الباب السابع: فيمن صح حكمه بدلالة النجوم قبل الإسلام

فيمن صح حكمه بدلالة النجوم قبل الإسلام

ولم يذكر اسمه فمن ذلك الذي وجدناه في صحة الحكم بدلالة النجوم ممن عرف اسم المحكوم ولم يذكر اسم المنجم،ما ذكره أبو عبد الله الحسين بن خالويه في كتاب"الملح" من نسخة عتيقة يقتضي أنها في حياته أحضرها إلينا السيد حسن بن علي المدائني المعروف بابن بنت الكال كرهت شرائها ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئاً، أما بعد فقد أهديت لك هدية وليست هدية ولكنها تحفة وقد أحببت أن تبعث إلي رجلاً يفصح لي عن دينكم ويعلمني والسلام، قال ابن الأشعث وقد أدركت أنا الذي كتبت لي عمر بن عبد العزيز فإنه عاش مائة سنة واسمه بهرة، وكان عاملاً على ثلاثمائة ألف فرسخ، وعلى مربطه ألف فيل وكانت أمه راعية، فأدركها الطلق قبل طلوع الشمس، فمر بها منجم هندي فقال إن لم يولد هذا حتى يطلع قرن الشمس ملك الهند، فجمعت المرأة عباءة كانت معها واستقرت بها وقعدت عليها، فلما ذر قرن الشمس قذفت بعباءتها فولد وبلغ ما قال ذلك المنجم، ويقال أنه أسلم على يد عمر بن عبد العزيز وأخفى إسلامه خوفاً على نفسه من القتل.

وذكر الحاكم النيشابوري في تاريخه في الجزء السابع في أواخره ما يقتضي أنه مصدق بعلم النجوم وأن علم النجوم قد صح فيما ذكره المنجمون عن سابور ذي الأكتاف وهو جنين في بطن أمه فقال ما هذا لفظه في ذكر المدينة الداخلة بنيشابور، حدثنا الحسين بن أحمد بن مشوقة المدائني عن آبائه قالوا لما ملك شابور بن هرمز وهو الذي وضع التاج على بطن أمه، وكتب عنه إلى ملوك الآفاق، وهو جنين في بطن أمه وقد مات أبوه هرمز، وقد كان المنجمون أعلموه قبل وفاته أنه يلد ذكر أيملك الأرض وأخبروا أمه والوزراء بذلك وسموه شابور أي ابن الملك على أنه إذا بلغ إن شاء غير اسمه، فلما بلغ أربعين سنة غير اسمه، وكان ذا رأي وهمة جليلة ملك العرب والعجم وقهر إياد وفيه يقول علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

إن حياً يرى الفساد صلاحـاً     ويرى الرشد للشقاء فسـاداً
لقريب من الهلاك كما أهلك      شابـور بـالـسـواد إياداً

ثم ذكر الحاكم بناءه لمدينة نيشابور وطرفا من صحة حكم المنجمين له بالملك.
وذكر أبو الفرج ابن الجوزي واسمه عبد الرحمان في طرائف اللطائف في تاريخ السوالف ما يستظهر منه على أنه كالمصدق بعلم النجوم وصحة الحكم بها واعتماد بعض ملوك الأكاسرة عليها، كما قدمنا بعضه فقال أن سبب ملك شابور ذي الأكتاف أنه كان حملاً بعد موت أبيه هرمز فقال المنجمون هذا الحمل يملك الأرض فوضع التاج على بطن أمه وكتب بذلك إلى الآفاق وهو جنين، أقول ثم ذكر صحة حكم المنجمين فيه وأن شابور ذا الأكتاف كان ملكاً عظيماً وهو الذي بنى إيوان كسرى وبنى نيشابور وسجستان والسوس وقال هو وغيره إنما سمي ذا الأكتاف لأنه كان حين ملك ينزع الأكتاف من مخالفيه. وأقول أي عقل يمنع من قدرة الله جل جلاله على أن يجعل دلالات النجوم من قدرته؟ فهو سبحانه القادر لذاته الحكيم في مقدوراته.

ومن العلماء بالنجوم الذي صح حكمه بها ودلالتها على يديه من أهل الإسلام المعروف بالعماد من أهل هرات، ذكر ذلك صدقة بن الحسن في المجلد الخامس من"التذليل" في حوادث سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فقال لفظه وكان لقماج صاحب بلخ منجم يعرف بالعماد من أهل هرات فاستأذن الأمير قماج في خروجه إلى أهله فلم يعطه إذناً فقال له المنجم أعطني إذناً وأعطني أماناً لا أخبرك بما يجري على خراسان فقال له قد أمنتك قال قال قد آل ملكهم إلى الزوال، وإن خراسان تخرب ويهلك أهلها في العام القادم من قوم بخزنة مما وراء النهر يفعلون الخير ويعودون بعد ذلك فيكون هلاك ملك خراسان على أيديهم وهلاك خراسان ونفسي تعلم يقيناً أنهم هؤلاء القوم الذين نزلوا على رعايا يعني الغز ثم شرح صاحب التذييل كيف ملكت الغز بلد خراسان وهلك السلطان وهلك أهل خراسان على نحو ما جرى عليهم هلاكهم في التتر في هذه الأزمان وصح الحكم بذلك جميعه وفي شرحه غرائب لكن يطول ذكرها والمقصد ما ذكرناه.

وذكر جدي أبو جعفر الطوسي فيما نقلته من خطه في كتاب أبي العباس أحمد بن محمد من وجهة أوله في القائمة الأخيرة من الكراس السادس ما هذا لفظه، قال بعضهم حكم المنجمون في سنة سبعين ومائة أن في ليلة واحدة يموت ملك عظيم ويقوم ملك كريم ويولد ملك حكيم فمات موسى الهادي وقام الرشيد وولد المأمون، أقول ولم يذكر جدي الطوسي بهذا الحكم دلالة النجوم ولا طعناً في ذلك.

ومن ما ذكره الحاكم في ترجمة هارون الرشيد من المجلد الثالث في تاريخ نيشابور قال حدثني عبد الرحمن بن أحمد بن حمدوية قال سمعت أبي يقول سمعت جماعة من مشايخنا المعمرين بنيشابور يذكرون ورود هارون الرشيد أمير المؤمنين نيشابور ومقامه به وذلك أنه لما خرج من بغداد وكان الفضل بن الربيع وزيره صار إلى الري وكان بها جماعة من المنجمين فجمعهم وسألهم النظر في أمر خروجهم وما يستقبله فيه وما يستقبله في بقية عمره؟ فنظروا وحكموا أنه يهلك بخراسان بقرية يقال لها سناباد فسألهم عنها فقالوا هي من قرى بيهق، فتنحى عن الطريق ولم يدخل بيهق وعدل إلى ناحية جرجان على أن يكون قدومه لنيشابور على طريق جرجان ثم أنه ورد نيشابور وأقام بها وبعث منها العساكر والقضاة وأصحاب البرد إلى النواحي، ثم خرج من نيشابور إلى طوس ونزل قرية حميد الطوسي التي يقال لها سناباد، فسأل عن اسم القرية فقال له سناباد فمرض وعلم أنها تربته، ووطن نفسه على أن يموت بها وأنه لا مرد لقضاء الله عز وجل فأرسل المأمون على مقدمته إلى مرو وأقام هو في سناباد عليلاً إلى أن توفي فدفن بها.

ورأيت في الجزء الثاني من كتاب"الوزراء" تأليف علي بن الحسين بن عبد الله الخازن عند ذكر وزارة أبي الحسن ناصر بن مهدي العلوي الحسني رضوان الله عليه وكنت أنا سمعت ذلك منه فعلق بحفظي وأني الآن أحفظه، قال حدثني الحافظ أبو عبد الله البغدادي قال حدثني كثير القمي صاحب الوزير ناصر بن المهدي قال كنت بخدمته في قمم وكان حينئذٍ يتفقه في مدرسة هنالك فقدم علينا منجم عالم بأحكام النجوم فجمع الجماعة مواليدهم وألقوها بين يديه وكان في جملتها مولداً لوزير فنظر فيها ثم أمسك مولد الوزير وقال صاحبه هذا المولد يحكم في الشرق والغرب قلت أنا وقد كان كثير القمي أذن لي في أيام وزارته بالرواية عنه.

ومن المذكورين بالإصابة في علم النجوم ولم يذكر اسمه قبل الإسلام ما ذكره أبو جعفر ابن بابويه رحمه الله في الجزء الثالث من كتاب الكمال في الغيبة في جملة حديث ملك الهند وولده يوذاسف وبلوهر الحكيم فقال عن ملك الهند ما هذا لفظه، وكان حريصاً على الولد ولم يكن له ولد إلى أن طال عليه أمره فحملت امرأة من نسائه وولدت غلاماً فاستبشر بذلك وأمر للناس بالأكل والشرب سنة وسمى الغلام يوذاسف وجمع العلماء والمنجمين لتقويم ميلاده فرفع المنجمون إليه أنهم يجدون الغلام يبلغ من الشرف والمعزلة ما لم يبلغ أحد واتفقوا على ذلك جميعاً غير أن واحداً منهم قال ما أظن أن الشرف الذي يبلغه هذا الغلام إلا شرف الآخرة، ولا أحسبه إلا أن يكون إماماً في الدين والنسك وذا فضيلة في درجات الآخرة لأني أرى الشرف الذي يبلغه ليس يبلغ شرف الدنيا بل هو يشبه شرف الآخرة فوقع ذلك القول من الملك موقعاً كاد ينغصه سروره بالغلام، وكان المنجم الذي أخبر بذلك من أوثق المنجمين في نفسه وأعلمهم وأصدقهم عنده، ثم ذكر ابن بابويه كيف تقبلت الأمور بيوذاسف ابن الملك حتى زهد في الدنيا زهداً عظيماً وفارق ملك أبيه وصح حكم المنجم فيه بدلالة الله تعالى له بالنجوم والتنبيه.

وروى أيضاً ابن بابويه في كتاب"الغيبة" ما هذا لفظه إنه كان في أول الزمان ملك للهند حريصاً على أن يولد له، فكان لا يدع شيئاً مما يعالج به الناس أنفسهم إلا أتاه وصنعه فلما طال ذلك من أمره حملت امرأة من نسائه وولدت غلاماً فلما وضعته خطا ذات يوم خطوة فقال ميعادكم تكبرون ثم خطا أخرى تهرمون ثم خطا الثالثة فقال تموتون ثم دعا كهيئته يفعل كما يفعل الصبي فدعا الملك العلماء والمنجمين فقال لهم أخبروني بخبر ابني هذا، فنظروا في شأنه وأمره فأعياهم أمره ولم يكن عندهم فيه علم إلا أن منجماً منهم قال سيكون هذا إماماً فلما رأى الملك أنه ليس لهم علم دفعه إلى المرضعين فأخذوا في رضاعه فأقبل يوماً ما عند مرضعته والحرس معه ومر بالسوق فرأى جنازة فقال ما هذا قالوا إنسان مات قال ما أماته قالوا كبر وفنيت أيامه ودنا أجله قال أو كان صحيحاً يمشي ويأكل ويشرب قالوا نعم، ثم مضى فإذا بشيخ كبير فقام ينظر إليه تعجباً منه ثم قال ما هذا قالوا شيخ كبير قد كبر وكان صغيراً ففني قال أو كان شاباً فشاب قالوا نعم ثم مضى فإذا هو برجل مريض مستلق على ظهره فجعل ينظر إليه ويتعجب منه ثم قال ما هذا قالوا مريض قال أو كان صحيحاً ثم مرض قالوا نعم فقال والله لئن كنتم صادقين فإن الناس لمجانين أقول ثم شرح ابن بابويه رضي الله عنه كيف جرى أمر المشار إليه من صحة ما حكم به العالم بالنجوم ودلت آيات الله جل جلاله عليه.