المجلد الأول - كتاب الطهارة

باب حكم الماء الطاهر

يجوز التطهر من الحدث والنجاسة بكل ماء نزل من السماء ‏:‏ من المطر وذوب الثلج والبرد ، لقوله تعالى ‏:‏‏{‏وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به‏}‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد متفق عليه ‏.‏ وبكل ما نبع من الأرض ، من العيون ، والبحار ، والآبار ، لما روى أبوهريرة رضي الله عنه قال ‏:‏ سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏:‏ يا رسول الله إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، أفنتوضأ بماء البحر ‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته قال الترمذي ‏:‏ هذا حديث حسن صحيح ‏.‏وكان النبي يتوضأ من بئر بضاعة رواه النسائي ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن سخن بالشمس ، أوبطاهر ، لم تكره الطهارة به ، لأنها صفة خلق عليها الماء ، فأشبه ما لوبرده ، وإن سخن بنجاسة يحتمل وصولها إليه ، ولم يتحقق فهوطاهر ، لأن الأصل طهارته ، فلا تزول بالشك ، ويكره استعماله لاحتمال النجاسة ‏.‏ وذكر أبوالخطاب رواية أخرى ‏:‏ أنه لا يكره ، لأن الأصل عدم الكراهية ‏.‏ وإن كانت النجاسة لا تصل إليه غالباً ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏يكره ، لأنه يحتمل النجاسة ، فكره كالتي قبلها ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يكره ، لأن احتمال النجاسة بعيد ، فأشبه غير المسخن ‏.‏

وإن خالط الماء طاهر لم يغيره ، لم يمنع الطهارة به ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اغتسل مع زوجته في قصعة فيها أثر العجين رواه النسائي وابن ماجة والأثرم ‏[‏و‏]‏ لأن الماء باق على إطلاقه ‏.‏

فإن كان معه ماء يكفيه لطهارته فزاده مائعاً لم يغيره ، ثم ‏[‏تطهر‏]‏ ،به ، صح لما ذكرنا ‏.‏

وإن كان الماء لا يكفيه لطهارته ، فكذلك ، لأنه المائع استهلك في الماء كالتي قبلها ‏.‏

وفيه وجه آخر ‏:‏ لا تجوز الطهارة به ، لأنه أكملها بغير الماء ، فأشبه ما لوغسل به بعض أعضائه ‏.‏

وإن غير الطاهر صفة الماء لم يخل من أوجه أربعة ‏:‏

أحدها ‏:‏ ما يوافق الماء في الطهورية ، كالتراب ، وما أصله الماء كالملح المنعقد من الماء ، فلا يمنع الطهارة به ، لأنه يوافق الماء في صفته ، أشبه الثلج ‏.‏

والثاني ‏:‏ ما لا يختلط بالماء كالدهن والكافور والعود ، فلا يمنع ، لأنه تغير عن مجاورة ، فأشبه ما لوتغير الماء بجيفة قربة ‏.‏

الثالث ‏:‏ ما لا يمكن التحرز منه ، كالطحلب وسائر ما ينبت في الماء ، وما يجري عليه الماء من الكبريت والقار وغيرهما ، وورق الشجر على السواقي والبرك ، وما تلقيه الرياح والسيول في الماء من الحشيش والتبن ونحوهما ، فلا يمنع ، لأنه لا يمكن صون الماء عنه ‏.‏

الرابع ‏:‏ ما سوى هذه الأنواع ، كالزعفران والأشنان والملح المعدني ، وما لا ينجس بالموت كالخنافس والزنابير ، وما عفي عنه لمشقة التحرز إذا ألقي في الماء قصداً ، فهذا إن غلب على أجزاء الماء مثل أن جعله صبغاً ، أوحبراً ، أوطبخ فيه ، سلبه الطهورية ‏[‏بغير‏]‏ خلاف ، لأنه زال اسم الماء ، فأشبه الخل ‏.‏

وإن غير إحدى صفاته طعمه أولونه أوريحه ، ولم يطبخ فيه ، فأكثر الروايات عن أحمد أنه لا يمنع ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماءً فتيمموا‏}‏ ، ولأنه خالطه طاهر لم يسلبه اسمه ، ولا رقته ، ولا جريانه ، أشبه سائر الأنواع ‏.‏

وعنه ‏:‏ لا تجوز الطهارة به ، لأنه سلب إطلاق اسم الماء ، أشبه ماء الباقلاء المغلي ، وهذا اختيار الخرقي ، وأكثر الأصحاب ‏.‏

فصل ‏:‏

فأن استعمل في رفع الحدث ، فهوطاهر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صب على جابر من وضوئه رواه البخاري ‏.‏ ولأنه لم يصبه نجاسة فكان طاهراً ، كالذي تبرد به ‏.‏وهل تزول طهوريته به ‏؟‏

فيه روايتان ‏:‏

أشهرهما ‏:‏ زوالها ، لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه المتغير بالزعفران ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا تزول لأنه استعمال لم يغير الماء ، أشبه التبرد به ‏.‏

وإن استعمل في طهارة مستحبة ، كالتجديد وغسل الجمعة ، والغسلة الثانية والثالثة ، فهوباق على إطلاقه ، لأنه لم يرفع حدثاً ، ولم يزل نجساً ‏.‏

وعنه أنه غير مطهر ، لأنه مستعمل في طهارة شرعية ، أشبه المستعمل في رفع الحدث ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن استعمل في غسل نجاسة ، فانفصل متغيراً بها أوقبل زوالها ، فهونجس ، لأنه متغير بنجاسه ، أوملاق لنجاسة لم يطهرها ، فكان نجساً ، كما لووردت عليه ‏.‏

وما انفصل من الغسلة التي طهرت المحل غير متغير ، فهوطاهر إن كان المحل أرضاً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يصب على بول الأعرابي ذنوب من ماء متفق عليه ‏.‏

فلوكان المنفصل نجساً لكان تكثيراً في النجاسة ‏.‏

وإن كان غير الأرض ، ففيه وجهان ‏:‏

أظهرهما ‏:‏ طهارته كالمنفصل عن الأرض ، ولأن البلل الباقي في المحل طاهر والمنفصل بعد المتصل ، فكان حكمه حكمه ‏.‏

والثاني ‏:‏ هونجس ، لأنه ماء يسير لاقى نجاسة فتنجس بها ، كما لووردت عليه ‏.‏

فإن قلنا بطهارته ، فهل يكون مطهراً ‏؟‏ على وجهين على الروايتين في المستعمل في رفع الحدث ، وقد مضى توجيههما ‏.‏

فصل ‏:‏ وإذا انغمس المحدث في ماء يسير ينوي به رفع الحدث ،صار مستعملاً لأنه استعمل في رفع الحدث،ولم يرفع حدثه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه وهوجنب رواه مسلم ‏.‏ والنهي يقضي فساد المنهي عنه ، ولأنه بأول جزء انفصل منه صار مستعملاً فلم يرتفع الحدث عن سائره ‏.‏

فصل ‏:‏

وما سوى الماء من المائعات كالخل ‏[‏والمرق‏]‏ والنبيذ ، وماء الورد ، والمعتصر من الشجر ، لا يرفع حدثاً ، ولا يزيل نجساً ، ولقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماءً فتيمموا‏}‏ فأوجب التيمم على من لم يجد ماء وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب ‏:‏ تحتيه ثم تقرصيه ثم تنضحيه بالماء ثم تصلي فيه متفق عليه ‏.‏ فدل على أنه لا يجوز بغيره ‏.‏ والله أعلم



باب الماء النجس


إذا وقع في الماء نجاسة فغيرته ، نجس بغير خلاف ، لأن تغيره لظهور أجزاء النجاسة فيه ‏.‏

وإن لم تغيره لم يخل من حالين ‏:‏

أحدهما ‏:‏أن يكون قلتين فصاعداً ، فهوطاهر لم روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ، سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع ، فقال ‏:‏ إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث رواه الأئمة ‏.‏ وقال الترمذي ‏:‏ هذا الحديث حسن ، وفي لفظ لم ينجسه شيء وروى أبوسعيد رضي الله عنه قال ‏:‏ قيل ‏:‏ يا رسول الله ، أتتوضأ من بئر بضاعة وهي ‏:‏ بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن ‏؟‏ فقال ‏:‏ الماء طهور ولا ينجسه شيء ‏.‏ قال أحمد ‏:‏ حديث بئر بضاعة صحيح ‏.‏

قال أبوداود ‏:‏ قدرت بئر بضاعة بردائي فوجدتها ستة أذرع ، ولأن الماء الكثير لا يمكن حفظه في الأوعية ، فعفي عنه كالذي لا يمكن نزحه ‏.‏

الثاني ‏:‏ ما دون القلتين ، ففيه روايتان ‏:‏

أظهرهما ‏:‏ نجاسته لأن قوله ‏:‏ إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء يدل على أن ما لم يبلغها ينجس ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم ، فليغسله سبع مرات متفق عليه ‏.‏ فدل على نجاسته من غير تغيير ، ولأن الماء اليسير يمكن حفظه ‏[‏في الأوعية‏]‏ فلم يعف عنه ، وجعلت القلتان حداً بين القليل والكثير ‏.‏

والثانية ‏:‏ هوطاهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الماء طهور لا ينجسه شيء ‏.‏ وروى أبوإمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الماء طهور لا ينجسه إلا ما غلب على لونه أوطعمه أوريحه رواه ابن ماجة ‏.‏ ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير ‏.‏

فصل ‏:‏

وفي قدر القلتين روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ ‏[‏إنهما‏]‏ أربعمائة رطل بالعراقي ، لأنه روي عن ابن جريج ويحيى بن عقيل ‏:‏ أن القلة تأخذ قربتين ، وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائة رطل فصارت القلتان بهذه المقدمات أربعمائة رطل ‏.‏

والثانية ‏:‏ هما خمسمائة رطل ، لأنه يروى عن ابن جريج أنه قال ‏:‏ رأيت قلال هجر ، فرأيت القلة منها تسع قربتين أوقربتين وشيئاً ‏.‏ فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفاً فيكونان خمس قرب ‏.‏

وهل هذا تحديد أوتقريب ‏؟‏ ‏.‏

فيه وجهان ‏:‏

أظهرهما ‏:‏ أنه تقريب ، فلونقص رطل أورطلان لم يؤثر ، لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريباً، والشيء إنما جعل نصفاً احتياطاً ، والغالب أنه يستعمل فيما دون النصف ، وهذا لا تحديد فيه ‏.‏

والثاني ‏:‏ أنه تحديد ، فلونقص شيئاً يسيراً تنجس بالنجاسة ، لأنا جعلنا ذلك احتياطاً ، وما وجب الاحتياط به صار فرضاً ، كغسل جزء من الرأس مع الوجه ‏.‏

فصل ‏:‏

وجميع النجاسات في هذا سواء ما عدا بول الآدميين ، وعذرتهم المائعة ، فإن أكثر الروايات عن أحمد أنها تنجس الماء الكثير لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه متفق عليه ‏.‏ إلا أن يبلغ حداً لا يمكن نزحه ، كالغدران والمصانع بطريق مكة ، فذلك الذي لا ينجسه شيء ، لأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم ينصرف إلى ما كان في أرضه على عهده من آبار المدينة ونحوها ‏.‏

وعنه أنه كسائر النجاسات لعموم الأحاديث التي ذكرناها ، ولأن البول كغيره من النجاسات في سائر الأحكام ، فكذلك في تنجيس الماء ، وحديث البول لا بد من تخصيصه ، فنخصه بخبر القلتين ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا وقعت النجاسة في ماء فغيرت بعضه فالمتغير نجس ، وما لم يتغير إن بلغ قلتين فهوطاهر لعموم الأخبار فيه ، ولأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة ، فكان طاهراً كما لولم يتغير فيه شيء ‏.‏ وإن نقص عنهما فهونجس ، لأنه ماء يسير لاقى ماء نجس فنجس به ‏.‏ فإذا كان بين الغديرين ساقية فيها ماء يتصل بهما فهما ماء واحد ‏.‏

فصل ‏:‏

فأما الماء الجاري إذا تغير بعض جريانه بالنجاسة ، فالجرية المتغيرة نجسة وما أمامها طاهر لأنها لم تصل إليه ، وما وراءها طاهر، لأنه لم يصل إليها ‏.‏ وإن لم يتغير منه شيء ، احتمل أنه لا ينجس لأنه ماء كثير يتصل بعضه ببعض فيدخل في عموم الأخبار السابقة أولاً ، فلم ينجس كالراكد ‏.‏ ولوكان ماء الساقية راكداً لم ينجس إلا بالتغير ، فالجاري أولى لأنه أحسن حالاً ‏.‏

وجعل أصحابنا المتأخرون كل جرية كالماء المنفرد ، فإذا كانت النجاسة في جرية تبلغ قلتين ، فهي طاهرة ما لم تتغير ‏.‏ وإن كان دون القلتين فهي نجسة ، وإن كانت النجاسة واقفة ، فكل جرية تمر عليها إن بلغت قلتين ، فهي طاهرة وإلا فهي نجسة‏.‏ وإن اجتمعت الجريات ، فكان في الماء قلتان طاهرتان ، متصلة لاحقة ، أوسابقة ، فالمجتمع كله طاهر ، إلا أن يتغيربالنجاسة ، لأن القلتين تدفعان النجاسة عن نفسهما ويطهرهما ما اجتمع معهما ، وإن لم يكن فالجميع نجس والجرية ما يحيط بالنجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها وما قرب منها مع ما يحاذي ذلك فيما بين طرفي النهر ‏.‏

فصل ‏:‏

وهوفي ثلاثة أقسام ‏:‏

الأول‏:‏ ما دون القلتين ، فتطهيره بالمكاثرة بقلتين طاهرتين ، إما أن ينبع فيه ، أويصب عليه ، وسواء كان متغيراً فزال تغيره أوغير متغير فبقي بحاله ‏.‏

الثاني ‏:‏ قدر قلتين ، فتطهيره بالمكاثرة المذكورة ، أوبزوال تغيره بمكثه ‏.‏

الثالث ‏:‏ الزائد عن القلتين ، فتطهيره بهذين الأمرين ، أوبنزح يزيل تغيره ويبقى بعده قلتان ، ولا يعتبر صب الماء دفعة واحدة ، لأن ذلك يشق ، لكن يصبه على حسب ما أمكنه من المتابعة ، إما أن يجريه من ساقية ، أويصبه دلواً فدلواً ‏.‏ وإن كوثر بماء دون القلتين ، أوطرح فيه تراب ، أوغير ماء ، لم يطهره ، لأن ذلك لا يدفع النجاسة عن نفسه ، فلم يطهره الماء ، كما لوطرح فيه مسك ، ويتخرج أن يطهره ، لأنه تغير الماء ، فأشبه ما لوزال بنفسه ، ولأن علة التنجيس في الماء الكثير التغير ، فإذا زالت زال حكمها ، كما لوزال تغيير المتغير بالطاهرات ‏.‏

فأما ما دون القلتين ، فلا يطهر بزوال التغير ، لأن العلة فيه المخالطة لا التغير ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن اجتمع نجس إلى نجس ، فالجميع نجس وإن كثر ، لأن اجتماع النجس إلى النجس لا يتولد بينهما طاهر ، كالمتولد بين الكلب والخنزير ، ويتخرج أن يطهر إذا زال التغير ، وبلغ القلتين ، لما ذكرناه ، وإن اجتمع مستعمل إلى مثله ، فهوباق على المنع ، فإذا اجتمع مستعمل إلى طهور يبلغ القلتين ، فالكل طهور ، لأن القلتين تزيل حكم النجاسة ، فالاستعمال أولى ، فإن اجتمع مستعمل إلى طهور دون القلتين ، وكان المستعمل يسيراً ،عفي عنه ، لأنه لوكان مائعاً غير الماء ، عفي عنه ، فالمستعمل أولى وإن كثر ، بحيث لوكان مائعاً غلب على أجزاء الماء ، منع كغيره من الطاهرات ‏.‏


باب الشك في الماء


إذا شك في نجاسته لم يمنع الطهارة به ، سواء وجد متغيراً أوغير متغير ، لأن الأصل الطهارة ، والتغير يحتمل أن يكون من مكثة ، أوبما لا يمنع ، فلا يزول في الشك ‏.‏

وإن تيقن نجاسته ، ثم شك في طهارته ، فهونجس ، لأن الأصل نجاسته ‏.‏

وإن علم وقوع النجاسة فيه ، ثم وجد متغيراً تغيراً يجوز أن يكون منها ، فهونجس ، لأن الظاهر تغيره بها ‏.‏

وإن أخبره ثقة بنجاسة الماء ، لم يقبل حين يعين سببها لاحتمال اعتقاده نجاسته بما لا ينجسه ، كموت ذبابة فيه ، وإن عين سببها ، لزمه القبول ، رجلاً كان أوامرأة ، بصيراً أوأعمى ، لأنه خبر ديني ، فلزمه قبوله كرواية الحديث ، ولأن للأعمى طريقاً إلى العلم بالحس والخبر ، ولا يقبل خبر كافر ، ولا صبي ولا مجنون ولا فاسق ، لأن روايتهم غير مقبولة ‏.‏

وإن أخبره أن كلباً ولغ في هذا الإناء دون هذا وقال آخر ‏:‏ إنما ولغ في هذا الإناء دون ذاك حكم بنجاستهما ، لأنه يمكن صدقهما ، لكونهما في وقتين ‏.‏ أوكانا كلبين ‏.‏ وإن عينا كلباً ووقتاً لا يمكن لا يمكن شربه فيه منهما ، تعارضا وسقط قولهما ، لأنه لا يمكن صدقهما ، ولم يترجح أحدهما ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن اشتبه الماء النجس بالطاهر ، تيمم ، ولم يجز له استعمال أحدهما ، سواء كثر عدد الطاهر أولم يكثر ‏.‏ وحكي عن أبي علي النجاد أنه إذا كثر عدد الطاهر ، فله أن يتحرى ويتوضأ بالطاهر عنده ، لأن احتمال إصابة الطاهر أكثر ، والأول المذهب ، لأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة ، فلم يجز التحري كما لوكان النجس بولاً ، أوكثر عدد النجس أواشتبهت أخته بأجنبيات ، ولأنه لوتوضأ بأحدهما ثم تغير اجتهاده في الوضوء الثاني ، فتوضأ بالأول ، لتوضأ بماء يعتقد نجاسته ، وإن توضأ بالثاني من غير غسل أثر الأول ، تنجس يقيناً وإن غسل أثر الأول ، نقض اجتهاده باجتهاده ، وفيه حرج ينتفي بقوله سبحانه ‏:‏ ‏{‏وما جعل عليكم في الدين من حرج‏}‏ فتركهما أولاً أولى ‏.‏

وهل يشترط لصحة التيمم إراقتها أوخلطهما ‏؟‏ فيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يشترط ليتحقق عدم الطاهر ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يشترط ، لأن الوصول إلى الطاهر متعذر ، واستعماله ممنوع منه ، فلم يشترط عدم كماء الغير ‏.‏

وإن اشتبه مطلق بمستعمل ، توضأ من كل إناء وضوءاً لتحصل له الطهارة بيقين ، وصلى صلاة واحدة ‏.‏ وإن اشتبهت بالثياب الطاهرة بالنجسة ، وأمكنه الصلاة في عدد النجس ، وزيادة صلاة ، لزمه ذلك لأنه أمكنه تأدية فرضه يقيناً من غير مشقة ، فلزم كما لواشتبه المطلق بالمستعمل ، وإن كثر عدد النجس ، فذكر بن عقيل أنه يصلي في أحدها بالتحري ، لأن اعتبار اليقين يشق ، فاكتفى بالظاهر ، كما لواشتبهت القبلة ‏.‏

فصل ‏:‏

وهوثلاثة أقسام ‏:‏طاهر ، وهوثلاثة أنواع ‏:‏

أحدها ‏:‏ الآدمي متطهراً كان ، أومحدثاً ، لما روى أبوهريرة ، قال لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب فانخنست منه ، فاغتسلت ، ثم جئت ، فقال ‏:‏ أين كنت يا أبا هريرة ‏؟‏ قلت يا رسول الله ‍‍‍‏!‏ كنت جنباً ، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة ، فقال ‏:‏ سبحان الله ‏!‏ إن المؤمن ليس بنجس متفق عليه ‏.‏ وعن عائشة ‏:‏ أنها كانت تشرب من الإناء ، وهي حائض فيأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيها فيشرب رواه مسلم ‏.‏

النوع الثاني ‏:‏ ما يؤكل لحمه ، فهوطاهر بلا خلاف ‏.‏

الثالث ‏:‏ ما لا يمكن التحرز منه ، وهوالسنور ، وما دونها من الخلقة ، لما روت كبشة بنت كعب بن مالك قالت ‏:‏ دخل علي أبوقتادة ، فسكبت له وضوءاً ، فجاءت هرة ، فأصغى لها الإناء حتى شربت ، فرآني أنظر إليه ، فقال ‏:‏ أتعجبين يا ابنة أخي ‏؟‏‏!‏ قلت نعم ، قال ‏:‏ إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ إنها ليس بنجس ، إنها من الطوافين عليكم والطوافات رواه الترمذي ، وقال ‏:‏حديث حسن صحيح ‏.‏ دل بمنطوقه على طهارة الهرة ، وبتعليله على الطهارة ما دونها ، لكونه مما يطوف علينا ، ولا يمكن التحرز عنه ، كالفأرة ونحوها ، فهذا سؤره وعرقه وغيرهما طاهر ‏.‏

القسم الثاني ‏:‏ نجس ، وهو‏:‏ الكلب والخنزير ، وما تولد منهما فسؤره نجس ، وجميع أجزائه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعاً متفق عليه ‏.‏ ولولا نجاسته ما وجب غسله ، والخنزير شر منه ، لأنه منصوص على تحريمه ، ولا يباح إنقاذه بحال ‏.‏ وكذلك ما تولد من النجاسات كدود الكنيف وصراصره ، لأنه متولد من نجاسة ، فكان نجساً ، كولد الكلب ‏.‏

القسم الثالث ‏:‏ مختلف فيه ، وهوثلاثة أنواع كذلك ‏:‏

أحدهما ‏:‏ سائر سباع البهائم والطير ، وفيهما روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ أنها نجسة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال ‏:‏ إذا كان الماء قلتين ، لم ينجسه شيء فمفهومه ‏:‏ أنه ينجس إذا لم يبلغها ، ولأنه حيوان حرم لخبثه يمكن التحرز عنه ، فكان نجساً كالكلب ‏.‏

والثانية ‏:‏ أنها طاهرة لما روى أبوسعيد الخدري أن رسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة ، تردها السباع والكلاب الحمر ، وعن الطهارة بها ، فقال ‏:‏ لها ما أخذت في أفواهها ، ولنا ما غبر طهور رواه ابن ماجة ‏.‏

ومر عمر بن الخطاب وعمروبن العاص بحوض فقال عمرو‏:‏ يا صاحب الحوض ‏!‏ ترد على حوضك السباع ‏؟‏ فقال عمر ‏:‏ يا صاحب الحوض ‏!‏ لا تخبرنا ، فإنا نرد عليها ، وترد علينا ‏.‏ رواه مالك في الموطأ ‏.‏

النوع الثاني ‏:‏ الحمار الأهلي والبغل ، ففيهما روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ نجاستهما ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏في الحمر يوم خبير ‏:‏ إنها رجس متفق عليه ولما ذكرنا من السباع ‏.‏

والثانية ‏:‏ أنها طاهرة ، لأنه قال ‏:‏ إذا لم يجد غير سؤرهما ، تيمم معه ، ولوشك في نجاسته، لم يبح استعماله ، ووجهها ما روى جابر أن رسول ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ سئل ‏:‏ أنتوضأ بما أفضلت الحمر‏؟‏ قال نعم ، وبما أفضلت السباع كلها رواه الشافعي في مسنده ‏.‏ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار والبغال ، وكان الصحابة يقتنونها ويصحبونها في أسفارهم ، فلوكانت نجسة ، لبين لهم نجاستها ، ولأنه لا يمكن التحرز عنها لمقتنيها ، فأشبهت الهرة ويحكم بطهارته ، ويجوز بيعها ، فأشبهت مأكول اللحم ‏.‏

النوع الثالث ‏:‏ الجلالة وهي أكثر علفها النجاسة ، ففيها روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ نجاستها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مركوب الجلالة وألبانها ، رواه أبوداود‏.‏ ولأنها تنجست بالنجاسة ، والريق لا تطهر ‏.‏

والثانية ‏:‏ أنها طاهرة ، لأن الضبع والهر يأكلان النجاسة ، وهما طاهران ‏.‏

وحكم أجزاء الحيوان من جلده وشعره وريشه حكم سؤره ‏.‏ لأنه من أجزائه ، فأشبه فمه ، فإذا وقع في الماء ثم خرج حياً ، فحكم ذلك حكم سؤره ‏.‏

قال أحمد في فأرة سقطت في ماء ، ثم خرجت حية ‏:‏ لا بأس به ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا أكلت الهرة نجاسة ، ثم شربت من ماء بعد غيبتها ، لم ينجس ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس مع علمه بأكل النجاسات ‏.‏ وإذا شربت قبل الغيبة ، فقال أبوالحسن الآمدي ‏:‏ ظاهر قول أصحابنا ‏:‏ طهارته ، للخبر ‏.‏ ولأننا حكمنا لطهارتها بعد الغيبة ، واحتمال طهارتها بها شك لا يزيل يقين النجاسة ‏.‏

وقال القاضي ‏:‏ ينجس ، لأن أثر النجاسة في فمها ، بخلاف ما بعد الغيبة ، فإنه يحتمل أن تشرب من ماء يطهر فاها، فلا ينجس ما تيقنا طهارته بالشك ‏.‏

فصل ‏:‏

والحيوان الطاهر على أربعة أضرب ‏:‏

أحدها ‏:‏ ما تباح ميتته ، كالسمك ونحوه ، والجراد وشبهه فميتته طاهرة ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والحل ميتته ‏.‏

والثاني ‏:‏ ما ليست له نفس سائلة ، كالذباب والعقارب والخنافس ، فهوطاهر حياً وميتاً ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع الذباب في إناء أحدكم ، فامقلوه ، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء ‏{‏رواه البخاري بمعناه فأمر بمقله ، ليكون شفاء لنا إذا أكلنا ، ولأنه لا نفس له سائلة ، أشبه دود الخل إذا مات فيه ‏.‏

والثالث ‏:‏ الآدمي ، ففيه روايتان ‏:‏

أظهرهما ‏:‏ أنه طاهر بعد الموت ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إن المؤمن ليس بنجس ولأنه لوكان نجس العين ، لم يشرع غسله ، كسائر النجاسات ‏.‏

والثانية ‏:‏ هونجس ، قال أحمد في صبي مات في بئر ‏:‏ تنزح ، وذلك لأنه حيوان له سائلة أشبه الشاة ‏.‏

والرابع ‏:‏ ما عدا ما ذكرنا ، ما له نفس سائلة لا تباح ميتته ، فميتته نجسة ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم الميتة‏}‏ وقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏إلا أن يكون ميتة أودماً مسفوحاً أولحم خنزير فإنه رجس‏}‏‏.‏


باب الآنية


وهي ضربان ‏:‏

مباح من غير كراهية ‏:‏ وهوإناء طاهر من غير جنس الإثمان ، ثميناً كان أوغير ثمين ، كالياقوت والبلور والعقيق والخزف والخشب والجلود والصفر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من جفنة ، وتوضأ من تور من صفر ، وتور من حجارة ، ومن قربة وإداوة ‏.‏

والثاني ‏:‏ محرم ، وهوآنية الذهب والفضة ، لما روى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا من صحافهما ، فإن لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة ، وقال ‏:‏ الذي يشرب من آنية الذهب والفضة ، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم متفق عليهما ‏.‏ فتوعد عليه بالنار ، فدل على تحريمه ، ولأن فيه سرفاً وخيلاء ، وكسر قلوب الفقراء ، ولا يحصل هذا في ‏[‏ثمين‏]‏ الجواهر ، لأنه لا يعرفها إلا خواص الناس ، ويحرم اتخاذها ، ولأن ما حرم استعماله ، حرم اتخاذه ‏[‏على‏]‏ هيئة الاستعمال ، كالطنبور ، ويستوي في ذلك الرجال والنساء ، لعموم الخبر ‏.‏ وإنما أبيح للنساء التحلي للحاجة إلى الزينة للأزواج ، فما عداه تجب التسوية فيه بين الجميع ، وما ضبب بالفضة أبيح إذا كان يسيراً ، لما روى أنس أن قدح الرسول صلى الله عليه وسلم انكسر ، فاتخذ من مكان الشعب سلسلة من فضة ‏.‏ رواه البخاري ‏.‏

ولا يباح الكثير ، لأن فيه سرفاً ، فأشبه الإناء الكامل ، واشترط أبوالخطاب أن يكون لحاجة ،لأن الرخصة وردت في شعب القدح ، وهو لحاجة ‏.‏ ومعنى الحاجة أن تدعوالحاجة إلى ما فعله به ، وإن كان غيره يقوم مقامه ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ يباح من غير حاجة لأنه يسير ، إلا أن أحمد كره الحلقة ، لأنها تستعمل ، وتكره مباشرة الفضة بالاستعمال ، فأما الذهب ، فلا يباح لا في الضرورة ، كأنف الذهب ، لأن النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ ‏:‏ رخص لعرفجة بن سعد لما قطع أنفه يوم الكلاب واتخذ أنفاً من ورق فأنتن عليه ، فأمره أن يتخذ أنفاً من الذهب ‏.‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح ‏.‏ ويباح ربط أسنانه بالذهب إذا خشي سقوطها ، لأنه في معنى أنف الذهب‏.‏ وذكر أبوبكر في التنبيه أنه يباح يسير الذهب ‏.‏ وقال أبوالخطاب ‏:‏ ولا بأس بقبيعة السيف بالذهب ، لأن سيف عمر كان فيه سبائك من ذهب ‏.‏ ذكره الإمام أحمد ‏.‏ وعن مزيدة العصري قال ‏:‏ دخل الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة ‏.‏ رواه الترمذي ، وقال هوحديث غريب ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن تطهر في آنية الذهب والفضة ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ تصح طهارته ، وهذا قول الخرقي ، لأن الوضوء جريان الماء على العضووليس بمعصية ، وإنما المعصية استعمال الإناء ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا تصح ، اختاره أبوبكر ، لأنه استعمال للمعصية في العبادة ، أشبه الصلاة في الدار المغصوبة ‏.‏

فصل ‏:‏

وهم ضربان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ من لا يستحل الميتة كاليهود ، فأوانيهم طاهرة ‏[‏مباحة الاستعمال‏]‏ ، لأن النبي أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة فأجابه ، رواه أحمد في المسند وتوضأ عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية‏.‏

والثاني ‏:‏ من يستحل الميتات والنجاسات ، كعبد الأصنام والمجوس ، وبعض النصارى ، فلما لم يستعملوه في آنيتهم ، فهوطاهر ، وما استعملوه فهونجس ، لما روى أبوثعلبة الخشني رضي الله عنه قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، إنا بأرض قوم أهل كتاب ، أفنأكل في آنيتهم ‏؟‏ قال ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ لا تأكلوا فيها ، إلا أن تجدوا غيرها ، فاغسلوها ، ثم كلوا فيها متفق عليه ‏.‏ وما شك في استعماله فهوطاهر ، وذكر أبوالخطاب أن أواني الكفار كلها طاهرة ‏.‏

وفي كراهية استعمالها روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ تكره ، لهذا الحديث ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا تكره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل فيها ‏.‏

فأما ثياب الكفار ، فما لم يلبسوه ، أوعلا من ثيابهم كالعمامة والطيلسان ، فهوطاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يلبسون ثياباً من نسج الكفار ‏.‏ وما لاقى عوراتهم ، فقال أحمد ‏:‏ أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيهما ، فيحتمل وجوب الإعادة ، وهوقول القاضي ، لأنهم يتعبدون بالنجاسة ، ويحتمل ألا تجب ، وهوقول أبي الخطاب ، لأن الأصل الطهارة ، فلا تزول بالشك ‏.‏

فصل ‏:‏

وجلود الميتة نجسة ، ولا تطهر بالدباغ في ظاهر المذهب ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم الميتة‏}‏ والجلد جزء منها ‏.‏ وروى أحمد عن يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال ‏:‏ قرء علينا كتاب رسول الله في أرض جهينة ، وأنا غلام شاب ‏:‏ أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ‏.‏

قال أحمد ما أصلح إسناده ، ‏[‏تعجب منه‏]‏ ‏.‏ ولأنه جزء من الميتة ، نجس بالموت ، فلم يطهر كاللحم ‏.‏ وعنه ‏:‏ يطهر منها جلد ما كان طاهراً حال الحياة ، لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وجد شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال ‏:‏ ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به‏؟‏ قالوا ‏:‏ إنها ميتة ، فقال ‏:‏ إنما حزم أكلها متفق عليه ‏.‏

ولا يطهر جلد ما كان نجساً ، لأن النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏- نهى عن جلود السباع وعن مياثر النمور رواه الأثرم ‏.‏ ولأن أثر الدبغ في إزالة نجاسة حادثة بالموت ، فيعود الجلد إلى ما كان عليه قبل الموت ، كجلد الخنزير ‏.‏

وهل يعتبر في طهارة الجلد المدبوغ أن يغسل بعد دبغه ‏؟‏ على وجهين ‏:‏

أحدهما ‏:‏ لا يعتبر ، لما روى ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ‏:‏ أيما إهاب دبغ فقط طهر متفق عليه ‏.‏

والثاني ‏:‏ يعتبر لأن الجلد محل النجس ، فلا يطهر بغير الماء ، كالثوب ‏.‏

فصل ‏:‏

وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها نجس لا يطهر بحال ، لأنه جزء من الميتتة فيدخل في عموم قول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم الميتة‏}‏ والدليل على أنه منها قول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة‏}‏ ‏.‏ ولأن دليل الحياة الإحساس والألم ، والضرس يؤلم ويحس بالضرس ، برد الماء وحرارته ، وما فيه حياة يحله الموت ، فينجس به كاللحم ‏.‏

فصل ‏:‏

وصوفها ووبرها وشعرها وريشها طاهر لأنه لا روح له ، فلا يحله الموت ، لأن الحيوان لا يألم بأخذه ، ولا يحس ، ولأنه لوكانت فيه حياة لنجس بفصله من الحيوان في حياته ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ما أبين من حي فهوميت رواه أبوداود بمعناه ‏.‏

فصل ‏:‏

وحكم شعر الحيوان وريشه حكمه في الطهارة والنجاسة ، متصلاً كان أومنفصلاً في حياة الحيوان أوموته ، فشعر الآدمي طاهر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ناول أبا طلحة شعره فقسمه بين الناس ‏.‏ رواه الترمذي ، وقال ‏:‏ حديث حسن واتفق على معناه ‏.‏ ولولا طهارته لما فعل ، ولأنه شعر حيوان طاهر ، فأشبه شعر الغنم ‏.‏

فصل ‏:‏

ولبن الميتة نجس ، لأنه مائع في وعاء نجس ، وإنفحتها نجسة لذلك ، وعنه ‏:‏ أنها طاهرة ، لأن الصحابة رضي الله عنهم أكلوا من جبن المجوس ، وهويصنع بالإنفحة وذبائحهم ميتة ‏.‏ فأما البيضة ‏:‏ فإن صلب قشرها ، لم ينجس ، كما لووقعت من شيء نجس ، وإن لم يصلب ، فهي كاللبن ‏.‏

وقال ابن عقيل ‏:‏ لا تنجس إذا كان عليها جلدة تمنع وصول النجاسة إلى داخلها ‏.‏

فصل ‏:‏وكل ذبح لا يفيد إباحة اللحم لا يفيد طهارة المذبوح ، كذبح المجوسي ، ومتروك التسمية ، وذبح المحرم للصيد ، وذبح الحيوان غير المأكول ، لأنه ذبح غير مشروع ، فلم يطهر كذبح المرتد ‏.‏


باب السواك وغيره


السواك سنة مؤكدة ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة متفق عليه ‏.‏ وعنه عليه السلام ، أنه قال ‏:‏ السواك مطهرة للفم مرضاة للرب رواه الإمام أحمد في المسند ويتأكد استحبابه في أوقات ثلاثة ‏:‏ عند الصلاة ، لما ذكرنا، وإذا قام من النوم ، لما روى حذيفة رضي الله عنه قال ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك ، متفق عليه ‏.‏ ولأن النائم ينطبق فمه ، ويتغير ‏.‏ والثالث ‏:‏ عند تغير الفم بمأكول أوخلومعدته ، ولأن السواك شرع لتنظيف الفم ، وإزالة رائحته ‏.‏ ويستحب في سائر الأوقات ، لما روى شريح بن هانئ ، قال ‏:‏ سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته ‏؟‏ قالت بالسواك ‏.‏ رواه مسلم ‏.‏

قال ابن عقيل ‏:‏ لا يختلف المذهب أنه لا يستحب السواك للصائم بعد الزوال ، لأنه يزيل خلوف فم الصائم ، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، ولأنه أثر عبادة مستطاب شرعاً ، فلم يستحب إزالته ، كدم الشهداء ‏.‏

وهل يكره ‏؟‏ على روايتين ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يكره لذلك ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يكره ، لأن عامر بن ربيعة قال ‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما لا أحصي يتسوك وهوصائم ‏.‏ قال الترمذي ‏:‏ هذا الحديث حسن ، ويستاك بعود لين ينقي الفم ، ولا يجرحه ولا يتفتت فيه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك بعود أراك ، ولا يستاك بعود رمان ، لأنه يضر بلحم الفم ، ولا عود ريحان ، لأنه يروى أنه يحرك عرق الجذام ، فإن استاك بإصبعه أوخرقة ، لم يصب السنة ، لأنها لم ترد به ، ولا يسمى سواكاً ، ‏[‏قال ابن عبد القوي على القول المجود‏]‏ ‏:‏ ويحتمل أن يصيب ، لأنه يحصل من الإنقاء بقدره ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن السنة تقليم الأظافر ، وقص الشرب ، ونتف الإبط وحلق العانة ، لما روى أبوهريرة رضي الله عنه قال ‏:‏ قال رسول اله صلى الله عليه وسلم الفطرة خمس ‏:‏ الختان ،والاستحداد ،وقص الشارب ،وتقليم الأظافر ، ونتف الإبط متفق عليه ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجب الختان لأنه من ملة إبراهيم ، فإنه روي أن إبراهيم عليه السلام ، ختن نفسه متفق عليه ‏.‏ وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم‏}‏ ولأنه يجوز كشف العورة من أجله ، ولوأنه واجب ما جاز النظر إليها لفعل مندوب ‏.‏

فإن كان كبيراً وخاف على نفسه من الختان ، سقط وجوبه ‏.‏
باب فرائض الوضوء وسننه


أول فرائضه ‏:‏ النية ‏:‏ وهي شرط الطهارة الأحدث كلها ، الغسل، والوضوء، والتيمم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى متفق عليه ‏.‏ ولأنها عبادة محضة ، فلم تصح من غير نية ، كالصلاة ‏.‏

ومحل النية ‏:‏ القلب ، لأنها عبارة عن القصد ، ويقال ‏:‏ نواك بخير ، أي ‏:‏ قصدك به ‏.‏ ومحل القصد القلب ، ولا يعتبر أن يقول بلسانه شيئاً ، فإن لفظ بما نواه كان آكد ‏.‏ موضع وجوبها عند المضمضة ن لأنها أول واجباته ،ويستحب تقديمها على غسل اليدين والتسمية ، لتشمل مفروض الوضوء ومسنونه ‏.‏ ويستحب استدامة ذكرها في سائر وضوءه ، فإن عزبت في أثنائها جاز ، لأن النية في أول العبادة تشمل جميع أجزائها كالصيام ، وإن تقدمت النية الطاهرة بزمن يسير ، وعزبت عنه في أولها، جاز، لأنها عبادة ، فلم يشترط اقتران النية بأولها كالصيام ‏.‏

وصفتها ‏:‏ أن ينوي رفع الحدث ، أي ‏:‏ إزالة المانع من الصلاة أوالطهارة ، لأمر لا يستباح إلا بها ، كالصلاة والطواف ومس المصحف ، وإن نوى الجنب بغسله قراءة القرآن صح ، لأنه يتضمن رفع الحدث ، وإن نوى بطهارته ما لا تشرع له الطهارة ، كلبس ثوبه ودخول بيته والأكل ، لم يرتفع حدثه ، لأنه ليس بمشروع ، أشبه التبرد ، وإن نوى ما يستحب له الطهارة ، كقراءة القرآن ، وتجديد الوضوء وغسل الجمعة والجلوس في المسجد والنوم ، فكذلك في إحدى الروايتين ، لأنه لا يفتقر إلى رفع الحدث أشبه لبس الثوب ، والأخرى ‏:‏ يرتفع حدثه ، لأنه يشرع له فعل هذا ، وهوغير محدث ، وقد نوى ذلك ، فينبغي أن تحصل له ، ولأنها طهارة صحيحة ، فرفعت الحدث ، كما لونوى رفعه ‏.‏ وإن نوى رفع الحدث والتبرد ، صحت طهارته ، لأنه أتى بما يجزئه ، وضم إليه ما لا ينافيه ، فأشبه ما لونوى بالصلاة والعبادة والإدمان على السهر ، فإن نوى طهارة مطلقة ، لم يصح ، لأن منها ما لا يرفع الحدث ، وهوالطهارة من النجاسة ‏.‏ وإن نوى رفع حدث بعينه ، فهل يرتفع غيره ‏؟‏ على وجهين قال أبوبكر ‏:‏ لا يرتفع، لأنه لم ينوه ، أشبه إذا لم ينوشيئاً ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ يرتفع ، لأن الأحدث تتداخل ، فإن ارتفع بعضها ارتفع جميعها ، وإن نوى صلاة واحدة نفلاً أوفرضاً لا يصلي غيرها ، ارتفع حدثه ، ويصلي ما شاء ، لأن الحدث إذا ارتفع لم يعد إلا لسبب جديد ، ونيته للصلاة تضمنت رفع الحدث ، وإن نوى نية صحيحة ثم غير نيته ، فنوى التبرد في بعض الأعضاء ، لم يصح ما غسله للتبرد ، فإن أعاد غسل العضوبنية الطهارة ، صح، ما لم يعطل الفصل ‏.‏

فصل ‏:‏

ثم يقول ‏:‏ بسم الله ‏.‏ وفيها روايتان ‏:‏

إحداهما‏:‏ أنها واجبة في طهارات ‏[‏الأحدث‏]‏ كلها ، اختارها أبوبكر ، لما روى أبوسعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ‏:‏ لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ‏.‏ قال أحمد ‏:‏ حديث أبي سعيد أحسن شيء في الباب ‏.‏

والثانية ‏:‏ أنها سنة اختارها الخرقي ‏.‏ قال الخلال ، الذي استقرت الروايات عنه ‏:‏ أنه لا باس به إذا ترك التسمية ، لأنها عبادة ، فلا تجب فيها التسمية كغيرها ، وضعف أحمد الحديث فيها، وقال ‏:‏ ليس يثبت في هذا الحديث ، واختلف من أوجبها في سقوطها بالسهو، فمنهم من قال ‏:‏ لا تسقط كسائر واجبات الطهارة ومنهم من أسقطها ، لأن الطهارة عبادة تشتمل على مفروض ومسنون ، فكان من فروضها ما يسقطه السهو، كالصلاة والحج ، فإن ذكرها في أثناء وضوئه ، سمى حيث ذكر ‏.‏

ومحل التسمية اللسان ، لأنها ذكر ، وموضعها بعد النية ، ليكون مسمياً على جميع الوضوء‏.‏

فصل ‏:‏

في غسل الكفين ‏:‏ ثم يغسل كفيه ثلاثاً لأن عثمان وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما ، وصفا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا‏:‏ فأفرغ على يديه من إنائه ، فغسلهما ثلاث مرات ‏.‏ متفق عليهما ، ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء ، ثم إن كان لم يقم من نوم الليل ، فغسلهما مستحب لما روى أبوهريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ إذا استيقظ أحدكم من نومه ، فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يده متفق عليه ‏.‏ ولم يذكر البخاري ثلاثاً فتخصيصه هذه الحالة بالأمر، دليله على عدم الوجوب في غيرها ‏.‏

وإن قام في نوم الليل ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ أنه واجب ، اختارها أبوبكر لظاهر الأمر ، فإن غمسهما قبل غسلهما ، صار الماء مستعملاً ، لأن النهي عن غمسهما يدل على أنه يفيد منعاً ، وإن غسلهما دون الثلاث ، ثم غمسهما، فكذلك ، لأن النهي باق ، وغمس بعض يده كغمس جميعها ، ويفتقر غسلها إلى النية ، لأنه غسل وجب تعبداً ، أشبه بالوضوء ‏.‏

والرواية الثانية ‏:‏ ليس بواجب ، اختارها الخرقي ، لأن اليد عضولا حدث عليه ولا نجاسة ، فأشبهت سائر الأعضاء ، وتعليل الحديث يدل على أنه أريد به الاستحباب ، لأنه علل بوهم النجاسة ، ولا يزال اليقين بالشك ، فأن غمسهما في الماء فهوباق على إطلاقه ‏.‏

فصل ‏:‏

ثم يتمضمض ويستنشق ، لأن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكر أنه مضمض واستنشق ، وهما واجبان في الطهارتين لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏فاغسلوا وجوهكم‏}‏ ، وهما داخلان في حد الوجه ، ظاهران ، يفطر الصائم بوصول القيء أليهما ، ولا يفطر بوضع الطعام فيهما ، ولا يحد بوضع الخمر فيهما ، ولا يحصل الرضاع بوصل اللبن إليهما ، ويجب غسلهما من النجاسة ، فيدخلان في عموم الآية ‏.‏ وعنه ‏:‏ الاستنشاق وحده واجب لما روى أبوهريرة رضي الله عنه ‏[‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏]‏ ‏:‏ إذا توضأ أحدكم ، فليجعل في أنفه، ثم لينتثر متفق عليه ‏.‏ وعنه ‏:‏ أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى ، لأنهما طهارة تعم جميع البدن ويجب فيها غسل ما تحت الشعور ، وتحت الخفين ‏.‏

ويستحب المبالغة فيهما ، إلا أن يكون صائماً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة ‏:‏ وبالغ في الاستنشاق ، إلا أن تكون صائماً حديث صحيح ‏.‏ وصفة المبالغة اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ، ولا يجعله سعوطاً ، وفي المضمضة ، إدارة الماء في أقاصي الفم ، ولا يجعله وجوراً وهومخير بين أن يمضمض ويستنشق ثلاثاً من غرفة أومن ثلاث غرفات ، لأن في حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ، مضمض واستنشق من كف واحدة ، ففعل ذلك ثلاثاً ، وفي لفظ ‏:‏ أدخل يده في الإناء ، فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً بثلاث غرفات ، متفق عليهما ‏.‏ وإن شاء فصل بينهما ، لأن جد طلحة بن مصرف قال ‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، يفصل بين المضمضة والاستنشاق ‏.‏ رواه أبوداود ‏.‏ ولا يجب الترتيب بينهما وبين الوجه لأنهما منه ، لكن تستحب البدء بهما اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فصل ‏:‏

ثم يغسل وجهه ، وذلك فرض بالإجماع ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فاغسلوا وجوهكم‏}‏ وحده من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً ، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً ، ولا اعتبار بالأصلع الذي ينحسر شعره عن ناصيته ، ولا الأفرع الذي ينزل شعره على جبهته ‏.‏

فإن كان في الوجه شعر كثيف يستر البشرة ، ولم يجب غسل ما تحته ، لأنه باطن أشبه ‏[‏باطن‏]‏ أقصى الأنف ، ويستحب تخليله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خلل لحيته ‏.‏ وروى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا توضأ ، أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه ، فخلل به لحيته ، وقال ‏:‏ هكذا أمرني ربي ، عز وجل رواه أبوداود ‏.‏

وإن كان يصف البشرة ، وجب غسل الشعر والبشرة ‏.‏

وإن كان بعضه خفياً ، وبعضه كثيفاً ، وجب غسل ظاهر الكثيف ، وبشرة الخفيف معه ‏.‏ وسواء في هذا شعر اللحية أوالحاجبين ، والشارب والعنفقة ، لأنها شعور معتادة على الوجه ، أشبهت اللحية ‏.‏

وفي المسترسل من اللحية عن حد الوجه روايتان ‏:‏

إحداهما لا يجب غسله ، لأنه شعر نازل عن محل الفرض ، أشبه الذؤابة في الرأس ‏.‏

والثاني ‏:‏ يجب لأنه نابت في بشرة الوجه ، أشبه الحاجب ‏.‏ ويدخل في حد الوجه العذار، ‏[‏وهو‏:‏ الشعر الذي على العظم الناتئ سمت صماخ الأذن إلى الصدغ ‏.‏

والعارض ‏:‏ الذي تحت العذار‏]‏ ‏.‏ والذقن ‏:‏ هومجتمع اللحيين ، ويخرج منهما النزعتان ، وهما ‏:‏ ما ينحسر عنهما الشعر في فودي الرأس ، لأنهما في الرأس ، لدخولهما فيه ‏.‏ والصدغ ‏:‏ هوالذي عليه الشعر في حق الغلام ، محاذ لطرف الأذن الأعلى ، لأنه شعر متصل بالرأس ابتداء ، فكان من الرأس كسائره ، وقد مسحه النبي صلى الله عليه وسلم مع رأسه في حديث الربيع ‏.‏

ويستحب أن يزيد في ماء الوجه ، لأن فيه غضوناً وشعوراً ، ودواخل وخوارج ، ويمسح مآقيه ، ويتعاهد المفصل وهوالبياض الذي بين اللحية والأذن ، فيغسله ‏.‏

ولا يجب غسل داخل العينين ‏.‏ ولا يستحب ، لأنه لا يؤمن الضرر من غسلهما ‏.‏

فصل ‏:‏

ثم يغسل يديه إلى المرفقين ، وهوفرض بالإجماع ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وأيديكم إلى المرافق‏}‏ ‏.‏ ويجب غسل المرفقين ، لأن جابراً رضي الله عنه قال ‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه ، رواه الدار قطني ، وفيه دار الماء وهذا يصلح بياناً ، لأن إلى بمعنى مع كقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏من أنصاري إلى الله ‏}‏ أي ‏:‏ مع الله‏]‏ ، ‏{‏ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم‏}‏ ‏.‏

ويجب غسل أظفاره ، وإن طالت ، والأصبع الزائدة ، والسلعة ، لأن ذلك من يده ، وإن كانت له يد زائدة أصلها في محل الفرض ، وجب غسلها ، لأنها نابتة من محل الفرض ، أشبهت الإصبع ، وإن نبتت في العضد أوالمنكب ، لم يجب غسلها وإن حاذت محل الفرض ، لأنها من غير محل الفرض ، فهي كالقصيرة ‏.‏ وإن كانت له يدان متساويتان على منكب واحد ، وجب غسلهما لأن إحداهما ليست أولى من الأخرى ‏.‏

وإن تقلعت جلدة من الذراع ، فتدلت من العضد ، لم يجب غسلها ،لأنها صارت من العضد ، وإن تقلعت من العضد ، فتدلت من الذراع ، وجب غسلها ، لأنها متدلية من محل الفرض ‏.‏ وإن تقلعت من إحداهما ، فالتحم رأسها بالأخرى ، وجب غسل ما حاذى محل الفرض منها‏.‏ لأنها كالجلد الذي عليهما ، فإن كانت متجافية في وسطها ، غسل ما تحتها من محل الفرض ‏.‏ وإن كان أقطع فعليه غسل ما بقي من محل الفرض ، فإن لم يبق منه شيء ، سقط الغسل ، ويستحب أن يمس محل القطع بالماء ، لئلا يخلوالعضومن طهارة ‏.‏

وتستحب البداءة بغسل اليمنى من يديه ورجليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يحب التيمن في ترجله وتنعله وطهوره ، وفي شأنه كله ‏.‏ متفق عليه ‏.‏ فإذا بدأ باليسرى جاز ، لأنهما كعضوواحد ، بدليل قوله سبحانه وتعالى ‏:‏ ‏{‏وأيديكم وأرجلكم‏}‏ فجمع بينهما ‏.‏

فصل ‏:‏

ثم يمسح رأسه ، وهوفرض بغير خلاف ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وامسحوا برؤوسكم‏}‏ وهوما ينبت عليه الشعر المعتاد من الصبي مع النزعتين ‏.‏ ويجب استيعابه بالمسح لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وامسحوا برؤوسكم‏}‏ والباء للإلصاق، فكأنه قال امسحوا رؤوسكم وصار كقوله سبحانه ‏:‏ ‏{‏فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‏}‏ قال ابن برهان ‏:‏ من زعم أن الباء للتبغيض ، فقد جاء أهل اللغة بما لا تعرفونه ‏.‏ وظاهر قول الإمام أحمد ‏:‏ المرأة يجزئها مسح مقدم الرأس ، لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها ، وعنه في الرجل ‏:‏ أنه يجزئه مسح بعضه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ مسح بناصيته وعمامته ‏.‏ رواه مسلم ‏.‏

وكيفما مسح الرأس أجزأ ، بيد واحدة ، أوبيدين ، إلا أن المستحب أن يمر يديه من مقدم رأسه إلى قفاه ، ثم يعيدهما إلى الموضع الذي بدأ منه ، لأن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما قال في صفة وضوء النبي ‏(‏ص‏)‏ ، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ، متفق عليه ‏.‏ ولا يستحب تكرار المسح ، لأن أكثر من وصف وضوء النبي ‏(‏ص‏)‏ ، ذكر أنه مسح مرة واحدة ، ولأنه ممسوح في طهارة ، أشبه التيمم ‏.‏ وعنه ‏:‏ يستحب تكراره ، لأن النبي ‏(‏ص‏)‏ ، توضأ ثلاثاً ثلاثاً ‏.‏ وقال ‏:‏ هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي رواه ابن ماجه ‏.‏ ولأنه أصل في الطهارة، أشبه الغسل ‏.‏

والأذنان في الرأس يمسحان معه ، لقول النبي ‏(‏ص‏)‏ ‏:‏ الأذنان من الرأس رواه أبوداود ‏.‏ وروت الربيع بنت معوذ أن النبي ‏(‏ص‏)‏ مسح برأسه ، وصدغيه ، وأذنيه ، مسحة واحدة ‏.‏ رواه الترمذي ، وقال حديث حسن صحيح ‏.‏ ويستحب إفرادهما بماء جديد لأنهما كالعضوالمنفرد ، وإنما هما من الرأس وعلى وجه التبع ، ولا يجزىء مسحهما عنه لذلك ، وظاهر كلام أحمد أنه لا يحب مسحهما لذلك ، ويستحب أن يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه، ويجعل إبهاميه لظاهرهما ، ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر ، ولا يجزئ مسحه عن الرأس سواء رده فعقده فوق رأسه أولم يرده ، لأن الرأس ما ترأس وعلا ، ولوأدخل يده تحت الشعر ، فمسح البشرة دون الظاهر لم يجزه ، لأن الحكم تعلق بالشعر فلم يجزه مسح غيره ، ولومسح رأسه ثم حلقه ، أوغسل عضواً ثم قطع جزعاً منه أوجلده ، لم يؤثر في طهارته ، لأنه ليس ببدل عما تحته ، فلم يلزمه بظهره طهارة ، فإن أحدث بعد ذلك غسل ما ظهر لأنه صار ظاهراً ، فتعلق الحكم به ، ولوحصل في بعض أعضائه شق أوثقب ، لزمه غسله لأنه صار ظاهراً‏.‏

فصل ‏:‏

ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ، وهوفرض لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وأرجلكم إلى الكعبين‏}‏ ويدخل الكعبين في الغسل لما ذكرنا في المرفقين ، ولا يجزئ مسح الرجلين ، لما روى عمر أن رجلاً ترك موضع ظفر في قدمه اليمنى فأبصره النبي ‏(‏ص‏)‏ ، فقال ‏:‏ ارجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى رواه مسلم ‏.‏ وإن كان الرجل أقطع اليدين فقدر على أن يستأجر من يوضئه بأجرة مثله ، لزمه كما يلزمه شراء الماء ‏.‏ ولا يعفى عن شيء من طهارة الحدث، وإن كان يسيراً لما ذكرنا من حديث عمر ‏.‏

ويستحب أن يخلل أصابعه ، لأن النبي ‏(‏ص‏)‏ ‏:‏ إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك رواه الترمذي وقال‏:‏ هذا حديث حسن ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجب ترتيب الوضوء على ما ذكرنا في ظاهر المذهب ، وحكي عنه أنه ليس بواجب ، لأن الله سبحانه وتعالى عطف الأعضاء المغسولة بالواو، ولا ترتيب فيها ‏.‏

ولنا أن في الآية قرينة تدل على الترتيب ، لأنه أدخل الممسوح بين المغسولات ، وقطع النظير عن نظيره ، ولا يفعل الفصحاء هذا إلا لفائدة ، ولا نعلم هنا فائدة سوى الترتيب ، ولأن النبي ‏(‏ص‏)‏ لم ينقل عنه الوضوء إلا مرتباً ، وهويفسر كلام الله سبحانه بقوله مرة وبفعله مرة أخرى ‏.‏ فإن نكس وضوءه فختم بوجهه لم يصح إلا غسل وجهه ، وإن غسل وجهه ويديه، ثم غسل رجليه ثم مسح برأسه ، صح وضوءه إلا غسل رجليه ، فيغسلهما ويتم وضوءه‏.‏

فصل ‏:‏

ويوالي في غسل الأعضاء وفي وجوب الموالاة روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يجب ، لأن النبي ‏(‏ص‏)‏ ، رأى رجلاً يصلي وفي رجله لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة ‏.‏ رواه أبوداود ‏.‏ ولولم تجب الموالاة لأجزأه غسلها ، ولأن النبي ‏(‏ص‏)‏ ، والى بين الغسل ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا تجب ، لأن المأمور به الغسل ، وقد أتى به ، وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه توضأ وترك مسح خفيه حتى دخل المسجد ، فدعي لجنازة ، فمسح عليهما وصلى عليها ‏.‏ والتفريق المختلف فيه ‏:‏ أن يؤخر غسل عضوحتى يمضي زمن ينشف فيه الذي قبله في الزمن المعتدل فإن أخر غسل عضولأمر في الطهارة من إزالة الوسخ أوعرك عضولم يقدح في طهارته ‏.‏

فصل ‏:‏

والوضوء مرة يجزىء ، والثلاث أفضل ، لأن النبي ‏(‏ص‏)‏ ، توضأ مرة مرة، وقال‏:‏ هذا وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة ، ثم توضأ مرتين ، ثم قال ‏:‏ هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر ، ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ، ثم قال‏:‏ هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي أخرجه ابن ماجة ‏.‏ وإن غسل بعض أعضائه أكثر من بعض فلا بأس ، فقد حكى عبد الله بن زيد وضوء رسول الله ‏(‏ص‏)‏ فغسل يديه مرتين ، ثم مضمض واستنثر ثلاث ‏[‏ وغسل وجهه ثلاثاً ‏]‏ ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم الرأس ، ثم ذهب بهما إلى قفاه ، ثم درهما ثم رجع من المكان الذي بدأ منه ، ثم غسل رجليه ، متفق عليه ‏.‏ ولا يزيد عن ثلاث لأن أعرابياً سأل النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ فأراه ثلاثاً ثلاثاً ثم قال ‏:‏ هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم رواه أبوداود ، ويكره الإسراف في الماء لأن النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ مر على سعد وهويتوضأ فقال ‏:‏ لا تسرف قال ‏:‏ يا رسول الله ‏:‏ في الماء إسراف ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم وإن كنت على نهر جار رواه ابن ماجة ‏.‏

فصل ‏:‏

ويستحب إسباغ الوضوء ، ومجاوزة قدر الواجب بالغسل ، لأن أبا هريرة رضي الله عنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضد ، ورجله حتى أشرع في الساق ، ثم قال ‏:‏ هكذا رأيت رسول الله ‏(‏ص‏)‏ يتوضأ ، وقال ‏:‏ قال رسول الله ‏(‏ص‏)‏ ‏:‏ أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله متفق عليه ‏.‏

فصل ‏:‏

لا بأس بالمعاونة على الوضوء والغسل بتقريب الماء ، وحمله وصبه لأن النبي ‏(‏ص‏)‏ كان يحمل له الماء ، ويصب عليه ‏.‏ قال أنس رضي الله عنه ‏:‏ كان النبي ‏(‏ص‏)‏ ، ينطلق لحاجته فآتيه أنا وغلام من الأنصار بإداوة من ماء يستنجي به ، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال ‏:‏ كنت مع النبي ‏(‏ص‏)‏ ، فمشى حتى توارى عني في سواد الليل ، ثم جاء فصببت عليه من الإداوة ، فغسل وجهه وذكر بقية الوضوء ، متفق عليهما ‏.‏ وعن عائشة رضي الله عنها قالت ‏:‏ كنا نعد لرسول الله ‏(‏ص‏)‏ ثلاثة آنية في الليل مخمرة ، إناء لطهره ، وإنا لسواكه ، وإنا لشرابه ، أخرجه ابن ماجة ‏.‏

فصل ‏:‏

وفي تنشيف بلل الغسل والوضوء روايتان ‏:‏

إحداهما‏:‏ يكره ، لأن ميمونة رضي الله عنها وصفت غسل النبي ‏(‏ص‏)‏ ، قالت ‏:‏ فأتيته بالمنديل فلم يردها ، وجعل ينفض الماء بيده ، متفق عليه ‏.‏

والأخرى ‏:‏ لا بأس به ، لأنه إزالة الماء عن بدنه ، أشبه نفضه بيديه ‏.‏

فصل ‏:‏

ويستحب أن يقول بعد فراغه من الوضوء ‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله لما روى عمر رضي الله عنه عن النبي ‏(‏ص‏)‏ أنه قال ‏:‏ من توضأ وأحسن وضوئه ثم قال ‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتح الله له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها يشاء رواه مسلم ‏.‏

فصل ‏:‏

والمفروض من ذلك بغير خلاف خمسة ‏:‏ النية ، وغسل الوجه ، وغسل اليدين ، ومسح الرأس ، وغسل الرجلين ‏.‏

وخمسة فيها روايتان ‏:‏ الترتيب ، والموالاة ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والتسمية ‏.‏

والسنن سبعة ‏:‏ غسل الكفين والمبالغة في المضمضة والاستنشاق ، وتخليل اللحية ، وأخذ ماء جديد للأذنين ، وتخليل الأصابع ، والبداءة باليمنى والدفعة الثانية والثالثة ‏.‏


باب المسح على الخفين


وهو جائز بغير خلاف لما روى جرير رضي الله عنه قال ‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ ، ومسح على خفيه ، متفق عليه ‏.‏ قال إبراهيم ‏:‏ فكان يعجبهم هذا ، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ، ولأن الحاجة تدعوإلى لبسه ، وتلحق المشقة بنزعه ، فجاز المسح عليه كالجبائر ويختص جوازه في الوضوء دون الغسل ، لما روى صفوان بن عسال رضي الله عنه قال ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين ، أوسفر أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، لكن من غائط وبول ونوم ‏.‏ أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ‏.‏ ولأن الغسل يقل فلا تدعوالحاجة إلى المسح على الخف فيه بخلاف الوضوء ، ولجواز المسح عليه شروط أربعة ‏:‏ أحدها أن تكون ساتراً لمحل الفرض من القدم كله ، فإن ظهر منه شيء لم يجز المسح ، لأن حكم ما استتر المسح ، وحكم ما ظهر الغسل ، ولا سبيل إلى الجمع بينهما ، فغلب الغسل ، كما لوظهرت إحدى الرجلين ، فإن تخرقت البطانة دون الظهارة، أوالظهارة دون البطانة جاز المسح ، لأن القدم مستور به ، وإن كان فيه شق مستطيل ينضم لا يظهر منه القدم ، جاز المسح عليه لذلك ، وإن كان الخف رقيقاً يصف لم يجز المسح عليه ، لأنه غير ساتر ، وإن كان ذي شرج في موضع القدم ، وكان مشدوداً لا يظهر شيئاً من القدم إذا مشى جاز المسح عليه ، لأنه كالمخيط ‏.‏

فصل ‏:‏

الثاني ‏:‏ أن يمكن متابعة المشي فيه ، فإن كان يسقط من القدم لسعته ، أوثقله لم يجز المسح عليه ، لأن الذي تدعوالحاجة إليه هوالذي يمكن متابعة لمشي فيه ، وسواء في ذلك الجلود والخرق والجوارب لما روى المغيرة ‏(‏رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ مسح على الجوربين النعلين ‏.‏ أخرجه أبوداود والترمذي وقال ‏:‏ حديث حسن صحيح ‏.‏ قال الإمام أحمد ‏:‏ يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أوثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه ملبوس ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه ، أشبه الخف ‏.‏ فإن شد على رجليه لفائف ، لم يجز المسح عليها ، لأنها لا تثبت بنفسها إنما تثبت بشدها ‏.‏

فصل ‏:‏

الثالث ‏:‏ أن يكون مباح فلا يجوز المسح على المغصوب والحرير ، لأن لبسه معصية ، فلا تستباح به الرخصة ، كسفر المعصية ‏.‏

فصل ‏:‏

الرابع ‏:‏ أن تلبسهما على طهارة كاملة ، لما روى المغيرة رضي الله عنه قال ‏:‏ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، في سفر فأهويت لأنزع خفيه ، قال ‏:‏ دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما متفق عليه ‏.‏ فإن تيمم ، ثم لبس الخف ، لم يجز المسح عليه ، لأن طهارته لا ترفع الحدث ‏.‏ وإن لبست المستحاضة ، ومن به سلس البول خفاً على طهارتهما فلهما المسح لأنها صارت ناقصة في حقها ، فأشبهت التيمم ‏.‏

وإن غسل إحدى رجليه ، فأدخلها الخف ، ثم غسل الأخرى فأدخلها ، لم يجز المسح ، لأنه لبس الأول قبل كمال الطهارة ‏.‏

وعنه ‏:‏ يجوز لأنه أحدث بعد كمال الطهارة واللبس ، فأشبه ما لونزع الأول ، ثم لبسه بعد أن غسل الأخرى ‏.‏

وإن تطهر ولبس خفيه ، فأحدث قبل بلوغ الرجل قدم الخف ، لم يجز المسح ، لأن الرجل حصلت على مقرها وهومحدث فأشبه من بدأ اللبس محدثاً ، وإن لبس خفاً على طهارة ، ثم لبس فوقه آخر ، أوجرموقاً قبل أن يحدث جاز المسح على الفوقاني سواء كان التحتاني صحيحاً أومخرقاً ، لأنه خف صحيح يمكن متابعة المشي فيه لبسه على طهارة كاملة ، أشبه المنفرد ، وإن لبس الثاني بعد الحدث ، لم يجز المسح عليه لأنه لبسه على غير طهارة ، وإن مسح الأول ، ثم لبس الثاني ، لم يجز المسح عليه ، لأن المسح لم يزل الحدث عن الرجل فلم تكمل الطهارة‏.‏

وإن كان التحتاني صحيحاً ، والفوقاني مخرقاً ، فالمنصوص جواز المسح لأن القدم مستور بخف صحيح ‏.‏ وقال بعض أصحابنا ‏:‏ لا يجوز ، لأن الحكم تعلق بالفوقاني ، فاعتبرت صحته بالمنفرد ‏.‏ وإن لبس المخرق فوق لفافة ، لم يجز المسح عليه ، لأن القدم لم يستتر بخف صحيح ، وإن لبس مخرقاً فوق مخرق فاستتر القدم بهما احتمل أن لا يجوز المسح لذلك ، واحتمل أن يجوز ، لأن القدم استتر بهما فصارا كالخف الواحد ‏.‏

فصل ‏:‏

ويتوقت المسح بيوم وليلة للمقيم ، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ، لما روى عوف بن

مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم ‏.‏ قال الإمام أحمد ‏:‏ هذا أجود حديث في المسح على الخفين لأنه في غزوة تبوك ، آخر غزاة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهوآخر فعله ‏.‏

وسفر المعصية كالحضر ، لأن ما زاد يستفاد بالسفر ، وهومعصية فلم يجز أن يستفاد به الرخصة ‏.‏

ويعتبر ابتداء المدة من حين الحدث بعد اللبس في إحدى الروايتين ، لأنهما عبادة مؤقتة فاعتبر أول وقتها من حين جواز فعلها ، كالصلاة ‏.‏ والآخر من حين المسح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمر بالمسح ثلاثة أيام ، فاقتضى أن تكون الثلاثة كلها يمسح فيها ‏.‏

وإن أحدث من الحضر ، ثم سافر قبل المسح ، أتم مسح مسافر ، لأنه بدأ العبادة في السفر ‏.‏

وإن مسح في الحضر ، ثم سافر ، أومسح في السفر ثم أقام ، أتم مسح مقيم ، لأنها عبادة يختلف حكمها بالحضر والسفر ، فإن وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكم كالصلاة ، وإن مسح المسافر أكثر من يوم وليلة ، ثم أقام ، انقضت مدته في الحال ‏.‏ وإن شك هل بدء المسح في الحضر ، أوفي السفر بنى على مسح الحضر ، لأن الأصل الغسل والمسح رخصة ، فإذا شككنا في شرطها رجعنا إلى الأصل ‏.‏ وإن لبس وأحدث ، وصلى الظهر ثم شك هل مسح قبل الظهر أوبعدها ، وقلنا ‏:‏ ابتداء المدة من حين المسح بنى الأمر في المسح على أنه قبل الظهر، وفي الصلاة على أنه مسح بعدها ،لأن الأصل بقاء الصلاة ، في ذمته ، ووجوب غسل الرجل فرددنا كل واحد منهما إلى أصله ‏.‏

فصل ‏:‏

والسنة أن يمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه ، فيضع يديه مفرجتي الأصابع على أصابع قدميه ، ثم يجرهما على ساقيه ، لما روى المغيرة رضي الله عنه قال ‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما ، حديث حسن صحيح ‏.‏ وعن علي رضي الله عنه قال ‏:‏ لوكان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه ‏.‏ رواه بن داود ‏.‏

فإن اقتصر على مسح الأكثر من أعلاه أجزأه، وإن اقتصر على مسح أسفله لم يجزه لأنه ليس محلاً للمسح أشبه الساق ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا انقضت مدة المسح ، أوخلع خفيه ، أوأحدهما بعد المسح ، بطلت طهارته في أشهر الروايتين ، ولزمه خلعهما ، لأن المسح أقيم مقام الغسل ، فإذا زال بطلت الطهارة في القدمين، فتبطل في جميعها لكونها لا تتبعض ‏.‏

والثانية ، يجزئه غسل قدميه ، لأنه زال بدل غسلهما فأجزأه المبدل كالمتيمم يجد الماء ‏.‏ وإن أخرج قدمه إلى ساق الخف ، بطل المسح ، لأن استباحة المسح تعلقت باستقرارهما ، فبطلت بزواله كاللبس ‏.‏

وإن مسح على الخف الفوقاني ، ثم نزعه ، بطل مسحه ، ولزمه نزع التحتاني ، لأنه زال الممسوح عليه ، فأشبه المنفرد ‏.‏

فصل ‏:‏

في المسح على العمامة ‏:‏ ويجوز المسح على العمامة لما روى المغيرة رضي الله عنه قال ‏:‏ توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسح على الخفين والعمامة ‏.‏ حديث ‏[‏ حسن ‏]‏ صحيح ‏.‏ وعن عمر بن أمية رضي الله عنه قال ‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وخفيه ‏.‏ رواه البخاري ‏.‏ وروى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه قال ‏:‏ من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله ‏.‏ ولأن الرأس عضوسقط فرضه في التيمم ، فجاز المسح على حائله كالقدمين ‏.‏ ويشترط أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه ، لأنه جرت العادة بكشفه في العمائم ، فعفي عنه بخلاف بعض القدم ويشترط أن بكون لها ذؤابة أوتكون تحت الحنك ، لأن ما لا ذؤابة لها ولا حنك تشبه عمائم أهل الذمة ، وقد نهي عن التشبه بهم ، فلم تستبح بها الرخصة ، كالخف المغصوب ، فإن كانت ذات حنك جاز المسح عليها ، وإن لم يكن لها ذؤابة ، لأنها تفارق عمائم أهل الذمة ‏.‏

وإن أرخى لها ذؤابة ، ولم يتحنك ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يجوز المسح عليها لذلك ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يجوز ، لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط ، قال أبوعبيدة ‏:‏ الاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء ‏.‏

فصل ‏:‏

وحكمها في التوقيت ، واشترط تقديم الطهارة ، وبطلان الطهارة بخلعها ، كحكم الخف لأنها أحد الممسوحين على سبيل البدل ، وفيما يجزئه مسحه منها ‏؟‏ روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ مسح أكثرها لما ذكرنا ‏.‏

والثاني ‏:‏ يلزمه استيعابها ، لأنها بدل من جنس المبدل ، فاعتبر كونه مثله ، كما لوعجز عن قراءة الفاتحة ، وقدر على قراءة غيرها اعتبر أن يكون بقدرها ، ولوعجز عن القراءة فأبدلها بالتسبيح لم يعتبر كونه بقدرها ‏.‏ وإن خلع العمامة بعد مسحها ‏.‏ وقلنا لا يبطل الخلع الطهارة ‏.‏ لزمه مسح رأسه ، وغسل قدميه ، ليأتي بالترتيب ‏.‏

وإن قلنا بوجوب استيعاب مسح الرأس ، فظهرت ناصية ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يلزمه مسحها معه ، لأن المغيرة رضي الله عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين ‏.‏ ولأنه جزء من الرأس ظاهر ، فلزم مسحه ، كما لوظهر سائر رأسه ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يلزمه ، لأن الفرض تعلق بالعمامة ، فلم يجب مسح غيرها ، كما لوظهر أدناه ‏.‏

وإن انتقض من العمامة كور ، ففيه روايتان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يبطل المسح لزوال الممسوح عليه ‏.‏

والأخرى ‏:‏ لا يبطل ، لأن العمامة باقية ، أشبه كشط الخف مع بقاء البطانة ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يجوز المسح على الكلوتة ولا وقاية المرأة لأنها لا تستر جميع الرأس ، ولا يشق نزعها ، فأما القلانس المبطنات ، كدنيات القضاة والنوميات ، وخمار المرأة ، ففيهما روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يجوز المسح عليها لأن أنساً رضي الله عنه مسح على قلنسوته ‏.‏ وعن عمر رضي الله عنه ‏:‏ إن شاء حسر عن رأسه ، وإن شاء مسح على قلنسوته وعمامته ‏.‏ وكانت أم سلمة تمسح على الخمار ‏.‏ وقال الخلال ‏:‏ قد روي المسح على القلنسوة من رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد ، صحاح واختاره لأنه ملبوس للرأس معتاد أشبه العمامة ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يجوز لأنه لا يشق نزع القلنسوة ، ولا يشق على المرأة المسح من تحت خمارها ، فأشبه الكلوتة والوقاية ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز المسح على الجبائر الموضوعة على الكسر ، لأنه يروى عن علي رضي الله عنه أنه قال ‏:‏ انكسرت إحدى زندي فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمسح عليها ‏.‏ رواه ابن ماجه ، ولأنه ملبوس يشق نزعه ، فجاز المسح عليه كالخف ، ولا إعادة على الماسح كما ذكرنا ‏.‏

ويشترط أن لا يتجاوز بالشد موضع الحاجة لأن المسح عليها إنما جاز للضرورة ، فوجب أن يتقيد الجواز بموضع الضرورة ‏.‏

وتفارق الجبيرة الخف بثلاثة أشياء ‏:‏

أحدها ‏:‏ يجب مسح جميعها ، لأنه مسح للضرورة أشبه التيمم ، ولأن استيعابها بالمسح لا يضر بخلاف الخف ‏.‏

الثاني ‏:‏ أن مسحها لا يتوقف ، لأنه جاز لأجل الضرورة فيبقى ببقائه ‏.‏

الثالث ‏:‏ أنه يجوز في الطهارة الكبرى ، لأنه مسح أجيز للضرورة أشبه التيمم ‏.‏

وفي تقدم الطهارة روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يشترط لأنه حائل منفصل يمسح عليه ، أشبه الخف ، فإن لبسها على غير طهارة ، أوتجاوز بشدها موضع الحاجة ، وخاف الضرر بنزعها تيمم لها ، كالجريح العاجز عن غسل جرحه ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يشترط ، لأنه مسح أجيز للضرورة ، فلم يشترط تقدم الطهارة له كالتيمم ‏.‏

فصل‏:‏

ولا فرق بين الجبيرة على الكسر ، أوجرح يخاف الضرر بغسله لأنه موضع يحتاج إلى الشد عليه ، فأشبه الكسر ، ولووضع على الجرح دواء ، وخاف الضرر بنزعه ، مسح عليه ، نص عليه ‏.‏ وقد روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه خرجت بإبهامه قرحة ، فألقمها مرارة ، فكان يتوضأ عليها ‏.‏
باب نواقض الطهارة الصغرى


وهي ثمانية ‏:‏ الخارج من السبيلين ، وهو نوعان ‏:‏

معتاد فينقض بلا خلاف ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏أوجاء أحد منكم من الغائط‏}‏ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ولكن من غائط وبول ونوم وقوله ‏:‏ فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أويجد ريحاً وقال في المذي ‏:‏ يغسل ذكره ويتوضأ متفق عليه ‏.‏

النوع الثاني ‏:‏ نادر كالحصى والدود والشعر والدم ، فينقض أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال للمستحاضة ‏:‏ تتوضأ عند كل صلاة رواه أبوداود ، ودمها غير معتاد ، ولأنه خارج من السبيل ، أشبه المعتاد ، ولا فرق بين القليل والكثير ‏.‏

فصل ‏:‏

الثاني ‏:‏ خروج النجاسة من سائر البدن ، وهونوعان ‏:‏

غائط وبول فينقض قليل وكثيره ، لدخوله في النصوص المذكورة ‏.‏

الثاني ‏:‏ دم وقيح وصديد وغيره ، فينقض كثيره ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لفاطمة بنت أبي حبيش ‏:‏ إن دم عرق فتوضئي لكل صلاة رواه الترمذي فعلل بكونه دم عرق ، وهذا كذلك ، ولأنها نجاسة خارجة من البدن ، أشبهت الخارج من السبيل ‏.‏ ولا ينقض يسيره لقول ابن عباس في الدم ‏:‏ إن كان فاحشاً فعليه الإعادة ، قال الإمام أحمد ‏:‏ عدة من الصحابة تكلموا فيه ، ابن عمر عصر بثرة فخرج دم ، فصلى ولم يتوضأ ، وابن أبي أوفى عصر دملاً ، وذكر غيرهما ، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً ‏.‏

وظاهر مذهب أحمد أنه لا حد للكثير إلا ما فحش ، لقول ابن عباس ‏.‏

وقال ابن عقيل ‏:‏ إنما يعتبر الفاحش في نفوس أوساط الناس ، لا المتبذلين ، ولا الموسوسين ، كما رجعنا في يسير اللقطة الذي لا يجب تعريفه إلى ما لا تتبعه نفوس الأوساط ‏.‏

وعن أحمد ‏:‏ أن الكثير شبر في كثير ‏.‏

وعنه ‏:‏ قدر الكف فاحش ‏.‏

وعنه ‏:‏ قدر عشر أصابع كثير ، وما يرفعه بإصبعه الخمس يسير ‏.‏

وقال الخلال ‏:‏ والذي استقر عليه قوله ‏:‏ إن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه ‏.‏

فصل ‏:‏

الثالث ‏:‏ زوال العقل ، وهونوعان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ النوم فينقض ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولكن من غائط وبول ونوم ‏.‏ وعنه عليه السلام أنه قال ‏:‏ العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ رواه أبوداود ‏.‏ ولأن النوم مظنة الحدث ، فقام مقامه كسائر المظان ‏.‏ ولا يخلومن أربع أحوال ‏:‏

أحدها ‏:‏ أن يكون مضجعاً أومتكئاً أومعتمداً على شيء ، فينقض الوضوء قليله وكثيره ، لما رويناه ‏.‏

والثاني ‏:‏ أن يكون جالساً غير معتمد على شيء فلا ينقض قليله ، لما روى أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعوداً ثم يصلون ، ولا يتوضؤون رواه مسلم بمعناه ‏.‏ ولأن النوم إنما نقض ، لأنه مظنة لخروج الريح من غير علمه ، ولا يحصل ذلك ههنا، لأنه يشق التحرز منه لكثرة وجوده من منتظري الصلاة ، فعفي عنه ، وإن كثر واستثقل ، نقض ، لأنه لا يعلم بالخارج مع استثقاله ويمكن التحرز منه ‏.‏

الحال الثالث ‏:‏ القائم ، ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ إلحاقه بحالة الجلوس ، لأنه في معناه ‏.‏

والثانية ‏:‏ ينقض يسيره ، لأنه لا يحتفظ حفاظ الجالس ‏.‏

الرابع ‏:‏ الراكع والساجد ، وفيه روايتان ‏:‏

أولهما ‏:‏ أنه كالمضجطع لأنه ينفرج محل الحدث ، فلا يتحفظ ، فأشبه المضطجع ‏.‏

والثانية ‏:‏ أنه كالجالس ، لأنه على حال من أحوال الصلاة ، أشبه الجالس ‏.‏

والمرجع في اليسير والكثير إلى العرب ، ما عد كثيراً فهوكثير ، وما لا فلا ، لأنه لا حد له في الشرع فيرجع فيه إلى العرف ، كالقبض والإحراز ، وإن تغير عن هيئته انتقض وضوءه لأنه دليل على كثرته استثقال فيه ‏.‏

النوع الثاني ‏:‏ زوال العقل بجنون أوإغماء أوسكر ينقض الوضوء ، لأنه لما نص على نقضه بالنوم نبه على نقضه بهذه الأشياء ، لأنها أبلغ في إزالة العقل ، ولا فرق بين الجالس وغيره ، والقليل والكثير ، لأن صاحب هذه الأمور لا يحس بحال ، بخلاف النائم فإنه إذا نبه انتبه ، وإن خرج منه شيء قبل استثقاله في نومه أحس به ‏.‏

الرابع ‏:‏ أكل لحم الجزور فينقض الوضوء ، لما روى جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أنتوضأ من لحوم الغنم ‏؟‏ قال ‏:‏ إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال ‏:‏ أنتوضأ من لحوم الإبل ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم توضأ من لحوم الإبل رواه مسلم ‏.‏ قال أبوعبد الله ‏:‏ فيه حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حديث البراء بن عازب ، وجابر بن سمرة ‏.‏ ولا فرق بين قليله وكثيره ، ونيئه ومطبوخه ، لعموم الحديث ‏.‏

وعنه في من أكل وصلى ولم يتوضأ ‏:‏ إن كان يعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، بالوضوء منه فعليه الإعادة ، وإن كان جاهلاً فلا إعادة عليه ‏.‏

وفي اللبن روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا ينقض لأنه ليس بلحم ‏.‏

والثانية ‏:‏ ينقض ، لما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ توضؤوا من لحوم الإبل وألبانها رواه أحمد في المسند ‏.‏

وفي الكبد والطحال ، وما لا يسمى لحماً وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ لا ينقض لأنه ليس بلحم ‏.‏

والثاني ‏:‏ ينقض ، لأنه من جملته ، فأشبه اللحم ، وقد نص الله على تحريم لحم الخنزير فدخل فيه سائر أجزائه ‏.‏

ولا ينقض الوضوء مأكول غير احم الإبل ، ولا ما غيرت الناس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحم الغنم ‏:‏ وإن شئت فلا توضأ ويروى أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ترك الوضوء مما غيرت النار ‏.‏ رواه أبوداود ‏.‏

فصل ‏:‏

والخامس ‏:‏ لمس الذكر فيه ثلاث روايات ‏:‏

إحداهن ‏:‏ لا ينقض ‏[‏ الوضوء ‏]‏ ، لما روى قيس بن طلق ‏[‏ عن أبيه ‏]‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ، سئل عن الرجل يمس ذكره ، وهوفي الصلاة ‏.‏ قال ‏:‏ هل هوإلا بضعة منك رواه أبوداود ‏.‏ ولأنه جزء من جسده ، أشبه يده ‏.‏

والثانية ‏:‏ ينقض وهي أصح ، لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من مسه ذكره فليتوضأ ‏.‏ قال أحمد رضي الله عنه ‏:‏ هوحديث صحيح ‏.‏ وروى أبوهريرة نحوه ، وهومتأخر عن حديث طلق ، لأن في حديث طلق أنه قدم ، وهم يؤسسون المسجد ، وأبوهريرة قدم حين فتحت خبير فيكون ناسخاً له ‏.‏

والثالثة ‏:‏ إن قصد إلي مسه نقض ، ولا ينقض من غير قصد ، لأنه لمس فلم ينقض بغير قصد كلمس النساء ‏.‏

وفي لمس حلقة الدبر ، ومس المرأة فرجها روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا ينقض لأن تخصيص الذكر بالنقض دليل على عدمه من غيره ‏.‏

والثانية ‏:‏ ينقض ، لأن أبا أيوب وأم حبيبة قالا ‏:‏ سمعنا النبيصلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ من مس فرجه فليتوضأ قال أحمد حديث أم حبيبة صحيح ‏.‏ وهذا عام ولأنه سبيل فأشبه الذكر ‏.‏

وحكم لمسه فرج غيره حكم لمس فرج نفسه صغيراً كان أوكبيراً ، لأن نصه على نقض الوضوء بمس ذكر نفسه ، ولم يهتك به حرمة وهذا تنبيه على نقضه بمس من غيره ‏.‏

وفي مس الذكر المقطوع وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ لا ينقض كمس يد المرأة المقطوعة ‏.‏

والآخر ‏:‏ ينقض ، لأنه مس ذكر ‏.‏ وإن انسد المخرج وانفتح غيره لم ينقض مسه ، لأنه ليس بفرج ‏.‏ ولا ينقض مس فرج البهيمة ، لأنه لا حرمة لها ، ولا مس ذكر الأنثى المشكل ، ولا قبله ، لأنه لا يتحقق كونه فرجاً ‏.‏ وإن مسهما معاً نقض لأن أحدهما فرج ‏.‏ وإن مس رجل ذكره لشهوة نقض ، لأنه إن كان ذكراً فقد مس ذكره ، وإن كانت امرأة فقد مسها لشهوة ‏.‏ وإن مست امرأة قبله لشهوة لما ذكرنا ‏.‏ واللمس الذي ينقض هواللمس بيده إلى الكوع ، ولا فرق بين ظهر الكف وبطنه ، لأن أبا هريرة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ من المسند ، ورواه الدار قطني بمعناه ‏.‏ واليد المطلقة تتناول اليد إلى الكوع لما نذكره في التيمم ‏.‏

ولا ينقض غير الفرج كالعانة والأنثين وغيرهما ، لأن تخصيص الفرج به دليل على عدمه فيما سواه ‏.‏

فصل ‏:‏

السادس ‏:‏ لمس النساء وهوأن تمس بشرته بشرة أنثى ، وفيه ثلاث روايات ‏:‏

إحداهن ‏:‏ ينقض بكل حال ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏أولامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏

والثانية ‏:‏ لا ينقض لما روي ‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ ‏.‏ رواه أبوداود وعن عائشة رضي الله عنها قالت ‏:‏ فقدت النبي ‏(‏ص‏)‏ ، فجعلت أطلبه فوقعت يدي على قدميه ، وهما منصوبتان ، وهوساجد ‏.‏ رواه النسائي ومسلم ‏.‏ ولوبطل وضوءه لفسدت صلاته ‏.‏

والثالثة ‏:‏ هي ظاهر المذهب أنه ينقض إذا كان لشهوة ، ولا ينقض لغيرها جمعاً بين الآية والأخبار ، ولأن اللمس ليس بحدث وإنما هوداع إلى الحدث ، فاعتبرت فيه الحالة التي تدعوا فيها إلى الحدث كالنوم ‏.‏

ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة ، وذوات المحارم وغيرهن ، لعموم الأدلة فيه ‏.‏

وإن لمست امرأة رجلاً ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ أنها كالرجل ، لأنها ملامسة توجب طهارة فاستوى فيها الرجل والمرأة كالجماع ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا ينقض وضوءها ، لأن النص لم يرد فيها ، ولا يصح قياسها على المنصوص ، لأن اللمس منه أدعى إلى الخروج ‏.‏

وهل ينقض وضوء الملموس ‏؟‏ فيه روايتان ‏.‏

وإن لمس سن امرأة أوشعرها أوظفرها لم ينقض وضوءه ‏.‏ لأنه لا يقع عليها الطلاق بإيقاعه عليه ، وإن لمس عضواً مقطوعاً ، لم ينقض وضوءه ، لأنه لا يقع عليه اسم امرأة ، وإن مس غلاماً أوبهيمةً أومست امرأة امرأة، لم ينقض الوضوء ، لأنه ليس محلاً لشهوة الآخر شرعاً ‏.‏

فصل ‏:‏

السابع ‏:‏ الردة عن الإسلام ، وهوأن ينطق بكلمة الكفر ، أويعتقدها ، أويشك شكاً يخرجه عن الإسلام ، فينتقض وضوءه لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏لئن أشركت ليحبطن عملك‏}‏ ولأن الردة حدث لقول ابن عباس ‏:‏ الحدث حدثان وأشدهما حدث اللسان ‏.‏ فيدخل في عموم قوله عليه السلام ‏:‏ لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ متفق عليه ‏.‏ ولأنها طهارة من حدث ، فأبطلتها الردة كالتيمم ‏.‏

فصل ‏:‏

الثامن ‏:‏ غسل الميت ‏.‏ عده أصحابنا من نواقض الوضوء ، لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء ‏.‏ وقال أبوهريرة ‏:‏ أقل ما فيه الوضوء ، لأنه مظنة لمس الفرج فأقيم مقامه كالنوم مع الحدث ‏.‏ ولا فرق بين الميت المسلم ، والكافر ، والصغير والكبير في ذلك ، لعموم الأمر والمعنى ‏.‏

وكلام أحمد يدل على أنه مستحب غير واجب ، فإنه قال ‏:‏ أحب إلي أن يتوضأ ‏.‏ وعلل نفي وجوب الغسل من غسل الميت بكون الحديث موقوفاً على أبي هريرة والوضوء كذلك ، ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا هوفي معنى المنصوص ، والأصل عدم وجوبه ، فيبقى عليه ، وما عدا هذا لا ينقض بحال ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن تيقن الطهارة وشك هل أحدث أم لا فهوعلى طهارته ، لما روي عن النبي ‏(‏ص‏)‏ أنه قال ‏:‏ إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه هل خرج شيء أولم يخرج ‏؟‏ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أويجد ريحاً رواه مسلم والبخاري ، ولأن اليقين لا يزال بالشك ‏.‏

وإن تيقن الحدث ، شك في الطهارة ، فهومحدث لذلك ‏.‏

وإن تيقنهما ، وشك في السابق منهما نظر في حاله قبلهما فإن كان متطهراً فهومحدث الآن لأنه تيقن زوال تلك الطهارة ، بحدث وشك هل زال أم لا ، فلم يزل يقين الحدث بشك الطهارة ، وإن كان قبلهما محدثاً ، فهوالآن متطهر لما ذكرنا في التي قبلها ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا تشترط الطهارتان معاً إلا لثلاثة أشياء ‏:‏

الصلاة ‏:‏ لقول النبي ‏(‏ص‏)‏ ‏:‏ لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ ‏.‏

والطواف ‏:‏ لقول النبي ‏(‏ص‏)‏ ‏:‏ الطواف في البيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام رواه الشافعي في مسنده ‏.‏

ومس المصحف ‏:‏ لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏لا يمسه إلا المطهرون‏}‏ ‏.‏ وفي كتاب النبي ‏(‏ص‏)‏ لعمر بن حازم ‏:‏ لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر رواه الأثرم ‏.‏ ولا بأس بحمله في كمه أوبعلاقته ، وتصحفه بعود ، لأنه ليس بمسه له ، ولذلك لوفعله بامرأة لم ينتقض وضوءه ‏.‏

وإن مس المحدث كتاب فقه ، أورسالة فيها آي من القرآن جازه لأنه لا يسمى مصحفاً ، والقصد منه غير القرآن ، ولذلك كتب النبي ‏(‏ص‏)‏ إلى قيصر في رسالته ‏:‏ ‏{‏يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم‏}‏ الآية ، متفق عليه ‏.‏ وكذلك إن مس ثوباً مطرزاً بآية من القرآن ‏.‏

وإن مس درهماً مكتوباً عليه آية فكذلك في أحد الوجهين لما ذكرنا ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يجوز لأنه معظم ما فيه من القرآن ‏.‏

وفي مس الصبيان ألواحهم ، وحملها على غير طهارة وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ لا يجوز لأنهم محدثون ، فأشبهوا البالغين ‏.‏

والثاني ‏:‏ يجوز لأن حاجتهم ماسة إلى ذلك ولا تتحفظ طهارتهم ، فأشبه الردهم ‏.‏

ومن كان طاهراً وبعض أعضائه نجس فمس المصحف بالعضوالطاهر جاز ، لأن حكم النجاسة لا يتعدى محلها بخلاف الحدث ‏.‏

فصل ‏:‏

ويستحب تجديد الطهارة ، لأن النبي ‏(‏ص‏)‏ كان يتوضأ لكل صلاة طلباً للفضل ‏.‏ رواه البخاري ‏.‏

وصلى يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد ليبين الجواز ‏.‏ رواه مسلم ‏.‏


باب آداب التخلي


يستحب لمن أراد قضاء الحاجة أن يقول ‏:‏ بسم الله ‏.‏ لما روى علي رضي الله عنه قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول ‏:‏ بسم الله رواه بن ماجة والترمذي ‏.‏ ويقول ‏:‏ اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان إذا دخل الخلاء قال ذلك ‏.‏ متفق عليه ‏.‏

فإذا خرج قال ‏:‏ غفرانك ، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ، لما روت عائشة قالت ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال ‏:‏ غفرانك حديث حسن ‏.‏ وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال ‏:‏ الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني رواه ابن ماجة ، ويقدم رجله اليسرى في الدخول ورجله اليمنى في الخروج ، لأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه ، ويضع ما فيه ذكر الله أوقرآن صيانة له ، فإذا كان ذلك دراهم ، فقال أحمد رضي الله عنه ‏:‏ أرجوأن لا يكون به بأس ‏.‏ قال ‏:‏ والخاتم فيه اسم الله يجعله في بطن كفه ، ويدخل الخلاء ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن كان في الفضاء أبعد لما روى جابر قال ‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد ‏.‏

ويستتر عن العيون ، لما روى أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ‏:‏ من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره ‏.‏

ويرتاد لبوله مكاناً رخواً لئلا يترشش عليه ‏.‏ ولا يرفع ثوبه حتى يدنومن الأرض لما روء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنومن الأرض أخرج هذه الأحاديث الثلاثة أبوداود ‏.‏

ويبول قاعداً لأنه أستر له ، وأبعد من أن يترشش عليه ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يجوز استقبال القبلة في الفضاء بغائط ولا بول ، لما روى أبوأيوب قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا أوغربوا ‏.‏ قال أبوأيوب ‏:‏ فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحوالكعبة ، فننحرف عنها ، ونستغفر الله ، متفق عليه ‏.‏

وفي استدبارها روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يجوز ، لهذا الحديث ‏.‏

والأخرى ‏:‏ يجوز ، لما روى ابن عمر قال رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالساً على حاجته ، مستقبل الشام مستدبر الكعبة ‏.‏ متفق عليه ‏.‏

وفي استدبارها في البنيان روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يجوز لعموم النهي ‏.‏

والثانية ‏:‏ يجوز ، لما روى عراك بن مالك عن عائشة رضي الله عنها قالت ‏:‏ ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم أن قوماً يكرهون استقبال القبلة بفروجهم ، فقال ‏:‏ أوقد فعلوا ‏؟‏‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ استقبلوا بمقعدتي القبلة رواه الإمام أحمد وابن ماجه ‏.‏ قال أحمد ‏:‏ أحسن حديث يروى في الرخصة حديث عراك ، وإن كان مرسلاً فإن مخرجه حسن ‏.‏ سماه مرسلاً ، لأن عراكاً لم يسمع من عائشة ‏.‏ وعن مروان الأصفر أنه قال ‏:‏ أناخ ابن عمر بعيره مستقبل القبلة ، ثم جلس يبول إليه فقلت ‏:‏ يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء أما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس ‏.‏ رواه أبوداود ‏.‏

ويكره أن يستقبل الشمس والقمر تكريماً لهما ، وأن يستقبل الريح لئلا ترد البول عليه ‏.‏

فصل ‏:‏

ويكره أن يبول في شق أوثقب ، لما روى عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نهى أن يبال في الجحر رواه أبوداود ‏.‏ولأنه لا يأمن أن يكون مسكناً للجن ، أويكون فيه دابة تلسعه ، ويكره البول في طريق أوظل ينتفع به ، أومورد ماء ، لما روى معاذ قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اتقوا الملاعن الثلاث ‏:‏ البراز في الموارد ، وقارعة الطريق ، والظل رواه أبوداود ، ويكره البول في موضع تقع فيه الثمرة لئلا تتنجس به ، والبول في المغتسل ، لما روى عبد الله بن مغفل قال ‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل في مغتسله رواه بن ماجة ‏.‏ قال أحمد رضي الله عنه ‏:‏ إن صب عليه الماء فجرى في البالوعة فذهب فلا بأس ‏.‏

فصل ‏:‏

يكره أن يتكلم على البول أويسلم ، أويذكر الله تعالى بلسانه لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم عليه رجل وهويبول ، فلم يرد عليه حتى توضأ ثم قال ‏:‏ كرهت أن أذكر الله إلا على طهر رواه أبوداود والنسائي وابن ماجة ‏.‏ ويكره الإطالة أكثر من الحاجة ، لأنه يقال ‏:‏ إن ذلك يدمي الكبد ، ويأخذ منه الباسور ‏.‏ ويتوكأ في جلوسه على الرجل اليسرى ، لما روى سراقة بن مالك قال ‏:‏ علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى ، وننصب اليمنى‏.‏ رواه الطبراني في معجمه ولأنه أسهل لخروج الخارج ، ويتنحنح ليخرج ما تم ، ثم يسلت من أصل ذكره فيما بين المخرجين ، ثم ينتره برفق ثلاثاً فإذا أراد الاستنجاء تحول من موضعه لئلا يرش على نفسه ‏.‏

فصل ‏:‏

ولاستنجاء واجب من كل خارج من السبيل معتاداً كان أونادراً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المذي ‏:‏ يغسل ذكره ويتوضأ وقال‏:‏ إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه رواه أبوداود ‏.‏ عن ابن أبي أوفى عن النبي‏(‏ص‏)‏ والنسائي وأحمد والدار قطني وقال ‏:‏ إسناد حسن صحيح ‏.‏ ولأن المعتاد نجاسة لا مشقة في إزالتها فلم تصح الصلاة معها كالكثير ، والنادر لا يخلومن رطوبة تصحبه غالباً ، ولا يجب من الريح، لأنها ليست نجسة ، ولا يصحبها نجاسة ، وقد روي ‏:‏ من استنجى من الريح فليس منا رواه الطبراني في المعجم الصغير ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن تعدت النجاسة المخرج بم لم تجر العادة به ، كالصفحتين ومعظم الحشفة لم يجزئه إلا الماء ، لأن ذلك نادر ، فلم يجز فيه المسح ، كيده وإن لم يتجاوز قدر العادة جاز بالماء والحجر ، نادراً كان أومعتاداً ، لحديث ابن أبي أوفى ، ولأن النادر خارج يوجب الاستنجاء أشبه المعتاد ‏.‏ والأفضل الجمع بين الماء والحجر يبدأ بالحجر ، لأن عائشة رضي الله عنها قالت ‏:‏ مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء من أثر الغائط والبول ، فإني أستحييهم ، فإن النبي ‏(‏ص‏)‏ ، كان يفعله ‏.‏ حديث صحيح ‏.‏ ولأنه أبلغ في الإنقاء وأنظف ‏.‏ ولأن الحجر يزيل عين النجاسة ، فلا تباشرها يده ، فإن اقتصر على أحدهما جاز ، والماء أفضل ، لأن أنساً قال ‏:‏ كان النبي ‏(‏ص‏)‏ إذا خرج لحاجة أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء ، يعني ‏:‏ يستنجي به متفق عليه ‏.‏ ولأنه يزيل عين النجاسة وأثرها ويطهر المحل‏.‏

وإن اقتصر على الحجر أجزأ بشرطين ‏:‏

أحدهما ‏:‏ الإنقاء وهوأن لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء بحيث يخرج الآخر نقياً ‏.‏

والثاني ‏:‏ استيفاء ثلاثة أحجار ، لقول سلمان رضي الله عنه ‏:‏ لقد نهانا - يعني النبي ‏(‏ص‏)‏ - أن نستنجي باليمين ، وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار ، وأن نستنجي برجيع أوعظم ‏.‏ رواه مسلم ‏.‏ فإن كان الحجر كبيراً فمسح بجوانبه ثلاث مسحات أجزأه ‏.‏ ذكره الخرقي ، لأن المقصود عدد المسحات دون عدد الأحجار بدليل أنا لم نقتصر على الأحجار بل عديناه إلى ما في معناه من الخشب والخرق ‏.‏

وقال أبوبكر لا يجزئه اتباعاً للفظ الحديث ، وقال ‏:‏ لا يجزئه الاستجمار بغير الأحجار ، لأن الأمر ورد بها على الخصوص ، ولا يصح ، لأن في سياقه وإن نستنجي برجيع أوعظم فيدل على أنه أراد الحجر ، وما في معناه ، ولولا ذلك لم يخص هذين بالنهي ، وروى طاوس أن النبي ‏(‏ص‏)‏ ، قال ‏:‏ فليستطب بثلاثة أحجار ، أوثلاثة أعواد ، أوثلاثة حثيات من تراب رواه الدارقطني ‏.‏ ولأنه نص على الأحجار لمعنىً معقول، فيتعداه الحكم كنصه على الغضب في منع القضاء ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز الاستجمار بكل جامد طاهر منق ، غير مطعوم ، لا حرمة له ، ولا متصل بحيوان ، فيدخل فيه الحجر ، وما قام مقامه من الخشب والخرق والتراب ، ويخرج منه المائع ، لأنه يتنجس بإصابة النجاسة ، فيزيد المحل تنجساً ، ويخرج منه النجس ، لأن النبي ‏(‏ص‏)‏ ، ألقى الروثة ، وقال ‏:‏ إنها ركس رواه البخاري ‏.‏ ولأنه يكسب المحل نجاسة ‏.‏ فإن استجمر به ، والمحل رطب ، لم يجزه الاستجمار بعده ، لأن المحل صار نجساً بنجاسة واردة عليه ، فلزم غسله ، كما لوتنجس بذلك في حال طهارته ، ويخرج ما لا ينقي كالزجاج والفحم الرخولأن الإنقاء شرط ، ولا يحصل به ، ويخرج المطعومات والروث والرمة ، وإن كانا ظاهرين لما روى ابن مسعود أن النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ قال ‏:‏ لا تنجسوا بالروث ، ولا بالعظام فأن زاد إخوانكم من الجن رواه مسلم ‏.‏ علل النهي بكونه زاداً للجن فزادنا أولى ‏.‏ ويخرج ما له حرمة كالورق المكتوب ، لأن له حرمة ، أشبه المطعوم ، ويخرج منه ما يتصل بحيوان ، كيده ، وذنب بهيمة وصوفها المتصل بها ، لأنه ذوحرمة ، فأشبه سائر أعضاءها ‏.‏ وإن استجمر بما نهى عنه لم يصح، لأن الاستجمار رخصة فلا تستباح بالمحرم كسائر الرخص ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يستجمر بيمينه ، ولا يستعين بها فيه ، لحديث سلمان وروى أبوقتادة أن النبي ‏(‏ص‏)‏ قال ‏:‏ لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهويبول ، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه متفق عليه ‏.‏ فيأخذ ذكره بيساره ، ويمسح به الحجر أوالأرض ، فإن كان الحجر صغيراً أمسكه بعقبيه ، أوبإبهامي قدميه ، فمسح عليه ، فإن لم يمكنه ، أخذ الحجر بيمينه ، والذكر بيساره ، فمسحه على الحجر ‏.‏

ولا يكره الاستعانة باليمنى في الماء ، لأن الحاجة داعية إليه ، فإذا استجمر بيمينه أجزأه ، لأن الاستجمار بالحجر لا باليد ، فلم يقع النهي على ما يستنجي به ‏.‏

فصل ‏:‏

وكيف حصل الإنقاء في الاستجمار أجزأه إلا أن المستحب أن يمر حجراً من مقدم صفحته اليمنى إلى مؤخرها ، ثم يمره على صفحته اليسرى حتى يرجع به إلى الموضع الذي بدأ منه ، ثم يمر الثاني من مقدم صفحته اليسرى كذلك ، ثم يمر الثالث على المسربة والصفحتين ، لما روي عن النبي ‏(‏ص‏)‏ ، أنه قال ‏:‏ أولا يجد أحدكم حجرين للصفحتين ، وحجراً للمسربة رواه الدارقطني ، وقال إسناد حسن ‏.‏ ويبدأ بالقبل لينظفه لئلا تتنجس يده به عند الاستجمار في الدبر ، والمرأة مخيرة في البداءة بأيهما شاءت لعدم ذلك فيها ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن توضأ قبل الاستنجاء ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يجزئه ، لأنها طهارة يبطلها الحدث ، فاشترط تقديم الاستنجاء عليها كالتيمم ‏.‏

والثانية ‏:‏ يصح لأنها نجاسة فلم يشترط تقديم إزالتها كالتي على ساقه ، فعلى هذه الرواية إن قدم التيمم على الاستجمار ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يصح قياساً على الوضوء ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يصح لأنه لا يرفع الحدث ، وإنما تستباح به الصلاة ، فلا تباح مع قيام المانع ‏.‏ وإن تيمم وعلى بدنه نجاسة في غير الفرج ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ لا يصح قياساً على نجاسة الفرج ‏.‏

والثاني ‏:‏ يصح لأنها نجاسة لم توجب التيمم فلم تمنع صحته كالتي على ثوبه ‏.‏


باب ما يوجب غسله


الموجب له في حق الرجل ثلاث أشياء ‏:‏

الأول ‏:‏ إنزال المني ، وهوالماء الدافق تشتد الشهوة عند خروجه ، ويفتر البدن بعده ‏.‏ وماء الرجل أبيض ثخين ، وماء المرأة أصفر رقيق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر رواه مسلم ‏.‏ فيجب الغسل بخروجه في النوم واليقظة ، لأن أم سليم قالت ‏:‏ يا رسول الله ، إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ‏؟‏ فقال رسول الله ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ ‏:‏ نعم إذا رأت الماء متفق عليه ‏.‏ فإن خرج لمرض من غير شهوة لم يوجب ، لأن النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ وصف المني الموجب بأنه غليظ أبيض ، ولا يخرج في المرض إلا رقيقاً ‏.‏ فإن احتلم فلم يرى بللاً فلا غسل عليه ، لحديث أم سليم ‏.‏ وإن رأى منياً ولم يذكر احتلاماً فعليه الغسل ، لما روت عائشة قالت ‏:‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ، ولا يذكر احتلاماً ، فقال ‏:‏ يغتسل ‏.‏ وسئل عن الرجل يرى أنه قد احتلم ، ولا يجد البلل ، فقال ‏:‏ لا غسل عليه رواه أبوداود ‏.‏ فإن وجد منياً في ثوب ينام فيه هووغيره ، فلا غسل عليه ، لأن الأصل عدم وجوبه ، فلا يجب بالشك ‏.‏

وإن لم يكن ينام فيه غيره ، وهوممن يمكن أن يحتلم كابن اثني عشر سنة فعليه الغسل ‏.‏

وإعادة الصلاة من أحدث نومة نامها ، لأن عمر رضي الله عنه رأى في ثوبه منياً بعد أن صلى ، فاغتسل وأعاد الصلاة ‏.‏

فصل ‏:‏

والمذي ‏:‏ ماء رقيق يخرج بعد الشهوة متسبباً لا يحس بخروجه ، فلا غسل فيه ، ويجب منه الوضوء ، لما روى سهل بن حنيف رضي الله عنه قال ‏:‏ كنت ألقى من المذي شدة وعناء ، فكنت أكثر منه الاغتسال ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسألته عنه ، فقال ‏:‏ يجزيك من ذلك الوضوء ، حديث صحيح ‏.‏ وهل يوجب غسل الذكر والأنثيين ‏؟‏ على روايتين ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يوجب ، لحديث سهل ‏.‏

والثانية ‏:‏ يوجب لما روى علي رضي الله عنه قال ‏:‏ كنت رجلاً مذاء ، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته ، فأمرت المقداد فسأله ، فقال ‏:‏ يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ ، رواه أبوداود ‏.‏

والودي ‏:‏ ماء أبيض يخرج عقب البول ، فليس فيه إلا الوضوء ، لأن الشرع لم يرد فيه بزيادة عليه ‏.‏

فإن خرج منه شيء ولم يدر ، أمني هوأوغيره ‏؟‏ في يقظة فلا غسل فيه ، لأن المني الموجب الغسل يخرج دفقاً بشهوة ، فلا يشتبه بغيره ، وإن كان في نوم ، وكان نومه عقيب شهوة بملاعبة أهله ، أوتذكر فهومذي ، لأن ذلك سبب المذي ، والظاهر أنه مذي ، وإن لم يكن كذلك اغتسل ، لحديث عائشة في الذي جد البلل ، ولأن خروج المني في النوم معتاد ، وغيره نادر ، فحمل الأمر على المعتاد ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن أحس بانتقال المني من ظهره ، فأمسك ذكره فلم يخرج ، ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا غسل عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذا رأت الماء ‏.‏

والثانية ‏:‏ يجب ، لأنه خرج من مقره ، أشبه ما لوظهر ‏.‏

فإن اغتسل فخرج بعد ذلك ، وجب الغسل على الرواية الأولى ، لأن الواجب متعلق بخروجه ، ولم يجب على الثانية ، لأنه تعلق بانتقاله ، وقد اغتسل له ‏.‏

وعنه ‏:‏ إن خرج قبل البول ، وجب الغسل ، لأنا نعلم أنه المني المنتقل ، فإن خرج بعده لم يجب لأنه يحتمل أنه غيره ، وهوخارج لغير شهوة ، وفي فضلة المني الخارج بعد الغسل الروايات الثلاث ‏.‏

فصل ‏:‏

والثاني ‏:‏ التقاء الختانين ، وهوتغيب الحشفة في الفرج يوجب الغسل وإن عري عن الإنزال ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل رواه مسلم ‏.‏ وختان الرجل ‏:‏ الجلدة التي تبقى بعد الختان ، وختان المرأة ، جلدة كعرف الديك في أعلى الفرج يقطع منها في الختان ، فإذا غابت الحفشة في الفرج تحاذى ختاناهما فيقال ‏:‏ التقيا وإن لم يتماسا ‏.‏

ويجب الغسل في الإيلاج في كل فرج ، قبل أودبر ، من آدمي ، أوبهيمة ، حي أوميت ، لأنه فرج أشبه قبل المرأة ‏.‏

فإن أولج من قبل الخنثى المشكل ، فلا غسل عليهما لأنه لا يتيقن كونه فرجاً فلا يجب الغسل بالشك‏.‏

فصل ‏:‏

والثالث ‏:‏ إسلام الكافر وفيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يوجب الغسل اختارها الخرقي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة بن أثال ، وقيس بن عاصم أن يغتسلا حين أسلما ، ولأن الكافر لا يسلم من حدث لا يرتفع حكمه باغتساله ، فقامت مظنة ذلك مقامه ، ولا يلزمه أن يغتسل للجنابة ، لأن الحكم تعلق بالمظنة ، فسقط حكم المظنة كالمشقة في السفر ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا غسل عليه اختارها أبوبكر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ ‏:‏ إنك تأتي قوماً أهل كتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فأن هم أطاعوك لذلك ، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات متفق عليه ‏.‏ ولم يأمرهم بالغسل ، ولوكان أول الفروض لأمر به ، ولأنه أسلم العدد الكثير ، والجم الغفير ، فلوأمروا بالغسل لنقل نقلاً متواتراً ‏.‏

فإن أجنب في حال كفره احتمل أنه لا يجب الغسل عليه لما ذكرناه واحتمل أنه يجب ، وهوقول أبي بكر ، لأن حكم الحدث باق ‏.‏

فصل ‏:‏

أما المرأة فيجب من حقها الأغسال المذكورة ، وتزيد بالغسل من الحيض ، والنفاس ، ونذكره في بابه ‏.‏

ولا يجب الغسل في الولادة العارية من الدم ، لأن الإيجاب من الشرع ، ولم يوجب لها ، ولا هي في معنى المنصوص عليه ‏.‏

وعنه يجب بها ، لأنها لا تكاد تعرى من نفاس موجب ، فكانت مظنة له ، فأقيمت مقامه كاتقاء الختانين مع الإنزال ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يجب الغسل بغير ذلك ، من غسل ميت ، أوإفاقة مجنون ، أومغمىً عليه ، لما ذكرناه ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن لزمه الغسل حرم عليه ما حرم على المحدث ، ويحرم عليه قراءة آية فصاعداً ، لقول علي رضي الله عنه ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ، ويأكل معنا اللحم ، ولم يكن يحجبه ‏.‏ أوقال ‏:‏ يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة ‏.‏ رواه أبوداود ‏.‏ وفي بعض آية روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يحرم قراءته ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ لا تقرأ الحائض والجنب شيئاً من القرآن رواه أبوداود ‏.‏

والأخرى ‏:‏ يجوز ، لأن الجنب لا يمنع من قول ‏:‏ بسم الله ، والحمد لله ، وذلك بعض آية ‏.‏

فصل ‏:‏

ويحرم عليه اللبث في المسجد لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا‏}‏ ‏.‏ ، يعني مواضع الصلاة ‏.‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا أحل المسجد لحائض ، ولا جنب رواه أبوداود ‏.‏ ولا يحرم العبور عفي المسجد ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏إلا عابري سبيل‏}‏ ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة ‏:‏ ناوليني الخمرة من المسجد قالت ‏:‏ إني حائض ، قال ‏:‏ إن حيضك ليست في يدك ‏.‏

قال بعض أصحابنا ‏:‏ إذا توضأ الجنب حل له اللبث في المسجد ، لأن الصحابة رضي الله عنهم كان أحدهم إذا أراد أن يتحدث في المسجد وهوجنب ، توضأ ثم دخل فجلس فيه ، ولأن الوضوء يخفف بعض حدثه فيزول بعض ما منعه ‏.‏

فصل ‏:‏

ويستحب للجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة ، لما روى ابن عمر أن عمر قال ‏:‏ يا رسول الله أيرقد أحدنا وهوجنب ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، إذا توضأ أحدكم فليرقد متفق عليه ‏.‏ ويستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أويعود للجماع ، ويغسل فرجه ، فأما الحائض فلا يستحب لها شيء من ذلك ، لأن الوضوء لا يؤثر في حدثها ، ولا يصح منها ‏.‏


باب الغسل من الجنابة


وهي على ضربين ‏:‏ كامل ، ومجزئ ‏.‏

الضرب الأول ‏:‏ الكامل ، يأتي فيه بتسعة أشياء ‏:‏ النية ، وهوأن ينوي الغسل للجنابة ، أواستباحة ما لا يستباح إلا بالغسل ، كقراءة القرآن ، واللبث في المسجد ثم يسمي ، ثم يغسل يديه ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء ‏.‏ ثم يغسل ما به من الأذى ، ويغسل فرجه وما يليه ، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات يروي بها أصول شعره ، ويخلله بيده ، ثم يفيض الماء على سائر جسده ، ثم يدلك بدنه بيده ، وإن توضأ إلا غسل رجليه ، ثم غسل قدميه آخراً ، فحسن ‏.‏ قال أحمد رضي الله عنه ‏:‏ الغسل من الجنابة على حديث عائشة ، يعني قولها ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ، وتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يخلل شعره بيديه ، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته ، أفاض عليه الماء ثلاث مرات ، ثم غسل سائر جسده ‏.‏

وقالت ميمونة ‏:‏ وضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة ، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أوثلاثاً ، ثم تمضمض ، واستنشق ، وغسل وجهه ، وذراعيه ، ثم أفاض على رأسه، ثم غسل جسده ، فأتيته بالمنديل فلم يردها ، وجعل ينفض الماء بيده ‏.‏ متفق عليهما ‏.‏

الضرب الثاني ‏:‏ المجزئ ، وهوينوي ، ويعم بدنه وشعره بالغسل ، والتسمية ههنا كالتسمية في الوضوء فيما ذكرنا ، ويجب إيصال الماء إلى البشرة التي تحت الشعر وإن كان كثيفاً ، لحديث عائشة ، ولا يجب نقضه إن كان مضفوراً لما روت أم سلمة قالت ‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي ، أفأنقضه لغسل الجنابة ‏؟‏ قال ‏:‏ لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين رواه مسلم ، ولا ترتيب الغسل ، لأن الله تعالى قال ‏:‏ ‏{‏وإن كنتم جنباً فاطهروا‏}‏ ولم يقدم بعض البدن على بعض لكن يستحب البداءة بما ذكرناه ، والبداءة بغسل الشق الأيمن ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في طهوره ، ولا موالاة فيه ، لأنه طهارة لا ترتيب فيها فلم يكن فيها موالاة كغسل النجاسة‏.‏

فصل ‏:‏

فأما غسل الحيض ، فهوكغسل الجنابة سواء إلا أنه يستحب لها أن تأخذ شيئاً من المسك أوطيب أوغيره ، فتتبع به أثر الدم ، ليزيل ‏[‏ زفورته ‏]‏ لما روت عائشة رضي الله عنها‏:‏ أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض ، فقال ‏:‏ خذي فرصة من مسك ، فتطهري بها فقالت ‏:‏ كيف أتطهر بها ‏؟‏ فقالت عائشة ‏:‏ قلت ‏:‏ تتبعي بها أثر الدم ‏.‏ رواه مسلم ‏.‏ فإن لم تجد مسكاً فغيره من الطيب ، فإن لم تجد فالماء كاف ‏.‏

وهل عليها نقض شعرها للغسل منه ‏؟‏ فيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يجب ، لأنه غسل واجب أشبه الجنابة ‏.‏

والثانية ‏:‏ يجب ، ليتيقن وصول الماء إلى ما تحته ، وإنما عفي عنه في الجنابة ، لأنه يتكرر فيشق النقض فيه ، بخلاف الحيض ‏.‏

فصل ‏:‏

والأفضل تقديم الوضوء على الغسل ، للخبر الوارد ، فإن اقتصر على الغسل ونواهما أجزأه عنهما لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏إن كنتم جنبا فاطهروا‏}‏ ولم يأمر بالوضوء معه ‏]‏ ، ولأنهما عبادتان من جنس ‏:‏ صغرى وكبرى ، فدخلت الصغرى في الكبرى في الأفعال دون النية ، كالحج ، والعمرة ‏.‏

وعنه ‏:‏ لا يجزئه عن الحدث الأصغر حتى يتوضأ ، لأنهما نوعان يجبان بسببين ، فلم يدخل إحداهما في الآخر ، كالحدود ‏.‏ وإن نوى إحداهما دون الآخر ، فليس له غيرها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ وإنما لكل امرئ ما نوى ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز للرجل والمرأة أن يغتسلا ، ويتوضآ من إناء واحد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هووزوجته من إناء واحد ، يغرفان منه جميعاً ، متفق عليه ‏.‏ وقال ابن عمر كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، رواه أبوداود ، ويجوز للمرأة التطهر بفضل طهور الرجل وفضل طهور المرأة ، وللرجل التطهر بفضل طهور الرل وفضل طهور المرأة ما لم تخل به ‏.‏

فإن خلت به ، ففيه وجهان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يجوز أيضاً ، لما روت ميمونة رضي الله عنها قالت ‏:‏ أجنبت فاغتسلت من جفنة ، ففضلت فيها فضلة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها ، فقلت ‏:‏ إني اغتسلت منه فقال ‏:‏ إن الماء ليس عليه جنابة رواه أبوداود ولأنه ماء لم ينجس ، ولم يزل عن إطلاقه ، فأشبه فضله الرجل ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يجوز للرجل التطهر به ، لما روى الحكم بن عمروقال ‏:‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة ، حديث حسن ‏.‏ قال أحمد رحمه الله ‏:‏ جماعة من الصحابة كرهوه ذكر منهم ابن عمر وعبد الله بن سرجس وخص ما خلت به ، لقول عبد الله بن سرجس ‏:‏ توضأ أنت ههنا ، وهي ههنا ، فأما إذا خلت به فلا تقربنه ‏.‏

ومعنى الخلوة ‏:‏ أن لا يشاهدها إنسان تخرج بحضوره عن الخلوة في النكاح ‏.‏

وذكر القاضي أنها لا تخرج عن الخلوة ما لم يشاهدها رجل ‏.‏

وإنما تؤثر خلوته في الماء اليسير ، لأن النجاسة لا تؤثر في الكثير ، فهذا أولى ‏.‏

ولا يخرج الماء الذي خلت به المرأة عن إطلاقه ‏.‏ بل يجوز للنساء التطهر به من الحدث والنجاسة ‏.‏

وللرجل إزالة النجاسة به ، لأن منع الرجل من الوضوء به تعبد ، فوجب قصره على مورده ‏.‏

وذكر القاضي أنه لا يزيل النجاسة ، لأن ما لا يرفع الحدث لا يزيل النجس ، كالخل ‏.‏

وهذا لا يمكن القول بموجبه ، فإن هذا يرفع حدث المرأة بخلاف الخل ‏.‏
باب التيمم


التيمم طهارة بالتراب يقوم مقام الطهارة بالماء عند العجز عن استعماله ، لعدم ، أومرض ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضى أوعلى سفر‏}‏ إلى قوله ‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‏}‏ ‏.‏ وروى عمار قال ‏:‏ أجنبت فلم أجد الماء ، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ ، فذكرت ذلك له فقال ‏:‏ إنما يكفيك أن بقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ، ثم مسح الشمال على اليمين ، وظاهر كفيه ‏,‏ ووجهه ‏.‏ متفق عليه ‏.‏ والسنة في التيمم أن يضرب بيديه على الأرض ضربة واحدة ، ثم يمسح بها وجهه ، ويديه إلى الكوعين ، للخبر ، ولأن الله تعالى أمر بمسح اليدين ‏.‏ واليد عند الإطلاق في الشرع تتناول اليد إلى الكوع ، بدليل قوله تعالى ‏{‏والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما‏}‏ ‏.‏ وإن مسح يديه إلى المرفقين ، فلا بأس ، لأنه قد روي عن النبي ‏(‏ صلى الله عليه وسلم ‏)‏ وسواء فعل ذلك بضربتين أوأكثر ‏.‏ ويستحب تفريق أصابعه عند الضرب ليدخل الغبار فيما بينهما ، وإن كان التراب ناعماً فوضع اليدين عليه وضعاً أجزأه ، ويسمح جميع ما يجب غسله من الوجه ، مما لا يشق ، مثل باطن الفم ، والأنف ، وما تحت الشعور الخفيفة ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏امسحوا بوجوهكم‏}‏ وكيفما مسح بعد أن يستوعب الوجه والكفين إلى الكوعين ، جاز لأن المستحب في الضربة الواحدة أن يمسح وجهه بباطن أصابع يديه ، وظاهر كفيه بباطن راحتيه ، وإن مسح بضربتين ، مسح بأولاهما وجهه ، وبالثانية يديه ، فإن مسح إلى المرفقين ، وضع بطون أصابع اليسرى على ظهور أصابع اليمنى ، ثم يمرهما إلى مرفقيه ، ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ، ويمر عليه ، ويرفع إبهامه ، فإن بلغ الكوع أمر إبهام يده اليسرى على إبهام يده اليمنى ثم مسح بيده اليمنى يده اليسرى كذلك ، ثم مسح إحدى الراحتين بالأخرى ، ويخلل بين أصابعه ، وإن يممه غير جاز ، كما يجوز أن يوضئه ‏.‏

وإن أثارت الريح عليه تراباً ، فمسح وجهه بما على يديه جاز ، وإن مسح وجهه بما عليه لم يجز ، لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسح به ، ويحتم أن يجزئه إذا صمد للريح ، لأنه بمنزلة مسح غيره له ‏.‏

فصل ‏:‏

وفرائض التيمم ‏:‏ النية ، لما ذكرناه في الوضوء ، ومسح الوجه والكفين ، للأمر به ، وترتيب اليدين على الوجه قياساً على الوضوء ، وفي التسمية والموالاة روايتان ، كالوضوء ‏.‏

فأما النية ، فهوأن ينوي استباحة ما لا يباح إلا به ، فإن نوى صلاة مكتوبة أبيح له سائر الأشياء لأنه تابع لها ، فيدخل في نية المتبوع ، وإن نوى نفلاً أوصلاة مطلقة ، لم يبح له الفرض ، لأن التيمم لا يرفع الحدث ، وإنما تستباح به الصلاة ، فلا يستبيح به الفرض حتى ينويه ، وله قراءة القرآن لأن النافلة تتضمن القرآن ، وليس له الجنازة المتعينة ، لأنها فرض ولوكانت نفلاً فله فعلها ‏.‏

وإن نوى قراءة القرآن لم يكن له التنفل لأنه الأعلى ‏.‏

فإن نوى رفع الحدث لم يجزئه ‏.‏ لأن التيمم لا يرفع الحدث ‏.‏

وعنه ‏:‏ ما يدل على أنه يرفع الحدث ، فيكون حكمه حكم الوضوء في نيته ‏.‏

ولا بد له من تعيين ما تيمم له من الحدث الموجب للغسل ، أوالوضوء أوالنجاسة ، فإن تيمم للحدث ونسي الجنابة ، أوالجنابة ونسي الحدث ، لم يجزئه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وإنما لكل امرئ ما نوى ولأن ذلك لا يجزئ في الماء وهوالأصل ، ففي البدل أولى ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز التيمم عن جميع الأحداث لظاهر الآية ، وحديث عمار وروى عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل مع القوم ، فقال ‏:‏ يا فلان ، ما منعك أن تصلي مع القوم ‏؟‏ قال ‏:‏ أصابتني جنابة ولا ماء عندي ، قال ‏:‏ عليك بالصعيد فإنك يكفيك متفق عليه ‏.‏

ويجوز التيمم للنجاسة على البدن ، لأنها طهارة مشترطة للصلاة ، فناب فيها التيمم ، كطهارة الحدث ‏.‏

واختار أبوالخطاب أنه يلزمه الإعادة إذا تيمم لها عند عدم الماء ‏.‏

وقيل في وجوب الإعادة روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يجب ، لقول عليه السلام ‏:‏ التراب كافيك ما لم تجد الماء وقياساً على التيمم الحدث ‏.‏

والأخرى تجب الإعادة ، لأنه صلى بالنجاسة ، فلزمته الإعادة ، كما لوتيمم ‏.‏

ولا يجوز التيمم عن النجاسة في غير البدن ، لأنها طهارة في البدن فلا تؤثر في غيره كالوضوء ‏.‏

فصل ‏:‏

ولجواز التيمم ثلاث شروط ‏:‏

أحدها ‏:‏ العجز عن استعمال الماء ، وهونوعان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ عدم الماء ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء‏}‏ ‏.‏ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عسر سنين ، فإن وجدت الماء فأمسه جلدك رواه أبوداود ‏.‏

النوع الثاني ‏:‏ الخوف على نفسه باستعمال الماء ، لمرض أوقرح يخاف باستعمال الماء تلفاً أوزيادة مرض أوتباطؤ البرء أوشيئاً فاحشاً في جسمه ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وإن كنتم مرضى أوعلى سفر‏}‏ ، وقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم‏}‏ وإن وجد ماء يحتاج إلى شربه للعطش ، أوشرب رفيقه أوبهائمه ، أوبينه وبينه سبع أوعدويخافه على نفسه أوماله ، أوخاف على ماله إن تركه وذهب إلى الماء ، فله التيمم لأنه خائف الضرر باستعماله ، فهوكالمريض ‏.‏ وإن خاف لشدة البرد تيمم وصلى ، لما روى عمروبن العاص قال ‏:‏ احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت وصليت بأصحابي الصبح ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ يا عمروأصليت بأصحابك وأنت جنب ‏؟‏ فأخبرته من بالذي منعني من الاغتسال ، ثم قلت سمعت الله يقول ‏:‏ ‏{‏ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً‏}‏ فضحك النبيصلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً ‏.‏ رواه أبوداود ‏.‏

ولأنه خائف على نفس ، أشبه المريض ، ولا إعادة عليه إن كان مسافراً ، لما ذكرنا ‏.‏

وإن كان حاضراً ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يلزمه الإعادة لذلك ‏.‏

والثانية ‏:‏ يلزمه ، لأنه ليس بمريض ، ولا مسافر ، فلا يدخل في عموم الآية ، ولأن الحضر مظنة إمكان إسخان الماء ، فالعجز عنه عذر غير متصل ‏.‏

وإن قدر على إسخان الماء ، لزمه كما يلزمه شراء الماء ، ومن كان واجداً للماء فخاف فوت الوقت لتشاغله بتحصيله ، أواستسقائه لم يبح له التيمم ، لأن الله تعالى قال ‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ وهذا واجد ‏.‏

وإن خاف فوات الجنازة فليس له التيمم لذلك ‏.‏

وعنه ‏:‏ يجوز ، لأنه لا يمكن استدراكها ‏.‏

فصل ‏:‏

والثاني ‏:‏ طلب الماء شرط في الرواية المشهورة ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ ، ولا يقال ‏:‏ لم يجد إلا لمن طلب ، ولأنه بدل ، فلم يجز العدول إليه قبل طلب المبدل ، كالصيام في الظهار ‏.‏

وعنه ‏:‏ ليس بشرط ، لأنه ليس بواجب قبل الطلب ، فيدخل في الآية ‏.‏

وصفة الطلب أن ينظر يمينه ، وشماله ، وأمامه ، ووراءه ، وإن كان قريباً من حائل ، من ربوة ، أوحائط ، علاه فنظر حوله ‏.‏ وإن رأى خضرة أونحوها استبرأها ‏.‏

وإن كان معه رفيق ، سأله الماء فإن بذله له لزمه قبوله ‏.‏ لأن المنة لا تكثر في قبوله ‏.‏

وإن وجد ماء يباع بثمن المثل أوبزيادة غير مجحفة بماله ، وهوواجد للثمن ، غير محتاج إليه ، لزمه شراؤه ، كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة ‏.‏

فإن لم يبذله له صاحبه ، لم يكن له أخذه قهراً ، وإن استغنى عنه صاحبه ، لأن له بدلاً ، وإن علم بماء قريب ، لزمه قصده ما لم يخف على نفسه أوماله أوفوت الوقت أوالرفقة وإن تيمم ثم رأى ركباً ، أوخضرة ، أوشيئاً يدل على الماء ، أوسراباً ظنه ماء قبل الصلاة ، لزمه الطلب لأنه وجد دليل الماء ، وبطل تيممه ، لأنه وجب عليه الطلب ، فبطل تيممه ، كما لورأى ماء ‏.‏ وإن رأى الركب ونحوه في الصلاة ، لم تبطل لأنه شرع فيها بطهارة متيقنة ، فلا يبطلها في الشك ‏.‏

فصل ‏:‏

الثالث ‏:‏ دخول الوقت شرط ، لأنه قبل الوقت مستغن عن التيمم ، فلم يصح تيممه ، كما لوتيمم وهوواجد للماء ، وإن كان التيمم لنافلة ، لم يجز في وقت النهي عن فعلها ، لأنه قبل وقتها ، وإن تيمم لفائتة أونافلة قبل وقت الصلاة ، ثم دخل الوقت بطل تيممه ، وإن تيمم لمكتوبة في وقتها ، فله أن يصليها وما شاء من النوافل قبلها وبعدها ، ويقضي فوائت ، ويجمع بين الصلاتين ، لأنها طهارة أباحت فرضاً ، فأباحت سائر ما ذكرناه ، كالوضوء ‏.‏ومتى خرج الوقت بطل التيمم في ظاهر المذهب ، لأنها طهاة عذر وضرورة ، فتقدرت بالوقت كطهارة المستحاضة ‏.‏

وعنه ‏:‏ يصلي بالتيمم حتى يحدث ، قياساً على طهارة الماء ‏.‏

فصل ‏:‏

والأفضل تأخير التيمم إلى آخر الوقت إن رجا وجود الماء ، لقول علي رضي الله عنه في الجنب ‏:‏ يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت ، ولأن الطهارة في الماء فريضة ‏.‏ وأول الوقت فضيلة ، وانتظار الفريضة أولى ‏.‏ وإن يئس من الماء ، استحب تقديمه لئلا يترك فضيلة متيقنة لأمر غير مرجو‏.‏

ومتى تيمم وصلى صحت صلاته ، ولا إعادة عليه ، وإن وجد الماء في الوقت ، لما روى عطاء بن يسار ، قال ‏:‏ خرج رجلان في سفر ، فحضرت الصلاة ، وليس معهما ماء ، فتيمما صعيداً طيباً ، فصليا ، ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ، ولم يعد الآخر ، ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له ، فقال للذي لم يعد ‏:‏ أجزأتك الصلاة وقال للذي أعاد ‏:‏ لك الأجر مرتين رواه أبوداود ‏.‏ وقال ‏:‏ قد روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحيح أنه مرسل ، ولأنه أدى فريضة بطهارة ، فأشبه ما لوأداها بطهارة الماء ‏.‏

فإن علم أن في رحله ماء نسيه ، فعليه الإعادة ، لأنها طهارة واجبة ، فلم تسقط بالنسيان ، كما لونسي عضواً لم يغسله ، وإن ضل عن رحله ، أوضل عنه غلامه الذي معه الماء ، فلا إعادة عليه ، لأنه غير مفرط ، وإن وجد بقربه بئراً أوغديراً علامته ظاهرة ، أعاد لأنه مفرط في الطلب ، وإن كانت أعلامه خفية لم يعد لعدم تفريطه ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وجد ماء لا يكفيه لزمه استعماله ، وتيمم للباقي إن كان جنباً ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ وهذا واجد ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم رواه البخاري ‏.‏ وقال ‏:‏ إذا وجدت الماء فأمسه جلدك ولإنه مسح أبيح للضرورة ، فلم يبح في غير موضعها كمسح الجبيرة ‏.‏

وإن كان محدثاً ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يلزمه استعماله لذلك ‏.‏

والآخر ‏:‏ لا يلزمه ، لأن الموالاة شرط يفوت بترك غسل الباقي ، فبطلت طهارته ، بخلاف غسل الجنابة ‏.‏

وإن كان بعض بدنه صحيحاً ، وبعضه جريحاً ، غسل الصحيح ، وتيمم للجريح جنباً كان أومحدثاً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي أصابته الشجة ‏:‏ إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أويعصب على جرحه خرقة ، ثم يمسح عليها ، ويغسل سائر جسده رواه أبوداود ، لأن العجز ههنا ببعض البدن ، وفي الاعواز العجز ببعض الأصل ، فاختلفا ، كما أن الحر إذا عجز عن بعض الرقبة في الكفارة ، فله العدول إلى الصوم ، ولوكان بعضه حراً فملك بنصفه الحر مالاً ، لزمه التكفير بالمال ، ولوتكن كالتي قبلها ‏.‏

فصل ‏:‏

ويبطل التيمم بجميع مبطلات الطهارة التي تيمم عنها ، لأنه بدل عنها ‏.‏ فإن تيمم لجنابة ، ثم أحدث منع ما يمنعه المحدث من الصلاة والطواف ، ومس المصحف ، لأن التيمم ناب عن الغسل ، فأشبه المغتسل إذا أحدث ، ويزيد التيمم بمبطلين ‏:‏

أحدهما ‏:‏ القدرة على استعمال الماء سواء وجدت في الصلاة أوقبلها أوبعدها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك دل بمفهومه على أنه ليس بطهور عند وجود الماء ، وبمنطوقه على وجوب استعماله عند وجوده ، ولأنه قدر على استعمال الماء ، فأشبه الخارج من الصلاة ‏.‏

فعلى هذا إن وجد في الصلاة خرج ، وتوضأ ، واغتسل إن كان جنباً ، واستقبل الصلاة ، كما لوأحدث في أثنائها ‏.‏

وعنه ‏:‏ إذا وجده في الصلاة لم يبطل ، لأنه شرع في المقصود ، فأشبه المكفر يقدر على الإعتاق بعد شروعه في الصيام إلا أن المروذي روى عنه أنه قال ‏:‏ كنت أقول ‏:‏ إنه يمضي ثم تدبرت فإذا أكثر الأحاديث أنه يخرج ‏.‏ وهذا يدل على رجوعه عن هذه الرواية ‏.‏

والثاني ‏:‏ خروج الوقت يبطلها لما ذكرناه ، فإن خرج وهوفي الصلاة بطل ، كما لوأحدث ‏.‏

ومن تيمم وهولابس خفاً أوعمامة ، يجوز المسح عليهما ، ثم خلع أحدهما ، فقد ذكر أصحابنا أنه يبطل تيممه ، لأنه من مبطلات الوضوء ، ولا يقوى ذلك عندي ، لأنها طهارة لم يمسح عليهما ، فلم تبطل بخلعهما ، كالملبوس على غير طهارة بخلاف الوضوء ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز التيمم في السفر الطويل والقصير ، وهوما بين قرتين قريبتين ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏أوعلى سفر‏}‏ ولأن الماء يعدم في القصير غالباً ، أشبه الطويل ، ويجوز في الحضر للمرض للآية ، ولأنه عذر غالب يتصل ، أشبه السفر ‏.‏ وإن عدم الماء في الحضر لحبس ، تيمم ولا إعادة عليه ، لأنه في عدم الماء ، وعجزه عن طلبه كالمسافر ، وأبلغ منه فألحق به ، وإن عدمه لغير ذلك ، وكان يرجوه قريباً ، تشاغل بطلبه ، ولم يتيمم ، وإن كان ذلك يتمادى ، تيمم وصلى وأعاد لأنه عذر نادر غير متصل ‏.‏ ويحتمل أنه لا يعيد ، لأنه في معنى عادم الماء في السفر ، فألحق به ‏.‏

وإن كان مع المسافر ماء ، فأراقه قبل الوقت ، أومر بماء قبل الوقت ، فتركه ، ثم عدم الماء في الوقت تيمم وصلى ولا إعادة عليه ، لأنه لم يخاطب باستعماله ‏.‏

وإن كان ذلك في الوقت ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ تلزمه الإعادة ، لأنه مفرط ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا تلزمه ، لأنه عادم للماء أشبه ما قبل الوقت ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‏}‏ وما لا غبار له لا يمسح شيء منه ‏.‏

وقال ابن العباس ‏:‏ الصعيد تراب الحرث ، والطيب ‏:‏ هوالطاهر ‏.‏ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ أعطيت ما لم يعط نبي من أنبياء الله تعالى قبلي جعل لي التراب طهوراً رواه الشافعي في مسنده ولوكان غيره طهوراً ذكره فيما من الله به عليه ‏.‏

وعنه ‏:‏ يجوز التيمم بالرمل والسبخة ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ جعلت الأرض لي مسجداً وطهوراً رواه البخاري ومسلم ‏.‏ وقال ابن أبي موسى ‏:‏ إن لم يجد غيرهما ، تيمم بهما ‏.‏

وإن دق الخزف أوالحجارة ، وتيمم به لم يجزئه ، لأنه ليس بتراب ‏.‏

وإن خالط التراب جص ، أودقيق ، أوزرنيخ ، فحكمه حكم الماء إذا خالطته الطاهرات ‏.‏

وإن خالط ما لم يعلق باليد ، كالرمل والحصى ، لم يمنع التيمم به ، لأنه لا يمنع وصول الغبار إلى اليد ‏.‏

وإن ضرب بيده على صخرة عليها غبار ، أوحائط ، أولبد ، فعلا يديه غبار ، أبيح التيمم به ، لأن المقصود التراب الذي يمسح به وجهه ويديه ، وقد روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بيديه على الحائط ، ومسح بهما وجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ‏.‏ رواه أبوداود ‏.‏

ولا بأس أن يتيمم الجماعة من موضع واحد ، كما يتوضؤون من حوض واحد ‏.‏

وإن تناثر من التراب على العضوبعد استعماله شيء ‏:‏

احتمل أن يمنع من استعماله مرة ثانية ، لأنه كالماء المستعمل ‏.‏

واحتمل أن يجوز لأنه لم يرفع حدثاً ولم يزل نجساً ، بخلاف الماء ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن عدم الماء والتراب ووجد طيناً ، لم يستعمله ، وصلى على حسب حاله ، ولم يترك الصلاة ، لأن الطهارة شرط ، فتعذرها لا يبيح أمر الصلاة ، كالسترة ، والقبلة ‏.‏ وفي الإعادة روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا تلزمه ، لأن الطهارة شرط ، فأشبهت السترة والقبلة ‏.‏

والثانية ‏:‏ تلزمه ، لأنه عذر نادر غير متصل ، أشبه نسيان الطهارة ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا اجتمع جنب ، وميت ، وحائض ، معهم ماء لأحدهم لا يفضل عنه ، فهوأحق به ، ولا يجوز أن يؤثر به ، لأنه واجد للماء ، فلم يجزئه التيمم ، فإن آثر به وتيمم ، لم يصح تيممه مع وجوده لذلك ‏.‏ وإن استعمله الآخر ، فحكم المؤثر به حكم من أراق الماء ‏.‏

وإن كان الماء لهم ، فهم فيه سواء ، وإن وجدوه ، فهوللأحياء دون الميت ، لأنه لا وجدان له ‏.‏

وإن كان لغيرهم فأراد أن يجوز به ، فالميت أولى به ، لأن غسله خاتمة طهارته ، وصاحباه يرجعان إلى الماء ويغتسلان ‏.‏

وإن فضل عنه ما يكفي أحدهما ، فالحائض أحق به لأن حدثهما آكد ، وتستبيح بغسلها ما يستبيحه الجنب وزيادة الوطء ، وإن اجتمع على رجل حدث ونجاسة ، فغسل النجاسة أولى ، لأن طهارة الحدث لها بدل مجمع عليه ، بخلاف النجاسة ‏.‏

وإن اجتمع محدث وجنب ، فلم يجدا إلا ما يكفي المحدث ، فهوأحق به ، لأنه يرفع جميع حدثه ، وإن كان يكفي الجنب وحده ، فهوأحق به ، لما ذكرنا في الحائض ‏.‏ وإن كان يفضل عن كل واحد منهما فضلة لا تكفي صاحبه ، ففيه ثلاثة أوجه ‏:‏

أحدها ‏:‏ يقدم الجنب لما ذكرنا ‏.‏

والثاني ‏:‏ المحدث ، لأن فضلته يلزم الجنب ‏[‏ استعمالها ‏]‏ فلا تضيع ، بخلاف فضلة الجنب ‏.‏

والثالث ‏:‏ التسوية ‏:‏ لأنه تقابل الترجيحان فتساويا ، فتدفع إلى من شاء منهما ، أويقرع بينهما والله أعلم ‏.‏


باب الحيض


وهودم ترخيه الرحم يخرج من المرأة في أوقات معتادة يتعلق به ثلاثة عشر حكماً ‏:‏

أحدها ‏:‏ تحريم فعل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة متفق عليه ‏.‏

والثاني ‏:‏ سقوط فرضها ، لقول عائشة رضي الله عنها ‏:‏ كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ، متفق عليه ‏.‏

والثالث ‏:‏ تحريم الصيام ، ولا يسقط وجوبه ، لحديث عائشة ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏

أليس إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل ‏؟‏ قلن بلى ، رواه البخاري ‏.‏

والرابع ‏:‏ تحريم الطواف ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة إذ حاضت ‏:‏ افعلي ما يفعل الحاج غير أن تطوفي بالبيت حتى تطهري متفق عليه ‏.‏

والخامس ‏:‏ تحريم قراءة القرآن ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن رواه الترمذي ‏.‏

والسادس ‏:‏ تحريم مس المصحف ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏لا يمسه إلا المطهرون‏}‏ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمروبن حزم ‏:‏ لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر رواه الأثرم ‏.‏

والسابع ‏:‏ تحريم اللبث في المسجد ، لما ذكرناه من قبل ‏.‏

والثامن ‏:‏ تحريم الطلاق ، لما نذكره في النكاح ‏.‏

والتاسع ‏:‏ تحريم الوطء في الفرج ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن‏}‏ ‏.‏

ولا يحرم الاستمتاع بها في غير الفرج ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اصنعوا كل شيء غير النكاح رواه مسلم ‏.‏

وقالت عائشة ‏:‏ كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني ، وأنا حائض ، متفق عليه ‏.‏ ولأنه وطء حرم للأذى ، فاختص بمحله ، كالوطء في الدبر ‏.‏

والعاشر ‏:‏ منع صحة الطهارة ، لأنه حدث يوجب الطهارة فاستمرار يمنع صحتها كالبول ‏.‏

والحادي عشر ‏:‏ وجوب الغسل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ دعي الصلاة قدر الأيام التي تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي متفق عليه ‏.‏

الثاني عشر ‏:‏ وجوب الاعتداد به ، لما نذكره في العدد ‏.‏

الثالث عشر ‏:‏ حصول البلوغ به لما نذكره في موضعه ‏.‏

فإذا انقطع دمها ولم تغتسل زالت أربعة أحكام ‏:‏ سقوط فرض الصلاة ، لأن سقوطه بالحيض قد زال ، ومنع صحة الطهارة لذلك ، وتحريم الصيام ، لأن وجوب الغسل لا يمنع فعله ، كالجنابة ، وتحريم الطلاق ، لأن تحريمه لتطويل العدة ، وقد زال هذا المعنى ‏.‏

وسائر المحرمات باقية لأنها تثبت في حق المحدث الحدث الأكبر ، وحدثها باق ، وتحريم الوطء باق ، لأن الله تعالى قال ‏:‏ ‏{‏ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن‏}‏ قال

مجاهد ‏:‏ حتى يغتسلن ‏.‏

فإن لم تجد الماء تيممت ، وحل وطؤها ، لأنه قائم مقام الغسل ، فحل به ما يحل بالغسل وإن تيممت للصلاة حل وطؤها ، لأن ما أباح الصلاة أباح ما دونها ‏.‏

وإن وطئ الحائض قبل طهرها ، فعليه كفارة ‏[‏ دينار أو‏]‏ نصف دينار ، لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض ‏.‏ قال ‏:‏ يتصدق بدينار أوبنصف دينار ‏.‏ قال أبوداود ‏:‏ كذا الرواية الصحيحة ‏.‏

وعن أحمد ‏:‏ لا كفارة فيه ، لأنه وطء حرم للأذى ، فلم تجب به كفارة كالوطء في الدبر ، والحديث توقف أحمد عنه للشك في عدالة راويه ‏.‏

وإن وطئها بعد انقطاع دمها ، فلا كفارة عليه ، لأن حكمه أخف ولم يرد الشرع بالكفارة فيه

فصل ‏:‏

وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين ، فإن رأت قبل ذلك دماً فليس بحيض ، ولا يتعلق به أحكامه ، لأنه لم يثبت في الوجود لامرأة حيض قبل ذلك ، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ‏:‏ إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ‏.‏

وأقل الحيض يوم وليلة ‏.‏

وعنه ‏:‏ يوم ، لأن الشرع علق على الحيض أحكاماً ولم يبين قدره ، فعلم أنه رده إلى العادة ، كالقبض والحرز ‏.‏ وقد وجد حيض معتاد يوماً ، ولم يوجد أقل منه ‏.‏

قال عطاء ‏:‏ رأيت من تحيض يوماً ، وتحيض خمسة عشر ‏.‏

قال عبد الله الزبيري ‏:‏ كان في نسائنا من تحيض يوماً ، وتحيض خمسة عشر يوماً ‏.‏

‏[‏ وأكثره خمسة عشر يوماً ‏]‏ لما ذكرنا ‏.‏

وعنه سبعة عشرة يوماً ‏.‏

وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً لما روي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن امرأة ادعت انقضاء عدتها في شهر ، فقال لشريح ‏:‏ قل فيها ، فقال ‏:‏ إن جاءت ببطانة من أهلها يشهدن أنها حاضت في شهر ثلاث مرات تترك الصلاة فيها ، وإلا فهي كاذبة ، فقال علي رضي الله عنه ‏:‏ قالون ، يعني جيد ‏.‏ وهذا اتفاق منهما على إمكان ثلاث حيضات في شهر ، ولا يمكن إلا بما ذكرنا من أقل الحيض ، وأقل الطهر ‏.‏

وعنه ‏:‏ أقله خمسة عشر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي ‏.‏ وليس لأكثر حد ، وغالب الحيض ست أوسبع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش

تحيضي - في علم الله - ستة أيام أوسبعة ، ثم اغتسلي وصلي أربعة وعشرين يوماً ، أوثلاثة وعشرين كما تحيض النساء ، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن حديث حسن ‏.‏ وغالب الطهر أربعة وعشرون أوثلاثة وعشرون ، لهذا الحديث ‏.‏

وإذا بلغت المرأة ستين عاماً يئست من المحيض ، لأنه لم يوجد لمثلها حيض معتاد ، فإن رأت دماً فهودم فاسد ، وإن رأته بعد الخمسين ، ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ هودم فاسد أيضاً ، لأن عائشة رضي الله عنها قالت ‏:‏ إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ‏.‏

والثانية ‏:‏ إن تكرر بها الدم فهوحيض ، وهذا أصح لأنه قد وجد ذلك ‏.‏

وعنه ‏:‏ أن نساء العجم ييأسن في خمسين ، ونساء العرب إلى ستين ، لأنهن أقوى جلبة ‏.‏

وقال الخرقي ‏:‏ إذا رأت الدم ، لها خمسون سنة ، فلا تدع الصلاة ، ولا الصوم ، وتقضي الصوم احتياطاً ‏.‏

وإن رأته بعد الستين ، فقد زال الإشكال ، فتصوم وتصلي ، ولا تقضي ‏.‏

والحامل لا تحيض ، وإن رأت دماً فهودم فاسد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس ‏:‏ لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حامل حتى تستبرأ بحيضة يعني تستعلم براءتها من الحمل بالحيضة ، فدل على أنها لا تجتمع معه ‏.‏

فصل ‏:‏

والمبتدأ فيها الدم في سن تحيض لمثله تترك الصلاة والصوم ، لأن دم الحيض جبلة وعادة ، ودم الفاسد عارض لمرض ونحوه ، والأصل عدمه ، فإن انقطع لدون يوم وليلة ، فهودم فاسد ، وإن بلغ ذلك جلست يوماً وليلة ، فإن انقطع دمها لذلك اغتسلت وصلت ، وكان ذلك حيضها ‏.‏

وإن زاد عليه ففيه أربع روايات ‏:‏

أشهرهن ‏:‏ أنها تغتسل عقيب اليوم والليلة ، وتصلي ، لأن العبادة واجبة بيقين ، وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه ، فلا تسقطها بالشك ‏.‏

فإن انقطع دمها ، ولم يعبر أكثر الحيض ، اغتسلت غسلاً ثانياً ، ثم تفعل ذلك في شهر آخر ‏.‏

وعنه ‏:‏ تفعله في شهري آخرين ‏.‏

فإن كان في الأشهر كلها مدة واحدة ، علمت أن ذلك حيضها ، فانتقلت إليه ، وعملت عليه ، وأعادت ما صامت الفرض فيه ، لأننا تبينا أنها صامته في حيضها ‏.‏

والثانية ‏:‏ تجلس ما تراه من الدم إلى أكثر الحيض ، لأنه دم يصلح حيضاً ، فتجلسه كاليوم والليلة ‏.‏

والثالثة ‏:‏ تجلس ستاً أوسبعاً لأن الغالب في النساء هكذا يحضن ، ثم تغتسل وتصلي ‏.‏

والرابعة ‏:‏ تجلس عادة نسائها لأن الغالب أنها تشبههن في جميع ذلك ، فإذا انقطع الدم لأكثر الحيض فما دون ، وتكرر ، صار عادة ، فانتقلت إليه ، وأعادت ما صامته من الفرض فيه ‏.‏

وإن عبر دمها أكثر الحيض ، علمنا استحاضتها فنظر في دمها ، فإن كان متميزاً بعضه أسود ثخين منتن ، وبعضه رقيق أحمر ، وكان الأسود لا يزيد على أكثر الحيض ، ولا ينقص عن أقله ، فهذه مدة حيضها زمن الدم الأسود ، فتجلسه ، فإذا خلفته اغتسلت وصلت ، لما روي أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت ‏:‏ يا رسول الله إني أستحاض ، فلا أطهر ، أفأدع الصلاة ‏؟‏ قال ‏:‏ لا إنما ذلك عرق ، ليس بالحيض ، فإذا أقبلت الحيضة ، فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت ، فاغسلي عنك الدم ، وصلي متفق عليه ‏.‏ يعني بإقباله ‏:‏ سواده ونتنه ، وبإدباره ‏:‏ رقته وحمرته ‏.‏ وفي لفظ ، قال ‏:‏ إذا كان دم الحيض ، فإنه أسود ، يعرف فأمسكي عن الصلاة ، فإذا كان الأحمر فتوضئي إنما هوعرق رواه النسائي ‏,‏ وقال ابن عباس ‏:‏ ما رأت الدم البحراني ، فإنها تدع الصلاة ، إنما والله لن ترى الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة ماء اللحم ‏.‏ ولأنه خارج من الفرج يوجب الغسل ، فرجع إلى صفته عند الاشتباه ، كالمني والمذي ‏.‏ إن لم تكن مميزة ، جلست من كل شهر ستة أيام ، أوسبعة ، لما روي أن حمنة بنت جحش قالت ‏:‏ يا رسول الله ، إني أستحاض حيضة شديدة ، منكرة ، قد منعتني الصوم والصلاة ، فقال لها ‏:‏ تحيضي ستة أيام ، أوسبعة أيام ، في علم الله ، ثم اغتسلي ، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت ، فصلى ثلاثاً وعشرين ليلة أوأربعاً وعشرين ليلة وأيامها ، وصومي فإن ذلك يجزئك ، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن رواه الترمذي ، وقال حديث حسن ‏.‏ وذكر أبوالخطاب في المبتدأة هذه الروايات الأربع ، وحكي عن ابن عقيل في المبتدأة المميزة أنها تجلس بالتمييز في أول مرة ، لما ذكرنا من الأخبار ، ولأن التمييز يجري مجرى العادة ، والمعتاد تجلس عدة أيام عادتها ، كذلك المميزة ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن استقرت لها عادة ، فما رأت من الدم فيها فهوحيض سواء كان كدرة أوصفرة أوغيرها ،لما روى مالك عن علقمة عن أمه ‏:‏ أن النساء كن يرسلن بالدرجة ، فيها الشيء من الصفرة ، إلى عائشة فتقول ‏:‏ لا تصلين حتى ترين القصة البيضاء ‏.‏ قال مالك وأحمد ‏:‏ هوبياض أبيض يتبع الحيضة ، ولأنه دم من زمن العادة أشبه الأسود ‏.‏

فإن تغيرت العادة ، لم تخل من ثلاثة أقسام ‏:‏

أحدها ‏:‏ أن ترى الطهر قبل تمامها ، فإنها تغتسل وتصلي ، لأن ابن عباس قال ‏:‏ لا يحل لها رأت الطهر ساعة إلا أن تغتسل ‏.‏ ولأنها طاهر فتلزمها الصلاة ، كسائر الطاهرات ‏.‏

وإن عاودها الدم في عادتها ، ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ تتحيض فيه ، وهي الأولى ، لأنه دم صادف العادة ، فكان حيضاً كالأول ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا تجلس حتى تتكرر ، لأنه جاء بعد طهر ، فلم يكن حيضاً بغير تكرار ، كالخارج عن العادة ‏.‏

وإن عاودها بعد العادة ، وعبر أكثر الحيض ، فهواستحاضة ، وإن لم يعبر ذلك وتكرر ، فهوحيض ، وإلا فلا ، لأنه لم يصادف عادة ، فلا يكون حيضاً بغير تكرار ‏.‏

القسم الثاني ‏:‏ أن ترى الدم في غير عادتها ، قبلها أوبعدها مع بقاء عادتها ، أوطهر فيها ، أوفي بعضها ، فالمذهب أنها لا تجلس ما خرج عن العادة حتى تكرر ، وفي قدره روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ ثلاثاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ دعي الصلاة أيام أقرائك وأقل ذلك ثلاثاً ‏.‏

والثانية ‏:‏ مرتان ، لأن العادة مأخوذة من المعاودة ، وذلك يحصل بمرتين ، فعلى هذا تصوم وتصلي فيما خرج عن العادة مرتين أوثلاثاً فإن تكرر ، انتقلت إليه ، وصار عادة ، وأعادت ما صامته من الفرض فيه ، لأنا تبينا أنها صامته في حيضها ‏.‏

قال الشيخ رحمه الله ‏:‏ ويقوى عندي أنها تجلس متى رأت دماً يمكن أن يكون حيضاً ‏.‏ وافق العادة أوخالفها ، لأن عائشة رضي الله عنها قالت ‏:‏ لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ، ولم تقيده بالعادة وظاهر الأخبار تدل على أن النساء كن يعددن ما يرينه من الدم حيضاً من غير افتقاد عادة ، ولم ينقل عنهن ذكر العادة ، ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان لها ولا الاستفصال عنها إلا في التي قالت ‏:‏ إني أستحاض فلا أطهر ، وشبهها من المستحاضات ، أما في امرأة يأتي دمها في وقت يمكن أن يكون حيضاً ، ثم يطهر فلا ، والظاهر أنهن جرين على العرف في اعتقاد ذلك حيضاً ، ولم يأت من الشرع تغيير ، ولذلك أجلسنا المبتدأة من غير تقدم عادة ، ورجعنا في أكثر أحكام الحيض إلى العرف ، والعرف أن الحيضة تتقدم وتتأخر وتزيد وتنقص ، وفي اعتبار العادة على هذا الوجه ، إخلال ببعض المتنقلات عن الحيض بالكلية ، مع رؤيتها للدم في وقت الحيض على صفته ، وهذا لا سبيل إليه ‏.‏

فصل ‏:‏

القسم الثالث ‏:‏ أن ينضم إلى العادة ما يزيدان بمجموعهما على أكثر الحيض ، فلا تخلومن حالين ‏:‏

أحدهما ‏:‏ أن تكون ذاكرة لعادتها ، فإن كانت غير مميزة ، جلست قدر عادتها ، واغتسلت بعدها وصلت وصامت ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش ‏:‏ دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ، ثم اغتسلي وصلي متفق عليه ‏.‏ وإن كانت مميزة ففيها روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ تعمل بالعادة ، لهذا الحديث ‏.‏

والأخرى ‏:‏ تعمل بالتمييز ، وهواختيار الخرقي ، لما تقدم من أدلته ‏.‏

الحال الثاني ‏:‏ أن تكون ناسية لعادتها ‏:‏

فإن كانت مميزة ، عملت بتمييزها ، لأنه دليل لا معارض له ، فوجب العمل به كالمبتدأة ‏.‏

وإن لم تكن مميزة فهي على ثلاثة أضرب ‏:‏

إحداهن ‏:‏ المتحيرة وهي الناسية لوقتها وعددها ، فهذه تتحيض في كل شهر ستة أيام أوسبعة ، على حديث حمنة بنت جحش ، ولأنه غالب عادات النساء ، فالظاهر ، أنه حيضها ‏.‏

وعنه ‏:‏ أنها ترد إلى عادة نسائها ، كما تقدم ‏.‏

وقيل ‏:‏ فيها الروايات الأربعة ‏.‏

ويجعل حيضها من أول كل شهر في أحد الوجهين ، لقول النبي ‏(‏ص‏)‏ ‏:‏ تحيضي في علم الله ستة أيام ، أوسبعة أيام ، من كل شهر ، ثم اغتسلي ، وصلي ثلاثة وعشرين يوماً فجعل حيضها من أوله ، والصلاة في بقيته ‏.‏

والآخر ‏:‏ تجلسه بالاجتهاد ، لأن النبي ‏(‏ص‏)‏ ردها إلى الاجتهاد في العديد بين الست والسبع ، فكذلك في الوقت ‏.‏

وإن علمت أن حيضها في وقت من الشهر كالنصف الأول ولم تعلم موضعه منه ، ولا عدده فكذلك ، إلا أن اجتهادها يختص بذلك الوقت دون غيره ‏.‏

الضرب الثاني ‏:‏ أن تعلم عددها وتنسى وقتها ، نحوأن تعلم أن حيضها خمس ولا تعلم لها وقتاً ‏.‏

فهذه تجلس قدر أيامها من أول كل شهر في أحد الوجهين ‏.‏

وفي الآخر تجلسه بالتحري ‏.‏

وإن علمته في وقت من الشهر ، مثل أن علمت أن حيضها في العشر الأول من الشهر أوالعشر الأوسط ، جلست قدر أيامها من ذلك الوقت دون غيره ‏.‏

الضرب الثالث ‏:‏ ذكرت وقتها ونسيت عددها ، مثل أن تعلم أن اليوم العاشر من حيضها ، ولا تدري قدره ، فحكمها في قدر ما تجلسه حكم المتحيرة ، واليوم العاشر حيض بيقين ‏.‏

فإن علمته أول حيضها ، جلست بقية أيامها بعده ، وإن علمته آخر حيضها ، جلست الباقي قبله ‏.‏

وإن لم تعلم أوله ولا آخره جلست مما يلي أول الشهر في أحد الوجهين وفي الآخر تجلس بالتحري ‏.‏

فصل ‏:‏

ومتى ذكرت الناسية عادتها ، رجعت إليها ، لأنها تركتها للعجز عنها ، فإذا زال العجز ، وجب العمل بها لزوال العارض ، فإن كانت مخالفة لما عملت قضت ما صامت من الفرض في مدة العادة ، وما تركت من الصلاة والصيام فيما خرج عنها ، لأننا تبينا أنها تركتها وهي طاهرة ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا تصير المرأة معتادة حتى تعلم طهرها وشهرها ، ويتكرر ‏.‏

وشهرها ‏:‏ هوالمدة التي يجتمع لها فيه حيض وطهر ، وأقل ذلك أربعة عشر يوماً ، يوم للحيض وثلاثة عشر للطهر ، وغالبه الشهر المعروف ، لحديث حمنة ، ولأنه غالب عادات النساء ، وأكثره ، لا حد له ‏[‏ لأن أكثر الحيض لا يتعداه ‏]‏ وتثبت العادة بالتمييز ، كما لوتثبت بانقطاع الدم ، فلورأت المبتدأة خمسة أيام دماً أسود ، ثم احمر وعبر أكثر الحيض ، وتكرر ذلك ثلاثاً ، ثم رأت في الرابع دماً مبهماً ، كان حيضها أيام الدم الأسود ، لأنه صار عادة لها ‏.‏

فصل ‏:‏

والعادة على ضربين ‏:‏ متفقة ومختلفة ‏.‏

فالمتفقة ‏:‏ مثل من تحيض خمسة من كل شهر ، والمختلفة مثل من تحيض في شهر ثلاثة ، وفي الثاني أربعة ، وفي الثالث خمسة ، ثم يعود إلى الثلاثة ، ثم إلى أربعة على هذا الترتيب، أوفي شهر ثلاثة ، وفي الثاني خمسة ، وفي الثالث أربعة ، ثم تعود إلى الثلاثة ، فكل ما أمكن ضبطه من ذلك ، فهوعادة مستقرة ، وما لم يمكن ضبطه نظرت إلى القدر الذي تكرر منه ، فجعلته عادة ، كأنها رأت في شهر ثلاثة ، وفي شهر أربعة ، وفي شهر خمسة ، فالثلاثة حيض ، لتكررها ثلاثاً ‏.‏

فإذا رأت في الرابع ستة ، فالأربعة حيض ‏:‏ لتكررها ثلاثاً ، فإذا رأت في الخامس سبعة ، فالخمسة حيض ، وعلى هذا ما تكرر ، فهوحيض ، وما فلا ‏.‏

فصل ‏:‏

في التلفيق ‏:‏ إذا رأت يوماً دماً ، ويوم طهراً ، فإنها تغتسل ، وتصلي في زمن الطهر ، لقول ابن عباس رضي الله عنه ‏:‏ لا يحل لها إذا رأت الطهر ساعة إلا أن تغتسل ، ثم إن انقطع الدم لخمسة عشر فما دون ، فجميعه حيض ، تغتسل عقيب كل يوم وتصلي في الطهر، وإن عبر الخمسة عشر ، فهي مستحاضة ترد إلى عادتها ، فإن كانت عادتها ، سبعة متوالية ، جلست ما وافقها من الدم ، فيكون حيضها منه ثلاثة أيام ، أوأربعة ، وإن كانت ناسية ، فأجلسناها سبعة ، وإن أجلسناها أقل الحيض ، جلست يوماً وليلة لا غير ، وإن كانت مميزة ، ترى يوماً دماً أسود ، ثم ترى نقاء ثم ترى أسود إلى عشرة أيام ، ثم ترى دماً أحمر وعبر ، ردت إلى التمييز ، فيكون حيضها زمن الدم الأسود دون غيره ولا فرق بين أن ترى الدم زمناً يكون أن يكون حيضاً كيوم وليلة ، أودون ذلك ، كنصف يوم ، ونصف ليلة ، فإن كان النقاء أقل من ساعة ، فالظاهر أنه ليس بطهر ، لأن الدم يجري تارة ، وينقطع أخرى ، وقد قالت عائشة رضي الله عنها ‏:‏ لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا رأت ثلاثة أيام دماً ثم طهرت اثني عشر يوماً ، ثم رأته ثلاثة دماً ، فالأول حيض ، لأنها رأته في زمان إمكانه ، والثاني استحاضة ، لأنه لا يمكن أن يكون ابتداء حيض ، لكونه لم يتقدمه أقل الطهر ، ولا من الحيض الأول ، لأنه يخرج عن الخمسة عشر ‏.‏ والحيضة الواحدة لا تكون بين طرفيها أكثر من خمسة عشر يوماً ‏.‏ فإن كان بين الدمين ثلاثة عشر يوماً فأكثر وتكرر ، فهما حيضتان ، لأنه أمكن جعل كل واحد منهما حيضة منفردة ، لفصل أقل الطهر بينهما ، وإن أمكن جعلهما حيضة واحدة بأن لا يكون بين طرفيها أكثر من خمسة عشر عشر يوماً مثل أن ترى يومين دماً وتطهر عشرة ، وترى ثلاثة دماً وتكرر فهما حيضة واحدة ، لأنه لم يخرج زمنها عن مدة أكثر الحيض ‏.‏ وعلى هذا يعتبر ما ألقي من المسائل في التلفيق ‏.‏

فصل ‏:‏

في المستحاضة وهي ‏:‏

التي ترى دماً ليس بحيض ولا نفاس ‏.‏ وحكمها حكم الطاهرات في وجوب العبادات وفعلها ، لأنها نجاسة غير معتادة ، أشبه سلس البول ، فإن اختلط حيضها باستحاضتها ، فعليها الغسل عند انقطاع الحيض ، لحديث فاطمة ، ومتى أرادت الصلاة ، غسلت فرجها ، وما أصابها من الدم ، حتى إذا استنقأت عصبت فرجها ، واستوثقت بالشد ، والتلجيم ، ثم توضأت وصلت ، لما روي أن النبي ‏(‏ص‏)‏ قال لحمنة بنت جحش حين شكت إليه كثرة الدم ‏:‏ أنعت لك الكرسف يعني القطن ، تحشي به المكان ‏.‏ قالت ‏:‏ إنه أشد من ذلك ، فقال ‏:‏ تلجمي ‏.‏

وعن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله ‏(‏ص‏)‏ ، فاستفتت لها

أم سلمة رسول الله ‏(‏ص‏)‏ فقال ‏:‏ لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر ، قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتترك الصلاة ، قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ، ثم لتستثفر بثوب ، ثم لتصل رواه أبوداود ‏.‏ فإن خرج الدم بعد الوضوء لتفريط في الشد ، أعادت الوضوء لأنه حدث أمكن التحرز عنه ‏.‏

وإن خرج لغير تفريط فلا شيء عليها لما روت عائشة رضي الله عنها قالت ‏:‏ اعتكفت مع رسول الله ‏(‏ص‏)‏ امرأة من أزواجه ، فكانت ترى الدم ، والصفرة والطست تحتها ، وهي تصلي ‏.‏ رواه البخاري ‏.‏ ولأنه لا يمكن التحرز منه فسقط ، وتصلي بطهارتها ما شاءت من الفرائض والنوافل قبل الفريضة وبعدها ، حتى يخرج الوقت فتبطل بها طهارتها ، وتستأنف الطهارة لصلاة أخرى ، لما روي في حديث فاطمة أن النبي ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ قال لها ‏:‏ اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة وصلي قال الترمذي هذا حديث صحيح ‏.‏ ولأنها طهارة عذر وضرورة ، فقيدت بالوقت ، كالتيمم ‏.‏ وإن توضأت قبل الوقت ، بطل وضوءها بدخوله ، كما في التيمم ، وإن انقطع دمها بعد الوضوء ، وكانت عادتها انقطاعه وقتاً لا يتسع للصلاة لم يؤثر انقطاعه لأنه لا يمكن الصلاة فيه ، وإن لم تكن فيه عادة أوكانت عادتها انقطاعه مدة طويلة ، لزمها استئناف الوضوء ، وإن كانت في الصلاة ، بطلت لأن العفوعن الدم ، لضرورة جريانه فيزول بزواله ، وحكم من به سلس البول أوالمذي أوالريح أوالجرح الذي لا يرقأ دمه حكمها في ذلك إلا أن ما لا يمكن عصبه يصلي بحاله ، فقد صلى عمر رضي الله عنه وجرحه يثعب دماً ‏.‏

فصل ‏:‏

قال أصحابنا ولا توطأ مستحاضة لغير ضرورة ، لأنه أذى في الفرج ، أشبه دم الحيض ، فإن الله تعالى قال ‏:‏ ‏{‏هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض‏}‏ فعلله بكونه أذى ‏.‏ وإن خاف على نفسه العنت ، أبيح الوطء ، لأنه يتطاول ، فيشق التحرز منه ، وحكمه أخف ، لعدم ثبوت أحكام الحيض فيه ‏.‏

وحكى أبوالخطاب فيه عن أحمد رضي الله عنه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ كما ذكرنا ‏.‏

والثانية ‏:‏ يحل مطلقاً لعموم النص في حل الزوجات ، وامتناع قياس المستحاضة على الحائض ، لمخالفتها لها في أكثر أحكامها ، ولأن وطء الحائض ربما يتعدى ضرره إلى الولد، فإنه قد قيل ‏:‏ إنه يكون مجذوماً بخلاف دم المستحاضة ‏.‏

فصل ‏:‏

ويستحب لها الغسل لكل صلاة ، لأن عائشة رضي الله عنها روت ‏:‏ أن أم حبيبة استحيضت ‏.‏ فسألت النبي ‏(‏ص‏)‏ فأمرها أن تغتسل لكل صلاة ‏.‏ ‏[‏ رواه أبوداود ‏]‏ ‏.‏ وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد ، فهوحسن ، لما روي أن النبي ‏(‏ص‏)‏ قال لحمنة ‏:‏ فإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ، ثم تغتسلين حتى تطهرين ، وتصلين الظهر والعصر جميعاً ، ثم تؤخرين المغرب ، وتعجلين العشاء ، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين ، وتغتسلين مع الصبح ، كذلك فافعلي إن قويت على ذلك هوأعجب الأمرين إلي وهوحديث صحيح ‏.‏ وإن توضأت لوقت كل صلاة أجزأها لما ذكرنا سابقاً ‏.‏


باب النفاس


وهوخروج الدم ، بسبب الولادة ، وحكمه حكم الحيض فيما يحرم ويجب ويسقط به ، لأنه دم حيض مجتمع ، احتبس لأجل الحمل ‏.‏ فإن خرج قبل الولادة بيومين ، أوثلاثة ، فهونفاس ، لأن سبب خروجه الولادة ، وإن خرج قبل ذلك ، فهودم فاسد ، لأنه ليس بنفاس ، لبعده من الولادة ، ولا حيض لأن الحامل لا تحيض ‏.‏

وأكثر النفاس أربعون يوماً لما روت أم سلمة قالت ‏:‏ كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً أوأربعين ليلة ‏.‏ رواه أبوداود ‏.‏

وليس لأقله حد فأي وقت رأت الطهر فهي طاهر تغتسل وتصلي ، ويستحب لزوجها الإمساك عن وطئها حتى تتم الأربعين ‏.‏

فإن عاودها الدم في مدة النفاس ، فهونفاس ، لأنه في مدته أشبه الأول ‏.‏

وعنه ‏:‏ أنه مشكوك فيه ، تصوم وتصلي وتقضي الصوم احتياطاً ، لأن الصوم واجب بيقين ، فلا يجوز تركه لعارض مشكوك فيه ، ويفارق الحيض المشكوك فيه ، لكثرته وتكرره ومشقة إيجاب القضاء فيه ‏.‏

وما زاد على أربعين ، فليس بنفاس ، وحكمها فيه حكم غير النفساء ، إذا رأت الدم وصادف عادة الحيض فهوحيض ، وإلا فلا ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا ولدت توأمين فالنفساء من الأول ، لأنه دم خرج عقيب الولادة ، فكان نفاساً ، كما لوكان منفرداً ، وآخر منه ، فإذا أكملت أربعين من ولادة الأول انقضت مدتها ، لأنه نفاس واحد ، لحمل واحد ، فلم تزد العادة منه على أربعين ‏.‏

وعنه ‏:‏ أنه من الأول ، ثم تستأنفه في الثاني ، لأن كل واحد منهما سبب للمدة ، فإذا اجتمعا اعتبر أولها من الأول ، وآخرها من الثاني ، كالوطء في إيجاب العدة ‏.‏


باب أحكام النجاسات


بول الآدمي نجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يعذب في قبره ‏:‏ إنه كان لا يستتر من بوله متفق عليه ‏.‏ والغائط مثله ‏.‏

والودي ‏:‏ ماء أبيض يخرج عقيب البول ، حكمه حكم البول لأنه في معناه ‏.‏

والمذي نجس ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه في المذي ‏:‏ اغسل ذكرك ولأنه خارج من الذكر لا يخلق منه الولد ، أشبه البول ‏.‏

وعنه ‏:‏ أنه كالمني ‏:‏ لأنه خارج بسبب الشهوة ، أشبه المني ‏.‏

وبول ما يؤكل لحمه ورجيعه نجس لأنه بول حيوان غير مأكول ، أشبه بول الآدمي إلا بول ما لا نفس له سائلة ، فإن ميتته طاهرة فأشبه الجراد ‏.‏

وبول ما يؤكل لحمه ورجيعه طاهر ‏.‏

وعنه أنه كالدم ، لأنه رجيع ‏.‏ والمذهب الأول ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ صلوا في مرابض الغنم حديث صحيح ، وكان يصلي فيها قبل بناء مسجده ، وقال للعرنيين ‏:‏ انطلقوا إلى إبل الصدقة فاشربوا من ألبانها وأبوالها متفق عليه ‏.‏

ومني الآدمي طاهر ، لأن عائشة قالت ‏:‏ كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيصلي فيه ، متفق عليه ‏.‏ ولأنه بدء خلق آدمي ، فكان طاهراً كالطين ‏.‏

وعنه ‏:‏ أنه نجس ، يجزئ فرك يابسه ، ويعفى عن يسيره لما روي عن عائشة رضي الله عنها ، أنها كانت تغسل المني عن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حديث صحيح ، لأنه خارج من مخرج البول أشبه المذي ‏.‏

وفي رطوبة فرج المرأة روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ أنها نجس ، لأنها بلل من الفرج ، لا يخلق منه الولد ، أشبه المذي ‏.‏

والثانية ‏:‏ أنها طاهرة ، لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهومن جماع ، لأن الأنبياء لا يحتلمون ، وهويصيب رطوبة الفرج ‏.‏

والقيء نجس ، لأنه طعام استحال في الجوف إلى الفساد ، أشبه الغائط ‏.‏

وفي كل حيوان غير الآدمي ومنيه ، في حكم بول في الطهارة والنجاسة ، لأنه في معناه ‏.‏

والنخامة طاهر ، سواء خرجت من رأس ، أوصدر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ إذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أوتحت قدمه ، فإن لم يجد فليقل هكذا ووصف القاسم ‏.‏ وتفل في ثوبه ومسح بعضه على بعض رواه مسلم ‏.‏

وذكر أبوالخطاب أن البلغم نجس ، قياساً على القيء ، والأول أصح ، والبصاق والمخاط والعرق ، وسائر رطوبات الآدمي طاهرة ، لأنه من جسم طاهر ، وكذلك هذه الفضلات ، من كل حيوان طاهر ‏.‏

فصل ‏:‏

والدم نجس ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في الدم ‏:‏ اغسليه بالماء متفق عليه ‏.‏ ولأنه نجس لعينه ، بنص القرآن ، أشبه الميتة ، إلا دم السمك ، فإنه طاهر ، لأن ميتته طاهرة مباحة ‏.‏

وفي دم ما لا نفس له سائلة ، كالذباب والبق والبراغيث والقمل ، روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ نجاسته لأنه دم أشبه المسفوح ‏.‏

والثانية ‏:‏ طهارته ، لأنه دم حيوان ، لا ينجس بالموت ، أشبه دم السمك وإنما حرم الدم المسفوح ‏.‏

والعلقة نجسة ، لأنها دم خارج من الفرج ، أشبه الحيض ‏.‏

وعنه ‏:‏ إنها طاهرة لأنها ، لأنها بدء خلق آدمي ، أشبهت المني ‏.‏

والقيح نجس ، لأنه دم استحال إلى نتن وفساد ، والصيد مثله ، إلا أن أحمد قال ‏:‏ هما أخف حكماً من الدم ، لوقوع الخلاف بين نجاستهما ، وعدم النص فيهما ‏.‏

وما بقي من الدم في اللحم معفوعنه ‏.‏

ولوعلت حمرة الدم في القدر ، لم يكن نجساً ، لأنه لا يمكن التحرز منه ‏.‏

فصل ‏:‏

والخمر نجس ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه‏}‏ ، ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر ، فكان نجساً كالدم ، والنبيذ مثله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام رواه مسلم ‏.‏ ولأنه شراب فيه شدة مطربة ، أشبه الخمر ‏.‏

فإن انقلبت الخمرة خلاً بنفسها طهرت ، لأن نجاستها لشدتها المسكرة ، وقد زال ذلك ، من غير نجاسة خلفتها فوجب أن تطهر ، كالماء الذي تنجس بالتغير ‏[‏ إذا زال تغيره ‏]‏ ‏.‏

وإن خللت لم تطهر لما روي ‏:‏ أن أبا طلحة ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ عن أيتام ورثوا خمراً فقال ‏:‏ أهرقها ، قال ‏:‏ أفلا أخللها ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، رواه أحمد في مسنده و

الترمذي ‏.‏ ولوجاز التخليل ، لم ينه عنه ‏.‏

ويتخرج أن تطهر لزوال علة التحريم ، كما لوتخللت ، ولا يطهر غيرها من النجاسات بالاستحالة ‏.‏

فلوأحرقت فصارت رماداً أوتركت في ملاحة ، فصارت ملحاً لم تطهر ، لأن نجاستها لعينها بخلاف الخمر ، فإن نجاستها لمعنى زال بالانقلاب ‏.‏

ودخان النجاسة وبخارها نجس ، فإن اجتمعت منه شيء ، أولاقى جسماً صقيلاً ، فصار ماءً ، فهونجس ‏.‏

وما أصاب الإنسان من دخان النجاسة ، وغبارها ، فلم يجتمع منه شيء ، ولا ظهرت صفته فهومعفوعنه ، لعدم إمكان التحرز منه ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يختلف المذهب ، في نجاسة الكلب والخنزير ، وما تولد منهما ، إذا أصابت غير الأرض أنه يجب غسلها سبعاً إحداهن بالتراب ، سواء كان من ولوغه أوغيره ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً ، إحداهن التراب متفق عليه ولمسلم ‏:‏ أولاهن التراب ‏.‏

وعنه ‏:‏ يغسله سبعاً ، وواحدة التراب ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذا ولغ الكلب في الإناء ، فاغسلوه سبعاً وعفروه الثامنة بالتراب رواه مسلم والأولى أصح لأنه يحتمل أنه على عد التراب ثامنة ، لكونه من الماء ، من غير جنسه ، والأولى جعل التراب ، من الأولى للخبر ، وليكون الماء بعده ، فينظفه ، وحيث جعله جاز ، لقوله في اللفظ الآخر ‏:‏ وعفروه الثامنة بالتراب ‏.‏ فيدل على أن عين الغسلة غير مرادة ‏.‏

وإن جعل مكان التراب جامداً آخر كالأشنان ، ففيه ثلاثة أوجه ‏:‏

أحدها ‏:‏ يجزئه ، لأن نصه على التراب تبينه على ما هوأبلغ منه في التنظيف ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يجزئه ، لأنه تطهير ورد الشرع فيه بالتراب ، فلم يقم غيره مقامه كالتيمم ‏.‏

والثالث ‏:‏ يجزئه إن عدم التراب ، أوكان مفسداً للمغسول للحاجة ، وإلا فلا ‏.‏

وإن جعل مكانه غسلة ثامنة ، لم يجزه ، لأنه أمر بالتراب ،معونة للماء ، في قلع النجاسة ، أوللتعبد ، ولا يحصل بالماء وحده ، وقد ذكر فيه الأوجه الثلاثة ، وإن ولغ في الإناء كلب ، أووقعت فيه نجاسة أخرى ، لم تغير حكمه ، لأن الغسل لا يزداد بتكرار النجاسة ، كما لوولغ فيه الكلب مرات ‏.‏

وإن أصاب الثوب منم ماء الغسلات ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يغسل سبعاً إحداهن بالتراب ، لأنها نجاسة كلب ‏.‏

والثاني ‏:‏ حكمه حكم المحل الذي انفصل عنه في الغسل في التراب وفي عدد الغسلات ، لأن المنفصل كالبلل الباقي ، وهويطهر بباقي العدد كذلك هذا ‏.‏

فصل ‏:‏

والنجاسات كلها على الأرض ، يطهرها أن يغمرها الماء ، فيذهب عينها ولونها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء متفق عليه ‏.‏

ولوكانت أرض البئر نجسة فنبع عليها الماء طهرها ‏.‏

ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ، ولا ريح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، أمر بغسل بول الأعرابي ، ولأنه محل نجس ، أشبه الثوب ‏.‏

وإن طبخ اللبن المخلوط بالزبل النجس ، لم يطهر ، لكن ما يظهر منه يحترق فيذهب عينه ، ويبقى أثره ، فإذا غسل طهر ظاهره ، وبقي باطنه نجساً لوحمله مصل ، لم تصح صلاته ‏.‏ وإن ظهر من باطنه شيء فهونجس ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا أصاب أسفل الخف ، أوالحذاء نجاسة ، ففيه ثلاث روايات ‏:‏

إحداهن ‏:‏ يجزئ دلكه بالأرض ، لما روى أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه ، فطهورهما التراب وفي لفظ ‏:‏ إذا وطئ بنعله ، رواه أبوداود ‏.‏ لأنه محل تتكرر فيه النجاسة ، فأجزأ فيه المسح ، كمحل الاستنجاء ‏.‏

والثانية ‏:‏ يجب غسله لأنه ملبوس فلم يجز فيه المسح كظاهره ‏.‏

والثالثة ‏:‏ يجب غسله من البول والعذرة لفحشهما ، ويجزئ دلكه من غيرهما ‏.‏

فإن قلنا ‏:‏ يجزئ المسح ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يطهر اختاره ابن حامد ، للخبر ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يطهر، لأنه محل نجس فلم يطهره المسح كغيره ‏.‏

وفي محل الاستنجاء بعد الاستجمار وجهان أيضاً ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يطهر ، قال أحمد رضي الله عنه في المستجمر يعرق في سراويله ‏:‏ لا بأس به ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الروث والرمة ‏:‏ لا يطهرن دليل على أن غيرهما يطهر ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يطهر ، لما ذكرنا في القياس ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم الطعام النضج ، وهوأن يغمره بالماء ، وإن لم يزل عنه لما روت أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير ، لم يأكل الطعام ، إلى رسول الله ‏(‏ص‏)‏ فأجلسه في حجره ، فبال على ثوبه ، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله ‏.‏ متفق عليه ‏.‏

ولا يجزئ في بول الجارية إلا الغسل ، لما روى علي رضي الله عنه قال ‏:‏ قال رسول الله ‏(‏ص‏)‏ بول الغلام ينضح ، وبول الجارية يغسل رواه أحمد في المسند ، فإن أكلا الطعام وتغذيا به غسل بولهما ، لأن الرخصة وردت فيمن لم يطعم ، فبقي من عداه على الأصل ‏.‏

وفي المذي روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يجزئ نضحه ، لما روى سهل بن حنيف ، قال كنت ألقى من المذي شدة وعناء ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، فكيف بما أصاب ثوبي منه ‏؟‏ قال ‏:‏ يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء ، فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه ، وقال الترمذي ‏:‏ هذا حديث صحيح ‏.‏

والثانية ‏:‏ يجب غسله لأن النبي ‏(‏ص‏)‏ أمر بغسل الذكر منه ، ولأنه نجاسة من كبير ، أشبه البول ‏.‏

فصل ‏:‏

وما عدا المذكور من النجاسات ، في سائر المحال ، فيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يجزئ مكاثرتها بالماء حتى تذهب عين النجاسة ولونها من غير عدد ، قياساً على نجاسة الأرض ، ولأن النبي ‏(‏ص‏)‏ قال لأسماء في الدم ‏:‏ اغسليه بالماء ولم يذكر عدداً ‏.‏ وروى ابن عمر رضي الله عنهما قال ‏:‏ كان غسل الثوب من النجاسة سبع مرات ، فلم يزل النبي ‏(‏ص‏)‏ يسأل ، حتى جعل الغسل من البول مرة ‏.‏ رواه أبوداود ‏.‏

والثانية ‏:‏ يجب فيها العدد ، وفي قدره روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ سبع ، لأنها نجاسة من غير الأرض ، فأشبهت نجاسة الكلب ‏.‏

وفي اشتراط التراب وجهان ‏.‏

والثانية ‏:‏ ثلاث ، لقول النبي ‏(‏ص‏)‏ ‏:‏ إذا استيقظ أحدكم من نومه ، فلا يغمس يديه في الإناء ، حتى يغسلها ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يده أمر بالثلاث ، وعلل بوهم النجاسة ، ولا يرفع وهمها إلا ما يرفع حقيقتها ‏.‏

فإن قلنا بالعدد ، لم يحتبس برفع الثوب من الماء غسلة ، حتى يعصره ، وعصر كل شيء يحبسه ، فإن كان بساطاً ثقيلاً أوزلياً فعصره بتقليبه ودقه ، حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا غسل النجاسة ، فلم يذهب لونها أوريحها لمشقة إزالته ، عفي عنه ، لما روي أن

خولة بنت يسار قالت ‏:‏ يا رسول الله أرأيت لوبقي أثره ، تعني ‏:‏ الدم ، فقال رسول اله ‏(‏ص‏)‏ ‏:‏ الماء يكفيك ، ولا يضرك أثره رواه أبوداود بمعناه ‏.‏

فصل ‏:‏

ويعفى عن يسير الدم في غير المائعات ، لأنه لا يمكن التحرز منه ، فإن الغالب أن الإنسان ، لا يخلومن حبة وبثرة ، فألحق نادره بغالبه ، وقد روي عن جماعة من الصحابة الصلاة من الدم ، ولم يعرف لهم مخالف ‏.‏

وحد اليسير ما لا ينقض مثله الوضوء ، وقد ذكر في موضوعه ‏.‏

والقيح والصديد كالدم لأنه مستحيل منه ‏.‏

وفي المني إذا حكمنا بنجاسته روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ أنه كالدم ، لأنه مستحيل منه ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يعفى عنه ، لأنه يمكن التحرز منه ‏.‏

وفي المذي ، وريق البغل والحمار وعرقهما ، وسباع البهائم وجوارح الطيور وبول الخفاش ، روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يعفى عن يسيره ، لمشقة التحرز منه ، فإن المذي يكثر من الشباب ، ولا يكاد يسلم مقتني هذه الحيوانات من بللها ، فعفي عن يسيرها كالدم ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يعفى عنهما ، لعدم ورود الشرع فيها ‏.‏

وفي النبيذ روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يعفى عن يسيره ، لوقوع الخلاف فيه ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يعفى عنه ، لأن التحرز عنه ممكن ‏.‏

وما عدا هذا من النجاسة ، لا يعفى عن شيء منه ، ما أدركه الطرف منها ، وما لم يدركه ، لأنها نجاسة ، لا يشق التحرز منها ، فلم يعف عنها كالكثير ‏.‏