شعراء القرى العربية - شعراء الطائف

قال ابن سلام: وبالطائف شعر وليس بالكثير، وإنما كان يكثر الشعر بالحروب التي تكون بين الأحياء، نحو حرب الأوس الخزرج، أو قوم يغيرون ويغار عليهم. والذي قلل شعر قريش أنه لم يكن بينهم نائرة، ولم يحاربوا، وذلك الذي قلل شعر عمان. وأهل الطائف في طرف، ومع ذلك كان فيهم: أبو الصلت بن أبي ربيعة.

وابنه أمية بن أبي الصلت، وهو أشعرهم.

وأبو محجن عمرة بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي.

وغيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف.

وكنانة بن عبد يا ليل.

وكان أبو الصلت يمدح أهل فارس حين قتلوا الحبشة، في كلمة قال فيها:

للّه درهم من عصـبة خـرجـوا

 

ما إن ترى لهم في الناس أمثـالا

بيضا مرازبة غرا جـحـاجـحة

 

أسدا تربب في الغيضات أشبـالا

لا يرمضون إذا حرت مغافرهـم

 

ولا ترى منهم في الطعن مـيالا

من مثل كسرى وسابور الجنودلة

 

أومثل وهرز يوم الجيش إذ صالا

فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقـا

 

في رأس غمدان دار منك محلالا

واضطم بالمسك إذ شالت نعامتهم

 

وأسبل اليوم في برديك إسـبـالا

تلك المكارم لا تعبان مـن لـبـن

 

شيبا بماء فعـادا بـعـد أبـوالا

وكان أمية بن أبي الصلت كثير العجائب، يذكر في شعره خلق السموات والأرض، ويذكر الملائكة، ويذكر من ذلك ما لم يذكره أحد من الشعراء، وكان قد شام أهل الكتاب.

أنا ابن سلام قال، فحدث سفيان وابن دأب: أن أمية مر بزيد بن عمرو بن نفيل، أخي عدي بن كعب، وكان قد طلب الدين في الجاهلية هو وورقة بن نوفل. فقال له أمية: يا باغي الخير، هل وجدت؟ قال: لا. قال: ولم أوت من طلب. قال: أبي علماء أهل الكتاب إلا أنه منا أو منكم أو من أهل فلسطين.

وناح أمية على قتلى بدر فقال:

ماذا ببـدر فـالـعـقـن

 

قل من مرازبة جحاجـح

هلا بكيت علـى الـكـرا

 

م بني الكرام أولي الممادح

وقال أمية:

وما يبقى على الحدثان غفر

 

بشـاهـقة لــه أم رؤوم

تبيت الليل حانـية عـلـيه

 

كما يخرمس الأرخ الأطوم

تصدى كلما طلعت لنشـز

 

وودت أنها منـه عـقـيم

الغفر: ولد الوعل. والأرخ: ولد البقرة. ويخرمس: أي يتصمت. والأطوم: الضمام بين شقتيه.

ومدح أمية عبد الله بن جدعان التيمي، فقال:

أأذكر حاجتي أم قد كفانـي

 

حياؤك؟ إن شيمتك الحـياء

كريم لا يغـيره صـبـاح

 

عن الخلق الكريم ولا مساء

وأرضك كل مكرمة بنتهـا

 

بنو تيم وأنت لهم سـمـاء

قال ابن سلام: وأنشدنيها أبو بكر بن محمد بن واسع السلمي وأنشدنيها أيضا أبو بكر، وذكرتها لخلف فعرفها.
وقال أمية:

عطاؤك زين لامرئ بذل وجهه

 

بخير وما كل العـطـاء يزين

وليس بشين لامرئ بذل وجهه

 

إليك كما بعض السؤال يشـين

نا ابن سلام قال: وذكر عيسى بن عمر عن بعض أهل الطائف، عن أخت أمية بن أبي الصلت، قالت: إني لفي بيت فيه أمية نائم، إذا أقبل طائران أبيضان فسقطا على السقف، ففرح السقف فسقط أحدهما عليه، فشق بطنه وثبت الآخر مكانه. فقال الأعلى للأسفل: أوعى؟ قال: أقبل؟ قال: أبي - ويقال قال: زكا. قال: خسا - فرد عليه قبله وطار، والتأم السقف. قالت: فلما استيقظ قلت: له يا أخي! أحسست شيئا. قال: لا! وإني لأجد توصيبا، فما ذاك؟ فأخبرته. قال: يا أخية! أنا رجل أراد الله بي خيرا فلم أقبله. قالت: فلما مرض مرضته التي مات فيها، قالت: فإني عنده، إذ نظر إلى السماء وشق بصره ثم قال:

لبيكما لبيكمـا

 

ها أناذا لديكما

لا ذو براءة فأعتذر، ولا ذو قوة فأنتصر. ثم أغمي عليه، ثم شق بصره ونظر، وقال:

لبيكما لبيكمـا

 

هاأنا ذا لديكما

وقال: لا ذو عشيرة تحميني، ولا ذو مال يفديني. ثم أغمي عليه، فقلنا: قد أودى! ثم شق بصره ونظر إلى السماء فقال:

لبيكما لبيكمـا

 

هاأنا ذا لديكما

بالنعم محفود، من الذنب مخضود. ثم أغمي عليه، ثم شق بصره وقال:

إن تغفر اللهم تغفر جما

 

وأي عبد لك لا ألمـا

ثم أغمي عليه، ثم أفاق فقال:

ليتني كنت قبل ما قد بـد لـي

 

في قلال الجبال أرعى الوعولا

كل عيش وإن تطـاول دهـرا

 

قصره مـرة إلـى أن يزولا

ثم خفت فمات.

قال ابن سلام: وأبو محجن رجل شاعر شريف. وكان قد غلب عليه الشراب، فضرب فيه مرارا، ثم حبسه سعد بالقادسية في القصر معه، والناس يقتتلون، فجال المسلمون جولة وهو ينظر، فقال:

كفى حزنا أن تطرد الخيل بالقنا

 

وأترك مشدودا على وثـاقـيا

إذا قمت غناني الحديد وأغلقـت

 

مصاريع من دوني تصم المناديا

وقد كنت ذا مال كثـير وإخـوة

 

فقد تركوني واحدا لا أخـالـيا

أريني سلاحي لا أبا لك إنـنـي

 

أرى الحرب ما تزداد إلا تماديا

وكان مقيداً يومئذ عند زبراء، أم ولد سعد بن أبي وقاص، فقال لها: أطلقيني، فلك الله، لئن فتح الله على المسلمين وسلمت، لأرجعن حتى أضع رجلي في القيد. فأطلقته، وحملته على، فرس لسعد، فأخذ الرمح فخرج فقاتل، فحطم المشركين، وكان سبب الهزيمة. فقال سعد: لولا إن أبا محجن محبوس لقلت: الفارس أبو محجن! فلما فتح الله على المسلمين رجع إلى محبسه،فقال له سعد: لا ضربتك في الخمر أبدا. قال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبدا.

قال ابن سلام: ولغيلان بن سلمة شعر، وهو شريف. وكان قسم ماله كله بين ولده، وطلق نساءه. فقال له عمر: إن الشيطان قد نفث في روعك أنك ميت، ولا أراه إلا كذلك، لترجعن في مالك، ولتراجعن نساءك، أو لآمرن بقبرك أن يرجم كما يرجم قبر أبي رغال. ففعل.