أبو ليلى، نابغة بني جعدة: وهو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
وأبو ذؤيب الهذلي، وهو خويلد بن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل.
والشماخ بن ضرار بن سنان بن أمامة، أحد بني سعد بن ذبيان.
ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر.
وكان النابغة قديماً، شاعراً مفلقاً، طويل البقاء في الجاهلية والإسلام، وكان أكبر من النابغة الذبياني، ويدل على ذلك قوله:
فمن يكُ سائلاً عني فـإنـي |
|
من الفتيان أيامَ الـخُـنـانِ |
أتت مئةٌ لعـام ولـدتُ فـيه |
|
وعشرٌ بعد ذلك وحجّـتـان |
وقد أبْقَتْ خُطُوبُ الدّهرِ مني |
|
كما تُبقي من السيف اليماني |
تفلّلَ وهو مـأثـورٌ جُـرَازٌ |
|
إذا اجتمعت بقائمه الـيدان |
وقوله:
ندَامايَ عند المنذر بـن مُـحَـرّق |
|
فأصبح منهم ظاهر الأرض مقفرا |
وكان الذبياني مع النعمان وفي عصره، ولم يكن له قدم وكان الجعدي مختلف الشعر مغلباً، فقال الفرزدق: مثله مثل صاحب الخلقان: ترى عنده ثوب عصب وثوب خز، وإلى جنبه سمل كساء. وكان الأصمعي يمدحه بهذا وينسبه إلى قلة التكلف، فيقول: عنده خمار بواف ومطرف بآلاف. بواف: يعني بدرهم وثلث.
وإذا قالت العرب: مغلب، فهو مغلوب. وإا قالوا: غلب فهو غالب. وغلبت عليه ليلى الأخيلية وأوس بن مغراء القريعي، ولم يكن إليه ولا قريباً منه. وغلب عليه عقال بن خالد العقيلي، وكان مفحماً، بكلام لا بشعر.
وهجاه سوار بن أوفى القشيري وفاخره، وهجاه الأخطل بأخرة.
حدثني إبراهيم بن شهاب قال، حدثنا الفضل بن الحباب قال، حدثني أبو الغراف قال، قال النابغة الجعدي: إني وأوس بن مغراء لنبتدر بيتاً ما قلناه بعد، لو قاله أحدنا لقد غلب على صاحبه. قال ابن سلام: وكانا يتهاجيان، ولم يكن أوس إلى النابغة في قريحة الشعر، وكان النابغة فوقه، فقال أوس بن مغراء:
فلستُ بعافٍ عن شَتِيمَةِ عامـرٍ |
|
ولا حابسي عما أقول وعيدُهـا |
ترى اللؤمَ ما عاشوا جديداً عليهمُ |
|
وأبقى ثياب اللاّبسين جـديدهـا |
لعمرُك ما تبلَى سرابيل عامـرٍ |
|
من اللؤمِ، مادامت عليها جلُودها |
فقال النابغة: هذا البيت الذي كنا نبتدر! وغلب الناس أوساً عليه.
نا ابن سلام قال، قلت ليونس: كيف تقرأ: "وجئتك من سبأ بنبأ يقينٍ"؟ فقال: قال الجعدي، وهو أفصح العرب:
من سَبَأ الحاضرينَ مأربَ إذْ |
|
يبْنُونَ من دون سيْلِه العَرِمَا |
وهو على قراءة أبي عمرو ويونس فجعل يونس القصيدة للجعدي. وسمعت أبا الورد الكلابي سأل عنها أبا عبيدة فقال: لأمية. ثم أتينا خلفاً الأحمر فسألناه، فقال: للنابغة، وقد يقال لأمية.
نا ابن سلام قال، ذكر مسلمة بن محارب، عن أبيه قال: دخل النابغة على عثمان بن عفان، فقال: أستودعك الله يا أمير المؤمنين وأقرأ عليك السلام. قال: لِمَه؟ قال أنكرت نفسي، فأردت أن أخرج إلى إبلي فأشرب من ألبانها وأشم من شيح البادية.
وذكر بلده. فقال: يا أبا ليلى: أما علمت،أن التعرب بعد الهجرة لا يصلح؟ قال:لا والله ما علمت وما كنت لأخرج حتى أستأذنك.فأذن له، وضرب له أجلاً. فخرج من عنده فدخل على الحسن بن علي فودعه، فقال له الحسن: أنشدنا من بعض شعرك. فأنشده:
الحمدُ لله لا شريكَ لـهُ، |
|
من لم يقُلْها فنفسَهُ ظَلَمَا |
فقال له: يا أبا ليلى! ما كنا نروي هذه الأبيات إلا لأمية بن أبي الصلت؟ قال: يابن رسول الله، والله إني لأول الناس قالها، وإن السروق من سرق أمية شعره.
وقال يونس: كان الجعدي أوصف الناس لفرس، أنشدت قوله رؤبة:
فإنْ صَدَقوا قالوا: جوادٌ مُجرّبٌ |
|
ضليعٌ، ومن خيرِ الجياد ضَلِيعُها |
قال رؤبة: ما كنت أرى المرهف منها إلا أسرع. ولم يكن رؤبة والعجاج صاحبي خيل، ولكن كانا صاحبي إبل ونعتها.
نا ابن سلام، قال: أخبرني ابن دأب، قال: تزوج النابغة امرأة من بني المجنون، وهم عدد بني جعدة وشرفهم، فنازعته وادعت الطلاق، فكان يراها في منامه، فقال:
مالي وما لابنةِ المجنونِ تطْرُقُني |
|
بالليل؟ إن نهاري منك يكفينـي |
لا أجذَعُ البَوّ، بوّ الزُعمِ، أرأمُـهُ |
|
ولاأقيمُ بدارِ العجـزِ والـهُـونِ |
وشرُّ حشوِ خِباءٍ أنتَ مـولِـجُـهُ |
|
مجنونةٌ هُنَّباءٌ بنْتُ مـجـنـونِ |
تسْتَخنِثُ الوَطْبَ لم تَنْقُضْ مَريرتَه |
|
وتأكلُ الحبَّ صرفاً غير مطحونِ |
قال ابن دأب: وكان النابغة علوي الرأي، وأخذ مروان ابنه وإبله بالمدينة، فخرج ومدح مروان بن الحكم بأبيات.
قال ابن سلام: وأنا منها في شك، ولكنه قال ما لا أشك فيه:
فَمَنْ راكبٌ يأتي ابن هندٍ بحاجـتـي |
|
ومروانَ، والأنباءُ تُنْمَى وتُـجـلَـبُ |
ويُخْبِرُ عني ما أقول ابـن عـامـر |
|
فنعمَ الفتى، يُأوى إليه، المعَـصَّـبُ |
فإن تأخذوا مالي وأهـلـي بِـظِـنَّةٍ |
|
فإني لحرابُ الـرجـال مُـحـرّبُ |
صبورٌ على ما يكرهُ المرءُ كـلـهِ، |
|
سوى الظلم، إني إن ظُلِمْتُ سأغضبُ |
أصيب ابن عفان الإمامُ، فـلـم يكـن |
|
لذي حسبٍ بعد ابن عفان مغْـضَـبُ |
وكان أبو ذؤيب شاعراً فحلاً لا غميزة فيه ولا وهن.
قال أبو عمرو بن العلاء: سئل حسان: من أشعر الناس؟ قال: حياً أو رجلاً؟ قال: حياً. قال أشعر الناس حياً هذيل وأشعر هذيل غير مدافع أبو ذؤيب. قال ابن سلام: هذا ليس من قول أبي عمرو، ونحن نقوله. أخبرني أبو خليفة قال، حدثنا محمد بن سلام قال، أخبرني عمرو بن معاذ المعمري، قال: في التوراة: أبو ذؤيب مؤلف زورا. وكان اسم الشاعر بالسريانية: " مؤلف زورا ".
فأخبرت بذلك بعض أصحاب العربية، وهو كثير بن اسحق، فأعجب منه، وقال: قد بلغني ذاك وكان فصيحاً، كثير الغريب، متمكناً في الشعر.
فأما الشماخ، فكان شديد متون الشعر، أشد أسر كلام من لبيد، وفيه كزازة، ولبيد أسهل منه منطقاً.
وكان للشماخ أخوان، وهو أفحلهم،: مزرد، وهو أشبهما به، وله أشعار وشهرة وجزء، وهو الذي يقول يرثي عمر بن الخطاب:
جَزَى الله خيراً من أميرٍ، وباركتْ |
|
يد الله في ذاك الأديم المـمـزَّقِ |
فمن يَسْعَ أو يركبْ جَنَاحَيْ نعامةٍ |
|
ليُدركَ ما حاولتَ بالأمس يُسْبَـقِ |
قضيتَ أموراً ثم غادرتَ بعدهـا |
|
بوائقَ في أكمامها لم تـفـتّـق |
وما كنتُ أخشى أن تكون وفاتـه |
|
بكَفَّيْ سَبَنْتَي أزرقِ العين مُطْرِقِ |
أنا ابن سلام، قال: أخبرني شعيب بن صخر قال: كانت عند الشماخ امرأة من بني سليم، إحدى بني حرام بن سمال، فنازعته وادعت عليه طلاقاً، وحضر معها قومها فأعانوها، واختصموا إلى كثير بن الصلت وكان عثمان أقعده للنظر بين الناس، وهو رجل من كندة، عداده في بني جمح، ثم تحولوا إلى بني العباس، فهم فيهم اليوم، فرأى كثير عليه يميناً، فالتوى الشماخ باليمين، يحرضهم عليها، ثم حلف. وقال:
أتتْني سُلَيْمٌ قضُّها وقـضـيضـهـا |
|
تُمَسِّحُ حولي بالبقيع سِـبـالـهـا |
يقولون لي: يا احلِفْ! ولستُ بحالفٍ |
|
أخاتِلُهم عنها لكـيمـا أنـالـهـا |
ففرَّجْتُ همَّ النَّفسِ عني بـحَـلْـفَةٍ |
|
كما شقَّتِ الشَّقراءُ عنها جلالـهـا |
وكان لبيد بن ربيعة، أبو عقيل، فارساً شاعراً شجاعاً، وكان عذب المنطق، رقيق حواشي الكلام، وكان مسلماً رجل صدق.
قال: وكتب عمر إلى عامله: أن سل لبيداً والأغلب ما أحدثا من الشعر في الإسلام. فقال الأغلب:
أرَجَزاً سألتَ أمْ قصيدا |
|
فقد سألتَ هيِّناً موجودا |
وقال لبيد: قد أبدلني الله بالشعر سورة البقرة وآل عمران. فزاد عمر في عطائه، فبلغ به ألفين. فلما ولي معاوية قال: يا أبا عقيل، عطائي وعطاؤك سواء! لا أراني إلا سأحطك! قال: أو تدعني قليلاً، ثم تضم عطائي إلى عطائك فتأخذه أجمع.
قال وعمر عمراً طويلاً. وكان في الجاهلية خير شاعر لقومه: يمدحهم، ويرثيهم، ويعد أيامهم ووقائعهم وفرسانهم. وكان يطعم ما هبت الصبا، وكان المغيرة بن شعبة إذا هبت الصبا قال: أعينوا أبا عقيل على مروءته.