الباب الأول: في أن النجوم والعلم بها من آيات مالك الجلالة ومن معجزات صاحب الرسالة"

في أن النجوم والعلم بها من آيات مالك الجلالة ومن معجزات صاحب الرسالة"

أعلم أن كون الأفلاك والشمس والقمر والنجوم دلالة باهرة، دالة على مالك الدنيا والآخرة، مما لا يحتاج إلى برهان، لأنه موجود بالعيان والوجدان، قد تضمن القرآن الشريف، تنبيه أهل التكليف، على الدلالة بها والتعريف. فأما كونها من معجزات صاحب الرسالة، فقد تضمن "كتاب الأهليلجة" عن مولانا الصادق عليه السلام ما يغني عن الإطالة، فقد قال فيه فقلت له"يعني للهندي الذي كان يناظره" أخبرني هل يعرف أهل بلادك من الهند علم النجوم، قال إنك لغافل عن علم أهل بلادي بالنجوم، قلت وما بلغ من علمهم بها، قال أنا أخبرك عن علمهم بخصلتين تكتفي بهما عما سواها، قلت فأخبرني ولا تخبرين إلى بخبر صدق قال أما الخصلة الأولى فإن ملوك الهند لا يتخذون إلا الخصيان منهم، قلت ولما؟ قال لأن لكل رجل منهم منجماً حاسباً فإذا أصبح أتى باب الملك فقاس الشمس وحسب فأخبره بما كان في يومه ذاك وما حدث في ليلته التي كان فيها فإن كانت امرأة من نسائه قارفت شيئاً أخبره به وقال فلانة قارفت كذا وكذا مع فلان ويحدث في هذا اليوم كذا وكذا، قال وأما الخصلة الأخرى، فإن قوماً بالهند بمنزلة الخناقين عندكم يقتلون الناس بلا سلاح ولا خنق ويأخذون أموالهم، قلت وكيف يكون هذا؟ قال يخرجون مع الرفقة والتجار بقدر ما فيها من الرجال فيمشون معهم أياماً بلا سلاح ويحدثون الرجال ويحسبون حساب كل رجل من التجار، فإذا عرف أحدهم موضع النفس من صاحبه، وكز كل واحد منهم صاحبه الذي حسب له في ذلك الموضع، فيقع جميع التجار موتى. قلت هذا أرفع من الأول إن كان ما تقول حقاً، قال أحلف لك بديني أنه حق، ولربما رأيت ببلاد الهند بعضهم أخذ وأمر بقتله قلت فأخبرني كيف كان هذا حتى أطلع عليه؟ قال بحساب النجوم قلت فما سمعت كهذا علماً قط وما أشك إن واضعه الحكيم العليم، فأخبرني من وضع هذا العلم الدقيق؟ الذي لا يدرك بالحواس ولا بالعقول ولا بالفكر قال وضعه الحكماء وتوارثه الناس فإذا سألت الرجم منهم قاس الشمس ونظر في منازل الشمس والقمر وما الطالع من النجوم وما الباطن من السعود ثم يحسب ولا يخطيء، ويحمل إليه المولود إذا ولد فيحسب له ويخبر بكل علامة فيه وبما يصيبه إلى يوم يموت، قلت وكيف دخل الحساب في مواليد الناس؟ قال لأن جميع الناس إنما يولدون بهذه النجوم، ولولا ذلك لم يستقيم هذا الحساب فمن ثم لا يخطئ إذا علم الساعة واليوم والشهر والسنة التي يولد فيها المولود، قلت لقد وصفت علماً عجيباً ليس في علم الدنيا أدق منه ولا أعظم إن كان حقاً كما قلت من تعريف هذا المولود الصبي وما فيه من العلامات ومنتهى أجله وما يصيبه في حياته، أفليس هذا حساباً يولد به جميع من في الدنيا من كان من الناس؟قال بلى لا أشك فيه، قلت فتعال ننظر بعقولنا فهم علم الناس هذا والعلم به هل يستقيم أن يكون لبعض الناس إذا كان جميع الناس يولدون بهذه النجوم؟ حتى عرفها بسعودها ونحوسها وساعاتها ودقايقها ودرجاتها وبطيئها وسريعها ومواضعها من السماء ومواضعها تحت الأرض ودلالاتها على غامض الأشياء التي وصفت في السماء وما تحت الأرض فما يقبل عقلي أن مخلوقاً من أهل الأرض قدر على هذا، قال وما أنكرت من هذا؟ قلت لم أبدأك به، إنك زعمت أن جميع أهل الأرض إنما يتولدون بهذه النجوم، فأرى الحكيم الذي وضع هذا الحساب بزعمك من بعض أهل الدنيا ولا أشك إن كنت صادقاً أنه ولد ببعض هذه النجوم والساعات والحساب، الذي كان قبله، إلا أن تزعم ذلك الحكيم لم يولد بهذه النجوم كما ولد سائر الناس، قال وهل هذا الحكيم إلا كسائر الناس، قلت أفليس ينبغي أن يدلك عقلك على أن هذه النجوم قد خلقت قبل هذا الحكيم الذي زعمت أنه وضع هذا الحساب، وقد زعمت أنه ولد ببعض هذه النجوم، قال بلى، قلت فكيف أهتدي لوضع هذه النجوم والعلم بها إلا من معلم كان قبله، وهو الذي أسس هذا الحساب الذي زعمت أنه وضع علم النجوم وهي أساس المولود، فالأساس أقدم من المولود، والحكيم الذي زعمت أنه وضع علم النجوم على هذا إنما يتبع أمر معلم أقدم منه، وهو الذي خلقه مولوداً ببعض هذه النجوم، وهو الذي أسس هذه البروج التي ولد بها غيره من الناس، فواضع الأساس ينبغي أن يكون أقدم منها وهب أن هذا الحكيم عمر مذ كانت الدنيا عشرة أضعاف، هل كان نظره في هذه النجوم إلا كنظرك إليها معلقة في السماء، أو تراه قادراً على الدنو منها وهي في السماء حتى يعرف منازلها ومجاريها وسعودها ونحوسها ودقايقها؟ وأيها تنكسف عن الشمس والقمر، وأيها يولد كل مولود عليها، وأيها السعد، وأيها النحس، وأيها السريع، وأيها البطيء، ثم يعرفبعد ذلك سعود ساعات النهار ونحوسها وأيها السعد وأيها النحس وكم ساعة يمكث كل نجم منها تحت الأرض وفي أي ساعة يغيب وأي ساعة يطلع، وكم ساعة يمكث طالعاً، وفي أي ساعة يغيب، وكم استقام لرجل حكيم كما زعمت من أهل الدنيا أن يعلم علم السماء مما لا يدرك بالحواس ولا يقع عليه الفكر، ولا يخطر على الأوهام، وكيف اهتدى أن يقيس الشمس، حتى يعرف في أي برج هي، وفي أي برج القمر، وفي أي بروج السماء هذه السبع النحوس والسعود، وما الطالع منها والباطن، وهي معلقة في السماء، وهو من أهل الأرض ولا ينظر إليها وقد غشيها ضوء الشمس، إلا أن تزعم أن هذا الحكيم الذي وضع هذا العلم قد رقى في السماء، وأنا أشهد أن هذا العالم لم يقدر على هذا العلم إلى بمن في السماء لأن هذا ليس من علم أهل الأرض، قال ما بلغني أن أحداً من أهل الأرض رقى إلى السماء، قلت فلعل هذا الحكيم رقى إلى السماء ولم يبلغك، قال ولو بلغني ما كنت مصدقك، قلت فأنا أقولك قولك، فهبه رقى إلى السماء فهل كان له بد من أن يجري من كل برج من هذه البروج ونجم من هذه النجوم من حيث يطلع إلى حيث يغيب ثم يعود إلى الآخر فيفعل مثل ذلك حتى يأتي على آخرها فإن منها ما يقطع السماء في ثلاثين سنة ومنها ما يقطع السماء في أقل من ذلك، وهل كان له بد من أن يحول في أقطار السماء حتى يعرف مطالع السعود منها والنحوس والبطيء والسريع حتى يحصي ذلك، وهبه القدر على ذلك حتى فرغ مما في السماء فهل كان يستقيم له حساب ما في السموات حتى يحكم حساب ما في الأرض وما تحتها وأن يعرف ذلك عما عاين ما في السماء، فلم يكن يقدر على حسابها ودقايقها وساعاتها إلى بمعرفة ساعات ما في الأرض منها، لأنه ينبغي أن يعرف أي ساعة من الليل يطلع طالعها وكم مكث تحت الأرض،وأي ساعة من النهار يغيب غائبها، لأنه لا يعاينها بالنهار ولا ما طلع منها ولا ما غاب عنها، ولا بد من أن يكون العلم بها واحداً وإلا لم ينتفع بالحساب إلا أن تزعم أن ذلك الحكيم قد دخل في ظلمات الأرضين والبحار وسار مع النجوم والشمس والقمر في مجاريها على قدر ما سار في السماء قال وهل رأيتني أجيبك على أن أحداً من أهل الأرض قدر أن يطلع إلى السماء وقدر على ذلك فأخبرك أنه دخل في ظلمات الأرض والبحور قلت وكيف وضع هذا العلم الذي زعمت وحسب هذا الحساب الذي ذكرت أن الناس ولدوا به، قال أرأيت إن قلت لك أن البروج لم تزل وهي التي خلقت أنفسها على هذا الحساب، وما الذي ترد به عليه، قلت أسألك كيف يكون بعضها سعداً وبعضها نحساً وبعضها مضيئاً وبعضها مظلماً وبعضها صغيراً وبعضها كبيراً، قال كذلك أرادت أن تكون بمنزلة الناس وعلى حدهم فإن بعضهم جميل وبعضهم قبيح وبعضهم طويل وبعضهم قصير وبعضهم أبيض وبعضهم أسود وبعضهم صالح وبعضهم طالح، قلت فالعجب منك إني أريدك اليوم على أن تقر بصانع فلم تجبني إلى ذلك حتى كان الآن أقررت بأن القردة والخنازير خلقنا أنفسهن قال لقد منيت منك بما لم يسمع مني الناس، قلت أفمنكر أنت لذلك؟ قال أشد إنكار قلت فمن خلق القردة والخنازير إن كان الناس والنجوم خلقوا أنفسهم فلا بد أن تقول إنهن من خلق الناس أو تقول إنهن خلقن أنفسهن، أفتقول أنها من خلق الناس؟ قال لا، قلت فلا بد أن تقول أنهن خلقن أنفسهن أو لهن خالق فإن خلقت لها خالق صدقت، وما أعرفنا به وإن قلت إنهن خلقن أنفسهن رجعت إلى ما أنكرت، قال ما أجد بداً من أن أقول إنهن خلقن أنفسهن كما أقول أن البروج والناس خلقوا أنفسهم، قلت فكيف لا تجد بداً من أن تقول أن السماء والأرض والذر خلقوا أنفسهم فقد أعطيتني فوق ما طلبت منك من الإقرار بصانع فأخبرني إذنا أن بعض قبل بعض خلقن أنفسهن أم كان في يوم واحد فإن قلت لبعضهن قبل بعض فأخبرني السموات وما فيهن قبل النجوم خلقن وقبل الأرض أم بعد ذلك فإن قلت إن الأرض قبل فلا ترى قولك أن الأشياء لم تزل إلا قد بطل حيث كانت السماء بعد الأرض، قال بلى ولكني أقول خلقن جميعاً معاً قلت قد أقررت أنها لم تكن شيئاً قبل أن خلقت وقد أذهبت حجتك الأزلية، قال إن على حد وقوف لا أدري ما أجيبك به لأني أعلم أن الصانع إنما سمي صانعاً لصناعته والصناعة غير الصانع والصانع غير الصناعة لأنه يقال للرجل الباني لصناعته البناء والبناء غير الباني والباني غير البناء وكذلك الحارث غير الحرث والحرثغير الحارث،قلت فأخبرن عن قولك أن الناس خلقوا أنفسهم أفبكما لهم خلقوها لأرواحهم وأجسادهم وصورهم وأنفاسهم أم خلق بعض ذلك غيرهم قال بكمالهم لم يخلق ذلك ولا شيئاً منه غيرهم قلت فأخبرني الحياة أحب إليهم أم الموت؟ قال أوتشك أنهم لا شيء أحب إليهم من الحياة ولا أبغض إليهم من الموت قلت فأخبرن من خلق الموت الذي يخرج أنفسهم التي زعمت أنهم خلقوها فإنك لا تنكر أن الموت غير الحياة وأنه هو الذي يذهب بالحياة فإن قلت أن الذي خلق الموت غيرهم، فإن الذي خلق الموت هو الذي خلق الحياة لهم فإن قلت هم الذين خلقوا الموت لأنفسهم فإن هذا محال من القول وكيف خلقوا لأنفسهم ما يكرهون إن كانوا كما زعمت خلقوا أنفسهم، هذا ما يستنكر من ضلالك أن تزعم أن الناس قدروا على خلق أنفسهم بكمالهم وأن الحياة أحب إليهم من الموت وأنهم خافوا ما يكرهون لأنفسهم، قال ما أجد واحداً من القولين ينقاد لي وقد قطعته علي من قبل الغاية التي أريدها، قلت دعني من الدخول في أبواب الجهالات وما لا ينقاد من الكلام، وإنما أسألك عن معلم هذا الحساب الذي علم أهل الأرض علم هذه النجوم المعلقة في السماء فلا بد أن تقول أن هذا الحكيم علمه حكيم في السماء، قال إن قلت هذا فقد أقررت لك بإلهك الذي تزعم أنه في السماء، قلت أما أنت فقد أعطيتني أن حساب هذه النجوم حق وأن جميع الناس ولدوا بها، قال أتشك في غير هذا قلت وكذلك أعطيتني أن أحداً من أهل الأرض لم يرق إلى السماء فيعرف مجاري هذه النجوم وحسابها، قال لو وجدت السبيل إلى أن لا أعطيك ذل لفعلت، قلت وكذلك أعطيتني أن أحداً من أهل الأرض لا يقدر أن يغيب مع هذه النجوم والشمس والقمر في المغرب حتى يعرف مجاريها ويطلع منها إلى المشرق، قال الطلوع إلى السماء دون هذا، قلت فلا أراك تجد بداً من أن تزعم أن المعلم لهذا من أهل السماء، قال لئن قلت لك إنه ليس لهذا الحساب معلم لقد علمت إذن غير الحق ولئن زعمت أن أحداً من أهل الأرض علم علم ما في السماء وما تحت الأرض لقد أبطلت لأن أهل الأرض لا يقدرون على علم ما وصفت من هذه النجوم والبروج بالمعاينة فإما الدنو منها فلا يقدرون عليه لأن علم أهل الدنيا لا يكون عندنا إلا بالحواس ولا يدرك علم هذه النجوم بالحواس لأنها معلقة في السماء وما زادت الحواس على النظر إليها حيث تطلع وحيث تغيب فأما حسابها ودقايقها وسعودها ونحوسها وبطيئها وسريعها وخنوسها ورجوعها فأنى يدرك بالحواس أو يهتدي إليه بالقياس، قلت فأخبرني لو كنت واصفاً معلم هذا الحساب وواضع هذه الأشياء من أهل الأرض أحب إليك أم من أهل السماء، قال من أهل السماء إذ كانت هذه النجوم في السماء حيث لا يعلم أهل الأرض، قلت فافهم وأدق النظر وناصح نفسك ألست تزعم أن جميع أهل الدنيا إنما يولدون بهذه النجوم وإنهن على ما وصفت من السعود والنحوس وإنهن كن قبل الناس، قال ما أمتنع من أن أقول هذا، قلت أفليس ينبغي لك أن تعلم أن قولك إن الناس لا يزالون وما زال قد أنكر عليك حيث كانت النجوم قبل الناس فما تجد بداً من القول بأن الأرض خلقت قبلهم، قال ولم تقول أن الأرض خلقت قبل الناس قلت أليس تعلم أنه لو لم تكن الأرض التي جعلها الله لخلقه فراشاً ومهاداً ما استقام الناس ولا غيرهم من الخلق ولا قدروا أن يكونوا في الهواء إلا أن تكون لهم أجنحة وما تغني الأجنحة إذا لم تكن لهم معيشة، قلت ففي شك أنت إن الناس خلقوا بعد الأرض والبروج، قال لا ولكن على اليقين من ذلك، قلت آتيك أيضاً بما تبصره، قال ذلك انفي للشك عني، قلت ألست تعلم أن الذي تدور عليه هذه النجوم والشمس والقمر هو هذا الفلك قال بلى قلت أفليس كان أساساً لهذه النجوم، قال بلى، قلت فما أرى أن هذه النجوم التي زعمت أن مواليد الناس بها إلى وقد وضعت بعد هذا الفلك لأنه به تدور البروج ويسفل مرة ويصعد أخرى قال قد جئت بأمر واضح لا يشكل على ذي عقل، إن الفلك الذي يدور بالنجوم هو أساسها الذي وضع لها لأنها إنما جرت به، قلت فقد أقررت أن خالق النجوم التي يولد الناس بها سعودهم ونحوسهم هو خالق الأرض لأنه لم لو يكن خلقها لم يكن ذر، قال ما أجد بداً من إجابتك إلى ذلك، قلت أفليس ينبغي أن يدلك عقلك على أنه لا يقدر على خلق السماء إلا الذي خلق الأرض والذر والشمس والقمر والنجوم وأنه لولا السماء وما فيها لهلكذرا الأرض، قال أشهد أن الخالق واحد غير ذي شك لأنك أتيتني بحجة بهرت عقلي فانقطعت بها حجتي وما أراه يستقيم أن يكون واضع هذا الحساب ومعلم هذه النجوم واحداً لا من أهل الأرض لأنها في السماء ولا يعرف مع ذلك ما تحت الأرض منها إلا من يعرف ما في السماء، ولا أدري كيف سقط أهل الأرض على هذا العلم الذي هو في السماء حتى اتفق على ما رأيت من الدقة والصواب فإني لو لم أعرف من هذا الحساب ما أعرف لأنكرته ولا خبرتك أنه باطل في بدء الأمر وكان أهون علي"أقول" ثم إن مولانا الصادق صلوات الله عليه أبتدأ في الاستدلال على الهندي بإثبات الله جل جلاله بطريق اهليجة كانت في يده وكشف الدلالة حتى أقر بذلك بعد مجاحدات من الهندي وإطالة، وقد تضمن كتاب الإهليلجة شرح ذلك على التفصيل، وإنما كان مرادنا ههنا ما يتعلق بالنجوم وأنها صادرة من قدرة الله وأنه جل جلاله هو الذي أطلع عباده على أسرارها وكشف عن دلالاتها وآثارها ثم ذكر أن الصادق صلوات الله عليه بلغ من الاستدلال مع الهندي إلى أن قال له الهندي معترفاً لله بما دل عليه ما هذا لفظه، وإنه واضع هذه النجوم والدال على سعودها ونحوسها وما يكون في المواليد بها وأن التدبير واحد لم يختلف متصل فيما بين السماء والأرض وما فيهما وما بقي لي أمر أذعه ولا شيء أنظر فيه، هذا آخر ما أردنا من ذكره مما يتعلق بالنجوم من كتاب الاهليلجة عن الصادق عليه السلام. "وأقول" فانظر إلى ما تضمنه كلام مولانا الصادق صلوات الله عليه فإنه ما أبطل هذا العلم بالكلية، ولا طعن فيه بوجه من الوجوه الدينية ولا الدنيوية بل جعل الطريق إليه تعريف الله جل جلاله الأنبياء عليهم السلام بالوحي وبما دلهم عليه وأصحاب النجوم على اختلاف طبقاتهم اتفقوا في رواياتهم بأن هذا العلم عن إدريس عليه السلام ومن يجري مجراه وروى الشيخ الفاضل محمد بن إبراهيم الثعلبي في كتاب"العرائس في المجالس" و"يواقيت التيجان في قصص القرآن" في قصة إدريس"ع" تصديق ذلك فقال، وإنما سمي إدريس لكثرة درسه للكتب وصحف آدم وشيث وابنه لنوش، وكان إدريس أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس المخيط وأول من نظر في علم النجوم والحساب انتهى وذكر على بن المرتضى في كتاب ديوان"النسب" في آخر الجزء الثالث منه عن إدريس أنه أول من خط بالقلم وأول من حسب حساب النجوم هذا لفظه فيما حكاه من التوراة. ورأيت في رسالة أبي إسحاق الطرسوسي إلى عبد الله بن مالك في باب معرفة أهل العلم ما هذا لفظه أن الله تبارك وتعالى أهبط آدم من الجنة وعرفه علم كل شيء فكان مما عرفه النجوم والطب، ووجدت في كتاب المنتخب من طريق أصحابنا في دعاء كل يوم من رجب" ومعلم إدريس عدد النجوم والحساب والسنين والشهور والأيام" وذكر عبد الله بن محمد بن طاهر الطربثي في كتاب لطائف المعارف ما هذا لفظه أو من أظهر علم النجوم ودل على ترتيبها وقدر مسير الكواكب وكشف عن وجوه تأثيرها هرمس وهو إدريس " فصل" أقول ووجدت في كتاب عتيق عن عطاء قال قيل لعلي بن أبي طالب هل كان للنجوم أصل قال نعم نبي من الأنبياء قال له قومه لا نؤمن لك حتى تعلمنا بدء الخلق وآجالها فأوحى الله عز وجل إلى غمامة فأمطرتهم واستنقع ما حول الجبل ماء صافياً ثم أوحى الله عز وجل إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء ثم أوحى تعالى إلى ذلك النبي أن يرتقي هو وقومه على ذلك الجبل فارتقوا وأقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق وآجالهم بمجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار فكان أحدهم يعرف متى يمرض ومتى يموت ومن الذي يولد له ومن الذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهر هم ثم إن داود قاتلهم على الكفر فأخرجوهم إلى داود في القتال من لم يحضر أجله وأخرجوا من حضر أجله في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل من هؤلاء أحد، فقال داود ربي أقاتل على طاعتك ويقاتل هؤلاء على معصيتك فيقتل أصحابي ولا يقتل من هؤلاء أحد فأوحى الله عز وجل إليه أني كنت علمتهم بدء الخلق وآجاله وإنما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله ومن حضر أجله خلفوه في بيوتهم فمن ثم يقتل من أصحابك ولا يقتل منهم أحد فقال داود يا رب على ماذا علمتهم قال على مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار فدعا الله عز وجل فحبس الشمس عليهم فزاد الوقت واختلط الليل بالنهار فاختلط حسابهم قال علي عليه السلام فمن ثم كره النظر في علم النجوم.

ورويت بعدة طرق إلى يونس بن عبد الرحمن في جامعه الصغير وهو ممن أثنى عليه رضوان الله جل جلاله عليه بإسناده قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو فقال علم الأنبياء قلت أكان علي بن أبي طالب عليه السلام بعلمه فقال كان أعلم الناس به.

ووجدت في أصل من أصول أصحابنا اسمه كتاب التجمل تاريخ مقابلته يوم الأربعاء لسبع بقين من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين في باب النجوم بإسناده عن جميل بن دراج عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال قد كان علم النبوة نوح بالنجوم"أقول" قد تضمن هذا الحديث أن نبوة نوح عرفها من كان عارفاً بالنجوم وطريقها فكان في علم النجوم دلالة على نبوته ومنواة لحجته.

وأما دلالة النجوم على أن إبراهيم عليه السلام نبي فمنقولة عند علماء الإسلام ظاهرة بين الأنام، فمن ذلك ما رواه صاحب الأصل الذكور الذي تاريخه سنة ثمان وثلاثين ومائتين قال أن آزر أبا إبراهيم كان منجماً لنمرود ولم يكن يصدر إلا عن أمره. فنظر ليلة في النجوم فأصبح وهو يقول لنمرود: لقد رأيت الليلة في النجوم عجباً قال ما هو:قال: رأيت مولوداً يولد في زماننا يكون هلاكنا على يديه ولا نلبث إلا قليلاً حتى يحمل به فتعجب من ذلك وقال: هل حملت به النسأ قال: لا بعد فحجب الرجال عن النساء فلم يدعو امرأة إلا جعلها في المدينة لم يخص بعلها إليها فوقع آزر على أهله فحملت بإبراهيم فظن أنه صاحبه فأرسل إلى قوابل ذلك الزمن وكنا أعلم الناس بالجنين فلا يكون في الرحم شيء إلا عرفنه وعلمنه فنظرنا فالزم ما في الرحم الظهر فقلن ماذا في بطنها شيئاً قال: وكان مما أوتي من العلم إن المولود سيحرق بالنار ولم تؤثر به وإن الله سينجيه منها"أقول" ورويت هذا الحديث عن إبراهيم الخزازعن أبي بصير عبد الله عليه السلام من أصل قرى على هارون بن موسى التلعكبري رحمه الله.

وأقول وقد روى هذا الحديث علي بن إبراهيم رضوان الله عليه في كتاب"تفسير القرآن" في تفسير قوله جل جلاله"فلما جن عليه الليل" في سورة الأنعام بأبسط من هذه الرواية فقال ما هذا لفظه وكان من خبره أن آزر كان منجماً لنمرود بن كنعان فقال لنمرود إني أرى في حساب النجوم إنه يجيء في هذا الزمان رجل ينسخ هذا المدين ويدعو إلى دين آخر فقال له نمرود: في أي بلاد يكون قال آزر: في هذه البلاد أفولد وخرج إلى الدنيا قال: لا قال: فينبغي أن يفرق بي الرجال والنساء ففرق وحملت أم إبراهيم بإبراهيم ولم يبين حملها فلما حان ولادتها قالت لآزر: إني عليلة وأريد أن أعتزل عنك وكانت المرأة في ذلك الزمن إذا اعتلت اعتزلت زوجها فخرجت واعتزلت في غار فوضعت إبراهيم فهيأته وقمطته ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة وأجرى الله تعالى لإبراهيم لبناً من إبراهيم فكان نمرود يقتل كل ذكر يولد فما زال إبراهيم في الغار وكان يشب في اليوم كما يشب غيره في الأسبوع حتى أتى له ثلاث عشرة سنة فزارته أمه فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقالت يا بني إن الملك إذا علم أنك قد ولدت في هذا الزمان قتلك فأبى عليها وخرج من الغار فلما خرج وكانت الشمس قد غابت رأى الزهرة في السماء فقال هذا ربي فلما غابت قال: لو كان هذا ربي ما تحرك ثم قال:"لا أحب الآفلين" الآفل:الذي يغيب فلما كان بعد ذلك أطلع فرأى المر المشرق فقال هذا ربي هذا حسن فلما تحرك قال"لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما أصبح وطلعت الشمس ورأى ضوءها وقد أضاءت الدنيا بطلوعها"هذا ربي هذا أكبر" فلما تحركت وزالت" قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين" فكشف له عن السموات والأرض حتى رأى العرش وما فوقه وما تحته ونظر إلى ملكوت السموات والأرض، "قال العالم" عليه السلام لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض التفت فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات، حتى دعا على ثلاثة فماتوا، فأوحى الله إليه يا إبراهيم أن دعوتك مجابة فلا تدع على عبادي فإني لو شئت لم أخلقهم إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف: صنف يعبدني ولا يشرك بي شيئاً فأثيبه، وصنف يعبد غيري فلن يفوتني وأعذبه، وصنف يعبد غيري فأخرج من صلبه من يعبدني فلن يفوتني هو، ورواه أبو جعفر بن محمد بن جرير الطبري في"الجزء الأول"من تاريخه، ورواه سعيد بن هبة الله الرواندي رحمه الله في كتاب"قصص الأنبياء" ورواه أيضاً الثعلبي في كتاب"العرائس والمجالس" في قصص القرآن ورواه غيرهم من العلماء فلا حاجة إلى الإطالة بروايتهم ويكفي التنبيه عليه للاعتناء .

ومن أخبر المنجمون عن نبوته ورسالته موسى بن عمران صلوات الله على سيدنا رسول الله وعلى من تزيده الصلاة من خاصة رسل الله فقد تضمنت كتب التاريخ وغيرها من المصنفات ما يغني عن جميع الروايات، فمن ذلك ما رواه الثعلبي في كتاب"العرائس والمجالس" قال: إن فرعون رأى في منامه أن ناراً قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها وأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فدعا فرعون السحرة والكهنة والمعبرين والمنجمين وسألهم عن رؤياه فقالوا له: أنه يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك ويغلبك على سلطانك ويخرجك وقومك من أرضك ويذل دينك وقد أظلك زمانه الذي يولد فيه، ثم ذكر ولادة موسى وما صنع فرعون في قتل ذكور الأولاد، وليس في ذكر ذلك ههنا ما يليق بالمراد، وذكر حكم المنجمين في ميلاد موسى ونبوته الزمخشري في"كتاب الكشاف"، وروى حديث دلالة النجوم على ولادة موسى عليه السلام وهب بن منبه في الجزء الأول من"كتاب المبتدأ"، بأبسط من رواية الثعلبي، وحدثني بعض علمائنا المنجمين بحكم دلائل المنجمين على عيسى عليه السلام ولم أحفظ لفظ حديثه لأحكيه، ووجدت ذلك مشروحاً بالعربية في أوائل الإنجيل.
وذكر أبو جعفر محمد بن بابويه رضوان الله جل جلاله عليه في الجزء السادس من"كتاب النبوة" في باب سياقة حديث عيسى بن مريم عليه السلام فقال: ما هذا لفظه، وقدم عليها وفد من علماء المجوس زائرين معظمين لأمر ابنها وقالوا إنا قوم ننظر في النجوم فلما ولد ابنك طلع بمولده نجم لا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء فيجاور ربه عز وجل. ما كانت الدنيا مكانها ثم يصير إلى ملك هو أطول وأبقى مما كان فيه، فخرجنا من قبل المشرق حتى دفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعاً عليه من فوقه فبذلك عرفنا موضعه، وقد أهدينا له هدية جعلناها له قرباناً لم يقرب مثله لأحد من قط، وذلك إنا وجدنا هذا القربان يشبه أمره وهو الذهب والمر واللبان، لأن الذهب سيد المتاع كله وكذلك هو ابنك سيد الناس ما كان حياً، ولأن المر حياة الجراحات والجنون والعاهات كلها وكذلك ابنك يعافي المرضى كلها. ولأن اللبان يبلغ دخانه السماء وأن يبلغها دخان غيره وكذلك ابنك رفعه الله إلى السماء وليس يرفع من أهل زمانه غيره.

ووجد في كتاب"دلائل النبوة" جمع أبي القاسم الحسين بن محمد السكوني من نسخة عتيقة عليها سماع تاريخه يوم السبت لإثني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ونسخ من أصل كتاب مصنفه، فذكر في معرفة اليهود بعلم النجوم حديث بعثه النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله فقال: ما هذا لفظه، حدثني الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن علي بن عبد الرحمن قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا عبد الله بن غانم قال: حدثنا هناد قال: حدثنا يونس عن أبي إسحاق قال: حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن قومه عن حسان بن ثابت قال: إني والله لغلام يفقه ابن سبع أو ثمان سنين، أعقل كلما سمعت يهودياً وهو على أطمة يثرب يصيح: يا معشر اليهود فاجتمعوا له وقالوا له: ويلك مالك؟ قال طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة، هذا آخر لفظه، وسيأتي معرفة النصارى بنبوته من طريق النجوم أيضاً.

ووجدت كتاباً عندنا الآن اسمه كتاب النداء الصيني الذي عمله كيشتا ملك الهند يذكر فيه تفصيل دلالة النجوم على نبوة نبينا محمد صلوات الله عليه وآله وخلفائه، وهو شرح طويل، وقصدنا ذكر جملته دون التفصيل.

ووجدت في كتاب "درة الإكليل " في تتمة التذييل تأليف محمد بن أحمد بن عمرو بن حسين بن القطيعي في الجزء الثالث منه عند قوله: مفاريد الأسماء على التعبيد، فذكر في ترجمة عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق الشجري الأصل المروي المولد الصوفي الشيخ المعمر الثقة الموقت لابن أبي عبد الله، حديث دلالة النجوم عند هرقل ملك الروم على نبوة محمد صلى الله عليه وآله، والحديث طويل يتضمن سؤال هرقل لبعض قريش عن صفات النبي ولفظ كتاب النبي صلوات الله عليه وآله وسلامه إلى هرقل، ثم قال ما هذا لفظه. وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل أشفقا على نصارى الشام فحدث أن هرقل حين فقد ايلياء أصبح يوماً خبيث النفس، فقال بعض بطاركته قد أنكرنا هيئتك على ابن الناطور، وكان هرقل جيد النظر في علم النجوم فقال لهم حين سألوه: إني نظرت الليلة في علم النجوم، فرأيت ملكاً يظهر في من يختتن من هذه الأمة، فقالوا ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم، فاكتب إلى مدائن ملكك يقتلون من فيها من اليهود، فبينما هم على أمرهم إذ أتي برجل أرسل إلى هرقل من ملك غسان يخبره بخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما استخبره هرقل، قال: اذهبوا فانظروا أيختتن هو أم لا فنظروه وأخبروا أنه مختتن، فسألهم عن العرب، فقالوا أنهم يختنون فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب إلى صاحب رومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص حتى أتاه كتاب صاحبه يوافق رأيه على خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في سكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم أطلع عليهم فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد أن يثبت ملككم، قالوا بلى، قال بايعوا هذا النبي، فحاصوا حوصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها مغلقة، فلما رأى هرقل نفرتهم وآيس من الإيمان قال ردوهم قال لهم: إني قلت مقالتي آنفاً، أختبر بها شدتكم على دينكم، وقد رأيت ما أعجبني، فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل " أقول " هذا آخر لفظ مصنف كتاب"درة الإكليل" ولم أذكر أسانيد هذه الرواية تخفيفاً، فهذا يتضمن أن النجوم دلت على هرقل وصاحبه برؤيته على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ووطأت له بلوغ الأمنية وأذلت قلوب الرومية وكان ذلك من الآيات الربانية، والدلالات الخارقة الإلهية ومن فكان مطلعاً على كتب الإسلام وجد دلالة النجوم واضحة معلومة للإفهام لا يمكن جحودها إلا بالعناد وتهوين آيات الله جل جلاله في العباد وتصغير عظمته تعالى شأنه وحكمته في تدبير خليقته.

وأما دلالة النجوم لكسرى ملك الفرس على نبوة نبينا محمد صلوات الله عليه وآله وتوطئة النبوة بما دلت عليه النجوم بتدبير الله جل جلاله لها، فهو مذكور في كتب التواريخ يطول كتابنا بإيراد كلما وقفنا عليه ولكنا نذكر ما يكون تنبيهاً على ما أشرنا إليه ومن أراد استيفاء ذلك فلينظره في كل تاريخ اشتمل عليه، ونحن نقتصر على ما ذكره " الطبري " في تاريخه فهو تاريخ مشهور.

ذكر " الطبري " في تاريخه عن معرفة كسرى بالمنجمين وغيرهم بنبوة محمد صلوات الله عليه وآله بما يأتي ذكره بلفظه، وهو ذكر الخبر عن الأسباب التي حدثت من إرادة الله تعالى إزالة ملك فارس من أهل فارس فوطأ بها للعرب ما أكرمهم به نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم من النبوة والخلافة والملك والسلطان في أيام كسرى أبرويز فمن ذلك ما روى وهب بن منية، وهو ما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال: كان من حديث كسرى ما حدثني به بعض أصحابي عن وهب بن منية، أن كسرى كان سكن دجلة العوراء وأنفق عليها من الأموال ما لا يدري ما هو؟ وكان طاق مجلسه قد بني بنياناً لم ير مثله، وكان يعلق به تاجه فيجلس فيه إذا جلس للناس. وكان عنده ستون وثلاثمائة رجل من الخراة " والخراة العلماء " ما بين كاهن ومنجم وساحر، وكان فيهم رجل من العرب يقال له السائب يعتاف اعتياف العرب فلما يخطئ بعثه إليه بآذان من اليمن، وكان كسرى إذا ضربه أمر جميع كهانه وسحرته ومنجميه فقال: انظروا في هذا الأمر ما هو؟ فلما أن بعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم أصبح كسرى ذات غد وقد انقصمت طاق ملكه من وسطها من غير نقل وانخرقت دجلة العوراء، فلما رأى ذلك حزن وقال طاق ملكي انقصمت من غير ثقل وانخرقت دجلة العوراء"شاه بشكسته" يقول الملك انكسر، وجمع الكهان والسحرة والمنجمين ودعا السائب معهم فقال: انظروا في هذا الأمر ما هو فخرجوا من عنده ونظروا في الأمر فأخذ عليهم بأقطار السماء وضاقت عليهم الأرض وتسكعوا بعلمهم فلا يمضي لساحر سحره ولا لكاهن كهانته ولا يستقيم لمنجم علم نجومه، وبات السائب في ليلة ظل فيها على ربوة من الأرض يرمق برقاً نشأ من الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق، فلما أصبح ذهب ينظر إلى ما تحت قدميه فإذا روضة خضراء، فقال: فيما يعتاف لئن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق وتخصب به الأرض كأفضل ما أخصبت من ملك كان قبله، فلما خلص الكهان والمنجمون بعضهم إلى بعض، رأوا ما أصابهم، ورأى السائب ما قد رأى قال بعضهم لبعض: تعلمون والله ما حيل بينكم وبين علمكم إلا لأمر جاء من السماء وأنه لنبي قد بعث، أو هو مبعوث يسلب هذا الملك ويكسره ولئن بنيتم لكسرى خراب ملكه ليقتلنكم فأقيموا بينكم أمراً تلقونه فيه حتى تؤخروا أمره إلى آخر ساعة، فجاؤوا إلى كسرى، فقالوا قد نظرنا في هذا الأمر، فوجدنا بناءك الذي وضعته على الحساب، قد أخطأوا فيه فوضعوا طاق الملك وسكور دجلة على النحوس، فلما اختلف عليه الليل والنهار وقعت النحوس على مواقعها، فدك كل ما وقع عليها، وأنا سنحسب حساباً تضع عليه بنياناً لا يزول، قال فاحسبوا، فحسبوا ثم قالوا ابن، فبنى، فعمل في دجلة ثمانية أشهر، وأنفق فيها الأموال مالا يدري ما هو حتى إذا فرغ قال لهم اجلس على سورها قالوا نعم، فأمر بالبسط والفرش والرياحين فوضعت عليها، وأمر بالمرازبة فجمعوا واجتمع إليه النقابون ثم خرج حتى جلس عليها فبينما هو هناك إذ انتسفت دجلة البنيان من تحته فلم يخرج إلا بآخر رمق، ولما أخرجوه جمع كهانه وسحرته ومنجميه فقتل منهم قريباً من مائة فقال لهم: سميتكم وأدنيتكم دون الناس وأجريت عليكم أر زافي وتلعبون بي، فقالوا أيها الملك: أخطأنا كما أخطأ من قبلنا ولكنا سنحسب حساباً نبنيه حتى نضعه على الوفاق من السعود قال لهم: انظروا ما تقولون قالوا فإن نفعل قال: فاحسبوا فحسبوا له ثم قالوا له ابن فبنى وأنفق من الأموال ما لا يدري ما هو ثمانية أشهر كذي قبل فقالوا قد فرغنا فقال اخرج واقعد عليها فقالوا نعم، فهاب الجلوس عليها وركب برذونا وخرج يسير عليها فبينما هو يسير فوقها إذ انتسفت دجلة بالبنيان فلم يخرج إلا بآخر رمق فدعهم، وقال: والله لآتين على آخركم ولا نزعن أكتافكم ولا طرحنكم تحت أيدي الفيلة أو لتصدقوني ما هذا الأمر الذي تلفقونه علي، قالوا: لا نكذبك أيها الملك أمرتنا حين انخرقت دجلة وانقصمت طاق المجلس من غير ثقل إن ننظر في علمنا لم ذلك؟ فنظرنا فأظلمت علينا أقطار السماء فتردى علمنا وسقط في أيدينا، فلا يستقيم لساحر سحراً ولا لكاهن كهانة ولا لمنجم على نجوم فعلمنا أن هذا الأمر حدث من السماء وأنه قد بعث نبي أو هو مبعوث فحيل بيننا وبين علمنا لأجله وخسينا أن نعينا إليك ملكك أن تقتلنا فكرهنا منالموت ما يكره الناس وعللناك على أنفسنا بما رأيت قال: ويحكم فهلا بينتم لي هذا لأرى فيه رأيي قالوا: منعنا من ذلك ما تخوفنا منك فتركهم ولها عن دجلة حتى علم ذلك.

وذكر علي بن المرتضى في أواخر الجزء الثالث من ديوان النسب أنه من التوراة في دلالة النجوم على نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زمن كسرى المشار إليه مثله "أقول" وهلك كسرى هذا في حياة النبي صلى الله وسلم عليه وآله، وأما كسرى الذي خرج الملك عنه إلى المسلمين فسنذكر ما ذكره الطبري من دلالة النجي ما آل حاله إليه في فصل منطو عليه فنقول.

وأما دلالة النجوم على ظهور المسلمين على ملوك الفرس فالأخبار بها كثيرة فمن ذلك ما ذكره الطبري في تاريخه فقال ولما أمر يزد جرد رستم بالخروج من ساباط بعث إلى أخيه بنحو من الكتاب الأول وزاد فيه فان السمكة قد كدرت والنعايم قد حبست وحسنت الزهرة واعتدل الميزان وذهب بهرام ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا ويستولون على ما بأيدينا وأنا اشد ما رأيت ان الملك قال لتسيرن إليهم أو لا سيرن أنا بنفسي وأنا سائر إليهم وكان الذي جرا يزد جرد على إرسال رستم غلام جاه بان منجم كسرى و كان من أهل قراب بادقاي فأرسل إليه مانرى في مسير رستم لحرب العرب فكذبه خوفا وكان رستم يعلم نحوا من علم ذلك المنجم فثقل عليه سيره وخف على الملك لمشاغزه به، وقال إني أحب أن تخبرني أراه فأطمئن به إلى قولك فقال الغلام لدرنا بند الهندي: سلني فسأله فقال الغلام: أيها الملك يقبل طائر فيقع على إيوانك ويقع منه ما في فيه ههنا وخط دائرة فقال العبد: صدق والطائر غراب والذي في فيه درهم، وبلغ جابان أن الملك طلبه فأقبل فسأله عما قاله غلامه فحسب وقال: صدق ولم يصب هو عقعق في فيه درهم يقع منه على هذا المكان وكذب درنابند في مكان الدرهم بل ههنا ودور دائرة أخرى فأقاموا حتى وقعوا على الشرفات عقعق فسقط منه درهم فوقع على الخط الأول وتدهده حتى صار في الخط الآخر ونافر الهندي جابان حيث خطأه فأتى ببقرة نتوج فقال الهندي سخلتها غبراء سوداء فقال جابان: كذبت بل سوداء سفعاء فنخرت البقرة واستخرجت سخلتها فإذا ذنبها أبيض فقال جابان: من ههنا أتى درنا بند وشجعاه على إخراج رستم فأمضاه ثم قال الطبري ما معناه أن جابان كتب إلى من يشفق عليه من العسكر يأمره بالدخول معهم فيما يريدون وأن ملك الفرس ذهب فقبل منه فكان الأمر على ما اقتضاه دلالة النجوم على ظهور العرب على الفرس.

فيما نذكره من دلالة النجوم على مولانا المهدي بن الحسن العسكري صلوات الله عليهم ذكرها بعض أصحابنا في كتاب الأوصياء وهو كتاب معتمد عند الأولياء وجدته في أصل عتيق لعله كتب في زمان مصنفه وقد دثر تاريخه، فيه دلالات الأئمة وولادة المهدي صلوات الله عليهم رواه الحسن بن جعفر الصيمري، ومؤلفه علي بن محمد بن زياد الصيمري وكانت له مكاتبات إلى الهادي والعسكري وجوابهما إليه وهو ثقة معتمد عليه فقال: ما هذا لفظه، حدثني أبو جعفر القمي ابن أخي أحمد بن إسحاق ابن مصقلة، أنه كان يقم منجم يهودي موصوفاً بالحذق في الحساب فأحضره أحمد بن إسحاق وقال له:قد ولد مولود في وقت كذا وكذا فخذ الطالع واعمل له ميلاداً فأخذ الطالع و نظر فيه وعمل عملاً له، فقال لأحمد لست أرى النجوم تدلني على شيء لك من هذا المولود إلا لنبي أو وصي نبي وإن النظر فيه يدلني على أنه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبراً وبحراً وسهلاً وجبلاً حتى لا يبقى على الأرض أحد إلا دان له وقال بولايته، يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وهذا من آيات الله الباهرة وحججه على من عرفه بالعين الباصرة، فإن أحمد بن إسحاق ستر المولود على المنجم المذكور فدله الله جل جلاله بدلالة النجوم على ما جعل فيه من السر المستور، وقد كنت أشرت إلى قدامة بن الأحنف البصري المنجم ليحقق طالع ولادة المهدي صلوات الله عليه ولم أكن وقفت على هذا الحديث المشار إليه فذكر أنه حقق طالعه وأحضر زايجته وكما سبقنا راوي هذا الحديث المشار إليه فصار ذلك إجماعاً منهما عليه.

فيما نذكره من كلام الشيخ بن محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله عليه، وهو الذي انتهت رياسة الإمامية في وقته إليه، وذلك فيما رويناه عنه في"كتاب المقالات" أنه لا مانع من أن يكون الله أعلم بالنجوم بعض أنبياءه وجعلها علماً على صدق من بعض المعجزات فقال: ما هذا لفظه وأقول أن الشمس والقمر وسائر النجوم أجسام نارية لا حياة لها ولا موت خلقها الله لينتفع بها عباده وجعلها زينة لسماواته وآية من آياته كما قال سبحانه وتعالى"وهو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون" وكما قال تعالى "هو الذي جعل النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون" وكما قال عز وجل "وعلامات وبالنجم هم يهتدون" وكما قال تبارك اسمه "وزينا السماء بمصابيح"، فأما الحكام على الكائنات بدلالاتها والكلام على مدلول حركاتها فإن العقل لا يمنع منه ولسنا ندفع أن يكون الله تعالى أعلمه بعض أنبيائه وجعله علماً له على صدقه غير أنا لانقطع عليه ولا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية فأما ما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت وإصابة بعضهم فيه فإنه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة وبدليل عادة وقد يختلف أحياناً ويخطئ المعتمد عليه كثيراً ولا تصح إصابته فيه أبداً لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب ولا أخبار الرسول. وهذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل وإليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الأمامية وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة أقول فأنظر إلى قوله رحمه الله تعالى فأما الأحكام على الكائنات بدلالاتها والكلام على مدلول حركاتها فإن العقل لا يمنع منه فهذا تصريح صحيح أن العقول السليمات لا تمنع أن تكون النجوم دلائل على الكائنات، وانظر قوله رحمه الله ولسنا ندفع أن يكون الله سبحانه أعلمه بعض أنبيائه وجعله علماً على صدق فهذا توفيق منه رحمه الله وتحقيق أنه لا يدفع أن يكون الله تعالى علمه بعض أنبيائه وجعله علماً على صدقه فهل تقبل العقول أن يكون الله تعالى أعلم أنبيائه بما يكون تعليمه والعلم به حراماً ونقصاناً لمن علمه وتعلمه وهل يكن أن يجعل الله جل جلاله علماً على صدق نبي من أنبيائه ما يكون كذباً وجهلاً وبهتاناً وضلاً، وانظر قوله رحمه الله غير أنا لانقطع عليه ولا نعتقد استمراره إلى هذه الغاية فإن ذكر أنه ما نقطع عليه ولو كان هذا العلم باطلاً وتعليمه والعلم به ضلالاً كان قد قطع على أن الله لا يعلمه أنبياءه ولا يكون علماً على صدقهم، وأما قوله أنا لا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية فلقد صدق رحمه الله لأن استمراره على الوجه الذي يمكن من تعليم الله تعالى بعض أنبيائه آية على صدقهم ما هو مستمر لعدم النبي الذي يمكن تعليم الله جل جلاله له وعدم الحاجة الآن إلى أن يكون علم النجوم علماً على صدق نبي من الأنبياء عليهم السلام وانظر قوله رحمه الله، وأما ما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت وإصابة بعضهم فيه فإنه لا يكون ذلك بضرب من التجربة أو بدليل عادة فهل تراه رحمه الله أحال إصابتهم وأبطلها وذكر تحريم التصديق بها وأهملها وإنما تأول الإصابات بأنها يمكن أن تكون للتجارب ودلائل العادات. واعلم أن جماعة من علماء المنجمين من المؤمنين والمسلمين حضروا عندنا ووقفا على تسييرهم وتحاويلهم وجربنا كثيراً من أقاويلهم وعرفنا أنهم ما يذكرون دلائل هذه النجوم من طريق تجربة ولا عادة بل على ما يبلغه علمهم من تدبير الله تعالى لها على المدلولات كما يعتمد أصحاب كل علم لما يقتضيه علمهم من العبادات وقد قدمنا في مناظرة الصادق عليه السلام للهندي أنها لا تعرف بالتجربة والعادة كما أشرنا إليه. ثم أقول وانظر إلى قول المفيد رحمه الله عن أحكام النجوم وقد تختلف أحياناً ويخطئ المعتمد عليه كثيراً ولا تصح إصابة فيه أبداً لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب ومن أخبار الرسول أفلا تراه صدق بعض ما يحكم به المنجمون من دلائلها على الحادثات وإنما قال قد تختلف أحياناً ويخطئ المعتمد عليه كثيراً وأنهم لا يستمرون على الإصابات. "أقول" وأي علوم من العلوم العقلية والنقلية يستمر أصحابها على الإصابة فيها ولا يختلفون ولا يخطئون كثيراً بما تقتضيها وانظر قوله رحمه الله أنه ليس بجار مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب ولا أخبار الرسول فهل تراه أنكر هذه الأحكام أو رآها محرمة في شرائع الإسلام وإنما ذكر أنها لا تجري مجرى غيرها من الدلالات ولقد قال حقاً وهو المؤيد بالعنايات ثم انظر قوله وهذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل وإليه ذهب بنو نو بخت رحمهم الله من الإمامية وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة كيف ذكران هذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل، فمن ذا يرغب بنفسه عن مذهب أهل العدل إلا سقيم العقل بعيد من الفضل وانظر قوله وإليه ذهب بنو نوبخت رحمهم الله من الإمامية فلم ينكر عليهم بل ترحم عليهم. وبنو نوبخت من أعيان هذه الطائفة المحقة المرضية ومنهم وكيل مولا المهدي صلوات الله عليه أبو القاسم الحسين بن روح رضوان الله جل جلاله عليه.

ومن أعظم من يعتقد فيه أنه ينكر دلالة النجوم على الحادثات من أصحابنا المتكلمين تغمدهم الله بالرحمات، السيد المرتضى رضي الله عنه وأبلغ ما وقفت عليه من كلماته في ذلك في جملة مسائل سأله عنها تلميذه سلاز رحمه الله وإذا اعتبر الناظر فيها ما ذكره في أواخر جوابه عنها وجده يقول: إن اتصال الكواكب وانفصالها وتسييرها لها أصول صحيحة وقواعد سديدة، وهذا من أعظم الموافقة على ما ذكرناه من صحة دلالة النجوم وإنما ينكر رحمه الله أن النجوم فاعلة، وذلك منكر وكفر كما دللنا على فساده ومنكر أن تكون النجوم مؤثرة في أجسامنا ونحن على اعتقاده.

أعلم أنني لو وجدته رحمه الله مانعا بالكلية من صحة دلالة النجوم على الوجه الذي أشرنا إليه، فإنني لا أرضى بالتقليد يجوز الاشتباه عليه ولو قلد هذا السيد المعظم في كل ما دخل فيه من الدول والولايات كان قد دخل غيره فيها واعتذر بنحو ما اعتذر به واعتمد عليه، ولقد وثق غيره بمن انبسط إليه فهدده بما لا صبر عليه من المؤاخذة والذل وكلمة من الاقتداء به والتقليد له وآثر الله جل جلاله عند الكل.

ومن وقف على ما اشتبه على هذا السيد المعظم قدس الله روحه، وجد في بعض كتبه من المسائل العقلية، التي انفرد بها عن شيخه المفيد وجملة من علماء الأمامية، عرف أنه لا يجوز تقليد من يجوز الخطأ عليه فيما لا يسوغ شرعا تقليده فيه، وقد ذكر الرواندي رحمه الله نحو تسعين مسألة بل أكثر أصولية خالف فيها المرتضى شيخه مفيد وهي عندنا الآن بتفصيلها، ومن أعجبها إثبات الجوهر في العدم، فإن شيخه المفيد استعظم في العيون والمحاسن الاعتقاد بصحتها، والمرتضى في كثير من كتبه عضدها وانتصر لها وهي خطأ بجملتها.

وكذلك من وقف على ما اشتبه على هذا السيد العالم رضي الله عنه في مسائل كثيرة شرعية، مثل أن الشيعة لا تعمل بأخبار الآحاد في المسائل الدينية وهي من العلوم التي كان مشغولا بها، ولا يكاد تعجبي ينقضي، كيف اشتبه عليه أن الشيعة لا تعمل بأخبار الآحاد في الأمور الشرعية ومن أطلع على التواريخ والأخبار، وشاهد عمل ذوي الاعتبار وجد المسلمين والمرتضى وعلماء الشيعة الماضين عاملين بأخبار الآحاد بغير شبهة عند العارفين كما ذكر محمد بن الحسن الطوسي في "كتاب العدة" وغيره من المشغولين بتصفح أخبار الشيعة وغيرهم من المصنفين وقد ذكرنا في"كتاب غياث سلطان الورى" لسكان الثرى، صحة العمل بأخبار الآحاد، وأوضحنا العمل به في سائر البلاد، وبين كافة العباد.

وأبلغ ما رأيت من كلام المرتضى رضي الله عنه في أحكام النجوم في"المسائل السالارية" وهي الثمان مسائل التي أشرنا إليها وكان سلار الفقيه عزيزاً عليه وهو الذي تولى تغسيله مع غيره رضوان الله عليه وأول هذه المسائل، سؤال السائلين عن الجوهر وأنه جوهر بالفاعل وقد منع المرتضى رحمه الله من ذلك غاية المنع. ونرجو أن يكون رجع عن هذا الدفع، إلى مذهب شيخه المفيد وغيره من أن الجوهر بالفاعل، فمن أعجب العجب اشتباه ذلك على أهل التأييد، فلا عجب إذن ممن اشتبه عليه أن الجوهر بالفاعل وهو من علوم العقل، أن تشتبه عليه مسألة في علم النجوم الذي هو ليس من علوم العقل، بل طريقة صادرة عن النقل والعقل أظهر والنقل أخفى وأستر.

فقال السائل للمرتضى رحمهما الله، وكيف تقول أن المنجمين حادسون مع أنه لا يفسد من أقوالهم إلا القليل، فقال المرتضى في الجواب ما نذكر منه الذي إلى نحتاج الجواب عنه دون التطويل فذكر أبطال أن النجوم فاعلة مختارة، وقد كنا نبهنا على بطلانه، فلا حاجة الآن إلى ذكر برهانه، ثم قال ما هذا لفظه ما وقفنا عليه، وأما الوجه الآخر وهو أن يكون الله سبحانه أجري العادة بأن يفعل أفعالاً مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه، واتصاله أو مفارقته، فقد بينا أن ذلك ليس مذهب المنجمين البتة، وإنما يحتملون الآن بالنظائر، وأنه قد كان جائزاً أن يجري الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بأن ذلك قد وقع وثبت، ومن أين لنا طريق إن الله تعالى أجرى العادة بأن يكون زحل أو المريخ إذا كان في درجة الطالع كان نحساً وأن المشتري إذا كان كذلك كان سعداً، وأي سمع مقطوع جاء به شيء من ذلك؟ وأي نبي خبر به وأستفيد من جهته؟ والجواب، أما قوله رحمه الله إن ذلك ليس بمذهب المنجمين البتة، فسيأتي في أواخر جوابه عن هذه المسائل أن اتصال الكواكب وانفصالها أصول صحيحة وقواعد سديدة، ويأتي أيضاً في كتابنا هذا في باب علماء المنجمين، وفي باب علماء المنجمين من غير الشيعة، قبل وجود المرتضى بأوقات كثيرة ممن كان يتعبد بالإسلام أن دلالة النجوم صادرة من الله جل جلاله، هذا لا يليق إنكاره وجحوده ثم كان خلق عظيم يعتقدون أن الأصنام فاعلة ورجعوا عنها ولم يكن ذلك الاعتقاد الأول حجة، ولا الرجوع عنها نقصاً، بل زيادة في سعادة، فكذا يجوزان أن يكون حال من ذكره من المنجمين، وأما قوله قد كان جائزاً أن يجري الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بأن ذلك وقع وثبت فالجواب أن هذا موافقة منه أن العقول لا تمنع من جواز ذلك فأما كونه ذكر أنه لا طريق إلى العلم بأن ذلك وقع وثبت، فهذا مما يصعب الاعتذار له فيه لأنه إن كان يريد أنه لا طريق أصلاً في نفس الأمر فعظيم، فإنه كان يحسن أن القول يمكن أن يكون هناك طريق إلى العلم لكن ما عرفتها إلى الآن فإن كثيراً من المسائل عرفها بعد أن لم يكن عارفاً بها وتصانيفه تتضمن أنه رحمه الله رجع عن مسائل كان قائلاً بها ومعتقداً لها، وهذا شاهد عليه بجواز وجود الطريق فيما بعد إلى العلم بذلك وأما قوله ومن أين أن الله تعالى أجرى العادة فهو استبعاد منه لوجود الدلالة وما هو نفي لها ولا إحالة وقد اعترف بصحته في أواخر جواب مسألته، وسوف نورد في كتابنا هذا من الأخبار المروية من علماء الفرقة المحقة المرضية الذي ثبت بأمثالها بعض الأحكام الشرعية ويقتضي وجود الطريق إلى التحقيق، بأن دلالة النجوم صحيحة عند أهل التوفيق، وأما قوله وأي نبي خبر به وأستفيد من جهته فقد ذكرنا بعض من أورد إلينا أنه نقل عن الأنبياء عليهم السلام وسنذكر بعد في هذا الكتاب من أشرنا إليهم، وإذا علمنا بالتجربة التي تنبت بمثلها المعلومات طريقاً واضحة من دلالات النجوم كالكسوفات، كان ذلك كافياً وشافياً في أن هذا العلم صادر عن أهل النبوات، وأن لم نعلمه بالروايات كما ذكره الصادق"ع" في مناظرته للهندي وقد قدمنا .

ثم قال رحمه الله تعالى في تمام كلامه ما هذا لفظ ما وقفناه عليه فإن عولوا في ذلك على التجربة فإن جربنا ذلك ومن كان قبلنا فوجدناه على هذه الصفة وإذا لم يكن موجباً فيجب أن يكون معتاداً قلنا لهم ومن سلم لكم هذه التجربة وانتظامها وأطرادها وقد رأينا خطأكم فيها أكثر من صوابكم وصدقكم أقل من كذبكم فألا نسبتم الصحة إذا اتفقت منكم إلى الاتفاق الذي يقع من المخمن والمترجم، فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممن يخطأ وهم على غير أصل معتمد ولا قاعدة صحيحة، فإذا قلتم أن سبب خطأ المنجم زلل دخل عليه من أخذ الطالع أو تسيير الكواكب، قلنا ولما لا كانت إصابته سببها اتفاق للمنجمين، وإنما يصح لكم هذا التأويل والتخريج لو كان على صحة أحكام النجوم دليل قاطع من غير إصابة المنجم، فأما إذا كان دليل صحة الأحكام الإصابة، فألا كان دليل فسادها الخطأ، فما أحدهما إلا في مقابلة صاحبه فالجواب أن الجحود في الإصابة في الخسوفات والكسوفات وما جرى مجراهما من الدلالات لا يليق بمثل من كان دونه في المقامات العاليات، وقد وافق على أن هذه الطرق الواضحة عرفت بالحساب وستأتي موافقته في أخر الجواب وهو كاف في دلالة النجوم وصحتها لذوي الألباب ولو كان خطأ العالم في بعض علمه فادحاً في كله ما ثبت علم من العلوم إذ كلها وقع في بعضها خطأ وغلط كما قدمنا، فأما قوله أن الإصابة تحتمل الاتفاق فقد ذكرنا عن الصادق"ع" في كتاب الأهليلجة وغيره فيما أسندناه إليه أنه يستحيل أن تكون دلالة النجوم بالاتفاق وبالتجربة أيضاً وإنما هي معروفة من جانب الله جل جلاله وأما قوله أن صدقهم أقل من كذبهم وأن المخمن والمترجم صوابهم أكثر من خطأهم فما أعلم من أين أعتقد رحمه الله تعالى أن المخمن والمترجم من طريق يسلك فيها إلى تخمينه وترجيمه وجد صوابه أكثر من خطأه وأن أصحاب الحساب المبني على علم المعقول المستند أصله إلى علوم الأنبياء يكون دون المخمن والمترجم هذا مالا أحتاج إلى الجواب عنه وجوابه منه وأما قوله رحمه الله في جوابهم أن الغلط يكون من المنجم عند أخذ الطالع بأنهم يحتاجون إلى دلالة من غير ذلك فأقول في الجواب سوف تأتي الدلالة المحوجة إلى أن يكون الغلط من المنجم كما أحوجت الدلالة على صحة المذاهب المحقة الإلهية والنبوية وظهر أن الغلط كان منهم في ترتيب الأدلة فالحالة واحدة وأما قوله رحمه الله أن الغلط في مقابلة الإصابة فما أحدهما إلا في مقابلة صاحبه فهذا ما يرد عليهم في دلالة الكسوفات والخسوفات ولا في ذكرهم لأهلة الشهور وما يناسبها من كليات الأمور فلا ينبغي إطلاق القول المذكور وقد تقدم في السؤال أن السائل ذكر أنه لا يفسد من أقوالهم إلى القليل وهو شاهد لهم جليل مشهود له بالتعديل فتقابل دعواه بدعوة سائله.

قال رحمه الله مما أفحم به القائلون بصحة الأحكام ولم يحصل عنه منهم جواب أنهم أن قيل لهم في شيء بعينه خذوا الطالع وأحكموا هل يؤخذ أو يترك فإن حكموا بالأخذ أو بالترك وفعل خلاف ما حكموا به فقد أخطأوا وقد أعضلتهم هذه المسألة والتعريف فالجواب أن هذه المسألة إنما تلزم من يقول أن النجوم علة موجبة فأما من يقول أنها ليست بفاعل مختار بل ورآها فاعل مختار قادر على خراب الفلك إذا شاء وعلى أن يمحو ما يثبت وينبت ما محى فإنه لا يلزمهم لأنهم يمكنهم أن يقولوا أن النجوم وإن دلت على فعل فإن الله فاعل مختار قادر على الترك والفعل لا يطلع على ما يريده سبحانه أحداً على ما ستر من أسراره فلا يحكم عليه بأنه جل جلاله يلزمه الاستمرار على فعله أو تركه بل يقولون هذا الفعل يقع بشرط الاختيار والله سبحانه عكس دلالاته وهذا الأمر يترك بشرط الاختبار، والله تعالى عكس علامته كما نسخ الفاعل المختار الشرايع ومحا وأثبت وكان ذلك حكمة وصواباً.

وأما من يقول أن النجوم دلالات وأن العبد فاعل مختار فإنه يقول يحتمل أنها تارة تدل بالله جل جلاله الفاعل المختار على شروط صحيحة لكن ورآها العبد وهو قادر على ترك الاستمرار عليها. فلا يلزمهم إنما أخبروا بفعله أنه يستحيل تركه من العبد ولا من أخبروا بتركه يختار خلاف ما دلت عليه وهذا وجه يدفع الشبهة التي ذكرها رحمه الله.

ثم ذكر حكاية جرت له مع بعض الوزراء الذين يقولون بصحة دلالات النجوم وأنه رحمه الله قال للوزير ما معناه أن النجوم لو كانت تدل على الإصابة لكان المنجمون سالمين من الآفات وكان الجاهلون بالنجم حاصلين في المخافات وكانوا كبصير وأعمى إذا سلكا في الطريق والجواب أن يقول ليس كل من عرف علماً عمل بعلمه وخلص نفسه من الردي قال الله جل جلاله"وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدي" ثم يقال له لو أن قائلاً قال لك لو كان العقل موجوداً مع الموصوفية من بني آدم لكان السالمون به من الآفات أضعاف الهالكين به من الدواب والحيوانات المختارة التي ليس معها عقول. ونحن نرى الآفات يجري على الفريقين على المقارنة والمناسبة بل لعل هلاك العقلاء بعقولهم أكثر من هلاك الحيوان المختار من غير عقل بما هو عليه من الجهل ويقال له لو كان في علوم بني آدم بديهيات لقد كان يتعذر على أحد منهم الخلاف فيها وقد اختلفوا فيها ويقال له لو كان العلم ثابتاً بانا فاعلون ضرورة لكان السالم منه أكثر من الهالك ونحن نرى ثلثاً وسبعين فرقة من الأمة المرحومة جهلتها أكثر من الفرقة الناجية في كل وقت من الأوقات ومع ذلك ما دل هذا الاختلاف على بطلان العلم بانا فاعلون بالضرورة، وقد تركنا معارضات كثيرة.

ثم قال رحمه الله عن شخص غير منجم سماه شعراني له إصابات عظيمة بعضها وقعت بحضوره من أخباره الغائبات، فقال لنا كان لنا صديق يقول أبداً من أدل دليل على بطلان علم النجوم أصابت الشعراني والجواب أن الذين يذهبون إلى أن الولادة في وقت معين دالة من طوالع النجوم، فيقولون أن طالع هذا الشعراني اقتضى تعريف الله تعالى له بهذه الإصابات وهم يجعلون هذا من حججهم أن النجوم دلالات من آيات فاطر الأرضين والسموات، ولو كان هذا الشعراني يصيب من مجرد عقله لاشترك في إصابته كل من له عقل خاصة كان يلزم ذلك من يقول أن العقول متساوية وحكى مجلساً جرى له منجم ذكر نحو ما ذكرناه، ثم اعترض عليه بأن قال وإذا كانت الإصابة بالمواليد فالنظر في علم النجوم عبث وتعب لا يحتاج إليه والجواب أن يقال له رحمه الله إذا كانت الإصابة في أحكام النجوم بالمواليد على شروط تعلم الطريق وقد دلت الولادة على تعلمها لمن كانت ولادته مقتضية بذلك، فكيف يقال مع هذا أن النظر في علم النجوم عبث وتعب لا يحتاج إليه وأين حجته في ما ذكره واعتمد عليه .

ثم قال رحمه الله ما معناه أن معجزات الأنبياء عليهم السلام أخبارهم بالغيوب فكيف يقدر عليها غيرهم فيصير ذلك مانعاً من أن يكون معجز إليهم، والجواب أن نقول هذا ولمن بعدما شهده من الشعراني من أنه كان يخبر بالغائبات لا يقدح بالمعجزات فهو جواب المنجمين فأما قوله كيف يقدر عليها غيرهم فالجواب عنه إذا كان الله جل جلاله هو الذي جعل النجوم دلالات وكانت من معجزات إدريس عليه السلام، فجوابه عنه هو جوابه عن الأنبياء ويقال له أن الأنبياء ادعوا تصديق الله جل جلاله لهم بالمعجزات فصدقهم تعالى مع حكمته وعدله فلا يشبه ذلك منجم ولا يدعى لقوله تصديقاً وينسب دلالة النجوم إلى الله تعالى.

وقد وجدنا بالتواريخ كثيراً من المسلمين والمعتبرين ذكروا في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبار سطيح وغيره من الكهنة والمنجمين بغائبات أخبروا بها ووقعت، ولم يكن ذلك قادحاً في معجزات الأنبياء في ما أخبروا به من الغائبات لأجل اختلاف الأنبياء والكهنة في صفات تعريفهم بالغائبات والحادثات لأن الأنبياء يخبرون بالغيب من غير سبب من البشر وغيرهم يخبروا بأسباب من توصله بالبشر.

وذكروا أيضاً من أخبار الجن والتوابع لجماعة من الجاهلية والمسلمين بغائبات ما لو أردنا ذكرها بلغنا حد الإطالة، بل فيها ما جعله جماعة من المسلمين معجزة لصاحب النبوة حيث أخبرت الجن بنبوته وأسلم ذلك الذي أخبروه برسالته ولم يكن ذلك الأخبار بالغيوب قادحاً في معجزات الأنبياء عليهم السلام.

فصل ولو لم يكن إلا ما يأتي في المنامات التي لا يليق جحودها ولا يحسن إنكارها بشيء من المكابرات، ولم يقدح ذلك في معجزات الأنبياء بتعريف الغائبات فلدلالة النجوم أسوة بهذه الدلالات وأين تعريف الأنبياء بالحادث؟ من تعريف المنجمين وغيرهم من سائر المخبرين لأن أخبار الأنبياء كما ذكرنا من حيلة ولا توصل منهم ولا خطأ وغلط أبداً صدر عنهم وستأتي في تضاعيف هذا الكتاب أيضاً زيادة دلالات في الفرق بين الأنبياء والمنجمين وغيرهم ف بتعريف الغائبات ولقد تعجبت كيف اشتبه الأمر بينهما على ذوي البصائر والعارفين بالدلالات.

ثم ذكر المرتضى رحمه الله على عادته في كثير من مسائله وجوابهما أن الإجماع عليه وقد قدمنا قول شيخه المفيد بخلاف ما اعتمد المرتضى عليه فإنه قال فيه مذهب جمهور متكلمي أهل العدل وإليه ذهب بنو نوبخت من الإمامية، وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة، فكيف يقولوا أن الإجماع عليه وهذا قول شيخه المفيد رحمه الله كما تراه ممن ذكرهم على القول بخلافه وسوف نذكر أيضاً من علماء المنجمين وعلماء المسلمين وعلماء العقلاء من الماضين والباقين واستعمالهم لذلك أجمعين، ما يقتضي أن الإجماع على خلاف السيد المرتضى، مما لم نذكر قوله فيه، شفقة عليه.

وقد وجدت في عدة كتب روينا بعضها أن المرتضى رحمه الله أخذ غيره طالعه وعملت زايجته وأن طالعه الجوزاء، وأن ولده الآخر المسمى بمحمد والمكنى بأبي جعفر أخذ طالعه وعملت زايجته، فكان بالأسد وفي رواية أخرى أن طالعه بالعقرب ووجدت أيضاً أن أخاه المرتضى رحمه الله أخذ طالعه وعملت زايجته فكان طالعه بالجوزاء، وأن ولد الرضي المسمى بعدنان أخذ طالعه وعملت زايجته فكان طالعه بالميزان، وفي رواية أخرى بالجوزاء، فممن ذكر ذلك بعض ولد السيد المرتضى في كتاب "ديوان النسب" وفي كتاب عندنا عتيق يتضمن طوالع خلق عظيم من الخلفاء والوزراء والملوك والفقهاء والعلماء، أقول فهل يقبل العقل أن طالع المرتضى وأخيه الرضي رحمهما الله أخذا بغير علم والدهما المعظم الذي لا يطعنان عليه؟ وهل يكون طوالع أولادهما أخذت وحضر الراصدون عند نسائهم وقت ولادتهن بغير علم من المرتضى والرضي وعملت زوائجهم وهما منكران لذلك ؟فلا ريب أن استعمال الأعمال أرجح من إنكارها بالأقوال، وهو مما ينبه أن النوم عندهم دلالات وإمارات وأنها مستعملة ومباحات على اختلاف الأوقات.

ثم قال المرتضى ما هذا لفظ ما وقفنا عليه، وأما إصابتهم بالأخبار عن الكسوفات وما مضى في أثناء المسألة من طلب الفرق وبين سائرها يخبرون به من تأثير الكواكب في أجسامنا، فالفرق بين الأمرين أن الكسوفات واقترانات الكواكب وانفصالها طريقه الحساب وتسيير الكواكب وله أصول صحيحة وقواعد سديدة وليس كذلك يدعونه من تأثيرات الكواكب الخير والشر والنفع والضر، ولو لم يكن الفرق بين الأمرين إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات وما يجري مجراها ولا يكاد يقع فيها الخطأ البتة، فإنما الخطأ المعهود الدائم إنما هو في الأحكام الباقية حتى أن الصواب هو العزيز فيها وما لعله يتفق فيها من إصابة فقد يتفق من المخمنين أكثر منه فجعل الأمرين على الآخرين قلة دين وحياء، هذا آخر لفظ الجواب منه رحمه الله، والجواب أنه قد اعترف بصحة ما استند إلى الحسان من الكسوفات وغيرها مما يجري مجراها وهذه موافقة واضحة لما دللنا عليه واعتراف بصحة ما ذهبنا إليه، ونحن ما نخالف أن الصحيح من دلالات النجوم ما دل عليه من حساب العلماء منهم دون ما يقال عنهم بتجربة أو تخمين، ويكفي تصديقه أن اقترانات الكواكب واتصالاتها وتسييراتها له أصول صحيحة وقواعد سديدة فإذاً قد ظهر اتفاق من قد ذكرناه من العلماء من أصحابنا المعظمين تغمدهم الله جل جلاله بالرحمات على ما حررناه ونحرره في النجوم بالحسابات، وإنها دلالات على الحادثات واضحات .

ووجدت في مجلد كبير فيه مسائل وتصانيف للمفيد والمرتضى قدس الله روحيهما، أول مسألة منه في قول النبي صلى الله وسلم عليه وآله علي اقضاكم وفيه جواب جملة من مسائل المرتضى، وقد أجاز وأورد الدلالة بالسمع على أن النجوم دلائل على الحادثات ،ثم ذكر ما هذا لفظ ما وقفنا عليه، وعلى هذه الطريقة قلنا إن الذي جاء بعلم النجوم من الأنبياء هو إدريس "ع"،وإنما علم من جهته على الحد الذي ذكرناه، واعلم أن لا نجوز كونها دلالة إلا على هذا الوجه فقط، لأن النبي إنما يدل على هذا الوجه الذي يدل الدليل العقلي عليه، وقد بينا العذر في النجوم فلم يبق إلا ما ذكرناه، والقطع على أن كيفيته دلالتها معلوم إلا أنه الآن غير ممكن لأن شريعة إدريس وما علم من قبله كالمندرس فلا يعلم الحال فيه فإن كان بعض تلك العلوم قد بقى محظوظاً عند قوم تناقلوه وتداولوه لم نمنع أن يكون معلوماً لهم إذا اتصل التواتر، وإذا لم يكن كذلك لم نمنع أن يكون العلم، وأن بطل وزوال، يمكن أن تكون آيات تقتضي غالب الظن عند كثير منهم. وهذا هو الأقرب فيما تمسك به أهل النجوم لأنهم إذا تدبرت أحوالهم وجدتهم غير واثقين بما يتقدم أحدهم في ذلك العلم كتقدم الطبيب في الطب المبني على الإمارات التي يقتضيها التجارب وغالب الظن، كذلك القول في علم النجوم إلا في أمور مخصوصة يمكن أن تعلم بضروب من الأخبار، أقول هذا كما تراه تأييد لما دللنا عليه وتشييد فيما أشرنا إليه، ودوافع لما يحكى عنه فيما يخالف معناه، وشاهد أن إنكاره إنما هو أن تكون النجوم علة موجبة، أو فاعلة مختارة أو مؤثرة بأنفسها، كما أبطلنا الذي أبطله من هذا و أوضحنا، ومعاذ الله أنه كان يستمر على ذلك السيد الفاضل إنكاره لما هو معلوم من صحة دلالات النجوم، في أصل الأمر كما روينا وذكرناه ههنا.

وقد وقفت بعد جميع ما ذكرته من مسألة سلار للسيد المرتضى قدس الله روحيهما وما أجبت واعتذرت له، على تعليقه بخط الصفي محمد بن معد الموسوي رضي الله عنه في مجلد عندنا الآن فيه عدة مصنفات أكثرها بخطه وأول المجلد "كتاب العلل" تأليف أبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي "ره" فقال في تعليقه ما هذا لفظه، وكان يقرأ على المرتضي علوم كثيرة منها النجوم، وحكي أن في بعض السنين أصاب الناس قحط شديد، وأن رجلاً يهودياً توصل في تحصيل قوت يحفظ به نفسه، فحضر مجلس المرتضى ليقرأ عليه النجوم فاستأذن فأذن له فأجرى له في كل يوم جراية فقرأ عليه برهة وأسلم بعد ذلك، أقول هذا يقتضي أن المرتضى قدس الله روحه كان اعتقاده على ما ذكره في آخر جوابه لسلار "ره" من التصديق بما يقتضيه الحساب من علم النجوم، وأنه صحيح وله أصول صحيحة وقواعد سديدة وأنه قد كان عالماً بهذا العلم و قائلاً بصحته ومفتياً بصواب التعلم له إنما كان ينكر ما أنكرنا من أن تكون النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة ومؤثرة وإنما هي دلالات على الحادثات كما قال الحمصي وغيره وقلناه وقد استظرفنا ما أظرفنا الله تعالى به من أن السيد المرتضى كان منجماً أستاذاً في علم النجوم ومعاذ الله أن يكون منكراً لما يشهد العقل والنقل بصحته من سائر العلوم.

يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وقد تضمنت خطبة الأشباح المذكورة في "نهج البلاغة" المروية عن مسعدة بن صدقة بن صادق عليه السلام عن مولانا أمير المؤمنين صلى الله عليه وسلم التي ما يحتاج لفظها الباهر ومعناها الظاهر إلى إسناد متواتر بل هي شاهدة لنفسها أنها من كلام مولانا عليه السلام ومن شريف أنفاسه المكملة في قدسها ما يقتضي تصديق ما رويناه من علمه بالنجوم وتصديق ما ذكرناه عن الذين قولهم حجة في العلوم، فقال عليه السلام في صفة السماء وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها وقمرها آية ممحوة من ليلها وأجراها في مناقل مجراهما، وقدر مسيرهما في مدارج درجهما ليميز بين الليل والنهار ويعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما ثم علق في جوفهما فلكها وناط به رتقها من خفيات درارها ومصابيح كواكبها ورمى مسترق السمع بثواقب شهبها، وأجراها على أدلال تسجرها من إثبات ثابتها ومسير سائرها وهبوطها وصعودها ونحوسها وسعودها، أقول فانظر إلى قوله عليه السلام ونحوسها وسعودها فإنك تعرف منه تصديق دلالة النجوم في النحوس والسعود ولو كانت النجوم مخلوقة في السماء على السواء وليس فيها دلالة على الأشياء ما كان لوصفها بالسعود والنحوس معنى عند العقلاء وأقول وفيها إشارات وتنبيهات منها وصف السماء بالضوء وتخوف الساعة التي من سار فيها حاق به السوء.

فأما ما روي أنه عليه السلام عارضه منجم في سفر النهروان وقال له لا يصلح لك الركوب في هذا الوقت فقال له عليه السلام: من صدقك بهذا فقد كذب القرآن واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروب وينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ريبة فإنك بزعمك هديته إلى الساعة التي فيها النفع ودفع الضرر ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدي به في برٍ أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة والمنجم كالكاهن والساحر في النار سيروا على اسم الله.فأقول بالله جل جلاله ولله: إن رأيت فيما وقفت عليه في كتاب"عيون الجواهر" تأليف أبي جعفر محمد بن بابويه رضوان الله عليه حديث المنجم الذي عرض لمولانا علي صلوات الله عليه عند مسيره للنهروان مسنداً وفي رجال روايته من لا يليق في منزلته العمل به والالتفات إليه. فقال ما هذا لفظه. حدثني محمد بن علي بن ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدثني محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي القرشي عن نصر بن مزاحم المنقري عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن مينا عن وجزين الأحمر قال لما أراد أمير المؤمنين المسير إلى النهروان أتاه منجم، ثم ذكر حديثه أقول في هذا الحديث عدة رجال لا يعول علماء أهل البيت على روايتهم.

ويمنع من يجوز العمل بأخبار الآحاد من العمل بأخبارهم وشهادتهم منهم عمر بن سعد بن سعد بن أبي وقاص قاتل الحسين صلوات الله عليه فإن أخبارهم ورواياته مهجورة ولا يلتفت عاف بحاله إلى ما يرويه أو يسند إليه وقد أورد ابن بابويه رحمه الله أخباراً في هذه الطرق وطعن فيها وظهر منه أن المقصود بروايتها غير العمل بها وكان هذا الإسناد وهذا الطعن مغنياً عن زيادة عليه ولكنا نستظهر في تفصيل الجواب فأقول بالله والله جل جلاله أنني رأيت فيما وقفت عليه أيضاً أن المنجم الذي قال لمولانا علي صلوات الله عليه، هو عفيف بن قيس أخو الأشعث بن قيس ذكر ذلك المبرد، واعلم أنه لو كانت هذه الرواية صحيحة على ظاهرها لكان مولانا علي عليه السلام قد حكم في هذا على صاحبه الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة أنه من أصحابه أيضاً بإحكام الكفار أما بكونه مرتداً من الفطرة فيقتله في الحال أو برده إن كان عن غيره الفطرة ويتوبه أو يمتنع فيقتله.

لأن الرواية قد تضمنت أن المنجم كالكافر أو كان يجري عليه أحكام الكهنة والسحرة لأن الرواية تضمنت أنه كالكاهن والساحر وما عرفنا إلى وقتنا هذا أنه عليه السلام حكم على هذا المنجم صاحبه بإحكام الكفار ولا السحرة ولا الكهنة ولا أبعده ولا عزره بل قال سيروا على اسم الله تعالى والمنجم من جملتهم لأنه صاحبه وهذا يدلك على تباعد الرواية من صحة النقل أو يكون لها تأويل إلى غير ظاهرها موافق للعقل. ونحن نذكر فيما بعد حديث المنجم الذي عرض لمولانا عليه السلام أنه من دها قين المدائن لما توجه إلى الخوارج وأنه لما ظهر له منه عليه السلام المعرفة بعلم النجوم التي لم يدركها أهل العلوم أسلم الدهقان وصار من أصحابه وهي موافقة لما ذكرنا من الحجج المعقول والمنقول ومعارضة لهذه الرواية البعيدة من كلامه الباهر للعقول.

ومما نذكره من التنبيه على بطلان ظاهر هذه الرواية بتحريم علم النجوم. قول مولانا علي عليه السلام من صدقك فقد كذب القرآن واستغنى عن الاستعانة بالله فيعلم منه أن الطلائع في الحروب يدلون على السلامة من هجوم الجيوش وكثير من النحوس ويشرون بالسلامة وما لزم من ذلك ابتغاء أن يوليهم الحمد على دربتهم وأمثال ذلك كثير فيكون لدلالة النجوم أسوة بما ذكرنا من الدلالات على كل معلوم. يقول أبو القاسم على بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب. فأين هذه الرواية الضعيفة من احتجاجات مولانا علي صلوات الله عليه الشريفة التي يضيق مجال الاعتراض عليها وتقصر علوم العلماء غير النبي صلوات الله عليه وسلامه من الاهتداء إليها.

ومن التنبيه المظنون على بطلان ظاهر هذه الرواية أنا وجدنا في الدعوات الكثيرة التعوذ من الكهانة والسحر فلو كان المنجم مثلهم كان قد تضمن بعض الأدعية التعوذ منه وما عرفنا في الأدعية تعوذاً من المنجم إلى وقتنا هذا .

ومن التنبيه المظنون على بطلان ظاهر هذه الرواية أن الدعوات تضمن كثير منها ومن غيرها في صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يكن كاهناً ولا ساحراً وما وجدنا إلى الآن فيها وما كان عالماً بالنجوم فلو كان المنجم كالكاهن والساحر ما كان يبعدان تتضمنه بعض الدعوات والروايات في ذكر الصفات ويكفي ما ذكرنا أولاً من الاعتراضات والدلالات لأهل الديانات.