طبقات الشعراء الجاهليين - الطبقة التاسعة

أربعة رهط: ضابيء بن الحارث بن أرطاة بن شهاب بن عبيد بن خاذل ابن قيس القبيلة بن حنظلة بن مالك، من البراجم.

وسويد بن كراع العكلي.

والحويدرة، واسمه قطبة بن محصن بن جرول بن حبيب الأعظ بن عبج الغزي بن حزيمة بن رزام بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان.

وسحيم، عبد بني الحسحاس بن هند بن سفيان بن غضاب بن كعب بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة.

قال: وكان ضابيء بن الحارث بذيا كثير الشر، وكان بالمدينة،وكان صاحب صيد وصاحب خيل، فركب فرسا به يقال له قيار، - وكان ضعيف البصر - ولقيار يقول:

فَمَنْ يَكُ أَمْسي بالمدينَةِ رَحْلُهُ

 

فَإنّي وَقَيَّاراً بها لَـغَـرِيبُ

يقول: إني بها لغريب،وقياراً أيضا.

ثم إنه وطيء صبيا دابته فقتله، فرفع إلى عثمان بن عفان، فاعتذر بضغف بصره وقال: لم أره ولم أعمده. فحبسه عثمان ما حبسه، ثم تخلص.

وكان استعار كلب صيد من قوم من بني نهشل،يقال له قرحان،فحبسه حولا، ثم جاؤوا يطلبونه وألحوا عليه حتى أخذوه، فقال ضابيء:

تجشَّمَ دُوني وَفْدُ قُرْحَانَ خُطّةً

 

تظَلُّ بها الوَجْناءُ وهي حَسِيرُ

فأرْدَفْتُهم كلباُ فراحُوا كأنَّمـا

 

حَبَاهُمْ بتَاجِ المَرْزُبَانِ أمـيرُ

فأمَّكُمُ لا تَتْركوها وكَلْبَـكُـمْ

 

فإِنَّ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ كـبـيرُ

إذا عَثَّنَتْ من آخرِ الليلِ دُخْنَةٌ

 

يظلُّ لها فوقَ الفِراشِ هَرِيرُ

فاستعدوا عليه عند عثمان. فقال: ويلك! ما سمعت أحدا رمى امرأة من المسلمين بكلب غيرك! وإني لأراك لو كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه لأنزل فيك قرآنا، ولو كان أحد قبلي قطع لسان شاعر في هجاء لقطعت لسانك. فحبسه في السجن.

فعرض أهل السجن يوما، فإذا هو قد أعد حديدة يريد أن يغتال عثمان بها، فأهانه وركسه في السجن، فقال:

لا يُعْطِيَنْ بعدِي امرُؤٌ ضَيْمَ خُطَّةٍ

 

حِذَارَ لِقَاءِ المَوْتِ والموتُ نَائِلُهْ

فلا تَتْبِعَنِّي إِنْ هَلَـكْـتُ مَـلامةً

 

فليس بعَارٍ قَتْلُ من لا تُقَـاتِـلُـهْ

هَمَمْتُ ولَم أفْعلْ وكِدْتُ ولَيْتَـنـي

 

تَرَكْتُ على عُثْمان تَبْكي حَلائِلُـهْ

وَمَا الفتْكُ ما آمَرْتَ فيه ولا الّـذي

 

تُخَبِّر مَنْ لاقَيْتَ أَنَّـك فَـاعِـلُـهْ

وقائلةٍ:لا يُبْـعِـد الـلـهُ ضـابِـئاً

 

إِذَا القِرْنُ لم يُوجَدْ لَه مَنْ يُنَازِلُـهْ

وقَائلةٍ: إنْ مات في السِّجْن ضَابيءٌ

 

لَنِعْمَ الفَتَى تَخلُو بِه وتُـداخـلُـهْ

وقائلةٍ: لا يُبْعِـدِ الـلـه ضَـابـئاً

 

إِذَا اْحَمرَّ من حِسّ الشِّتَاءِ أَصَائِلُهْ

ولم يزل ضابيء في السجن حتى مات.

فلما قتل عثمان وثب عمير ابنه على عثمان بعد أن قتل فيقال إنه كسر صلبه، أو كسر ضلعا له.

فلما قدم الحجاج العراق، والمهلب بإزاء الأزارقة قد أرفض عنه أصحابه، فنادى الحجاج في بعث المهلب وأجلهم ثلاثا. فجاء عمير بن ضابيء، وقد كبر يومئذ، بابن له شاب إلى الحجاج، فقال: أيها الأمير، إني قد كبرت، وهذا ابني شاب جلد يقوم مقامي. فهم بقبوله، فقال له عنبسة بن سعيد بن العاص: أيها الأمير، هذا عمير، صاحب أمير المؤمنين عثمان! فقدمه فضرب عنقه. فذعر الناس، فخرجوا إلى المهلب. فلما تساقطوا عليه، قال: لقد قدم العراق أمير ذكر.

وقال في ذلك عبد الله بن زبير الأسدي:

تَجَهَّزْ فإمّا أَنْ تَزُورَ اُبنَ ضَابيءٍ

 

عُمَيراً وَإمّا أَنْ تَزُورَ المُهَلبَّـاَ

هُما خُطَّناَ خَسْفٍ نَجَاؤُكَ منهما

 

رُكوبُك حَوْلِيَّ من الثَّلْجِ أَشْهبَـا

وسويد بن كراع العكلي، وكان شاعرا محكما، وكان رجل بني عكل، وذا الرأي والتقدم فيهم.

قال: وكان بعض بني عدي تيم ضرب رجلا من بني ضبة ثم من بني السيد - وهم قوم نكد شرس، وهم أخوال الفرزدق - فتجمعوا حتى ألم أن يكون بينهم قتال. فجاء رجل من بني عدي، فأعطاه يده رهينة لينظر ما يصنع المضروب، فقال خالد بن علقمة بن الطيفان، أحد أحلاف بني عبد الله بن دارم:

أساَلِمُ إنِّي لا إخَالُكَ سـالـمِـاَ

 

أتيْتَ بني السِّيدِ الغُوَاةَ الأَشائِماَ

أسالِمُ إن أفْلَتَّ من شرِّ هـذه

 

فَنَحِّ فِراراً إنما كنْتَ حالمِـاَ

أسَالم ما أعْطَى اُبنُ مَامَةَ مِثَلها

 

ولا حاتمٌ فِيما بَلا النَّاسُ حاتِماَ

فقال سويد بن كراع - وعكل وتيم وعدي وضبة إخوة، وهم الرباب - يرد على ابن الطيفان دخوله بينهم:

أشَاعرَ عَبْدِ الله إِن كـنْـتَ لائِمـاًٍ

 

فَإنِّي لمَا تَأْتـي مـن الأَمْـرِ لائِمُ

تُحَضِّض أفْناءَ الرِّبـابِ سَـفَـاهَةً

 

وعِرْضُك مَوتُورٌ ولَـيْلُـكَ نـائمُ

وهَلْ عجَبٌ أن تُدْركَ السِّيدُ وتْرَها؟

 

وتَصْبرُ للحَقِّ السَّـرَاةُ الأَكـارِمُ

رأيُتكَ لم تَمْنَع طُهَيَّةَ حُكَـمْـهـا

 

وأعْطَيتَ يَرْبوعاً وأنفُـكَ راغـمُ

وأنتَ امرُؤٌ لا تَقْبَل الصُّلح طائعـاً

 

ولكن متَى تُـظـأَ فَـإنَّـك رائِمُ

وقال أيضا:

خليليَّ قُومَا في عَطُاَلَةَ فانْـظُـرَا

 

أناراً تَرى مِنْ ذِي أبا نينِ أم بَرْقَا؟

فإن يَكُ بَرْقٌ فهو بَرْقُ سَـحـابةٍ

 

تُغادِرُ ماءً لا قـلـيلاً ولارَنْـقَـا

وإن تَكُ نارٌ فهي نارٌ بمُلْـتَـقـىً

 

مِنَ الرِّيح تَزْهَاها وتَعْفِقُها عَفْقَـا

لأُ علـيّ أوْقَـدتْـهـا طَـمَـاعةً

 

بأوبِة سَفْرٍ:أن تكونَ لهَا وَفْـقَـا

وهو الذي يقول:

فَإنْ تَزْجُراني يا ابنَ عَفَّان أَزْدَجِرْ

 

وإنْ تَتْرُكاني أحْمِ عِرْضاً مُمنَّعا

وقوله: تزجراني، وتتركاني، وإنما يريد واحدا، وقد تفعل هذا العرب، قال الفرزدق:

عَشِيَّةَ سَال المِرْبَدَانِ كِلاهُـمـا

 

عَجَاجةَ مَوْتٍ بالسُّيوفِ الصَّوارِمِ

وقال أيضا:

أخَذْنا بآفاقِ السَّماءِ عليكُـمُ

 

لنَا قَمَراها والنُّجُوم الطَّوالعُ

وقال أبو ذؤيب:

وحتَّى يؤُوبَ القارِظَان كِلاهُمـا

 

ويُنْشَر في القَتْلى كُلَيْبٌ الطَّوالعُ

وهو رجل واحد من عنزة، ذهب أن يجتني القرظ،فلم يثبت أنه رجع.

وقول بشر بن أبي خازم يدل على أنه واحد:

فرَجِّي الخَيْرَ واُنْتَظِري إِيَابي

 

إذا مَا القَارظُ العَنَزِيُّ آبـا

وقال العجاج: لا تحسَبنَّ الخَنْدَقَيْنِ والحَفَرْ وهو خندق واحد.

أخبرني يونس بن حبيب: أن رجلاً من بني السيد قتل رجلاً من قومه، فأتاهم الفرزدق، وهم أخواله،فعرض عليهم الدية وأن يرهنهم ابنه بذلك، فخافوا شره، وأن لا يستطيعوا الإقدام عليه، فأبوا. فقال الفرزدق:

ألَمْ تَرَني أَزْمَعـتُ وَثْـبةَ حـازِمٍ

 

لأَفديَ بابني مِنْ رَدَى المَوْتِ خَاليِاَ

وكنْتُ اُبنَ أشْياخٍ يُجيرون مَنْ جَنَي

 

ويُحْيُون كالغَيْثِ العِظامَ البَـوَالـيا

ولمَّا دَعاني وهْوَ يَرْسُفُ لم أكـنْ

 

بَطِيئاً عن الدَّاعي ولا مُـتَـوانـيِاَ

شَددْتُ على نِصْفي إِزارِي ورُبَّما

 

شددْتُ لأَحْـنــاءِ الأُور إزَاريا

وقلْتُ أَشِطُّوا يا بَني السِّيد حُكمَكُـم

 

عَلَىَّ فإني لا تَـضِـيقُ ذِراعـيَا

عَرَضْتُ عَلى السِّيد الأَشَائِم مُوفِـياً

 

بمقَتْولِهم عند المـقَـادَةِ غـالِـيَا

غُلاماً أبوهُ المُسْتجـارُ بـقَـبْـرِه

 

وصَعْصَعَةُ الفَكَّاكُ من كان عانِيا

إذا خُيِّر الـسِّـيديُّ بـين غَـوايَةٍ

 

ورُشْدٍ أتىَ السِّيديُّ ما كان غـاويَا

فإِنْ تَنْجُ منها تَنْجُ من ذي عَظـيمةٍ

 

وإلاّ فَإنِّـي لا إِخـالُـك نـاجِـيا

وقال بعد ذلك يفتخر بهم:

بنُو السِّيدِ الأَشائِمُ للأَعادِي

 

نَمَوُنِي للعُلَى وبَنُو ضِرَارِ

حدثني حاجب بن يزيد، عن أبيه قال: إن جريراً كان ينشد هذه الأبيات وشيخ من ثعلبة بن يربوع، يقول له العقار بن النحار - أو النحار بن العقار - قاعد بالماء قد شد له حاجباه من الكبر، حين قال جرير - وضبه كلها ثعلبة وبكر ابنا سعد بن ضبة - فذكر أخوال الفرزدق:

أَثَعْلَبَ أُولي خَلْـفَةً ما ذَكرتُكم

 

بسُـوءٍ ولكنِّي عَتَـبْـتُ عَلَى بَـكْرِ

أَثَعْلبَ إنِّي لَم أزَلْ مُذْ عَرَفْتُكم

 

أرَى لكُمُ ستْراً فلا تَهْتِـكوا سِـترِي

فَلاَ تُوبِـسُـوا بَيْني وبَيْنَكُم الثرَى

 

فَإنَ الذي بيني وبينَكُمُ مُثْـرِي

فَما شَهِدَتْ يومَ النَّقَا خَيْلُ هَاجِرٍ

 

ولا السِّيدُ إذْيَنْحِطْنَ في الأَسَلِ السُّمْر

وما شَهِدَتْ يومَ الغَبِيظِ مُجَاشِعٌ

 

ولا نَقَلانَ الخَيْلِ من قُنَّتَـيْ يُسْرِ

ويوم النقا: يوم قتل فيه بسطام بن قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين، قتلته ثعلبة بن سعد بن ضبة دون بكر، والغبيط: أسرت فيه يربوع بسطاما.

قال حاجب في حديثه: فلما أنشد جرير:

وما شهدتْ يومَ

 

الغَبيِطِ مُجاشعٌ

قال الشيخ الثعلبي: من المنشد؟ قالوا: أحد بني الخطفي. قال الشيخ: ولا كليب والأجل ما شهدت، ما كنا إلا سبعة فوارس من ثعلبة ابن يربوع.

وقال معاوية الضبي:

فَهذَا مكَاني أَوْ أَرَى القَارَ مُغْرَباً

 

وحَتَّى أرَى صُمَّ الجبالِ تَكَلَّـمُ

يريد أنه لا يبرحها أبدا، كما أن القار لا يكون مغريا، والجبال لا تكلم. وقد تقول العرب: حتى يكون كذا وكذا، لما لا يكون أبدا، فيقولون: "حتى تطلع الشمس من مغربها" و "حتى تقع السماء على الأرض" و "حتى يرجع الدر في الضرع" وهذا كله عندهم مما لا يكون. وقال الله عز وجل: "حتى يلج الجمل في سم الخياط" (سورة الأعراف: 40) لما لا يكون، وقال النابغة الذبياني لعامر بن طفيل:

وإنك سوفَ تَحْلُمُ أو تَنَاهـي

 

إِذا ما شِبْتَ أو شابَ الغُرَابُ

وقال النمر بن تولب:

وقَوْلي، إذا ما أطْلَقُوا عن بَعِيرِهمْ:

 

يُلاقُونَه حَتَّى يَؤُوبَ المُـنَـخَّـلُ

أي لا يلاقونه أبدا، وكذلك قول أبي ذؤيب:

وحتَّى يؤُوب القَارِظانِ كِلاهُما

 

ويُنْشَرُ في القَتْلى كليْبٌ لوائلِ

وقال بشر بن أبي خازم:

فَرَجِّي الخيرَ وانْتَظِري إيَابي

 

إِذَا ما القَارِظُ العَنَزِيُّ آبَـا

فهذا عندهم مما لا يكون، لأن الغراب لا يشيب، ومن مات عندهم لم يرجع.

والثالث: الحويدرة، وهو شاعر، وهو يقول في كلمة له طويلة:

رَحَلتْ سُمَيَّةُ غُدوةً فتَـمَـتّـعِ

 

وَغَدتْ غُدوَّ مُفارقٍ لم يَرْبَـعِ

وتَزوَّدت عَيْني غَدَاةَ لَقِيتُـهـا

 

بِلِوَي عُنيزةَ نظرةً لم تَنْـقَـعِ

وَتَصَدَّفتْ حتَّى اسْتَبَتْك بواضحٍ

 

صَلْتٍ كمُنْتَصَبِ الغَزَال الأتْلَعِ

وَبمُقْلَةٍ حَوْراءَ تَحْسِبُ طرْفَها

 

وَسْنَانَ حُرّةِ مُسْتَهَلِّ الأدْمُـعِ

والرابع: عبد بني الحسحساس. وهو حلو الشعر، رقيق حواشي الكلام.

ذكروا عن عثمان بن عفان أنه أتى بعبد من عبيد العرب نافذ، فأراد شراءه، فقيل له: إنه شاعر. قال: لا حاجة لي به، إن الشاعر لاحريم له. ويقال إنه عبد بني الحسحاس، وذلك قبل خلافة عثمان.

وأنشد عمر بن الخطاب قوله:

عُمَيرَةَ وَدِّعْ إِنْ تَجَهَّـزْتَ غَـادِياَ

 

كَفَى الشَّيْبُ الإسْلامُ للمرءِ نَاهِيَا

فقال: لو قلت شعرك مثل هذا أعطيتك عليه.فلما قال:

فَبَاتَ وِسَادَاناَ إلـي عَـلَـجـانَةٍ

 

وحِقْفٍ تَهادَاهُ الرِّيَاحُ تَـهـادِيا

وَهَبَّت شَمالٌ آخِرَ الَّلـيْل قَـرَّةٌ

 

وَلا ثَوْبَ إِلا دِرْعُـهـا ورِدَائيا

فما زَالَ بُرْدي طَيِّباً من ثِيابِـهـا

 

إِلى الَحوْلِ حتَّى أنْهَجَ الثَّوْبُ بَاليَا

فقال له عمر: ويلك! إنك مقتول! وقال أيضا:

ولقد تحَدَّرَ من كرِيمَةِ بَعْضِهـمْ

 

عَرَقٌ على مَتْنِ الفِرَاشِ وَطِيبُ

فأخذوه شارباً ثملاً، فعرضوا عليه نسوة، حتى مرت عليه التي يظنونها به، فأهوى لها، فأخذوه فقتلوه لما تحقق عندهم.