عرض كتاب كليلة ودمنة - مثل الرجل الصابر على اللص

ثم إن العاقل إذا فهم هذا الكتاب وتفقهه وبلغ نهايته وعلم ما فيه، ينبغي له أن يعمل بما علمه منه لينتفع به ويجعله مثالاً لا يحيد عنه. فإذا لم يفعل ذلك كان مثله مثل الرجل الذي يقال إن سارقاً تسوّر عليه وهو نائم في منزله فعلم به فقال: والله لأسكتنّ حتى أنظر ما يصنع ولا أذعره ولا أعلمه أني قد علمت به، فإذا بلغ مراده قمت إليه فنغّصت ذلك عليه. ثم أمسك عنه وجعل السارق يطوف، فطال تردده على الرجل في جمع ما يجده فغلبه النعاس فنام، وفرغ اللص مما أراد فأمكنه الذهاب. ثم استيقظ الرجل فوجد اللص قد فاز بما أخذ من المتاع فأقبل على نفسه باللوم حين عرف بأنه لم ينتفع بعلم موضع اللص إذ لم يستعمل في أمره ما يجب.

ويقال أن العلم لا يتم إلا بالعمل، وإن العلم كالشجرة، والعمل فيها كالثمرة، فليلزم صاحب العلم القيام بالعمل لينتفع به، وإن لم يستعمل ما يعلم فلا يسمّى عالماً. ولو أن رجلا كان عالما بطريق مخوف ثم سلكه على علم به يسمى جاهلاً. ولعله يكون قد حاسب نفسه فوجدها قد ركبت أهواءً وهجمت به فيما هو أعرف بضررها فيه وأذاها به من ذلك السالك في الطريق المخوف الذي عرفه. ومن ركب هواه ورفض ما ينبغي أن يعمل بما جرّبه أو علّمه غيره، كان كالمريض العلام برديء الطعام والشراب وجيّده وخفيفه وثقيله ثم يحمله الشره على رديئه وترك استعمال ما هو أقرب إلى النجاة والتخلص من علته.