الفصل الخامس: ما هو الإنسان

- لغز الإنسان

نخلص ممّا سبق من التحاليل إلى أنّ الإنسان لغز يستعصي حلّه على الإنسان نفسه . إذًا كان الإنسان يجهل حقيقته ، ولا يدرك من كيانه سوى ما ظهر له منه . في هذا السياق ثمّة نوعان من الأجوبة الشاملة المستقاة من خبرة الحياة عن السؤال : ما هو الإنسان ؟ مثال الجواب الأوّل نجده عند الشاعر اليونانيّ بينداروس ، حيث قال : “ إنّ الإنسان إن هو إلاّ حلمٌ راود الظلّ ” . ومثال الجواب الثاني نجده عند المفكّر الفرنسيّ باسكال ، حيث قال : “ ليس الإنسان سوى قصبة ، أي أضعف ما في الطبيعة ، لكنّه قصبةٌ تفكّر ... ولو اجتمع كلّ ما في الكون فسحق الإنسان ، بقى الإنسان أكرم من قاتِله ، لأنّه يعلم أنّه يموت ويعلم تفوّق الكون عليه ، في حين أنّ الكون لا يعلم شيئًا من ذلك ” . ويخاطب باسكال أيضًا عقل الإنسان الضعيف وطبيعته السقيمة قائلاً : “ اعلما أنّ الإنسان يفوق الإنسان للغاية ، وتعلّما من معلّمكما ما هي وضعيّتكما الحقيقيّة التي تجهلونها ، استمعا لله ” . ونجد عند المفكّر الروسيّ تولستوي جوابًا يجمع فيه فحوى المثالين المتقدّمين ، حيث قال : “ يعرف الإنسان أنّه إله ، وهو في ذلك على حقّ ، لكون الله ماثلاً فيه . ويعرف أنّه خنزير ، وهو في ذلك على حقّ ، لكون الخنزير ماثلاً فيه . لكنّه يقع في خطإ فادح متى اعتبر الخنزير إلهًا ” .

2- النظريّات التقليديّة في الإنسان

أمّا إذا انتقلنا إلى النظريّات ، وجدنا من المذاهب ما هو أحيائيّ أو نفسيّ أو اجتماعيّ الطابع ، في مقابل ما هو ماورائيّ مادّيّ أو روحيّ ، أو دينيّ الطابع . لا حاجة هنا لعرض مفصَّل للنظريّات الأنتروبولوجيّة العلميّة أو الماورائيّة أو الدينيّة . يكفي عرض مقتضب لبعض النظريّات الفلسفيّة .

أوّلاً ، تتميّز حركة التفكير الفلسفيّ بأنّها انتقال من المعطيات إلى شروطها . وتطبيقها على معطيات الأنظومة الثقافيّة يُحيل من التفكير في القيم والأنشطة والوظائف إلى التفكير في كيان الإنسان ذاته . فإذا تفحّصنا قائمة الوظائف التي تفترضها الأنشطة الثقافيّة المختلفة ، وجدنا أنه يمكن ردّ هذه الوظائف إلى عاملَين أساسيَّين ، هما العقل والرغبة . والتصرّفات الواقعيّة تفترض تلازم فعل وجه المعرفة ووجه الطاقة . لكنّ الاختبار يُظهر أيضًا أنّ جملة من التصرّفات يظهر فيها تحكّم العقل ، وأنّ جملة أخرى من التصرّفات تعبّر عن تحكّم الرغبة العمياء . من ذلك ينتج التعارض بين الإرادة والهوى في مجال الفعل ، وتعارض الصواب والخطإ في مجال المعرفة .

هذا الاختبار النفسيّ يتوافق مع الاختبار الأخلاقيّ والدينيّ ، حيث يؤدّي إلى الثنائيّة المانويّة . في هذه النظريّة ، يتحدّد الإنسان بأنّه نفس وجسد ، روح ومادّة . فهو يتميّز من الكائنات المادّيّة الصرف ، الحيّة وغير الحيّة ، ومن الكائنات الروحيّة الصرف ، بأنّه في آن مادّة وحياة وروح . وفي النظر الدينيّ والأخلاقيّ هذا ما يفسّر الاندفاع الطبيعيّ عند الإنسان نحو الشرّ ، وطلب ما هو خير وإلهيّ . وصراع الإلهين أو مبدأَي الخير والشرّ يتجلّى نفسيًّا في تنازع العقل والرغبة في الإنسان .

حتّى لو تجاوزنا هذه المرحلة من الفكر الأسطوريّ والماورائيّ ، نُبقي على الفرق ، بل التعارض ، بين الذات العقليّة والذات الاختباريّة ، بين الأنا الذاتيّ je والأنا الموضوعيّ moi ، بين العقل والطبيعة ، أو بين الحرّيّة والحتميّة بما هما ميزتان جوهريّتان للروح وللطبيعة ، ممّا يجعل الإنسان إمّا بالحريّ ذاتًا أو بالحريّ موضوعًا ، أو أيضًا بين الوعي واللاوعي ، أي بين الذات الصوريّة والقبْليّة المتميّز بالمعرفة والحياة الروحيّة الداخليّة وبين عالم الغرائز والدوافع .

ثانيًا ، حيث يبقى أنّ الكائن الإنسانيّ يتقوّم بعنصرين ، كان السؤال عن نوع العلاقة بينهما وعن إمكان ردّهما إلى الوحدة . المواقف من هذا الموضوع أربعة .

الموقف الأوّل لا يعتبر الروح والمادّة ، أي النفس والجسد ، حقيقتين مستقلّتين أي جوهرين ، بل مبدأين جوهريَّين أي مبدأين يتألّف منهما الكائن . موقف كهذا يتجاوز الثنائيّة الصرف ، حيث يُثبت في آن الثنائيّة والوحدة . وذلك بمعنى أنّ الكائن الإنسانيّ مركَّب من روح ومادّة باعتبارهما مبدأَي الكيان ، وبمعنى أنّ الأفعال الإنسانيّة لا تُنسَب إلى هذا المبدإ أو ذاك ، بل إلى الكائن الواحد الناتج من اتّحاد المبدإ الروحيّ والمبدإ المادّيّ . هذا الموقف هو تطبيق للنظريّة الأرسطويّة في العلاقات بين الهيولى والصورة hylémorphisme .

الموقف الثاني موقف الثنائيّة كما عند ديكارت ، القائل بأنّ النفس والجسد يتحدّدان بأنّهما حقيقتان مستقلّتان وأنّ لهما ميزات متعارضة . فالنفس جوهر روحيّ يفكّر وله حياة داخليّة . والجسد جوهر مادّيّ ، وهو جزء من المدى ، مركَّب من أجزاء مستقلّة بعضها عن بعض . واتّحاد النفس والجسد هو إذًا بالأحرى نوع من تجاور يتيح التفاعل بين هاتين الحقيقتين . وبالتالي ، إلى أنشطة النفس والظاهرات الخاصّة بالجسد ، كان ثمّة ما ينتج من فعل النفس في الجسد ، وهي الإرادات ، وما ينتج من فعل الجسد في النفس ، وهي الانفعالات . وعليه كان للنفس حالة الفعل وحالة الانفعال . يبقى شرح كيفيّة فعل كلٍّ من الطرفَين الواحد في الآخر . لهذا الغرض ، تحاول نظريّة “ الأرواح الحيوانيّة ” esprits animaux تخطّي المفارقة القائمة بواقع تأثير الروح في المادّة وتأثير المادّة في الروح .

تحاشيًا للمأزق الذي تؤدّي إليه هذه الثنائيّة ، قامت محاولات لتأسيس وحدانيّة الإنسان . وذلك للتوافق مع الاختبار حيث يظهر الكائن الإنسانيّ واحدًا وليس تجاور جوهرَين ، وللتوافق مع المبدإ الماورائيّ القائل بالوحدة شرطًا للكيان . في هذا المنحى ثمّة طريقان يتعارضان جذريًّا ، هما الوحدانيّة الروحيّة القائلة بأنّ المادّة صورة عن الروح ، والوحدانيّة المادّيّة القائلة بأنّ الروح خاصّة من خصائص المادّة . تجدر الإشارة إلى أنّ جذريّة التعارض بين الموقفين هي التي تتيح تلاقيهما في نهاية مقصد كلٍّ منهما .

ثمّة موقف لا يقول بالجوهريّة في حين أنّه يُبقي على لفظتَي مادّة وروح التقليديّتين . في هذا السياق ، كتب مرلو-بونتي : “ ليس الروح نوعًا جديدًا من الكيان ، بل هو شكل جديد من أشكال الوحدة ” .

ثالثًا ، كيف يتحدّد إطار الأسئلة في كيان الإنسان . الإطار الأوّل ، التقليديّ ، أساسه نظرة ماورائيّة . ففيه يُقصَد تحديد ذات الإنسان أو طبيعته . البحث المنطقيّ عن الذات يهدف إلى احتوائها في مفهوم وتحديد . مثال ذلك تحديد الإنسان بأنّه حيوان ناطق ، علمًا أنّ النطق - أو العقلانيّة - هو الفصل النوعيّ الذي يتميّز به ضمن جنس الحيوانيّة . والبحث الأنطولوجيّ عن الطبيعة يهدف إلى تحديد ما هو في الكائن الإنسانيّ منبع الأفعال . في هذا السياق ، هي النفس ، أي الروح ، منبع الأفعال التي يتميّز بها الإنسان .

الإطار الثاني أنتروبولوجيّ الطابع . وهو يقصد حقيقة الإنسان في واقعه . فلا يهدف البحث إلى معرفة ذات الإنسان أو طبيعته ، بل إلى فهم الوجود الإنسانيّ أو الوضعيّة الإنسانيّة ، أي الحرّيّة الفرديّة في واقعها ومسؤوليّتها ، ثمّ الشخصيّة الشاملة كما تقولبها نماذج المجتمع والثقافة المختلفة .

خلاصة القول أنّه ، أيًّا كانت تصوّرات الكائن الإنسانيّ ، أكانت ماورائيّة أم ظواهريّة أم روحيّة أم مادّيّة ، يمكن ردّها إلى ثلاثة أشكال . فقد يُعتبَر هذا الكائن في شكل الجوهر ، أو في شكل الطاقة ، أو في شكل الصورة أو البنية .

مفهوم الجوهر يتضمّن استمرار ما هو واحد في ذاته ، أو بقاءَه ، في ما وراء تغيّراته أو تجلّياته الكثيرة والمختلفة . في هذا السياق ، يمكن اعتبار النفس والجسد والروح والمادّة حقائق مستقلّة محدَّدة ويمكن مشاهدتها في المظاهر التي تمكّن من تحليلها ووصفها . مثال على ذلك قول أرسطو بالجوهر والأعراض ، وقوله بأنّ الإنسان جوهر واحد مركَّب من مادّة وروح هما بمثابة الهيولى والصورة .

على عكس ذلك ، يركّز مفهوم الطاقة على ديناميّة الكائن الإنسانيّ ، تلك التي تجعله متغيّرًا في ذاته ، وبالتالي ممتنع التحديد قبل أن تنتهي سلسلة تغيّراته . في هذا السياق تُعتبَر مفاهيم إرادة الحياة عند شوبنهاور ، والوثوب الحيويّ والتطوّر الخلاّق عند برغسون ، والوجود عند الوجوديّين ، والإرادة أو إرادة القدرة عند نيتشه ، والتاريخ عند ديلتاي ، والعمل عند ماركس ، والرغبة أو الدافع عند فرويد ، والشخص والمودّة عند الشخصانيّين ، مقارباتٍ تهدف جميعًا لا إلى فرز الكائن الإنسانيّ لكي تحدّده ، بل إلى إدراك الكائن الإنسانيّ في حركته ذاتها بما هو القدرة على الكيان .

أمّا مفهوم الصورة أو البنية ، فإنّه ينتج من نظرة منطقيّة ورياضيّة للكائن الإنسانيّ . فالـ “ أنا أفكّر ” - “ كوجيتو ” cogito - الذي قال به ديكارت ، متى تجرّد من كلّ أثر ماورائيّ وحسّيّ ، صار الأنا الصوريّ والقبْليّ ego transcendantal ، على ما ذهب إليه المثاليّون الألمان . لكنّ الذات الصوريّة والقبْليّة ، بعد أن كانت تتحدّد بالوجدان ، صارت ، عند البنيويّين الفرنسيّين ، تتحدّد بأنّها شبكة علاقات ، حيث البنية صارت أمرًا صوريًّا وقبْليًا من دون ذات ، كما وصفها ريكور Ricœur ، أي صورة من دون محتوى ، إذ صارت هي نفسها المحتوى .

في مقابل هذه المذاهب ، يمكن ذكر مقاربة للكيان الإنسانيّ قام بها هايدغر . فهو لا يقول بأنتروبولوجيا فلسفيّة ، بل يعبّر عن الكيان الإنسانيّ ، انطلاقًا من الكينونة ، بتسميته “ دازَين ” Dasein ، ويشرح معنى هذه الكلمة بتحليلها إلى ما تألّفت منه ، أي اللفظة الألمانيّة “ دا ” ومعناها “ هنا ” أي الحضور ، و “ زَين ” ومعناها “ الكينونة ” أو “ أن يكون ” . فيحصل من هذا التركيب ما يسمّى “ أن يكون هنا ” . ويشرح هايدغر معنى “ دازَين ” بربطه بالكلمة اليونانيّة “ أليتيا ” 2k–heia التي هي بدورها مركّبة من “ أ ” بمعنى “ لا ” النفي ، ومن “ ليتيا ” بمعنى “ المخفيّ ” أو “ الخفاء ” ، فيكون معنى “ أليتيا ” “ الانكشاف ” أو ، كما عند بعض الفلاسفة والعرفاء ، “ كشف المحجوب ” . من هنا كان الإنسان الكائن الذي يسأل عن الكينونة ، أو الكائن الذي فيه تتجلّى الكينونة .

3- مقاربة أنتروبولوجيّة للإنسان

بعد عرض هذه النماذج لتصوّر الكيان الإنسانيّ عند الفلاسفة ، يمكن تفصيل تصوّر أنتروبولوجيّ لهذا الكيان ، وذلك بعرض أبعاد الكائن الإنسانيّ ، أي العوالم التي ينتمي إليها ، ثمّ بعرض التوتّرات التي يتقوّم بها هذا الكائن ، ثمّ بعرض الاختبارات النموذجيّة التي تُظهر الكائن الإنسانيّ بكلّيّته ، ثمّ بعرض الأشكال الواقعيّة الشاملة التي تتجلّى فيها الحقيقة الإنسانيّة .

3-1- أبعاد الكائن الإنسانيّ أو العوالم التي ينتمي إليها

يمكن تمييز ثلاث مجموعات تتألّف كلٌّ منها من ثلاثة عوالم ينتمي إليها الكائن الإنسانيّ . ممّا يبيّن تعدّد أبعاد هذا الكائن المعقَّد التركيب والمستعصي على التحديد في صيغة بسيطة .

المجموعة الأولى تُظهر الإنسان متجذّرًا في الحياة والمادّة ، وقائمًا في الطبقة الثالثة من طبقات الكائنات . فالإنسان ، بما هو جسد ، ينتمي إلى عالم المادّة التي تتميّز بالجمود . من هنا كان بُعده الكونيّ . وهو ، لكونه جسدًا حيًّا ، يتقوّم بميل أو طاقة يتحدّد بها بُعده الأحيائيّ . وهو نفس أو روح حيّ متميّز بالوعي واللاوعي ، وبالتالي فهو ينتمي إلى عالم النفسيّة psukhè wtv– فيكون له بذلك بُعد نفسيّ . على هذا الصعيد يتكوّن الفرد الإنسانيّ في شكل شخصيّة متميّزة . ومفهوم الشخص يضيف إلى مفهوم الفرد ميزة الانفتاح على ما هو آخر ، بحيث تمتدّ أبعاد الكائن الإنسانيّ إلى اللامتناهي .

المجموعة الثانية تعبّر عن هذا الامتداد في مجال المجتمع والتاريخ . في هذا الإطار ، ثمّة البُعد الاجتماعيّ يحدّد الكائنَ الإنسانيّ بأنّه كائن علائقيّ ، ويجعل المؤسّسة من بين مقوّمات الوضعيّة الإنسانيّة . وثمّة البُعد التاريخيّ يحدّد الكائنَ الإنسانيّ بأنّه كائن في صيرورة ، ويُضفي على هذا الصيرورة طابعًا جدليًّا أساسيًّا . وأخيرًا ثمّة البُعد الثقافيّ الذي ينسب الإنسان في آن إلى العالم الاجتماعيّ والعالم التاريخيّ ، يكشف عمّا في الإنسان من طاقة خلاّقة ومن ارتباط بمقاييس هي شروط الاجتماعيّة والتاريخيّة ، ويكشف عن كون الإنسان إمكانَ الكيان أو قدرةً على الكيان .

المجموعة الثالثة تجعل أبعاد الكائن الإنسانيّ تمتدّ إلى ما هو أبعد من حدود وضعيّته ، وتبيّن أنّ حقيقة الإنسان الواقعيّة تتجاوز حدود ما اعتُبر الكون الإنسانيّ ، فهي تبيّن ، كما قال باسكال ، أنّ الإنسان يتجاوز الإنسان . على هذا النحو ، ثمّة البُعد القيَميّ ، المقارب للبُعد الثقافيّ والمتميّز منه ، يُدخل الكائن الإنسانيّ في عالم القيم المثاليّة المعتبَرة مطلقة وكلّيّة ، ويحدّد هذا الكائن بأنّه ما يجب أن يكون ، مُعطًى لذاته كمهمّة ومشروع وقيمة عليه أن يتمّمها . وثمّة البُعد الأنطولوجيّ يضع الكائن الإنسانيّ في الكينونة ، ويكشف عن امتياز هذا الكائن ، وهو كونه “ المكان الوحيد حيث يظهر فهم الكينونة الشاملة ” ، بحيث “ كان التفكّر في الكينونة هو دومًا تفكّر في الإنسان المفكّر في الكينونة ” ، وبحيث أنّ “ فهم الكينونة هو تحديد كيان الإنسان ” . وأخيرًا ، في التصوّر الدينيّ ، ثمّة البُعد الدينيّ للكائن الإنسانيّ يجعله قادرًا على ملاقاة المطلق ، باعتباره أساسه الأخير ، في شكل المقدَّس أو في شخص الله عينه .

هذا التحليل لأبعاد الكائن الإنسانيّ المختلفة لا يعني إغفال كون هذا الكائن كلاًّ . وتصوّر هذه الكلّيّة ليس سوى تصوّر الروابط التي تجمع هذه العناصر في بنية . ثمّة طريقة لتصوّر شامل لأبعاد الكائن الإنسانيّ يجعلها مرتبطة بعضها ببعض بعلاقة احتمال واستعادة وتجاوز . بهذا المعنى يقوم الكونيّ بدور الحامل للأحيائيّ ، في حين أنّ هذا الأحيائيّ يستعيد الكونيّ ويتجاوزه . على هذا النحو يُجمل الدينيّ العوالم الأخرى ، وبذلك يكون بمثابة العالم الأشمل والأفعل . لكن ، من وجه آخر ، فالاستعادة والتجاوز لا يزول بهما التوتّر ، إذ تبقى كثرة الأوجه واختلافها .

كون الإنسان ينتمي إلى عوالم مختلفة يجعله موضوع توتّرات أو تجاذبات .

3-2- توتّرات الكائن الإنسانيّ

تعني التوتّرات نوع العلاقات بين العناصر أو الأوجه المختلفة ، بل المتناقضة ، التي يتقوّم بها الكائن الإنسانيّ . والتوتّرات تظهر بين وجهين أو عنصرين من أوجه أو عناصر الكيان الإنسانيّ .

أوّلها التوتّر القائم بين الكيان والوجدان . وهو يعبّر عمّا سمّي ، في لغة ماورائيّة تقول بالجوهر ، النفس والجسد والمادّة ، وفي لغة ظواهريّة ، ذات وموضوع . فالإنسان هو في آن كيان ووجدان ، فهو إذًا من الكيان ، في حين أنّه يبدو خارج الكيان لكونه في مقابل الكيان وعيًا للكيان .

ثانيها التوتّر القائم بين الطبيعة والحرّيّة . وهو ينشأ من التوتّر الأوّل ، إلاّ أنّه يعني على الأصحّ حكم الإنسان المزدوج ، حيث كان الإنسان في آن محكومًا بشروط وضعيّته وغير محكوم بل حاكمًا نفسه بنفسه ، أي أنّه لا يفعل بتأثير علل خارجيّة ، بل بتأثير دوافعه الذاتيّة متى تحكّم بها العقل . ويعني هذا التوتّر أيضًا أنّ النشاط الإنسانيّ يتلازم فيه وجه الآليّة والتكرار ووجه الإبداع والتجديد .

ثالثها التوتّر القائم بين المفرد والكلّيّ . وهو التوتّر القائم بين تقييم ما يجعل الإنسان متفرّدًا ، لا قياس له مشترك مع غيره ، ويمتنع التواصل معه ، ومتعذّر الاستبدال ، من جهة ، وتجاوز الذات نحو ما هو مشترك وموضوع اتّصال ممكن وما يجمع ما بين المختلف ، وما يحدّد ذاتًا مشتركة ويكون مقولة ومفهومًا وفكرة مجرّدة ، من جهة ثانية . وعلى هذا النحو يقوم التوتّر بين المثال الأفلاطونيّ وتحقيقاته ، وبين الكلّيّات والمحسوسات ، وبين الطبيعة الإنسانيّة والوضعيّات الإنسانيّة ، وبين المثال الإنسانيّ والأقدار الشخصيّة .

رابعها التوتّر القائم بين الذات العقليّة والذات التجريبيّة ، ممّا يجعل الإنسان في آن طبيعة وجسدًا وأهواء ومتأثّرًا بالحتميّات ، وعقلاً أهلاً لإدراك الكلّيّ وقادرًا على الترابط المنطقيّ والسيطرة والتحكّم .

خامسها التوتّر القائم بين الشخص والجماعة ، أي بين الفرد والمجتمع ، وبين الإرادة الخاصّة والإرادة العامّة ، وبين المصلحة الخاصّة والخير العامّ . ويعني أنّ الكائن الإنسانيّ يفقد من إنسانيّته بقدر ما يُعنى بشخصه على حساب الجماعة ، وأيضًا بقدر ما تقوم الجماعة باستلاب الأشخاص .

سادسها التوتّر القائم بين الطبيعة والثقافة ، حيث قامت العلاقة بين المعطى والمكتسَب . فالمعطى هو مجموع الإمكانات التي توفّرها بنية الجهاز الإنسانيّ الطبيعيّة . والمكتسَب يكون باستثمار هذه الإمكانات وتحقيق هذه الطاقات الكامنة بواسطة العمل . وعلى هذا النحو تبدو الثقافة تعبيرًا عن الطبيعة ، باعتبار الطبيعة المعطى الأحيائيّ والنفسيّ والاجتماعيّ الذي هو شبه معطى ، وأيضًا العقل والوجدان والحرّيّة الخلاّقة .

سابعها التوتّر القائم بين الواقع والقيمة ، أي بين المعياريّ والوضعيّ ، بين المثال والواقع ، بين الكامل والناقص ، بين المطلق والنسبيّ . فالواقع يفرض نفسه ويضغط بكلّ ثقله ويَضطرّ إلى الانتباه . والقيمة تجذب بفعل الافتتان بها ، ويتعلّق بها الإنسان على قدْر ما يحسّ أنّها سريعة العطب . فيحدّد التوتّر القائم بين القيمة والواقع اختبارَ الخيبة . ذلك لأنّ الواقع يخيّب الأمل لكونه لا يتطابق مع المنتظَر . لكنّ القيمة هي أيضًا تخيّب الأمل ، لكونها قد تؤدّي إلى إفراغ الوجود من الواقعيّة ، وجعله فريسة الوهم والرغبة المحبَطة دومًا . فهي إذّاك خادعة . وكذلك الأمر بالنسبة إلى التوتّر القائم بين الحقّ والقوّة ، وبين العقل والعنف .

ثامنًا التوتّر القائم بين الزمان والأبديّة . وهو يكمل التوتّر السابق بالتركيز على الصيرورة . الصيرورة تحمل الواقع نحو القيمة ، وهي تعاقُب التحوّلات الهادفة إلى تطابق الواقع والقيم . ومن وجه آخر ، تفترض الصيرورة تغييرًا واستمرارًا في آن ، بمعنى أنّ الاستمرار يُثبت هويّةً للتغيير . على هذا النحو ، ليس من تثقّف بدون الإبقاء على الهويّة الثقافيّة .

تاسعًا ، وفي التصوّر الدينيّ ، التوتّر القائم بين الإنسان والله ، والذي تجتمع فيه التوتّرات القائمة بين الزمان والأبديّة وبين الواقع والقيمة وبين الطبيعة والحرّيّة . ذلك لأنّ التوتّر الأساسيّ في داخل الإنسان يقوم بين ما هو وما يطمح إلى أن يكون ، بين واقع هبائه واقتضاء أصالته ، بين وجوده الذي يبدو عبثيًّا ووجود يكون له معنى ، بين واقعه ومثاله ، بين تاريخه وحقيقته . ويمكن القول أيضًا إنّ هذا التوتّر قائم بين الطبيعة وما يفوق الطبيعة ، بمعنى القطيعة بين الهباء والأصالة . ليس من امتداد طبيعيّ ولا تدرّج محدَّد بين الطبيعة وما يفوقها ، بل ثمّة بينهما حدٌّ يجب عبوره ، وتحوّل وتبدّل . من هنا قام التوتّر ، في التصوّر المسيحيّ ، بين الطبيعة والنعمة للتدليل على عدم قدرة الإنسان على بلوغه أصالتَه وبالتالي على حاجته إلى عون من الخارج ينقله من حالة الهباء إلى حالة الأصالة ، من اللامعنى إلى المعنى ، ويجعله خلقًا جديدًا وكائنًا جديدًا . وعليه كان في التصوّر الدينيّ أنّ الله ، القدرة المطلقة على الكينونة ، يطلبه الإنسان باعتباره المعنى الوحيد لوجوده والطاقة الوحيدة القادرة على تحويل الإنسان من الهباء إلى الأصالة ، أي من اللاكيان إلى الكيان .

هذه التوتّرات يمكن تجميعها مواضيعيًّا تحت العناوين الأربعة الآتية :

1) الإنسان في الطبيعة : - الإنسان بما هو كائن طبيعيّ : بمعنى أنّه جزء من الطبيعة ، وأنّه معطى ، وأنّه محدَّد . - الإنسان بما هو كائن اصطناعيّ : بمعنى أنّه يتحرّر من الطبيعة ، وأنّ عليه أن يصنع نفسه بنفسه ، وأنّه حرّ . - ظهور الوعي : ممّا يتيح جدليّة الإنسان في الطبيعة وفي ما وراء الطبيعة .

2) الشخص في المجتمع : - الشخص : من مقوّماته الوجدان والحرّيّة والاستقلاليّة والإبداعيّة . - الجماعة : بمعنى استبطان العلاقة بين الأشخاص لما هو جماعيّ مؤسّسيّ ، والتبادل والمشاركة . - الكلام : بما هو موقع الإنسانيّ ، وجامع الجماعة ، وعامل أنسنة .

3) تعالي القيم ومثوليّتها : - مثوليّة القيم في الطبيعة وفي المجتمع : أصلاً تكون القيمة بالنسبة إلى ما في الإنسان من الأحيائيّ والجماعيّ ، ذاتيّة القيم . - تعالي القيم : في ما وراء الأحيائيّ والجماعيّ ، مطلقيّة القيم ، حقيقة القيم . - الجميعة الإنسانيّة : تحوّل الأحيائيّ والجماعيّ على صورة القيم ، تجسّد ومَعاديّة ، الإنسان محلّ وجود القيم .

4) الإنسان والله ( في التصوّر الدينيّ المسيحيّ ) : - الله هو الكلّ والإنسان لاشيء . - الإنسان هو الكلّ وموت الله . - الله معنى الإنسان وحقيقته : المسيح يعني مجمل الكلّ ونهاية نموّ الوجدان باتّجاه الملء الإنسانيّ .

يبقى السؤال حول حلّ هذه التوتّرات في الصيغة الآتية : إذا كان التوتّر الأساسيّ للوضعيّة الإنسانيّة القائم بين واقعه الذي يعيشه كهباء وعبث ، وأصالته التي يتوقّعها ، أي التي يفتقر إليها ويأمل بلوغها ، بل يتطلّبه ، إذا كان هذا التوتّر يظهر في اختبار الخيبة ، أمكن التساؤل هل يمكن أن تزول الخيبة ، أي هل يحقّ للإنسان أن يأمل تحقيق أصالته ، وهل يتحتّم أن يكون توقّعه باطلاً بذاته ومحكومًا عليه بالخيبة ؟
وفي حال حصل حلّ التوتّرات ، يكون ذلك نهاية الوضعيّة الإنسانيّة ، وتحقيق ما كانت الرغبة تقصده ، أي تحقيق المثال الذي يعيشه الإنسان كتطلّع والذي يستهدفه كمشروع . والسؤال : هل يحصل هذا الحلّ بتحوّل تدريجيّ للواقع إلى مثال ؟ وهل قدَر الكيان أن يصير وجدانًا ؟ وهل يمكن أن تصير الطبيعة حرّيّة ؟ وهل الإنسان مدعوّ لأن يصير إلهًا ؟ هل هذا هو معنى الفكرة المسيحيّة ، فكرة التحوّل والتألّه ؟ إذا كان الأمر على هذا النحو ، عندئذٍ وجب القول إنّ تأليه الإنسان هو هو تجلّي الله . وذلك بمعنى أنّ الإنسان يتألّه بقدر ما يتجلّى معناه في وجوده .

3-3- اختبارات الكائن الإنسانيّ النموذجيّة

محاولة أخرى لإدراك ما هو الإنسان تكون بوصف الاختبارات التي يتجلّى فيها ما هو الإنسان في ذاته . ويمكن تقسيم هذه الاختبارات مجموعتين ، أولاهما تضمّ اختبارات نفسيّة تبدو داخليّة ، فيما الثانية تضمّ اختبارات يبدو فيها الإنسان خارجًا عن حميميّته .

مثال أوّل من المجموعة الأولى هو موقف الانتباه ، بما هو تعبئة جميع قوى الكائن الإنسانيّ وتركيزها على موضوع واحد ، قد يكون شيئًا أو شخصًا ، وقد يكون معطًى أو منتظَرًا . والانتباه ، في قصده أو اقتضائه الذي يتقوّم به ، يحاول النفاذ إلى أعماق موضوعه ، جاعلاً إيّاه بذلك سرًّا خفيًّا . إذّاك يقرب الانتباه موقف الحبّ ، بما هو لقاء أشخاص وليس لقاء أفكار أو مشاعر أو مشاريع وحسب . الحبّ لا يردّ الآخر إلى أوصافه أو مظاهره ، بل يعتبره سرًّا مغلَقًا ، وبالتالي يحترمه ككائن مقدَّس ، ويعبده ككائن مطلق . تجميع الكائن الإنسانيّ هذا وربطه بماوراءٍ ما يتميّز بهما أيضًا اختبار الحكم والإرادة اللذين يتميّز بهما الإنسان . فالحكم ليس فعل عقل منفرد ، بل هو فعل تفكّر ، أي الفعل الذي به يسعى الإنسان ، بما هو متقوّم واقعيًّا بأهواء وأحكام مسبَّقة ، نحو الحقيقة بكلّ نفسه ، متفكّرًا تفكّره بالنسبة إلى غير مشروطٍ ما يكون موضوع تفكّر وليس موضوع تصوّر . وكذلك تجمع الإرادة كلّ قوى الكائن الإنسانيّ وتُدخلها في عمليّة تحقيق القيم وتحقيق الذات . في السيطرة على النفس وفي النشاط الخلاّق يظهر الإنسان روحًا متجسّدًا .

تجسّد الروح هذا وتموضعه ، كما تحقيق القيم ، كلّ هذا يظهر في اختبارات إنسانيّة كالعادة والكلام والعمل والنتاج . فالعادة مثال تموضع الروح . في العادة يوجد الإنسان في شكل طبيعيّ ( هيغل ) ، أي أنّ الروح ، بدلاً من أن يوجد في شكله كروح وحرّيّة ، يوجد في شكل الطبيعة والحتميّة . ومن وجه آخر ، العادة أداة لا بدّ منها لانتقال الفكرة إلى حالة الواقع المحسوس . والكلام يبدو نوعًا ما عادة الفكر ، إذ إنّه أداة التعبير عنه وتحقيقِه الواقعيّ ونقلِه ، وبالتالي فهو شكل وجوده الخارجيّ الموضوعيّ . والعمل يستخدم القوى الفاعلة الذهنيّة والمادّيّة لتحقيق قيمة في نتاج ، محقّقًا بذلك الإنسانَ في وضعيّته كخلاّق . والنتاج هو المشروع أو الفكرة أو القيمة متى صارت حقيقة ، بانتقالها من حالة الذاتيّة إلى حالة الموضوعيّة ، من حالة المثال إلى حالة الواقع ، من حالة المطلق إلى حالة النسبيّ . والنتاج هو أيضًا تعبير عن الإنسان ، لكون الإنسان مشروعًا لنفسه في داخل كلّ مشاريعه . كلّ هذه الاختبارات الإنسانيّة تتجمّع في الثقافة بما هي كلّ الإنسان .

هذه الاختبارات جميعًا لا تتجمّع فيها وحدها الحقيقة الإنسانيّة . ففي أيّ اختبار تتجلّى الحقيقة الإنسانيّة بكلّ أبعادها . ويمكن القول إنّ أيّ اختبار إنسانيّ ، متى عاشه الإنسان في الأصالة ووفاقًا لمقتضياته كاختبار ، يحثّه اقتضاء مطلق ترى فيه الأديان بُعدًا دينيًّا .

3-4- تجلّيات الحقيقة الإنسانيّة

ينتهي البحث عمّا هو الإنسان بوصف الأشكال الشاملة التي تتجلّى فيها الحقيقة الإنسانيّة . هي ثلاثة : شكل الشخص ، وشكل المجتمع ، وشكل التاريخ . ويتحدّد كلٌّ من هذه الأشكال بقيمة مركزيّة ، هي على التتالي : الاستقلاليّة ، والمشاركة ، والإبداعيّة الثقافيّة .

الشخص شكل من أشكال الإنسانيّ بكلّيّته ، يتميّز باندماج أو توحيد الشخصيّة الواقعيّة ، ويتحدّد بالاستقلاليّة أي بضبط الذات ، ممّا يجعله نوعًا ما مطلقًا . إلاّ أنّ مطلقيّة الشخص لا تعني الانغلاق على الذات والانعزال ، بل يعني بذاته الانفتاح على الآخرين والوجود العلائقيّ .

من هنا كان المجتمع ، وهو بدوره شكل من أشكال الإنسانيّ بكلّيّته ، ويتميّز بذلك الاندماج ، على صعيد الاقتناء والكيان ، الذي يسمّى العدل والمحبّة . ويتحدّد المجتمع ، في كيانه العلائقيّ والمؤسّسيّ ، بالمشاركة مثالاً .

ولمّا كان الشخص السويّ والمجتمع السويّ بذاتهما طاقتين خلاّقتين ، كان التاريخ شكلاً من أشكال الإنسانيّ بكلّيّته . والتاريخ يعني انبساط الطاقات الإنسانيّة المكنونة من خلال استمرار الصيرورة أو انقطاعها . في ذلك تتجلّى الإبداعيّة الثقافيّة قيمةً مقوّمة للإنسانيّ .
هذه الأشكال والقيم لا بدّ من تأمّلها لفهم الكائن الإنسانيّ . ثمّ ، إذا تحدّد كائنٌ ما بهويّته ، أمكن القول إنّ هويّة الكائن الإنسانيّ هي الحرّيّة ، المتجلّية في شكل الاستقلاليّة الشخصيّة ، وفي شكل المشاركة الجماعيّة ، وفي شكل الإبداعيّة الثقافيّة التاريخيّة . والحرّيّة ، في جميع أشكالها ، ليست حالة أو سكونيّة ، بل هي ديناميّة ، بمعنى أنّها أساس حركة التجاوز والتعالي . إذّاك كان السؤال هل تدفع هذه الحركة الإنسانَ إلى المتعالي ، أو هل هي حركة التعالي ذاتها من دون طرفٍ أو كائنٍ متعالٍ .

4- ختام

في الختام يًطرَح السؤال : ما هي حقيقة الإنسان ؟ هل هي مثوله أو تعاليه ؟ في تعارض المثوليّة والتعالي يجتمع الاختلاف القيَميّ بين الكيان الحاصل وواجب الكيان ، والاختلاف الأنطولوجيّ بين الظاهرة والحقيقة ، والاختلاف في الإلهيّات بين الإنسانيّ والإلهيّ .

ثمّة ثلاث وجهات نظر في هذه الاختلافات والتعارضات . تُثبت وجهة النظر الماورائيّة الفصل بين المثوليّ والمتعالي ، وتُخضع المثوليّ للمتعالي. ووجهة النظر الوضعيّة تقف عند المثوليّ ، وتنكر المتعالي أو لا تتعرّف إليه . ووجهة النظر الظواهريّة ترى المتعالي في داخل المثوليّ ، وترفض البحث عنه في غير المثوليّ .

فالسؤال الأخير هو هل تدلّ نوعًا ما حركة التعالي أو التجاوز التي يتميّز بها الوجود الإنسانيّ على حضور أو مثول المتعالي في الإنسان ؟ وهل هذا المتعالي هو كائن غير الإنسان ، أم هو حقيقة الإنسان متى اكتمل ؟