في الرد على من زعم أن النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة
أقول قد قدمت في خطبة هذا الكتاب من التنبيه على الصواب ومن الجواب. ما يكفي عند ذوي الألباب. وأنا أزيده تفصيلاً فأقول لو كانت الأفلاك والشمس والقمر والنجوم عللاً موجبات، وأن كلما في العالم صادر عنها من سائر الموجودات كان قد استحال أن يوجد في العالم حيوان مختار وقد علمنا بالضرورة والبديهة عند ذوي الاعتبار أن الإنسان فاعل مختار، بل علمنا كثيراً من الحيوانات أنها مختارة، لأن العلل والمعلومات وتضاد الأفعال المختارات، ولأنا وجدنا اختيارات الحيوانات مختارات في المرادات، فلو كانت صادرة عن مختار باختيار غير قادر على غيره ما أمكن وقوع الحيوانات المختلفة الاختيارات، فثبت أنها صادرة عن مختار لذاته قادر على كل اختيار يقدر أن يصدر عنه. وقال الشيخ الفقيه العالم الفاضل العارف بعلم النجوم المصنف بها عدة مصنفات أبو الفتح محمد بن عثمان الكراجكي رحمه الله في كتاب"كنز الفوائد" في الرد على من قال أن الشمس والقمر والنجوم علل موجبات ما هذا لفظه، أعلم أنهم سألوا عن مسألة حيرتهم وأظهرت عجزهم وأخرستهم فقيل لهم إذا كان سائر ما في العالم من النفع والضرر والخير والشر، وجميع أفعال الخلق والشمس والقمر والنجوم واجبة وهي علته وسببه وليس داخل الفلك غير ما أثرت ولا فعل لأحد يخرج به عما أوجبت، فما الحاجة إلى الإطلاع على الأحكام وأخذ الطوالع عند المواليد وعمل الزوايج وتحويل السنين، قالوا الحاجة إلى ذلك حصول العلم بما سيكون من حوادث السعود والنحوس، قيل لهم وما المنفعة بحصول هذا العلم؟ فإن الإنسان لا يقدر أن يزيد فيه سعد أولا ينقص منه نحساً مما أوجبه مولده، فهو كائن لا مغير له فمنهم من استمر على طريقه وبنى على أصله فقال ليس في ذلك أكثر من فضيلة العلم بالحادثات قبل كونها، فقيل له ما هذه الفضيلة المدعاة في علم لأنهال به مكتسبه نفعاً ولا يدفع به عن نفسه ولا عن غيره ضراً، وما هذا العناء في اكتساب مالا ثمر له؟ والجاهل به كالعالم في عدم المنفعة منه، وسئلوا أيضاً عن هذا الاكتساب وسببه؟ وهل الفلك موجبة أو غير موجبة؟ فلم يرد منهم ما يتشبث العاقل به، ومنهم من تعذر عليه عند توجه الإلزام، فأنزله الأحجام درجة عن قول أصحاب الأحكام، فقال بل للعلم تأثير في اكتساب نفع كثير وهو أن يتعجل الإنسان بالسعادة ويتأهب لها فيكون في ذلك مادة فيها ويتحرز من النحاسة ويتوفاها فيكون بذلك دفعاً لها أو نقصاً منها، فقيل له ما الفرق بينك وبين من عكس عليك قولك، فقال بل المضرة باكتساب هذا العلم حاصلة والأذية إلى معتقه وأصله وذلك أن متوقع السعادة والمسارة معه قلق المتوقع وحرقة الانتظار، ففكره متقسم وقلبه معذب يستعيد قرب الساعات ويستطيل قير الأوقات شوقاً إلى ما يرد وتطلعاً إلى ما وعد وفي ذلك ما يقطعه عن منافعه ويقصر به عن حركاته في مطامعه اتكالاً على ما يأتيه وتعويلاً على ما يصل إليه وربما أخلف الوعد وتأخر السعد فليست جميع مضرة فأما متوقع المنحسة، فلا شك أنه قد تعجلها لشدة رعبه بقدومها منغصة ونفسه متغصصة وقلبه عليل وتغممه طويل لا يهنيه أكل ولا شرب وربما كان احترازه لا ينتفع فهذا القول أشبه بالحق مما ذكرتم وهو شاهد نطالبكم بشيء من موجبه ونعود إلى دعواكم التي ذكرتموها فنقول سائلين السعد الواصل وعن هذا الاحتراز من المنحسة والتأني من المضرة والمهلكة خارج مضاف في الحقيقة إلى اختيار الحي القادر فرأوا أنهم إن قالوا مما ذلك سواء أطلع الإنسان على أحكام النجوم أم لم يطلع، وسواء عليه اهتم لمولده وتحويل سنته أم لم يهتم؟ فعرجوا عن هذا وقالوا أن أفعالنا منفصلة عما يوجبه الفلك فينا، فتصح بذلك الزيادة والنقصان الذي قلنا، قيل لهم لقد نقضتم أصولكم وخرجتم عن قوانين علمائكم فيما أقررتم به من جواز أفعال يحيط بها الفلك ليست حادثة من جهته ولا من تأثير كواكبه وما نراكم قنعتم بهذا الإقرار حتى جعلتم الأفعال البشرية واقعة لما توجب إلا قضية المنجومية ومانعة مما تؤثر الحركات الفلكية بقولكم أن الإنسان يمكن أن يحترز من المنحسة فيدفعا، أو ينقص منها ما سلطته لها فلولا أن فعله أقوى واحترازه أمضى لم يرفع عن نفسه سوءاً ثم سئلوا أيضاً فقيل لهم إذا سلمتم أن أفعال العباد مختصة بهم، وليست مما توجبه النجوم فيهم وأنتم مع هذا تقولون للإنسان أحذر على مالك من طروق سارق، فقد أقررتم أن حذره من تأثير المختص به فأخبرونا الآن عن طروق السارق وما الموجب له فإن قلتم النجوم رجعتم عما أعطيتم ورددتم إليها أفعال العباد ونافيتم وأن قلتم أن طروق السارق مختص به ولا موجب له غير اختياره أجبتم بالصواب وقيل لكم فما نرى للنجوم تأثيراً في هذا الباب واعلم أيدك الله أنهم لم يبق لهم ملجأ إلا أن ينزلوا عن قول أصحابهم درجة أخرى، فيقولون أن النجوم دالة وليست بفاعلة، وعلامة غير ملجئة فإذا قالوا ذلك انصرفوا عمن يقول أنها موجبة قادرة وأبطلوا دعواهم أنها مدبرة وقيل لهم أفتقولون كل أمر تدل عليه فإنه سيكون لا محالة فإن قالوا نعم نقضوا ما تقدم وإن قالوا قد يجوز أن يحرم تداولها ويحرم ما دلالته عليه مهما لم تبق بعد هذا درجة ينتهون إليها واقتصروا على مقالة لا يضرك مناقشتهم فيها، وأنا أخبرك بعد هذا بطرق من بطلان أفعالهم ونكت من إفساد استدلالهم والأغلاط التي تمت عليهم فاتخذوها أصولاً لأحكامهم أعلم أن تسمية البروج الأثني عشر بالحمل والثور والجوزاء إلى أخرها لا أصل لها ولا حقيقة وإنما وضعا الراصدون لهم متعارفاً بينهم وكذلك جميع الصور التي عن جنبي منطقة البروج الإثني عشر وغيرها والجميع ثمان وأربعون صورة، عندهم مشهورة، وعلماؤهم معترفون بأن ترتيب هذه ووضعه حذقهم الراصدون لها، وقد ذكر أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي ذلك وهو من جلتهم وله مصنفات لم يعمل مثلها في علمهم، الأوائل منهم الكواكب وأنهم رتبوها في المقادير والعظم لست مراتب وجدوا من هذه الكواكب التي رصدوها تسعمائة وسبعة عشر كوكباً وهو أنهم وجدوا من هذه الكواكب التي رصدوها تسعمائة وسبعة عشر كوكباً ينتظم منها ثمان وأربعون صورة كل صورة تشتمل على كواكبها، وهي الصور الكرة وبعضها على منطقة البروج التي في طريقة الشمس والقمر والكواكب السريعة السير وبعضها في النصف الجنوبي ثم سموا كل صورة باسم الشيء المشبه لها بعضها على صورة الإنسان مثل كواكب الجوزاء وكواكب الجاثي على ركبتيه، وبعضها على صورة الحيوانات البرية والبحرية مثل الحمل والثور والسرطان والأسد والعقرب والحوت والدب الأكبر والدب الأصغر، وبعضها خارج من شبه الإنسان وسائر الحيوانات مثل الإكليل والميزان والسفينة، وليس ترتيبهم لها وتسميتهم إياها وما فعلوه فيها لدليل وذكر عذرهم في ذلك فقال، وإنما أنهوا هذه الصور وسموها بأسمائها وذكروا كوكباً من كل صورة، ليكون كوكب اسم يعرف به إذا أشاروا إليه، وذكروا موضعه في الصورة وموقعه في فلك البروج ومقدار عرضه في الشمال والجنوب على الدائرة التي تمر بأوساط البروج، لمعرفة أوقات الليل والنهار والطالع في كل وقت وأشياء عظيمة المنفعة تعرف بمعرفة هذه الكواكب، وهذا آخر الفصل من كلامه في هذا الموضع وهو دليل الوجوب والاستحقاق، وإنما هي اصطلاح واختيار، ولو عزب عن ذلك الأحكام مستخرجاً من هذه الصور والأشكال، ومنتسباً إلى الأسماء الموضوعة والألقاب. حتى إنهم على ما ذكروه على نحو واجب ودليل عقل ثابت، فقالوا إن الحكم على الكسوف، على ما حكاه ابن هبنتي عن بطليموس، أنه إن كان البرج الذي يقع فيه الكسوف من ذوات الأجنحة مثل العذراء والرامي والدجاجة والنسر الطائر وما أشبهها فإن الحادث في الطير الذي يأكل الناس، وإن كان الحيوان مثل السرطان والدلو فإن الحادث في الحيوانات البحرية أو النهرية، وهذه فضيحة عظيمة، وحال قبيحة أفما يعلم هؤلاء القوم أنهم هم الذين جعلوا ذوات الأجنحة بأجنحة والصور البحرية بحرية، وأنهم لولا ما فعلوه لم يكن شيء مما ذكروه فكيف صارت أفعالهم التي ابتدعوها وتشبيهاتهم التي وضعوها موجبة لأن يكون حكم الكسوف مستخرجاً منها وصادراً عنها، وهذا يؤدي إلى أنهم المدبرون للعالم وأن أفعالهم سبب لما توجبه الكواكب.
ولم يقنع ابن هبنتي بهذه الجملة، حتى قال في كتابه المعروف بالمغني وهو كتاب نفيس عندهم، قد جمع فيه عيون أقوال علمائهم وذوي الفضيلة منهم رأيته بدار العلم في القاهرة بخط مصنفه، قال إن وقع الكسوف في المثلث في أي الدرج التي تحتوي عليه، دل ذلك على فساد أصحاب الهندسة والعلوم اللطيفة، وهذا المثلث أيدك الله هو من كواكب الصورة التي ألفوها وخارج عنها، فكيف صار الحكم مختصاً هذا دونها وما المهالك، قال ابن هنني وإن كان الكسوف في الكأس، دل على فساد الأشربة وهذا أعجب من الأول وذلك أن الكأس عندهم من سبعة كواكب شبهوها بالكأس وبالباطية أيضاً فإن كان الحكم الذي ذكروه إنما اختص بذلك من أجل التشبيه والتسمية فإن هذه الكواكب بأعيانها قد شبهتها بالمعلف وسميتها بهذا الاسم، فيكف صار تشبيه المنجمين وتسميتهم لها بالكاس أولى من أن يكون تشبيه العرب لها بالمعلف، وتسميتهم لها بهذا الاسم موجباً لانصراف الحكم فيها إلى الدواب، اللهم إلا أن يقولوا أن المعول على تشبيهها للمنجمين دونهم فلا اعتراض. قال ابن هنبي وقد شاهدنا بعض الحذاق من أهل هذه الصناعة قد نظر في مولد إنسان من الأصاغر فوجد النسر الطائر في درجة وسط السماء، فقال يكون بإزاء دار الملك وزعم أن الأمر كما ذكر، وهذا يؤكد ما ذكرناه من تعويلهم على الأسماء والصور المعروفة من اصطلاح البشر. وقد اطلعت أنا في مولد فوجدت فيه الكواكب التي يقولون أنها النسر الطائر في وسط السماء فلم يدل من حال صاحبه على نظيرها، قال ابن هبني وكان هذا الرجل فقيراً فأثرى، ولم أره قط إلا ما قتل أنواع الطير غير معتبر لشيء منها في حالتي الفقر والغنى، فإن صدق ابن هبني فيما ذكر فما هو إلا عن شيء لا أصل له، يصح بعضه فيوافق الظنون، ويبطل بعضه فلا يكون، فإن كان اختلافه في حال لا يدل على بطلان حكمهم، فاتفاقه في حال أخرى لا يدل على صحة حكمهم وجزمهم ومن هذيانهم أيضاً الموجود في عيون كتهم، والمأثور من أحكامهم قولهم أن الحمل والثور يدلان على الوحوش وكل ذي ظلف، والجدي مشترك بينهما، والأسد والنصف الأول من القوس يدلان على كل ذي ناب ومخلب، وإنما ذكروا نصف القوس، لأن صورته التي ألفوها وشبهوها صورة دابة وإنسان فجعلوا النصف الأول للوحوش والنصف الآخر للناس قالوا والسرطان والعقرب يدلان على حشرات الأرض والثور للغرس والسنبلة للبذر، وهذا كله قياس على الصور والأسماء التي لم يوجبها العقل ولا أتاهم بها خبر من الله تعالى في شيء من النقل، وإنما هو من اختيارهم وقد كان يمكن غيره ويجوز خلافه وتركه، قالوا ومن يولد برأس الأسد يكون فتن الغم، فمن شبهة تلك الكواكب بصورة الأسد غيركم؟ ومن سماها بهذا الاسم سواكم، وكيف لم تقولوا أنها الكلب، أو تشبهوها بغير ذلك من دواب الأرض، هذا أيدك الله والصور عندهم لا تثبت في مواضعها ولا تستقر على إقامتها، فصورة الحمل التي يقولون أنها أول البروج قد تنتقل إلى أن تصير البرج الثاني ويصير البرج الأول الحوت، وهذا بخلاف ما يتحرك بها الفلك، والخمسة المضافة إلى الشمس والقمر هي السريعة السير، وحركاتها مختلفة في الإبطاء والسرعة، وبقية الكواكب متحرك عندهم بحركة واحدة خفيفة بطيئة، ولخفاء حركتها سموها الثابتة وعلى رأي بطليموس ومن قبله في كل مائة سنة تتحرك درجة واحدة وعلى رأي أصحاب سمين ومن رصده في أيام المأمون وحسب في كل مواضع هذه الصور التي كانت على منطقة فلك البروج كانت منذ ثلاثة آلاف سنة على غير هذه الأجسام، وأن صورة الحمل كانت في القسم الثاني عشر وصورة الثور كانت في القسم الأول، وكان يسمى القسم الأول من البروج الثور والثاني الجوزاء والثالث السرطان، ولما جددت الأرصاد في أيام طيموخارس وجدوا صورة الحمل قد انتقلت إلى القسم الأول من القسم الثاني عشر الذي هو بعد منطقة التقاطع، فغيروا أسماؤها فسموا القسم الأول الحمل والثاني الثور والثالث الجوزاء، قال ولا يخالفنا أحد في أن هذه الصور تنتقل بحركاتها على مر الدهور من أماكنها حتى تصير صورة الحمل في القسم السابع الذي للميزان، والميزان في القسم الأول الذي هو للحمل، فيسمى أول البروج الميزان والثاني العقرب، ثم مر في كلامه موضحاً عما ذكرناه من تنقلها الموجب لتغير أسماء بروجها وهم مجمعون على أن الكوكبين المتقاربين المعروفين بالشرطين على قرني الحمل هما أول منازل القمر، فيجب أن يكون أول البروج الاثني عشر، ومن أمتحنهما في وقتنا هذا"وهو سنة ثمان وعشرين وأربعمائة للهجرة" الموافقة لسنة ألف وثلثمائة وثمان وأربعين لذي القرنين، وجد أحدهما في عشرين درجة من الحمل والآخر في إحدى وعشرين منه أعني من البرج الأول ويعرف ما ذكرته من كانت له خبرة وعناية بهذا الأمر، فأي برج من البروج الإثني عشر يبقى على صورة واحدة، وكيف ثبت الحكم الأول بأنه دال على الوحوش وعلى كل ذي ظلف، وقد انتقلت إليه أكثر صورة الحوت وكذلك حال جميع البروج، فأفهم هذا فإنه طريف.
ومن عجيب غلطهم في الأسماء الدالة على عدم معرفتهم بمعانيها أنهم سمعوا العرب التي تسمي الكواكب التي عن جنوب التوأمين الجوزاء فلم يفهموا هذا الاسم وظنوا أنه مشتق من الجوز الذي يؤكل فرأوا من الرأي أن يسموا النسر الواقع مع الكواكب الغريبة من اللوز قياساً على الجوزاء، وهذا من الغاية في الجهل والعناد، وليس تقوله إلا شيوخهم ومصنفوا الكتب منهم، ومن أطلع في ذكرهم الصور الثمان والأربعين وقف على صحة ما حكيته عنهم، فهل سمع أحد قط بأعجب من هذا الأمر وقف على صحة ما حكيته عنهم، فهل سمع أحد قط بأعجب من هذا الأمر.
وإنما سمت العرب هذه الكواكب بالجوزاء لتوسطها إذا ارتفعت أو لأنها تشبه رجلاً في وسطه منطقة، فاشتقوا لها أسماً من التوسط يقولون جوز الفلا يعنون وسطه، ومن قولهم الدال على فساد أحكامهم أن كل درجة من درج الفلك ستون دقيقة وكل دقيقة ستون ثانية وكل ثانية ستون ثالثة، وهكذا إلى ما لا نهاية له، ولكل جزء ممن هذه الأجزاء التي تنحصر حكم مختص به ولا ينضبط فكيف يصح الحكم على هذا الأصل وليس في أيديهم إلى الجمل التي تفاضلها يختلف وقد ولد لي ولدان توأمان ليس بين ظهورهما من الفرق والزمان بقدر ما يبين الإسطرلاب فاشتركا في درجة واحدة من طالع واحد في نصبه، ولم يدرك فيها التغيير ولو قلت أنهما اشتركا في الدقيقة لصدقت، فلما رأيت ذلك قلت هذه حالة في الجملة قد اتفقت فيها النصبة، وفي غاية ما يمكن إدراكه بالآلة فإن الحكم على الحمل يوجب أن تكون حالة هذين المولودين متماثلة، فلا والله ما تماثلت صورتهما ولا أحوالهما ولا صحتهما من سقمهما ولقد مات أحدهما بعد ولادته بأيام، ومات الآخر وامتدت بعمره الأعوام، أسأل الله السعد التام، ولقد سألت بعضهم عن هذا الحال، فقال لي النمو دار يحرج لك الفرق بين المولودين، فقلت له الذي عرفت من علمائكم أنهم لا يقولون على النمو دار إلا عند الرصد، وإذا كان الرصد ههنا لم يخط الحقيقة ولا أتاه الفرق فبان بأن لا يعطيه النودار بعد الرصد وقلت له أيضاً لست أشك في كثرة الاختلاف بينكم في كل أصل وفرع وعلى كل وجه فإنما يعمل النمو دار بين الساعات سواء كانت عند رصد لو حزر، وقد كانت ولادة هذين التوأمين في ساعة واحدة لم يصح فيها الفرق، فما الحيلة في هذا الأمر؟ فخلط في ذلك ولم يأت بشيء يفهم.
واعلم أيدك الله أن نموداروا ليس يخالف نمودار بطلميوس ونمودار الفرس يخالفهما جميعاً، وليس في ذلك ما يتفق عليه ولا يؤدي إلى أمر متفق ولا يدل على صحة واحد منها العقل وجميعها دعاواي لا يعلم لها أصل، ولو تتبعت مواضع اختلاطهم وذكرت ما أعرفه من تناقض أصولهم المبطلة لأحكامهم، لخرجت عن الغرض في الاختصار، وفيما أوردته غني عن الإكثار
وأنا أذكر لك بعد هذا مقالتنا في النجوم وما نعتقده فيها لتعرف الطريقة في ذلك فتعتمد عليها، اعلم أيدك الله أن الشمس والقمر والنجوم أجناس محدثة من جنس هذا العالم مؤلفة من أجزاء تحللها الأغراض وليست فاعلة في الحقيقة ولا ناطقة ولا حية قادرة،وقال شيخنا المفيد رضوان الله عليه أنها أجسام نارية فأما حركاتها فهي فعل الله تعالى فيها وهو المحرك لها وهي من آيات الله الباهرة لخلقه وزينة في سمائه وفيها منافع لعباده لا تحصى وبها لا يهتدي السائرون براً وبحراً قال الله تعالى "وعلامات وبالنجم هم يهتدون" وفيها للخلق مصالح لا يعلمها إلا الله تعالى فأما التأثير المنسوب إليها، فإنا لاندفع كون الشمس والقمر مؤثرين في العالم ونحن نعلم أن الأجسام وإن كان لا يؤثر أحدها على بالآخر إلا مع مماسة بينهما بأنفسهما أو بواسطة فإن الشمس و القمر شعاعاً متصلاً بالأرض وما عليها يقوم مقام المماسة وتصح به الحادثة، من ذا الذي كان ينكر بتأثير الشمس والقمر وهو مشاهد؟ وإن كان تأثير الشمس أظهر للحس وأبين من تأثير القمر في الأزمان والبلدان والنبات والحيوان وأما غيرهما من الكواكب فلسنا نجد لها تأثيراً يحس ولا نقطع على وجوبه بالعقل وهو أيضاً ليس من الممتنع المستحيل بل هو من الجائز في العقول لأن لها شعاعاً متصلاً في الأرض وإن كان من دون شعاع الشمس والقمر فغير منكران يكون لها تأثير خفي على الحس خارج عن أفعال الخلق فإن كان لها تأثير كما يقال فتأثيرها مع تأثير الشمس والقمر في الحقيقة من أفعال الله تعالى، وليس يصح إضافته إليها إلا على وجه التوسع والتجوز كما نقول أحرقت النار وبرد الثلج وقطع السيف وشج الحجز، وكذلك قولنا أحمت الشمس الأرض ونفعت الزرع، وفي الحقيقة أن الله أحمى لها ونفع، ومما يدل على أن الله تعالى يشغل شيئاً بشيء، قوله سبحانه" هو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً سقناه إلى بلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات وكذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون" وليس فيما ذكرناه رجوع إلى قول صاحب الأحكام ولا قول بما أنكرناه عليهم في متقدم الكلام لأن أنكرنا عليهم إضافة تأثيرات الشمس والقمر إليهما من دون الله سبحانه وقطعهم على ما جاوزنا من تأثيرات الكواكب بغير حجة عقلية ولا سمعية وإضافتهم إليها جميع الأفعال في الحقيقة مع دعواهم له الحياة والقدرة، وأنكرنا أن تكون الشمس والقمر أو شيء من الكواكب موجباً من أفعالنا بشهادمة العقل الصحيح، فإن أفعالنا لو كانت مخترعة فينا أو كانت عن سبب أو جبهة من غيرنا لم تصح بحسب قصودنا وإراداتنا، ولو كان فرق بينها وبين جميع ما يفعل فينا من صحتنا وسقمنا وتأليف أحسامنا وحصول الفرق لكل دلالة على اختصاصها بنا وبرهان واضح، بأنها حدثت من قدرتنا وأنه لا سبب لها غير اختيارنا، وأنكرنا عليهم قولهم أن الله تعالى لا يفعل في العالم فعلاً إلا والكواكب دالة عليه، فإن كل شيء يدل عليه لابد من كونه، وهذا باطل، يثبت لها تأثيراً أو دلالة، فن الله أجرى تلك العادة وليس يستحيل منه تغيير تلك العادة لما يراه من المصلحة، وقد يصرف الله تعالى السوء عن عبده بدعوة، ويزيد في أجله بصلة رحم أو صدقة، فهذا الذي ثبتت لنا عليه الأدلة، وهو الموافق للشريعة وليس هو بملائم لما يدعيه المنجمون والحمد لله، وأنكرنا عليهم اعتمادهم في الأحكام على أصول مناقضة، ودعاوي مظنونة متعارضة وليس على شيء منها بينة فإن كان لهذا العلم أصل صحيح على وجه يسوغ في العقل ويجوز فليس هو ما في أيديهم، ولا من جملة دعا ويهم، وقد قال شيخنا المفيد رضوان الله عليه أن الاستدلال بحركات النجوم على كثير مما سيكون ليس يمتنع العقل منه ولا يمنع أن يكون الله عز وجل علمه بعض أنبياءه وجعله علماً على صدقة هذا آخر ما ذكره الكراجكي رضوان الله عليه في كتابه ونعتقد أنه اعتمد عليه ،وقد قدمنا نحن فصلاً منفرداً حكينا فيه كلام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضوان الله جل جلاله عليه في كتابه المسمى كتاب أوائل المقالات، ونبهنا على ما فيه الموافقة لنا على أن النجوم يصح أن تكون دلالة على الحادثات، وأنها من العلوم من المباحات. يقول أبو القسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس مصنف هذا الكتاب ومن أبلغ ما وقفت عليه في معارضة المنجمين في تصانيف متأخري علماء الأصحاب ممن وصل العراق للحج وألزمه جدي ورام بن أبي فراس قدس الله روحه ونور ضريحه بالإقامة سنة وقرأ عليه وبالغ في الإحسان إليه، وكلامه عندنا الآن في مجلد فيه مهمات المسائل قد سأله عنها جملة من الأعيان وعليها خطه رحمه الله بأيها قرأت عليه، وقد اعترف أيضاً بما يتعلق في النجوم من جهة الحساب وأنكر كون النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة أو مؤثرة كما قررناه سواء فقال في صحة حساب النجوم ما هذا لفظه، وأقول إنا لا نرد عليهم فيما يتعلق في الحساب من تسيير النجوم واتصالاتها التي يذكرونها فإن ذلك مما لا يهمنا ولا هو مما يقابل بإنكار ورود، وأقول أنا فهذا منه رحمه الله بأن حسابها لا يقابل بإنكار وردود، ثم قال لما انتهى إلى أبطال أن النجوم علة أو مختارة وذكر وجوهاً صحيحة لكنها على طريقة المتكلمين في إطالة الألفاظ والتعقيد على السامعين، والذي ذكرناه في كتابنا هذا من أبطال كونها علة مختارة واضح للخواص والعوام قريب إلى الإفهام، وزاد في إبطال كون النجوم علة ما معناه أن قال ويبطل بكل ما يبطل دعوى المجبرة بأننا غير مختارين وذكر من جواباته هو وطرقه في أن النجوم ما هي علة موجبة ولا فاعلة مختارة ما لا حاجة إلى ذكره والذي ذكرناه ما يحتاج إلى تعب عند العارفين ثم لما أبطل أحكام النجوم لكونها علة و مختارة سأل نفسه فقال ما هذا لفظه فإن قيل كيف تنكرون وقد علمنا أنهم يحكمونا بالخسوف والكسوف ورؤية الأهلة ويكون الأمر على ما يحكمون في ذلك. وكذا يخبرون عن أمور مستقبلة تجري على الإنسان فتجري تلك الأمور عنها فمع الوضوح للأمر الذي ذكرناه كيف تدفع الأحكام ثم قال رحمه الله في الجواب ما هذا لفظه، قلنا إن أخبارهم في الخسوف ورؤية الأهلة ليس من بال الأحكام وإنما هو من باب الحساب لأنهم يعمون من طريق الحساب أن الشمس متى يكون هذا باجتماعها مع القمر في موضع إحدى العقدتين الرأس والذنب، يرتفع هناك العرض بينهما فتتوسط الأرض بينهما فينقطع نور الشمس عنه فيبقى بلا ضوء، إذ هو يستمد الضوء والنور من الشمس وذلك هو الخسوف، ويعلمون من طريق الحساب أيضاً مقدار أقل الأبعاد بين الشمس والقمر عند انصرافه عن المحاق الذي يكون القمر معه مرئياً ولا يكون بدونه مرئياً فيخبرون به، وهذا من باب الحساب من باب الحكم إنما الحكم أن يقولوا إن كان كسوف أو خسوف كان من الحوادث كذا وكذا، أقول لعل الشيخ العالم الحمصي رحمه الله اكتفى بهذا الكلام لما قدمناه، وإلا فكيف يقول مثله مع فضله أن هذا ليس من هذا الباب وقد قال حكموا في حسابهم بالخسوف والكسوف ورؤية الأهلة في وقت معين يصح الحكم بذلك، وأنا قوله إنما الحكم أن يقولوا إذا كان خسوف أو كسوف كان من الحوادث كذا وكذا، فأقول أن هذا الذي ذكره يكون حكمه حكم الأول وفرعاً عليه، وكلاهما يسمى حكماً عند الإنصاف مع أنهم يحكمون بحوادث عند الخسوف والكسوف، فلا أرى كلامه في هذا الباب متناسباً لما كان عليه من العلوم المشهورة بين ذوي الألباب إلا أن بكون له كلام ولم نره، وما ذكرناه ها هنا فليس بصواب، ثم قال الحمصي رحمه الله: ما هذا لفظه؟ فأما الأمور المستقبلة التي يخبرونا عنها، فأكثرها لا يقع على ما يقولون منها وإنما يقع قليل منه بالاتفاق، ومثل ذلك يقع لأصحاب الفأل والزجر الذين لا يعرفون النجوم بل للعجائز اللاتي يتناقلن الأحجار، والذي قد يخبر به المصروع، وكثيراً من ناقصي العقول عن أشياء فيتفق وقوع ما يخبرونا عنه، أقول وهذا أيضاً يستحيل أن يكون ذكره معتقداً أنه كاف في الرد عليهم لأن المنجمين من معلوم حالهم أن الذي يخبرون عنه في المتقبل بالحساب على نحو الطريق الواجبة في الخسوف والكسوف، فكيف ينسب بعضها إلى التحقيق والوفاق، وبعضها إلى الاتفاق، كما يتفق للمصر وع أو ناقصي العقول وهذا مالا يرتضي من يعرفه أن ينسب إليه، ولعله رحمه الله قال لعذر أو غلط ناسخه، وقد تقدم فيما حكيناه عن الإهليلجة عن مولانا الصادق صلوات الله عليه، أن علم النجوم يستحيل أن يكون عن تجربة أو عادة، ولا يصح أن يكون تعليمه من غير الله على لسان أنبيائه عليهم السلام.
ومما يدل على موافقته لنا وأن هذه المسألة ذرها على نحو ما سأل السائل المرتضى رضي الله عنه في النجوم، ما ذكره في الجزء الثاني من التعليق العراقي عند ذكره معجزات النبي صلوات الله عليه بتعريفه للغائبات فقال محمود بن علي بن الحسن الحمصي فيما يذكره مما يختص بالنجوم ونذكره بلفظه فإن قيل أليس المنجم يخبر عن أمور فتوجد تلك الأمور على ما يخبر بها ثم قال في الجواب قلنا المنجم يقول ما يقول ولا يخبر عما يخبر عنه إلا عن طريق وذلك لأنه تعالى جعل اتصالات النجوم وحركاتها دلالات على ما يحدث فمن أحكم العلم بها أمكنه الوقوف عليها أما بعلم أو ظن، وليس هذا من الأخبار عن الغيوب ومعلوم من حال رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم أنه ما كان تعلم من هذا العلم شيئاً ولا أهم به ولا رأى كتبه قط يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس وهذا الذي ذكره الحمصي صورة ما حققناه وهذا كتاب التعليق العراقي صنفه أيام مقامه في خدمة جدي ورام بن أبي فراس قدس الله روحه ليكون بدلاً عن صاحبه رضي الله عنه إذا توجه إلى وطنه في بلد العجم، وسمعت من اعتمد عليه يقول أنه ما ذكر فيه إلا ما كان جدي معتقداً له ولذلك كلفني جدي ورام رضي الله عنه بحفظ هذا الكتاب المشار إليه، فأما قول الحمصي رضي الله عنه ومعلوم من حال رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم أنه ما كان تعلم شيئاً فلعله بالتاء فوقها نقطتان فإن علمه صلوات الله عليه كان من الله عز وجل ولعل الناسخ سقط من لفظه كلمة قبل تعلم من هذا العلم شيئاً وهو قد أو نحوها وإلا فقد كان نبينا صلوات الله عليه عالماً بجميع علوم الأنبياء والمرسلين بغير خلاف فيما أعلم من المسلمين، وهذا علم النجوم أهله مجمعون أنه من علومه وجماعة من الأنبياء عليه السلام وغيرنا بعض ما وقفنا عليه، وإنما معجزة نبينا أنه علم بذلك العلم وغيره من علوم الأنبياء بغير تعليم أحد من البشر بل من سلطان الأرض والسماء فعلى ما ذكرنا عنه بلفظه في مسألته يكون له عذر يليق بما حكيناه عنه في التعليق في عقيدته وقال رحمه الله في تمام المسألة المذكورة في غير التعليق ومن جيد ما يبطل به قوله أن تقول لأهل الأحكام خذ الطالع واحسب وأمعن النظر فيه واحكم أأفعل هذا أم لا أفعله، تشير بذلك إلى أي شيء يعرض لك فإن حكم أنك تفعله فلا تفعله، أو أنك لا تفعله فافعله فتخالفه، أقول أنا وهذا أيضاً قد استعظمت قدره أن يعتقد جودة هذا القول في الرد على جميع أصحاب الأحكام فإنما هذا يرد على من يدعي أن النجوم علة موجبة وأما من يقول أن النجوم جعلها الله المختار لذاته دلائل على السعود والنحوس والحوادث، فإنه يقول لشيخنا الحمصي زيادة عما قدمناه من جواب المرتضى قدس الله روحه أن حكمه بأنك إن فعلت أمراً كان سعادة لك لا يمنع أنك تخالفه ويكون نحوساً لك كما أن الله جل جلاله دل على طاعته وهي سعادة لعباده، فاختار خلق منهم النحوس لمخالفته، ويكون المنجم قد اطلع بمقدار علمه على ما حكم به ولم يطلع على حده وقد تقدم تمام هذا الجواب في جوابنا المرتضى تغمده الله برحمته واعلم أنه يقتضي لهذا الشيخ المعظم الحمصي رضوان الله عليه أن معتقد لصحة النجوم والحساب، وهذه موافقة لما حررناه ودللنا عليه في هذا الكتاب، وهو من أواخر من تخلف من العلماء الموصوفين وأفضل من انتفع بالقراءة عليه أهل العراق من المتكلمين وكان جدي ورام قدس الله روحه ونور ضريحه أيرجحه على غيره من العلماء ويفضل تصنيفه على من لا يجري مجراه من الفضلاء، وقد كان تحقيقه لهذه المسألة في علم النجوم في الجزء الثاني من "التعليق العراقي" كما حكيناه عن لفظ تحقيقه في حياة جدي ورام في دار ضيافته تغمده الله برحمته دليلاً على أن جدي ورام رضوان الله عليه كان قائلاً به ومعتقداً لما أشار الحمصي إليه، لأنه لم يصنف بالعراق ما يخالف جدي فيه، وخاصة في علم النجوم الذي صار من مهمات ما ينبغي كشفه والدلالة عليه، كما تقدم في إشارتنا إليه، وأقول أما قوله رحمه الله أن أكثر ما يحكمون به في المستقبل لا يقع فإن الحساب يختلف حاله عند ذوي الألباب، فأل مراتبه سبل على الحاسبين، فإذا ارتفع الحاسب في طرق الحساب أمكن الغلط فيه وذلك بخلاف أوائل مراتبه، وهذا لا يخفي التفاوت فيه على من أنصف في الجواب، أما ترى الفرائض إذا كانمسائلها في أوائل حسابها سهل ذلك على الناظرين في أبوابها وإذا تناسخت وارتفعت سهام الوارثين أمكن غلط الحاسبين واحتاجت إلى الماهرين في علم الفرائض والناقدين فكذا حل ما دل عليه حساب النجوم، يسهل القريب منه فيدل على التحقيق باليقين، ويصعب البعيد منه فيقع فيه الغلط على الحاسبين، وقد ذكرنا في كتابنا هذا وجوهات أسباب غلطهم وأوضحنا جوابهم عن ذلك للمنصفين.
وقال رحمه الله في بعض كلامه ما معناه أنه قد يولد مولودان في وقت واحد ودرجة واحدة ويختلف حالهما في السعود والنحوس، فأقول أيضاً وهذا مما استبعده أن يكون ذكره معتقداً لثبوت الدلالة به على من يقول أن النجوم يقول هذا التقدير لا يكون، وأما من يقول منهم كما قلنا بأنها دلالات وأن فاعل هذه الدلائل مختار قادر لذاته، يقول أن القادر لذاته يصح منه مع تساوي وقت المدة أن القادر لذاته يصح منه مع تساوي وقت الولادة في الدرجة أن يخالف بين المولودين في السعود والنحوس، وأقول فقد ظهر أن الذي منع العقل والنقل منه أن تكون النجوم علة موجبة للحادثات، أو فاعلة مختارة للكائنات ولم يمنع العقل والنقل من أن تكون النجوم علامات للحادثات، وقد تركنا ما كنا نقدر أن نورده من خواطرنا من زيادات في الاحتجاج على رغم أنها علل و معلومات لئلا يكون كتابنا مطولاً يتضجر من يقف عليه لكثرة الدلالات.
وأما من زعم أنها فاعلة مختارة فقد نبهنا في خطبة هذا الكتاب على بطلان هذه الدعوى بوجوه من الصواب ونزيد على الفريقين على ما قدمنا أننا سنريك بعض ما ذكره الحمصي رضوان الله عليه فنقول كل من القرآن العقل والنقل دل على بطلان قول المجبرة فهو دليل على بطلان قول من قال أننا صادرون عن علة موجبة وأننا غير مختارين و نقول كل دليل دل على الوحدانية من العقول والمنقول فهو دليل على بطلان قول من قال أن النجوم تفعل كفعل الله جل جلاله وتلك الأدلة في مواضعها مذكورة مشروحة واضحة لذوي العقول.
ومما نذكره في أن النجوم فاعلة مختارة ما ذكره أبو معشر في كتاب "أسرار النجوم" وهو من أعلم علماء هذا العلم الموسوم، فقل ما هذا لفظه، الأغلب على طبعي أن هذه النجوم غير مستطيعة ولا مختارة لأن الفرق بين المستطيع وغير المستطيع ظاهر، بل الأظهر أن المستطيع لفعل يفعل ضده ويقدر أن يمسك عن الفعلين جميعاً فلا يكون منه أحدهما والذي لا يستطيع إنما يجري على طبع واحد، و الكواكب حركتها واحدة ولا تمسك عنها في حال ولا تنتقل إلى غيرها، أقول أن هذا قول الخبير بها المطلع على أسرارها، وقوله كالحجة على المدعين لاختيارها وقد قدمت في الخطبة أنها لو كانت مختارة بطل الحتم بالحكم على شيء من النجوم لجواز أن يحكم المنجم بحكم محتوم فيري المنجم المختار باختياره غير ما رآه ذلك المنجم فيبطل ذلك الحكم و يحكم بضده أو بغيره فكان قد انسد باب الدعوى للعلم بأحكام النجوم وهذا جواب واضح معلوم.
مع أن الأنبياء عليهم السلام بعثوا ببطلان أن الأفلاك والشمس والقمر والنجوم علل ومعلومات وفاعلات مختارات وثبتت أقوالهم بالآيات والمعجزات والبراهين الخارقات للعادات ثم جاؤوا بالشرايع المختلفات وكان اختلافهم بالشرايع دليلاً على أن باعثهم مختار من غير علة ولا عامل بالطبايع وكان تصديقهم بالآيات والبراهين الخارقة لعقول المكلفين دليلاً على أن النجوم ليست كاملة ولا مختارة وكف تكون كاملة الاختيار و الصفات وهي تصدق بالآيات الخارقات من يدعي أنها غير مختارات ولا فاعلات، فكانت النجوم تكون من أسفه و أنقص وأرذل الفاعلين وكان قد انتثر نظام الفلك وفسد جميع العالمين بتصديقها من لا يصدقها ويبطل فضلها ويزيل محلها فقد ثبت بطلان قول من ادعى أن النجوم علة وأنها فاعلة وكل حديث ورد بالنهي عن تصديق النجوم وتحريمها و المنع من معرفتها و ورود الأخبار بذلك فمحول على هذين القسمين اللذين ثبت بطلاهما وتحريم التصديق بهما أنما صح من علم النجوم القول بأنها دلالات وعلامات على الحادثات بقدرة الفا طراها الآمر بها في الدلالات كما جعل قلب ابن آدم وعقله ونظره دلائل على التصديق بأمور حاظرات مع تباعدها عما يحيط بعلمه في المسافات والجهات، وسوف نورد من أخبار من قوله حجة في العلوم بما ذكرناه من تحقيق هذا القسم الثالث من علم النجوم وقد قدمنا ما فيه كفاية لمن طلب التوفيق وشرفه الله جل جلاله بالظفر في التحقيق وصانه عن جحود الآيات الدالة عليه جل جلاله وعلى رسله عليهم السلام بمعرفة أسرار دليل النجوم الموصوفة وما أبانه بالهداية به من آياته المكشوفة ولعل السبب في توقف قوم من الضعفاء عن العلوم بهذه الأشياء خوفهم أن يشتبه الحال بين المنجمين وبين الأنبياء فيما أخبروا به الغائبات وأين حديث المنجمين المستضعفين الذين يشهد عليهم لسان حالهم وبيان مقالهم باستحالة الدعوى بالمعجزات والآيات من مقام الأنبياء عليهم أفضل الصلوات الذين لم يعرف أستاذ منجم ولا كاهن ولا قائف ولا من أخذوا العلوم منه ولا من رواها عنه. فكان مجرد إحاطتهم بالعلوم من غير أستاذ ينسبون إليه ويقرؤون عليه معجزة من الله جل جلاله في تصديقهم وتحقيقهم وثبوت طريقهم وليس كذلك علماء المنجمين فإن كل واحد منهم معروف الأستاذ الذي قرأ عليه، ومشهور بالكتب الذي أخذ عنها علمه الذي أشير إليه.
وقد كنا قدمنا أنه لو كان كل طريق حصل منه تعريف بالغائبات طعنا في معجزات الأنبياء عليهم الصلوات، وقدحاً في أخبارهم بالحوادث المستقبلات لكان الذي تضمنته كتب التاريخ من أصحاب الرياضيات بأخبارهم عن الغائبات ومن أهل الحق بأخبارهم عن الحادثات وكان حكم المنامات الصادقات التي تقتضي التعريف بالحادثات، طعناً في النبوات ولكن هذه وأمثالها لا قدح بها على المعجزات، وكذلك ما جعل الله جل جلاله من دلائل النجوم على الكائنات.
وأعلم أن أهل المعقول والمنقول ذكروا أن موسى عليه السلام لما كثر في زمانه السحر، احتج الله جل جلاله عليهم بما لم يبلغه علمهم من عصا موسى تلقفت حبالهم وعصيهم، وأن عيس عليه السلام لما كثر الطب في زمانه احتج الله جل جلاله عليهم بما يبلغه علمهم من أحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص على يد عيسى، ولما كثرت الفصاحة في زمن نبينا صلوات الله عليه، احتج الله جل جلاله عليهم بفصاحة القرآن الشريف على لسان رسوله محمد صلى الله وسلم عليه وآله الذي لا يعرف في ذلك الحل خطاً ولا قراءة كتاب، فكانت معجزات الأنبياء حجة على العباد لأجل ما أتوا به من الزيادة على العلوم التي كانت في زمانهم خارقة للمعتاد، فكذلك يكون تعريف الأنبياء والأوصياء بالغائبات بغير أستاذ،ولا آلات حجة على المنجمين وغيرهم خارقة للعادات.