الباب الرابع: فيما نذكره عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم

فيما نذكره عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم

صلوات الله عليه في إزالة القطوع في العمر إذا دل مولد الإنسان عليه من ذلك ما رواه عبد الله بن الصلت في كتاب"التواقيع" من أصول الأخبار قال حملت الكتاب وهو الذي نقلته من العراق كتب مصقلة بن إسحاق إلى علي بن جعفر رقعة يعلمه فيها أن المنجم كتب ميلاده ووقت عمره وقتاً وقد قارب ذلك الوقت وخاف على نفسه فأحب أن يسأله أن يدله على عمل يعمله يتقرب به إلى الله عز وجل فأوصل علي بن جعفر رقعته التي كتبها إلى موسى بن جعفر عليه السلام فكتب إليه" بسم الله الرحمن الرحيم" متعني الله بك قرأت رقعة فلان فأصابني والله إلى ما أخرجني إلى بعض لائمتك، سبحان لله أنت تعلم حاله منا وفي طاعتنا وأمورنا فما منعك من نقل الخبر إلينا. ليستقبل الأمر ببعض السهولة حتى لو نقلت أنه رأى رؤيا في منامه، أو بلغ سن أبيه أو أنكر شيئاً من نفسه، فكان الأمر يخف وقوعه، ويسهل خطبه ويحتسب هذه الأمور عند الله عز وجل. بالأمس تذكره في اللفظ بأن ليس أحد يصلح لنا غيره واعتمادنا عليه على ما تعلم، فليحمد الله كثيراً ويسأله الإمتاع بنعمته وما أصلح المولى وأحسن الأعوان عوناً برحمته ومغفرته، مر فلاناً لا فجعنا الله به بما يقدر عليه من الصيام، كل يوم أو يوماً ويوماً أو ثلاثة في الشهر ولا يخلي كل يوم أو يومين من صدقة على ستين مسكيناً وما يحركه عليه النسبة وما يجري ثم يستعمل نفسه في صلوات الليل والنهار استعمالاً شديداً وكذلك في الاستغفار وقراءة القرآن وذكر الله تعالى والاعتراف في القنوت بذنوبه والاستغفار منها ويجعل أبواباً في الصدقة والعتق والتوبة عن أشياء يسميها من ذبوبه، ويخلص نيته في اعتقاد الحق ويصل رحمه وينشر الخير فيها،فنرجو أن ينفعه الله عز وجل لمكانه منا وما وهب الله تعالى من رضانا وحمدنا إياه، فلقد والله ساء ني أمره فوق ما أصف، وأنا أرجو أن يزيد الله في عمره، ويبطل قول المنجم فيما أطلعه على الغيب والحمد لله وقد رأيت هذا الحديث في كتاب"التوقيعات" لعبد الله بن جعفر الحميري رحمه الله وقد رواه عن أحمد بن محمد بن عيسى بإسناده إلى الكاظم "ع" يقول أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس فلو كان القول بعلم النجوم محالاً ما كان مولانا الكاظم صلوات الله عليه قد اهتم بتدبير زواله بما أشار إليه، ولا كان بلغ الأمر في استعمال صاحب القطع نفسه في صلوات الاستيجار وكثرة الاستغفار والعتق والصدقة مما يدفع به الأخطار.

وذكر مصنف كتاب"إخوان الصفا" في المجلد الأول منه في فضل فوائد علم النجوم فقال ما هذا لفظه، واعلم أيها الأخ أيدك الله وإيانا بروح منه أن في معرفة علم النجوم فوائد كثيرة فيما يكون في الحادث المستقبل والكائن من بعد أيام، فإنه إذا علم الإنسان ما يكون أمكنه حينئذ أن يدفعه عن نفسه أو بعضه لا بان يمنع كونه، ولكن يتحرز منه ويستعد له كما يستعد سائر الناس لدفع برد الشتاء بجمع الدثار ولحر الصيف باتخاذ الأماكن وللغلاء باتخاذ الغلات والادخار ولخوف العين بالصرف منها وللمخاوف وما شاكل هذه الأمور،مع علمهم بأنهم لا يصيبهم إلا ما كتب الله عليهم"وشيء آخر" وهو أنه متى علم الناس الحوادث قبل كونها أمكنهم أن يدفعوها قبل نزولها بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى والتوبة والإنابة إليه، وبالصوم والصلاة والفرائض والنذور، والسؤال من الله تعالى أن يدفع عنهم المحذور ويصرف ما يخافونه من الأمور.

واعلم أيها الأخ أيدك الله وإيانا بروح منه أنك إذا نظرت أسرار النواميس الإلهية وتأملت السنن الشرعية، وتبينت أغراض واضعي النواميس كان هذا الذي ذكرت لك، وذلك أن موسى بن عمران عليه السلام أوصى بني إسرائيل فقال احفظوا شرائع التوراة واعملوا بوصاياها فإن الله يستجيب دعاءكم، ويرخص أسعاركم ويخصب بلادكم ويكثر أموالكم وأولادكم، ويكف عنكم أعداءكم، ومتى خفتم حوادث الدهر ومصائب الأيام، فتوبوا إلى الله واستغفروا وصلوا وادعوه أن يصرف عنكم ما تخافون، ويدفع عنكم شر ما تحذرون، ويكشف عنكم شر ما يكون من محن الدنيا ومصائبها، وحوادث الأيام ونواكبها. وعلى هذا المنوال كان وصية عيسى عليه السلام لصاحبته ووصية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأمته.

وقد روينا بعدة أسانيد عن الأئمة الأطهار، أن القطع بالموت في الأعمار، يزول بالصدقة والمبار، فمن ذلك ما ذكره الشيخ الثقة محمد بن يعقوب الكليني في كتاب"الكافي" بإسناده رحمه الله إلى أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة تدفع ميتة السوء ومن ذلك ما ذكره أيضاً في الكافي بإسناده إلى أبي جعفر الباقر"ع" قال البر والصدقة ينفيان الفقر ويزيدان في العمر، ويدفعان ميتة السوء ومن ذلك ما ذكره أيضاً بإسناده إلى الصادق عليه السلام قال مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له السام عليكم فقال له وعليك فقال أصحابه عليه السام إنما السلام الموت فقال النبي صلى الله عليه وآله وكذلك رددته عليه ثم قال إن هذا اليهودي يعقبه أسود في قفاه فيقتله قال فذهب اليهودي فحطب حطباً كثيراً واحتمله ثم لم يلبث أن انصرف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعه فوضعه فإذا فيه أسود عاض فقال يا يهودي أي شيء عملت اليوم قال ما علمت إلا عملاً حطبي أحطبته واحتملته وجئت به وكان معي قرصان أكلت واحداً وتصدقت على مسكين بواحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بها دفع الله عنك، إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان، ومن ذلك ما رويناه عن محمد بن يعقوب أيضاً في كتابه المشار إليه بإسناده عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال كان رجل من بني إسرائيل ولم يكن له ولد فولد له غلام فقيل له أنه يموت ليلة عرسه فمكث الغلام فلما كان ليلة عرسه نظر إلى شيخ كبير ضعيف فرحمه ودعاه فأطعمه فقال له أحييتني أحياك الله فأتى أباه آتٍ في النوم سل فقال له سل ابنك ما صنع؟

فسأله فأخبره ثم أتاه مرة أخرى في النوم فقال له إن الله أحيى ابنك بما صنع مع الشيخ، ومن ذلك ما ذكره سعيد بن هبة الله الراوندي رحمه الله في كتاب " قصص الأنبياء" قال إن عيسى عليه السلام مر بقومٍ معرسين فسأل عنهم فقيل له أن بنت فلان تهدى إلى فلان فقال إن صاحبتهم ميتة من ليلتهم فلما كان من الغد قيل له أنها حية فجاء بالناس إلى دارها فخرج إليه زوجها فقال "ع" سل زوجتك ما فعلت البارحة فقالت ما فعلت شيئاً إلا أن سائلاً كان يأتيني كل ليلة جمعة فأنيله شيئاً وأنه جاء ليلتنا فهتف ثم قال عز علي أن لا يسمع صوتي، وعيالي يبقون الليلة جياعاً، فقمت متنكرة وأنلته ما كنت أنيله فيما مضى فقال عيسى"ع" تنحي عن مجلسك فتنحت فإذا بفراشها أفعى عاض على ذنبه فقال لها بما صنعت صرف عنك هذا ومن ذلك ما رواه أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب " الدلائل" في دلائل الصادق" ع" بإسناده إلى ميسر قال قال لي أبو عبد الله يا ميسر قد حضر أجلك غير مرة ويؤخره الله تعالى بصلتك رحمك وبرك قرابتك.

وأما دفع البلاء والقضاء بالدعاء، فأنا ذاكر من الدعوات في الرخاء والبلاء عدة مقامات تكون عند كل مسلم من أعظم الشهادات منها مقام الأنبياء عليهم السلام في الرخاء والرجاء، دعاء زكريا"ع" "فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضياً" فقال جل جلاله" يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا" ومنها دعاء الأنبياء عند الابتلاء دعاء أيوب "ع" "رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" فقال جل جلاله "فكشفنا ما به من ضرٍ وآتيناه أهله ومثلهم معه رحمة من عندنا وذكرى للعابدين" ومنها دعاء الأنبياء عند النصر على الأعداء دعاء نوح"ع" "رب إني مغلوب فانتصر" فأجابه الله جل جلاله"ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" ومنها دعاء الأنبياء فيما يخافون به ما يقضي على الحياة دعاء يونس "ع"" سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين" فقال جل جلاله" فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين"، ومنها مقامات الأولياء كأصحاب طالوت في الدعاء"ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين" فقال جل جلاله" فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت" ومنها دعاء أصحاب الكهف حين دعوا فقالوا" ربنا آتتا من لدنك رحمة وهيأ لنا من أمرنا رشدا" فقال جل جلاله" فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثتاهم"، ومنها مقامات النساء في الدعاء كدعاء امرأة فرعون إذ قالت" ربي ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين"، فروي في الأحاديث إجابة سؤالها، ومنها مقامات العصاة في الدعاء كقوم إدريس "ع" فإنه دعا عليهم أن يحبس عنهم الغيث فبقوا عشرين سنة لم يمطروا فدعوا الله جل جلاله فأجاب سؤالهم وكقوم يونس"ع" فإنه دعا عليهم، فدعوا الله تعالى فرحمهم وعكس في الظاهر على نبيهم وبلغتهم آمالهم؛ ومنها الأمم الهالكون في العذاب فقد بينهم الله جل جلاله في الكتاب وذكر لعل المراد منه أنهم لو دعوه لزالت كروبهم، قال سبحانه" فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم"، ومنها دعاء أعظم الجناة في حال إصراره واستكباره إبليس إذ قال "اجعلني من المنظرين" فأجابه الله جل جلاله بقوله "إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم"، أقول فهل بقيت شبهة أن الدعاء دافع للبلاء عند العقلاء؟