وأولد أصبى بن دافع ياماً والحارث وعينيلا بطناً دخل في عنس مذحج وعيينيلاً درج.
وقد يرى بعض نساب همدان أن أصبى أولد مع هؤلاء سعداً أبا عذر، وأن سعداً ليس بابن ناشج، والقول ما قلنا.
فولد الحارث بن أصبى مرثد بن الحارث، فأولد مرثد عمراً، فأولد عمرو مرة، فأولد مرة يريم، فأولد يريم أحمد، فأولد أحمد يريم فأولد يريم حمرة وأبا حجر وأبا عشن وصاماً، فأما صام فهم بطن بالخشب، وأما أبو عشن وكان سيد حاشد في عصره، وهو الذي غزا بيشة بعطان واستنفر وادعة وقبائل من حاشد فنفروا، وسانده في ذلك الجيش الأجدع بن مالك المعمري. وكان أبو حجر يدعى في الجاهلية مطعم الحاج وكان قبله من بني خيوان بن زيد زادالراكب. وكان عبد الله بن أبي حجر فارساً مطلاعاً، وشهد صفين، وهو القائل:
نصرنا أمير المؤمنين حـمـية |
|
وديناً وأوطاناً رقاب المعاشر |
ضربنا قريشاً بالسيوف وغيرها |
|
فأدرك منها كل وتر لـثـائر |
فأولد حمرة أبا معيد، ونفر عن اليمن فكان مع علي عليه السلام، فلما صير راية همدان إلى سعيد بن قيس غضب وبات يكدم واسط كوره حتى أفناه ثم لحق بمعاوية وكان عنده وجيهاً، وقدم إلى اليمن فلزم بلد الأهنوم والمغرب حتى قدم بسر بن أرطأة من قبل معاوية فكان له رجلاً ويداً في بلد همدان، فنال من شيعة علي عليه السلام في بلد همدان وصنعاء فأقوى، وضرب من الأبناء على باب المصرع اثنتين وسبعين رقبة فسمي الموضع المصرع، وارتدت الأبناء عن التشيع من يومئذ إلى اليوم.
فأولد أبو معيد واسمه أحمد قيساً، وقد ولي قيس وأبو معيد بعض عمل المعافر، فأولد قيس سعيداً، فأولد سعيد العباس، فأولد العباس الضحاك ورزاماً وسعيداً الحوالي وهم الذين قاموا لحرب بكيل وقتل رزام بابن أبي عيينة العبدي سيد أرحب. فأولد الضحاك محمداً وقد رأس، وقتله ابن مسعود غلام أبي يعفر بأمره غيلة، فغضبت فيه همدان وقامت فيه حاشد وبكيل مع الدعام بن إبراهيم بن عبد الله بن يأس العبدي سيد بكيل فأزال مملكة آل يعفر. فأولد محمد بن الضحاك أحمد أبا جعفر سيد همدان في عصرنا وصاحب الوقائع والأيام، وهو الذي يمدحه الهمداني ويقيد أيامه، وهو منه خلّ وصاحب، وشهد مائة وقعة وستاً، كان أكثرها بين حزبه وبين يحيى بن الحسين العلوي، وأسر ابنه محمد بن يحيى يوم إتوة، ثم صافاه ابنا يحيى: محمد المرتضى وأحمد الناصر، وكان لهما نعم الصاحب والوزير على أمورهما، ثم باعده القاسم بن الناصر فجرى بينهما ما ينطق به شعر الهمداني، ودخل صعدة ثلاث مرات فأخربها، ودخل صنعاء كرتين فأحسن فيهما، وقال للناصر يوماً وقد أغلظ له في سبب رجل قتل في حده صنعاني: "كأنك أردت أن ترضي هؤلاء المتجرة والدلمة بي، أنا نعم الصديق إذا صادقت، ونعم العدو إذا عاديت". فندم الناصر واعتذر إليه. وحضه يوماً على صلح بني ربيعة بن مالك بن حرب بن عبد ود بن وادعة وبأمره وقع الشر بين ابن الضحاك وبينهم فكره وقال: إذا كان لي عدو مخالط أخرجته مني، فإن لم أقدر عليه خرجت عنه، ومتى أغضبت فزعت إلى قائ سيفي ولم أحاكم. قال له: أنت إذا غضبت لم ترض، وأنا أغضب في النهار كذا وكذا وأرضى مثلها. قال: فمصيبة أعزك الله. ما يؤمن رعيتك في بعض غضباتك أن يهلك منها الخير وينطف منها البريء. وكان مظفراً له راية. وقتل أبوه وهو ابن سبع سنين فراعي ثأره في آل يعفر سبعاً وخمسين سنة، ثم قتل منهم خمسة بخديعة. وأخباره كثيرة. وهذا البيت من المعيديين لا يرون لهم كفؤاً من حاشد، وقد طمع محمد بن يحيى بن الحسين بالصهر إليهم فأعجزه ذلك.
أولد محمد بن الضحاك مع أحمد إبراهيم أبا حاشد، وكلاهما قد أعقب انقضاء نسب المعيديين. يتلوه: نسب يأم أولد يأم بن أصبى جشم ومذكراً، فولد جشم دؤلاً ويخفف فيقال الدول وصعباً. فولد دؤل سلمة، فولد سلمة ذهلاً والنمر، وسلمة بن سلمة، فمن بني ذهل الحكم بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد كريم بن جحدب بن ذهل بن الحارث بن ذهل كان من فرسان الجماجم، وزبيد بن الحارث بن عبد كريم الفقيه، وطلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب بن جحدب بن معاوية بن سعد بن الحارث بن ذهل الفقيه وكان من أئمة القراءة، وعبد العزّى بن سبع بن النمر بن ذهل الشاعر جاهلي، وابنه مدرك بن عبد العزّى شاعر أيضاً وهو القائل:
وأنّى لكم أن تبلغوا مجد يأمـنـا |
|
وأرحب حتى ينفد الترب ناقله |
فهم أصل همدان الوثيق وفرعها |
|
قديماً وأعلى هضبها وأطاولـه |
ومن يام العقار بن سليل بن ذهل بن مالك بن الحارث بن سليل بن ذهل بن مالك بن الحارث بن ذهل بن سلمة بن دؤل بن جشم بن يأم قاتل مشجعة الجعفي، وكان سبب ذلك أن بلاد يأم أجدبت فنجع العقار إلى بلاد جعف، وكان بين يأم وجعف ولث وصلة، فكانت إذا أجدبت رعت بلد يأم، وإذا أجدبت يأم رعت بلاد جعف، فلما نزل العقار بلاد جعف حال مشجعة بن المجمّع بن مالك بن كعب بن عوف بن حزيم بن جعفي بن سعد بينه وبين الرعي، فقال له العقّار: فأين العهد فيما بيننا؟ قال له مشجعة: لجفنة من حيس بارد أحب إليّ من عهد يأم.. فقال له: ألا جعلته سخناً! ثم انطلق إلى امرأة رجل من جعفي كانت تبيع الخمر، وكان يقال لزوجها ذيبان بن بادية وكان له عندها فرس مرهون على أربعة أبعرة، فضمن أن يبعث إليها بالأبعرة وسألها أن تعطيه الفرس، ففعلت، فأخذ الفرس فركبه، وقد كان بعث بماله مع خدمه، ثم أتى مشجعة ومعه حربة فطعنه بها فأخرجها من بين كتفيه فقتله، فتبادرت إليه جعفي فسبقهم ركضاً، فقال في ذلك العقّار:
لم يبق من خبر الجعفـيّ بـاقـية |
|
إلا الأمائر والأقطـاع والـدرس |
ردّي إليك جمال الحي فاحتمـلـوا |
|
فإنهم من نفوس القوم قـد يئسـوا |
لما رأونا نمـشـي فـي ديارهـم |
|
كما تمشي الجمال الجلة الشمـس |
مثل الليوث عدت يوماً لمعـتـرك |
|
عند اللقاء وتقصيد القنـا حـرس |
لا يسمع الصوت منا غير غمغـمة |
|
بالبيض تضرب هاماً فوقها القنس |
أما حليلة ذيبان فـقـد كـرمـت |
|
في الفعل منها فلم تدنس كما دنسوا |
جادت بما سئلت لما رأت جزعـى |
|
من فوق أعيط في لحظاته شوس |
منحت مشجعة الجعفي مـرهـفة |
|
كأنها حين جازت صدره قـبـس |
ظلت كرائم جعفي تطـيف بـهـا |
|
هيهات من طالبيه ذاك ما التمسوا |
وقال أيضاً:
نحن بنو يأم ونحن الدفعـهْ |
|
سائل بنا مقاعساً وصعصهْ |
وسيد الحي الرئيس مشجعه |
|
منحته ذات غرار مردعهْ |
جادت له منية مفجّـعة |
|
|
وقد يدعي بنو نهد قتل مشجعة، والخبر ما ذكرنا. وإنما سمي العقّار لأنه شهد وقعة كانت لهمدان وبعض أعدائهم، فحلف ألا يقتل في ذلك اليوم أحداً، فجعل كلما لقي فارساً ضربه ضربة خفيفة حتى عقر نحواً من ثلاثين فارساً، فسمي في ذلك اليوم العقّار.
وأولد مذكر بن يأم هبرة ومواجد وهم الأحلاف وألغز زنة أحمر فتحالفا على ألغز. فولد مواجد الأسلوم وبغيضه وجحدباً ورفدة، منهم عبيدة بن الأجدع من بني سلمان بن حبيب بن مواجد الفقيه، وحبيب بن مواجد ممن شهد حرب خولان، والوزّاع بن معاوية بن مالك بن أحزم بن هبيرة بن مذكر الشاعر. ومنهم الحارث بن موزع كان شريفاً. ومن يأم بيت يقال لهم آل ذي حاجة، وبنو مقاحف بطن في جنب. ومن يأم سمير الفرسان وهو مختلس خباشة عمرو بن معدي كرب، وذلك أن عمرو بن معدي كرب لما غزا خولان فدخل الحقل وفض حصن غنم وجل الأموال واجتاح الضنين، قدم تلك الغنائم مع عميه سعد وشهاب، فعرض لهما سمير في جمع من يأم فقتلهما وعدة معهما من بني زبيد وأخذ ما كان في أيديهما، فبعث عمرو إلى سمير يتوعده، فقال سمير في ذلك:
أيرسل عمرو بالوعـيد سـفـاهة |
|
إليّ بظهر الغيب قولاً مرجّـمـاً |
ليسمع أقواماً ما لـيس مـقـدمـاً |
|
عليه وقد رام اللقاء فـأحـجـمـا |
فإن شئت أن تلقى سميراً فـلاقـه |
|
وعجّل ولا تجعله منك تهـمـمـا |
فسوف تلاقيه كـمـياً مـدجـجـاً |
|
حميماً إذا ما همّ بالأمر صمّـمـا |
فإن تلقني أصبحك موتاً معـجـلاً |
|
كفعلي بعميك اللـذين تـقـدمـا |
فسوف أريك الموت يا عمرو جهرة |
|
فتنظر يوماً ذا صواعق مظلـمـا |
ومن يأم أيضاً أبو جسيس الجواد، وهو القائل لبعض بني عمه في شيء كان بينهم:
قل لهذين كلا زادكـمـا |
|
ودعاني وأغلا حيث أغل |
|
||
رب زاد قد أكلنـا طـيب |
|
بعده الشهد بألبان الإبـل |
|
||
ثم لم يشهده مثل لـكـمـا |
|
لا ولا كان لدي الزاد علل |
|
||
إنما الزاد لمن يبـذلـه |
|
فإذا ما نلت خيراً فأنل |
|||
إنما حظك منه ذكـره |
|
لا تقولن عسى لا ولعل |
|||
ومن شعراء يأم عاصم بن الأسفع، والشرقي بن عمرو.
وكانت يأم تدعي في الجاهلية قتلة جبانها وفي الإسلام يأم القرى. وكان فيهم جبان في الجاهلية يقال له أنيب، فحلفوا ألا يولد له ولد فيهم أبداً، وحلفوا على قتله. فقال لهم رجل منهم: ويحكم، أخصوه ولا تقتلوه، فإنه لا يولد له إذا كان خصياً، فلا تحنثون في أيمانكم. فشاع ذلك في همدان، فكرهت أن تذهب يأم بهذا الذكر دونهم، فقالوا لهم: خذوا من كل قبيلة سهماً فارموه بجميع السهام، وإلا حلنا بينكم وبينه. فأجابوهم إلى ذلك، فبعث إليهم من كل قبيلة بسهم، ثم صيروه هدفاً وجعلوا يرمونه ويقولون:
لله سهم ما نبـا عـن أنـيب |
|
حتى يوارى نصله في منشب |
ومر فتى من أهل الكوفة بالحجّاج وهو يعرض الجند، فأعجبه فقال: ممن أنت يا فتى؟ قال: أنا من قوم لم يكن فيهم جبان. قال الحجاج: أنت إذن من يأم. قال: أنا منهم انقضى نسب يأم.