مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

قال السيد الإمام العالم الفقيه الفاضل العلامة الكامل الورع البارع رضي الدين ركن الإسلام والمسلمين افتخار آل طه وياسين عمدة أهل بيت النبوة محمد آل الرسول شرف العترة الطاهرة ذو الحسبين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسني بلغه الله غاية آماله وآله عليهم السلام.

أحمد الله جل جلاله فاطر السموات والأرضين الذي جعلها هداة و دعاة بلسان حالها للعالمين.إلى معرفة منشيها وفاطرها. وآيات باهرات للناظرين، في حقائق تدبيرها وجواهرها، وأوضح أنها من أعظم دلالاته على مقدس ذاته فقال جل جلاله في الإنكار على من أعجز الحسن بن سهل في علم النجوم وكان أقوم منه بالعلم بها ورجع الحسن بن سهل إليه.

وكما رواه ابن جمهور القمي في كتاب الواحدة أن مولانا علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه أجاب ذا الرياستين الفضل بن سهل في علم النجوم بما لم يكن عارفاً به ولا قادراً عليه، وكما رواه الحميري الثقة المعتمد عليه رحمة الله جل جلاله في الجزء الثاني من كتاب "الدلائل" في دلائل الصادق صلوات الله عليه أنه كان عالماً بالنجوم حتى أنه لا يخفي منها شيء عليه.

وكما رواه يونس بن عبد الرحمان رضي الله عنه في "جامعه الصغير" قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو؟ فقال هو علم من علوم الأنبياء فقلت أكان علي بن أبي طالب عليه السلام خبيراً بعلمه؟ فقال كان أعلم الناس به.

وكما رواه مصنف كتاب"التجمل" تاريخ كتابته سنة ثمان وثلاثين ومائتين عن الصادق عليه السلام أنه أذن لبني نوبخت في علم النجوم وقد سألوه عنه وكرروا مسألته وأطلعهم عليه وعرفهم جوازه وإباحته.

وكما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام في حديث معرفة آزر بعلم النجوم وتحقيق ما كان يحكم به عليه.

وكما رواه ابن أذينة عن أبي عمرو من تصديق الصادق عليه السلام له في علم النجوم وتعريفه كيف يتحرز من الضرر الذي يخاف وصوله إليه.

وكما رواه صاحب التواقيع عن العبد الصالح علي بن مولانا جعفر الصادق صلوات الله عليه فيما رواه عن أخيه مولانا موسى بن جعفر سلام الله جل جلاله في ترك الإنكار على خواص شيعته لما سير مولده وخاف من القطع فعرفه كيف يعمل حتى يتجاوز قطع مولده ويسلم من مضرته.

وكما رواه عبد الرحمن بن سيابة عن الصادق"ع " وإطلاقه في علم النجوم وأنه مأذون فيه معتمد عليه و سيأتي تفصيل ذلك الذي أشرنا إليه.

واعلم أن الأحاديث عن الأنبياء عليهم السلام من لدن إدريس "ع" إلى الناطق من عترة النبي محمد "ص" ومن لدن الملوك الذين ذكرت تواريخهم وتواريخ العلماء المترددين إليهم ما يضيق عنه مجلد واحد من ذكر الجميع، و فيهم من هو حجة وفيهم أعيان معتمد عليهم بتحقيق ما ذكرناه من أن علم النجوم دلالات وعلامات، وآيات لله جل جلاله باهرات، وحجج على عباده ظاهرات، وسأذكر تفصيل ما أجملته من الروايات إن شاء الله.

واعلم أني كنت أحب أن لا يبلغني حديث إلا أطلع عليه وكان مما بلغني اختلاف الناس في علم النجوم، وما الذي يحرم منها، وما الذي يعتمد عليه، فحضر عندي جماعة من علماء المنجمين، وكاتبني بعض من كان بعيداً من العراق من علمائهم الموصوفين ورصدوا مواليد في أوقات متفرقة وسيروها، وحولوا عدة سنين وحرروها، فكنت أجد غلطهم وخاصة في الجزئيات أكثر من إصابتهم، وأجد إصابات أن الغلط من جهتهم، فسألت جماعة منهم عن سبب الخطأ و الخلل، فاختلفوا في العلل، فقال بعضهم أن النجوم تحتاج كل مدة معينة عند أهل النجوم أن يعيدوها إلى أرصاد جديدة وأنه قد تعدد عليهم تحقيق الأرصاد، فأفسد ذلك عليهم بعض الاجتهاد، وقال آخرون أن العلماء من المنجمين القدماء اختلفوا في كيفية النجوم وأحكامها وتأثيرها فوقع الخلل من المتأخرين بحسب ما يختلفون فيه من اختلاف القدماء وتفاوت تدبيرها، وقال بعضهم أن وقتهم لا يسع لكشف علم النجوم على التحقيق، وأن علوم المتأخرين قاصرة عن علوم المتقدمين في التدقيق.

ورأيت أنا في أخبار الأئمة الأطهار،الذين أطلعهم الله جل جلاله عليه بطريق رسوله صلوات الله عليه على الأسرار،أسباباً لغلط المنجمين غير ما ذكروه من الأعذار،وسيأتي سبب غلطهم في مضمون ما نذكره من الأخبار،إن شاء الله. ومن أعجب ما وجدته من تمويه المنجمين في هذه الأوقات الذي يتمشى على الملوك والأعيان وذوي المقامات، شيء ما عرفت أن أحداً سبقني إلى كشفه،وذكرت ذلك لبعضهم ولغيرهم فما رأيت لهم عذراً في التمويه الذي أشرت إلى وصفه، وذلك أنهم يكتبون تقاويم السنة نسخة واحدة في سعودها ونحوسها ممتزجاتها فينفذون كل تقويم إلى واحد مع علمهم أن مواليد الذين ينفذون إليهم التقاويم وطوالعهم مختلفة في نحوسها وممتزجاتها وسعاداتها، فيمكن أن يكون سعود واحد نحوساً لسواه ونحوس إنسان سعوداً لمن عداه ويمكن أن يكون سعود واحد نحوساً لسواه ونحوس إنسان سعوداً لمن عداه ويمكن أن يكون سعود واحد ونحوسه ممتزجاً خلاف من يجري مجراه فيقبل الناس التقاويم المتفقة في المواليد ما فيه من التمويه المستور، حتى بعث واحد من المنجمين الأعيان إلى تقويمين واعتد بما فأعدتهما وعرفته ما في ذلك من التمويه بهما.

وقد كان ينبغي أن يكون تقويم كل واحد ممن يحتاج إلى التقويم، على مقتضى مولده وطالعه وتحويل سنته ليكون أقرب إلى الصراط المستقيم، وكان مراد المنجم من تقويمه مجرد ذكر أن في النجوم سعداً وفيها نحساً وفيها ممتزجاً من غير أن يقصد انتفاع من يحمل إليه التقويم بسعودها واجتناب نحوسها، كان قد وقع الغناء عن التقويم وكان يكفي ذكر أسماء النجوم السعيدة والنجوم النحسة وما كان كل سنة يحتاج إلى تقويم جديد، وإنما يقولون أن مرادهم انتفاع من تحمل إليه التقاويم بما فيها من السعود والنحوس، ليستدل في الحركات والسكنات على سلامة النفوس، واجتلاب النفع ودفع الضرر والبؤس، وهذا يدل على أنه ما يحصل ما يكون من منافعه، إلا أن يكون لكل واحد تقويم على مقتضى طالعه.

ومما وجدت في خاطري مما يسأل عنه علماء المنجمين وربما تعذر عليهم الجواب عنه على اليقين، أن يقال لهم، ما المقتضي لورود النوم على الإنسان من طالع ميلاده، وقد يتأتى غير وقت مراده، وكيف كان هذا النجم في طالع كل إنسان؟ وأوقات الولادات، عظيمة الاختلافات، من زمان آدم إلى الآن، وهلا صادف طالع واحد من الأنام، أنه ولد في وقت لا ينام"واعلم" أن هذا يدلك بغير التباس ملكه ومماليكه بحسب ما يريد من الاختبارات، إن شاء الله جعل النجوم دلالات وإن شاء أسقط دلالاتها على الحادثات.

ومما وجدته في كتب النعمان المؤرخ لسيرة خلفاء مصر ما عجز المنجمون عن جوابه قال المعز ذكر لي أن بعض المنجمين أتاه بكتاب ألفه له يذكر فيه خلق آدم وكيف كانت الكواكب يوم خلقه الله عز وجل وما دلت عليه مما آل أمره وأمر ذريته إليه، ورأى أنه قد أتى في ذلك بعلم ما سبق إليه، فلما وقفت سألته فقلت هل كان قبل آدم شيء؟ قال نعم قلت فما كان ومن كان؟ وكيف كانت هذه الكواكب قبل ذلك؟ وما دلت عليه؟ فلم يحر جواباً وقال هذا شيء ما ظننت أني أسأل عنه، فقلت وهذا الذي عملته وجئت به ما سألت عنه أيضاً.

"أقول" فكل هذه الأمور دلالة باهرة عند ذوي الاعتبار، إن دلائل النجوم بتدبير الفاعل المختار، وإنها ليست بأنفسها فاعلة ولا علة موجبة وذلك واضح لأولي الأبصار.

ورأيت الاستخارة أقوى في كشف بعض الأسرار وأبلغ في الإشارة، وتعدد الصدقات والدعوات، دافعة لما يجمع المنجمون عليه من المحذورات، وكان ما وجدته بالتجربة كما نقلته من الروايات وعلى مقتضى صريح مقدس كلام مالك الأسباب، في قوله جل جلاله "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده علم الكتاب".ووجدت الناس إما معاملاً لله جل جلاله في أيام حياته فإذا قطعه الموت بوفاته، فقد فاته ما كان يقدر عليه من سعاداته، وأما غير معامل لله جل جلاله في حياته، بل يكون مشغولاً بلذاته وشهواته وكان معرفة وقت الممات القاطع من السعادات أو اللذات، عند الفريقين من جملة المهمات، فإذا أمكن تحصيل معرفة ذلك بطرق علمية على لسان رسول يخبره عن العلوم الإلهية، وإلا فمتى قدر على طريق طبية، يحترز بها من الضرر المظنون، فقد أوجب العقلاء الاحتراز عن الضرر بكل طريق يمكن أو يكون، وقد أطبق العقلاء على تجويز أن تكون النجوم دلالات، وعلامات وإمارات، ونطقت بذلك الروايات من الثقات ولو أن بعض هؤلاء القائلين والناقلين خوف إنساناً من سفر، وذكر له عند تحذيره الخطر، لتوقف من السفر المذكور، أو تحذر بقدر دفع المحذور فلا أقل أن يكون حكم المحترس من النجوم المذكورة، كحال حكم المظنون من الأمور المحذورة، فيحتاج المكلف إلى كشف طريق السلامة والأمان لمعرفة ما يحتاج إلى معرفته بحسب الإمكان، ويكون كلما ذكروا أن عليه قطعاً في وقت مدته، يستعد قبل حضوره للقاء الله جل جلاله بمقتضى قدرته أو يتصدق أو يدعو خطر ذلك وتحصيل الأمان من تجويز مضرته ولا يكون الإنسان على حال من الغفلة عن الاستعداد للمعاد، أو انقطاع لذاته إن كان من أهله دار الفناء والنفاد، فلا يحس إلا بحيطان الموت أو القواطع قد وقعت عليه، فيحصل في ندم ترك الاحتياط بكل ما كان يقدر عليه وقد رأينا من يستريح إلى منامات عند الحادثات، وروي ذلك فيما لا أحصيه من الروايات، وما زال الاستظهار والاحتياط في طلب المجاب من كمال ذوي الألباب ولو كان كل علم ضل فريق من أهله مبطلاً ذلك لأصله لتعذر ثبوت شيء من المعلومات، إذ كان وقع فيها اختلاف حتى في البديهيات.

ولو كان غلط فريق من علوم التحقيق يقتضي ترك ذلك العلم بالكلية، لأدى ذلك إلى ترك المعلومات العقلية والنقلية والشرعية إذ في كل علم مهنا غلط في شيء منه فريق من البرية، وسوف أذكر في كل باب من هذا الكتاب ما يليق بالتوفيق من تحقيق الأسباب، واشرح ما تقتضي الأمانة إيضاح شرحه، حتى يظهر الحق لكل ناظر إلى أفق فجره وصبحه وقد سميته فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم وسوف أرتبه في الأبواب، بحسب ما يدلني الله جل جلاله عليه من الصواب وها أنا ذاكرها باباً باباً على التجميل، ثم أذكرها فيما بعد على التفصيل، ليعرف الناظر في تجميلها، وما يريد منها ويقصده في تفصيلها، ولا يحتاج إلى مطالعة جميع الأبواب، وتصفح الكتاب.

الباب الأول
في أن النجوم والعلم بها من آيات مالك الجلالة، ومن معجزات صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم.

الباب الثاني
في الرد على من زعم أن النجوم موجبة أو فاعلة مختارة.

الباب الثالث
فيما يذكره من أخبار من قوله حجة في العلوم في صحة علم النجوم.

الباب الرابع
فيما نذكره عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في إزالة القطوع في العمر إذا دل مولد الإنسان عليه.

الباب الخامس
فيما نذكره ممن كان عالماً بالنجوم من الشيعة وصنف في تلك العلوم، أو خول مولده على الوجه الموسوم.

الباب السادس
فيما نذكره ممن كان عالماً بالنجوم من غير الشيعة من المسلمين وصنف فيها ما يظهر صحة حكمه للحاضرين.

الباب السابع
فيما نذكره عمن صح حكمه، بدلالة النجوم قبل الإسلام ولم يذكر اسمه.

الباب الثامن
فيما نذكره من الأخبار التي صح فيها الحكم على الحوادث بالنجوم، ممن لم يذكر اسمه وبعض من عرف منهم بعلم النجوم وإن لم نعرف له شيئاً من الأحكام، ومن كان عارفاً بذلك من الملوك قبل الإسلام.

الباب التاسع
فيما نذكره في جواب من أنكر أن النجوم لا يصح أن تكون دلالات على الحادثات.

الباب العاشر
فيما نذكره من أخبار من كان مستغنياً عن النجوم تعريف النبي صلوات الله عليه وأئمة العلوم عليهم السلام.