طبقات الشعراء الجاهليين - الطبقة العاشرة

وهي آخر الطبقات، وهم أربعة رهط: أولهم: أمية بن حرثان بن الأسكر بن عبد الله، سرابيل الموت - كان شاعراً سيداً - بن زهرة بن زيينة بن جندع بن ليث بن بكر عبد مناة بن كنانة.

وحريث بن محفظ.

والكميت بن معروف بن الكميت بن ثعلبة بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة.

وعمرو بن شأس بن أبي بلي، واسمه عبيد بن ثعلبة بن ذويبة بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد ابن خزيمة.

وكان أمية بن حرثان بن الأسكر قديما، وعمر في الجاهلية عمرا طويلا، وألفاه الإسلام هرما. وله شعر في الجاهلية، وشعر في الإسلام.

وكان ابناه كلاب وأخوه هاجرا إلى البصرة أيام عمر بعد ما كبر الشيخ وكف بصره فقال:

لِمَنْ شَيْخَانِ قَدْ نَشَدا كِلابَا

 

كتابَ الله إِنْ حَفِظَ الكتَابَا؟

إِذا هَتَفَتْ حَمَامَةُ بَطْنِ وَجٍّ

 

عَلَى بَيْضَاتِها ذَكَرَا كِلابَا

تَرَكْتَ أباكَ مُرْعَـشَةً يَدَاهُ

 

وأمَّك ما تُسِيغُ لَهَا شَرَابَا

وقال أيضا:

سَأَسْتَأْدِي على الفاروق رَبًّا

 

لَهُ عَمَدَ الحَجيجُ إلى بُصَاق

إِنِ الفاروق لم يَرْدُدْ كِلابـاً

 

إلى شَيْخَيْن هامُهُما زَوَاقي

فكتب عمر إلى أبي موسى بإشخاصه، فلم يرع أمية إلا ببابه يقرع، فقال: إن كان كلاب في الناس حيا إنه لهو.

وخطة كلاب، البصرة، في بني سليم، يقال لها: مربعة كلاب، وتقول لها العامة: مربعة الكلاب، بلا علم.

ومر بأمية غلام له، وهو يحثو التراب على رأسه هرما ودلها، فقام ينظر إليه، فأفاق إفاقة فرآه قائما ينظر إليه، فقال:

أصْبَحْتُ فَنًّا لرَاعي الضَّأنِ أُعْجبُهُ

 

ماذا يَرِيُكَ مِنّي رَاعِي الضَّـانِ

إنْ تَرْعَ ضأْناً فإنِّي قَدْ رُزِئْتُـهُـمُ

 

بِيضَ الوُجُوهِ، بني عَمٍّ وإِخْوانْي

ياَ ابَني أُمَيَّةَ؟ إِنِّي عَنْكُما غَانـي

 

وما غِنائيَ إِلا أنَّـنـي فـانـي

يَا ابنَى أُمَيَّة إلاّ تَشْهدَا كِبَرِي

 

فإنَّ نَأيَكُمَا والمَوْتَ سِـيَّانِ

الثاني: حريث بن محفظ المازني، وهو جاهلي إسلامي له في الجاهلية أشعار. وهو الذي يقول:

ونحنُ طَرَدْنا الحيَّ بكرَ بنَ وائلٍ

 

إلى سَنَةٍ مِثْلِ السِّـنـانِ ونـارِ

ومُومٍ وطاعونٍ وحَصْبَةِ قـاتِـلٍ

 

وَذِي لِبَدٍ يَغْشَى المُهَجْهِجَ ضارِي

وحُكْمِ عَـدُوٍّ لا هَـوادةَ عِـنْـدَهُ

 

ومَنْزِلِ ذُلٍ في الحـياةِ وعَـارِ

يعني محل بكر بن وائل، وهو السواد، والسواد أوبأ البلاد على الرجال والإبل من البر. وقوله: "وحكم عدو" يعني حكما للعجم على بكر بن وائل، فذلك قوله: "وحكم عدو لا هوادة عنده".


وقال أيضا:

تَقُولُ اُبنةُ الضبيِّ يوم لَقِيتُهـا:

 

تغيَّرتَ حتى كِدْتُ مِنْك أُهالُ

فإن تَعْجَبي منّي عُميْرُ فَقد أتت

 

ليالٍ وأيامٌ عـلـىَّ طِــوالُ

إنِّي لَمِنْ قَومٍ تَشِيبُ سَراتُـهـمُ

 

كذاكِ وفيهِمْ نـائلٌ وَفَـعـالُ

وقال:

أَلَمْ تَرَ قَوْمي إِنْ دَعاهُمْ أخُوهم

 

أَجابُوا وإِن يَغْضَبْ عَلَى القَوْم يَغْضَبُوا

هُمُ حَفِظُوا غَيْبي كما كنْتُ حافظاً

 

لِقَوْمـي أُخرَى مِثْلَـها إن تَغَـيّبُـوا

بنُو المَجْدِ لم تـقْعُدْ بهم أُمَّـهاتُهُـمْ

 

وآباؤُهــم آباءُ صِـدْقٍ فأَنْجَبُـوا

قال ابن دأب: أدخل الحارث بن نوفل بن الحارث ابن المطلب على معاوية فتيانا من فتيان بني عبد مناف، فقال معاوية: هؤلاء كما قال أخو بني مازن:

بنُو المَجْد لم تقُعد بهم أمَّهاتُهُم

 

وآباؤهم آباءُ صدْقٍ فأنجبوا

قال أبو عبد الله، قال الحجاج وهو على المنبر: أنتم والله يا أهل الشأم كما قال القائل:

بنو المجد لم تقُعد بهم أمَّهاتُهُم

 

وآباؤهم آباءُ صِدْقٍ فأنجبُوا

وحريث تحت منبر،فقال: أنا قائلة أيها الأمير: فقال: كذبت، ذاك حريث بن محفظ. قال: أنا حريث! قال: فما جملك على الرد على هكذا؟ قال: ما ملكت حين تمثل الأمير بشعري أن أخبرته بمكاني.

والثالث: الكميت بن معروف، وهو شاعر - وجده الكميت بن ثعلبة شاعر - وكميت بن يزيد الآخر شاعر.

والكميت ابن معروف الأوسط أشعرهم قريحة، والكميت بن زيد أكثرهم شعرا.

قال الكميت بن معروف:

أقُولُ لنَدْمانَيَّ والحَـزْنُ بَـيْنـنـا

 

وغُبْرُ الأعالي من خُفافٍ فَوَارِعُ:

أَنارٌ بَدَتْ بَيْنَ المُسَنَّاةِ والحـمَـى

 

لعَيْنَيْكَ أم بَرْقٌ من اللَّيل لامـعُ؟

فإن يك بَرْقاً فهو بَرْقُ مُـخِـيلةٍ

 

لَها رَيِّقٌ لم يخُلْفِ الـشَّـيْمَ رائعٌ

وإن تَكُ نارٌ فَهي نارٌ تَشُـبُّـهـا

 

قَلُوصٌ وتَزْهاها الرِيّاحُ الزَّعازعُ

وما مُغْزِلٌ أدْماءُ مَرْتَعُ طِفْلِـهـا

 

أرَاكٌ وسِدْرٌ بالمِرَاضَـيْنِ يانِـعُ

بأحْسَنَ منْها يوم قالتْ لِتِرْبِـهـا:

 

سَلِيه يُخَبِّرنا مَتى هـو راجـعُ؟

فقلتُ لها: واللّهِ ما مِنْ مُسـافـرٍ

 

يُحيطُ لَهُ عِلمٌ بِما اللّـهُ صـانـعُ

والرابع: عمرو بن شأس، كثير الشعر في الجاهلية والإسلام، أكثر أهل طبقته شعرا. وكان ذا قدر وشرف ومنزلة في قومه.

جاوره رجل من بني عامر بن صعصة،ومع العامري بنت له جميلة، فخطبها، فقال له العامري: أما ما دمت في جوارك فلا تنزل مني على الاقتسار والقهر، ولكن إذا رجعت إلى قومي فاخطبها. فغضب عمرو وآلى يمينا أن يتزوجها أبدا، إلا أن يصيبها سباء. فلما رجع الرجل إلى قومة أراد عمرو غزوهم، ثم قال: قد كان بيني وبين الرجل عهد وميثاق وجوار! فاستحيي وتذمم أن يفعل، وقال:

إذا نَحْنُ أدْلَجْنا وأنْتِ أمامَـنـا

 

كَفَى لِمَطايانا بِـرَيَّاكِ هـادِيَا

ولولا اتِّقاءُ اللّهِ والعَهْدُ قد رَأى

 

مُبَيِّنَةً مِنَّا تُـثِـيرُ الـنَّـواديَا

ونَحنُ بنو خَيْر السِّباع أكِيلـهً

 

وأجْحِرَةً لَمَّا تَحفَّـظَ عـاديَا

لنا حاضرٌ لم يَحْضُرِ النَّاسُ مثلَهُ

 

وبادٍ إذا عَدُّوا فـأكـرَمُ بـاديَا

قال: ونزل رجل من بني حنظلة بإبل له عظيمة في جوار بني سعد بن ثعلبة دودان بن أسد بن خزيمة، رهط عمرو بن شأس، فأقام فيهم سنوات ثم رحل عنهم. فأغارت طيء على إبله فذهبوا بها، فرجع إلى بني سعد بن ثعلبة، فقال: قد برئت ذمتكم، ولكني أصبت، وقد عدت على طيء: فركب معه بني سعد إلى طيء، فأخذوا أكثر إبله وأدوه إلى مأمنه، فقال عمرو بن شأس:

أبَأْنا لِقاحَ الحَنْظَليَّ بمثْلِـهـا

 

لِقاحاً وقُلْنا: دُونَك اُبْنَ مُكَدَّمِ

وَفاءٍ ولم تُشرِفْ عليه نُفوسُنا

 

حَناجِرُها كأنَّها صَوْغُ حَنْتَمِ

وكان لعمرو ابن يقال له عرار، من أمة سوداء،وكانت امرأته تؤذيه وتستخف به، فقال عمرو في كلمة له:

أرادَتْ عِرَاراً بالهَوَانِ ومَـنْ يُرِدْ

 

عَرَاراً لَعمْري بالهَوان فقد ظَلَـمْ

وإنَّ عِراراً إِن يَكُنْ غيرَ وَاضِـح

 

فإنِّي أُحِبُّ الجَوْنَ ذا المَنكبِ العَمم

وإنَّ عِراراً إن يكُنْ ذا شـكـيمةٍ

 

تلَّقيْتهِا منهُ فما أَمْـلِـكُ الـشِّـيَمْ

فإن كُنْتِ مِنّي أو تُريدين صُحْبَتـي

 

فكُوني له كالسَّمْنِ رُبَّتْ لّـهُ الأَدَمْ

وَإلا فَسِيري مثلَ ما سارَ راكِـبٌ

 

تَعَجَّلَ خِمْساً لَيْسَ في سَيْرِهِ أَمَـمْ

وقال عمرو في كلمة له طويلة:

مَتى تَـعْرِفِ العَيْنانِ أَطْلالَ دِمـنْةٍ

 

لِلَيْلَي بأفلَى ذِي مَعارِكَ تَدْمعَــا

عَلَى النَّحْرِ والسِّرْبَالِ حَتَّى

 

تَبُلَّهرَشَاشاً ولم تَجْزع إِلَى الدَّار مَجْزَعَا

خَلِيلَيّ عُوجَا اليومَ نَقْضِ لُبانِةً

 

وإلّا تَـعُوجَا الـيَوْمَ لا نَنْـطَلِقْ مَـعَـا

وإِنْ تَـنْظُرَ أني الـيَوْمَ أَتْبَـعْـكُمـا غَداً

 

أَذَلَّ قِياداً من جَـنِيبٍ وَأطْوَعَـا

وَقَـدْ زَعَمـا أن قَدْ أَمَـلَّ علـيْهِمَا

 

ثَوائي وقَـوْلـي كُلّما ارْتَحَلا اُرْبَعَـا

وَما لَبَـثٌ في الحيِّ يَوْماً ولـيلةً

 

بِزَائِدِ ما قَدْ فاتَ صَـيْفاً وَمَرْبَعَـا

فَجُودَا لِهِنْـدٍ في الكَرَامة مِنْكُمَا

 

وإن شِئْتُمـا أَن تَمنْـعَـا بَعْـدُ فَـامْنَعَـا

 

انقضى خبر العشر الطبقات.