طبقات الشعراء الإسلاميين - الطبقة السادسة

من الإسلاميين حجازية، أربعة رهط: عبد الله بن قيس بن شريح بن مالك بن ربيعة بن أهيب ابن ضباب بن حجير بن عبد معيص بن عامر بن لؤي بن غالب، من قريش الظواهر، وإنما نسب إلى الرقيات، لأن جدات له توالين يسمين رقية.

والأحوص، عبد الله بن محمد بن عاصم بن ثابت بن قيس وهو أبو الأقلح، شهد عاصم بدرا، وقتل يوم الرجيع، وحمته الدبر وهو من الأوس.

وجميل بن معمر بن خيبري بن ظبيان بن حن بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة.

ونصيب مولى عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص.

فحدثني يونس حبيب قال: كان عبد الله بن قيس الرقيات أشد قريش أسر شعر في الإسلام بعد ابن الزبعري. وكان غزلا، وأغزل من شعره شعر عمر بن أبي ربيعة. وكان عمر يصرح بالغزل، ولا يهجو ولا يمدح، وكان عبد الله يشبب ولا يصرح، ولم يكن له معقود عشق وغزل، كعمر بن أبي ربيعة.

وكان انقطاعه إلى آل الزبير: فمدح مصعبا وهجا عبد الملك بن مروان وذلك حين يقول:

إنما مصعب شهاب من الله

 

تجلت عن وجهه الظلمـاء

ملكه ملك قوة لـيس فـيه

 

جبروت ولا له كـبـرياء

يتقي الله في الأمور وقد أف

 

لح من كان همه الإتـقـاء

وقال لعبد الملك فيها:

قد رضينا فمت بدائك غيظا

 

لا تميتـن غـيرك الأدواء

إن منا النبي الأمي والصديق

 

منا التقى والـخـلـفـاء

وقال أيضا:

ذكرت قومها قريشا فقالت: راب دهري وأي دهر يدوم

لا يربك الذي ترين فإن الله طب بمـا تـرين عـلـيم

إن يكن للإله في هذه الأمة دعوى يعد عليك النـعـيم

وتحلى محل آبائك الأخيار بالحجر حيث يلفى الحطـيم

بلد تأمن الحمامة فيه حيث عاذ الخليفة الـمـظـلـوم

يعني عبد الله بن الزبير. وقال في مصعب بن الزبير، قبل أن يقتل:

ليت شعري أأول الهـرج هـذا

 

أم زمان من فتنة غير هـرج؟

إن يعش مصعب فإنـا بـخـير

 

قد أتانا من عيشنا ما نـرجـى

ملـك يبـرم الأمـور ولا يش

 

رك في رأيه الضعيف المزجي

جلب الخيل من تهـامة حـتـى

 

وردت خيله قصـور زرنـج

حيث لم تأت قبله خيل ذي الأك

 

تاف يوجفن بين قـف ومـرج

أنزلوا من حصونهن بـنـات ال

 

ترك يأتين بعد عرج بـعـرج

كل خرق سـيمـدع وشـنـون

 

ساهم الوجه تحت أحناء سـرج

يلبس الجيش بالجيوش ويسقـي

 

لبن البخت في عساس الخلنـج

وقال في عبد الملك، لما أخذ عبد الله بن جعفر ذي الجناحين الأمان له:

عاد له من كثيرة الطرب

 

فعينه بالدموع تنسكـب

كوفية نازح محلـتـهـا

 

لا أمم دارها ولا سقب

ثم قال:

ما نقموا من بـنـي أمـية إلا

 

أنهم يحلمون إن غـضـبـوا

وأنهم معدن الـمـلـوك فـلا

 

تصلح إلا عليهـم الـعـرب

إن الفنيق الذي أبـوه أبـو ال

 

عاصي عليه الوقار والحجـب

خليفة اللـه فـوق مـنـبـره

 

جفت بذاك الأقلام والكـتـب

يعتدل التاج فـوق مـفـرقـه

 

على جبين كـأنـه الـذهـب

أحفظهم قومهم ببـاطـلـهـم

 

حتى إذا حاربوهـم حـربـوا

تجردوا يطلبون بـاطـلـهـم

 

بالحق حتى تـبـين الـكـذب

قوم هم الأكثرون قبص حصي

 

في الناس والأكرمون إن نسبوا

والثاني الأحوص فحدثني أبي، عمن حدثه، أحسبه قال: عن الزهري، قال: كان الأحوص الشاعر يشبب بنساء أهل المدينة، فتأذوا به، وكان معبد وغيره من المغنين يغنون في شعره، فشكاه قومه، فبلغ ذلك سليمان بن عبد الملك: فكتب إلى عامله بالمدينة أن يضربه مئة سوط، ويقيمه على البلس للناس، ويسيره إلى دهلك، ففعل به، فثوى بها سلطان سليمان، وعمر بن عبد العزيز: فأتى رجال من الأنصار عمر بن عبد العزيز، فسألوه أن يرده، وقالوا: قد عرفت نسبه وموضعه من قومه، وقد أخرج إلى أرض الشرك فنطلب إليك أن ترده إلى حرم رسول الله صلى الله عليه، ودار قومه. فقال عمر: من الذي يقول:

فما هو إلا أن أراها فجاءة

 

فأبهت حتى ما أكاد أجيب

قالوا: الأحوص. قال: فمن الذي يقول:

أدور ولولا أن أرى أم جعفر

 

بأبياتكم مادرت حـيث أدور

قالوا: الأحوص. قال: فمن الذي يقول:

سيلقى لها في القلب في مضمر الحشا

 

سريرة حب حين تبلـى الـسـرائر

قالوا: الأحوص. قال: إنه يومئذ عنها لمشغول، والله لا أرده ما كان لي سلطان. فمكث هناك بقية ولاية عمر، وصدراً من ولاية يزيد بن عبد الملك. ثم استخلف يزيد بن عبد الملك، فبينا يزيد على سطح، وحبابة جاريته تغنيه بشعر الأحوص، إذ قال يزيد: من يقول هذا الشعر؟ قالت: لا وعيشك ما أدري! قال: وقد كان ذهب من الليل شطره، قال: ابعثوا إلى الزهري، فعسى أن يكون عنده علم من ذلك. فأتى ابن شهاب الزهري فقرع بابه فخرج فزعا، حتى أتى يزيد. فلما صعد إليه قال: لا بأس عليك، لم ندعك إلا لخير، أجلس. فجلس. فقال: من الذي يقول هذا الشعر؟ قال: الأحوص يا أمير المؤمنين. قال: فما فعل؟ قال: قد طال حبسه بدهلك! قال: عجبت لعمر بن عبد العزيز كيف أغفله! فأمر بالكتاب بتخيلة سبيله، وأمر له بأربعمئة دينار. فأقبل الزهري من ليلته إلى ناس من الأنصار، فبشرهم بتخيلة سبيل الأحوص. ثم قدم عليه، فأجازه وأحسن إليه. وحدثني أبو الغراف، عمن يثق به، قال: بعث يزيد ابن عبد الملك، حين قتل يزيد بن المهلب، إلى الشعراء، فأمرهم بهجاء يزيد وأهل بيته: منهم الفرزدق وكثير والأحوص. فقال الفرزدق: لقد امتدحت بني المهلب بمدح ما امتدحت بمثله أحدا، وإنه لقبيح بمثلي أن يكذب نفسه على رأس الكبر، فليعفني أمير المؤمنين. فأعفاه. وقال كثير: إني لأكره أن أعرض نفسي وقومي لشعراء أهل العراق إن هجوت بني المهلب. وأما الأحوص فإنه هجاهم. فلما بعث به يزيد بن عبد الملك إلى الجراح بن عبد الله الحكمي، وهو بأذربيجان، وقد كان بلغ الجراح هجاء الأحوص بني المهلب، فبعث إليه بزق من خمر، فأدخل منزل الأحوص، ثم بعث إليه خيلا، فدخلوا منزله، فصبوا الخمر على رأسه، ثم أخرجوه على رؤؤس الناس، وأتوا به الجراح، فأمر به فحلق رأسه ولحيته، وضربه الحد، يتراوحه الرجال، وهو يقول: ليس هكذا تضرب الحدود!! فجعل الجراح يقول: صدقت! أجل! ولكن لما تعلم.؟ ثم كتب إلى يزيد بن عبد الملك بالذي كان من أمره، فأغضى له عليها.

فمما قال الأحرص، قال يمدح عبد العزيز بن مروان:

أقول بعمان وهل طـربـي بـه

 

إلى أهل سلع إن تشوفت نافعـه؟

أصاح ألم تحزنـك ريح مـريضة

 

وبرق تلالا بالعقـيقـين رافـع؟

فإن الغريب الدار ممـا يشـوقـه

 

نسيم الرياح والبروق اللـوامـع

نظرت على فوت وأوفى عشـية

 

بنا منظر من حصن عمان يافـع

وللعين أسراب تفـيض كـأنـمـا

 

تعل بكحل الصاب منها المدامـع

لأبصر أحياء بخاخ تضـمـنـت

 

منازلهم منها التـلاع الـدوافـع

فأبدت كثيرا نظرتي من صبابتـي

 

وأكثر منها ما تجـن الأضـالـع

وكيف اشتياق المرء يبكي صبـابة

 

إلى من نأي عن داره وهو طائع؟

لعمر ابنة الـزيدي أن أدكـارهـا

 

على كل حال لـلـفـؤاد لـرائع

وإني لذكراها علـى كـل حـالة

 

من الغور أوجلس البلاد لـنـازع

لقد كنت أبكي والنوى مطـمـئنة

 

بنا وبكم من علم ما البين صانـع

وقد ثبتت في الصدر منهـا مـودة

 

كما ثبتت في الراحتين الأصابـع

أهم لأنسى ذكرها فـيشـوقـنـي

 

رفاق إلى أهل الحجـاز نـوازع

إنا عدانا عـن بـلاد نـحـبـهـا

 

إمام دعانا نفعة الـمـتـتـابـع

أغر لمـروان ولـيلـى كـأنـه

 

حسام جلت عنه الصياقل قاطـع

هو الفرع من عبدي مناف كليهما

 

إليه انتهت أحسابهـا والـدسـائع

فكل غنـي قـانـع بـفـعـالـه

 

وكل عزيز عنـده مـتـواضـع

هو الموت أحيانـا يكـون وإنـه

 

لغيث حيا يحيى به الناس واسـع

وهو الذي يقول:

إني إذا جهل اللئام رأيتـنـي

 

كالشمس لا تخفي بكل مكان

ما من مصيبة نكبة أمنى بهـا

 

إلا تشرفني وترفع شـأنـي

فتزول حين تزول عن متخمط

 

تخشى بوادره على الأقـران

وحدثني أبي، سلام بن عبيد الله قال: بلغني أن مسلمة بن عبد الملك قال ليزيد بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين! ببابك وفود الناس، وتقف ببابك أشراف العرب، فلا تجلس لهم! وأنت قريب عهد بعمر بن عبد العزيز! وقد أقبلت على هؤلاء الإماء! قال: أرجو أن لا تعاتبني على هذا بعد اليوم. فلما خرج مسلمة من عنده، استلقى على فراشه، وجاءت حبابة جاريته فلم يكلمها، فقالت: ما دهاك عني؟ فأخبرها بما قال مسلمة وقال: تنحى عني حتى أفرغ للناس. قالت: فأمتعني منك مجلسا واحدا، ثم أصنع ما بدا لك. قال: نعم. فقالت لمعبد: كيف الحيلة؟ قال: يقول الأحوص أبياتا وتغني فيها. قالت: نعم. فقال: الأحوص:

ألا لا تلـمـه الـيوم أن يتـبـلـدا

 

فقد غلب المحزون أن يتـجـلـدا

إذا كنت عزهاة عن اللهو والصبـا

 

فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا

فما العيش إلا ما تلذ وتشـتـهـي

 

وإن لام فيه ذو الشنـان وفـنـدا

فغنى فيه معبد وقال: مررت البارحة بدير نصارى، وهم يقرأون بصوت شج، فحكيته في هذا الصوت. فلما غنته حبابة هذا الصوت، قال: لعن الله مسلمة! صدقت، والله لا أطيعهم أبدا.

ومن قوله أيضا:

أمن آل سلمى الطارق المتـأوب

 

ألم وبيش دون سلمى وكبكـب

فكدت اشتياقا إذ ألم خـيالـهـا

 

أبوح ويبدو من هواي المغـيب

ويوما بذي بيش ظللت تشـوقـا

 

لعينيك أسراب من الدمع تسكب

أتيحت لنا إحدى كلاب بن عامر

 

وقد يقدر الحين البعيد ويجلـب

بأرض نأي عنها الصديق وغالني

 

بها منزل عن طية الحي أجنب

وما هربت من حاجة نزلت بهـا

 

ولكنها من خشية الجرم تهـرب

أقامت ببيش في ظلال ونعـمة

 

لها قيم يخشى الجرائر مذنـب

غريب نأي عن أرضه وسمـائه

 

ليحـــيى وطــــــول

أخبرنا أبو غانم قال، أخبرنا أبو خليفة قال، حدثني محمد ابن سلام قال، حدثني محمد بن أبان: أن الأحوص بن محمد الشاعر، كان يهوى أخت امرأته، ويكتم ذلك، وينسب بها ولا يفصح باسمها، فتزوجها مطر، فبلغه الأمر، فأنشأ يقول:

أأن نادى هديلا ذات فـلـج

 

مع الإشراق في فنن حمام

ظللت كأن دمعك در سلـك

 

هوى نسقا وأسلمه النظـام

تموت تشوقا طربا وتـحـي

 

وأنت جو بدائك مستـهـام

كأنك من تذكر أم حـفـص

 

وحبل وصالها خلق رمـام

صريع مدامة غلبت علـيه

 

تموت لها المفاصل والعظام

وأني من ديارك أم حفـص

 

سقى بلدا تحل به الغمـام!

أحل النعف من أحد وأدنـى

 

مساكنها الشبيكة أو سـنـام

سلام الله يا مطر عـلـيهـا

 

وليس عليك يا مطر السلام

ولاغفر الإله لمنكـحـيهـا

 

ذنوبهم وإن صلوا وصاموا

كأن المالكين نكاح سلـمـى

 

غداة يرومها مطـر نـيام

فإن يكن النكاح أحـل شـيئا

 

فإن نكاحها مطـر حـرام

فلو لم ينكحـوا إلا كـفـيا

 

لكان كفيها ملـك هـمـام

فطلقها فلست لهـا بـأهـل

 

وإلا عض مفرقك الحسـام

أخبرني أبو خليفة، عن محمد بن سلام، عن سالم بن أبي السمحاء - وكان صاحب حماد الراوية -: أن حماداً كان يقدم الأحوص في النسيب.

الثالث: جميل بن معمر. فحدثني أبو الغراف، عن الأخيل ابن أبي الأخيل قال، حدثني أدهم التميمي قال: لقيني كثير عزة فقال: لقيني جميل بن معمر في هذا الموضع الذي لقيتك فيه فقال: من أين أقبلت؟ قلت: من عند أبي الحبيبة، أعني أبا بثينة. ثم قال لي: وإلى أين تريد؟ قلت: إلى الحبيبة، أعني عزة. قال: لا بد من أن ترجع عودك على بدئك، فتستجد لي موعدا. قلت: فإن عهدي بأبيها الساعة وأنا أستحي. قال: لا بد من ذلك. قلت: فمتى عهدك بهم؟ قال: بالدوم، وهم يرحضون ثيابهم. فأتيت أباها، قال: ما ردك يا ابن أخي؟ قلت: أبيات عرضت، أحببت أن أعرضها عليك. قال: هات. فأنشدته:

فقلت لها: يا عز! أرسل صاحبي

 

على نأي دار والموكل مرسـل

بأن تجعلي بيني وبينك مـوعـدا

 

وأن تأمريني ما الذي فيه أفعل

وآخر عهد منك يوم لقـيتـنـي

 

بأسفل وادي الدوم والثوب يغسل

فضربت بثينة جانب الخدر وقالت: اخسأ، اخسأ! قال أبوها: مهيم يا بثينة؟ قالت: كلب يأتينا إذا نوم الناس من وراء الرابية. قال: فأتيته، فأخبرته أنها قد وعدته إذا نوم الناس من وراء الرابية.

ومن قوله:

ما من قرينة آلف لقـرينة

 

إلا لحبل قرينها إقصـار

وإذا أردت ولا يخونك كاتم

 

حتى يشيع حديثك الإظهار

كتمان سرك يا بثين وإنمـا

 

عند الأمين تغيب الأسرار

ومن قوله:

ويحسب نسوان من الحي أنني

 

إذا جئت إياهن كـنـت أريد

فأقسم طرفي بينهن فيستـوي

 

وفي الصدر بون بينهن بعيد

ألا ليت شعري! هل أبيتن ليلة

 

بوادي القرى؟ إني إذا لسعيد!

وهل ألقين سعدي من الدهر مرة

 

وما مر من عصر الشباب جديد؟

ومن يعط في الدنيا قرينا كمثلهـا

 

فذلك في عيش الحـياة رشـيد

يموت الهوى مني إذا ما لقيتهـا

 

ويحيى إذا فارقتـهـا فـيعـود

ومن قوله:

وكنا إذا ما معشر جحفـوا بـنـا

 

ومرت جواري طيرهم وتعيفـوا

وضعنا لهم صاع القصاص رهينة

 

وسوف نوفيها إذا الناس طففـوا

ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا

 

وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا

فشد الفرزدق على هذا البيت وقال: أنا أحق به، وقال: لا تعد فيه. فلم يكترث له:

برزنا وأصحرنا لكـل قـبـيلة

 

بأسيافنا إذ يؤكل المتضـعـف

فأي معد كان فـيء رمـاحـه

 

كما قد أفأنا والمفاخر منصف

ونحن منعنـا يوم أود ذمـارنـا

 

ويوم أخي والأسنة تـرعـف

ونحن حمينا يوم مكة بالـقـنـا

 

قصيا وأطراف القنا تتقصـف

فحطنا لهم أكناف مكة بعـدمـا

 

أرادت بها ما قد أبى الله خندف

وقال يمدح عبد العزيز بن مروان:

إلى القرم الذي فـاتـت يداه

 

بفعل العرف سطوة من ينيل

إذا ما أغلى الحمد اشـتـراه

 

فما إن يستقـيل ولا يقـيل

أمين الصدر يحفظ ما تولـى

 

بما يكفي القوى به النـبـيل

أبا مروان أنت فتى قـريش

 

وكهلهم إذا عد الـكـهـول

توليه العشيرة ما عـنـاهـا

 

فلا ضيق الذراع ولا بخـيل

إليك تشـير أيديهـم إذا مـا

 

رضوا أو غالهم أمر جلـيل

كلا يوميه بالمعروف طلـق

 

وكل فعاله حسن جـمـيل

غابك في الذؤاية من قـريش

 

بناة المجد والـعـز الأثـيل

أروم ثـابـت يهـتـز فـيه

 

بأكرم منبت فـرع طـويل

والرابع نصيب مولى عبد العزيز بن مروان، فحدثني أبو الغراف قال: مر جرير بنصيب وهو ينشد، فقال له: اذهب فأنت أشعر أهل جلدتك! - وكان نصيب أسود - فقال: وجلدتك يا أبا حزرة! وحدثني أبو اليقظان قال، حدثني جويرية بن أسماء قال: قلت لنصيب مولى عبد العزيز: يا أبا محجن: من أشعر الناس؟ قال: أخو بني تميم. قلت: ثم من؟ قال: أنا. فقلت: ثم من؟ قال: ابن يسار. فلقيت إسماعيل بن يسار فقلت: من أشعر الناس؟ قال: أخو بني تميم. قلت: ثم من؟ قال: أنا. قلت: ثم من؟ قال: نصيب. قلت: إنكما لتقارضان الثناء! قال: وما ذاك؟ قلت: لقت نصيبا فقال فيك ما قلت فيه! قال: إنه لشاعر والله كريم ولا أظنه إلا بدأ بابن يسار قبل نصيب.
فمن قوله:

حريب أصاب المال من بعد ثروة

 

لديه فأضحى وهو أسوان معدم

فإن تك ليلى العامرية أصبحـت

 

على النأي مني غير ذنبي تنقـم

فما ذاك من ذنب أكون اجتنبتـه

 

إليها فتجزيني به حيث أعـلـم

ولكن إنسانا إذا مل صـاحـبـا

 

وحاول صرما لم يزل يتـجـرم

وقال أيضا:

وكيف يقودني كلف بسعـدي

 

وهذا الشيب أصبح قد علاني!

وودعني الشباب وكنت أسعى

 

إلى داعي الشباب إذا دعاني!

فإن يفن الشباب فكـل شـيء

 

من الدنيا فلا يغررك فإنـي

ولو أني بقيت لمـسـى لـيل

 

وصبح نهـاره يتـداولانـي

صحيحا لا ألاقي الموت حتى

 

أدب على القناة لأبـلـيانـي

وقال يذكر الحكم بن أبي بكر بن عبد العزيز:

في قـرى مـجـد وجـدت لـه

 

فراط مكرمة كانوا لنـا قـدمـا

ملك تـقـود الـنـاس كـلـهـم

 

قود الجنائب خضعا تتبع الخزمـا

بلادا أن يصـــاب بـــــه

 

حق وإن نسبوا فالقوم من كرمـا

ستـعـمـل الأنـضـــاء دائبة

 

في الخرق لابسة أعلامها قتمـا

قن مروق النـبـل مـن عـلـم

 

مرت أخذن بنا من بعد عـلـمـا

أتتك بـنـا خـوصـا مـقـدمة

 

قد باشرت بعد غرب الجدة الخدما

ومن قوله أيضا:

الصبا والرأس قد ظهرت به

 

روائع شيب هز عته عواسله

الـشـبـاب فـــإنـــه

 

أخ لك إن طالت حياتك عاذلة

ثوبية الـجـديدين بـعـدمـا

 

لبستهما حينا وعادت مبـاذلة

وقال أيضا:

أيقظان أم هب الـفـؤاد لـطـائف

 

ألم فحيي الركب والعـين نـائمـه

سرى من بلاد الغور حتى اهتدى لنا

 

ونحن قريب من عمود سـوادمـه

بنجد وما كانت بـعـهـدي رجـيلة

 

ولا ذات فكر في سرى الليل فاطمه

فو الله ما من عادة لك في السـري

 

سريت ولا أن كنت بالأرض عالمه

ولكنما مثلت لـيلا لـذي الـهـوى

 

فبت صديقا ثم فارقـت سـالـمـه

فيالـك ذا ود ويالـــك لـــيلة

 

تجلت وكانت بردة العيش ناعـمـه

فلو دمت لم أملل ولكن تركـتـنـي

 

بدائي وما الدنيا لـحـي بـدائمـه

وذكـرتـنـي أيامـنـا بـسـويقة

 

وليلتنـا إذ الـنـوى مـتـلائمـه