طبقات الشعراء الإسلاميين - الطبقة العاشرة

أربعة رهط: مزاحم بن الحارث العقيلي ويزيد بن الطثرية، والطثرية أمه: وهو يزيد بن المنتشر، أحد بني عمرو بن سلمة بن قشير. والطثرية، نسب إلى حي من قضاعة يقال لهم: طثرة، فنسب إليها.

وأبو داود الرواسي، أحد بني رواس بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة.

والقحيف بن سليم العقيلي.

قال محمد بن سلام، فحدثني أبو عبيدة: أن مزاحم بن الحارث العقيلي كان رجلا غزلا، وكان شجاعا، وكان شديد أسر الشعر حلوه، وكان مع رقة شعره صعب الشعر هجاء وصافا.

وقال في يوم أغار عليهم دهر الجعفي في قبائل مذحج وهمدان، ومعه علقمة الجعفي، فسبوا وغنموا، وأصابوا إبلا كثيرة، فاتبعتهم بنو كعب ثلاثا، ثم رجع بعض القوم، ومضى عقال بن خويلد في بني عقيل، فجعل يندى أبعار الإبل ببوله، ثم يرى أصحابه البعر نديا، ويقول لأصحابه: ما أقربكم منهم! حتى ورد عليهم النخيل في يوم قائظ، ورأس دهر في حجر جارية من بني بجلة تفليه متوسدا قطيفة، فكأن الجارية أحست نفسها بالطلب، فجعلت تضفر شعره بهدب القطيفة، فلم ينتبه إلا بالخيل. فكان أول من لقى دهرا هبيرة بن النفاضة، فضرب وجهه دهر بقوسه، فهشم وجهه، ولحقه عقال بن خويلد فطعنه فنثر بطنه، فسال من بطنه البرير مطبوخا، فقتلت جعفي ومن معها في ذلك الجيش، وهزمت هزيمة فاحشة، فقال مزاحم بن الحارث في ذلك اليوم:

منا الذين استنشطوا الأمر جهرة

 

يقدمهم عاري الأشاجـع أروع

على أثر الجعفي دهر وقد أتـى

 

له منذ ولى يسحج السير أربـع

بسير طراحي ترى من نـجـائه

 

جلود المهارى بالندى الجون تنتع

فما ذاق طعم النوم حتى تفرجت

 

جبال وليل والنجـائب تـقـرع

عن الحي من عليا حريم وفيهـم

 

سوام وسبى من سلـيم مـوزع

طلوع نجاد القوم ما يسـتـفـزه

 

جنان وما يغتاله الدهر يفـجـع

وقال أيضا:

خليلي عوجا بي على الربع نـسـأل

 

متى عهده بالظاعن المـحـتـمـل

فإن تعجلاني بانصراف أهجـكـمـا

 

على عبرة أو ترق عـين مـعـول

فعجت وعاجا فوق صحراء غادرت

 

بها الريح جولان التراب المنـخـل

وما هاجه من دمنة بـان أهـلـهـا

 

وأمست قوى بين الحصير ومحبـل

ألا لا تـذكـرنـي أمـيمة إنـــه

 

متى ما يراجع ذكرها القلب يجهـل

وتعلم ريعات الهـوى أن حـبـهـا

 

تتبع مني كل عظـم ومـفـصـل

كما تبعت صرف عـقـار مـدامة

 

مشاش المروى ثم لمـا تـنـصـل

ويوم تلافيت الصبـا أن يفـوتـنـي

 

بصهباء تطوي نفنف البعد عنـسـل

تلاعب حاذيها وتـطـرح الـشـذا

 

بأصهب ضاف سابـغ الـمـتـذيل

تنيف به طورا وطـورا تـخـالـه

 

مخاريق بالأيمان أو نفح مـشـمـل

لها ورك كالجوب شـدت فـقـاره

 

حبت قدما ما في مكمن الخلق مكمل

وله:

كأني وعبد الله لم تسـر بـينـنـا

 

أحاديث يثنى سالف الدهر لينهـا

 

ولم نطلب دون الحجون ظعائنـا

 

تبارى بها أدم المهارى وجونهـا

 

ظعائن من عليا نمير بن عـامـر

 

مصححة الأجساد مرضى عيونها

 

تنكرن من أنسى فلمـا عـرفـنـنـي

 

بدت كل مبهـاج أغـر جـبـينـهـا

وقلن: اعجلا لا عين نخشى وأبـشـرا

 

بليلة سعد غاب عنهـا ظـنـونـهـا

فجئنا كما انقض القـرينـان أشـرفـا

 

على خلوة ناء من الـحـي بـينـهـا

فبتنا نـدامـى لـيلة لـم نـذق بـهـا

 

حراما ولم يبخل بحـل ضـنـينـهـا

صفاحا بأيمـان نـرى أن مـسـهـا

 

شفاء الصدى من غلة طال حـينـهـا

وبـتـنـا وأيدينـا وسـاد وفـوقـنـا

 

رياط وعالي بـركة لانـصـونـهـا

فلما بدا ضوء من الصـبـح سـاطـع

 

عصى خلة لـم ينـج إلا قـرينـهـا

بدت زفرات الحب مـن كـل وامـق

 

ومحجوبة لم تعط صبرا بـعـينـهـا

فأصبحن صرعى في الحجال وأصبحت

 

بنا العيس بالموماة جعدا لـجـينـهـا

           

والثاني: يزيد بن الطثرية. قال محمد بن سلام، حدثني أبو الغراف قال: كان يزيد بن الطثرية صاحب غزل ومحادثة للنساء، وكان ظريفا جميلا، ومن أحسن الناس كلهم شعرة. وكان أخوه ثور رجلا سيدا كثير المال والنخل والرقيق، وكان متنسكا كثير الحج والصدقة. وكان كثير الملازمة لإبله ونخله، فلا يكاد يلم بالحي إلا وقعة، وكانت إبله ترد مع الرعاء على أخيه يزيد بن الطثرية فتسقى على عينه. فبينا يزيد مارا في الإبل وقد صدرت عن الماء، إذ مر بخباء فيه نسوة من الحاضر، فلما رأينه قلنا: يا يزيد، أطعمنا لحما. قال: أعطينني سكينا. فأعطينه، فنحر لهن ناقة من إبل أخيه. وبلغ الخبر أخاه، فأقبل، فلما رآه أخذ بشعره وفسقه وشتمه، فأنشأ يزيد يقول:

ياثور ولا تشتمن عرضي فداك أبي

 

فإنما الشتم لـلـقـوم الـعـواوير

ما عقر ناب لأمثال الدمـى خـرد

 

عون كرام وأبكار مـعـاصـير؟

عكفن حولي يسألن القـرى أصـلا

 

وليس يرضين مني بالـمـعـاذير

هبهن ضيفا عراكم بعد هجعتـكـم

 

في قطقط من سقيط الليل منثـور

وليس قربـكـم شـاء ولا لـبـن

 

فيرحل الضيف عنكم غير محبور؟

ما خير واردة لـلـمـاء صـادرة

 

لا تنجلي عن عقير الرجل منحور؟

وقال أيضا في امرأة كان يتحدث إليها ويعجب بها، فبينا هو عندها، إذا حدث لها سواه قد طلع عليها، ثم جاء آخر، فلم يزالوا كذلك حتى تموا سبعة وهو الثامن، فقال:

أرى سبعة يسعون للوصل كلـهـم

 

له عند ليلـى دينة يسـتـدينـهـا

فألقيت سهمي وسطهم حين أوخشوا

 

فما صار لي من ذاك إلا ثمينهـا

وكنت عزوف النفس أشنأ أن أرى

 

على الشرك م ورهاء طوع قرينها

فيوما تراها بـالـعـهـود وفـية

 

ويوما على دين ابن خاقان دينهـا

يدا بيد من جاء بالعـين مـنـهـم

 

وإن لم يجئ بالعين حيزت رهونها

وقال فيها وقد صارمها:

ألا بأبا من قد برى الجسـم حـبـه

 

ومن هو مومـوق إلـى حـبـيب

ومن هـو لا يزداد إلا تـشـوقـا

 

ولـيس يرى إلا عـلـيه رقـيب

وإني وإن أحموا على كـلامـهـا

 

وحالت أعـاد دونـهـا وحـروب

لمثن علـى ريا ثـنـاء يزينـهـا

 

قواف بأفـواه الـرواة تـطـيب

أريا! احذري نقض القوى لا يزل لنا

 

على النأي والهجران منك نصـيب

وكوني على الواشين لداء شـغـبة

 

كما أنا للـواشـي ألـد شـغـوب

فإن خفت أن لا تحكمي مرة القوى

 

فردي فـؤادي والـمـرد قـريب

والثالث: أبو دواد الرواسي. قال محمد بن كعب ونمير بن عامر، فلم يقم لهم بنو عقيل، وجعلت نمير تسرف عليهم. فلما رأت ذلك بنو كعب وبنو كلاب وما تلقى عقيل من بني نمير، أجمعوا على قتال بني نمير. فارتحلت نمير ليلحقوا ببني سعد بن زيد مناة، فلحقتهم كلاب فردتهم، وتحملوا ما كان لهم من دم في بني كعب، ووهبوا لهم ما كان فيهم، فقال أبو داود:

دفعنا والأحبة من دفعنا

 

وكنا ملجأ لبني نمـير

حوينا حجرنا لهم فحلوا

 

إلينا بعد تظعان وسير

وكان الرأس يوم قراص منا

 

ومنا الرأس يوم أبي عمير

فإن ذهب العمى وأمنتموهم

 

فلا تستبدلوا أخـيال طـير

صديق كلما كنتـم بـشـر

 

وأعداء إذا كنتـم بـخـير

وقال أيضا في وقعتهم بمذحج:

ألاهل أتاك ما لقيت قنـان

 

وما لقيت ببلدتها صـداء؟

وما لاقيت بنو الديان منـا

 

غداة تضج بالخبر الثنـاء؟

أتانا أن بالخرماء منـهـم

 

سوامهم ودون الفيف شاء

وأن بها قراضبة غساسـا

 

يدبر أمر سادتها النـسـاء

فوجهنا كتائب غـير مـيل

 

ولا كشف إذا كره اللقـاء

وأفلتنا المحجل في صـلاه

 

طرير الحد ينهاه اللـواء

وغادرنا بني الديان صرعى

 

كأن رؤوس سادتها الغثاء

فغودر منهم لما التـقـينـا

 

بمعترك تمور به الدمـاء

أبو خلف وصاحبه ووهب

 

ورداد وفارسهـم عـداء

وذو الرمحين أحمر قد أتاه

 

فداء ثم إن نفع الـفـداء

تنادوا نحونا ودعوت قومي

 

كلابا والأمور لهـا بـداء

فآب لنا شريك حيث أبـنـا

 

جنيبا لا يراد به الـغـلاء

فأنعمنا هناك على شـريك

 

وكنا من سجيتنا الحـبـاء

وقال أبو دواد أيضا:

لليلى خيال قـل مـا يتـعـرج

 

يهيج من أحزاننـا مـا يهـيج

يؤرق أصحابي وبيني وبينـهـا

 

مناكب رعم فالنباح فـأخـرج

وعهدي بها والدار تجمع أهلهـا

 

لها مقلتا ريم وخلـق خـدلـج

تواصل أحيانا وتـصـرم تـارة

 

وشر الأخلاء الخليل الممـزج

كأنا توافينا مع اللـيل مـغـزل

 

من الأدم جماء المدامع عوهـج

تظل بأجزاع الـمـرير مـربة

 

وسال عليها من فجيرة أشـرج

فإن تك أضحت بعد ساكن غبطة

 

بها العين ترعى والظليم السفنج

فكل جميع صـائر لـتـفـرق

 

وكل جديد لا محالة مـنـهـج

ونحن منعنا بطن مـج وحـائل

 

وأبلى من الأعداء حتى تفرجوا

بحي حلال لا تكاد تـجـيرهـم

 

وضاج ونفؤ والبطاح فمنـعـج

نقاذف بالأسياف عبسـا وطـيئا

 

وقد أحجمت عنا تميم ومذحـج

بعزو كولغ الـذئب غـاد ورائح

 

وسير كصدر السيف لا يتعترج

بكل جواد مشرف حجبـاتـهـا

 

تشاركت الرعشاء فيها وأعوج

ونحن حبسنا الجيش عنا وقد بـدا

 

لهم نعم حوم بعثران مـحـدج

فما انصرفوا بقيا ولكن نهـاهـم

 

حصيفان منهم حاسر ومدجـج

وقد سد فيف الريح جأواء فيلـق

 

وألفان أو ألف من الرجل يدرج

ونحن أباة الخسف في كل موطن

 

إذا كان يوم ذو كواكب مرهـج

فتلك نمير ثم لم تـغـن نـقـرة

 

وقالت: هلا أهل إليكم مـولـج

ولما رأينا أنما سـعـينـا لـنـا

 

وقد يفلح الساعي المجد ويفلـج

وكنا بني أم حمـينـا ذمـارنـا

 

ولم يك فينا العاجز المتـزلـج

سيخبر عن أيامـنـا وبـلائنـا

 

وشداتنا في الحرب حدج وحندج

"حدج" و "حندج"، ابنا البكاء بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

والرابع: القحيف. قال محمد بن سلام، حدثني أبي سلام قال: كان القحيف خرج زائرا لإبراهيم بن عاصم العقيلي، فبعث الأشهب بن كليب العقيلي إلى إبراهيم بن عاصم رسولا يخبره أن القحيف قد هجاه وأساء القول فيه، ليحرمه وليقصيه. ففعل. فقال القحيف:

متى ما تحط خبرا بنا يا ابن عاصم

 

تجد لي رجالا من بني العم حسدا

وما ذاك عن ذنب إليهم جنـيتـه

 

سوى أن لي ذكرا أغار وأنجـدا

وقال القحيف في يوم الفلج، حين جاءهم صريخ بني كعب ابن ربيعة على بني عجل:

ديار الحي تضربها الطلال

 

من الخافي بها أهل ومال

وأجذم ذبها عـودا وبـدءا

 

بدفيه تعبقرت السـخـال

بها الفدر الرياد وكل هـقـل

 

كبيت الرفقة احترقوا فقالـوا

أما ومعلم التـوراة مـوسـى

 

ومن صلى وصام له بـلال

لقد كانت تـودك أم عـمـرو

 

بذات الصدر إذ نسى الخلال

أتانا بالعقيق صريخ كـعـب

 

فحن النبع والأسل النـهـال

ثلاثا ثم وجـهـنـا إلـيهـم

 

رحى للموت ليس لها ثفـال

وحالفنا السيوف وصافـنـات

 

سواء هن فـينـا والـعـيال

بنات بنات أعوج طامـحـات

 

مدى الأبصار جلتها الفحـال

شعير زادها وفـتـيت قـت

 

ومن ماء الحديد لها نـعـال

وكردست الحريش فعارضونا

 

بخيل في فوارسها اخـتـيال

وسالت من أباطحها قـشـير

 

بمثل أتى بيشة حين سـالـوا

نقود الخيل كل أشـق نـهـد

 

وكل طمرة فيهـا اعـتـدال

تكاد الجن بالغـدوات مـنـا

 

إذا اصطفت كتائبنا تـهـال

فبتن على العسيلة ممسكـات

 

لهن غـدية رهـج جـفـال

فلما شق أبـيض ذو حـواش

 

له حال وللظلـمـاء حـال

صبحناهم نواصيهن شـعـثـا

 

بهن حرارة وبنـا اغـتـلال

فلما جحدلت مئتان مـنـهـم

 

وفر حنانهم عنـه فـزالـوا

وصاروا بين ممتـن عـلـيه

 

ومنصوب له جـذع طـوال

تكفنهم حنيفة بـعـد حـول!

 

وكيف يكفنون وقد أحالـوا؟

أمنكم يا حنيف! نعم لعمـري

 

لحي مخضوبة ودم سجـال!

ولولا الريح أسمع أهل حجر

 

صياح البيض تقرعها النصال

كأن الخيل طالعة عـلـيهـم

 

بفرسان الصباح قطا رعـال

وقال أيضا:

وماء قد يظل على جـبـاه

جعلت عمامتي صلة لدلوى

لأسقى فتية ومنـفـهـات

ركبناها سمانتها فـلـمـا

صبحناها السياط محدرجات