يعرض الشيخ الشيعيّ اللبنانيّ محمّد مهدي شمس الدين ، في كتابه العَلمانيّة ، ص 23-72 ، النماذج الثلاثة للمواقف الفكريّة والسياسيّة التي وقفها الزعماء العرب المسلمون من الحضارة الغربيّة الحديثة : موقف الرفض المطلق ، وموقف القبول المطلق ، وموقف الانتقاء . فينتقد الموقفَين الأوّلين ويأخذ بالثالث ، مرتكزًا على التمييز ، في الحضارة الغربيّة الحديثة ، بين العنصر المادّيّ ممثَّلاً بالعلم والتقنية والتنظيم الاجتماعيّ ، والعنصر المعنويّ ممثَّلاً بالإيديوليوجيا المادّيّة . ويؤكّد الكاتب نفسه ، ص 14، أنّ “ العَلْمانية ليست إلا وليدة هذه الحضارة ” الحديثة الموسومة بالمادّيّة . ويشير يوسف القَرَضاوي ، من جهته ، في كتابه الحلول المستورَدة ، ص 52 ، في معرض حديثه عن الاتّجاه الليبراليّ الديمقراطيّ الرأسماليّ ، وهو في الوقت نفسه اتّجاه علمانيّ وطنيّ أو قوميّ ، إلى أنّ العلمانيّة ، بمعنى الفصل بين الدين والدولة ، هي أوّل مقوّماته .
في الواقع لا يخلو العالم العربيّ من كتّاب أخذوا بالإنسانويّة أو بالعقلانيّة أو بالقوميّة ، وهم يؤيّدون العلمانيّة كلّيًّا ، ولا من أنظمة سياسيّة قامت على مبادئ العلمانيّة التي أتت بها الحداثة الغربيّة . وقد طغت أصواتهم ، زمنًا لا يستهان به ، على أصوات الكتّاب التقليديّين المعادين للعلمانيّة . أمّا اليوم فيبدو أنّ الوضع قد انعكس ، وبات صوت الإسلاميّين يرتفع عاليًا ، يوجّه انتقاداته للغرب الحديث المعلمَن ، كما لِما تغرّب من العرب المسلمين ، أنظمةً وأشخاصًا . هذا هو الصوت ، صوت بعض الإسلاميّين النموذجيّين ، الذي يحاول هذا الفصل الإصغاء إليه وفَهْم ما يقول .
تحت عنوان « الإسلام والعَلمانيّة » ، يقدّم العرض ثلاث مجموعات من التصوّرات ، هي :
1 - الفكرة التي يكوّنها الإسلاميّون الناطقون باللغة العربيّة عن العلمانيّة .
2 - الدوافع ، الظاهرة منها والباطنة ، التي بسببها يرفضون العلمانيّة ، وبسببها أيضًا يرفضون وجه الحضارة الغربيّة الإيديولوجيّ .
3 - طريق إلى التوفيق بين الدين والعلمانيّة عمومًا ، وبين الإسلام والعلمانيّة خصوصًا ، وذلك في سبيل تقارب ، مرتجى وممكن ، بين العالم العربيّ الإسلاميّ والعالم الغربيّ الحديث .