طبقات الشعراء الإسلاميين - الطبقة التاسعة

رجاز، منهم: الأغلب العجلي، وكان مقدما، يقال إنه أول من رجز.

وأبو النجم، واسمه الفضل بن قدامة بن عبيد بن محمد بن عبيد الله بن عبدة بن الحارث بن إياس بن عوف بن ربيعة بن مالك بن ربيعة بن عجل.

والعجاج، واسمه عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر بن كثيف بن عمرو بن حني بن ربيعة سعد بن مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم.

ورؤبة بن العجاج.

قال محمد بن سلام، حدثني الأصمعي قال: كانت للأغلب سرحة يصعد عليها ثم يرتجز فقال:

قد عرفتني سرحتي وأطـت

 

وقد شمطت بعدها واشمطت

قال: فاعترض له رجل من بني سعد، ثم أحد بني الحارث بن عمرو ابن كعب بن سعد، فقال له:

قبحت من سالـفة ومـن قـفـا

 

شيخ إذا ما رسب القوم طـفـا

كما شرار الرعي أطراف السفا

 

 

قال: وأنشدنا للأغلب في سجاح، لما تزوجت مسيلمة الكذاب:

قد لقيت سجاح من بعد العـمـى!

 

تاح لها بـعـدك حـزاب وزي

ملوحا في العين مجلـوز الـقـرا

 

مثل الفنيق في شبـاب قـد أنـى

من اللجيميين أصحـاب الـقـرى

 

ليس بـذي واهـنة ولا نـســا

نشا بخبز وبلحم مـا اشـتـهـى

 

حتى شتا تنتـح ذفـراه الـنـدى

خاظي البضيع لحمه خظا بـظـا

 

كأنما جمع من لحم الـخـصـي

إذا تمطـى بـين بـرديه صـأى

 

كأن عـــــرق أيره إذا ودى

حبل عجوز ضفرت سبـع قـوى

 

يمشي على قوائم خمس خـسـا

يرفع وسطاهن من برد النـدى

 

 

قالت: متى كنت أبا الخير؟ متى؟

 

قال: حديثا لم يغيرني الـبـلـى

ولم أفارق خلة لـي مـن قـلـي

 

فانتشغت فيشتـه ذات الـشـوي

كأن في أجيادها سـبـع كـلـى

 

ما زال عنها بالحديث والمـنـى

والحلف السفساف يردى في الردى

 

قال: ألا ترينـه؟ قـالـت: أرى!

قال: ألا أشيمه؟ قالـت: بـلـى!

 

فشام فيها مثل محراث الغضـى

تقول لما غاب فيهـا واسـتـوى:

 

لمثلها كنت أحسـيك الـحـسـى

يبرى لها كينا كأطراف الـنـوى

 

وقد تطلت حين هـمـا وأدنـى

من طيب مصان الذي كان اشترى

 

تقذف عيناه بعلك المصطـكـى

قال: وحدثني أيضا أنه كان يقول إن هذه القصيدة في الجاهلية لجشم بن الخزرج.

وقال أيضا:

نحن وردنا واديى جـلاجـل

 

بجحفل جم الوغى مـن وائل

عند اختلاف الأسل النواهـل

 

في ديلم يزحف بالقـنـابـل

في جذم عجل في العديد الذائل

 

ومن بني شيبان غير خامـل

والخيل تعدو بالوشيج الذابـل

 

تحت قتام الغبر القسـاطـل

في حسب بخ وقبص كامـل

 

وعدد كالدبر غـير جـافـل

وقال أيضا:

إن لنـا شـابـكة وعـورا

 

لا يملك الناس لها تغـييرا

نحن إذا الداعي دعا ثبـورا

 

ولم يجد مجاور مـجـيرا

قمنا بحد لم يكـن عـثـورا

 

وشزب قد طويت شهـورا

حتى انطوت أقرابها ضمورا

 

يهوين بالمستلـئمـين زورا

فهي تباري منهبا طحورا

 

 

الثاني: أبو النجم. فحدثني أبي سلام قال: دخل أبو النجم العجلي على هشام بن عبد الملك فقال: كيف رابك يا أبا النجم في النساء؟ قال: مالهن عندي خير، وما أنظر إليهن إلا شزرا، ولا ينظرن إلى إلا خزرا. قال: فما ظنك بأمير المؤمنين؟ قال: ظني بنفسي! قال: لا علم لك يا أبا النجم. ثم أرسل إلى جوار له، فسألهن عما ظن أبو النجم. فقلن: يا أمير المؤمنين، وما علم هذا؟ ثم أقبلن على أبي النجم، فقلن له: يا أعرابي، أتقول هذا لأمير المؤمنين، وليس منا امرأة تصلي إلا بغسل منه؟ فقال هشام: يا أبا النجم، دونك هذه الجارية - لواحدة منهن - فأخذ بيدها، ثم أمره أن يغدو عليه بخبرها، فغدا عليه ولم يصنع شيئا. فلما رآه قال: ما صنعت يا أبا النجم؟ قال: ما صنعت شيئا ولقد قلت في ذلك شعرا، قال: وما هو؟ قال: قلت:

نظرت فأعجبها الذي في درعها

 

من حسنه ونظرت في سرباليا

فرأت لها كفلا ينوء بخصرهـا

 

وعثا روادفه وأخـثـم نـاتـيا

ضيقا يعض بكل عـرد نـالـه

 

كالقعب أوصرح يرى متجافيا

ورأيت منتشر العجان مقبضـا

 

رخوا حمائله وجلـدا بـالـيا

أدني له الركب الحليق كأنـمـا

 

أهدي إليه عقاربـا وأفـاعـيا

إن الندامة والسدامة فاعلـمـن

 

لو قد صبرتك للمواسي خالـيا

ما بال رأسك من ورائي خالفـا

 

أظننت أن حر الفـتـاة ورائيا

فاذهب فإنك ميت لا ترتـجـى

 

أبد الأبيد ولو عمرت لـيالـيا

أنت الغرور إذا خبرت وربمـا

 

كان الغرور لمن رجاه شافـيا

قال: فضحك هشام، وأمر له بجائزة.

وقال أيضا:

الحمد لله الوهوب المجـزل

 

أعطي فلم يبخل ولم يبخـل

كوم الذرى من خول المخول

 

تبقلت من أول التـبـقـل

بين رماحي مالك ونهـشـل

 

يدفع عنها العز جهل الجهل

يريد: مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، ونهشل بن دارم. ويروى عن أبي النجم أنه قال: "بين رماحي دارم" وهم حي من بني تيم الله بن ثعلبة، ونهشل من بني عجل.

قال: وكان أبو النجم ربما قصد فأجاد، ولم يكن كغيره من الرجاز الذين لم يحسنوا أن يقصدوا، وكان صاحب فخر وبذخ وهو الذي يقول:

علق الهوى بحبائل الشـعـثـاء

 

والموت بعض حبائل الأهـواء

ليت الحسان إذا أصبن قلوبـنـا

 

بالداء جدن بنـعـمة وشـفـاء

لشم عنـدي بـهـجة ومـلامة

 

وأحب بعض ملاحة الذلـفـاء

وأرى البياض على النساء جهارة

 

والعتق تعرفه علـى الأدمـاء

والقلب فيه لـكـلـهـن مـودة

 

إلا لـكــل دمـــيمة زلاء

فلئن فخرت بوائل لقد ابتـنـت

 

يوم المكارم فوق كـل بـنـاء

ولئن خصصت بني لجيم إنـنـي

 

لأخص مكرمة وأهل غـنـاء

قوم إذا نزل الفظيع تحـمـلـوا

 

حسن الثناء وأعظـم الأعـبـاء

ليست مجالسنا تـقـر لـقـائل

 

زيغ الحديث ولا نثا الفحـشـاء

محمد بن سلام، عن يونس - وحدثني أبي سلام ببعض هذا الحديث -، قال: اجتمع شعراء العرب عند سليمان بن عبد الملك فأمرهم أن يقول كل رجل منهم قصيدة يذكر فيها مآثر قومه ولا يكذب. ثم جعل لمن برز عليهم جارية مولدة. فأنشدوه، وأنشد أبو النجم حتى أتى على قوله:

عدوا كمن ربع الجيوش لصلبه

 

عشرون وهو يعد في الأحياء

فقال سليمان: أشهد، إن كنت صادقا، إنك لصاحب الجارية! فقال: أبو النجم: سل الملأ عن ذلك يا أمير المؤمنين. قال الفرزدق: أما أنا فأعرف منهم ستة عشر، ومن ولد ولده أربعة، كلهم قد ربع. فقال سليمان: ولد ولده هم ولده، ادفع إليه الجارية.

وقال أبو النجم في نعت الفرس:

في ذي شكيم عضـه يرمـلـه

 

ثم تناولنا الـغـلام نـنـزلـه

عن متن سامي الطرف ما يعلله

 

والسوط في يمينه ما يعمـلـه

يجول في أشطانه ويسـعـلـه

 

تعمج الماء يفـيض جـدولـه

فوافت الخيل ونحن نشـكـلـه

 

كل مكب الجري أو منعثـلـه

والضرب يحشوها بربو تسعلـه

 

والجن عكاف به تـقـبـلـه

وهو نشيط النفس حر طللـه

 

 

أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي إجازة، عن محمد بن سلام قال، قال أبو عمرو بن العلاء: "كان أبو النجم أبلغ في النعت من العجاج" (الأغاني).

أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلام قال، قال عامر بن عبد الملك المسمعي: "كان رؤبة وأبو النجم يجتمعان عندي، فأطلب لهما النبيذ، فكان أبو النجم يتسرع إلى رؤبة حتى أكفه عنه" (الأغاني).

والثالث: العجاج. وإنما اكتفينا من نسبة، لشهرة اسمه وبعد ذكره، وأنا لم نجد شاعرا له اسمه غيره، وكما قال الشاعر:

أحب من النسوان كل قصيرة

 

لها نسب في الصالحين قصير

يقول: تعرف بأبيها الأدنى، لشرف أبيها وشرفها.

قال محمد بن سلام الجمحي، فحدثني أبو الغراف قال: لما توجه عمر بن عبيد الله بن معمر إلى أبي فديك الشاري امتدحه العجاج فقال:

قد جبر الدين الإله فـجـبـر

 

وعور الرحمن من ولى العور

يعني أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وذاك أنه توجه إلى أبي فديك فهزمه. فكتب في ذلك إلى عبد الملك بن مروان، فقال لعمر بن عبيد الله بن معمر: أرأيتك لو كان بين عيني وتد أكنت تنزعه؟ قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين! قال: فهذا أبو فديك وتد بين عيني، فاخرج إليه. قال: أعفني يا أمير المؤمنين. فلما أبى عليه قال: ارفع إلينا ما جرى على يديك من خراج فارس. فأقر له بالخروج فتلقاه العجاج وهو متوجه إلى أبي فديك، فلما قال:

هذا أوان الجد إذ جد عمـر

 

وصرح ابن معمر لمن ذمر

قال عمر: لا قوة إلا بالله. فلما قال:

لا قدح إن لم تور نارا بهجر

 

ذات سنا يوقدها من افتخر

قال عمر: توكلت على الله، ولن أدع جهدا. فلما قال:

شهادة فيها طهور من طهر

فكأن عمر تطير من ذلك، ثم قال: ما شاء الله.

وقال العجاج:

يا رب رب البيت والمشـرق

 

والمرقلات كل سهب سملـق

إياك أدعو فتتقبـل مـلـقـى

 

واغفر خطاياى وثمر ورقـى

إنا إذا حرب غدت لا نتـقـى

 

دينا ولا مستأخرا لم يلـحـق

نرد حد الناب منـهـا الأروق

 

في كل عام كاللياح الأبـلـق

فقد علمته عصبة الـمـروق

 

ورهط شؤبوب ورهط الخندق

والحمس قد تعلم يوم مـلـزق

 

أنا نقي أحسابنا ونـعـتـقـي

بالمشرفيات افتخار الأحمـق

 

 

"شؤبوب" و "خندق"، رجلان، و "الحمس"، يعني قريشا.

وقال أيضا:

الحمد لله العـشـى والـضـحـى

 

والحمد لـلـه فـمـا شـاء أتـى

أسأل رب الناس هديا بـالـهـدى

 

هو الذي أنـزل آيات الـتـقـى

بل لو سألت خابـرا عـمـا أتـى

 

عن جمع بكر إذ حساما قد حسـا

وجمع عبد القـيس إذ لاقـى ثـأي

 

ضافا علينا وسعى حيث سـعـى

لاقى جـوادا فـعـلاه إذ جـرى

 

وعن فوق شأوه حتـى ارعـوى

وبينما هم ينظرون المنـقـضـي

 

منـا إذا هـن أراعـيل ربــي

مثل جراد الدبر مـن كـل لـوى

 

من كل شقاء ومنشـق الـنـسـا

ساط إذا ابـتـل رقـيقـاه نــدا

 

شديد جلز الصلب معصوب الشوى

كالكر لاشـخـت ولا فـيه لـوى

 

وطرفة نبـرى لـه إذا انـبـرى

جرداء سرحوب إذا بـاعـت ردى

 

نأي ولن يسـبـقـهـا وإن نـأى

أضر بالخيل الغوار فـانـطـوى

 

منها الكشوح فهي أمثال الـنـوى

مستقدمات جحفلا جـم الـوغـى

 

كثير مجرى المقربات والحـصـا

ذا لجب يسرح من حيث اغـتـدى

 

حتى توارت شمسه وما انقضـى

ينكر ذو الحاجة منه ما ابـتـغـى

 

حيران لا يشعر من حـيث أتـى

عن قبص من لاقى أخاس أم زكـا

 

غرق في القمقام أم لاقى هـوى

والرابع: رؤبة بن العجاج، ويكنى أبا الجحاف، وهو أول من قال في تقصير الاسم، وتخفيف عدد النسب، فقال:

قد رفع العجاج ذكري فادعنـي

 

باسمي إذا الأسماء طالت يكفني

ورؤبة أكثر شعرا من أبيه. وقال بعضهم: إنه أفصح من أبيه. ولا أحسب ذلك حقا، لأن أباه قد أخذ عليه في قصيدته التي أولها:

وقاتم الأعماق خاو المخـتـرق

 

مشتبه الأعلام لماع الـخـفـق

يكل وفد الريح من حيث انخرق

 

 

ثم قال فيها:

مضبورة قرواء هرجاب فنق

فضم، وأولها مفتوح.

وقال أيضا يمدح سلم بن قتيبة الباهلي:

يا سلم أعلى كعبك الـقـدوس

 

على عدي أوبقهـم إبـلـيس

يوم بني المهـلـب الـبـئيس

 

أصلاهم ما تصطلي المجوس

إذ صبحتهم فـيلـق رجـوس

 

ملمـومة ذفـراء دردبـيس

وصبحت سفيانها النـحـوس

 

جرت بذاك اللجم العطـوس

فصبحتهم برحا مـلـطـيس

 

فلا يحس منهـم حـسـيس

قد علم العالـم والـقـسـيس

 

أن امرءا حاربكم ممسـوس

بئس الخليط الجرب المدسوس

 

بكم يداوي الفقم الشـخـيس

وهذه طويلة وقال فيه أيضا:

يا سلم قد عرفك التعريف

 

حقا وأنت المسلم الحنيف

وقال أيضا:

يا سلم يا ابن الأكرمين شجرا

 

حيا عروقا في الثرى وثمرا

أخبرني أبو خليفة في كتابه إلى، عن محمد بن سلام، عن أبي زيد الأنصاري والحكم بن قنبر قالا: كنا نقعد إلى رؤبة يوم الجمعة في رحبة بني تميم، فاجتمعنا يوما، فقطعنا الطريق، ومرت بنا عجوز، فلم تقدر على أن تجوز في طريقها، فقال رؤبة:

تنح للعجوز عن طـريقـهـا

 

إذ أقبلت رائحة من سوقـهـا

دعها فما النحوي من صديقها

 

 

أخبرني أبو خليفة في كتابه، عن محمد بن سلام، عن يونس قال: غدوت يوما، أنا وإبراهيم بن محمد العطاردي، على رؤبة، فخرج إلينا كأنه نسر، فقال له ابن نوح: يا أبا الجحاف، أصبحت والله كقولك:

كالكرز المشدود بين الأوتـاد

 

ساقط عنه الريش كر الإبراد

فقال له رؤبة: يا ابن نوح ما زلت لك ماقتا! فقلت: بل أصبحت يا أبا الجحاف كما قال الآخر:

فأبقين منه وأبقى الـطـرا

 

د بطنا خميصا وصلبا سمينا

فضحك وقال: هات حاجتك.

قال ابن سلام: ووقف رؤبة على باب سليمان بن علي يستأذن، فقيل له: قد أخذ الإذريطوس. فقال رؤبة:

يا منزل الوحي علـى إدريس

 

ومنزل اللعن على إبـلـيس

وخالق الاثنين والـخـمـيس

 

بارك له في شرب إذريطوس

أخبرني أبو خليفة في كتابه إلى، عن محمد بن سلام، عن عبد الله بن محمد بن علقمة الضبي قال: خرج شاهين بن عبد الله الثقفي برؤبة إلى أرضه، فقعدوا يلعبون بالنرد، فلما أتوا بالخوان قال رؤبة:

يا إخوتي جاء الخوان فارفعوا

 

حنانة كعابـه تـقـعـقـع

لم أدر ثلاثـهـا والأربـع

 

 

قال: فضحكنا ورفعنا، قدم الطعام.

وقال ابن سلام، عن يونس قال لي رؤبة: حتى متى تسألني عن هذه الأباطيل وأزوقها لك؟ أما ترى الشيب قد بلغ في رأسك ولحيتك!!.