شعراء القرى العربية - شعراء مكة

وبمكة شعراء، فأبرعهم شعرا: عبد الله بن الزبعري بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم.

وأبو طالب بن عبد المطلب، شاعر.

والزبير بن عبد المطلب، شاعر.

وأبو سفيان بن الحارث، شاعر.

ومسافر بن أبي عمرو بن أمية، شاعر.

وضرار بن الخطاب الفهري، شاعر.

وأبو عزة الجمحي، شاعر، واسمه عمرو بن عبد الله.

وعبد الله بن حذافة السهمي، الممزق.

وهبيرة بن أبي وهب بن عامر بن عائذ بن عمران بن مخزوم.

قال، حدثني شعيب بن صخر وأبو بكر الزبيري المصعبي، قال: أصبح الناس يوما بمكة وعلى دار الندوة مكتوب:

أَلْهَي قُصَيّاً عن المَجْدِ الأَسَاطِيرُ

 

ورِشْوَةٌ مثل ما تُرْشَي السَّفَاسِيرُ

وأَكْلُها الَّلحْمَ بَحْتاً لا خَلـيطَ لَـهُ

 

وقَوْلُها: رَحلَتْ عِيرٌ مَضَتْ عِيرُ

فأنكر الناس ذلك، وقالوا: ما قالها إلا ابن الزبعري! أجمع على ذلك رأيهم، فمشوا إلى بني سهم - وكان مما تنكر قريش وتعاقب عليه، أن يهجو بعضها بعضاً - فقالوا لبني سهم: ادفعوه إلينا نحكم فيه بحكمنا. قالوا: وما الحكم فيه؟ قالوا: نقطع لسانه قالوا: فشأنكم، واعملوا والله أنه لا يهجونا رجل منكم إلا فعلنا به مثل ذلك. والزبير ابن عبد المطلب يومئذ غائب نحو اليمن، فأنتجت بنو قصي بينهم فقالوا: لا نأمن الزبير إن بلغه ما قال هذا، أن يقول شيئا، فيؤتي إليه مثل ما نأتي إلى هذا! وكانوا أهل تناصف، فأجمعوا على تخليته، فخلوه. فقال له الناس، وحملوه على قومه: أسلمك قومك ولم يمنعوك، ولو شاءوا منعوك! فقال:

لَعَمْرُكَ ما جاءَتْ بنُكْرٍ عَشِيرتي

 

وَإنْ صَالَحَتْ إخْوَانَهَا لااُلومُها

بِوُدِّ جُناةِ الغَيِّ أنّ سُـيُوفَـنَـا

 

بأَيْمَانِنَا مَسْلُولةً لا نَشِـيمُـهَـا

وقال في يوم أحد قصيدة يقول فيها:

كُلُّ بُـؤْسٍ ونَـعِـــيمٍ زَائِلٌ

 

وبَنَاتُ الدّهْرِ يَلْعَـبْـنَ بـكُـلّْ

وَالعَطِيَّاتُ خِـسَـاسٌ بـيْنَـنَـا

 

وسَوَاءٌ رَمْسُ مُثْـرٍ ومُـقِـلّْ

لَيْتَ أشْيَاخي بَـبـدْرٍ شَـهـدُوا

 

ضَجَرَ الخَزْرَج من وَقْعِ الأَسَلْ

حِين أَلْقَتْ بقَـنَـاةٍ بَـرْكَـهَـا

 

وَاُسْتَحَرَّ القتلُ في عَبْدِ الأَشَـلّْ

فقَبِلْنَا النِّصْفَ من سَـادَتِـهِـمْ

 

وعَدَلْنا مَيْلَ بَـدْرٍ فَـاعـتَـدَلْ

وزعم ابن جعدبة أنه سمع هشام بن عروة ينشد هذا الشعر، وسمعته قال:عنه رويته.

وقال ابن الزبعري لبني المغيرة بن عبد الله المخزوميين وكان لهم بلاء في الفجار، وأمهم: ريطة بنت سعيد بن سعد ابن سهم، فقال:

أَلا لِلّه قَوْمٌ وَلَدَتْ أُختُ بني سَهْمِ

 

هِشَامٌُ وأبُو عَبْدِ مِدْرَهْ الخَصْـمِ

 

وذُو الرُّمْحَينِ أَشْبَاكَ من القُوَّةِ والحَزْمِ

 

فَهذَانِ يَذُودَانِ وذَا مِنْ كَثَبٍ يَرْمي

 

وَإنْ أحْلِفْ وبَيْتِ الّلهِ لا أَحْلِفْ عَلَى إثْمِ

 

لَمَا إنْ إخْوَةٌ بَيْنَ دُ

 

رُوبِ الــرُّومِ والــــــرَّدْم

بِأَزْكَـى مِـــنْ بَـــنِـــي رَيْ

 

طَةَ أَوْ أَوْزَنَ فــي حِـــلْـــمِ

همُ يَوْمَ عُــــــكـــــــاظٍ

 

مَنَـعُـوا الـنَّـاسَ مـن الـهَــزْمِ

       

وقال: كان الفزاري ينشدها: هشاماً وأبا عبد مناف أي ولدت. وأبو عبد مناف: هاشم بن المغيرة. وذو الرمحين: أبو ربيعة بن المغيرة، أبو: عبد الله وعياش ابني أبي ربيعة.

ثم أسلم ابن الزبعري، ومدح النبي صلى الله عليه واعتذر إليه فأحسن، فقال:

يَا رَسُولَ المَلِيكِ إِنَّ لِسَـانـي

 

رَاتِقٌ ما فَتَقْـتُ إذْ أَنَـا بُـورُ

إذْ أُجَارِي الشَّيْطانَ في سَنَن الغَ

 

يِّ ومَنْ مَال مَيْلَه مَـثْـبُـورُ

آمَنَ الَّلحْمُ والعِظَامُ بـمـا قُـلْ

 

تَ فنَفْسي الفِدَى وأنْتَ النَّـذيرُ

وقال أيضا:

مَنعَ الرُّقَادَ بَلابـلٌ وهُـمُـومُ

 

والَّليلُ مُعْتَلِجُ الرِّوَاقِ بَـهِـيمُ

مِمَّا أتاني أنّ أَحْمَـدَ لامَـنـي

 

فِيه فَبِتُّ كأنَّنـي مَـحْـمُـومُ

يَا خَيْرَ من حَمَلَتْ على أَوْصَالِهَا

 

عَيْرَانَةُ شُرُحُ الـيَدَينِ رَسُـومُ

إِنِّي لمُعْتَذِرٌ إِلـيكَ مِـنَ الَّـذي

 

أَسْدَيْتُ إِذْ أنَا في الضَّلالِ أَهِيمُ

أياَّمَ تأمُرُني بِـأَغْـوَى خُـطَّةٍ

 

سَهْمٌ وتأمُرُني بها مَـخْـزومُ

فاُغفِرْ فِدىً لك وَالِدايَ كِلاَهُما

 

ذَنْبي فإنَّك رَاحِـمٌ مَـرْحُـومُ

وعَليكَ من أَثَر المَلِيكِ عَـلامَةٌ

 

نُورٌ أضَاءَ وخَاتَمٌ مَـخْـتُـومُ

مَضَتِ العَدَاوَةُ فَانْقَضَتْ أَسْبَابُهَا

 

وَدَعَتْ أَوَاصِرُ بَيْنَنَا وحُـلُـومُ

وحدثني ابن جعدبة قال: قدم ضرار بن الخطاب الفهري وعبد الله بن الزبعري المدينة أيام عمر بن الخطاب، فأتيا أبا أحمد بن جحش الأسدي - وكان مكفوفاً، وكان مألفاً يجتمع إليه ويتحدث عنده، ويقول الشعر - فقالا له: أتيناك لترسل إلى حسان بن ثابت فنناشده ونذاكره، فإنه كان يقول في الإسلام ويقول في الكفر.

فأرسل إليه فجاء، فقال: يا أبا الوليد! أخواك تطربا إليك! ابن الزبعري وضرار، يذاكرنك ويناشدانك. قال: نعم، إن شئتما بدأت، وإن شئتما فأبديا! قالا: نبدأ. فأنشداه، حتى إذا صار كالمرجل يفور، قعدا على رواحلهما. فخرج حسان حتى تلقى عمر بن الخطاب، وتمثل ببيت ذكره ابن جعدبة لا أذكره، فقال عمر: وما ذاك؟ فأخبره خبرهما، قال: لا جرم، لا يفوتانك. فأرسل في إثرهما فردا. وقال لحسان: أنشدهما. فأنشد حاجته، قال: أكتفيت؟ قال: نعم قال: شأنكما الآن، إن شئتما فارحلا،وإن شئتما فأقيما.


وكان أبو طالب شاعرا جيد الكلام، أبرع ما قال قصيدته التي مدح فيها النبي صلى الله عليه:

وَأبْيَضُ يُسْتَسْقَي الغَمَامُ بِوَجْهِه

 

ربيعُ اليَتَامَى عَصْمَةٌ للأَرَامِلِ

وقد زيد فيها وطولت. ورأيت في كتاب يوسف بن سعد صاحبنا منذ أكثر من مئة سنة: وقد علمت أن قد زاد الناس فيها، ولا أدري أين منتهاها. وسألني الأصمعي عنها، فقلت صحيحة جيدة! قال: أتدري أين منتهاها؟ قلت: لا! وأشعار قريش أشعار فيها لين، فتشكل بعض الإشكال.

وأجمع الناس على أن الزبير بن عبد المطلب شاعر. والحاصل من شعره قليل، ومما صح عنه قوله:

وَلَوْلا الُحْبشُ لَمْ تَلْبَسْ رِجَالٌ

 

ثِيَابَ أَعِزَّةٍ حَتّى يَمُوتُـوا

وقال قوم: ولولا الحمس وليس هذا بشنئ، إنما هي الحبش يعني أنهم أخذوا ثيابهم ومتاعهم، وذاك حين جاؤوا يريدون هدم البيت، فرماهم الله، وكانت أم أيمن منهم، غنمتها قريش وهي أم أسامة بن زيد.

وهذه الأبيات للزبير بن عبد المطلب.

وقلت لخلف: من يقول؟:

إذا كُنْتَ في حَاجَةٍ مُرْسِلاً

 

فَأَرْسِلْ حَكِيماً ولا تُوصِهِ

قال: يقال للزبير بن عبد المطلب. فقلت: فالخليل يقول: هذا خطأ في بناء القوافي حين يقول:

وَإِنْ بَابُ أَمْرٍ عَلَيْكَ الْتَوَى

 

فشَاوِرْ لبيباً ولا تَعْصِـهِ

لقوله: "ولا توصه" كان يقول: لا يتفق هذا. فقال خلف: أخطأ الخليل، نراها جائزة.

ولأبي سفيان بن الحارث شعر كان يقوله في الجاهلية، فسقط ولم يصل إلينا منه إلا القليل.

ولسنا نعد ما يروي ابن إسحاق ولا لغيره شعرا، ولأن لا يكون لهم شعر، أحسن من أن يكون ذاك لهم.

قال أبو سفيان:

لَعَمْرُكَ إنَّي يَوْم أَحْـمِـلُ رَايةً

 

لِتَغْلِبَ خيلُ الَّلات خَيْلَ مُحَّمـدِ

لكَالُمدْلِجِ الحَيْرَانِ أظْلَمَ لَـيْلُـه

 

فهذا أَوَانُ حِينَ أَهْدي وَأهْتَدي

هَدَاني هَادٍ غَيْرُ نَفْسي وقَادَنْـي

 

إلى الّله مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ

قال فبلغني أن رسول الله صلى عليه قال له: أنت طردتني كل مطرد؟! كأنه ينكرها، يردد ذلك.

وقال أبو سفيان في يوم أحد يرد على حسان بن ثابت - وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه أصابوا في عقب بدر عيرا لقريش فيها فضة، فكانوا تنكبوا بعد طريق الشام، وأخذوا طريق العراق - فقال حسان:

دَعُوا فَلَجَاتِ الشَّامِ قَدْ حَالَ دُونَهـا

 

جِلادٌ كأفواهِ المَخَـاضِ الأوارِك

بِأَيْدي رِجَالٍ هاجَرُوا نَحْوَ رَبِّهُـم

 

وأَنْصَارِهِ حَقاً وأَيْدي الـمـلائِكِ

إِذَا سَلَكَتْ حَوْرَانَ من أَرضِ عَالجٍ

 

فَقُولا لَها: إنَّ الطَّرِيقَ هُنَـالِـكِ

فلما كان يوم أحد، قال أبو سفيان بن الحارث يرد عليه:

شَقِيتُمْ بِهَا وغَيْرُكُم أَهْلُ ذِكُرِهَا

 

فَوَارِسُ من أَبْنَاءِ فِهْرِ بن مَالِك

حَسِبْتُمْ جِلاد البِيضِ حَوْلَ بُيُوتِكُمْ

 

كأَخْذِكُمُ في العِيرِ أَرْطَالَ آنُكِ

فقال أبو سفيان بن حرب لأبي سفيان بن الحارث: يا ابن أخي، لم جعلتها آنك!! إن كانت لفضة بيضاء جيدة.
ويروي الناس لأبي سفيان بن الحارث، يقول لحسان:

أبُوكَ أَبُو سَوْءٍ وخَالُكِ مِثْـلُـه

 

ولَسْتَ بِخَيرٍ من أَبِيكَ وخَالِكا

وَإنَّ أحقَّ النَّاس أنْ لا تَلُومَـهُ

 

عَلَى اللُّؤْمِ مَنْ أَلْفَى أبَاهُ كَذَلِكا

فأخبرني أهل العلم من أهل المدينة: أن قدامه بن موسى ابن عمر بن قدامة بن مظعون الجمحي قالها ونحلها أبا سفيان. وقريش ترويه في أشعارها، تريد بذلك الأنصار والرد على حسان.

وكان ضرار بن الخطاب بن مرداس، من محارب بن فهر، من ظواهر قريش، وكان لا يكون بالبطحاء إلا قليلا. وكان جمع من حلفاء قريش ومراق كنانة ناسا، وكان يأكل بهم ويغير ويسبى ويأخذ المال.

والحارث بن فهر بطحاوية.

وكان ضرار خرج في الجاهلية في ركب من قريش، فمروا ببلاد دوس، وهم يطالبون قريشا بدم أبي أزيهر - قتله هشام بن الوليد ابن المغيرة - فثاروا بهم وقتلوا فيهم. ودوس تدعى شيئا كثيرا من القتلى، وليس ذلك بمعلوم. فقاتلهم ضرار، ثم لجأ إلى امرأة منهم يقال لها: أم غيلان - مقينة تقين العرائس، يقال إنها مولاة لهم - فأدخلته بين درعها وجلدها، ودافعت عنه هي وبناتها، وصرخت ببنيها فجاءوا، فخرج معهم ضرار فجالد أشد الجلاد، فقالت أم غيلان: ما رأيت شدة أفكل أقرب إلى حسن جلاد منه. وقال ضرار:

جَزَى الّلهُ عَنَّا أمَّ غَيْلانَ صَالحاً

 

ونِسوَتَها إذْهُنَّ شُعْثٌ عَوَاطِلُ

فَهُنَّ دفَعْنَ الموتَ بَعْدَ اقْتِرابِه

 

وقَدْ ظَهَرَتْ لِلثَّائرينَ مَقَاتِـلُ

فَجَرَّدْتُ سَيْفي ثم قُمْتُ بَنصْلِه

 

وعَنْ أَيِّ نَفْسٍ بَعْدَ نَفْسي أُقَاتِلُ

ولقي ضرار بن الخطاب يوم أحد عمر بن الخطاب في الجولة التي جالها المسلمون، وكان قد آلى يومئذ أن لا يقتل قرشيا، فضربه بعارضة سيفه، وقال: انج يا ابن الخطاب! فضرب الدهر ما ضرب، وولى عمر بن الخطاب، فسمعت أم غيلان بذكر ابن الخطاب فظنته ضرارا، فقدمت عليه فقال لها قوم: قدمت وهو غائب! فأتت عمر فأخبرته بالذي جاءت له، فأثابها. وحدثني أبان الأعرج بحديثها، فقال: جاءت فلقيت ضرارا فقالت: قد عرفت بلائي ويدي، وقد وليت ما وليت. قال: ما أعرفني بذلك! ولست أنا بالذي تولى ما توهمت، ذاك عمر بن الخطاب، ولئن كان لك عندي يد وبلاء، إن لي عنده ليدا وبلاء - يعني بلاءه يوم أحد - فاذهبي بنا إليه. فأتاه فقال: يا أمير المؤمنين! هذه أم غيلان، وقد عرفت ما كان من أمرها، سمعت بولايتك فظنتني الوالي، فأتتني تطلب النوال. قال: فتريد ماذا؟ قال: تعجل عطائي فأكافئها به. فأعطاها نصف عطائه، ونصف عطاء عمر.

وكان ضرار على بني محارب يوم الفجار.

وكان أبو عزة شاعرا، وكان مملقاً ذا عيال، فأسر يوم بدر كافرا، فقال: يا رسول الله، إني ذو عيال وحاجة قد عرفتها فامنن على صلى الله عليك. فقال: على أن لا تعين على! - يريد شعره - قال: نعم. فعاهده وأطلقه، فقال:

أَلا أَبْلِغَا عَنِّي النبَّـي مُـحَّـمـداً

 

بأَنَّك حَقٌ والـمَـلِـيكَ حَـمِـيدُ

وأنْتَ اُمْرُؤٌ تَدْعُو إلى الرُّشْد والتُّقَى

 

عَلَيْكَ من الّلهِ الـكَـرِيم شَـهِـيدُ

وأنتَ امرُؤٌ بُوِّئْتَ فـينـا مَـبَـاءَةٌ

 

لها دَرَجَاتٌ سَـهْـلَةٌ وصُـعُـودُ

وإنّك مَنْ حَارَبْتَـهُ لَـمُـحَـارَبٌ

 

شَقِيٌّ ومَنْ سَالَمْـتَـهُ لـسَـعِـيُد

ولكنْ إذا ذُكِّرْتُ بَدْراً وأَهْـلَـهـا

 

تَأَوَّبُ ما بي حـسـرةٌ وتَـعُـودُ

فلما كان يوم أحد، دعاه صفوان بن أمية بن خلف الجمحي - وهو سيدهم يومئذ - إلى الخروج، فقال: إن محمدا قد من على وعاهدته أن لا أعين عليه. فلم يزل به، وكان محتاجا، فأطعمه، والمحتاج يطمع. فخرج فسار في بني كنانة فحرضهم، فقال:

يَا بَني عَبْدِ مَنَـاةَ الـرُّزَّامْ

 

أَنْتُمْ حُمَاةٌ وأبُـوكـمْ حـامْ

لا تَعِدُوني نَصْرَكم بَعْدَ العَامْ

 

لاَ تُسْلِمُوني لاَ يَحِلُّ إسْلامْ

أنا أبو خليفة، أنا ابن سلام، قال، حدثني أبان بن عثمان - وهو قول ابن إسحاق - أن أبا عزة أسر يوم أحد، فقال: يا رسول الله من على! فقال النبي عليه السلام: لا يلسع المؤمن من جحر مرتين. وقال أبان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمسح عارضيك بمكة تقول: خدعت محمدا مرتين! فقتله.

فذكرت ذلك لابن جعدبة فقال: ما أسر يوم أحد هو ولا غيره، ولقد كان المسلمون يومئذ في شغل عن الأسر، ولم ينكر قتله، وكان ينكر قتل النضر بن الحارث في يوم بدر صبرا، فقال: أصابته جراحة فارتث منها، وكان شديد العداوة، فقال: لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا ما دمت في أيديهم، فمات.

فأخبرت أبي- سلاما - بقول ابن جعدبة في أبي عزة فقال: قد قيل إن النبي صلى الله عليه لم يقتل أحد صبرا إلا عقبة بن أبي معيط يوم بدر.

قال ابن جعدبة: برص أبو عزة بعد ما أسن، وكانت قريش تكره الأبرص وتخالف العدوى، فكانوا لا يؤاكلونه ولا يشاربونه ولا يجالسونه، فكبر ذلك عليه، فقال: الموت خير من هذا! فأخذ حديدة وصعد إلى جبل حراء يريد قتل نفسه، فطعن بها في بطنه،فضعفت يده لما وجد مسها، فمارت الحديدة بين الصفاق والجلد، فسال ماء أصفر، وذهب ما كان به. فقال:

لا هُـمَّ رَبَّ وَائِلٍ ونَـهْــدِ

 

والتَّهَمَاتِ والجِبَالِ الـجُـرْدِ

ورَبَّ مَنْ يَرْمي بَيَاضَ نَجْـدِ

 

أصبحْتُ عَبْداً لك وابنَ عَبْدِ

أبرأتَني من وَضَحٍ بِجـلْـدِي

 

من بَعْدِ ما طَعَنْتُ في مَعَدّي

المعد: موضع رجلي الراكب من الفرس وكان هبيرة بن أبي وهب شاعرا من رجال قريش المعدودين، وكان شديد العداوة لله ولرسوله، فأخمله الله ودحقه، وهو الذي يقول في يوم أحد:

قُدْنَا كِنَانةَ من أَكْـنَـافِ ذي يَمَـنٍ

 

عَرْضَ البِلاَد على ما كان يُزْجِيها

قَالَتْ كِنَانة: أَنَّي تَذْهَبُـونَ بِـنـا؟

 

قُلْنَا: النَّخِيلَ! فأَمُّوها ومَا فِـيهَـا

وله شعر كثير وحديث.