ذكر خلافة المقتدر بالله

ذكر خلافة المقتدر باللّه

وبويع المقتدر باللّه جعفر بن أحمد في اليوم الذي توفي فيه أخوه المكتفي باللّه، وكان يوم الأحد لثلاثَ عشرةَ ليلةً خلت من ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين، ويكنى أبا الفضل، وأًمه أُم ولد يُقال لها شغب، وكَذلك أمِ المكتفي أمِ ولد يُقال لها ظَلُوم، وقيل غير ذلك، وكَان له يَوْم بويع ثلاث عشرةَ سنةَ، وقتل ببغداد بعد صلاة العصر يوم الأربعاء لثلاث ليالٍ بَقِينَ من شوال سنة عشرين وثلاثمائة، فكانت خلافته أربعاً وعشرين سنة وأحد عشر شهراً وستة عشر يوماً، وبلغ من السن ثمانية وثلاثين سنة وخمسة عَشَرَ يوماً، وقد قيل في مقدار عمره غير ما ذكرنا، واللّه أعلم.

ذكر جمل من أخباره وسيره ولمع مما كان في أيامه

مقتل وزيره

وبويع المقتدر وعلى وزارته العباس بن الحسن إلى أن وَثَبَ الحسين ابن حمدان، ووصيف بن سوارتكين، وغيرهما من الأولياء على العباس بن الحسن فقتلوه وفاتكاً معه، وذلك في يوم السبت لِإحدى عَشرَةَ ليلةً بقيت من ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين، وكان من أمر عبد الله بن المعتز ومحمد بن داود وغيرهما ما قد اتضح في الناس واشتهر، وأتينا على ذكره في الكتاب الأوسط وغيره في أخبار المقتدر باللّه.

وقد صنف جماعة من الناس أخبار المقتدر مجتمعة مع أخبار غيره من الخلفاء ومُفْرَده، وعمل ذلك في أخبار الدولة من أخبار بغداد، وقد صنف أبو عبد اللّه بن عبدوس الجهشياري أخبار المقتدر باللّه في ألوف من الأوراق، ووقع لي منها أجزاء يسيرة.

وأخبرني غير واحد من أهل الحراية أن ابن عبدوس صنف أخبار المقتدر في ألف ورقة، وإنما نذكر من أخبار كل واحد منهم لمعاً، وإنما الغرض جوامع من أخبارهم تَبْعث على دَرْسه وحفظ ما فيه ونَسْخِه.

عبد اللّه بن المعتز

وكان عبد اللّه المعتز أديباً، بليغاً، شاعراً، مطبوعاً، مجوداً، مقتدراً على الشعر، قريب المأخذ، سَهْلَ اللفظ، جيد القريحة، حسن الاختراع للمعاني، فمن ذلك قوله:

تقول العاذلات: تَعَزَّ عنها

 

وأطْفِ لهيب قلبك بالسُّلو

وكيف وقًبْلَةٌ منها اختلاسا

 

ألذ من الشماتة بالعَـدُو؟

وقوله:

ضعيفةٌ أجفـانـه

 

والقلب منه حَجَرُ

كأنما ألحـاظـه

 

من فعله تعتـذر

وقوله:

تولَّى الجهل، وانقطع العتـاب،

 

ولاح الشيب، وافتضح الخضاب

لقد أبغضت نفسي في مشيبـي

 

فكيف تحبني الخود الكعـاب؟

وقوله:

عجبا للزمان في حـالـتـيه

 

وبَلاَءٍ دفعت مـنـه إلـيه

رُبَّ يوم بكيت فيه فـلـمـا

 

صرت في غيره بكيت عليه

وقوله في أبي الحسن علي بن محمد بن الفُرَات الوزير:

أبا حسن ثَبَتِّ فيِ الأرض وَطْـأتـي

 

وأدركتني في المعضلات الهزاهز

وألبستني درعاً عـلـيَّ حـصـينة

 

فناديت صرف الدهر هل من مبارز

وقوله أيضاً:

ومن شر أيام الفتى بَذْلُ وجهـه

 

إلى غير من خَفّتْ عليه الصنائع

متى يدرك الِإحسان من لم تكن له

 

إلى طلب الِإحسان نفس تنـازع

وقوله:

فإن شئت عادتني السقاة بكأسها

 

وقد فَتَحَ الِإصباح في ليلة فَمَـا

فخلت الدجا والفجر قد مَدّ خيطه

 

رداءً مُوَشّى بالكواكب مُعْلَمـا

وقوله:

وأبكي إذا ما غاب نجم كأنـنـي

 

فقدْتُ صديقاً أو رُزِئْتُ حميمـا

فلو شق من طرف الليالي كواكب

 

شققت لها من ناظريَّ نجـومـاً

ومما أحسن فيه قوله في عبيد اللّه بن سليمان:

لآل سليمانَ بْنِ وهب صـنـائع

 

إليَّ ومعروف لـديَّ تـقـدَّمَـا

همُ علَّموا الأيام كيف تَـبَـرُّنِـي

 

وهم غَسَلُوا من ثوب والدي الدما

وقوله عند وفاة المعتصم باللّه:

قضوا ما قضوا من حقه ثم قدموا

 

إما ما يؤمٌّ الخـلـق بـين يديه

وصَلَّوْا عليه خاشعين كـأنـهـم

 

صفوفٌ قيام للـسـلام عـلـيه

وقوله في فصادة المعتضد باللّه:

يا دماً سـال مـن فراع الِإمـام

 

أنت أزكى من عنـبـر ومدام

قد ظنناك إذ جريت إلى الطّـسْتِ

 

دموعاً من مقلتَيْ مستـهــام

إنما غرق الطبيب شبا

 

المبضع في نفس مهجة الِإسلام

وقوله:

اصبر على حسد الحسو

 

د فإنَّ صبرك قاتُلـهْ

فالنار تأكل نفـسـهـا

 

إن لم تجد ما تأكـلـه

وقوله:

يطوف بالراح بيننا رَشَـأ

 

مُحَكَّم في القلوبِ والمُقَل

يكاد لحظ العيون حين بدا

 

يسفك من خده دمَ الخجَل

وقوله:

رَشَأ يتيه بحسن صورتـه

 

عَبَثُ الفتورِ بلحظ مقلتـه

وكأن عقرب صُدْغه وقفت

 

لما دنت من نار وجنتـه

وقوله:

إذا اجتنى وردة من خده فمـه

 

تكونت تحتها أخرى من الخجل

وفاة محمد بن داود الاصفهاني

قال: وكانت وفاة أبي بكر محمد بن داود بن علي بن خلف الأصبهاني الفقيه سنة ست وتسعين ومائتين، وكان ممن قد علا في رتبة الأدب، وتصرف في بحار اللغة، وتفنّنَ في موارد المذاهب، وأشفى على أغراض المطالب، وكان عالماً بالفقه منفرداً، وواحداً فيه فريداً، وألف في عنفوان صباهُ وقبل كماله وانتهائه الكتاب المعروف بالزهرة، ثم تناهت فكرته، ونسقت قوته، فصنف في الفقهيات ككتابه الوصول إلى معرفة الأصول، وكتاب الِإنذار، وكتاب الأعذار والِإيجاز، وكتابه المعروف بالانتصار على محمد بن جرير وعبد اللّه بن شرشير وعيسى بن إبراهيم الضرير.

ومما قال فيه فأحسن في عنفوان شبابه، وأثبته في كتابه المترجم بالزهرة، وعَزَاهُ إلى بعض أهل عصره، وإن كان محسناً في سائر كلامه من منظومه ومنثوره قولُه:

على كبدي من خيفة البين لوعةٌ

 

يكاد لها قلبي أسىً يتـصـدَّعُ

يخاف وقوع البينِ والشمل جامع

 

فيبكي بعين دَمْعُهَا متـسـرع

فلو كان مسروراً بما هو واقع

 

كما هو محزون بما يتـوقـعّ

لكان سواءً برؤه وسـقـامـه

 

ولكنَّ وشك البين أدهى وأوجع

وقوله:

تمتع من حبـيبـك بـالـوَدَاع

 

إلى وقت السرور بالاجتمـاع

فكم جَرَّبْت من وصل وهجـر

 

ومن حال ارتفاع واتِّـضَـاع

وكم كأس أمر من الـمـنـايا

 

شربت فلم يضق عنها ذراعي

فلم أر في الذي لاقـيت شـيئاً

 

أمَرَّ من الفـراق بـلا وداع

تعالى اللّه كُل مـواصـلات

 

وإن طالت تؤول إلى انقطاع

وقوله:

لا خير في عاشق يُخْفِي صَبَابـتـه

 

بالقول والشوقُ في زَفْرَاتِهِ بـادي

يخفي هواه وما يخفى علـى أحـد

 

حتى على العيس والركبان والحادي

وفاة علي بن بسام

وفي سنة ثلاث وثلاثمائة في خلافة المقتدر باللّه كانت وفاة علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بَسَّام، وكان شاعراً لسناً، مطبوعاً في الهجاء، ولم يسلم منه وزير ولا أمير ولا صغير ولا كبير. وله هجاء في أبيه وإخوته وسائر أهل بيته، فمما قال في أبيه محمد بن نصر:

بَنَى أبو جعفر داراً فشـيدَهَـا

 

ومثله لخيار الـدور بَـنَّـاء

فالجوع داخلها، والذل خارجها

 

وفي جوانبها بؤس وضَـرَّاء

ما ينفع الدار من تشييد حائطها

 

وليس داخلها خبز ولا مـاء

وله فيه:

هَبْكَ عُمِّرْتَ عمر عشرين نسراً

 

أترى أنني أموت وتـبـقـى

فلئن عشتُ بعـد يومـك يومـاً

 

لأشُقنَّ جيب مـالـك شـقـا

وله فيه:

رأى الجوع طبا، فهو يحمي ويحتمي

 

فلست ترى في داره غـير جـائع

ويزعم أن الفقر في الجود والسخـا

 

وأنْ ليس حظ في إكتساب الصنائع

لقد أمن الدنيا ولم يخش صَرْفَـهَـا

 

ولم يدر أن المرء رهنُ الفـجـائع

وأنشدني أبو الحسن محمد بن علي الفقيه الوَرَّاق الأنطاكي بأنطاكية، لعلي بن محمد بن بسام، يهجو الموفق والوزير أبا الصقر إسماعيل بن بلبل، والطائي- أمير بغداد، وعبدون النصراني، أخا صاعد، وأبا العباس بن بَسْطَام، وحامد بن العباس وزير المقتدر باللّه بعد ذلك، إسحاق بن عمران، أمير الكوفة يومئذ:

أيرجو المُوَفَّقُ نَصْـرَ الإِلـه

 

وأمر العبـاد إلـى دانـيه

رمن قبلها كان أمر العـبـاد

 

لَعَمْـرُ أبـيك إلـى زانـيه

فإن رضيت رضـيت أنـه

 

كدالـية فـوقـهـا دالـية

وظل ابن بُلبل يُدْعَى الوزير

 

ولم يَكُ في الأعصر الخاليه

وطحان طي تولى الْجُسُـورَ

 

وَسَقْيَ الفرات وزْرقامـيه

وبحكم عبدون في المسلمـين

 

ومن مثله تؤخذ الْـجَـالـيه

وأحول بَسْطام ظل المشـير

 

وكان يَحُوكُ بـبـرزاطـيه

وحامـد يا قـوم لـو أمـره

 

إلَيً لألـزمـتـه الـراويه

نعم ولأرجعتـه صـاغـراً

 

إلى بيع رمان حضـراويه

وإسحاق عمران يدعى الأمير

 

لداهـية أيمـا داهـــية

فهذي الخلافة قـد وَدَعَـتْ

 

وَظَفَتْ على عرشها خاويه

فَخَـلِّ الـزمـان لأوغـاده

 

إلى لعنة اللّـه والـهـاويه

فيا ربّ قد ركب الأرذلـون

 

ورجليَ من رجلهم عالـيه

فإن كنت حامِلَنَا مـثـلـهـم

 

وإلا فأرحل بني الـزانـيه

جمع في شعره هذا جميع رؤساء أهل الدولة في ذلك العصر.

وأنشد أبو إسحاق الزّجَاج النحوي صاحب المبرد لابن بسام في المعتضد، وقد خَتَنَ ابنه جعفراً المقتدر:

انصرف الناس من ختـان

 

يدعون من جوعهم حزاما

فقلت: لا تعجبوا لـهـذا

 

فهكذا تخْتَنُ الـيتـامـى

وله أيضاً في المعتضد:

إلى كم لا نرى ما نرتـجـيه

 

ولا ينفكُّ من أمـلٍ كَـذُوب

لئن سَمَّوْكَ معتضـداً فـإنـي

 

أظنك سوف تعضد عن قريب

وله في الوزير العباس بن الحسن، وابن عمرويه الخراساني، وكان أمير بغداد يومئذ:

لعـن الـلّـه الـذي

 

قَلّدَ عباس الـوزاره

والذي وَلّى ابن عمرو

 

يه ببغـداد الإمـاره

فوزير شنج الوجـه

 

بطين كالـغـراره

وقفاً فيه سـنـامـا

 

ن ورأس كالخـياره

وأمير أعـجـمـيٌّ

 

كحمار ابن حمـاره

رحل الِإسلام عـنـا

 

بتـولـــيه الِإداره

وأنشدني في أبي الحسن جَحْظَة البرمكي المغني:

لجحظة المحسن عنـدي يد

 

أشْكُرُهَا منه إلى المَحْشَرِ

لما أراني وَجْهَ بـرذونـه

 

وصانني عن وجهه المنكر

وله في أبيه محمد بن نصر بن منصور بن بسام:

خبيصة تعقد من سُكَّـره

 

وبُرْمَةٌ تطبخ من قنـبـر

عند فتى أسمح من حاتـم

 

يطبخ قدرين على مجمره

وليس ذا في كـل أيامـه

 

لكنه في الدعوة المُنْكَرَه

في يوم لهو فظيع هـائل

 

ومجمع اللذات والقرقره

يقول للأكل من خـبـزه:

 

تَعْساً لهذا البطن ما أكبره

 وله في أبيه أيضاً:

خبز أبي جعفر طباشـيرُ

 

فيه الأفاويهُ والعقـاقـيرُ

فيه دواء لكل مُعْـضِـلة

 

للبطن والصدر والبواسير

وقصعة مثل مدهن صغراً

 

تزعق من حولها النواظير

ونَيْبلُ ما ترتجيه مـن يده

 

ما ليس تجري به المقادير

وله فيه:

بعثت لأستهديه عَيْراً ولم أكـن

 

لأعلم أن العير صار لنا صهراً

فَوَجَّه لي كي نستوي في ركوبه

 

فيركبه بطناً وأركبه ظـهـراً

وقال في جماعة من الرؤساء:

قل للرؤوس ومن تُرْجى نوافلهم

 

ومن يؤمل فيه الرِّفْدُ والعمـل

إن تشغلوني بأعمال أصيرهـا

 

شغلاً وإلا ففي أعراضكم شُغُلُ

وله أيضاً:

ما لـــي رأيتـك دائبــــاً

 

مسـتـسـخـطـاً أبـداً لـرزقـك

ارجع إلى ما تستحق

 

فإن قوتك فوق حقك

وله في عبيد اللّه بن سليمان الوزير:

عبيد الله ليس لـه مَـعَـاد

 

ولا عَقْل وليس لـه سَـدَاد

رددت إلى الحياة فعدت عنها

 

لقول اللّه: لو رُدوا لعـادوا

وله في القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان:

قل للمولّى دولة السلـطـان:

 

عند الكمال تَوَقُّعُ النقصـان

كم من وزير قد رأيت معظماً

 

أضحى بدار مَذلّة وهـوان

وله في عبيد اللّه بن سليمان:

لا بد يا نفس من سـجـود

 

في زمن القرد للـقـرود

هبتْ لك الريح يا ابن وهب

 

فخذ لها أهـبة الـركـود

وله في إسماعيل بن بلبل الوزير:

لأبي الصقر دولة

 

مثله في التخلُّفِ

مُزْنَةٌ حين أطمَعَتْ

 

آذنت بالتكشـف

وله في العباس بن حسن الوزير:

تحمَّلَ أوزار البرية كلهـا

 

وزير بظلم العالمين يجاهر

ألم تر أسباب الذين تقدمـوا

 

وكيف أتتهم بالبلاء الدوائر

وله في الوزير صاعد بن مخلد:

سجدنا للقرود رجاء دنيا

 

حوَتْها دوننا أيدي القرود

فما نالت أناملُنَا بشـيء

 

عملنا سوى ذل السجود

وله في العباس بن الحسن الوزير:

بَنَيْتَ على دجلة مجـلـسـاً

 

تباهى به فِعْلَ مَنْ قد مضى

فلا تفرحَنَ فكـم مـثـل ذا

 

رأيناه ما تم حتى انقضـى

وله في الوزيرعلي بن محمد بن الفرات:

وقفت شهوراً للوزير أعُـدُّهَـا

 

فلم تثنه نحوي الحقوقُ السوالفُ

فلا هو يرعى لي رعاية مثلـه

 

ولا أنا استحي الوقوف وآنَـفُ

وله في أبي جعفر محمد بن جعفر الغربلي:

سألت أبا جعفـر

 

فقال: يَدي تَقْصُرُ

فقلت له: عاجـلاً

 

يكون كما تذكـر

وله فيه:

لحية كَثَّةٌ أضر بها النَتْفُ ووجه مُشَوَّهٌ ملعون

 

قلت لما بدا يجمجم في القو

 

ل وَيَهْـذِي كأنـه مجنون:

صدق اللّه أنت مَنْ ذكَرَ

 

اللّه مَهِينٌ ولا يكاد يبين

 

           

وله في ابن المَرْزُبَانِ، وقد كان سأله دابة فمنعه:

بَخِلْتَ عني بمقرف عطب

 

فلن تراني ماعشت أطلبه

وإن تكن صُنْتَه فما خلـق

 

اللّه مصوناً وأنت تركبه

وله مما أحسن فيه:

تضمن لي في حاجتي ما أحـبـه

 

فلما اقتضيت الوعد قَطّب واعتلى

وصَيَّر عذراً شُغَله واتـصـالـه

 

ولولا اتصال الشّغل ما كان أشغلا

ولعلي بن محمد بن بسام في هذه المعاني أشعار كثيرة، اكتفينا بذكر البعض عن إيراد ما هو أكثر منه في هذا الكتاب، لما قدمنا ذكره فيما سلف قبله من الكتب، وقد كان أبوه محمد بن نصر بن منصور في غاية السرو والمروءة، وكان رجلًا مترفاً، حسن الزي، ظاهر المروءة، مشغوفاً بالناء.

وذكر أبو عبد اللّه القمي قال: دخلت عليه يوماً شاتياً، شديد البرد ببغداد، فإذا هو في قبة واسعة قد طليت بالطين الأحمر الأرمني، وهو يلوح بريقاً، فقدرت أن تكون القبة عشرين ذراعاً في مثله، وفي وسطها كانون بزرافين إذا اجتمع ونُصبَ كان مقداره عشرة أذرع في مثلها، وقد ملىء جمر الغَضَى، وهو جالس في صدر القبة، عليه غِلاَلة تسترية، وما فضل عن الكانون مفروش بالديباج الأحمر، فأجلسني بالقرب منه، فكدت أتلظّى، فدفع إلي جام ماء الورد وقد مزج بالكافور، فمسحت به وجهي، ثم رأيته قد استسقى ماء، فأتوه بماء رأيت فيه ثلجاً، فلم يكن لي وُكْدٌ إلا قطع ما بيني وبينه، ثم خرجت من عنده إلى برد مائع، وقد قال لي: لا يصلح هذا البيت لمن يريد الخروج منه.

طعام محمد بن نصر

قال: ودخلت عليه في بعض الأيام وهو جالس في موضع آخر في داره، وقد رفعه على بركة، وفي صدره صفة، وهو يُشْرِف منها على البستان، وعلى حِيرِ الغزلان، وحظيرة القماري وأشباهها، فقلت له: يا أبا جعفر، أنت واللّه جالس في الجنة، قال: فليس ينبغي لك أن تخرج من الجنة حتى تصطبح فيها، فما جلست واستقر بي المجلس حتى أتوه بمائدة جزع لم أر أحسن منها، وفي وسطها جام جزع ملونة، وقد لوى على جنباتها الذهب الأحمر، وهي مملوءة من ماء ورد، وقد جعل سافاً على ساف، كهيئة الصومعة من صدور الدجاج، وعلى المائدة سكرجات جزع فيها الأصباغ وأنواع الملح، ثم أتينا بسنبوسق يفور وبعدهُ جامات اللوزينج، ورفعت المائدة، وقمنا من فورنا إلى موضع الستارة، فقدم بين أيدينا إجانة صيني بيضاء قد كومت بالبنفسج والخيري، وأخرَى مثلها قد عبئ فيها التفاح الشامي قدرنا مقدار ما حضر فيها ألف تفاحة، فما رأيت طعاماً أنظف منه ولا ريحاناً أظرف منه، فقال لي: هذا حَقُّ الصَّبُوح، فما أنسى إلى الساعة طِيبَ ذلك اليوم.

قال المسعودي: وإنما ذكرنا هذا الخبر عن محمد بن نصر ليعلم أن علي بن محمد ابنه أخبر عنه بعدما كان عليه، وأنه لم يسلم من لسانه إنسان، وله أخبار وهجو كثير في الناس قد أتينا على مبسوطها فيما سلف من كتبنا، وما كان من قوله في القاسم بن عبيد اللّه، ودخوله إلى المعتضد وهو يلعب بالشطرنج ويتمثل بقول علي بن بسام:

حَيَاةُ هذا كمـوت هـذا

 

فليس تخلو من المصائب

فلما شال رأسه نظر إلى القاسم فاستحيا، فقال: يا قاسم، اقْطَعْ لسان ابن بَسَّامٍ عنك، فخرج القاسم مبادراً ليقطع لسانه، حتى قال له المعتضد: بالبر والشغل ولا تعرض له بسوء، فولاه القاسم البريد والجسر بجند قنسرين والعواصم من أرض الشام، وما كان من قوله في أسَدِ بن جَهْوَر الكاتب وخبره معه وما عم بهجائه أسداً وغيره من الكتاب وهو:

تَعِسر الزمان لقد أتى بعجـائب

 

ومحا رُسُومَ الظـرف والآداب

أو ما ترى أسَدَ بن جَهْور قد غدا

 

متشبهاً بـأجـلّةِ الـكـتـاب

وأتى بأقوام لو انبسـطـت يدي

 

فيهم رددتهم إلـى الـكـتـاب

وزراء المقتدر

ولما قتل العباس بن الحسن استوزر المقتدر علي بن محمد بن موسى بن الفرات يوم الأربعاء لأربع ليال خلون من ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائتين فكانت وزارته إلى أن سخط عليه ثلاث سنين وتسعة أشهر وأياماً. واستوزر محمد بن عبيد اللّه بن يحمى بن خاقان في اليوم الذي سخط فيه على علي بن محمد بن موسى بن الفرات، وهو يوم الأربعاء لأربع خلون من ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائتين وخلع عليه ولم يخلع على أحد غيره، وقبض عليه يوم الاثنين لعشر خَلَوْنَ من المحرم سنة إحدى وثلاثمائة.

وخير على الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح يوم الثلاثاء لِإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة إحدى وثلاثمائة، وقبض عليه يوم الاثنين لثمان خلون من ذيَ الحجة سنة أربع وثلاثمائة.

واستوزر علي بن محمد بن الفرات ثانية، وخلع عليه يوم الاثنين لثمان خلون من ذيَ الحجة سنة أربع وثلاثمائة، وقبض عليه يوم الخميس لأربع بقين من جمادى الأولي سنة ست وثلاثمائة.

وخلع علي الوزير حامد بن العباس يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثمائة، وأطلق علي بن عيسى في اليوم الثاني من وزارته، وهو يوم الأربعاء، وفوضت الأمور إليه، وقبض على حامد بن العباس.

واستوزر علي بن محمد بن الفرات، وهي الثالثة من وزارته، وقد كان ولده محسن بن علي هو الغالب على الأُمور في هذه الوزارة، فأتى على جماعة من الكتاب ثم قبض عليه وعلى ولده، على حسب ما قدمنا من خبرهما في صدر هذا الباب.

واستوزر المقتدر عبد اللّه بن محمد بن عبيد اللّه الخاقاني، ثم استوزر بعده أحمد بن عبيد اللّه الخصيبي، ثم استوزر علي بن عيسى ثانية، ثم استوزر أبا علي محمد بن علي بن مقلة، تم استوزر بعده سليمان بن الحسن بن مخلد، ثم استوزر بعده عبيد اللّه بن محمد الكلواذي، ثم استوزر بعده الحسين بن القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان بن وهب، وهو المقتول بالرقة، ثم استوزر بعده الفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات.

مقتل المقتدر

وقتل المقتدر بالله ببغداد وقت صلاة العصر يوم الأربعاء لثلاث ليال بقين من شوال سنة عشرين وثلاثمائة، وكان قتله في الوقعة التي كانت بينه وببن مؤنس الخادم بباب الشماسية من الجانب الشرقي، وتولّى دفن المقتدر العامة وكان وزيره في ذلك اليوم أبا الفتح الفضل بن جعفر بن موسى بن الفرات على حسب ما ذكرنا.

وذكر أن الفضل أخذ الطالع في وقت ركوب المقتدر بالله إلى الوقعة التي قتل فيها، فقال له المقتدر: أي وقت هو؟ فقال. وقت الزوال، فقطّبَ له المقتدر، وأراد أن لا يخرج حتى أشرفت عليه خيل مؤنس، فكان آخر العهد به من ذلك الوقت.

السادس من بني العباس

وكل سادس من خلفاء بني العباس مخلوع مقتول، فكان السادس منهم محمد بن هارون المخلوع، والسادس الآخر: المستعين، والسادس الآخر: المقتدر باللّه.

وللمقتدر أخبار حسان، وما كان في أيامه من الحروب والوقائع، وأخبار ابن أبي الساج وأخبار مؤنس وأخبار سليمان بن الحسن الحماني وما كان منه بمكة في سنة عشرة وثلاثمائة وغيرها، وما كان في المشرق والمغرب وقد أتينا على جميع ذلك في كتابنا أخبار الزمان مفصلاً، وفي الكتاب الأوسط مجملاً، وذكَرنا منه في هذا الكتاب لمعاً، وأرجو أن يفسح اللّه لنا في البقاء ويمدَّ لنا في العمر ويسعدنا بطول الأيام، فنعقب تأليف هذا الكتاب بكتاب آخر نضمنه فنون الأخبار، وأنواعاً من ظرائف الآثار، على غير نظم من تأليف، ولا ترتيب من تصنيف، على حسب ما يسنح من فوائد الأخبار، ويوجد من نوادر الآثار، ونترجمه بكتاب وصلِ المجالس بجوامع الأخبار ومخلط الآداب، تالياً لما سلف من كتبنا، ولاحقاً لما تقدم من تصنيفنا.

وفاة موسى بن إسحاق الأنصاري

كانت وفاة موسى بن إسحاق الأنصاري القاضي في خلافة المقتدر، وذلك في سنة سبع وتسعين ومائتين، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة الفقيه الكوفي، ودفن في الجانب الشرقي، وكان هذان من علماء أهل الحديث وكبار أهل النقل.

غرق البيت الحرام

وورد الخبر إلى مدينة السلام بأن أركان البيت الحرام الأربعة غرقت حتى عَمَّ الغرق الطواف وفاضَتْ بئر زمزم، وأن ذلك لم يعهدوه فيما سلف من الزمان.

وفيات

وفيها كانت وفاة يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد القاضي، وذلك في شهر رمضان بمدينة السلام، وهو ابن خمس وتسعين سنة، وقيل: إن في هذه السنة كانت وفاة محمد بن داود بن علي بن خلف الأصبهاني الفقيه، وقد قدمنا ذكْره، وأن وفاته كانت في سنة ست وتسعين ومائتين وإنما حكينا الخلاف في ذلك. وفي هذه السنة- وهي سنة سبع وتسعين ومائتين- كانت وفاة ابن أبي عوف البروري المعدل ببغداد، وذلك في شوال، وهو ابن نيف وثمانين سنة، ودفن في الجانب الغربي.

وإنما نذكُر هؤلاء لنقلهم السنن، واشتهارهم بذلك، وحاجة أهل العلم وأصحاب الآثار إلى معرفة وقت وفاتهم.

وفيها مات أبو العباس أحمد بن مسروق المحدث وهو ابن أربع وثمانين سنة، ودفن بباب آل حرب من الجانب الغربي.

وقد قدمنا في هذا الكتاب أخبار مَنْ ظهر من آل أبي طالب في أيام بني أُمية وبين العباس، وفي غيره مما سلف من كُتُبنا، وما كان من أمرهم من قَتْل أو حَبْس أو حرب.

ظهور طالبي في مصر

وقد كان ظهر بصعيد مصر أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فقتله أحمد بن طولون، بعد أقاصيص وقد أتينا عليها فيما سلف من كُتُبنا.

وإنما نذكُر مَنْ ظهر من آل أبي طالب واللمع من أخبارهم في هذا الكتاب لاشتراطنا فيه على أنفسنا من إيراد ذكْرِهم ومقاتلهم، وغير ذلك من أخبارهم من منذ قتل أمير المؤمنين إلى الوقت الذي ينتهي إليه تصنيفنا لهذا الكتاب.

وكانت وفاة يحيى بن الحسين الحسني الرسيّ بعد أن قطن بمدينة صَعْدَةَ من أرض اليمن في سنة ثمان وسبعين ومائتين، وقام بعده ولده الحسن بن يحيى.

وكان ظهور ابن الرضا- وهو محسن بن جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد- في أعمال دمشق في سنة ثلاثمائة، وكانت له مع أبي العباس أحمد بن كيغلغ وقعة فقتل صبراً، وقيل: قتل في المعركة، وحمل رأسه إلى مدينة السلام فنصب على الجسر الجديد بالجانب الغربي.

ظهور الأطروش العلوي

وظهر ببلاد طبرستان والديلم الأطروش- وهو الحسن بن علي- وأخرج عنها المسودة، وذلك في سنة إحدى وثلاثمائة، وقد كان ذا فهم وعلم ومعرفة بالآراء والنحل، وقد كان أقام في الديلم سنين، وهم كُفّار على دين المجوسية ومنهم جاهلية، وكذلك الجيل، فدعاهم إلى اللّه عز وجلّ، فاستجابوا وأسلموا، وقد كان للمسلمين بإزائهم ثغور مثل قزوين وغيرها. وبنى في الديلم مساجد، والديلم زعم كثير من الناس من ذوي المعرفة بالنسب أنهم من ولد باسل بن ضبة بن أدَد وأن الْجيل من تميم، وقد قيل: إن دخول الأطروش إلى طبرستان كان في أول يوم من المحرم سنة إحدى وثلاثمائة، وإن في هذا اليوم دخل صاحب البحرين البصرة، وقتل أميرها طمسك المفلحي، وقد أتينا على خبر الأطروش العلوي وخبر ولده وخبر أبي محمد الحسن بن القاسم الحسني الداعي واستيلائه على طبرستان ومقتله، وما كان من الجيل والديلم في أمره في كتابنا أخبار الزمان.

وفيات

وكانت وفاة أبي العباس أحمد بن عمر بن سُرَيج القاضي في سنة ست وثلاثمائة.

وكانت وفاة أبي جعفر محمد بن جرير الطبري الفقيه ببغداد في سنة عشر وثلاثمائة، وكانت وفاة أبي إسحاق إبراهيم بن جابر القاضي بحلب، وأدخل الليث بن علي بن الليث بن الصفار إلى مدينة السلام على الفيل في سنة سبع وتسعين ومائتين وقدامه الجيش وحوله، وقد شهر، وقيل: إن الليث أدخل إلى مدينة السلام في سنة ثمان وتسعين ومائتين.

وفي هذه السنة- وهي سنة ثمان وتسعين ومائتين- مات ببغداد أبو بكر محمد بن سليمان المروزي، المحدث، صاحب الجاحظ، وقيل أيضاً: إن وفاته كانت في سنة ثمان وتسعين.

أحداث

وفي هذه السنة كان دخول فارس صاحب مراكب الروم وحربها إلى ساحل الشام، فافتتح حصن القبة بعد حرب طويل، وعدم مغيث بغيثهم من المسلمين، وافتتح مدينة اللاذقية فسبى منها خلقاً كثيراً، ووقع بالكوفة بَرَدٌ عظيم الواحدة رطل بالبغداي، وريح مظلمة، وذلك في شهر رمضان، وانهدم كثير من المنازل والبنيان، وكان فيها رَجْفة عظيمة هلك فيها خلق كثير من الناس، هذا كان بالكوفة في سنة تسع وتسعين ومائتين وكان بمصر في هذه السنة زلزلة عظيمة، وفيها طلع نجم الذنب. وفيما غزا دمنانة صاحب الغزو بالبحر الرومي في مراكب المسلم جزيرة قبرص، وقد كانوا نَقَضُوا العهد الذي كان في صدر الِإسلام: ألا يعينوا الروم على المسلمين ولا المسلمين على الروم، وأن خراجه نصفه للمسلمين ونصفه للروم، وأقام دمنانة في هذه الجزيرة أربعة أشهر يَسْبِ ويحرق ويفتح مواضع قد تحصن فيها، وقد أتينا على خبر هذه الجزيرة فيه سلف من هذا الكتاب عند إخبارنا عن جمل البحار وَمَبَادي الأنهار ومطارحها؛ فمنع ذلك من إعادة وصفها.

موت ابن ناجية

وفي سنة إحدى وثلاثمائة مات عبد اللّه بن ناجية المحدث بمدينة السلام، وكان مولده في سنة اثنتي عشرة ومائتين.

ابن الجصاص

وكان القبض على ابن الجَصَّاص الجوهري بمدينة السلام في سنة اثنتين وثلاثمائة، والذي صح مما قبض من ماله من العين والوَرِقِ والجوهر والفرش والثياب والمستغلات خمسة آلاف ألف وخمسمائة ألف دينار.

وفاة القاسم بن الحسن بن الأشيب

وفيها مات القاسم بن الحسن بن الأشيب- ويكنى أبا محمد- يوم الاثنين لليلتين بَقِيَتَا من جمادى الأولى، وكان من كبار العلماء والمحدثين، ودُفن في الجانب الغربي في الشارع المعروف بشارع الحمالين، وحضر جنازته محمد بن يوسف القاضي، وأبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول القاضي، وغيرهما من الفقهاء والعدول والكتاب وأهل الدولة، وهو أبو أبي عمران موسى بن القاسم بن الحسن المعروف بابن الأشيب، وهو كبير من فقهاء الشافعيين في هذا الوقت.

غارة البربر على مصر

وفي هذه السنة- وهي سنة اثنتين وثلاثمائة- ورد الجيش من الغرب؛ فكان لأهل مصر من أصحاب السلطان معهم بمصر حروب عظيمة، وقتل فيها خلق كثير، واستأمن رجل من وجوه البرابرة يعرف بأبي جرة إلى السلطان، وسار إلى مدينة السلام، فخلع عليه.

ابن أبي الساج

وفي سنة سبع وثلاثمائة أدخل يوسف بن أبي الساج إلى مدينة السلام، وقد شهر على الجمل الفالج وعليه دراعة الديباج التي لبسها عمرو بن الليث ووصيف الخادم، وعلى رأسه برنس طويل بشقائق وجلاجل، وحوله الجيوش ومؤنس الخادم وراءه مع سائر أرباب الدولة من أصحاب السيوف، وقد أتينا على خبر هذه الوقعة التي أسَرَ فيها مؤنسٌ الخادم ابْنَ أبي الساج بناحية أردبيل، ومن حضرها من الأمراء مثل ابن أبي الهيجاء عبد اللّه بن حمدان، وعلي بن حسان، وأبي الفضل المروي، وأحمد بن علي أخي صعلوك، وغيرهم من الأمراء والقواد، وذكرنا تخليلة المقتدر لابن أبي الساج، وخروجه من ديار ربيعة ومضر ومسيره إلى أعماله من بلاد أذربيجان وأرمينية، وما كان من غلامه سبك واستيلائه على عمل مولاه ومفارقته الفارقي، وما كان من سائر أخبار ابن أبي الساج ومسيره إلى واسط، ثم مسيره إلى الكوفة، وما كان من خبره في حربه لأبي طاهر سليمان بن الحسن الجنابي وأسره إياه وقتله له نحو الأنبار وهيت حين أشرف على سواده بليق ونظيف غلام ابن أبي الساج، وما كان في هذه الوقعة وَهَزْمه لبليق ونظيف، ومسير القرمطي ونزوله على هيت، وغير ذلك، وذلك في سنة خمس عشرة وثلاثمائة، فيما سلف من كتبنا، وكذلك ذكرنا ما كان من مؤنس الخادم، ومن كان معه من أولياء السلطان من القتال لجيش صاحب المغرب بمصر، وذلك في سنة سبع وثلاثمائة.