طبقات الشعراء الجاهليين - الطبقة الخامسة

وهم أربعة رهط: خداش بن زهير بن ربيعة ذي الشامة بن عمرو، وهو فراس الضحياء، بن عامر بن صعصعة.

والأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم.

وأبو يزيد، المخبل بن ربيعة بن عوف قتال بن أنف الناقة بن قريع.

وتميم بن أبي بن مقبل بن عوف بن حنيف بن قتيبة بن العجلان بن عبد الله بن ربيعة بن كعب بن عامر بن صعصعة.

فخداش شاعر. قال أبو عمرو بن العلاء: هو أشعر في قريحة الشعر من لبيد، وأبى الناس إلا تقدمة لبيد.

وكان يهجو قريشاً، ويقال إن أباه قتلته قريش أيام الفجار، وهو الذي يقول:

أبي فارسُ الضَّحياء عمرو بن عامر

 

أبي الذَمَّ واختار الوفاءَ على الغدرِ

فيا أخوينـا مـن أبـينـا وأمـنـا،

 

إليكم إليكم، لا سبيل إلـى جـسـرِ

وهو الذي يقول:

يا شدةً ما شدَدْنا غـير كـاذبةٍ

 

على سخينةَ، لولا الليلُ والحرمُ

إذ يتَّقينا هشامٌ بالـولـيد، ولـو

 

أنا ثقفنا هشاماً، شالتِ الجـذَمُ

سخينة: شيء تعير به قريش، فجعله اسماً لها. هشام والوليد: ابنا المغيرة المخزوميان.

وقال القصيدة المنصفة:

فأبلغ، إن عرضتَ، بنا هشامـاً

 

وعبد اللـه أبـلـغ والـولـيدا

أولئك، إن يكن في الناس خـيرٌ

 

فإن لديهم حـسـبـاً وجـودا

همُ خيرُ المعاشر مـن قـريشٍ

 

وأوراها، إذا قدحـتْ، زنـودا

بأنا يوم شمْـطةَ قـد أقـمـنـا

 

عمودَ المجدِ، إن له عـمـودا

فجاؤوا عارضاً برداً، وجـئنـا

 

كما أضرمْتَ في الغابِ الوقودا

فعانقنا الكمـاةَ وعـانـقـونـا

 

عِراكَ النُّمْر واجهتِ الأسـودا

فلم أرَ مثلهم هزمـوا وفـلـوا

 

ولا كذيادنا عنقـاً مـجـمـودا

هشام والوليد: ابنا المغيرة، وعبد الله: ابن جدعان. وكان يعتمد على ابن جدعان بالهجاء، فزعموا أنه لما رآه ورأى جماله وجهارته وسيماه قال، والله لا أهجوه أبداً.

والأسود بن يعفر، يكنى أبا الجراح أخبرني يونس: أن رؤبة كان يقول: يعفر، بضم الياء والفاء، فقال يونس: يقال يُونُس ويُونِس، ويُوسُف ويُوسِف.

وكان الأسود شاعراً فحلاً، وكان يكثر التنقل في العرب يجاورهم، فيذم ويحمد، وله في ذلك أشعار. وله واحدة رائعة طويلة، لاحقة بأجود الشعر، لو كان شفعها بمثلها قدمناه على مرتبته، وهي:

نامَ الخَليُّ وما أحسُّ رُقادي

 

والهمُّ مُحْتَضرٌ لديَّ وسادي

وله شعر جيد، ولا كهذه.

وذكر بعض أصحابنا أ نه سمع المفصل يقول: له ثلاثون ومئة قصيدة.

ونحن لا نعرف له ذلك ولا قريباً منه. وقد علمت أن أهل الكوفة يروون له أكثر مما نروي، ويتجوزون في ذلك بأكثرمن تجوزناوأسمعني بعض أهل الكوفة شعراً زعم أنه أخذه عن خالد بن كلثوم، يرثى به حاجب بن زرارة. فقلت له: كيف يروى خالد مثل هذا، وهو من أهل العلم، وهذا شعر متداع خبيث؟ فقال: أخذناه من الثقات ونحن لا نعرف هذا ولا نقبله.

وقال يمدح الحارث بن هشام بن المغيرة وكانت أسماء بنت مخربة النهشلية عند هشام بن المغيرة، فولدت له أبا جهل والحارث، ثم تزوجها أبو ربيعة بن المغيرة فأولدها عبد الله وعياشاً، وكان الحارث بن هشام قام بغزوة أحد، وكان له فيها أثر. فقال:

إن الأكارم من قريش كلـهـا

 

قاموا، فراموا الأمر كل مرام

حتى إذا كثُر التحاول بـينـهـم

 

فصل الأمور الحارث بن هشام

وسما ليثرب لايريد طعامـهـا

 

إلا ليصلح أهلـهـا بـسُـوام

وغزا اليهود فأسلموا أبناءهـم،

 

صمِّى، لما لقيت يهود، صَمامِ!

والمخبل شاعر فحل وهو أبو يزيد، وله يقول الفرزدق:

وهب القصائد النَّوابغ إذ مضَوا

 

وأبو يزيد وذو القُرُوح وجرولُ

وللمخبل شعر كثير جيد؛ هجا به الزبرقان وغيره، وكان يمدح بني قريع ويذكر أيام سعد. وشعره كثير.
وتميم بن أبي بن مقبل، شاعر مجيد مغلب، غلب: عليه النجاشي، ولم يكن إليه في الشعر، وقد قهره في الهجاء فقال:

إذا اللـه عـادى أهـلَ لُـؤمٍ ودِقّةٍ

 

فعادى بني العجلان رهط ابن مقبلِ

ثم هاجى النجاشي عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، فغلبه عبد الرحمن بن حسان بن ثابت.


وكان ابن مقبل جافياً في الدين، وكان في الإسلام يبكي أهل الجاهلية ويذكرها، فقيل له: تبكي أهل الجاهلية وأنت مسلم؟ فقال:

وماليَ لا أبكي الديار وأهلهـا،

 

وقد زارها زوّار عكّ وحميرا

وجاء قطا الأجباب من كل جانب

 

فوقَّعَ في أعطاننـا ثـم طـيَّرا