل عليه بالمدينة من القرآن اثنتان وثلاثون سورة.
ثم قبضه الله يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول سنة عشر في الساعة التي دخل فيها المدينة، في منزل عائشة رضي الله عنها، وكانت علته أتثنى عشر يوما.
وكانت غزواته صلى الله عليه وسلم بفسه ستاً وعشرين غزوة، ومنهم من رأى أنها سبع وعشرون، الأولون جعلوا منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى غزوة واحدة، والذين جعلوها سبعاً وعشرين جعلوا غزوة خيبر مفردة ووادي القرى منصرفة إليها غزوة أخرى غير خيبر؛ فوقع التنازع في أعداد الغزوات من هذا الوجه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح الله خيبر انصرف منها إلى وادي القرى من غير أن يأتي المدينة.
وكان أول غزواتّه صلى الله عليه وسلم من المدينة بنفسه إِلى ودان، وهي المعروفة بغزوة الأبْوَاءٍ، ثم غزوة بُواط إلى ناحية رضْوى، ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع، ثم غزوة بدر الأولى، وكان خروجه طلباً لكرز بن جابر، ثم غزوة بدر الكبرى، وهي بدر الثانية التي قُتل فيها صناديد قريش وأشرافها وأسر من أسر من زعمائهم، ثم غزوة بني سُلَيم حتى بلغ الموضع المعروف بَالكدر ماء لبني سُلَيم، ثم غزوة السويق طلباً لأبي سفيان بن حرب فبلغ فيهما الموضع المعروف بقرقرة الكدر، ثم غزوة غطفان إلى نجد وتعرف هذه الغزوة بغزوة ذي أمر، ثم غزوة بحران وهو موضع بالحجاز من فوق الفرع ثم غزوة أحد، ثم غزوة حمراء الأسد، ثم غزوة بني النَّضِير، ثم غزوهً ذات الرقاع من نجد، ثم غزوة بدر الأخيرة، ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة المُريْسِيع ثم غزوة الخندق، ثم غزوة بني قرَيْظة، ثم غزوة بني لحيان بن هذيل بن مدركة، ثم غزوة في قرد، ثم غزوة بني المصطلق من خُزَاعة، ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا فصَده المشركون، ثم غزوة خيبر، ثم اعتمر عليه السلام عمرة القضاء، ثم فتح مكة، ثم عزوة حُنين، ثم غزوة الطائف، ثم غزوة تَبُوك.
قاتل منها في تسع غزوات: بدر، واحد، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وتبوك.
هذا قول أحمد بن إسحاق، فأما ما ذهب إليه الواقدى فإنه وافق ابن إسحاق في قتال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه التسع الغزوات، وزاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل في غَزَاة وادي- القرى، وذلك أن غل أمه المعروف بمدعم رمي بسهم فقتل، وقاتل في يوم الغابة فقتل من المشركين ستة نفر، وقتل يومئذ محرز بن نضلة ففي قول الواقدي أنه قاتل في إحدى عشرة غزوة، وفي قول ابن إسحاق في تسع، فقتاله في التسع باتفاف منهما، وزاد الواقدي على ما ذكرنا.
وقد قيل: إن أول غزوة غزاها عليه السلام ذات العشيرة.
وقد تنازع من سلف من أهل السير والأخبار في عدة سراياه وبعوثه: فقال قوم: إن عدة سراياه وبعوثه بين أن قدمَ المدينة وبين أن قَبَضَه الله خمس وثلاثون بعثاَ وسَرِية، وذكر محمد بن جرير الطبري في كتابه في التاريخ قال: حدثني الحارث قال: حدثنا ابن سعد قال: قال محمد بن عُمَر الواقدى: كانت سرايا النبي صلى الله عليه وسلم ثمانياً وأربعين سَرِية، وقيل: إن سراياه صلى الله عليه وسلم وبعوثه كانت ستة وستين.
وقبض صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة على حسب ما تقدم في صدر هذا الباب من قول ابن عباس، ولم يخلف من الولد إلا فاطمه عليها السلام، وتوفيت بعده بأربعين يوماً، وقيل: سبعين يوماً، وقيل غير ذلك. وكان تزوج علي بن أبي طالب لفاطمة عليهما السلام بعد سنة مضت من الهجرة، وقيل أقل من ذلك.
وكانت أول امرأة تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خُويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وكانت وفاتها في شوال بعد مبعثه بثلاث سنين.
وأسْرِيَ به وهو ابن إحدى وخمسين سنة وثمانية أشهر وعشرين يوماً.
وكانت وفاة عمه أبي طالب- واسمه عبد مناف بن عبد المطلب- بعد وفاة خديجة بثلاثة أيام، وهو ابن تسع وأربعين سنة وثمانية أشهر، وقد قيل: إن أبا طالب اسم له.
وتزوج بعد وفاة خديجة بسَودة بنت زَمْعة بن قيس بن عبد وُذَ بن نضر ابن مالك بن حِسْل.
وتزوج بعائشة رضي الله عنها قبل الهجرة بسنتين، وقيل: تزوجها بعد وفاة خديجة، ودخل بها بعد الهجرة بسبعة أشهر وتسعة أيام، وقد أتينا على ذكر سائر أزواجه في الكتاب الأوسط؛ فأغنى ذلك عن إعادته.
روى جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إن الله عزّ وجلّ أدبَ محمداً صلى الله عليه وسلم فأحسن تأديبه، فقال خذ العفو، وآمر العرف، وأعرض عن الجاهلين فلما كان كذلك قال الله تعالى: " وإنك على خلق عظيم " فلما قبل من الله فوض إليه فقال: "وما آتكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا" وكان يضمن على الله الجنة، فأجيز له ذلك.
وكان عدة من تزوج من النساء خمس عشرة، دخل بإحدى عشرة منهن، ولم يدخل بأربع، وقبض عليه السلام عن تسع.
قال المسعودي: وقد تنوزع في مقدار عمره عليه السلام، وقد قدمنا ما روي في ذلك عن ابن عباس، وهو ما ذكره حماد بن سلمة عن أبي حمزة عن ابن عباس، وقد روي عن أبي هريرة مثل قول ابن عباس، وذكر عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم القران وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، وأقام بمكة عشراً، وبالمدينه عشراً، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكذلك ذكر عن عائشة قالت توفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقد روي عن ابن عباس من وجه آخر أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين سنة، وكذلك ذكر ابن هشام قال: حدثنا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، وذكر قَتَادة عن الحسن عن دغفل - يعنى ابن حنظلة- أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين، وقد قيل: إنه قبض وهو ابن ستين وذكر ذلك عن ابن عباس وعائشة وَعرْوَة بن ألزبير، وذكَرَ حماد قال: أخبرنا عمرو بن دينار، عن عُرْوَة بن الزبير، قال: بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، ومات وهو ابن ستين، وذكر شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال: حدثتني عائشة رضي اللّه عنها وابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث وهو ابن أربعين سنة، فلبث بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشرة سنين، وقبض وهو ابن ستين، صلى الله عليه وسلم.
وإنما حكينا هذا الخلاف ليعلم من نظر في كتابنا هذا أنا لم نغفل شيئاً مما قالوه، ولا تركنا شيئاً ذكروهُ إلا ذكرنا منه ما تأتَّى لنا ذكره وأشرنا إليه، ميلا إلى الاختصار وطلباً للإِيجاز، والذي وجدنا عليه آل محمد عليه الصلاة والسلام أنه قُبض ابن ثلاث وستين سنة، ولما غسل عليه الصلاة والسلام كفن في ثلاثة أثواب ثوبين صُحَاريين وثوب حِبَرَة أدرج فيها إدراجأ، ونزل في قبره علي بن أبي طالب والفضل وَقُثَم ابنا العباس وَشُقْرَان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر في مقدار الثياب للكفن غير ما ذكرنا، والله أعلم بكيفية ذلك.
ولنرجع الآن إلى ذكر لمع من أموره وأخبارٍ كانت من مولده إلى وفاته صلى الله عليه وسلم وشَرف وعًظّم.
وقد قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب من ذكر مولده عليه السلام ومبعثه ووفاته جوامِعِ يكتفي بها العالم المستبصر، ويتنبَّه بها الطالب المسترشد، وذكرنا جُمَلاَ من الكوائن والأحداث في تضاعيف ذلك، وأفردنا هذا الباب لذكر لَرتيب جمل من السنين من مولده إلى وفاته، وجمل أحْدَاث وكوائن كانت في أي أمه ؛ ليقرب تناول ذلك على مريده، ؤيسهل مأخذه على الطالب له، وإن كنا قد أتينا على لمع من مبسوط هذا الباب فيما تقدمه من الأبواب إن شاء الله تعالى. ففي أول سنة من مولده دفع إلى حليمة بنت عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خَصَفَة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وفي السنة الخامسة من مولده رَدًتْه حليمة إلى أمه ، على حسب ما ذكرنا فيما
سلف من هذا الكتاب.
وفي السنة السادسة أخرجته أمه إلى أخواله زائرة فتوفيت بالأبْوَاء بين مكة
والمدينة، ونمي ذلك إلى أيْمَنَ، فخرجت إليه؛ وقدمت به إلي مكة؛ وكانت
مولاة له قد ورثها عن أمه .
وفي السنة التاسعة خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام، وقيل: إذ خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام وله ثلاث عشرة سنة، وقد كان أبا طالب أخا عبد اللّه أبي النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه و أمه ؛ فلذلك كَفَلَ بأمر النبي صلى الله عليه وسلم من بين سائر إخوته- وهم: العباس، وحمزة، والزبير، وحجل، والمقوم وضرار، والحارث، وأبو لهب- وهم عشرة بنو عبد المطلب، وكان لعب المطلب ستة عشر ولداً: عشرة ذكور، وهم من سمينا، وست إناث. وهن: عاتكة، وصفية، وأميمة، والبيضاء، وبرة، وأرْوَى، ولم يسلم منهن إلا صفية أم الزبير بن العوام، وقد تنوزع في أروى: فمنهم من قال: إنها أسلمت ومنهم من خالف ذلك.
وفي خروجه عليه السلام مع عمه في هذه السنة نظر إليه بَحِيرَا الراهب، وأوصاهم بمراعاته من اليهود فإنهم أعداؤه لعلمهم بما يكون من نبوته على حسب ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب عند ذكرنا لخبر بَحِيرَ الراهب وما كان من إخباره بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في باب أهل الفترة ممن كان بين المسيح ومحمد عليهما السلام.
وقد قدمنا أنه عليه السلام شهد يوم حرب الفِجَارِ، وذلك في سنة إحدى وعشرين، وأنها حربِ كانت بين قريش وقيس عيلان، فيما سلف من هذا الكتاب وغيره، وأنها إنما سميت بهذا الاسم الذي هو الفِجَار لأنها كانت في الأشهر الحرم، وكانت لقيس على قريش، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شاهدها صارت لقريش علىِ قيس، وكان على قريش يومئذ عبد اللّه بن جُدْعَان التّيْمِيُّ، وكان نخاساَ في الجاهلية بياعاً للجواري، وكانت هذه إحدى الدلائل المنزرة بنبوته عليه السلام والتيمن بحضوره.
وفي سنة ست وعشرين كان تزويجه بخديجة بنت خُويلد، وهي ومئذ بنت أربعين، وقيل في سنها غير هذا.
وفي سنة ست وثلاثين بَنَتْ قريش الكعبة، وتراضت به، فوضع الحجر على حسب ما قدمنا.
وفي سن إحدى وأربعين بعثه اللّه نبياً ورسولا إلى كافة الناس، وذلك بوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول، على حسب تنازع الناس في تاريخ مبعثه عليه السلام.
وفي سنة ست وأربعين كان حصار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني عبد المطلب في الشِّعْبِ.
وفي سنة خمسين كان خروجه عليه السلام ومن تبعه من الشِّعب.
وفي هذه السنة كانت وفاة خديجة زوجه وفيها كان خروجه إلى الطائف على حسب ما ذكرنا.
وفي سنة إحدى وخمسين كان الإِسراء به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، على حسب ما نطق به التنزيل.
وفي سنة أربع وخمسين كانت هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وفيها بني
صلى الله عليه وسلم مسجده، وفيها دخل بعائشة بنت أبي بكر رضي اللّه عنها
وهي ابنة تسع، وتزوج بها قبل الهجرة وهي بنت سبع، وقيل: إنه تزوجها وهي بنت
ست سنين، وبني بها في المدينة بعد الهجرة بسبعة أشهر، وقيل عن عائشة إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهي بنت ثمانَ عشرَةَ سنةً، وكانت وفاتها
سنة ثمان وخمسين من الهجرة بالمدينة، وصلى عليها أبو هريرة في أيام معاوية
بن إلى سفيان وقد قاربت السبعين وفيها أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
بالأذان، وأرى عبد الله بن زيد كيفية الأذان في مَنَ أمه ، وفيها كان تزوج
علي بن أبي طالب بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسب ما ذكرنا
من التنازع في التاريخ. وفي سنة اثنتين من الهجرة افترض على المؤمنين صوم
شهر رمضان وفي هذه السنة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوجهِ إلى
الكعبة، وفيها توفيت ابنته رُقية وفي آخر هذه السنة- وهي سنة اثنتين من
الهجرة- كان دخول علي بن أبى طالب بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وفيها كانت وقعة بدر، وذلك في الجمعة لسبع عشرة ليلةً خلت من شهر
رمضان.
وفي سنة ثلاث كان تزويجه بزينب بنت خُزَيمة، وكانت وفاتها بعد شهرين، وفي
هذه السنة كان تزويجه بحفصة بنت عمر بن الخطاب، وفيها كان تزويج عثمان بن
عفَّان بأم كلثوم ابنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وفيها كان مولد
الحسن بن علي بن أبي طالب على ما في ذلك من التنازع في التاريخ وفيها كانت
غزوة أحد، وفي هذه السنة استشهد حمزة بن عبد المطلب. وفي سنةَ أربع كانت
غزوته المعروفة بذات الرِّقَاع، وفي هذه الغزاة صلى صلاة الخوف بالناس، على
حسب ما ذكر في كيفية ذلك التنازع، وفيها كان تزويجة بأم سلمة بنت أبي أمية،
وفيها كانت غزوته إلى اليهود من بني النَّضِير وامتنعوا منه بحصونهم،
فقطعوا نخلهم وشجرهم وأضرموا النار عليهم، فلما رأى ذلك صالحهم، وفيها كانت
غزوته إلى بني المصْطَلَق، وفيها- وهي سنة أربع- كان مولد الحسين بن علي بن
أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه، وقد قيل: إن مولد فاطمة رضي اللّه تعالى
عنها كان قبل الهجرة بثمان سنين.
وفي سنة خمس كانت غزوة الخندق وما كان فيها من حفر الخندق، وفيها غزا اليهود من بني قُرَيْظَة، وكان من أمرهم ما قد شهر، وفيها كان تزويجه بزينب بنت جَحْش، وفيها كان تَقَوَّلُ أهل الإِفك على عائشة رضي الله عنها.
وفي سنة ست كان استسقاؤه عليه السلام لما لحق الناس من الضر وَالْجَدْبِ، وفيها اعتمر عمرته المعروفة بعمرة الحديبية وواعد المشركين، وفيها أخذ فدَكَ، وفيها تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان، ووجَّه بالرسُل إلى كسرى وقيصر، وكان فيها أداؤه لكتابة جُوَيرية بنت الحارث وتزويجه بها.
وفي سنة سبع غزا خيبر فافتتحها، واصطفى صفية بنت حيَى بن أخْطَب لنفسه، وفيها تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية خالة عبد اللّه بن عباس في سفره حين اعتمر عمرة القضاء، على ما ذكر من التنازع في نكاحه لها، أفي حال حله نكحها أم في حال إحرامه ؟ وما قال الفقهاء في ذلك، وتنازع الناس في نكاح المحرم، وفيها كان قدوم حاطب بن أبي بلْتَعة من مصر من عند المقوقس ملكها ومعه مارية القبطية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من هدايا المقوقس إليه، وفيها كان قدوم جعفربن أبي طالب من أرض الحبشة ومعه أولاده وزوجته وغيرهم من المسلمين ممن كان بأرض الحبشة.
وفي سنة ثمان استشهد جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رَوَاحة بأرض مُؤْتة من أرض البَلْقاء من أرض الشام وأعمال دمشق في وقعتهم مع الروم، وفيها كانت وفاة زينب بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وقيل: غير ذلك من التاريخ.
وفي سنة ثمان كان افتتاح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وقد تنازع الناس في فتحها، أصلحاً كان أم عَنْوَةً؛ وفيها كُسِّرَتْ الأصنام، وَهُدِمَت العُزَّى ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم " قالوا: خيرأ أخٌ كريم، وابن أخ كريم، قال: " أذْهَبُوا فأنتم الطُّلَقَاء"، وفيها غزا غزة حنين، وكان هَوَازن مالك بن عوف النَّضْرِي ومعه درَيْد بن الصمَة، وفيها كانت غزوة الطائف، وفيها كان إعطاؤه للمؤلفة قلوبهم وفيهم أبو سفيان صخربن حرب وابنه معاوية، وفيها كان مولد إبراهيم ابن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية.
وفي سنة تسع حج أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه بالناس، وقرأ عليّ بن أبي طالب عليهم سورة براءة، وأمرأن لا يحج مشرك، وأنه لا يطوف بالبيت عُرْيان، وفيها كانت وفاة أم كلثوم بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
وفي سنة عشر حج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وقال: " ألا أن الزمان. قد استدار كهيئته يوم خَلَقَ اللّه السموات والأرض "، وفيها كانت وفاة إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام، وقيل غيم ذلك، وفيها كان بعثه عليه الصلاة والسلام بعليّ إلى اليمن، وأحرم كإحرام النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي سنة إحدى عشرة كانت وفاته صلى الله عليه وسلم على حسب ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب قبل هذا الباب من ذكر وفاتِهِ ومقدار عمره وما قاله الناس في ذلك، وفيها كانت وفاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسب ما ذكرنا من تنازع الناس في مقدار عمرها ومدة بقائها بعد أبيها، ومن الذي صلى عليها: العباسُ بن عبد المطلب أم بَعْلُهَا علي؟ ولما قبضت جزع عليها بَعْلُهَا عليّ جزعأ شديداً واشتد بكاؤه وظهر أنينه وحنينه، وقال في ذلك:
لكل اجتماع من خليلين فُرْقَة |
|
وكل ُّالذي دون الممات قليل |
وإن افتقادي فاطماً بعد أحمد |
|
دليل على أن لا يدوم خليل |
وكل أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة خلا إبراهيم: ولد له صلى الله عليه وسلم: القاسم، وبه كان يكنى، وكان أكبر بنيه سنّاً، ورقية وام كلثوم، وكانتا تحت عُتبة وعتيبة ابني أبي لَهب عمه فطلقَاهما لخبر يطول ذكره، فتزوجهما عثمان بن عفان واحدة بعد وحدة، وزينب، وكانت تحت أبي العاص بن الربيع، وفرق الإِسلام بينهما، ثم أسلم فردها عليه بالنكاح الأول، وهذا موضع خلاف بين أهل العلم في كيفية رده عليه الصلاة والسلام لزينب على أبي العاص، وولدت من أبي العاص امامة، وتزوجها عليّ بعد موت فاطمة عليهم السلام.
وولد له عليه الصلاة والسلام بعد ما بعث عبدُ اللّه وهو الطيب والطاهر، الثلاثة الأسماء له لأنه ولد في الإِسلام، وفاطمة، وإبراهيم.
وقد أتينا في كتابنا أخبار الزمان والكتاب الأوسط على ما كان في سنةٍ سنه من مولده عليه الصلاة والسلام إلى مبعثه، ومن مبعثه إلى هجرته، ومن هجرته إلى وفاته، ومن وفاته إلى وقتنا هذا- وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة- وما كان في ذلك من المغازي والفتوح وَالسَّرَايا والبعوث والطرائق والأحداث، وإنما نذكر في هذا الكتاب لمعاً منبهين- بذلك على ما سلف من كتبنا، ومذكرين لما تقدم من تصنيفنا، وباللّه التوفيق.
قال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن عبد اللّه المسعودي: بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ومبشراً للناس أجمعين، وقرنه الله بالايات، والبراهين النيرات، وأتى بالقرآن المعجز؛ فتحدَّى به قوماً وهم الغاية في الفصاحة، والنهاية في البلاغة، واولو العلم باللغة والمعرفة بأنواع الكلام من الرسائل والخطب والسجع والمُقفَّى والمنثور والمنظوم والأشعار في المكأرم وفي الحث والزجر والتحضيض والإِغراء والوعد والوعيد والمدح والتهجين، فَقَرَعَ به أسماعهم، وأعجز به أذهانهم وَقبَّح به أفعالهم، وذم به آراءهم وَسَفَّه به أحل أمه م وأزال به دياناتهم، وأبطل به سنتهم، ثم أخبر عن عجزهمِ معِ تظاهرهم أن لا يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، مع كونه عربئاَ مبيناَ.
وقد تنازع الناس في نظمَ القرآن وإعجازه، وليس الغرض من هذا الكتاب وصف أقاويل المختلفين، والإِخبار عن كلام المتنازعين؛إذ كان كتاب خبر، لا كتاب بحث ونظر.
ثبت عنه عليه الصلاة والسلام بالعلم الموروث، ونقل إلينا الباقي عن الماضي من بعد قيام الأدلة على صدقه، وما أورد من المعجزات والدلائل والعلامات التي أظهرها الله على يديه ليؤدي رسالات ربه ألى خلقه- أنه قال: أوتيت جوامع الكلم، وقال: اخْتُصِرَ لي الكلام، مخبراً عما أوتيه من الحكمة والبيان غير القرآن المعجز، وهو ما أوتيه عليه الصلاة والسلام من الحكمة والنطق اليسير، والكلام القصير المفيد للمعاني الكثيرة والوجوه المتفرقة مع ما فيه من الحكمة وتمام المصلحة.
وكان كل أمه صلى الله عليه وسلم أحْسَنَ المقال وأوْجَزَه؛لقلة ألفاظه وكثرة معانيه.
فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عند عَرْضِه لنفسه على القبائل بمكة ومعه أبو بكر وعلي ووقوفه على بكر بن وائل، وتقدم أبي بكر إليهم، وما جرى بينه وبين دغفل من الكلام في النسب "البلاء مُوَكَّلٌ بالمنطق " وهذا مما سَبَقَ إليه من الكلام ولم يصف إلى غيره من الأنام. ثم إخباره عن الحرب وقوله "الحرب خُدْعَة " فعلم بهذا اللفظ اليسير والكلام الوجيز أن آخر مكايد الحرب القتال بالسيف؛إذ كان بدؤها خدعة، كما قال عليه الصلاة والسلام، وهذا يعرفه كل في رأي صحيح وفي رياسة وسياسة.
ثم قال: "العائد في هبته كالعائد في قَيْئِه " زاجراً بهذا القول للواهب أن يسترجع شيئاً وهبه؛إذا كان الذيء لا يرجع فيه مَنْ قاءه.
وللناس في هذا المعنى كلام كثير وخطب طويلة، وإنما الغرض فيما نذكر إيراد كل أمه صلى الله عليه وسلم، ووصف قوله الذي لم يتقدمه به أحد"من الناس.
وقوله: "احْثُوا في وجوه المَدَّاحين التراب " المراد من ذلك إذا كَذَبَ المادح، ولم يُرِدْ عليه السلام إذا شكر الإنسان غيره بما أولاه أو وصفه بما هو فيه أو قال ماله أن يقول أن يُحْثَى في وجهه التراب، ولو كان هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم إذاً ما مَدح أحد أحداً؛إذ كان هذا النهي عموماً للصادق والكاذب، وأن يحثى في وجه الجميع التراب، وهذا خلاف ما جاء به التنزيل حيث يقول عز وجل مخبراً عن نبيه يوسف وقوله للملك:" أجْعَلْنِي على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" فقد مدح نفسه ووصف حاله.
وجميع ما يذكر في هذا الباب مستفيض في السير والأخبار متعارف عند العلماء، متداول بين الحكماء، يتمثل به كثير من الناس، وتستعمل العوام كثيراً منه في ألفاظها.، وتُورده في أمثالها وخطاباتها، والأكثر منهم لا يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من تكلم به، وسَبَق إلى إيرده.
وقال عليه الصلاة والسلام: مَطْل الغني ظلم، ومن اتبعَ على مليء فليتبع، وقوله: الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، رأس الحكمة معرفة الله. يا خَيْلَ الله اركبي وأبشري بالجنة. الان حَمِي الوطيس. لا ينتطح فيها عَنْزَانِ. لا يُلْدَغ المؤمن من جحر مرتين. لا يجني على المرء إلا يده. ليس الخبر كالمعاينة. الشديد من غلب نفسه بورك لأمتي في بُكُورها. ساقي القوم آخرهم شرباً. المجالس بالأمانات. لو بَغَى جبل على جبل لدُكَّ الباغي منهما، أبدأ بمن تعول مات حَتْفَ أنفه لأ يريد بذلك الفَجْأة وأنه مات من غير علة ولا حالٍ أوجبت ولا سبب من أسباب الموت تقدمت، لا تزال أمتي بخير ما لم تر الأمانة والزكاة مغرماً. قيدوا العلم بالكتابة. خير المال عين ساهرة لعين نائمة. المسلم مِرْآة المسلم. رحم الله من قال خيراً فغنم أو سكت عن شر فسلم. المرء كثير بأخيه. اليد العليا خير من اليد السفلى. ترك الشر صدقة. فضل العلم خير من فضل العبادة. الغِنَى غنى النفس.
الأعمال بالنيات. أي أداء أدوأ من البخل؟ الحياء خير كله. الخيل معقود بنواصيها الخير. السعيد من وُعِظَ بغيره. عِدَةُ المؤمن كأخْذٍ باليد. إن من الشعر لحكمة ومن البيان لسحراً. عفو الملوك بقاء للملك. ارْحَمْ من في الأرض يرحمك من في السماء. المكر والخديعة في النار. المرء مع من أحب، وله ما أكتسب. ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا. المستشار مؤتمن. من قُتِل َدون ماله فهو شهيد. لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث. الدال على الخير كفاعله. الندم توبة. الولد للفراش وللعاهر الحجر. كل معروف صدقة. لا يشكر اللهّ من لا يشكر الناس. لا يؤوِي الضالة إلا ضال، حبك الشيءَ يُعمي ويصم، السَّفَر قطعة من العذاب، وقوله للأنصار: إنكم لتقلونَ عند الطمع وتكثرون عند الفزعِ، وقوله: المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحَلَّ حراماً أو حَرَّم حلالا. الرجل أحق بصدر مجلسه وصدر دابته. الناس معادن كمعادن الذهب والفضة. الظلم ظلمات يوم القيامة. تمام التحية المصافحة. جُبِلَتِ النفوس على حب من أحسن إليها. أمنك من أعتبك. ما نقص مال من صدقة. التائب من الذنب كمن لا ذَنْبَ له. الشاهد يرى ما لا يرى الغائب،. خذ حقك في عَفَاف.واف أو غير واف. أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه. أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف يوم القيامة. الجنة تحت ظلال السيوف. ليس بمؤمن من خاف جارُهُ بَوَائِقَه اتقوا النار ولو بشق تمرة. أعْرُوا النساء يلزمن الحجاب. الكلمَة الطيبة صَدَقة. لا خير لك في صحبة مَنْ لا يرى لك مثل ما يرى لنفسه. الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. ما أمْلَقَ تاجر صَدقَ. الدعاءُ سلاح المؤمن. خير الأمور أوسطها. إذا أتاكم الزائر فأكرموه. اشفعوا تحمدوا أو تؤجروا. الإيمان الصبر والسماحة آفَضلكم أفضلكم معرفة. ما هلك امرؤ عن مَشُورَة. ما عَالَ امرؤ اقتصد. ما هلك امرؤ عرف قدره. شر العمى عمى القلب. الكذب مجانب للإيمان. ما قَلَّ وكفى خير مما كثر وألهى. من أثنى فقد كفى قلة الحياءِ كفر. المؤمنون هَيْنُون لَيْنُون. شر الندامة يوم القيامة. شر المعذرة عند الموت. أقِيلُوا عَثَرَات الكرام. اطلبوا الخير عند صِبَاح الوجوه. الدنيا حُلْوة خَضِرة، وإن الله مستعملكم فيها ينظر كيف تعملون. انتظار الفرج عبادة. كادت الفاقة أن تكون كفراً. لم يبق من الدنيا إلا بلاءَ وفتنة. في كل عام ترذلون. زُرْ غبّاً تزد حبّاً. الصحة والفراغ نعمتان مَغْبُون فيهما كثير من الناس، أو قال: جميع الناس، وقوله: لا يلقى الله أحد إلا ناعماً. من عمل خيراً قال يا ليتني أزدت، ومن عمل غير ذلك قال يا ليتني قصرت، وهذا مثل قوله: إياكم والتسويف وطولَ الأمَل؛ فإنه كان سبباً لهلاك الامم. وقوله: ليس منا من غَشَنَا، وهذا القول يحتمل معاني كثيرة: منها أن يكون إخباراً أن من غش المسلمين على حسب الحال في الوقت أن بعض أهل الكتاب أو المنافقين أخبر عنه بما كان من فعله، ويحتمل أن يكون على طريق الزجر والنهي عن الغش، وقد قيل غير ذلك، والله أعلم، مثل ما رَوَى عنه أبو مسعود البدري أنه قال: لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة أحدٌ إلا مات، فاستفاضت هذه الرواية عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، فجزع الأكثر، فأفضى ذلك إلى علي رضي الله عنه، فقال: صدق أبو مسعود فيما قال، وذهب عنه المراد بذلك، وإنما مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يبقى على وجه الأرض أحد بعد رأس مائة ممن رأى النيي صلى الله عليه وسلم إلا مات وقوله: استعينوا على أموركم بالكتمان، وعلى قضاء حوائجكم بالإسرار.
قال المسعودي: وقد جمع كثير ممن تقدم وممن شاهدناه كثيراً من ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم فأوردوها في كتبهم، وذكروها في تصنيفهم، وقد أفرد أبو بكر محمدُ بن الحسن بن دريد لذلك كتاباً ترجمهُ بكتاب المجتبى يذكُر فيه جملاً من ألفاظه صلى الله عليه وسلم، وكذلك ذكر أبو إسحاق الزجاجي النحوي صاحب آبي العباس المبرد، وأبو عبد اللّه نِفْطَويه، وجعفربن محمد بن حمدان الموصلي، وغير هؤلاء ممن تقَدمهم وتأخر عنهم، أوردنا من ذلك في هذا الكتاب ما سهل إيراده وتأتى لنا ذكره، على حسب الحاجة إليه واستحقاق الموضع له، وإن كُنا قد أتينا على جميع ما يحتاج إليه في هذه المعاني فيما سلف من كُتبنا وتقدم من تصنيفنا فأغنى ذلك عن إعادتها، واللّه تعالى ولي التوفيق.