البا التاسع: فيما نذكره عمن يقول أن النجوم لا تصح أن تكون دلالات على الحادثات

فيما نذكره عمن يقول أن النجوم لا تصح أن تكون دلالات على الحادثات

أعلم أن المنكرين لذلك من المسلمين فرق، فريق لم يقف على ما رويناه ونقلناه ودللنا عليه من كون النجوم دلالات، وأنها آيات وهدايات ولو وقفوا على ما أشرنا إليه لكان يرجى منهم الاعتماد عليه وفريق من المنكرين لهذا العلم الموسوم قوم مستضعفون لا حكم لخلافهم في العلوم فجوابهم بحسب حالهم، جواب أمثالهم وفريق خافوا أن يكون ذلك طعناً على النبوات وما أتى به من الأنبياء من المعجزات ولو كان كل آية هدى بها الله عباده وخرق بها العادة، مفسدة للمعجزات الصادقة وطعناً على الآيات الخارقة كان قد أفسد طريق المعجزات لأن كل ما في الوجود من المخلوقات كانت في ابتدائها آيات باهرات خارقات ولكنها لما استمرت هانت على الناظرين، وغفلوا من جلالتها وما فيها من الدلالة على رب العالمين فتكون لدلالة النجوم أسوة بسائر ما ابتدأ الله جل جلاله به من آياته، ودل به على أعظم مقدوراته، وقد قدمنا الإشارة إلى بعض ما فرقنا به بين أخبار المنجمين بالحادثات، وبين تعريف الله جل جلاله على يد الأنبياء والأولياء بالغائبات ونزيده هنا أن طريقة المنجمين معروفة بين العقلاء وموصوفة عند الفضلاء لوم منع أحد من معرفة مولد الإنسان ما قد مر أن يحكم على طالعه، ولو منع الإسطرلاب لتعذر عليه بمنافعه، ولو حيل بينه وبين أستاذ يتعلم منه لاستحال صدور هذا العلم عنه، ولو حيل بينه وبين كتب ينظر فيها لتعذر عليه الإخبار بشيء من معانيها، فأما الأنبياء والأوصياء والأولياء فمعلوم بالضرورة من حالهم وصفات كمالهم أن تعريفهم للعباد بالغائبات ليس عن أستاذ ولا استعمال شيء من الآلات، ولا في وقت يحتمل الفكر في ترتيب الدلالات، وإن الأنبياء لم يقتصر الله جل جلاله بهم في المعجزات، على التعريف بالغائبات بل جعل لهم من الآيات مثل إحياء الأموات ومثل إبراء المرضى بغير معالجات، ومثل إجابة الدعوات في أوقاتها المعينات ومثل الحكم على مولود قبل ولادته ومثل نطق الحيوانات الخالية من العقل بتصديق من يصدقه الله تعالى منهم بتزكيته وشهادة الجمادات لهم بما يريدونه منهم بالله جل جلاله منه، وغير ذلك مما يطول الكلام بشرح حقيقته، فأين شرف هذا المقام وأين ما يذكره المنجمون من الأحكام، وفريق رأى في الكتب أخباراً بالمنع في شيء من النجوم، فحمل ذلك على العموم، ولم يدر أن المراد بالتحريم إنما هو لمن اعتقد أن النجوم علة موجبة أو فاعلة مختارة وذلك كفر عظيم وليش هذا لما ذكرناه بمثيل بل كغيرها في كل دليل على ما أراده الله تعالى من واضح السبيل، أقول ويحتمل أن يكون النهي عن علم النجوم وتعلمه واستعماله لمن يستعمل دلالتها في معصية الله تعالى، كما يستعملها الذين يتوصلون بمعرفتها وهدايتها إلى خلاف مراد الله ومراد رسوله، وفريق يستبعدون أن تكون النجوم مع ارتفاعها في السموات، دالة على ما في الأرض لتباعد الجهات وهذا الفريق معدودون من أهل الضعف فينبغي أن يعرفوا قدرة القادر لذاته تعالى ثم يحتمله حالهم من الكشف وفريق سمعوا أنه أدى هذا العلم بالجهال إلى جهود الشرايع وترك العبادة و الأعمال فخافوا من تعليمه والتصديق به أن يقعوا في تلك الأهوال ولو كان هذا عذراً في طلب التحيز وسلوك صواب الطريق أدى ذلك إلى الإهمال بالكلية وترك العلوم الدينية لأن كل علم منها ضل فريق في طريقه واختلفوا في تحقيقه ، وفريق سمعوا أن هذا العلم ابتدعه قوم غير الأنبياء من الفلاسفة والحكماء فهربوا من التصديق بشيء من معانيه لئلا يقعوا فيما وقع أولئك فيه من الضلالة والتشبيه وقد قدمنا الدلالات الواضحات على أن هذا العلم من علوم الأنبياء والأوصياء عليهم الصلوات وأوضحنا ذلك بما ذكرناه من المعقولات والمنقولات. ولقد وجدت تصنيفاً لبعض العلماء الماضين ولا اسمية لئلا يكون عيبة له وإظهار النقص بين السامعين قال فيه جواباً عمن سأله من المكاتبين أنه لا يصح أن تكون النجوم علامات على الحادثات وذكر في أقوى الاحتجاجات أنه ربما تكون جماعة مواليدهم مختلفة ويغرقون في سفينة في وقت واحد ويقع عليهم حائط أو نحو ذلك من الحوادث المألوفة فيقال له أن الذين قالوا أن النجوم علامات، معتقدون أن الله جل جلاله قادر مختار بالذات والأعمار بحسب حكمه فيقصر منها ما شاء ويتم ما شاء ولا اعتراض عليه في الإرادات مع أن جميع المسلمين الصادقين بالاعتقاد عارفون أن الله تعالى لا بد أن يخرب الفلك والنجوم عند انقضاء دار الفناء فمن يقدر على إبطال الفلك ونجومه وهي أصل دلالات العباد. أما يقدر أن يبطل أعماراً يمكن إبطالها بوجه من وجوه السداد والصواب كما قال الله تعالى:"يمحو الله ما يشاء وعنده أم الكتاب" وقال ذلك المصنف في كتابه أنه قد جرب عليهم غلطاً في الأحكام وقد تقدم الكلام في جواب هذا الكلام بما معناه ما معناه أنه لو كان غلط فريق من أهل العلوم أو تعمدهم الغلط مبطلاً لتلك الرسوم كان قد فسد كل علم في الوجود فإن جميعها فيها اختلاف لا يحسن أن يقابل في الجحود فلعلم دلالات النجوم أسوة بسائر العلوم.

ومن اعتبر السائل الذي سأله فلعله يفهم أنه من ملوك الدنيا أو أنه يريد ويعتقد نصرة مسألة المرتضى في الجواب عن مسألته ولا يبعد أنه اتقى في ذلك لأن السائل من الولاة في مملكته بوده ما ذر في آخر حديثه من تصريح الحمصي في التعليق العراقي بصحة علم النجوم ودلالته.

وقال آخر من علماء الإسلام في رده على القائلين بأن النجوم دلالات على حوادث الأيام كلمات استحسنها من سمعها منه وحكاها على سبيل الاستحسان عنه طيباً لنفسه أن هذا كظن القائل يخطئ تارة ويصيب أخرى والمنجمون كذلك ؟ فيقال له أنه لا يقدر على ظن يقطع به في شيء من خوف أو بشرى والنجوم قد دلت على كسوفات وحادثات يقطع علماؤهم بها، ونقلوا التحقيق سلها فصدقت مقالتهم وظهرت حجتهم والاستدلال لهم وهذا فرق بين ظن بن آدم الضعيف وبين ما جعل الله جل جلاله النجوم دلالة عليه بتدبيره الشريف ويقال أيضاً لهذا المساوئ بين ظنه وبين دلائل النجوم أن الطريق مسدود عليك بين ظنونك وبين اطلاعهم على علامات النجوم بالظنون والعلوم فلو كان القائلون بدلالة النجوم مثل الظنون لكان انفرادهم بالإطلاع على الإمارات المقتضية للحادث المظنون تفضيلاً لهم بهذا الظن المغبون وداعياً إلى ترجيح الباب بمعرفة هذه الأسباب، أقول وما رأيت أن العقل ولا النقل ولا شريعة أصحاب الرسالة عن صاحب الجلالة تقتضي أو تجيز الجحود أو المكابرة للأمور المعلومة الظاهرة فإنه متى وقع جحود ومكابرات من أهل الديانات أدى ذلك إلى الطعن عليهم فيما يذكرونه من المقالات وتزهيد العقلاء فيما هم عليه من الاعتقادات بل يجب أن يصدق الصادق فيما يكون صدقاً من مقاله ولو كان عدواً وقد قال ذلك من شبه وكان ناقصاً في مرتبته هو حاله وفي حديث أهل الكمال انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال.