طبقات الشعراء الإسلاميين - الطبقة الخامسة

أبو زبيد الطأئي، واسمه حرملة بن المنذر.

والعجير بن عبد الله بن عبيدة بن كعب بن عائشة بن الربيع بن ضبيط بن جابر بن عبد الله بن سلول وعبد الله بن همام السلولي.

ونفيع بن لقيط الأسدي.

أنا أبو خليفة، نا محمد بن سلام، أخبرنا أبو الغراف قال: كان أبو زبيد الطائي من زوار الملوك، ولملوك العجم خاصة، وكان عالما بسيرهم. وكان عثمان بن عفان يقربه على ذلك ويدينه ويدني مجلسه، وكان نصرانيا. فحضر ذات يوم عثمان، وعنده المهاجرون والأنصار، فتذكروا مآثر العرب وأشعارها، فالتفت عثمان إلى أبي زبيد فقال: يا أخ تبع المسيح، أسمعنا بعض قولك، فقد أنبئت أنك تجيد. فأنشده قصيدته التي تقول فيها:

من مبلغ قومي النائين إذ شحطوا

 

أن الفؤاد إليهـم شـيق ولـع

ووصف فيها الأسد. فقال عثمان: تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت! والله إني لأحسبك جبانا هدانا! فقال: كلا يا أمير المؤمنين، ولكني رأيت منه منظرا وشهدت منه مشهدا لا يبرح ذكره يتجدد في قلبي، ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم. فقال عثمان: وأني كان ذلك؟ قال: خرجت في صيابة أشراف من أفناء قبائل العرب، ذوي هيئة وشارة حسنة، ترتمي بنا المهارى بأكسائها، ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام. فاخروط بنا المسير في حمارة القيظ، حتى إذا عصبت الأفواه، وذبلت الشفاه، وشالت المياه، وأذكت الجوزاء المعزاء، وذاب الصيهد، وصر الجندب، وضاف العصفور الضب في جحره - أو قال في وجاره - قال قائلنا: يا أيها الركب! غوروا بنا ضوج هذا الوادي. وإذا واد قد يديمتنا كثير الدغل، دائم الغلل، شجراؤه مغنة، وأطياره مرنة، فحططنا رواحلنا في أصول دوحات كنهبلات، فأصبنا من فضلات المزاود وأتبعناها الماء البارد.

فإنا لنصف حر يومنا ذلك ومماطلته، إذ صر أقصى الخيل أذنيه، وفحص الأرض بيديه. فو الله ما لبث أن جال، ثم حمحم فبال، وفعل فعله الذي يليه واحدا فواحدا. فتضعضعت الخيل، وتكعكعت الإبل، وتقهقرت البغال، فمن نافر بشكاله، وناهض بعقاله، فعلمنا أن قد أتينا وأنه السبع. ففزع كل امرئ منا إلى سيفه فاستله من جربانه، ثم وقفنا رزدقا. فأقبل يتظالع من بغيه كأنه مجنوب أو في هجار، لصدره نحيط، ولبلاعيمه غطيط، ولطرفه وميض، ولأرساغه نقيض، كأنما يخبط هشيما، وإنما يطأ صريما. فإذا هامة كالمجن، وإذا خذ كالمسن، وعيناه سجراوان، كأنهما سراجان يقدان، وقصرة ربلة، ولهزمة رهلة، وكتد مغبط، وزور مفط، وساعد مجدول، وعضد مفتول، وكف شثنة البراثن، إلى مخالب كالمحاجن. فضرب بيديه فأرهج وكشر فأفرج، عن أنياب كالمعاول مصقولة غير مفلولة، وفم أشدق، كالغار الأخرق. ثم تمطى فأشرع بيديه، وحفز وركيه برجليه، حتى صار ظله مثلية. ثم أقعى فاقشعر، ثم تميل فاكفهر، ثم تجهم فازبأر. فلا والذي بيته في السماء ما انقيناه إلا بأول أخ لنا من بني فزارة، كان ضخم الجزارة، فوقصه ثم نفضه نفضة، فقضقض متنية، ثم جعل يلغ في دمه. فذمرت أصحابي، فبعد لأي ما استقدموا. فهجهجنا به فكر مقشعرا بزبرة كأن بين كتفيه شيهما حوليا، فاختلج رجلا أعجر ذا حوايا، فنفضه نفضة تزايلت مفاصله، ثم نهم ففرفر، ثم زفر فبربر، ثم زأر فجرجر، ثم لحظ، فو الله لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه، من عن شماله ويمينه فأرعشت الأيدي، واصطكت الأرجل، وأطلت الأضلاع، وارتجت الأسماع، وحمجت العيون، ولحقت البطون، وانخزلت المتون، وساءت الظنون.

فقال عثمان: اسكت، قطع الله لسانك! فقد رعبت قلوب المؤمنين.

وقال يصف الأسد:

فباتوا يدلجون وبات يسـري

 

بصير بالدجى هاد هموس

إلى أن عرسوا وأغب عنهم

 

قريبا ما يحس له حسـيس

خلا أن العتاق من المطـايا

 

حسين به فهن إليه شـوس

فلما أن رآهم قـد تـدانـوا

 

أتاهم وسط أرحلهم يمـيس

فثار الزاجرون فزاد منهـم

 

تقرابا وواجهه ضـبـيس

بنصل السيف ليس له مجن

 

فصد ولم يصادفه جبـيس

فيضرب بالشمال إلى حشاه

 

وقد نادى فأخلفـه الأنـيس

بسمر كالمحاجن في قنـوب

 

يقيها قضة الأرض الدخيس

فجر السيف واختلفـت يداه

 

وكان بنفسه وقيت نفـوس

فطار القوم شتى والمطـايا

 

وغورد في مكرهم الرئيس

وجال كأنه فرس صـنـيع

 

يجر جلاله ذبل شـمـوس

كأن بنحـره بـسـاعـديه

 

عبيرا بات تعبؤه عـروس

فذلك إن تفـادوه تـفـادوا

 

ويصرف عنكم أمر شكيس

وحدثني أبي سلام، عمن حدثه: أن رجلا من طيء، من بني حية، نزل به رجل من بني الحارث بن ذهل بن شيبان، يقال له المكاء، فذبح له شاة وسقاه من الخمر. فلما سكر الطائي قال: هلم أفاخرك: أبنو حية أكرم أم بنو شيبان؟ فقال له الشيباني: حديث حسن ومنادمة كريمة، أحب إلينا من المفاخرة. فقال الطائي: والله ما مد رجل قط يداً أطول من يدي! فقال الشيباني: والله لئن أعدتها لأخضبنها من كوعها. فرفع الطائي يده، فخضبها من كوعها. فقال أبو زبيد في ذلك:

خبرتنا الركبان: أن قد فخرتم

 

وفرحتم بضربة المـكـاء!

ولعمري لعارها كان أدنـى

 

لكم من تقي وحسن وفـاء

ظل ضيفا أخوكم لأخـينـا

 

في صبوح ونعمة وشـواء

ثم لما رآه رانت به الـخـم

 

ر وأن لا يريبه بـاتـقـاء

لم يهب حرمة النديم وحقت

 

يا لقوم للسـوأة الـسـوآء!

وقال حين عزل الوليد بن عقبة بن أبي معيط عن الكوفة، وحملت أثقاله:

من يرى العير لابن أروى على ظه

 

ر المروري حداتـهـن عـجـال

مصعدات والبيت بيت أبي وهـب

 

خلاء تـحـن فـيه الـشـمـال

يعرف الجاهل المـضـلـل أن ال

 

دهر فيه النـكـراء والـزلـزال

ليت شعري كذا كم العهـد أم كـا

 

نوا أناسا كـمـن يزول فـزالـوا

بعـد مـا تـعـلـمـين يا أم زيد

 

كان فيهم عـز لـنـا وجـمـال

أصبح البيت قد تبـدل بـالـحـي

 

وجـوهـا كـأنـهـا أقـتــال

غير ما طالبـين ذحـلا ولـكـن

 

مال دهر على أنـاس فـمـالـوا

كل شيء تحتـال فـيه الـرجـال

 

غير أن ليس للمـنـايا احـتـيال

وقال أبو زبيد، وكان في أخواله بني تغلب، وكان مقيم فيهم أكثر أيامه وكان له غلام يرعى إبله، وأن بهراء غزت بني تغلب، فمروا بغلامه، فدفع إليهم الإبل. وقال: انطلقوا أدلكم على عورة القوم وأقاتل معكم. فصحبهم، فالتقوا، فهزمت تغلب بهراء وقتل العبد، فقال أبو زبيد:

قد كنت في منظر ومستـمـع

 

عن نصر بهراء غير ذي فرس

تسعى إلى فتية الأراقم واستـع

 

جلت قيل الجمان والـقـبـس

في عارض من جبال بهرا بـه

 

الأل مرين الحروب عن درس

فنهزة من لقوا حـسـبـتـهـم

 

أحلى وأشهى من بارد الدبس!

لا ترة عندهم فتـطـلـبـهـا

 

ولا هم نهزة لـمـخـتـلـس

جود كـرام إذا هـم نـدبــوا

 

غير لئام ضجـر ولا كـبـس

صمت عظام الحلوم إن قعـدوا

 

من غير عي بهم ولا خـرس

تقوت أفراسـهـم نـسـاؤهـم

 

يزجون أجمالهم مع الغـلـس

صادفت لما خرجت منطلـقـا

 

جهم المحيا كبـاسـل شـرس

فجال فـي كـفـه مـثـقـفة

 

تلمع فيها كشعـلة الـقـبـس

بكـف حـران ثـائر بـــدم

 

طلاب وتر في الموت منغمس

إما تقارش بك الـرمـاح فـلا

 

أبكيك إلا للـدلـو والـمـرس

حمدت أمري ولمت أمـرك إذ

 

أمسك جلز السنان بالـنـفـس

وقد تصـلـيت حـر نـارهـم

 

كما تصلى المقرور من قرس

تذب عنه كـف بـهـا رمـق

 

طيرا عكوفا كزور الـعـرس

عما قلـيل عـلـون جـثـتـه

 

فهن من والغ ومـنـتـهـس

فلما فرغ أبو زبيد من قصيدته، بعثت إليه بنو تغلب بدية غلامه وما ذهب من إبله، فقال في ذلك:

ألا أبلغ بني عمرو رسولا

 

فإني في مودتكم نفـيس

ويقال إن أزد عمان قتلت رجلا من طيء، فقال في ذلك أبو زبيد:

بلغا طيئا جميعـا وشـتـى

 

ولسعد مما أقول نـصـيب

إنهم إخوة أبوهـم أبـونـا

 

غير دعوى والنائبات تنوب

قتلتنا سـيوف أزد عـمـان

 

سفها والدهور فيه العجيب

من دم ضائع تغيب عـنـه

 

أقربوه إلا الصدى والجبوب

يابن سلمى وللنجيبة سلمـى

 

ولقد ينجل النجيب النجـيب

ليتني مت إذ دعونك إذ تـدع

 

و تميما ولا حـمـيم يجـيب

ليت شعري بك ابن أم عميس!

 

إن قلبي مما شهدت مـريب

غبت عنه وأنت لم تك عنـه

 

غائبا والمليك رب حـسـيب

ركبوا ما تهيب الناس مـنـا!

 

قد عمرنا وعزنا مرهـوب

وقال أيضا يرثي ابن أخته اللجلاج، وكان من أحب الناس إليه، وجزع عليه جزعا شديدا:

غير أن اللجلاج قد هد ركني

 

يوم فارقته بأعلى الصعـيد

في ضريح عليه عبء ثقـيل

 

من تراب وجندل منضـود

أخبرني أبو خليفة في كتابه إلى قال، حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال، حدثنا أبو الغراف قال: كان العجير السلولي دل عبد الملك بن مروان على ماء يقال له: مطلوب، وكان لناس من خثعم، فأنشأ يقول:

لانوم إلا غرار العين ساهـرة

 

إن لم أروع بغيظ أهل مطلوب

إن تشتموني فقد بدلت أيكتـكـم

 

ذرق الدجاج بحفان اليعاقـيب

وكنت أخبركم أن سوف يعمرها

 

بنو أمية وعدا غير مـكـذوب

قال: فركب رجل من خثعم، يقال له أمية، إلى عبد الملك حتى دخل عليه. فقال: يا أمير المؤمنين، إنما أراد العجير أن يصل إليك وهو شويعر سئآل - وحربه عليه -.

فكتب إلى عامله بأن يشد يدي العجير إلى عنقه ثم يبعثه في الحديد. فبلغ العجير الخبر، فركب في الليل حتىأتى عبد الملك. فقال: يا أمير المؤمنين، أنا عندك فاحتبسني، وابعث من يبصر الأرضين والضياع فإن لم يكن الأمر على ما أخبرتك فلك دمي حل وبل! فبعث، فاتخذ ذلك الماء ضيعة فهو اليوم من خيار ضياع بني أمية وقال العجير السلولي:

خلقت جوادا والجـواد مـثـابـر

 

علـى جـريه ذو عـلة ويسـير

ولا يسبق الغايات مستسلم الصـلا

 

مغل لأطراف الرماح عـثـور

ولكن مشيح الركض مستبعد المدى

 

إذا ابتل من سجم الحميم طحـور

فلا توزعيني إنـمـا يوزع الـذي

 

به ضعف أو في القيام فـتـور

ولا تزدريني وانظري ما خليقتـي

 

إذا ضاف أمـر أو أنـاخ أمـير

فإن بني كعب رجـال كـأنـهـم

 

ليوث الشرى سدت بهن ثـغـور

تحلب أيديهـم نـجـيعـا ونـائلا

 

إذا البزل لم يصبح بـهـن درور

مروها بأطراف العوالي فأسبلـت

 

نجيعا له تحت اللـبـان خـرير

مقيمين لا تعتـاد إلا وجـدتـهـم

 

كما بالرحا من صاحتين صخـور

إذا غار منهم كوكب ناء كوكـب

 

لأني الندى جم الفراغ مـطـير

وإن هبطوا بـينـا أذلـوا تـرابة

 

فأضحى وفيه مـورد وصـدور

وقال يذم ابن عم له، ويرثي سليم بن زيد السلولي:

الأجـبـل الـشـم بـعــدمـــا

 

دجا الليل واجتر الجمال القـوامـح

نهـارك مـافـيه لـيان ولا قـرى

 

لعـين وأيام ابـن زيد صـوالــح

وذاك ابن عم الصدق أمـا عـطـاؤه

 

فجزل وأما صدره فهـو نـاصـح

وكـان شـفـاء غـير داء دنــوه

 

إذا أحول أبصار العيون اللـوامـح

إذا قال لي: قم! قلت: بل أنت فاكفني!

 

فقام فجلى أبيض الـوجـه واضـح

وقال العجير: وخرج هو وابنه القيل، وكان مسنا، كثير اللحم، فخرجا ماشيين في أمر قطبة ابنة الضحاك أخيه، فأعي القيل وبلد، فذمه العجير ومدح ابنه الآخر، واسمه الفرزدق:

إذا ما لقيت الخاضبـات أكـفـهـا

 

عليهن مقصور الحجال المـروق

فلا تجعلن الـقـيل إلا لـمـزرع

 

رواء ولكن الشجـاع الـفـرزدق

سمين وكان الأسمنـون خـيارنـا

 

بيوتا وأندابـا يدا حـين نـطـرق

هو ابني لغراء الجـبـين نـجـيبة

 

تلقت على طهر به غير أحـمـق

تداعى لها من أكرم الحي نـسـوة

 

يطفن بكسرى بيتها وهي تطـلـق

ولكن لعمري إن قتلـت لألـفـين

 

سبطرا كإرسال الرديني أعـنـق

فجاءت بعاري الساعـدين كـأنـه

 

من الطير أقني ينفض الطل أزرق

لجوج غداة الفوت حتـى كـأنـه

 

حصان يلاقي دعقة الخيل أبـلـق

وقال العجير لموسى بن عبد الرحمن بن عبيدة، وأم عبد الرحمن من بني عقيل، وأم العجير، من بني أسان من بني سعد ابن غنم:

ألم تر أن الحـي حـي مـبـشـر

 

كفوا غرمهم واستفضل المال حامله

أولئك أخوالي وأخوال ذي الـقـفـا

 

قبيل توقى بالحجاز مـعـاقـلـه

وقال العجير في محمد بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل، أخي الحجاج بن يوسف:

فداك النساء الحتف كم من سرادق

 

به البخت والأنباط شهب قنابلـه

دخلت وأشراف الرجال يروننـي

 

على سبط الكفين جم فواضـلـه

على يوسفي لوتـنـاخ ركـابـه

 

على البحر أفناه نـداه ونـائلـه

وقال في عمر بن عبد العزيز:

الحمد لله حمدا لا شـريك لـه

 

والحمد لله: أما بعد ياعـمـر

فافرج لنا الباب لا تحبس مطيتنا

 

فإن بابك لاضيق ولا ضـرر

والثالث: عبد الله بن همام السلولي: قال، فحدثني يونس بن حبيب وأبو الغراف قالا: كان عبد الله همام، رجلا له جاه عند السلطان ووصله بهم، وكان سريا في نفسه، له همة تسمو به، وكان عند آل حرب مكينا حظيا فيهم. فكان الذي حدا يزيد بن معاوية على البيعة لابنه معاوية بن يزيد: أن عبد الله بن همام السلولي قال إلى يزيد بن معاوية، فأنشد شعرا رثى فيه معاوية بن أبي سفيان، وحضه على البيعة لابنه معاوية، فقال:

تعزوا يا بني حرب بصـبـر

 

فمن هذا الذي يرجو الخلودا؟

لعمر مناخهن ببطن جـمـع

 

لقد جهزتم مـيتـا فـقـيدا!

لقد وارى قلـيبـكـم بـيانـا

 

وحلما لا كفـاء لـه وجـودا

وجدناه بغيضا فـي الأعـادي

 

حبيبا في رعـيتـه حـمـيدا

أمينا مؤمنا لـم يقـض أمـرا

 

فيوجـد غـبـه إلا رشـيدا

فقد أضحى العدو رخي بـال

 

وقد أمسى التقي به عـمـيدا

فعاض الله أهل الدين منـكـم

 

ورد لنا خلافـتـكـم جـديدا

مجانية المحاق وكل نـحـس

 

مقارنة الأيامن والسـعـودا

خلافة ربكم حاموا عـلـيهـا

 

إذا غمزت خنابـسة أسـودا

تعلمها الكهول المرد حـتـى

 

تذل بها الأكف وتسـتـقـيدا

إذا ما بان ذو ثـقة تـلـقـت

 

أخا ثقة بها صنعـا مـجـيدا

تلقـفـهـا يزيد عـن أبـيه

 

وخذها يا معاوي عـن يزيدا

فإن عرفت لكم فتلقـفـوهـا

 

ولا ترموا بها الغرض البعيدا

فإن دنيا كم بكم اطـمـأنـت

 

فأولوا أهلها خلـقـا سـديدا

وإن ضجرت عليكم فاعصبوها

 

عصابا تستـدر بـه شـديدا

قال: وأنشده هذا الشعر أيضا:

إنا نقول ويقضي الله مـقـتـدرا

 

مهما يدم ربنا مـن صـالـح يدم

يزيد يا ابن سفـيان هـل لـكـم

 

إلى ثناء ومجد غير منـصـرم؟

اعزم عزيمة أمـر غـبة رشـد

 

قبل الوفاة وقطع قالة الـكـلـم

وأقدر بقائلكم خذهـا يزيد فـقـل

 

خذها معاوي لا تعجز ولا تـلـم

إن الخلافة إن تعرف لثالـثـكـم

 

تثبت مراتبها فـيكـم ولا تـرم

ولا تـزال وفـود فـي دياركـم

 

يغشون أبلج سباقا إلى الـكـرم

يزم أمر قريش غير منـتـكـث

 

ولو سما كل قرم منهـم قـطـم

عيشوا وأنتم من الدنيا على حـذر

 

واستصلحوا جند أهل الشام للبهم

ولا تحلنهـا فـي دار غـيركـم

 

إني أخاف عليكم حسرة الـنـدم

وأطعم الله أقواما عـلـى قـدر

 

ولم يحاسبكم في الرزق والطعـم

ولا لمن سالك الشورى مشـاورة

 

إلا بطعن وضرب صائب خـذم

أني تكون لهم شورى وقد قتلـوا

 

عثمان ضحوا به في أشهر الحرم

خير البرية راعوا المسلمـين بـه

 

ملحبا ضرجـت أثـوابـه بـدم

وكان قاتله منكم لـمـصـرعـه

 

مثل الأحمير إذ قفى علـى إرم

أو كالدهيم وما كانـت مـبـاركة

 

أدت إلى أهلها ألفا من اللـجـم

نفسي فداء الفتى في الحرب لزهم

 

حتى تدانوا وألهي الناس بالسـلـم

وبارك الله في الأرض التي ضمنت

 

أوصاله وسقاهـا بـاكـر الـديم

فلم تزل في نفس يزيد حتى بايع معاوية ابنه فعاش أربعين ليلة بعد أن أتته البيعة من الآفاق، ثم مات. فقيل له: أوصه. فقال: ما أحب أن أزودهم الدنيا وأخرج عنها.

وحدثني يونس بن حسان: أن عبد الله بن همام كان يسمع أبا عمرة صاحب شرطة المختار، واسمه كيسان، يذكر الشيعة وينال من عثمان، فقنعه بالسوط. فلما ظهر المختار، كان معتزلا حتى استأمن له ابن شداد، فجاء إلى المختار، فأنشده شعرا له فيه، يذكره ويذكر أصحابه، فقال:

ألا انتسأت بالود عـنـك وأدبـرت

 

معالنة بـالـهـجـر أم سـريع

وحملها واش سعى غير مصـلـح

 

فآب بهـم فـي الـفـؤاد وجـيع

فخفض عليك الشأن لا يردك الهوى

 

فليس انـتـقـال خـلة بـبـديع

وفي ليلة المختار ما يذهل الفتـى

 

ويلهيه عن رؤد الشباب شـمـوع

دعا:ما لثارات الحسين! فأقبـلـت

 

كتائب من همدان بـعـد هـزيع

ومن مذحج جاء الرئيس ابن مالـك

 

يقود جموعا عفـيت بـجـمـوع

ومن أسد وفـي يزيد لـنـصـره

 

بكل فتى حامي الذمـار مـنـيع

وجاء نعيم خير شيبـان كـلـهـا

 

بأمر لدى الهـيجـاء جـد رفـيع

وما ابن شميط إذ يحرض قـومـه

 

هناك بمخـذول ولا بـمـضـيع

ولا قيس نهد لا ولا ابـن هـوازن

 

وكان أخـا حـنـانة وخـشـوع

وسار أبو النعمان لـلـه سـعـيه

 

إلى ابن إياس مصحرا لـوقـوع

فكر الخيول كـرة أتـلـفـتـهـم

 

وشد بأولاها على ابـن مـطـيع

فولى بضرب يفلق الهام وقـعـه

 

وطعن غداة السـكـتـين وجـيع

فمر وزير ابن الوصي عـلـيهـم

 

وكان لهم في الناس خير شـفـيع

فآب الهدى حقا إلى مـسـتـقـرة

 

بخـــير إياب آبة ورجـــوع

إلى الهاشمي المهتـدى بـضـيائه

 

فنحن له من سـامـع ومـطـيع

فلما أنشدها المختار قال لأصحابه: قد أثني عليكم كما تسمعون، وقد أحسن الثناء، فأحسنوا جزاءه. ثم قام فقال: لا تبرحوا حتى أخرج إليكم. فقال عبد الله بن شداد: فإن له عندي فرسا ومطرفا. وقال قيس بن طهفة: فإن له عندي فرسا ومطرفا. وقال ليزيد بن أنس: ما تعطيه؟ قال: إن كان ثواب الله أراد بما يقول، فما له عند الله خير له، وإن اعترى بهذا القول أموالنا، فوالله ما في أموالنا ما يسعه. ثم وقع بينهم كلام شديد، فوثب به بعضهم، فضمه إبراهيم بن الأشتر إلى نفسه، وقال: أنا جار له. فأنقذه منهم. فقال عبد الله بن همام:

أطفأ عني نار كـلـبـين ألـبـا

 

على الكلاب ذو الفعال ابن مالك

فتى حين يلقى الخيل يفرق بينهـا

 

بطعن دراك أو بضرب مواشـك

وقد غضبت لي من هوازن عصبة

 

طوال الذري فيها عزاز المبارك

إذا ابن شميط أو يزيد تعـرضـا

 

لها وقعا في مستحار المهـالـك

وثبتم علينا يا مـوالـي طـامـر

 

مع ابن شميط شر ماش وراتـك

وأعظم جبار على الـلـه فـرية

 

وما مفتر طاغ كآخـر نـاسـك

كأنهم في العز قـيس وخـثـعـم

 

وهل أنـتـم إلا لـئام عـوارك

والرابع: نويفع بن لقيط وتارة كان يقول: نافع فحدثني أبو الغراف قال: كان لنافع بن لقيط امرأة من بني منقذ بن جحوان، تدعى حية، وكان في أخلاقها زعارة، وقد كانا تشارا مرة ثم إن قومها أنفوا من ذلك، فادعوا عليه طلاقا، فقاتلهم حتى كان بينهم جراح، وكان مستخفيا من الحجاج، فقال وهو مستخف:

لم يبق مني الـكـرى يا أم نـافـع

 

ولا الروغ في الحلفاء غير المعارف

إذا قيل: هذا فـارس! طـار طـيرة

 

فؤادي وما فزعت من مثل خـائف

ولكنما الغـاوي إذا سـود اسـمـه

 

بأنفاسه ضيف على السرح واقـف

فرفعوا أمره إلى الحجاج، فبعث إليه نفرا، وهو في أجمة الأسود، أجمة خفية، فأحرق عليه في نواحي الأجمة، وقالوا: قد كفتنا الأسود والنار أمره. فأدركهم الليل فانصرفوا، وخلصه الله حتى لحق بقومه بالقنان والعزاف، فتزوج ابنة عمه: جهمة ابنت شيبان بن مرثد فتغنى يوما فقال:

وردت بئارا ملحة فكرهتها

 

بأهلي أهلي الأولون وماليا

قال، وأنشدني أبو الغراف، عن سليمان الجذامي، لنويفع ابن لقيط:

أدوا إلى ميدان عنكم عـرسة

 

ودعوا سبابي يا بني عرقوب

إن المخازي قد رثمن أنوفكم

 

رثم الحجارة إصبع المنكوب

لن تهدموا شرفي بلؤم أبيكـم

 

ونهاق عير فيكم مكـروب

وقال أيضا:

وإياك والظلم الـمـبـين إنـنـي

 

أرى الظلم يغشي بالرجال المغاشيا

أتجمع إن كنت ابن تقن فـطـانة

 

وتغلب أحيانا وتأتي الـدواهـيا؟!

إذا أنت أكثرت المجاهـل كـدرت

 

عليك من الأخلاق ما كان صافـيا

فلا تك حفارا بظـلـفـك إنـمـا

 

تصيب سهام الغي من كان غـاويا

ألا إن آبائي على كـل مـوطـن

 

وخال أبي لم يورثوني المخـازيا

أباحوا لنا المجد التـلـيد وإنـهـم

 

لمنبت زندى الفـروع الأعـالـيا

 

قال: وأنشدني محمد بن أنس الحذلمي الأسدي، عن أعراب بني أسد، أنه قال في الحجاج بن يوسف:

لو كنت في العنقاء أوفى عمـاية

 

ظننتك إلا أن تصـد تـرانـي

أسهد من نوم العشاء كـأنـنـي

 

سليم يغر الضرو بالـنـبـوان

عليه تـمـيمـات كـأن فـؤاده

 

جناحا عقاب دائم الخـفـقـان

تضيق بي الأرض الفضاء لخوفه

 

وإن كنت قد طوفت كل مكـان

وآليت لا آتيك إلا مـسـالـمـا

 

معي منك يا ابن الأكرمين أماني

وما العرق كانت لي بدار إقـامة

 

ولا الجو منها كان لي بمغانـي

أعوذ بقبري يوسف وابن يوسف

 

أخيك وبالقبـر الـذي بـعـدان

سمي نبي الله من أن تنـالـنـي

 

يداك ومن يغتر بالـحـدثـان!

قال: وكان نويفع من رجالات العرب شعرا ونجدة، وكان ربما أخاف السبيل فأطرده الحجاج لجناية، فلم يزل خائفا.