طبقات الشعراء الإسلاميين - الطبقة الثامنة

من الإسلاميين، أربعة رهط: عقيل بن علفة المري.

وبشامة بن الغدير المري، أحد بني سهم بن مرة.

وشبيب بن البرصاء واسمه شبيب بن زيد بن جمرة بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة، وأمه البرصاء بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة.

وقراد بن حنش بن عمرو بن عبد الله بن عبد العزي بن صبيح بن سلامة بن الصارد بن مرة.

قال: فحدثني أبو عبيدة: أن يزيد بن عبد الملك خطب إلى عقيل بن علقة ابنته وقال: زوجني، فلست بواجد في قومي مثلي. قال عقيل: بلى والله، لأجدن في قومك مثلك، وما أنت بواجد في قومي مثلي. فحبسه، فضرب عقيل كتف ابنه وقال: زوجه يا بني، فأنت أحق بالأمة مني! فزوجه أم عمرو بنت عقيل. فلما أهداه عقيل، تمثل جثامة بن عقيل فقال:

أيعذر لاهينا ويلحين في الصبا!

 

وهل هن والفتيان إلا شقائق؟

فرماه عقيل بسهم وقال: تمثل بهذا عند بناتي! فخرج جثامة مراغما لأبيه، فأتى يزيد بن عبد الملك. فكتب عقيل إلى يزيد: إنه أتاك أعق خلق الله. وكان يزيد قد أعطاه وحباه، فأخذ ذلك منه وحبسه.

وحدثني أبو عبيدة قال: كان علفة بن عقيل بن علفة هوى امرأة من قومه من بني مالك بن مرة وهويته، فأراد أن يتزوجها، فخطبها أبوه فتزوجته. فأقامت عنده حينا، ثم إن قومها ادعوا عليه طلاقا، فهرب بها إلى الشأم، فقال في ذلك علفة بن عقيل بن علفة:

لعمري لئن كانت سلافة بدلـت

 

من الرملة العفراء قفلا تزاوله

ونوحا يغنيهـا دوين حـمـامة

 

إذا هي ضجت بزله وجوازله

قال: وخرج عقيل ومعه بنوه: علفة، وعملس، وجثامة، وابنته الجرباء، حتى إذا كانوا بجنب دومة الجندل، تغنى علفة بن عقيل فقال:

قفي يا ابنة المري نسألك ما الـذي

 

تريدين فيما بينـنـا إنـه سـهـل

نخبرك إن لم تنجزي الـوأى أنـنـا

 

ذوا خلة لم يبق بينهـمـا وصـل

فإن شئت كان الصرم ما هبت الصبا

 

وإن شئت لم يفن التكارم والـبـذل

ونسألك ما تغني عن الجاهل المنى؟

 

وهل يستقيدن الجنيب ولا حـبـل

فعدا عليه أبوه بالسيف وقال: يا عدو الله، ما هذه المرية؟ واتهمه بامرأته وقال: تشبب بأمك؟ فكلمه أخوه، فحمل عليهما، ويرميه عملس بسهم في فخذه فصرعه، فقال عقيل:

إن بني رملوني بـالـدم

 

شنشنة أعرفها من أخزم

من يلق أحدان الرجال يكلم وقال عقيل بن علفة يهجو بني بدر بن عمرو:

إذا جارة حلت على الهجم لم تجد

 

كريما ولم تعدم لئيما يزورهـا

ألم تر بدرا لا تماني دمـاءهـم

 

دماء ولم يعقد لجار مجـيرهـا

أتقصر عن باع الكرام أكفهـا

 

وتبلغ أنصاف المخازي أيورها

وحدثني أبو عبيدة: أنه كان لعقيل بن علفة نديم من بني كلاب، يقال له غثراء وكان عقيل يسمر عند عبد الملك، فأصاب وجه عقيل أثر، فترك إتيان عبد الملك، فبعث إليه فأتاه، فرأى ما بوجهه، فقال: ما هذا بوجهك؟ قال: يا أمير المؤمنين، لا والله إلا أنني اشتهيت اللبن فقمت إلى الفلانية، - ناقة له - لأجلها، فزبنتني.

فقال عبد الملك: أشهدك غثراء؟ قال: والله يا أمير المؤمنين لقد ذهبت مذهبا، وظننت ظنا سائلك عنه. قال: أنا أسئل عنه أم من عمله يا ضب؟ وحدثني أبو عبيدة أنه قيل لعقيل بن علفة: والله ما نراك تقرأ شيئا من كتاب الله! قال: بلى والله، إني لأقرأ. قالوا: فاقرأ. فقال: إنا بعثنا نوحا - وقيل: ما قال: إنا فرطنا نوحا - فقالوا: قد والله أخطأت! قال: فكيف تقولون؟ قالوا: إنا أرسلنا نوحاً. فقال: أرسلنا وبعثنا أشهدكم أنكم تعلمون أنهما سواء، ثم قال:

خذا صدر هرشى أو قفاها فإنه

 

كلا جانبي هرشى لهن طريق

وقال يرثي ابنه علفة بن عقيل:

لتمض المنايا حيث تشئن فإنها

 

محللة بعد الفتى ابن عقـيل

فتى كان مولاه يحل بنجـوة

 

فحل الموالي بعده بمسـيل

وكان عقيل بن علفة زوج ابنته الجرباء يحيى بن الحكم ابن أبي العاص: فطلقها يحيى، فأقبل إليها عقيل، ومعه ابناه العملس وحزام، فحملها فقال في ذلك:

قضت وطرا من دير يحيى وطالما

 

على عرض ناطحنه بالجمـاجـم

فأصبحن بالموماة ينقلـن فـتـية

 

نشاوي من الإدلاج ميل العمـائم

ثم قال: أجز يا حزام، فأرتج عليه، فقالت الجرباء:

كأن الكرى يسقيهم صرخـدية

 

عقارا تمشى في المطا والقوائم

فقال عقيل: شربتها ورب الكعبة! ثم شد عليها بالسيف، فطرح حزام نفسه عليها، فضربها فأصاب حزاما.
وحدثني أبو عبيدة: أنه كان لعقيل جار من بني سلامان، فخطب إليه، فأخذه فقطمه ودهن استه بشحم، وألقاه في قرية النمل، فأكلن خصييه، فخلاه، وقال له: يخطب إلى عبد الملك فأرده، وتجترئ على! ثم إنه بعد ذلك ورد وادي القرى، فثار بنو حن بن ربيعة، فعقروا به، فقال في ذلك:

لقد عقرت حن بنا وتلعـبـت

 

وما لعبت حن بذي حسب قبلي

رويد بني حن تسيحوا وتأمنـوا

 

وتنشر الأنعام في بلد سـهـل

وحدثني أبو عبيدة: أن عقيل بن علفة جاور جذاما، فبينا هو ذات يوم بفنائه، إذا أتته جماعة منهم فخطبه إليه، فقام يسعى حتى صعد شرفا، ثم رمى ببصره إلى الحجاز، ثم عوى عواء الكلب، فقالوا: والله لقد جن! فانصرفوا. فقالت ابنته: يآبه، إنه والله ما أنت ببلاد غطفان حيث تقول ما أحببت لا تخاف أحدا، وإني أخاف أن يغتالك القوم، فالحق ببلادك. فعرف ما قالت: فلما أمسى قرب رواحله وانصرف إلى قومه، وقال عقيل:

ألا ليت شعري هل أشنن غـارة

 

بغضيان أو وادي تبوك المصوب

وهل أشهدن خيلا كأن غبـارهـا

 

بأسفل علكد دواخن تـنـضـب

تصب على رمص كأن عيونهـم

 

فقاح الدجاج في الودي المعصب

والثاني: بشامة بن الغدير بن عمرو بن ربيعة بن هلال بن سهم بن مرة بن عوف.

قال محمد بن سلام الجمحي، فحدثني أبو عبيدة: أن بشامة ابن الغدير كان كثير المال، وكان ممن فقأ عين بعير في الجاهلية، وكان الرجل إذا ملك ألف بعير فقأ عين فحلها.

وكان قد أقعد، فلما حضره الموت، ولم يكن له ولد، قسم ماله بين إخوته وبني أخيه وأقاربه، فقال له زهير بن أبي سلمى وهو ابن أخته: ماذا قسمت لي يا خالاه؟ قال: أفضل ذلك كله! قال: ما هو؟ قال: شعري! فيزعم من يزعم أن زهيرا جاءه الشعر من قبل بشامة بن الغدير.

قال بشامة:

يا قومنا لا تسومونا التي كرهت

 

إن الكرام إذا ما أكرهوا غشموا

لا تظلمونا ولا تنسوا قرابـتـنـا

 

إطوا إلينا فقد ما تعطف الرحم

لا ترجعن أحاديثا وتنتـهـكـوا

 

منا محارمنا قد تتقى الـحـرم

ولا يكن لكم يا قومـنـا مـثـلا

 

فيما مضى من زمان سالف جلم

 وقال أيضا:

إن الخليط أجد البين فابتكروا

 

لنية ثم ما عاجوا وما انتظروا

 

زموا الجمال وقالوا: إن مشربكم

 

ماء بكلية لا مـلح ولا كدر

ما كان بينهـم إلا مجاهرة

 

أشفقـت منهـا فماذا زادك الحذر؟

استقبلوا المسـقط الشرقي يحفزهم

 

في السير أشوس فيه الفحش والضجر

كأن ظعنـهم والآل يرفعهـا

 

نخل المشـقر أو ما رببـت هجر

ما زلت أرمقهم في الآل مرتفعا

 

حتى تقطع دون الجيرة البـصـر

فاقر الهموم التي نابت مـذكـرة

 

وشواشة سرحا في دفهـا زور

تذرى الحصى رثما من تحـت منسـمها

 

كما يرض سوادى القرى حـجـر

تمر جثلا علـى الحاذين ذا خصل

 

كالعذق لا كـشف فيه ولا زعـر

كأن أوب ذراعـيها إذا انحدرت

 

وأحرز الظل في أعدائه الشـجـر

أوب ذراعي لجوج جاد واحدهـا

 

حتى إذا ما انتهى أودى به الـقدر

فأبلغن قومنا إن جئتهـم عـذرا

 

عنا وهل ينفعهـم عندنـا عـذر

إنا نذكرهـم بـالله واحدة

 

وبالقرابة والأخرى التـي وذروا

حسن البلاء وأياما لنا سلـفـت

 

يبيض منهـا إذا ما تذكر الـشـعر

فلا تعدوا علينـا الزور وارتدعوا

 

فإن عندكم من مسـنا خـبـر

لا تبطروا السـلم واستأنـوا بإخوتكم

 

إن الندامة تعدو سبقهـا البطـر

وإن فينا صبوحا غير ممتـزج

 

يصرى الدماء عليه الصاب والصبر

فينا فتو وفينـا سادة حـشـد

 

عند الصباح وفينا جامل عكـر

كم من رئيس فريناه بأجمعه شرفية حتى يعدل الصعر

 

 

           

وقال أيضا:

نحن الفوارس يوم الشعب ضاحية

 

والضاربون على ما كان من ألم

والمعلمون وعظم الخيل لاحـقة

 

مبثوثة كعجيم تـر عـن جـرم

هلا سألت وقول الحق أصدقـه

 

عنا وعنكم وعن من نلق بالرقـم

أنا جدعنا بصغر من أنـوفـكـم

 

أنفا أشم فأمسى حق مصطـلـم

يا عام لا تفسد الدعوى وقد تركت

 

منكم عصائب بين العرج والرخم

مالت عليهم لغيظ غبية بـركـت

 

فيهم أحاديثهم في الناس كالحلـم

وقال أيضا:

ونبئت قومـي ولـم ألـقـهـم

 

أجدوا على ذي شويس حلـولا

فإنكـم وعـطـاء الـرهـان

 

إذا جرت الحرب جلا جلـيلا

كثوب ابن بيض وقـاهـم بـه

 

فسد على السالكين السـبـيلا

فإما هـلـكـت ولـم آتـكـم

 

فأبلغ أماثـل سـهـم رسـولا

بأن التي سامـكـم قـومـكـم

 

هم جعلوها علـيكـم عـدولا

هوان الحياة وخزي المـمـات

 

وكلا أراه طـعـامـا وبـيلا

فإن لم يكن غير إحـداهـمـا

 

فسيروا إلى الموت سيرا جميلا

ولا تهـلـكـوا وبـكـم مـنة

 

كفى بالحوادث للمـرء غـولا

والثالث شبيب بن البرصاء، وهو الذي يقول:

أنا ابن برصاء بـهـا أجـيب!

 

هل في هجان اللون ما تعيب؟

واسمه: شبيب بن يزيد بن جمرة بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة، وأمه البرصاء بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة.

وقال:

يدل علينا الجار آخر قـبـلـه

 

وأحلامنا معروفة وسـدادهـا

وجاراتنا مادمن فينـا بـعـزة

 

كاروى ثبير لا يحل اصطيادها

ترى إبل الجار الغريب كأنهـا

 

بمكة بين الأخشبين مـرادهـا

يكون علينا نقصها وضمـاهـا

 

وللجار إن كانت تزيد ازديادها

وقال أيضا:

هل عند سعدى ابنة العمري من زاد

 

أم هل لعان لديها مـوثـق فـادي

قامت تراءى لنا سعدى فقلت لهـا:

 

ماذا تريدين من قتلي وإقصـادي؟

أبدت ترائب عـبـلات وسـالـفة

 

وجيد مغـزلة مـن خـير أجـياد

حالي الترائب والذفري عقـدن بـه

 

من لؤلؤ وجـمـان غـير أفـراد

تبدو وساوس منها كلما ارتـفـقـت

 

هز الجنوب استخفت عشرق الوادي

في ضامر الكشح والأحشاء تحسبـه

 

مما تخضد مـنـه طـي أسـنـاد

منها إلى كـفـل نـهـد روادفـه

 

مرتجة كارتجاج الـدعـص مـياد

ووارد كعـذوق الـنـخـل زينـه

 

من الجداول لا زعـر ولا كـادي

طال اتباعي أمورا ما تجـود بـهـا

 

حتى يئست فهبنـي غـير مـزداد

ثم استمرت ولم تقض التي وعـدت

 

لا يهنئنك إذ أخلـفـت مـيعـادي

دعها لشأنك وانظر أنت كيف تـرى

 

شأن أمـرأين ذوي مــال وأولاد

إني امرؤ لي رواب لا يشقـقـهـا

 

سيل الأتي ولا تسـطـاع أو تـادي

إن المكارم والأحـسـاب عـودهـا

 

من آل مرة: أعمامـي وأجـدادي

أنا ابن عوف! ومني، إن فخرت بهم

 

بنو سنان ومـسـعـود بـن شـداد

         

وقال أيضا:

ماذا تلمس سلمى في معرسنـا؟

 

كر الغريم لدين كان قد وجبـا

أوكر صاحب ذي الأوجاع مسنده

 

إذا تأوه ألقى فوقه الـهـبـبـا

ألم تكن زعمت بالله مسـلـمة؟

 

ولم تكن هي مما قضت الأربا

فلا يحل لسلمى أن تـؤرقـنـا

 

بعد المنام ولو كنا لها نصـبـا

وقال أيضا:

كأن ابنة العذري يوم بدت لـنـا

 

بواد القرى، روعى الجنان سليب

من الأدم ضمتها الحبال فأفلتـت

 

وفي الجسم منها علة وشحـوب

حدثني أبو عبيدة قال: خطب شبيب بن البرصاء إلى نهر بن علي بن جابر، أحد بني غيظ بن مرة، فقال: نعم أزوجك. قال شبيب: أؤامر أخي. فقال: أتؤامر رجلا في تزويجك! والله لا أزوج رجلا لا يملك أمره! فقال شبيب:

لعمر ابنة المرى! ما أنا بالـذي

 

له أن تنوب النائبات ضـجـيج

وقد علمت أفناء مـرة أنـنـي

 

إلى الضيف قوام السنات خروج

وإني لأغلى اللحم نـيا وإنـنـي

 

لممن يهين اللحم وهو نـضـيج

إذا المرضع العوجاء باتت يعزها

 

على ثديها ذو ودعتين لـهـوج

والرابع: قراد بن حنش بن عمرو بن عبد الله بن عبد العزي ابن صبح بن سلامة بن مرة.

قال محمد بن سلام: فحدثني أبو عبيدة قال: كان قراد بن حنش من شعراء غطفان، وكان قليل الشعر جيده، وكانت شعراء غطفان تغير على شعره فتأخذه فتدعيه، منهم زهير بن أبي سلمى، ادعى هذه الأبيات:

إن الـرزية لا رزية مـثـلـهـا

 

ما تبتغي غطفـان يوم أضـلـت

إن الركاب لتبـتـغـي ذا مـرة

 

بجنوب نخل إذا الشهور أحـلـت

ولنعم حشو الدرع أنـت لـنـا إذا

 

نهلت من العلق الرماح وعلـت

ينعون خير الناس عـنـد كـريهة

 

عظمت مصيبتهم هناك وجـلـت

فوارس كالنيران يحمون نـسـوة

 

عقائل لم يدنسن بيض المحاجـر

إذا ما نسبن ينتسبن إلـى الـذرى

 

لبدر بن عمرو أو لعمرو بن جابر

وعودن أن يعبأن حصـا وفـارة

 

ذكيا وما عودن نسج الـغـرائر

وما هن من سعد بن ذبيان كلـهـا

 

ولا من مواليها حميس بن عامـر