مي زيادة


1895 ـ 1941م

وُلِدَت ميّ زيادة بالناصرة في
فلسطين، واسمها الحقيقي ماري بنت الياس زيادة، صاحب جريدة "المحروسة". واختارت لنفسها إسم "ميّ" الذي اشتهرت به في عالم الأدب، وهي من أشهر أديبات الشّرق وكاتبة موهوبة وخطيبة فسيحة الباع.

تلقّت دروسها الإبتدائية في مدرسة عينطوره وجاء بها والدها، وهي دون البلوغ، إلى مصر حيث عكفت على المطالعة والتّحصيل والتّضلع من مختلف العلوم والفنون. وعرفت من اللّغات العربية والفرنسية والإنكليزية والإيطالية والألمانية والإسبانية، وأتقنتها، فاستكملت ثقافتها وتميّزت بالذّهن البارع والذّوق السليم.

كانت تنشر إنتاجها الأدبي في مجلاّت "الزّهور" و"المقتطف" و"الهلال"، وجرائد "المحروسة" و"السياسة" و"الرسالة". ولما سطع نجمها في سماء الأدب العربي، كان يجتمع بعد ظهر الثّلاثاء من كل اسبوع في دارها نخبةٌ من العلماء والشّعراء وقادة الفكر من أهل مصر، وهم يخوضون في الحديث ويتبارون في مختلف البحوث العلمية والفنية.

كانت ميّ توجّه المناقشات والأحاديث بلفظها الرّشيق وبيانها النّاصع. وأصبحت دارُها مُنتدًى أدبياً حافلاً، وكان أكثرهم تردّداً عليها الشّعراء اسماعيل صبري ومصطفى صادق الرافعي وولي الدين يكن وأحمد شوقي وخليل مطران وشبلي شميل.

كانت مي زيادة تميل إلى فنيّ التّصوير والموسيقى. تثيرها ذكرى قديمةً أو رؤية لون أو منظر من المناظر أو حادثة من الحوادث فتوحي لها بقصة فتكتبها ،. وقد يكون إيحاءً بما تشعر به وتراه في حياتها، فتدفعها هذه الذكرى ويستنفرها هذا الإيحاء إلى كتابة القصة، وقد تستيقظ في الفجر لتؤلف القصة. ومن عادتها أن تضع تصميماً أوّلياً للموضوع، ثم تعود فتصوغ القصة وتتمّ بناءها، وإن الوقت الذي تستغرقه في كتابة القصة قد يكون ساعة أو أسابيع أو شهوراً حسب الظّروف؛ وهي ترى انّ ما من قصصٍ خياليّةٍ ممّا يكتبه القاصّون. وكل ما ألّفته، هو واقعي كسائر ما تسمع به وتراه من حوادث الحياة. فالمؤلف القصصيّ لا يُبدع من خياله ما ليس موجوداً، بل هو يستمدّ من الحياة وحوادثها، ويصور بقالبه الفنيّ الحوادث التي وقعت للأفراد، وكل ما تكتبه هو تصوير لبعض جوانب الحياة، لا وهْم من الأوهام لا نصيب لها من حقيقة الحياة.

ظلّت سنوات طويلة تغرس في القلوب أجمل الشّعر وأرفع النّثر، وتتهادى بروائعها ومؤلّفاتها في دنيا الأدب، إلى أن عصفت المنية في روحها وهي في سنّ الكهولة المبكرة، وذلك في يوم الأحد التاسع عشر من شهر تشرين الأول في المعادي، بمصر، وتركت وراءها مكتبةً نادرةً لا تزال محفوظة بالقاهرة، وتراثاً أدبياً خالداً.

لقيت في أواخر عهدها أشدّ العُنْت والكيد من أنسبائها؛ فقد تآمروا عليها وأدخلوها مصحًّا للأمراض العقلية في بيروت، وبقيت فيها مدّة سنتين، حتى أنقذها وأخرجها منه أحفاد الأمير عبد القادر الجزائري.