المجلد الأول - كتاب الزكاة

وهي أحد أركان الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ بني الإسلام على خمس ‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وحج البيت متفق عليه ‏.‏ وتجب على الفور ، فلا يجوز تأخيرها مع القدرة على أدائها ، لأنها حق يصرف إلى آدمي توجهت المطالبة به ، فلم يجز تأخيرها ، كالوديعة ، ومن جحد وجوبها لجهله ، ومثله يجهل ذلك ، كحديث العهد بالإسلام ، عرف ذلك ولم يحكم بكفره ، لأنه معذور ‏.‏ وإن كان ممن لا يجهل مثله ذلك كفر ، وحكمه حكم المرتد ، لأن وجوب الزكاة معلوم ضرورة ، فمن أنكرها كذب الله ورسوله ، وإن منعها معتقداً وجوبها أخذها الإمام منه وعزره ، فإن قدر عليه دون ماله استتابه ثلاثاً ، فإن تاب و أخرج ، وإلا قتل ، وأخذت من تركته ، وإن لم يمكن أخذها إلا بالقتال قاتله الإمام ، لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال ‏:‏ لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها ‏.‏ رواه البخاري ‏.‏ وتابعه الصحابة على ذلك ، فكان إجماعاً ‏.‏

وإن كتم ماله حتى لا تؤخذ زكاته ، أخذت منه وعزر ، وفي جميع ذلك يأخذها الإمام من غير زيادة ، بدليل أن العرب منعت الزكاة ، فلم ينقل أنه أخذ منهم زيادة عليها ‏.‏

وقال أبو بكر ‏:‏ يأخذ معها شطر ماله ، بدليل ما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ في كل سائمة في كل أربعين بنت لبون ، من أعطاها مؤتجراً فله أجرها ، ومن أبا فإنا آخذوها وشطر ماله ، عزمة من عزمات ربنا رواه أبو داود ‏.‏ وقال أحمد رضي الله عنه ‏:‏ هو عندي صالح ‏.‏

وهل يكفر من قاتل الإمام على الزكاة ‏؟‏ فيها روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يكفر لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين‏}‏ دل هذا على أنه لا يكون أخانا في الدين إلا بأدائها ، ولأن الصديق رضي الله عنه قال لمانعي الزكاة ‏:‏ لا حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يكفر ، لأن الصحابة رضي الله عنهم امتنعوا عن قتالهم ابتداء ، فيدل على أنهم لم يعتقدوا كفرهم ، ثم اتفقوا على القتال وبقي الكفر على الأصل ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا تجب إلا بشروط أربعة ‏:‏ الإسلام فلا تجب على كافر أصلي ولا مرتد ، لأنها من فروع الإسلام ، فلا تجب على كافر كالصيام ‏.‏

فصل ‏:‏

والشرط الثاني ‏:‏ الحرية فلا تجب على عبد ، فإن ملكه سيده مالاً ، وقلنا ‏:‏ لا يملك ، فزكاته على سيده ، لأنه مالكه ، وإن قلنا ‏:‏ يملك ، فلا زكاة في المال ، لأن سيده لا يملكه ، وملك العبد ضعيف لا يحتمل المواساة بدليل أنه لا يعتق عليه أقاربه إذا ملكهم ، ولا تجب عليه نفقة قريبه ، والزكاة إنما تجب بطرق المواساة ، فلا تجب على مكاتب لأنه عبد ، وملكه غير تام لما ذكرنا ، فإن عتق وبقي في يده نصاباً استقبل به حولاً ، وإن عجز استقبل سيده بماله حولاً لأنه يملكه حينئذ ، وما قبض من نجوم مكاتبه استقبل به حولاً لذلك ، وإن ملك المعتق بعضه بجزئه الحر نصاباً لزمته زكاته ، لأنه يملك ذلك ملكاً تاماً فأشبه الحر ‏.‏

فصل ‏:‏

والشرط الثالث ‏:‏ تمام الملك ، فلا تجب الزكاة في الدين على المكاتب لنقصان الملك فيه ، فإن له أن يعجز نفسه ويمتنع عن أدائه ، ولا في السائمة الموقوف ، لأن الملك لا يثبت فيها في وجه ، في وجه يثبت ناقصاً لا يتمكن من التصرف فيها بأنواع التصرفات ‏.‏

وروى مهنا عن أحمد ‏:‏ فيمن وقف أرضاً أو غنماً في السبيل لا زكاة عليه ولا عشر ، هذا في السبيل ‏.‏

إنما يكون ذلك إذا جعله في قرابته ، وهذا يدل على إيجاب الزكاة فيه إذا كان لمعين ، لعموم قوله عليه السلام ‏:‏ في كل أربعين شاة شاة ‏.‏

ولا تجب في حصة المضارب من الربح قبل القسمة ، لأنه لا يملكها على رواية ، وعلى روية يملكها ملكاً ناقصاً غير مستقر ، لأنها وقاية لرأس المال ، ولا يختص المضرب بنمائها‏.‏

واختار أبو الخطاب أنها جائزة في حول الزكاة لثبوت الملك فيها وفي المغصوب و الضال ‏.‏ والدين على من لا يمكن استيفاؤه منه لإعسار أو جحد أو مطل روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا زكاة فيه ، لأنه خارج عن يده وتصرفه ، أشبه دين الكتابة ، ولأنه غير تام أشبه الحلي ‏.‏

والثانية ‏:‏ فيه الزكاة ، لأن الملك فيه مستقر ، ويملك المطالبة به فوجبت الزكاة فيه كالدين على مليء ، ولا خلاف في وجوب الزكاة في الدين الممكن استيفاؤه ‏.‏ ولا يلزمه الإخراج حتى يقبضه ، فيؤدي إلى ما مضى ، لأن الزكاة مواساة وليس في المواساة إخراج زكاة مال لم يقبضه ‏.‏ وظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنه لا فرق بين الحال والمؤجل ، لأن المؤجل مملوك له تصح الحوالة به ، والبراءة منه ‏.‏

ولو أجر داره سنين بأجرة ملكها من حين العقد ، وجرت في حول الزكاة ، وحكمها حكم الدين ، وحكم الصداق على الزوج حكم الدين على الموسر والمعسر ، لأنه دين ، وسواء في هذا قبل الدخول أو بعده ، لأنها مالكة له ‏.‏

فأما إن أسر رب المال وحيل بينه وبين ماله ، أو نسي المودع لمن أودع ماله ، فعليه فيه الزكاة ، لأن تصرفه في ماله نافذ ، ولهذا لو باع الأسير ماله أو وهبه صح ‏.‏ وإذا حصل الضال في يد ملتقط فهو في حول التعريف على ما ذكرناه ، وفيما بعد يملكه الملتقط ، فزكاته عليه دون ربه ، ويحتمل أن لا تلزمه زكاته ، ذكره ابن عقيل ‏.‏ لأن ملكه غير مستقر إذ لمالكه انتزاعه منه عند مجيئه ، والأول أصح ، لأن الزكاة تجب في الصداق قبل الدخول ، وفي المال الموهوب للابن مع جواز الاسترجاع ‏.‏

فإن أبرأت المرأة زوجها من صداقها عليه ، أو أبرأ الغريم غريمه من دينه ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ على المبرئ زكاة ما مضى ، لأنه تصرف فيه ، أشبه ما لو أحيل به أو قبضه ‏.‏

والثانية ‏:‏ زكاته على المدين ، لأنه ملك ما ملك عليه قبل قبضه منه ، فكأنه لم يزل ملكه عنه‏.‏

ويحتمل أن لا تجب الزكاة على واحد منهما ، لأن المبرئ لم يقبض شيئاً ، ولا تجب الزكاة على رب الدين قبل قبضه ، والمدين لم يملك شيئاً ، لأن من أسقط عنه شيئاً لم يملكه بذلك ، فأما ما سقط من الصداق قبل قبضه بطلاق الزوج فلا زكاة فيه ، لأنها لم تقبضه ، ولم يسقط بتصرفها فيه ، بخلاف التي قبلها ، وإن سقط لفسخها النكاح احتمل أن يكون كذلك ، لأنها لم تتصرف فيه ، واحتمل أن يكون كالموهوب لأن سقوطه بسبب من جهتها ‏.‏

فصل ‏:‏

الشرط الرابع ‏:‏ الغني ، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل ‏:‏ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم متفق عليه ‏.‏ ولأن الزكاة تجب مواساة للفقراء ، فوجب أن يعتبر الغني ، ليتمكن من المواساة ، والغني المعتبر ، ملك نصاب خال عن دين ، فلا يجب على من لا يملك نصاباً ، لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا دون خمسة ذود صدقة ولا فيما دون خمسة أواق صدقة متفق عليه ومن ملك نصاباً ، وعليه دين يستغرقه أو ينقصه فلا زكاة فيه ، إن كان من الأموال الباطنة وهي الناض وعروض التجارة رواية واحدة ، لأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال بمحضر من الصحابة ‏:‏ هذا شهر زكاتكم ، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم ‏.‏ رواه أبو عبيد في الأموال ولم ينكر ، فكان إجماعاً ، ولأنه لا يستغني به ، ولا تجب الصدقة إلا عن ظهر غنى ، وإن كان من الأموال الظاهرة ، وهي المواشي والزروع والثمار ففيه ثلاث روايات ‏:‏

إحداهن ‏:‏ لا تجب فيها الزكاة لذلك ‏.‏

والثانية ‏:‏ فيها الزكاة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث سعاته ، فيأخذون الزكاة من رؤوس الأموال الظاهرة ، من غير سؤال عن دين صاحبه ، بخلاف الباطن ‏.‏

الثالثة ‏:‏ أن ما استدانه على زرعة لمؤنته حسبه ، وما استدان لأهله لم يحسبه ، لأنه ليس من مؤونة الزرع فلا يحسبه على الفقراء ‏.‏ فإن كان له مالان من جنسين ، وعليه دين يقابله أحدهما ، جعله في مقابلة ما يقضي منه ، وإن كانا من جنس ، جعله في مقابلة ما الحظ للمسكين في جعله في مقابلته تحصيلاً بحظهم ‏.‏

فصل ‏:‏

وتجب الزكاة على مال الصبي والمجنون ‏.‏ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ابتغوا في أموال اليتامى كيلا تأكلها الزكاة ‏.‏ أخرجه الترمذي في إسناده مقال ، وروي موقوفاً على عمر رضي الله عنه ، ولأن الزكاة تجب مواساة ، وهما من أهلها ، ولهذا تجب عليهما نفقة القريب ، ويعتق عليهما ذو الرحم ، وتخرج عنهما زكاة الفطر والعشر ، فأشبها البالغ العاقل ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء ، لقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ‏.‏ بدل بمفهومه على وجوبها فيه عند تمام الحول ، ولأنه لو أتلف النصاب بعد الحول ضمنها ، ولو لم تجب لم يلزمه ضمانها كقبل الحول ،فإن تلف النصاب بعد الحول لم تسقط الزكاة ، سواء فرط أو لم يفرط ، لأنه مال وجب في الذمة ، فلم يسقط بتلف النصاب كالدين ، وروى عن التميمي وابن منذر أنه إن تلف قبل التمكن سقطت الزكاة ، لأنها عبادة تتعلق بالمال ، فتسقط بتلفه قبل إمكان الأداء كالحج ولأنه حق تعلق بالعين فسقط بتلفها من غير تفريط كالوديعة والجاني ، فإن تلف بعض النصاب قبل التمكن سقط من الزكاة بقدره، وإن تلف الزائد عن النصاب لم يسقط شيء ، لأنها تتعلق بالنصاب دون العفو ‏.‏ ولا تسقط الزكاة بموت من وجبت عليه ، لأنه حق واجب تصح الوصية به فلم يسقط بالموت كدين الآدمي ‏.‏

فصل ‏:‏

وفي محل الزكاة روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ أنها تجب في الذمة، لأنه يجوز إخراجها من غير النصاب ، ولا يمنع التصرف فيه فأشبهت الدين ‏.‏

والثانية ‏:‏ يتعلق بالعين ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم‏}‏ وفي للظرفية ‏.‏ فإن ملك نصاباً مضت عليه أحوال لم تؤد زكاته ، وقلنا ‏:‏ هي في الذمة ، لزمته الزكاة لما مضى من الأحوال ، لأن النصاب لم ينقص ، وإن قلنا ‏:‏ تتعلق بالعين لم يلزمه إلا زكاة واحدة ، لأن الزكاة الأولى تعلقت بقدر الفرض فينقص النصاب في الحول الثاني ، وهذا ظاهر المذهب ، نقله الجماعة عن أحمد فإن كان المال زائداً عن نصاب نقص منه كل حول بقدر الفرض ، ووجبت الزكاة فيما بقي فإن ملك خمساً من الإبل لزمه لكل حول شاة ، لأن الفرض يجب من غيها فلا يمكن تعلقه بعينها ‏.‏ وإن ملك خمساً وعشرين من الإبل فعليه للحول الأول ابنة مخاض ، وفيما بعد ذلك لكل حول أربع شياه ‏.‏

فصل ‏:‏

وتجب الزكاة في خمسة أنواع ‏:‏

أحدها ‏:‏ المواشي ‏.‏ ولها ثلاثة شروط ‏:‏

أحدها ‏:‏ أن تكون من بهيمة الأنعام ، لأن الخبر ورد فيها وغيرها لا يساويها في كثرة نمائها ونفعها ودرها ونسلها واحتملت المواساة منها دون غيرها ، ولا زكاة في الخيل والبغال و الحمير والرقيق ، ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة متفق عليه ‏.‏ ولأنه لا يطلب درها ، ولا تقتنى في الغالب إلا للزينة ، والاستعمال ، ولا للنماء ولا زكاة على الوحوش لذلك ، وعنه في بقر الوحش الزكاة ، لدخولها في اسم البقر ، والأول أولى ، لأنها لا تدخل في إطلاق اسم البقر ، ولا تجوز التضحية بها ، ولا تقتنى لنماء ولا در فأشبهت الظباء ‏.‏

وما تولد بين الوحشي والأهلي فقال أصحابنا ‏:‏ فيه الزكاة تغليباً للإيجاب ، والأولى أن لا تجب ، لأنها لا تقتنى للنماء والدر ، أشبهت الوحشية ، ولأنها لا تدخل في إطلاق اسم البقر و الغنم ‏.‏

فصل ‏:‏

الشرط الثاني ‏:‏ الحول ، لأن ابن عمر رضي الله عنهما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول رواه الترمذي و ابن ماجه و أبو داود ‏.‏ و لأن الزكاة إنما تجب في مال تام فيعتبر له حول يكمل النماء فيه ، وتحصل الفائدة منه ، فيواسي من نمائه ‏.‏ فإن هلك النصاب ، أو واحدة منه في الحول ، أو باعها ، انقطع ، ثم إن نتجت له أخرى مكانها ، أو رجع إليه باع ، استأنف الحول ، سواء ردت إليه ببيع أو إقالة أو باعها بالخيار فردت به ، لأن الملك يزول بالبيع ، والرد تجديد ملك ، وإن قصد بشيء من ذلك الفرار من الزكاة لم تسقط ، لأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط ، كالطلاق في مرض الموت ‏.‏ وإن نتجت واحدة ثم هلكت واحدة لم ينقطع الحول ، لأنه لم ينقص ‏.‏ وإن خرج بعضها ثم هلكت أخرى قبل خروج بقيتها انقطع الحول ، لأنها لا يثبت لها حكم الوجود في الزكاة حتى يخرج جميعها ‏.‏ وإن أبدل نصباً بجنسه لم ينقطع الحول ، لأنه لم يزل في ملكه نصاب من الجنس زاد في حول الزكاة ، فأشبه ما لو نتج النصاب نصاباً ، ثم ماتت الأمهات ‏.‏ وإن باع عيناً بورق انبنى على ضم أحدهما إلى لآخر ‏.‏ فإن قلنا ‏:‏ يضم لم ينقطع الحول ، لأنهما كالجنس الواحد ، وإن قلنا ‏:‏ لا يضم انقطع الحول لأنهما جنسان ‏.‏ وما نتج من النصاب فحوله حول النصاب ، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال ‏:‏ اعتد عليهم بالسلخة يروح بها الراعي على يديه ‏.‏ ولأنه من نماء النصاب فلم يفرد عنه بحول ، كربح التجارة ‏.‏ وإن ماتت الأمهات فتم الحول على السخال وهي نصاب وجبت فيها الزكاة ، لأنها جملة جارية في الحول لم تنقص عن النصاب ، أشبه ما لو بقي من الأمهات نصاب ‏.‏ وإن ملك دون النصاب ، وكمل بالسخال احتسب الحول من حين كمال النصاب ‏.‏

وعنه ‏:‏ يستحب من حين ملك الأمهات ، والأول المذهب ، لأن النصاب هو السبب فاعتبر مضي الحول على جميعه ‏.‏ وأما المستفاد بإرث أو عقد فله حكم نفسه ، لأن مال ملكه أصلاً فيعتبر له الحول شرطاً ، كالمستفاد من غير الجنس ‏.‏ ولا يبني الوارث حوله على حول الموروث ، لأنه ملك جديد ، فإن كان عنده ثلاثون من البقر ، فاستفاد عشر في أثناء الحول ، فعليه من الثلاثين إذا تم حولها تبيع ، لكمال حولها ‏.‏ فإذا تم حول العشرة فيها ربع مسنة ، لأنه تم نصاب المسنة ، ولم يمكن إيجابها لانفراد الثلاثين بحكمها ، فوجبت في العشرة بقسطها منها ‏.‏

وإن ملك أربعين من الغنم في المحرم ، وأربعين في صفر وأربعين في ربيع فتم حول الأولى فعليه شاة ، لأنها نصاب كامل مضى عليه حول ، لم يثبت له حكم الخلطة في جميعه فوجب فيه شاة ، كما لو لم يملك غيرها ، فإن تم حول الثاني ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ لا شيء فيه ، ولا في الثالث ، لأنه لو ملكه مع الأول لم يجب فيه شيء ، فكذلك إذا ملكه بعده ، لأنه يحصل وقص بين نصابين ‏.‏

والثاني ‏:‏ فيه الزكاة ، لأنه نصاب منفرد بحول ، فوجبت زكاته كالأول ‏.‏ وفي قدرها وجهان‏:‏

أحدهما ‏:‏ شاة لذلك ‏.‏

والثاني ‏:‏ نصف شاة ، لأنه لم ينفك عن خلطة في جميع الحول ‏.‏ وفي الثالث ثلث شاة ، لأنه لم ينفك عن خلطة لثمانين ، فكان عليه بالقسط وهو ثلث شاة ‏.‏

وإن سلك عشرين من الإبل في المحرم ، وخمساً في صفر ، وخمساً في ربيع ، فعليه في العشرين عند دخولها أربع شياه ، وفي الخمس الأولى عند حولها خمس بنات مخاض ، وفي الخمس الثانية ثلاثة أوجه ‏:‏

أحدها ‏:‏ لا شيء فيها ‏.‏

والثاني ‏:‏ عليه سدس بنت مخاض ‏.‏

والثالث ‏:‏ عليه شاة ‏.‏

فصل ‏:‏

الشرط الثالث ‏:‏ السوم ، وهو أن تكون راعية ، ولا زكاة في المعلوفة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ في الإبل السائمة في كل أربعين بنت لبون وفي سائمة الغنم في كل أربعين شاة فيدل على نفي الزكاة عن غير السائمة ، ولأن المعلوفة لا تقتنى للنماء ، فلم يجب فيها شيء كثياب البذلة ‏.‏ ويعتبر السوم في معظم الحول ، لأنها لا تخلو من علف في بعضه ، فاعتباره في الحول كله يمنع الوجوب بالكلية ، فاعتبر في معظمه ‏.‏ وإن كان غصبها غاصب فعلفها معظم الحول فلا زكاة فيها ، لعدم السوم المشترط ‏.‏ وإن غضب معلوفة فأسامها ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ لا زكاة فيها لأن مالكها لم يسمها فلم يلزمه زكاتها كما لو علفها ‏.‏

والثاني ‏:‏ تجب زكاتها لأن الشرط تحقق ، فأشبه ما لو كمل النصاب في يد الغاصب ‏.‏


باب زكاة الإبل


وهي مقدرة بما قدره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروى البخاري بإسناده ، عن أنس أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له حين وجهه إلى البحرين ‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ، والتي أمر الله بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سأل فوقها فلا يعطه ‏.‏

في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض ، فإن لم يكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس و أربعين ففيها بنت لبون أنثى ، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل ، إلى ستين فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان ، طروقتا الفحل فإن زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة ، إلا أن يشاء ربها ‏.‏ فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة أوجب دون خمس وعشرين غنماً لأنه لا يمكن المواساة من جنس المال ، لأن واحدة منها كثيرة وإخراج جزء تشقيص يضر بالمالك والفقير ، والإسقاط غير ممكن فعدل إلى إيجاب الشياه جمعاً بين الحقوق ، وصارت الشياه أصلاً لو أخرج مكانها إبلاً لم يجزئه لأنه عدل عن المنصوص عنه إلى غير جنسه فلم يجزئه ، كما لو أخرجها عن الشياه الواجبة في الغنم ‏.‏ ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني من المعز ، لأنها الشاة التي تعلق بها حكم الشرع ، في سائر موارده المطلقة ، ويعتبر كونها في صفة الإبل ، ففي السمان الكرام شاة سمينة كريمة ، وفي اللئام والهزال لئيمة هزيلة ، لأنها سببها فإن كانت مراضاً لم يجز إخراج مريضة ، لأن المخرج من غير جنسها ، ويخرج شاة صحيحة على قدر المال ، ينقص من قيمتها على قدر نقيصة الإبل ، ولا يعتبر كونها من جنس غنمه ولا غنم البلد ، لأنها ليست سبباً لوجوبها ، فلم يعتبر كونها من جنسها ، كالأضحية ، ولا يجزئ فيها الذكر كالمخرجة عن الغنم ، ويحتمل أن يجزئ ، لأنها شاة مطلقة ، فيدخل فيها الذكر كالأضحية ، فإن عدم الغنم لزمه شراء شاة ، وقال أبو بكر ‏:‏ يجزئه عشر دراهم ، لأنها بدل الشاة للجبران ولا يصح ، لأن هذا إخراج قيمة فلم يجز ، كما في الشاة المخرجة عن الغنم ، وليست الدراهم في الجبران بدلاً ، بدليل إجزائها مع وجود الشاة ‏.‏

فصل ‏:‏

فإذا بلغت خمساً وعشرين أمكنت المواساة من جنسها ، فوجبت فيها بنت مخاض ، وهي التي لها سنة ودخلت في الثانية ، سميت بذلك لأن أمها ماخض أي ‏:‏ حامل بغيرها، قد حان ولادتها ، فإن عدمها أخرج بن لبون ذكراً ، وهو الذي له سنتان ودخل في الثالثة ، سمي بذلك لأن أمه لبون أي ذات لبن ، وصار نقص الذكورية مجبوراً بزيادة السن ‏.‏ فإن عدمه أيضاً لزمه شراء بنت مخاض ، لأنهما استويا في العدم ، فأشبه ما لو استويا في الوجود ، ولأن تجويز ابن لبون للرفق به ، إغناء له عن كلفة الشراء ، ولم يحصل الإغناء عنها ههنا ، فرجع إلى الأصل ‏.‏ ومن لم يجد إلى بنت مخاض معيبة فهو كالعادم ، لأنه لا يمكن إخراجها ، وإن وجدها أعلى من صفة الواجب أجزأته ، فإن أخرج ابن لبون لم يجزئه لأن ذلك مشروط بعدم ابنة مخاض مجزئة ، وإن اشترى بنت مخاض على صفة الواجب جاز ، ولا يجبر نقص الذكورية بزيادة السن في غير هذا الموضع ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ يجوز أن يخرج عن بنت لبون حقاً ، وعن الحقة جذعاً مع عدمهما ، لأنه أعلى وأفضل ، فيثبت الحجم فيه بالتنبيه ، ولا يصح لأنه نص فيهما ، وقياسهما على ابن اللبون ممتنع ، لأن زيادة سنة يمتنع بها من صغار السباع ، ويرعى الشجر بنفسه ، ويرد الماء ولا يوجد هذا في غيره ‏.‏

فصل ‏:‏

فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون ، وفي ست وأربعين حقة وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ، سميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الفحل وتركب ، ولهذا قال في الحديث ‏:‏ طروقة الفحل ‏.‏

وفي إحدى وستين جذعة ، وهي التي ألقت سناً ولها أربع سنين ودخلت الخامسة ، وهي أعلى سن يأخذ في الزكاة ، وفي ست وسبعين ابنتا لبون ‏.‏

وفي إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة ، وإذا زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ‏.‏

وعنه ‏:‏ لا يعتبر الفرض حتى تبلغ ثلاثين ومائة ، فيكون فيها حقة وبنتا لبون ، والصحيح الأول ، لأن في حديث الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عند آل عمر بن الخطاب فإذا كان إحدى وعشرين مائة ففيها ثلاث بنات لبون وهذا نص ، وهو حديث حسن ‏.‏ ولو ملك زادت جزءاً من بعير لم يتغير الفرض به لذلك ، ولأن سائر الفروض لا تتغير بزيادة جزء ، ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ، لحديث الصحيح ‏.‏

فصل ‏:‏

فإذا بلغت مائتين ، اتفق الفرضان ، أربع حقاق أو خمس بنات لبون ، أيهما أخرج أجزأه ، فإن كان الآخر أفضل منه ، والمنصوص عنه في أربع حقائق ، وهذا محمول على أن ذلك فيها بصفة التخيير ، لأن في كتاب الصدقات الذي عند آل عمر رضي الله عنه ، فإذا كان مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون ، أي السنين وجدت عنده أخذت منه ، ولأنه اتفق الفرضان في الزكاة فكانت الخيرة لرب المال كالخيرة في الجبران ، وإن كان المال ليتمم لم يخرج عنه إلا أدنى السنين ، لتحريم التبرع بمال اليتيم ، فإن أراد إخرج الفرض من السنين ، على وجه يحتاج إلى التشقيص ، كزكاة لمائتين لم يجز ، وإن لم يحتج إليه كزكاة ثلاثمائة يخرج عنها حقتين وخمس بنات لبون جاز ، وإن وجدت إحدى الفريضتين دون الأخرى ، أو كانت الأخرى ناقصة ، تعين إخراج الكاملة ، لأن الجبران بدل ، لا يصار إليه مع وجود الفرض الأصلي ، وإن احتاجت كل فريضة إلى جبران أخرج ما شاء منها ، فإذا كانت عنده ثلاث حقاق وأربع بنات لبون فله إخراج الحقاق وبنت لبون مع الجبران أو بنات اللبون و حقة ، ويأخذ الجبران ، وإن أعطى حقة وثلاث بنات لبون مع الجبران لم يجزئه ، لأنه يعدل عن الفرض مع وجوده إلى الجبران ، ويحتمل الجواز ، فإن كان الفرضان معدومين ، أو معيبين فله العدول إلى غيرها مع الجبران ، فيعطي أربع جذعات ، ويأخذ ثماني شياه ، أو يخرج خمس بنات مخاض وعشر شياه ، وإن اختار أن ينتقل من الحقاق إلى بنات المخاض مع الجبران ، أو من بنات اللبون إلى الجذعات مع الجبران ، لم يجز ، لأن الحقاق وبنات اللبون منصوص عليهن فلا تصعد إلى الحقاق بجبران ، ولا ينزل لبنات اللبون بجبران ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن وجبت عليه فريضة أعلى منها بسنة ، ويؤخذ شاتين ، أو عشرين درهماً ، أو فريضة أدنى منها بسنة ، ومعها شاتان أو عشرون درهما ، لما روى أنس في كتاب الصدقات الذي كتبه أبو بكر رضي الله عنه قال ‏:‏ من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة ، وليست عنده جذعة وعنده حقة ، فإنها تقبل منه ، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له ، أو عشرين درهماً ومن بلغت عنده صدقة الحقة ، وليست عنده الحقة ، وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ، ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة ، وليست عنده إلا بنت لبون ، فإنها تقبل منه بنت لبون ، ويعطى شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت صدقته بنت لبون ، وعنده حقة فإنها تقبل منه ، ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهماً فأما من وجبت عليه جذعة ، فأعطى مكانها ثنية بغير جبران جاز ، وإن طلب جبراناً لم يعط ، لأن زيادة سن الثنية غير معتبر في الزكاة ، وإن عدم بنت المخاض لم يقبل منه فصيل بجبران ولا غيره ، لأنه ليس بفرض ولا أعلى منه ، والخيرة في النزول والصعود ، و الشياه والدراهم إلى رب المال ، للخبر ، فإن أراد أعطى شاة وعشرة دراهم ، أو أخذ ذلك جاز ذكره القاضي ، لأن الشاة مقام عشرة دراهم ، وقد كانت الخيرة إليه فيهما مع غيرهما ، فكانت الخيرة إليه فيهما مفردين ويحتمل المنع ، لأن الشارع جعل له الخيرة في شيئين ، و تجويز هذا يجعل له الخيرة في ثلاثة أشياء ، وإن كان النصاب مريضاً لم يجز له الصعود إلى الفرض الأعلى بجبران ، لأن الشاتين جعلتا جبراناً ، لما بين صحيحين ، فيكون أكثر ما بين المريضين ، وإن أراد النزول ويدفع الجبران جاز ، لأنه متطوع بالزيادة ، ومن وجب عليه فرض فلم يجد إلا أعلى منه بسنتين ، فقال القاضي ‏:‏ يجوز أن يصعد إلى الأعلى ، ويأخذ أربع شياه أو أربعين درهماً ، أو ينزل إلى الأنزل ، ويخرج معه أربع شياه أو أربعين درهماً لأن الشارع جوز له الانتقال إلى الذي يليه ، وجوز الانتقال من العدول إلى ما يليه ‏[‏ إذا كان هو الفرض ، وهنا لو كان موجوداً فإذا عدم جاز العدول إلى ما يليه ‏]‏ ، وقال أبو الخطاب ‏:‏ لا يجوز ، لأن النص إنما ورد بالانتقال إلى ما يليه فأما من وجد سناً يليه لم يجز له الانتقال إلى الأبعد ، لأن النبيصلى الله عليه وسلم ، أقام الأقرب مقام الفرض ، ولو وجد الفرض لم ينتقل عنه ، فكذلك إذا وجد الأقرب لم ينتقل عنه ، وإن أراد أن يخرج مكان الأربع شياه شاتين و عشرين درهماً جاز لأنهما جبران فيهما كالكفارتين ، ولا مدخل للجبران في غير الإبل لأن النص فيها ورد وليس غيرها في معناها ‏.‏


باب صدقة البقر


روى الإمام أحمد رضي الله عنه عن يحيى بن الحكم ، أن معاذاً قال ‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق أهل اليمن ، فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً ، ومن كل أربعين مسنة ، ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعاً ومن الثمانين مسنتين ومن التسعين ثلاث أتباع ومن المائة مسنة وتبيعين ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعاً ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتباع وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئاً إلا أن تبلغ مسنة أو جذعاً ‏.‏ فأول نصابها ثلاثون وفيها تبيع أو تبيعة ، وهو الذي له سنة ودخل في الثانية ‏.‏ وفي الأربعين مسنة ، وهي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة ‏.‏ ويتفق الفرضان في مائة وعشرين ، فيخرج رب المال أيهما شاء للخبر ، ولما ذكرنا في الإبل ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يؤخذ من الصدقة إلا الأنثى ، لورود النص بها ‏.‏ وفضلها بدرها ونسلها ، إلا الأتبعة في البقر حيث وجبت ، وابن لبون مكان بنت مخاض ، إذا عدمت ، فإن كانت ماشيته كلها ذكوراً جاز إخراج الذكر في الغنم وجهاً واحداً لأن الزكاة وجبت مواساة ، والمواساة إنما تكون بجنس المال ‏.‏ ويجوز إخراجه في البقر في أصح الوجهين لذلك ‏.‏ وفي الإبل وجهان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يجوز لذلك ‏.‏

والآخر ‏:‏ لا يجوز ، لإفضائه إلى إخراج ابن لبون عن خمس وعشرين وست وثلاثين ، وفيه تسوية بين النصابين ‏.‏ فعلى هذا يخرج أنثى ناقصة بقدر قيمة الذكر ، وعلى الوجه الأول يخرج ابن لبون عن النصابين ، ويكون التعديل بالقيمة ‏.‏ ويحتمل أن يخرج بن مخاض عن خمس وعشرين فيقوم الذكر مقام الأنثى التي في سنه ، كسائر النصب ‏[‏ ويحتمل أن لا يخرج الذكر فعلى هذا يخرج أنثى ناقصة بقدر قيمة الذكر وعلى الوجه الأول يخرج ابن لبون عن نصابين ويكون التعديل بالقيمة ‏]‏ ‏.‏

فصل ‏:‏

و الحواميس نوع من البقر ، و البخاتي نوع من الإبل ، والضأن والمعز جنس واحد ‏.‏ فإذا كان نصاب نوعين ، أو كان فيه سمان و مهازيل ، وكرام ولئام ، أخرج الفرض من أيهما شاء على قدر المالين ‏.‏ فإذا كان نصفين ، وقيمة الفرض من أحدهما عشرة ، ومن الآخر عشرين أخذه من أيهما شاء قيمته خمسة عشر ، إلا أن يرضى رب المال بإخراج الأجود ‏.‏


باب صدقة الغنم


وأول نصابها أربعون ‏:‏ وفيها شاة ، إلى مائة وعشرين ‏.‏ فإذا زادت واحدة ، ففيها شاتان إلى مائتين فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه ‏.‏ ثم في كل مائة شاة شاة ، لما روى أنس في كتاب الصدقات ‏:‏ وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاة ، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه ‏:‏ فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة ، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها صدقة ، إلا أن شاء ربها ‏.‏

وعن أحمد ‏:‏ أن في ثلاثمائة وواحدة أربع شياه ، ثم في كل مائة شاة شاة ‏.‏ اختارها أبو بكر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلاثمائة غاية ، فيجب تغير الفرض بالزيادة عليها ، والأول أصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حكمها إذا زادت على الثلاثمائة ، في كل مائة شاة ‏.‏ فإيجاب أربع فيما دون الأربعمائة يخالف الخبر ، وإنما جعل الثلاثمائة حداً لاستقرار الفرض‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يجزئ من الغنم إلا الجذع من الضأن ، وهو الذي له ستة أشهر ، والثني في المعز وهو الذي له سنة لما روى سعر بن ديسم قال ‏:‏ أتاني رجلان على بعير فقالا ‏:‏ إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤدي صدقة غنمك ‏.‏ قلت ‏:‏ فأي شيء تأخذان ‏؟‏ قالا ‏:‏ عناقاً جذعة أو ثنية‏.‏ رواه أبو داود ‏.‏ لأن هذا السن هو المجزئ في الأضحية دون غيره ، كذلك في الزكاة ، فإن كان في ماشيته كبار وصغار لم يجب فيها إلا المنصوص ويؤخذ الفرض بقدر قيمة المالين ، ولذلك قال عمر رضي الله عنه ‏:‏ اعتد عليهم بالسخلة ، يروح بها الراعي على يديه ، ولا تأخذها منهم ‏.‏ فإن كانت كلها صغاراً جاز إخراج الصغير ، لقول الصديق رضي الله عنه ‏:‏ لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها ‏.‏ ولا تؤدى العناق إلا عن صغار ، ولأن الزكاة تجب مواساة ، فيجب أن تكون من جنس المال ‏.‏

وقال أبو بكر ‏:‏ لا تجزئ إلا الكبيرة ، للخبر ‏.‏ فإن كانت ماشيته الصغار إبلاً أو بقراً ففيها وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ تجزئه الصغيرة ، لما ذكرناه في الغنم ، وتكون الصغيرة الواجبة في ست وأربعين زائدة على الواجبة في ست وثلاثين بقدر تفاوت ما بين الحقة وبنت اللبون ، وهكذا في سائر النصب تعدل بالقيمة ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يجزئ إلا كبيرة ، لأن الفرض يتغير بنهاية السن ، فيؤدي إخراج الصغيرة إلى التسوية بين النصابين ‏.‏ فعلى هذا يخرج كبيرة ناقصة القيمة بقدر نقص الصغار عن الكبار ‏.‏ وعنه أيضاً ‏:‏ لا ينعقد عليها الحول حتى تبلغ سناً يجزئ في الزكاة ، لئلا يلزم هذا المحذور ‏.‏

فصل ‏:‏

لا يجزئ في الصدقة هرمة ، ولا معيبة ، ولا تيس ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏}‏ ‏.‏ وروى أنس في كتاب الصدقات ‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يخرج في الصدقة هرمة ، ولا ذات عوار ، ولا تيس ‏)‏‏)‏ ‏.‏ وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان ‏:‏ من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا هو ، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه ، رافدة عليه كل عام ، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ، لكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ، ولم يأمركم بشره ‏.‏ الشرط ‏:‏ رذالة المال ، والدرنة ‏:‏ الجرباء ، فإن كان بعض النصاب مريضاً ، وبعضه صحيحاً لم يأخذ إلا صحيحة على قدر المالين ، وإن كان كله مريضاً أخذت مريضة منه ‏.‏ وقال أبو بكر ‏:‏ لا يؤخذ إلا صحيحة بقيمة المريضة ، والقول في هذا كالقول في الصغار ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يؤخذ في الصدقة الربى ، وهي التي تربي ولدها ، ولا المخاض ، وهي الحامل ، ولا التي طرقها الفحل ، لأن الغالب أنها حامل ، ولا الأكولة وهي السمينة ، ولا فحل الماشية المعد لضرابها ، ولا حزرات المال ، وهو خياره تحزره العين الحسنة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ‏:‏ إياك و كرائم أموالهم متفق عليه ‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إن الله لا يسألكم خيره وقال عمر رضي الله عنه لساعيه ‏:‏ لا تأخذ الربى ولا المخاض ولا الأكولة ولا فحل الغنم ‏.‏ قال الزهري ‏:‏ إذا جاء المصدق قسم الشاء ‏:‏ أثلاثاً ، ثلثاً خياراً ، وثلثاً شراراً ،وثلثاً وسطاً ، ويأخذ المصدق من الوسط ‏.‏ فإن تبرع المالك بدفع شيء من هذا ، أو أخرج عن الواجب أعلى منه من جنسه جاز ، لأن المنع من أخذه ، لحقه فجاز برضاه ، كما لو دفع فرضين مكان فرض ‏.‏ فإن دفع حقة من بنت لبون ، أو تبيعين مكان الجذعة جاز لذلك ، ولأن التبيعين يجزئان عن الأربعين مع غيرها فلأن يجزئان عنها مفردة أولى ‏.‏ وقد روى أبو داود عن أبي بن كعب أن رجلاً قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‏:‏ يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي ، فزعم أن ما علي فيه بنت مخاض ، فعرضت عليه ناقة فتية سمينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ذاك الذي وجب عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك فقال ‏:‏ ها هي ذه يا رسول الله ، فأمر رسول الله بقبضها ، ودعها له بالبركة ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا تجزئ القيمة في شيء من الزكاة ‏.‏ وعنه ‏:‏ يجزئ لأن المقصود غنى الفقير بقدر المال ‏.‏ والأول المذهب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الأعيان المنصوص عليها بيناً لما فرضه تعالى ، فإخراج غيرها ترك للمفروض ‏.‏ وقوله ‏:‏ فإن لم تكن بنت مخاض ، فابن لبون ذكر ، يمنع إخراج ابن اللبون مع وجود ابنة المخاض ، ويدل على أنه أراد العين دون المالية ، فإن خمساً وعشرون لا تخلوا عن مالية ابنة المخاض ، وإخراج القيمة يخالف ذلك ، ويفضي على إخراج الفريضة مكان الأخرى من غير جبران ، وهو خلاف النص ، واتباع السنة أولى ‏.‏ وقد روي عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال ‏:‏ خذ الحب من الحب ، والشاة من الغنم ، والبعير من الإبل ، والبقرة من البقر رواه أبو داود ‏.‏


باب حكم الخلطة


وهي ضربان ‏:‏

خلطة أعيان ‏:‏ بأن يملكا مالاً مشاعاً يرثانه أو يشتريانه أو غير ذلك ‏.‏

وخلطة أوصاف ‏:‏ وهو أن يكون مال كل منهما متميزاً فخلطاه ، ولم يتميزا في أوصاف نذكرها ، وكلاهما يؤثر في جعل مالهما كمال الواحد في شيئين ‏:‏

أحدهما ‏:‏ أن الواجب فيهما كالواجب في مال واحد ، فإن بلغا معاً نصاباً ففيهما الزكاة ، وإن زاد على النصاب لم يتغير الفرض حتى يبلغا فريضة ثانية فلو كان لكل واحد منهما عشرون كان عليهما شاة ، وإن كان لكل واحد منهما ستون ، لم يجب أكثر من شاة وإن كان لهما مال غير مختلط ، تبع المختلط في الحكم فلو كان لكل واحد منهما ستون ، فاختلط في أربعين لم يلزمهما إلا شاة في مالهما كله ، لأن مال الواحد يضم بعضه إلى بعض في الملك ، فتضم الأربعين المنفردة إلى العشرين المختلطة ، فيلزم انضمامها إلى العشرين التي لخليطه ، فيصير الجميع كمال واحد ، ولو كان لرجل ستون ، كل عشرين منها مختلطة بعشرين لآخر ، فالواجب شاة واحدة ، نصفها على صاحب الستين ، ونصفها على الخلطاء ، على كل واحد سدس شاة ، لما ذكرناه ، فإن كان لأحدهم شاة مفردة ، لزمهم شاتان ‏.‏

والثاني ‏:‏ أن الساعي أخذ الفرض من مال أيهما شاء ، سواء دعت إليه حاجة لكون الفرض واحداً أو لم تدع إليه حاجة ، بأن يجد فرض كل واحد منهما في ماله ، لأن مالهما صار كالمال الواحد في الإيجاب ، فكذلك في الإخراج ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وما كان من خليطين فإنها يتراجعان بينهما بالسوية رواه البخاري ‏.‏ يعني ‏:‏ إذا أخذ الفرض من مال أحدهما ‏.‏ والأصل في الخلطة ما روى أنس في حديث الصدقات ‏:‏ ولا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ‏.‏ ولأن المالين صارا كالمال الواحد في المؤن ، فكذلك في الزكاة ‏.‏

فصل ‏:‏

ويعتبر في الخلطة شروط خمس ‏:‏

أحدها ‏:‏ أن تكون في السائمة ولا تؤثر الخلطة في غيرها ‏.‏

وعنه ‏:‏ تؤثر فيها خلطة الأعيان لعموم الخبر ، ولأنه مال تجب فيه الزكاة فأثرت الخلطة فيه كالسائمة ، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ و الخليطان ما اجتمعا على الحوض والراعي والفحل رواه الدارقطني وهذا تفسير للخلطة المعتبرة شرعاً فيجب تقديمه ، ولأن الخلطة في السائمة أثرت في الضرر لتأثيرها في النفع ، وفي غيرها لا تؤثر في النفع لعدم الوقص فيها ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة دليل على اختصاص ذلك بالسائمة التي تقل الصدقة بجمعها لأجل أوقاصها ، بخلاف غيرها ‏.‏

الثاني ‏:‏ أن يكون الخليطان من أهل الزكاة ، فإن كان أحدهما مكاتباً أو ذمياً فلا أثر لخلطته ، لأنه لا زكاة في ماله ، فلم يكمل النصاب به ‏.‏

الشرط الثالث ‏:‏ أن يختلطا في نصاب ، فإن اختلطا فيما دونه ، مثل أن يختلطا في ثلاثين شاة لم تؤثر الخلطة ، سواء كان لهما مال سواه أو لم يكن ، لأن المجتمع دون النصاب فلم تجب الزكاة فيه ‏.‏

الشرط الرابع ‏:‏ أن يختلطا في ستة أشياء لا يتميز أحدهما عن صاحبه فيها وهي ‏:‏ المسرح ، والمشرب ، و المحلب ، والمراح ، والراعي ، والفحل لما روى الدارقطني بإسناده عن سعد بن أبي وقاص قال ‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة و الخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي نص على هذه الثلاثة ، فنبه على سائرها ، ولأنه إذا تميز كل مال بشيء مما ذكرناه لم يصيرا كالمال الواحد في المؤن ولا يشترط حلب المالين في إناء واحد ، لأن ذلك ليس بمرفق بل ضرر ، لاحتياجهما إلى قسمته ‏.‏

الشرط الخامس ‏:‏ أن يختلطا في جميع الحول ، فإن ثبت لهما حكم الانفراد في بعضه زكيا زكاة المنفردين فيه ، لأن الخلطة ، معنى يتعلق به إيجاب الزكاة فاعتبرت فيه جميع الحول كالنصاب ، فإن كان مال كل واحد منهما منفرداً فخلطاه ، زكياه في الحول الأول زكاة الانفراد ، وفيما بعد زكاة الخلطة ، فإن اتفق حولاهما مثل أن يملك كل واحد منهما أربعين في أول المحرم ، وخلطاها في صفر ، فإذا تم حولهما الأول أخرجا شاتين ، فإذا تم الثاني فعليهما شاة واحدة ‏.‏ وإن اختلف حولاهما ، فملك أحدهما أربعين في المحرم ، والآخر أربعين في صفر ، فخلطاها في ربيع ، أخرجا شاتين للحول الأول ، فإذا تم حول الأول والثاني فعليه نصف شاة، فإن أخرجا من غير النصاب فعلى الثاني عند تمام حوله نصف شاة ، وإن أخرجها من النصاب فعلى الثاني من الشاة بقدر ماله من جميع المالين ، فإذا كان ماله أربعين ، ومال صاحب أربعون إلا نصف شاة ، فعليه أربعون جزءاً من تسع وسبعين جزءاً ونصف من شاة ، وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد دون صاحبه ‏:‏ نحو أن يملكا نصابين فخلطاهما ، ثم باع أحدهما ماله أجنبياً ، فعلى الأول شاة عند تمام حوله ، لأنه ثبت له حكم الانفراد ، فإذا تم حول الثاني فعليه زكاة الخلطة ، لأنه لم يزل مخلطاً في جميع الحول ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن كان بينهما نصابان مختلطان ، فباع أحدهما غنمه بغنم صاحبه وأبقياه على الخلطة ، لم ينقطع حولهما ولم تزل خلطتهما ، وكذلك إن باع البعض بالبعض من غير إفراد ، قل البيع أو كثر ، فأما إن أفرادها ، ثم تبايعا ثم خلطاها ، وطال زمان الإفراد بطل حكم الخلطة وإن لم يطل ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ لا ينقطع حكم الخلطة لأن هذا زمن يسير فعفي عنه ‏.‏

والثاني ‏:‏ يبطل حكم الخلطة ، لأنه قد وجد الانفراد في بعض الحول فيجب تغليبه ، كالكثير و إن أفردا بعض النصاب وتبايعاه ، وكان الباقي على الخلطة نصاباً ، لم تنقطع الخلطة ، لأنها باقية في نصاب ، وإن بقي أقل من نصاب فحكمه حكم إفراد جميع المال ‏.‏

وذكر القاضي ‏:‏ أن حكم الخلطة ، ينقطع في جميع هذه المسائل ولا يصح ، لأن الخلطة لم تزل في جميع الحول ، والبيع لا يقطع حكم الحول في الزكاة فكذلك في الخلطة ولو كان لكل واحد أربعون ، مخالطة لمال آخر ، فتبايعاها مختلطة ، لم يبطل حكم الخلطة ، وإن اشترى بالمخالطة ، مفردة ، أو بالمفردة مختلطة ، انقطعت الخلطة ، وزكى زكاة المنفردة ، لأن زكاة المشتري تجب ببنائه على حول المبيع ، وقد ثبت لأحدهما حكم الانفراد في بعض الحول فيجب تغليبه ‏.‏

فصل ‏:‏

‏[‏ إذا كان لرجل نصاب ، فباع نصفه مشاعاً في الحول ‏]‏ ، فقال أبو بكر ‏:‏ ينقطع حول الجميع ، لأنه قد انقطع في النصف المبيع ، فكأنه لم يجر في حول الزكاة أصلاً ، فلزم انقطاعه في الباقي ‏.‏

وقال ابن حامد ‏:‏ لا ينقطع الحول فيما لم يبع ، لأنه لم يزل مخلطاً لمال جار في حول الزكاة ، وحدوث الخلطة لا يمنع ابتداء الحول ، فلا يمنع استدامته ، وهكذا لو كان النصاب لرجلين ، فباع أحدهما نصيبه أجنبياً فعلى هذا إذا تم حول ما لم يبع ففيه حصته من الزكاة ، فإن أخرجت منه نقص النصاب ، فلم يلزم المشتري زكاة ، عن أخرجت من غيره ، وقلنا الزكاة تتعلق بالعين ، فلا شيء على المشتري أيضاً لأن تعلق الزكاة بالعين يمنع وجوب الزكاة ‏.‏

وقال القاضي ‏:‏ لا يمنع ، فعلى قوله ‏:‏ على المشتري زكاة حصته إذا تم حوله ، وإن قلنا تتعلق بالذمة لم يمنع وجوب الزكاة على المشتري ، لأن النصاب لم ينقص ، فأما إن أفرد بعض النصاب وباعه ، ثم خلط المشتري بمال البائع ، فقال ابن حامد ينقطع حولهما ، لثبوت حكم الانفراد لهما ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ يحتمل أن لا ينقطع حكم حول البائع ، لأن هذا زمن يسير ‏.‏

ولو كان لرجلين نصاب خلطة ، فاشترى أحدهما نصيب صاحبه ، أو ورثه ، أو اتهبه في أثناء الحول فهذه عكس المسألة الأولى صورة ومثلها معنى لأنه في الأولى كان خليط نفسه ثم صار خليط أجنبي ، و ههنا كان خليط أجنبي فصار خليط نفسه ، والحكم فيها كالحكم في الأولى ، لاشتراكهما في المعنى ‏.‏

ولو استأجر أجيراً يرعى غنمه بشاة منها ، فحال الحول لم يفردها فهما خليطان ، ولو أفردها فنقص النصاب فلا زكاة فيها ، لنقصانها ، وإن استأجره بشاة موصوفة صح وجرت مجرى الدين في منعها من الزكاة على ما مضى من الخلاف فيه ‏.‏

فصل ‏:‏

وذكر القاضي شرطاً سادساً وهو نية الخلطة ، لأنه معنى يتغير به الفرض فافتقر إلى النية ، كالسوم ، والصحيح أنه لا يشترط ، لأن النية لا تؤثر في الخلطة فلا تؤثر في حكمها ، لأن المقصود بها الارتفاق بخفة المؤونة ، وذلك يحصل في عدم النية ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا أخذ الساعي الفرض من مال أحدهما رجع على خليطه بقدر حصته من المال ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وما كان من خليطين ، فإنهما يتراجعان بينها في السوية فإذا كان لأحدهما الثلث فأخذ الفرض من ماله ، رجع على خليطه بقيمة ثلثيه ، وإن أخذه من صاحبه ، رجع صاحبه عليه بقيمة ثلثه ، فإن اختلفا في القيمة فالقول قول المرجوع عليه ، إذا عدمت النية ، لأنه غارم فالقول كالغاصب ، وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب بغير تأويل ، فأخذ مكان الشاة اثنتين ، لم يرجع على صاحبه إلا بقدر الواجب ، لأن الزيادة ظلم ، فلا يرجع بها على غير ظالمه ، وإن أخذه بتأويل فأخذ صحيحة كبيرة عن مراض صغار رجع على صاحبه، لأن ذلك إلى اجتهاد الإمام ، فإذا أداه اجتهاده إلى أخذه وجب دفعه إليه ، وكان بمنزلة الواجب ، وإن أخذ القيمة رجع بالحصة منها لأنه مجتهد فيها ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن كانت سائمة الرجل في بلدين لا يقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة وإن كان بينهما مسافة القصر فكذلك اختاره أبو الخطاب ، لأنه مال واحد يضم إلى بعض ، كغير السائمة ، وكما لو تقارب البلدان ، والمشهور عن أحمد ‏:‏ أن لكل مال حكم نفسه ، لظاهر قوله عليه السلام ‏:‏ لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة ، ولا يختلف المذهب في سائر الأموال أنه يضم مال الواحد بعضه إلى بعض ، تقاربت البلدان أو تباعدت ، لعدم تأثير الخلطة فيها ‏.‏


باب زكاة الزرع والثمار


وهي واجبة ‏:‏ بقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض‏}‏ ‏.‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر أخرجه البخاري وبالإجماع ‏.‏ ولا تجب إلا بخمسة شروط ‏:‏

أحدها ‏:‏ أن يكون حباً أو ثمراً ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا زكاة في حب أو ثمر حتى تبلغ خمسة أوسق رواه مسلم ‏.‏ وهذا يدل على وجوب الزكاة في الحب والثمر وانتفائها من غيرهما ‏.‏

الشرط الثاني ‏:‏ أن يكون مكيلاً ، لتقديره بالأوسق ، وهي مكاييل ، فيدل ذلك على اعتبارها ‏.‏

الشرط الثالث ‏:‏ أن يكون مما يدخر ، لأن جميع ما اتفق على زكاته مدخر ، ولأن غير المدخر لا تكمل ماليته لعدم التمكن من الانتفاع به في المال ‏.‏ فتجب الزكاة في جميع الحبوب المكيلة المقتات منها ، و القطاني ، و الأبازير والبزور والقرطم ، وحب القطن ونحوها ، وفي التمر ، والزبيب واللوز ، والفستق ، والعناب ، لاجتماع هذه الأوصاف الثلاثة ، ‏[‏ وقال ابن حامد لا زكاة في الأبازير والبزور ونحوها ‏]‏ ، ولا تجب في الخضر كالقثاء والبطيخ والباذنجان ، لعدم هذه الأوصاف فيها ، وقد روى موسى بن طلحة أن معاذاً لم يأخذ من الخضر صدقة ‏:‏ ولا تجب في سائر الفواكه كالجوز والتفاح و الأجاص والكمثرى والتين ، لعدم الكيل فيها ، وعدم الادخار في بعضها ، وقد روى الأثرم بإسناده أن عامل عمر رضي الله عنه كتب إليه في كروم فيها من الفرسك ما هو أكثر غلة من الكرم أضعافاً مضاعفة ، فكتب إليه عمر ‏:‏ ليس عليها عشر هي من العضاه ‏.‏ و الفرسك ‏:‏ الخوخ ، ولا زكاة في الزيتون ، لأنه لا يدخر ، وعنه ‏:‏ فيه الزكاة لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده‏}‏ ‏.‏

وقيل ‏:‏ لم يرد بهذه الآية الزكاة ، لأنها مكية نزلت قبل وجوب الزكاة ، ولهذا لم تجب الزكاة في الرمان ‏.‏ ولا زكاة في تين ، ولا ورق ولا زهر ، لأنه ليس بحب ولا ثمر ولا مكيل ‏.‏

وعنه في القطن والزعفران ‏:‏ زكاة لكثرته ، وفي الورس والعصفر وجهان ‏.‏ بناء على الزعفران ‏.‏

وقال أبو الخطاب ‏:‏ تجب الزكاة في الصعتر ، والأشنان ، لأنه مكيل مدخر والأول أولى لأنه ليس بمنصوص عليه ، ولا في معنى المنصوص ‏.‏

فصل ‏:‏

الشرط الرابع ‏:‏ أن ينبت بإنبات الآدمي في أرضه ، فأما النابت بنفسه ، كبزر قطونا و البطم وحب الأشنان و الثمام ، فلا زكاة فيه ‏.‏ ذكره ابن حامد ، لأنه إنما يملك بحيازته ‏.‏ والزكاة إنما تجب ببدو الصلاح ، ولم يكن ملكاً له حينئذ ، فلم تجب زكاته ، كما لو اتهبه ‏.‏ و قال ‏[‏ القاضي ‏]‏ ‏:‏ فيه الزكاة ، لاجتماع الأوصاف الأول فيه ‏.‏ وما يلتقطه اللقاطون من السنبل لا زكاة فيه ‏.‏ نص عليه أحمد رضي الله عنه وقال ‏:‏ هو بمنزلة المباحات ليس فيه صدقة وما يأخذه الإنسان أجرة لحصاده ، أو يوهب له لا زكاة عليه فيه ، لما ذكرنا ‏.‏ ومن استأجر أرضاً ، أو استعارها فالزكاة عليها فيما زرع ، لأن الزرع ونفع الأرض له دون المالك ‏.‏ و من زرع في أرض موقوفة عليه ، فعليه العشر ، لأن الزرع طلق غير موقوف ‏.‏ فإن كان الوقف للمساكين فلا عشر فيه ، لأنه ليس لواحد معين إنما يملك المسكين ما يعطاه منه ، فلم يلزم عشره ، كما لو أخذ عشر الزرع غيره ‏.‏

فصل ‏:‏ ‏[‏ في نصاب الزروع ‏]‏

الشرط الخامس ‏:‏ أن يبلغ نصاباً قدر خمسة أوسق ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ليس فيها دون خمسة أوسق صدقة متفق عليه ‏.‏ و الوسق ‏:‏ ستون صاعاً لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ الوسق ستون صاعاً رواه أبو داود ‏.‏ والصاع خمس أرطال وثلث ، والمجموع ثلاثمائة صاع ، وهي ألف وستمائة رطل بالعراقي ، والرطل مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع ، وهو بالرطل الدمشقي المقدر بستمائة درهم ، ثلاثمائة رطل واحد وأربعون رطلاً وستة أسباع رطل ‏.‏ و الأوساق مكيلة ، وإنما نقل إلى الوزن ليحفظ وينقل ‏.‏ قال أحمد ‏:‏ وزنته يعني الصاع ، فوجدته خمسة أرطال وثلثاً حنطة ، وهذا يدل على أن قدره ذلك من الحبوب الثقيلة ، فإن كان ما وجبت فيه الزكاة موزوناً كالقطن والزعفران اعتبر بالوزن ، لأنه موزون ذكره القاضي ‏.‏ وحكي عنه أنه قال ‏:‏ إذا بلغت قيمته قيمة خمسة أوسق من أدنى ما تخرجه الأرض ففيه الزكاة فإن كان الحب ‏[‏ قيمته قيمة خمسة أوسق ‏]‏ مما يدخر في قشره كالأرز ، فإنه علم أنه يخرج عن النصف ، فنصابه عشرة أوسق مع قشره ، وإن لم يعلم ذلك ، أو شك في بلوغ النصاب ، خير بين أن يستنظر ويخرج عشره قبل قشره وبين قشره واعتباره بنفسه ‏.‏ و العلس ‏:‏ نوع من الحنطة ، يزعم أهله أنه إذا خرج من قشره لا يبقى بقاء الحنطة ويزعمون أنه يخرج عن النصف ، فنصابه عشرة أوسق مع قشره ، ويعتبر أنه يبلغ النصاب من الحب مصفى ، ومن الثمار يابساً ‏.‏

وعنه ‏:‏ يعتبر النصاب في الثمرة رطباً ثم يخرج منه قدر عشر رطبه ثمراً ، ولا يصح ، لأنه إيجاب لزيادة على العشر ، والنص يرد ذلك ‏.‏

فصل ‏:‏

وتضم أنواع الجنس بعضها إلى بعض ليكمل النصاب ، كما ذكرنا في الماشية ، فيضم العلس إلى الحنطة ، والسلت إلى الشعير ، لأنهما نوعا جنس واحد ، ويضم زرع العام الواحد بعضه إلى بعض ، سواء اتفق وقت إطلاعه وإدراكه أو اختلف ، فيقدم بعضه على بعض ويضم الصيفي إلى الربيعي ولو حصدت الذرة ثم نبتت مرة أخرى يضم أحدهما إلى الآخر لأنه زرع عام واحد فضم بعضه إلى بعض كالمتقارب ‏.‏ ويضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض لذلك ‏.‏ فإن كان له نخل يحمل حملين في العام ، ضم أحدهما إلى الآخر كالزرع ‏.‏ وقال القاضي في موضع ‏:‏ لا يضم الحمل الثاني إلى شيء والأول أولى ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يضم جنس إلى غيره ، لأنهما جنسان مختلفان ، فلم يضم أحدهما إلى الآخر كالماشية ‏.‏

وعنه ‏:‏ تضم كل الحبوب بعضها إلى بعض ، اختارها أبو بكر لأنها تتفق مع قدر النصاب ، والمخرج ، والمنبت ، والحصاد ، أشبهت أنواع الجنس ‏.‏

وعنه ‏:‏ تضم الحنطة إلى الشعير ، و القطنيات بعضها إلى بعض ، اختاره الخرقي و القاضي ، لأنها تتقارب في المنفعة فأشبهت نوعي الجنس ‏.‏ وهذا ينتقض بالتمر والزبيب ، لا يضم أحدهما إلى الآخر مع ما ذكروه ‏.‏

فصل ‏:‏

وقدر الزكاة ‏:‏ العشر فيما شقي بغير كلفة ، كماء السماء والعيون والأنهار ، ونصف العشر بما سقي بكلفة كالدوالي و النواضح ونحوها للحديث الذي في أول الباب ، ولأن للكلفة تأثيراً في تقليل النماء ، فيؤثر على الزكاة كالعلف في الماشية ، فإن سقي نصف السنة بكلفة ، و نصفها بما لا كلفة فيه ، ففيه ثلاث أرباع العشر ، وإن سقي بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر بالأكثر ، لأن اعتبار السقي في عدد مراته ، وقدر ما يشرب في كل مرة يشق ويتعذر ، فاعتبر بالأكثر ، كالسوم ‏.‏ وقال ابن حامد ‏:‏ يجب بالقسط لأن ما وجب فيه بالقسط عند التماثل ، ويجب عند التفاضل كزكاة الفطر عن العبد المشترك ‏.‏ وإن جهل المقدار غلبنا إيجاب العشر ، نص عليه لأنه الأصل ‏.‏ وإن اختلف الساعي ورب المال في قدر شربه ، فالقول قول رب المال من غير يمين ، لأن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم ، فإن كان له حائطان ، فسقى أحدهما بمؤنة ، والآخر بغير مؤنة ، والآخر بغير مؤنة ضم أحدهما إلى الآخر في كمال النصاب ، وأخذ من كل واحدة فرضه ، ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه ، قل أو كثر ، لأنه يتجزأ فوجب فيه بحسابه كالأثمان ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا بدا الصلاح في الثمار واشتد الحب وجبت الزكاة ، لأنه حينئذ يقصد للأكل والاقتيات به فأشبه اليابس ، وقيل ‏:‏ لا يقصد لذلك ، فهو كالرطبة ‏.‏ فإن تلف قبل ذلك ، أو أتلفه فلا شيء فيه ، لأنه تلف قبل الوجوب ، فأشبه ما لو أتلف السائمة قبل الحول ، إلا أن يقصد بإتلافها الفرار من زكاتها فتجب عليه لما ذكرنا، وإن تلف بعد وجوبها ، وقبل حفظها في بيدرها و جرينها بغير تفريط ، فلا ضمان عليه ، سواء خرصت أو لم تخرص لأنها في حكم ما لم تثبت اليد عليه ‏.‏ ولو تلف بجائحة رجع بها المشتري على البائع ‏.‏ وإن أتلفها أو فرط فيها ضمن نصيب الفقراء بالخرص ، أو بمثل نصيبهم ‏.‏ وإن أتلفها أجنبي ضمن نصيب الفقراء بالقيمة ، لأن رب المال عليه تخفيف هذا بخلاف الأجنبي ‏.‏ والقول في تلفها وقدرها والتفريط فيها ، قول رب المال ، لأنه خالص حق الله تعالى ، فلا يستحلف فيه كالحد ، وإن تلف بعد جعلها في الجرين فحكمها حكم تلف السائمة بعد الحول ‏.‏

فصل ‏:‏

ويستحب الإمام أن يبعث من يخرص الثمار حين بدو الصلاح ، لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه ‏.‏ رواه أبو داود ‏.‏ وعن عتاب بن أسيد قال ‏:‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرص العنب كما نخرص النخل ‏.‏ فيؤخذ زكاته زبيباً كما تؤخذ زكاة النخل تمراً ‏.‏ رواه أبو داود ‏.‏ ويجزئ خارص واحد لحديث عائشة ، ولأنه يفعل ما يؤديه إليه اجتهاده ، فجاز أن يكون واحداً كالحاكم ‏.‏

ويعتبر أن يكون مسلماً أميناً غير متهم ذا خبرة ، فإن كانت الثمرة أنواعاً خرص كل نوع على حدته ، لأن الأنواع تختلف ، منها ما يكثر رطبه ويقل يابسه ، ومنها خلاف ذلك ، فإن كانت نوعاً واحداً خير بين خرص كل شجرة منفردة ، وبين خرص الجميع دفعة واحدة ، ثم يعرف المالك قدر الزكاة ، ويخيره بين حفظها إلى الجذاذ ، وبين التصرف فيها وضمان حق الفقراء فإن اختار حفظها فعليه زكاة ما يؤخذون منها قل أو كثر ، لأن الفقراء شركاؤه ، فليس عليه أكثر من حقهم منها ، وإن اختار التصرف ضمن حصة الفقراء بالخرص ، فإن ادعى غلط الساعي في الخرص ، دعوى محتملة ، فالقول قوله بغير يمين ، وإن ادعى غلطاً كثيراً لا يحتمل ، مثله لم يلتفت إليه لأنه يعلم كذبه ، فإن اختار التصرف فلم يتصرف ، أو تلفت فهو كما لو لم يخير ، لأن الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة في الشرط كالوديعة ‏.‏

فصل ‏:‏

و يخرص الرطب والعنب ، لحديث عتاب ، ولأن الحاجة داعية إلى أكلهما رطبين ، و خرصهما ممكن لظهور ثمرتهما ، واجتماعها في أفنانها وعناقيدها ، ولم يسمع بالخرص من غيرهما ، ولا هو في معناهما ، لأن الزيتون ونحوه حبه متفرق في شجره مستتر بورقه ‏.‏

فصل ‏:‏

وعلى الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع توسعة على رب المال ، لحاجته إلى الأكل منها والإطعام ، ولأنها قد يتساقط منها وينتابها الطير والمارة ، وقد روى سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا أو تجدوا الثلث فدعوا الربع رواه أبو داود ‏.‏ وعن مكحول قال ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال ‏:‏ خففوا عن الناس فإن في المال العرية والواطئة والأكلة رواه أبو عبيد ‏.‏ فالعرية ‏:‏ النخلات يهب رب المال ثمرتها لإنسان ، والواطئة ‏:‏ السابلة ، والأكلة ‏:‏ أرباب الأموال ومن تعلق بهم ‏.‏ فإن لم يترك الخارص شيئاً فلهم الأكل بقدر ذلك ، ولا يحتسب عليهم ، وإن لم يخرص عليهم ، فأخرج رب المال خارصاً فخرص ، وترك قدر ذلك ، جاز ‏.‏ ولهم أكل الفريك من الزرع و نحوه ، مما جرت العادة بمثله ، ولا يحتسب عليهم ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا احتيج إلى قطع الثمرة قبل كمالها ، لخوف العطش أو غيره ، أو لتحسين بقية الثمرة جاز قطعها ، لأن العشر وجب مواساة ، فلا يكلف منه ما يهلك أصل المال ، ولأن حفظ الأصل أحظ للفقراء من حفظ ‏[‏ الثمرة ، لتكرر حقهم فيها كما هو أحظ للمالك ‏.‏ فإن كفى التجفيف لم يجز قطعها ‏]‏ ، فإن لم يكف جاز قطعها كلها ، وإن كانت الثمرة عنباً ، لا يجيء منه زبيب ، أو زبيبه رديء كالخمري ، أو رطب لا يجيء منه تمر جاز كالبربنا قطعه ‏.‏

قال أبو بكر ‏:‏ وعليه قدر الزكاة في جميع ذلك يابساً ، وذكر أن أحمد نص عليه ‏.‏

وقال القاضي ‏:‏ لا يلزمه ذلك لأن الفقراء شركاؤه فلم يلزمه مواساتهم بغير جنس ماله ‏.‏ و يتخير الساعي بين مقاسمة رب المال الثمرة قبل الجذاذ بالخرص ، ويأخذ نصيبهم شجرات منفردة ، وبين مقاسمة الثمرة بعد جذها بالكيل ، ويقسم الثمرة في الفقراء ، وبين بيعها للمالك أو لغيره قبل الجذاذ وبعده ، ويقسم ثمنها في الفقراء ، فإن أتلفها رب المال فعليه قيمتها ، لأنه لا يلزمه تخفيفها ، فأشبه الأجنبي ‏.‏

فصل ‏:‏

وماعدا ذلك لا يجوز إخراج الواجب من ثمرته إلا يابساً ، ومن الحبوب إلا مصفى ، لأنه وقت الكمال وحالة الادخار ، فإن كان نوعاً واحداً أخرج عشره منه ، جيداً كان أو رديئاً ، لأن الفقراء بمنزلة الشركاء فيه ‏.‏ وإن كان أنواعاً أخرج من كل نوع حصته كذلك ، ولا يجوز إخراج الرديء عن الجيد ، ولا يلزم إخراج الجيد عن الرديء ، لما ذكرنا ، ولا مشقة في هذا ، لأنه لا يحتاج إلى تشقيص ‏.‏

وقال أبو الخطاب ‏:‏ إن شق ذلك لكثرة الأنواع واختلافها ، أخذ من الوسط ، وإن أخرج رب المال الجيد عن الرديء جاز ، وله ثواب الفضل لما ذكرنا في السائمة ‏.‏

فصل ‏:‏

فأما الزيتون فإن لم يكن ذا زيت أخرج عشر حبه ، وإن كان ذا زيت فأخرج من حبه جاز كسائر الحبوب ، وإن أخرج زيتاً كان أفضل لأنه يكفي الفقراء مؤنته ، ويخرجه في حال الكمال والادخار ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز لرب المال بيعه بعد وجوب زكاته ، لأن الزكاة إذا كانت في ذمته لم يمنع التصرف في ماله كالدين ، وإن تعلقت بالمال ، لكنه تعلق ثبت بغير اختياره ، فلم يمنع التصرف فيه كأرش الجنابة ، فإن باعه فزكاته عليه دون المشتري ويلزمه إخراجها كما تلزمه لو لم يبعه ‏.‏ فصل ‏:‏

ويجتمع العشر والخراج في كل أرض فتحت عنوة ، الخراج في رقبتها والعشر في غلتها ، لأن الخراج مؤنة الأرض فهو كالأجرة في الإجارة ، ولأنهما حقان يحيان لمستحقين ، فيجتمعان كالكفارة ، والقيمة في الصيد المملوك على المحرم ‏.‏

وقال الخرقي ‏:‏ يؤدي الخراج ثم يزكي ما بقي ، لأن الخراج دين من مؤنة الأرض ، فأشبه ما استدانه لينفقه على زرعه ‏.‏ وقد ذكرنا فيما استدانه رواية أخرى ‏:‏ أنه لا يحتسب به فكذلك يخرج ههنا ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز لأهل الذمة شراء الأرض العشرية ، ولا عشر عليهم في الخارج منها ، لأنهم من غير أهل الزكاة ، فأشبه ما لو اشتروا سائمة ‏.‏ ويكره بيعها لهم لئلا يفضي إلى إسقاط الزكاة ‏.‏

وعنه ‏:‏ يمنعون شراءها لذلك ، اختاره الخلال وصاحبه ، فعلى هذا إن اشتروها ، ضوعف العشر عليهم كما لو اتجروا إلى غير بلدانهم ضوعف عليهم ما يؤخذ من المسلمين ‏.‏

فصل ‏:‏

وفي العسل العشر ، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ من زمانه من قرب العسل ، من كل عشر قرب قربة من أوسطها ‏.‏ رواه أبو عبيد ‏.‏ و عن ابن عمر قال ‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ في العسل في كل عشر قرب قربة رواه أبو داود و الترمذي ‏.‏ وقال الترمذي ‏:‏ في إسناده مقال ، ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كبير شيء ‏.‏ ومقتضى هذا أن يكون نصابه عشر قرب ، والقربة مائة رطل ‏.‏ كذلك ذكره العلماء في تقرير القرب التي قدروا بها في القلتين ‏.‏ وقال أصحابنا ‏:‏ نصابه عشر أفراق ، لأن الزهري قال ‏:‏ في عشرة أفراق فرق ، ثم اختلفوا ، فقال ابن حامد و القاضي في المجرد ‏:‏ الفرق ستون رطلاً ، وحكي عن القاضي أنه قال ‏:‏ الفرق ستة وثلاثون رطلاً ، والمشهور عند أهل العربية الفرق الذي هو ثلاث آصع ، هو ستة عشر رطلاً ‏.‏
باب زكاة الذهب والفضة


وهي واجبة لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم‏}‏ ولما نذكره في النصوص ، ولأنهما معدان للنماء ، فأشبها السائمة ، و لا زكاة إلا في نصاب ، ونصاب الورق مائتا درهم ، ونصاب الذهب ، عشرون مثقالاً ، لما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب ، ولا أقل من مائتي درهم صدقة رواه أبو عبيد ‏.‏ والاعتبار بدراهم الإسلام ، التي وزن كل عشر منها سبعة مثاقيل بغير خلاف فإن نقص النصاب كثيراً فلا زكاة فيه للحديث ، ولقوله ‏:‏ ليس في ما دون خمسة أواق صدقة ‏.‏ و الأوقية أربعون درهماً ، وإن كان يسيراً كالحبة والحبتين فظاهر كلام الخرقي لا زكاة فيه للخبر وقال غيره من أصحابنا ‏:‏ فيه الزكاة ، لأن هذا لا يضبط ، فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين ‏.‏ ولا يضم الذهب إلى الفضة في إكمال النصاب ، لأنهما جنسان ‏.‏ اختارها أبو بكر ، وفرق بينها وبين الحبوب لاختلاف نصابها واتفاق نصاب الحبوب ‏.‏ وعن أحمد رضي الله عنه ‏:‏ أنه يضم ، لأن مقاصدها متفقة ، فهما كنوعي الجنس ، ويضم أحدهما إلى الآخر بالأجزاء فيحسب كل واحد من نصابه ، ثم يضم إلى صاحبه ، لأن الزكاة تتعلق بأعيانها فلا تعتبر قيمتها كسائر الأموال ‏.‏

وعنه ‏:‏ تضم القيمة إن كان ذلك أحظ للفقراء فيقوم الأعلى منهما بالآخر ، فإذا ملك مائة درهم وتسعة دنانير ، قيمتها مائة درهم ، وجبت زكاتها ، مراعاة للفقراء ، ويجب في الزائد على النصاب بحسابه ، لأنه يتجزأ من غير ضرر فأشبه الحبوب ‏.‏

فصل ‏:‏

والواجب فيها ربع العشر ‏.‏ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ في الرقة ربع العشر رواه البخاري ‏.‏ والرقة ‏:‏ الدراهم المضروبة ، فيجب في المائتين خمس دراهم وفي العشرين مثقال ، نصف مثقال ويخرج عن كل واحد من الرديء والجيد ، وعن كل نوع من جنسه ، إلا أن يشق ذلك لكثرة الأنواع واختلافها فيؤخذ في الوسط لما ذكرنا في الماشية ، وإن أخرج الجيد عن الرديء كان أفضل ، فإن أخرج رديئاً عن جيد زاد بقدر ما بينهما من الفضل ، لأنه لا ربا بين العبد وسيده ‏.‏

وقال القاضي ‏:‏ هذا في المكسرة عن الصحيحة ، أما المبهرجة فلا يجزئه ، بل يلزمه إخراج جيده ، ولا يرجع فيما أخرج لله تعالى ، وفي إخراج أحد النقدين عن الآخر روايتان ‏.‏ بناء على ضم أحدهما إلى الآخر ‏.‏ ومن ملك مغشوشاً منهما فلا زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصاباً ، فإن شك في بلوغه ، خير بين سبكه ليعرف ، وبين أن يستظهر ويخرج ، ليسقط الفرض بيقين ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا زكاة في الجواهر واللآلئ ، لأنها معدة للاستعمال ، فأشبهت ثياب البذلة ، وعوامل الماشية ، وأما الفلوس فهي كعروض التجارة تجب فيها زكاة القيمة ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن ملك مصوغاً من الذهب أو الفضة محرماً كالأواني ، وما يتخذه الرجل لنفسه من الطوق ونحوه ، وخاتم الذهب وحلية المصحف والدواة والمحبرة و المقلمة و السرج و اللجام و تازير المسجد ، ففي الزكاة ، لأن هذا فعل محرم فلم يخرج به عن أصله ‏.‏ فإن كان مباحاً كحلية النساء المعتادة من الذهب والفضة ، وخاتم الرجل من الفضة ، وحلية سيفه و حمائله ومنطقته ، و جوشنه وخوذته وخفه و رانه من الفضة وكان معداً للتجارة ، أو نفقة أو كراء بيت ، ففيه الزكاة ، لأنه معد للنماء ، فهو كالمضروب ، وإن أعد للبس والعارية ، فلا زكاة فيه ، لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ليس في الحلي زكاة ولأنه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال مباح فلم تجب فيه زكاته كثياب البذلة ‏.‏ وحكى ابن أبي موسى عنه أن فيه الزكاة ، لعموم الأخبار ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا فرق بين كثير الحلي و قليله لعدم ورود الشرع بتحديده ‏.‏ وقال ابن حامد ‏:‏ إن بلغ حلي المرأة ألف مثقال فهو محرم وفيه الزكاة ، لأن جابراً قال ‏:‏ إن ذلك لكثير ‏.‏ ولأنه سرف لم تجز العادة به ، فأشبه ما اتخذت حلي الرجال ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن انكسر الحلي كسراً لا يمنع اللبس فهو كالصحيح ، إلا أن ينوي ترك لبسه ، وإن كان كسراً يمنع الاستعمال ، ففيه الزكاة لأنه صار كالنقرة ‏.‏ ولو نوى بحلي اللبس التجار والكرى انعقد عليه حول الزكاة من حين نوى ، لأن الوجوب الأصل فانصرف إليه بمجرد النية ، كما لو نوى بمال التجارة القنية ‏.‏

فصل ‏:‏

ويعتبر النصاب في المصوغ بالوزن لعموم الخبر ، فإن كانت قيمته أكثر من وزنه لصناعة محرمة فلا عبرة بزيادة القيمة ، لأنها معدومة شرعاً ، وإن كانت مباحة كحلي التجارة فعليه قدر ربع عشره في زنته وقيمته ، لأن زيادة القيمة هاهنا بغير محرم ، فأشبه زيادة قيمته لنفاسة جوهره ، فإن أخرج ربع عشره مشاعاً جاز ، وإن دفع قدر ربع عشره وزاد الوزن بحيث يستويان في القيمة جاز ، لأن الربا لا يجري هاهنا ، وإن أراد كسره ، ودفع ربع عشره مكسوراً لم يجز ، لأنه ينقص قيمته ، وإن كان في الحلي جواهر ولآلئ وكان للتجارة قوم جميعه ، وإن كان لغيرها فلا زكاة فيها ، لأنها لا زكاة فيها منفردة فكذلك مع غيرها


باب زكاة المعدن


وهو ما استخرج من الأرض مما خلق فيها من غير جنسها كالذهب والفضة والحديد والنحاس والزبرجد والبلور والعقيق و المغرة وأشباهها ، والقار والنفط والكبريت ونحوه ، فتجب فيه الزكاة ، لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومما أخرجنا لكم من الأرض‏}‏ ‏.‏وروى الجوزجاني بإسناده عن بلال بن الحارث المزني ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من معادن القبلية الصدقة ‏.‏ وقدرها ربع العشر ، لأنها زكاة في الأثمان ، فأشبهت زكاة سائر الأثمان ، أو تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة التجارة ، ولا يعتبر لها حول ، لأنه يراد لتكامل النماء ، وبالوجود يصل إلى النماء فلم يعتبر له حول كالعشر ، ويشترط له النصاب وهو مائتا درهم من الورق ، أو عشرون مثقالاً من الذهب ، أو ما قيمته ذلك من غيرهما ، لقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ليس فيما دون خمس أوراق صدقة ولأنها زكاة تتعلق بالأثمان أو بالقيمة فاعتبر لها النصاب كالأثمان أو العروض ‏.‏ ويعتبر إخراج النصاب متوالياً ، فإن ترك العمل ليلاً أو نهاراً للراحة ، أو لإصلاح الأداة ، أو لمرض أو إباق عبد فهو كالمتصل ، لأن ذلك العادة ‏.‏ وإن خرج بين النيلين تراب لا شيء فيه فاشتغل به فهو مستديم للعمل ، وإن تركه ترك إهمال فلكل دفعة حكم نفسها ‏.‏ قال القاضي ‏:‏ ويعتبر النصاب في كل جنس منفرداً ، والأولى ضم الأجناس إلى المعدن الواحد في تكميل النصاب ، لأنها تتعلق بالقيمة فيضم ، وإن اختلفت الأنواع ، كالعروض ‏.‏ ولا يحتسب بها أنفق على المعدن في إخراجه وتصفيته ، لأنه كمؤن الحصاد والزراعة ‏.‏ ولا تجب على من ليس من أهل الزكاة ، لأنه زكاة ‏.‏ ويمنع الدين وجوبه ، كما يمنع في الأثمان ‏.‏ وتجب في الزائد على النصاب بحسابه ، لأنه مما يتجزأ ، ويخرج زكاته من قيمته كما يخرج من قيمة العروض ‏.‏

فصل ‏:‏

فأما الخارج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا شيء فيه ، لأن ابن عباس قال ‏:‏ لا شيء في العنبر إنما هو شيء ألقاه البحر ، ولأنه قد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه فلم يسبق فيه سنة ‏.‏

والثانية ‏:‏ فيه زكاة ، لأنه معدن أشبه معدن البر ‏.‏ ولا شيء في السمك ، لأنه صيد فهو كصيد البر ‏.‏

وعنه ‏:‏ فيه الزكاة قياساً على العنبر ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز بيع تراب معادن الأثمان بغير جنسه ، ولا يجوز بجنسه لإفضائه إلى الربا ، وزكاته على البائع ، لأن رجلاً باع معدناً ، ثم أتى علياً رضي الله عنه فأخبره ، فأخذ زكاته منه ولأنه باع ما وجبت عليه زكاته فكانت عليه ، كبائع الحب بعد صلاحه ‏.‏ وتتعلق الزكاة بالمعدن بظهوره ، كتعلقها بالثمرة بصلاحها ، ولا يخرج منه إلا بعد السبك والتصفية كالحب والثمر ‏.‏


باب حكم الركاز


وهو مال الكفار المدفون في الأرض ، وفيه الخمس ، لما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أنه قال ‏:‏ وفي الركاز الخمس متفق عليه ‏.‏ ولأنه مال كافر مظهور عليه بالإسلام فوجب فيه الخمس كالغنيمة ، ويجب الخمس في قليله و كثيره من أي نوع كان من غير حول لذلك ‏.‏ ويجب على كل واجد له من أهل الزكاة وغيرهم لذلك ‏.‏ ومصرفه مصرف الفيء لذلك ، ولأنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه رد بعض خمس الركاز على واجده ، ولا يجوز ذلك في الزكاة ‏.‏

وعنه ‏:‏ أنه زكاة مصرفه مصرفها ، اختارها الخرقي ‏.‏ لأن علياً رضي الله عنه أمر واجد الزكاة أن يتصدق به على المساكين ، ولأنه حق يتعلق بمستفاد من الأرض فأشبه صدقة المعدن والعشر ‏.‏ وفي جوازه رده على واجده وجهان لما ذكرنا من الروايتين ، ويجوز لواجد أن يفرق الخمس بنفسه ، نص عليه واحتج بحديث علي ، ولأنه أوصل الحق إلى مستحقه فبرئ منه ، كما لو فرق الزكاة ‏.‏

فصل ‏:‏

و الركاز ‏:‏ ما دفنه الجاهلية ، ويعتبر ذلك برؤية علاماتهم عليه ، كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم ، لأن الأصل أنه لهم ، فأما ما عليه علامات المسلمين كأسمائهم أو قرآن ونحوه فهو لقطة ، لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه ، وكذلك إن كان على بعضه علامة الإسلام وعلى بعضه علامة الكفار ، لأن الظاهر أنه صار لمسلم فدفنه ، وما لا علامة عليه فهو لقطة تغليباً لحكم الإسلام ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يخلو الركاز من أربعة أحوال ‏:‏

أحدها ‏:‏ أن يجده في موات فهو لواجده ‏.‏

الثاني ‏:‏ وجده في ملك آدمي معصوم ، ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يملكه واجده ، لأنه لا يملك بملك الأرض إذ ليس هو من أجزئها ، وإنما هو مودع فيها ، فجرى مجرى الصيد والكلأ ، يملكه من ظفر به كالمباحات كلها ، وإن ادعاه صاحب الأرض فهو له مع يمينه ، لثبوت يده على محله ‏.‏

والثانية ‏:‏ هو لصاحب الأرض إن اعترف به ، وإن لم يعترف به ، فهو لأول مالك ، لأنه في ملكه ، فكان له كحيطانه ، فإن كان الملك موروثاً فهو للورثة ، إلا أن يعترفوا أنه لم يكن لمورثهم فيكون لمن قبله ، فإن اعترف به ‏[‏ بعضهم دون بعض فللمعترف به نصيبه وباقيه لمن قبله ‏]‏ ‏.‏

الثالث ‏:‏ وجده في ملك انتقل إليه فهو له بالظهور عليه ، وإن قلنا ‏:‏ لا يملك به فهو للمالك قبله إن اعترف به ، وإلا فهو لأول مالك ‏.‏

الرابع ‏:‏ وجده في أرض الحرب وقدر عليه بنفسه فهو له ، لأن مالك الأرض لا حرمة له فأشبه الموات وإن لم يقدر عليه إلا بجماعة المسلمين فهو غنيمة ، لأنه قوتهم أوصلته إليه وإن وجد في ملك انتقل إليه ما عليه علامة الإسلام ، فادعاه من انتقل عنه ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يدفع إليه من غير تعريف ولا صفة ، لأنه كان تحت يده فالظاهر أنه ملكه ، كما لو لم ينتقل عنه ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يدفع إليه إلا بصفة ، لأن الظاهر أنه لو كان له لعرفه ‏.‏ وإن اكترى داراً فظهر فيه دفين ، فادعى كل واحد من المالك والمكتري أنه دفنه ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ القول قول المالك ، لأنه الدفين تابع للأرض ‏.‏

والثاني ‏:‏ القول قول المكتري ، لأنه مودع في الأرض وليس منها ، فكان القول قول من يده عليه كالقماش ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا استأجر أجيراً ليحفر له طالباً لكنز فوجد كنزاً فهو للمستأجر ، لأنه استأجره لذلك ، فأشبه ما لو استأجره ليحتش له ، وإن استأجره لغير ذلك فوجد كنزاً فهو للأجير ، لأنه غير مقصود بالإجارة ‏.‏ فكان للظاهر عليه كما لو استأجره ليحتمل له فوجد صيداً ‏.‏


باب زكاة التجارة


وهي واجبة ، روى سمرة بن جندب قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع ‏.‏ رواه أبو داود ‏.‏ ولأنه مال نام فتعلقت به الزكاة كالسائمة ، ولا تجب إلا بشروط أربعة ‏:‏

أحدهما ‏:‏ نية التجارة ، لقوله ‏:‏ مما نعده للبيع ، ولأن العروض مخلوقة في الأصل للاستعمال فلا تصير للتجارة إلا بنيتها ، كما أن ما خلق للتجارة وهي الأثمان لا تصير للقنية إلا بنيتها ‏.‏ ويعتبر وجودها في جميع الحول ، لأنها شرط أمكن اعتباره في جميع الحول فاعتبر فيه كالنصاب ‏.‏

الثاني ‏:‏ أن يملك العروض بفعله كالشراء ونحوه بنية التجارة ‏.‏

وعنه ‏:‏ تصير للتجارة بمجرد النية ، اختاره أبو بكر ، و ابن عقيل للخبر ، ولأنه يصير للقنية بمجرد النية ، فلأن يصير للتجارة بذلك أولى ‏.‏ وظاهر المذهب الأول ، لأن ما لا تتعلق به الزكاة من أصله لا يصير لها بمجرد النية ، كالمعلوفة إذا نوى بها الإسامة ، وفارق نية القنية ، لأنها الأصل فكفى فيها مجرد النية كالإقامة مع السفر ، فعلى هذا إن لم ينو عند التملك ونوى بعده لم تجب الزكاة فيه ، لأنه نية مجردة ، ولو نوى بتملكه أنه للتجارة ، ثم نواه للقنية صار للقنية ، لأنها الأصل ، وإن نوى بعد للتجارة لم يصر لها حتى يبيعه ‏.‏

الشرط الثالث ‏:‏ أن يبلغ قيمته نصاباً من أقل الثمنين قيمة ، فإذا بلغ أحدهما نصاباً دون الآخر قومه به ، ولا يعتبر ما اشتراه به ، لأن تقويمه لحظ الفقراء فيعتبر مالهم الحظ فيه ، ولو كان أثماناً قومه كالسلع ، لأنه وجد فيه معنيان يقتضيان الإيجاب فيعتبر ما يتعلق به الإيجاب كالسوم والتجارة ، فإن بلغ نصاباً من كل واحد منهما قومه بما هو أحظ للفقراء ، فإن استويا قومه بما شاء منهما ‏.‏

الشرط الرابع ‏:‏ الحول لقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ويعتبر وجوب النصاب في جميع الحول ، لأن ما اعتبر له الحول والنصاب اعتبر وجوده في جميعه كالأثمان ‏.‏

ولو اشترى للتجارة عرضاً لا يبلغ نصاباً ، ثم بلغه ، انعقد الحول عليه من حين صار نصاباً‏.‏ وإن ملك نصاباً نقص انقطع الحول ، فإن عاد فنما فبلغ النصاب استأنف الحول على ما ذكرنا في السائمة والأثمان ‏.‏

وإن ملك نصاباً في أوقات فلكل نصاب حول ، ولا يضم نصاب إلى نصاب ، لأن المستفاد يعتبر له حول أصله على ما أسلفناه ، وإن لم يكمل الأول إلا بالثاني فحولهما منذ ملك الثاني ، وإن لم يكمل إلا بالثالث فحول الجميع في حين كمل النصاب ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يشترط أن يملك العرض بعوض ‏.‏ ذكره ابن عقيل وأبو الخطاب ، وقال القاضي ‏:‏ يشترط أن يملكه بعوض كالبيع والخلع والنكاح ، فإن ملكه بهبة أو احتشاش أو غنيمة لم يصر للتجارة ، لأنه ملك بغير عوض أشبه الموروث ‏.‏ ولنا ‏:‏ أنه ملكه بفعله أشبه المملوك بالبيع ، وفارق الإرث ، لأنه بغير فعله فجرى مجرى الاستدامة ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا اشترى نصاباً للتجارة بآخر لم ينقطع الحول ، لأن الزكاة تتعلق بالقيمة ، والقيمة فيها واحدة انتقلت من سلعة إلى سلعة ، فهي كدراهم نقلت من بيت إلى بيت ، وإن اشتراه بأثمان لم ينقطع الحول ، لأن القيمة في الأثمان كانت ظاهرة فاستترت في السلعة ، وكذلك لو باع نصاب التجارة بنصاب الأثمان لم ينقطع الحول لذلك ، وإن اشترى نصاباً للتجارة بعرض القنية ، أو بما دون نصاب من الأثمان أو عرض التجارة ، انعقد الحول من حين الشراء ، لأن ما اشترى به لم يجر في حول الزكاة فلم يبن عليه ، ولو اشترى نصاباً للتجارة بنصاب سائمة ، أو سائمة بنصاب تجارة ، انقطع الحول ، لأنهما مختلفان ، فإن كان نصاب التجارة سائمة فاشترى به نصاب سائمة للقنية لم ينقطع الحول ‏.‏ لأن السوم سبب للزكاة إنما قدم عليه زكاة التجارة لقوته ، فإذا زال المعارض ثبت حكم السوم لظهوره ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا ملك للتجارة سائمة فحال الحول ، و السوم ونية التجارة موجودان فبلغ المال نصاب أحدهما دون الآخر كخمس من الإبل لا تبلغ قيمتها مائتي درهم ، أو أربع تبلغ ذلك ، وجب زكاة ما وجد نصابه ، لوجود سببها خالياً عن معارض لها ، وإن وجد نصابهما كخمس قيمتها مائتا درهم وجبت زكاة التجارة وحدها ، لأنها أحظ للفقراء لزيادتها بزيادة القيمة من غير وقص ‏.‏ وسواء تم حولهما جميعاً ، أو تقدم أحدهما صاحبه لذلك ‏.‏ وإن اشترى أرضاً أو نخلاً للتجارة فأثمرت النخل وزرعت الأرض فكذلك في أحد الوجهين ، وفي الآخر يزكي الثمرة والزرع زكاة العشر ، ثم يقوم النخل والأرض فيزكيهما ، لأن ذلك أحظ للفقراء لكثرة الواجب وزيادة نفعه ‏.‏

فصل ‏:‏

وتقوم السلعة عند الحول بما فيها من نماء وربح ، لأن الربح من نمائها فكان حولها كسخال السائمة ، وما نما بعد الحول ضم إليه في الحول الثاني ، لأنه إنما وجد فيه ، ويكمل نصاب التجارة بالأثمان ، لأن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة فهما جنس واحد وتخرج الزكاة من قيمة العروض لا من أعيانها ، لأن زكاتها تتعلق بالقيمة لا بالأعيان ، وما اعتبر النصاب فيه وجبت الزكاة منه كسائر الأموال ‏.‏ وقدر زكاته ربع العشر ، لأنها تتعلق بالقيمة فأشبهت زكاة الأثمان ، وفيما زاد على النصاب بحساب لذلك ، ويخرج عنها ما شاء من عين أو ورق لأنهما جميعاً قيمة ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا تم الحول على مال المضاربة فعلى رب المال زكاة رأس المال وحصته من الربح ، لأن حول الربح حول الأصل ، وله إخراجها من المال ، لأنها من مؤنته وواجبة لسببه ، ويحسبها من نصيبه ، لأنها واجبة عليه فتجب عليه كدينه ، ويحتمل أن تحسب من الربح ، لأنها من مؤنة المال فأشبهت أجرة الكيال ‏.‏ وفي زكاة حصة المضارب وجهان ‏.‏ فمن أوجبها لم يجوز إخراجها من المال ، لأن الربح وقاية رأس المال فليس عليه إخراجها من غيره حتى يقبض ، فيؤدي لما مضى كالدين ، ويحتمل جواز إخراجها منه ، لأنهما دخلا على حكم الإسلام ، ومن حكمه وجوب الزكاة وإخراجها من المال ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا أذن كل واحد من الشريكين للآخر في إخراج زكاته فأخرجاها معاً ، ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه ، لأنه انعزال عن الوكالة بشروع موكله في الإخراج ، وإن أخرجها أحدهما قبل الآخر ، ضمن الثاني نصيب الأول ، علم بإخراجه أو لم يعلم ، لأن الوكالة زالت بزوال ما وكل فيه ، فأشبه ما لو وكله في بيع ثوب ثم باعه الموكل ، ويحتمل أن لا يضمن إذا لم يعلم ، لأن المالك غيره ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن اشترى شقصاً للتجارة بمائتي درهم ، فحال الحول وقيمته أربعمائة فعليه زكاة أربعمائة ، ويأخذه الشفيع بمائتين ، لأن الشفيع يأخذه في الحال بالثمن الأول ، وزكاته على المشتري ، لأنها زكاة ماله ، ولو وجد به عيباً رده بالثمن الأول وزكاته على المشتري ‏.‏


باب صدقة الفطر


وهي واجبة على كل مسلم ، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال ‏:‏ ‏(‏‏(‏ فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى ، والحر والمملوك من المسلمين ، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ‏)‏‏)‏ ، فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير ، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ‏.‏ متفق عليه ‏.‏

وتجب على المكاتب عن نفسه للخبر ، ولأنه مسلم تلزمه نفقته فلزمته فطرته كالحر ، ولا تجب على الكافر ، ولا على أحد بسببه ، فلو كان للمسلم عبد كافر أو زوجة كافرة لم تجب فطرتها ، لقوله ‏:‏ من المسلمين ، ولأنها زكاة ، فلم تلزم الكافر كزكاة المال ، وتجب على الصغير للخبر و المعنى ، ويخرج من حيث يخرج نفقته ، لأنها تابعة لها ‏.‏ ولا تجب على جنين ، كما لا تجب على أجنة السائمة ، ويستحب إخراجها عنه ، لأن عثمان رضي الله عنه كان يخرج عن الجنين ، وإن ملك الكافر عبداً مسلماً ، لما تجب فطرته ، لأن العبد لا مال له والسيد كافر ‏.‏

وعنه ‏:‏ على السيد فطرته ، لأنه من أهل الطهرة فلزم سيده فطرته كما لو كان مسلماً ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا تجب إلا بشرطين ‏:‏

أحدهما ‏:‏ أن يفضل عن نفقته ونفقة عياله يوم العيد وليلته صاع ، لأن النفقة أهم فتجب البداءة بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم ابدأ بنفسك رواه مسلم ‏.‏ وفي لفظ ‏:‏ ابدأ بمن تعول رواه الترمذي ‏.‏ فإن فضل صاع واحد أخرجه عن نفسه فإنه ، فضل آخر ، بدأ بمن تلزمه البداءة بنفقته ، على ما نذكره في بابه إن شاء الله لأنها تابعة للنفقة ، فإن فضل بعض صاع ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يلزمه إخراجه ، لقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم متفق عليه ‏.‏ ولأنه لو ملك بعض العبد لزمته فطرته ، فكذلك إذا ملك بعض المؤدى لزمه أداؤه ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يلزمه ، لأنه عدم ما يؤدي به الفرض فلم يلزمه ، كمن عليه الكفارة إذا لم يملك إلا بعض الرقبة ‏.‏ فإن فضل صاع وعليه دين يطالب به ، قدم قضاؤه ، لأنه حق آدمي مضيق وهو أسبق ، فكان أولى ، فإن لم يطالب به فعليه الفطرة ، لأنه حق توجهت المطالبة به فقدم على ما لا يطالب به ، ولا يمنع الدين وجوبها لتأكدها بوجوبها على الفقير من غير حول ‏.‏

فصل ‏:‏

الشرط الثاني ‏:‏ دخول وقت الوجوب ، وهو غروب الشمس من ليلة الفطر ، لقول ابن عمر ‏:‏ ‏(‏‏(‏ فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان ‏)‏‏)‏ ‏.‏ وذلك يكون بغروب الشمس ، فمن أسلم أو تزوج أو ولد له ولد أو ملك عبداً أو أيسر بعد الغروب ، لم تلزمه فطرتهم ، وإن غربت وهم عنده ثم ماتوا فعليه فطرتهم ، لأنها تجب في الذمة فلم تسقط بالموت ككفارة الظهارة ‏.‏

فصل ‏:‏

والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة للخبر ، ولأن المقصود إغناء الفقراء يوم العيد عن الطلب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم رواه سعيد بن منصور ‏.‏ وفي إخراجها قبل الصلاة إغناء لهم في اليوم كله ، فإذا قدمها قبل ذلك بيومين جاز ، لأن ابن عمر كان يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين ، ولأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها فيحصل الغنى بها فيه ، وإن عجلها لأكثر من ذلك لم يجز ، لأن الظاهر أنه ينفقها فلا يحصل بها الغنى المقصود يوم العيد ، وإن أخرها ‏[‏ عن الصلاة ترك الاختيار لمخالفته الأمر ، وأجزأت لحصول الغنى بها في اليوم ، وإن أخرها ‏]‏ عن اليوم أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته و لزمه القضاء ، لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يشترط لوجوبها الغنى بنصاب ولا غيره ، لما روى أبو داود بإسناده عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ أدوا صدقة الفطر صاعاً من بر أو قمح عن كل اثنين صغير أو كبير ، حر أو مملوك ، غني أو فقير ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى ، ولأنه حق مالي لا يزيد بزيادة المال فلم يشترط في وجوبه النصاب كالكفارة ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه مؤنته من المسلمين ، لما روى ابن عمر قال ‏:‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير ، والحر والعبد ‏.‏ ممن تمونون‏.‏ فيجب على الرجل فطرة زوجته وعبده وزوجة عبده ، لأن نفقتهم عليه ، فإن كان له عبد آبق فعليه فطرته ، لأنها تجب بحق الملك والملك لم يزله الإباق ‏.‏ قال أحمد ‏:‏ ولا يعطي عنه ، إلا أن يعلم مكانه ، وذلك لأنه يحتمل أنه قد مات أو ارتد فلم تجب الفطرة مع الشك ، فإن علم حياته بعد ذلك لزمه الإخراج لما مضى ، وإن كانت له زوجة ناشز لم تلزمه فطرتها ، لأنه لا تلزمه نفقتها ‏.‏ وقال أبو الخطاب ‏:‏ تلزمه قطرتها كما تيلزم السيد فطرة الآبق ‏.‏ وإن كان لزوجته خادم تلزم نفقته لزمته فطرته ‏.‏ وإن كان العبد لسادة فعليهم فطرته ، لأن عليهم نفقته ، وعلى كل واحد من فطرته بقدر ما يلزمه من نفقة ، لأنها تابعة لها فتقدرت بقدرها ‏.‏

وعنه ‏:‏ على كل سيد فطرة كاملة ، لأنها طهرت فوجب تكميلها ككفارة القتل ‏.‏ ومن نصفه حر ففطرته عليه وعلى سيده لما ذكرناه ، ومن نفقتها على اثنين من أقاربه ، أو الأمة التي نفقتها على سيدها ‏:‏ وزوجها ، فطرته عليهما كذلك ‏.‏ ومن تكفل بمؤنة شخص فمانه شهر رمضان بالمنصوص عن أحمد أن عليه فطرته لدخوله في عموم قوله ‏:‏ ممن تمونون ‏.‏

واختار أبو الخطاب ‏:‏ أنه لا تلزمه فطرته كما تلزمه نفقته ، وحمل الخبر على من تلزمه المؤنة بدليل وجوبها على الآبق ، ومن ملكه عند الغروب ولم يمنهما ، وسقوطها عمن مات أو أعتق قبل الغروب وقد مانه ‏.‏

فصل ‏:‏

على الموسرة التي زوجها معسر فطرة نفسها ، لأنها كالمعدوم ‏.‏ وإن كانت أمة ففطرتها على سيدها لذلك ، ويحتمل أن لا تجب فطرتهما ، لأن من تجب عليه النفقة معسر فسقطت ، كما لو كانت الزوجة والسيد معسرين ، ومن لزمته فطرته غيره فأخرجها عن نفسه بغير إذنه ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يجزئه لأدائه ما عليه ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يجزئه ، لأنها تجب على غيره فلا يجزئ إخراجها بغير إذن من وجبت عليه ، كزكاة المال ‏.‏

فصل ‏:‏

والواجب في الفطرة صاع من كل مخرج ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما ، ولما روى أبو سعيد قال ‏:‏ كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً طعام أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من أقط ، أو صاعاً من زبيب ، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال ‏:‏ إن مداً من هذا يعدل مدين ‏.‏ قال أبو سعيد ‏:‏ فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ‏.‏ متفق عليه ‏.‏ ومن قدر على هذه الأصناف الأربعة لم يجزه غيرها ، لأنها المنصوص عليها فأيها أخرج أجزأه ، سواء كانت قوته أو لم تكن لظاهر الخبر ‏.‏ ويجزئ الدقيق و السويق من الحنطة والشعير لقول أبي سعيد ، لم نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من دقيق ، ثم شك فيه سفيان بعد ، فقال ‏:‏ دقيق أو سلت ‏.‏ رواه النسائي ‏.‏ ولأنه أجزئ بحب يكال أو يدخر ، فأشبه الحب ‏.‏ ويجزئ إخراج صاع من أجناس إذا لم يعدل عن المنصوص ، لأن كل واحد منها يجزئ منفرداً فأجزأ بعض من هذا و بعض من هذا، كما لو كان العبد لجماعة ، وقال أبو بكر يتوجه قول آخر أنه يعطي ما قام مقام هذه الخمسة لظاهر قوله ‏:‏ صاعاً من طعام ‏.‏ قال ‏:‏ والأول أقيس ‏.‏ وفي الأقط روايتان ‏:‏

إحداهما‏:‏ يجزئ إخراجه مع وجود غيره ، لأنه في الخبر ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يجزئ إلا عند عدم الأصناف ‏.‏ قال الخرقي ‏:‏ ‏:‏ إن أعطى أهل البادية الأقط أجزأ إذا كان قوتهم ، وذلك أنه لا يجزئ في الكفارة ولا تجب الزكاة فيه ، فإن عدم الخمسة أخرج ما قام مقامها من كل مقتات من الحب والتمر ، وقال ابن حامد ‏:‏ يخرجون من قوتهم أي شيء كان ، كالذرة والدخن ولحوم الحيتان والأنعام ‏.‏

فصل ‏:‏

والأفضل عن أبي عبد الله رضي الله عنه إخراج التمر ‏.‏ لما روى مجاهد قال ‏:‏ قلت لابن عمر ‏:‏ إن الله قد أوسع والبر أفضل من التمر ‏.‏ قال‏:‏ إن أصحابي قد سلكوا طريقاً وأنا أحب أن أسلكه ، فآثر الاقتداء بهم على غيره ‏.‏ وكذلك أحمد ‏.‏ ثم بعد التمر البر ، لأنه أكثر نفعاً وأجود ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يجزئ الخبز لأنه خارج من الكيل والادخار ، ولا حب معيب ولا مسوس ، ولا قديم تغير طعمه ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏}‏ ‏.‏ ولا تجزئ القيمة ، لأنه عدول عن المنصوص ‏.‏

فصل ‏:‏

والصاع خمس أرطال وثلث بالعراقي ، وهو بالرطل الذي وزنه ستمائة درهم رطل وأوقية وثلثا أوقية إلى ثلثي درهم ‏.‏

قال أحمد الصاع ‏:‏ خمسة أرطال وثلث حنطة ، فإن أعطى خمس أرطال وثلثاً تمراً فقد أوفى ، وقيل له ‏:‏ إن الصيحاني ثقيل ، فقال ‏:‏ لا أدري ‏.‏ وهذا يدل على أنه ينبغي أن يحتاط في الثقيل بزيادة شيء على خمسة أرطال وثلث ليسقط الفرض بيقين ‏.‏ ومصرفها مصرف زكاة المال ، لأنها زكاة ‏.‏ ويجوز إعطاء الواحد ما يلزم الجماعة ، كما يجوز دفع زكاة مالهم إليه ، وإعطاء الجماعة ما يلزم الواحد كما يجوز تفرقة ماله عليهم ‏.‏


باب إخراج الزكاة والنية


لا يجوز إخراج الزكاة إلا بنية ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنما الأعمال بالنيات ولأنها عبادة محضة فافتقرت إلى النية كالصلاة ، ويجوز تقديمها على الدفع بالزمن اليسير كما في سائر العبادات ، ولأنه يجوز التوكل فيها بنية غير مفارقة لأداء الوكيل ‏.‏ ويجب أن ينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة ، أو صدقة المال ، أو الفطر ، فإن نوى صدقة مطلقة لم تجزه ، لأن الصدقة تكون نفلاً فلا ينصرف إلى الفرض إلا بتعيين ، ولو تصدق بجميع ماله تطوعاً لم يجزه ، لأنه لم ينو الفرض ‏.‏ ولا يجب تعيين المال المزكى عنه ، فإن كان له نصابان ، فأخرج الفرض عن أحدهما بعينه أجزأه ، لأن التعيين لا يضر ، وإن أطلق عن أحدهما أجزأه ، لأنه لو أطلق لكان عن أحدهما فلا يضر التقييد به ‏.‏ وإن نوى أنه لو كان الغائب سالماً فهو زكاته إلا فهو عن الحاضر ، صح ، وكان على ما نواه ‏.‏ وإن نوى أنه زكاة أو تطوع لم يصح ، لأنه لم يخلص النية للفرض ، وإن نوى أنه زكاة مالي وإن لم يكن سالماً فهو تطوع صح ، لأنه هكذا يقع فلا يضر التقييد به ، ولو نوى إن كان أبي قد مات فصار ماله لي فهذا زكاته لم يصح ، لأنه لم يبن على أصل ‏.‏ ولو نوى عن ماله الغائب فبان تالفاً لم يكن له صرفه إلى الحاضر ، لأنه عينه للغائب ، فأشبه ما لو أعتق عبداً عن كفارة لم يملك صرفه إلى أخرى ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا كان في إخراج الزكاة ، ونوى عند الدفع للوكيل ونوى الوكيل عند الأداء جاز ‏.‏ وإن نوى الوكيل ولم ينو الموكل لم يجزه ، لأنها فرض عليه فلم يجزه من غير نية ، وإن نوى الموكل عند الدفع للوكيل ولم ينو الوكيل عند الدفع ‏.‏

فقال أبو الخطاب ‏:‏ يجزئ ، لأن الذي عليه الفرض قد نوى ، ويحتمل أنه إن نوى بعد الأداء من الدفع لم يجزه ، لأن الدفع حصل من غير نية قريبة و لا مقارنة ، و إن دفعها إلى الإمام برئ منها بكل حال ، لأن يد الإمام كيد الفقراء ‏.‏ وإن أخذها الإمام قهراً أجزأت من غير نية رب المال ، لأنها تؤخذ من الممتنع فلو لم تجزئ ما أخذت ‏.‏ هذا ظاهر كلام الخرقي ويحتمل أن لا تجزئه فيما بينه وبين الله تعالى إلا بنيتها ، لأنها عبادة محضة فلم تجز بغير نية ، كالمصلي كرهاً ، وهذا اختيار أبي الخطاب وابن عقيل ، وقال القاضي ‏:‏ تجزئ نية الإمام في الكره والطوع ، لأن أخذ الإمام كالقسم بين الشركاء ، والأول أولى ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل كمال النصاب ، لأنه سببها فلم يجز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف ، ويجوز تعجيلها بعده ، لما روي عن علي رضي الله عنه ‏:‏ أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في أن يعجل الصدقة قبل أن تحل فرخص له ‏.‏ رواه أبو داود ‏.‏ ولأنه حق مال أجل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله ، كالدين ودية الخطأ ‏.‏

وفي تعجيلها لأكثر من عام روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ يجوز لأنه عجلها بعد سببها ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يجوز ، لأنه عجلها قبل انعقاد حولها ، فأشبه ما لو عجلها قبل انعقاد وقت نصابها ، فإن ملك نصاباً فعجل زكاة نصابين عنه وعما يستفيده في الحول الآخر أجزأه عن النصاب دون الزيادة ، لأنه عجل زكاة الزيادة قبل وجودها ، ولو ملك خمساً من الإبل فعجل شاتين عنها وعن نتاجها ، فحال الحول وقد نتجت خمساً فكذلك ، لما ذكرنا ، وإن ملك أربعين شاة فعجل عنها شاة ، ثم ماتت الأمهات وبقيت سخالها ، أجزأت عنها ، لأنها لا تجزئ عنها وعن أمهاتها لو كانت باقية فعنها وحدها أولى ، بخلاف التي قبلها ، ولو ملك عرضاً قيمته ألف ، فعجل زكاة ألفين ، فحال الحول وقيمته ألفان أجزأه عن ألف واحد لما ذكرنا ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا عجل الزكاة فلم تتغير الحال وقعت موقعها ، وإن ملك نصاباً فعجل زكاته وحال الحول وهو ناقص مقدار ما عجلها أجزأت عنه ‏.‏ وإن ملك مائة وعشرين ، فعجل شاة ثم نتجت أخرى قبل كمال الحول ، لزمه شاة ثانية ، لأن المعجل كالباقي على ما ملكه في إجزائه عن الزكاة عند الحول ، وكذلك في إيجاب الزكاة ، وإن تغيرت الحال قبل الحول بموت الآخذ أو غناه أو ردته فإن الزكاة تجزئ عن ربها وليس له ارتجاعها ، لأنه أداها إلى مستحقها فبرئ منها ، كما لو تلفت عند أخذها أو استغنى بها ، أما إن تغيرت حال رب المال بموته أو ردته ، أو تلف النصاب أو بعضه ، أو بيعه أو حالهما معاً ‏.‏

فقال أبو بكر و القاضي ‏:‏ الحكم كذلك لأنه دفعها إلى مستحقها فلم يملك الرجوع بها ، كما لو لم يعلمه ‏.‏

وقال ابن حامد ‏:‏ إن لم يعلمه رب المال أنها زكاة معجلة لم يكن له الرجوع عليه ، لأن الظاهر أنها عطية تلزم بالقبض ، فلم يكن له الرجوع بها ، وإن كان الدافع الساعي أو رب المال ، لكنه أعلم الآخذ أنها زكاة معجلة ، رجع إليها ،لأنه دفعها عن ما يستحقه القابض في الثاني ، فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده ، كالأجرة إذا انهدمت الدار قبل السكنى ، ثم إن وجدها بعينها أو زائدة زيادة متصلة رجع بها ، لأن هذه الزيادة تتبع في الفسوخ فتبعت ههنا ، وإن زادت زيادة منفصلة فهي للفقير ، لأنها انفصلت في ملكه ، وإن نقصت لزم الفقير نقصها لأنه ملكها بقبضها فكان نقصها عليه كالمعيب ، وإن تلفت فعليه قيمتها يوم قبضها ، لأن ما زاد بعد ذلك أو نقص إنما هو في ملك الفقير ، فإن قال المالك ‏:‏ أعلمته الحال فأنكر الفقير فالقول قوله مع يمينه ، لأنه منكر ‏.‏

فصل ‏:‏

ولو عجلها إلى غني فافتقر عند وجوبها عند وجوبها لم يجزه ، لأنه لم يعطها لمستحقها وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها ثم مات لمالك فحسبها الوارث عن زكاته ، لم يجزه ، لأنها عجلت قبل ملكه ، فأشبه ما عجلها هو ، وإن تسلف الإمام الزكاة فهلكت في يده ، لم يضمنها ، وكانت من ضمان الفقراء ، سواء سأله رب المال أو الفقراء أو لم يسأله الجميع ، لأن يده كأيديهم وله ولاية عليهم ، بدليل أن له أخذ الزكاة بغير إذنهم ، فإذا تلفت من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم ‏.‏

فصل ‏:‏

وظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز تعجيل العشر ، لأنه يجب بسبب واحد وهو بدو الصلاح في الثمرة والحب ، فتعجيله تقديماً له على سببه ، وقال أبو الخطاب ‏:‏ يجوز تعجيله إذا ظهرت الثمرة وطلع الزرع ، ولا يجوز قبله ، لأن وجود ذلك كملك النصاب ، وبدو الصلاح كتمام الحول ‏.‏ وأما المعدن والزكاة فلا يجوز تقديم صدقتهما قولاً واحداً ، لأن سبب وجوبها يلازم وجوبها ولا يجوز تقديمها قبل سببها ‏.‏


باب قسم الصدقات


يجوز لرب المال تفريق زكاته بنفسه ، لأن عثمان رضي الله عنه قال ‏:‏ هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليقضه ثم يزكي بقية ماله ‏.‏ وأمر علي رضي الله عنه واجد الركاز أن يتصدق بخمسه ‏.‏ وله دفعها إلى الإمام عدلاً كان أو غيره ، لما روى سهيل بن أبي صالح قال ‏:‏ أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت ‏:‏ عندي مال وأريد إخراج زكاته ، وهؤلاء القوم على ما ترى ‏.‏ فقال ‏:‏ ادفعها إليهم ‏.‏ فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد رضي الله عنهم ، فقالوا مثل ذلك ، ولأنه نائب عن مستحقها فجاز الدفع إليه كولي اليتيم ‏.‏ قال أحمد ‏:‏ أعجب إلي أن يخرجها ، وذلك لأنه على ثقة من نفسه ، ولا يأمن من السلطان أن يصرفها في غير مصارفها ‏.‏

وعنه ‏:‏ ما يدل على أنه يستحب دفع زكاة الأموال الظاهرة إلى السلطان دون الباطنة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه رضي الله عنهم كانوا يبعثون سعاتهم لقبض زكاة الأموال الظاهرة دون الباطنة ‏.‏ وقال ابن أبي موسى وأبو الخطاب ‏:‏ دفعها إلى الإمام العادل أفضل ، لأنه أعلم بالمصارف ، والدفع إليه أبعد من التهمة ، ويبرأ بها ظاهراً وباطناً ، ودفعها إلى أهلها ، ويحتمل أن يصادف غير مستحقها فلا يبرأ بها باطناً ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجب على الإمام أن يبعث السعاة لقبض الصدقات ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله عنهم كانوا يفعلونه ، ولأن في الناس من لا يؤدي صدقته أو لا يعلم ما عليه ، ففي إهمال ذلك ترك للزكاة ‏.‏ ومن شرط الساعي أن يكون بالغاً عاقلاً أميناً ، لأن الصبي والمجنون لا قبض لهما ، والخائن يذهب بمال الزكاة ، ولا يشترط كونه فقيراً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث عمر وعمله وكان غنياً ، ولأن ما يعطيه أجرة ، فأشبه أجرة حملها ، ولا كونه حراً ، لأن المقصود يحصل منه من غير ضرر ، فأشبه الحر ، ولا فقيهاً إذا كتب له ما يأخذ وحده له ، أو بعث معه من يعلمه ذلك ‏.‏ لأنه استئجار على استيفاء حق فلم يشترط له الفقه كاستيفاء الدين

قال أبو الخطاب ‏:‏ في إسلامه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يشترط ذلك ، ولأنه قد يعرف منه الأمانة بالتجربة ، بدليل قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك‏}‏ ‏.‏

والأخرى ‏:‏ هو شرط ، لأن الكفر ينافي الأمانة ‏.‏ وقد قال عمر رضي الله عنه ‏:‏ لا تأتمنوهم وقد خونهم الله تعالى ‏.‏ قال أصحابنا ‏:‏ وجوز أن يكون من ذوي القربى ، لأن ما يأخذه أجرة فلم يمنع منها كأجرة الحمل ، وظاهر الخبر يمنع ذلك ، فإن الفضل بن عباس وعبد الطلب بن ربيعة سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا ‏:‏ يا رسول الله ، لو بعثنا على هذه الصدقة فنصيب منها ما يصيب الناس ، ونؤدي إليك ما يؤدي الناس ‏.‏ فأبى أن يبعثهما، وقال‏:‏ إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس رواه مسلم ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا كان الساعي يبعث لأخذ العشر بعث في وقت إخراجه ، وإن بعث لقبض غيره ، بعث في أول محرم ، لأنه أول السنة ‏.‏ ويستحب أن يعد الماشية على أهلها على الماء أو في أفنيتهم ، لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ تؤخذ صدقات الناس على مياههم و أفنيتهم ، وإن أخبره صاحب المال بعدده قبل منه ، وإن قال ‏:‏ لم يكمل الحول أو فرقت زكاته ونحو هذا مما يمنع الأخذ منه ، قبل منه ولم يحلفه ، لأن الزكاة عبادة وحق لله تعالى ، فلا يحلف عليهما كالصلاة والحد ‏.‏ وإن أعطاه صدقته ، استحب أن يدعو له ، لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم‏}‏ ‏.‏ وروى عبد الله بن أبي أوفى قال ‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال ‏:‏ اللهم صل على آل فلان فأتاه أبي بصدقة فقال ‏:‏ اللهم صل على آل أبي أوفى متفق عليه ‏.‏ ولا يجب الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر سعاته بذلك ‏.‏ ويستحب أن يقول ‏:‏ آجرك الله فيما أعطيت ، وبارك الله فيما أبقيت ، وجعل لك طهوراً ‏.‏ ويستحب للمعطي أن يقول ‏:‏ اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً ‏.‏ وإن وجد الساعي مالاً لم يكمل حوله ، فسلفه ربه زكاته أخذها ، وإن أبى لم يجبره ، لأنه ليس بواجب عليه فإما أن يوكل من يقبضها منه عند حولها ، وإما أن يؤخرها إلى الحول الثاني ‏.‏

فصل ‏:‏

ويؤمر الساعي بتفريق الصدقة في بلدها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ‏:‏ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ‏.‏ ولا يجوز نقلها عنهم إلى بلد تقصر فيه الصلاة لذلك ، ولأن نقلها عنهم يفضي إلى ضياع فقرائهم ، فإن نقلها رب المال ففيه روايتان‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يجزئه ، لأنه حق واجب لأصناف بلد ، فلم يجزئ إعطاؤها لغيرهم كالوصية لأصناف بلد ‏.‏

والأخرى ‏:‏ يجزئه ، لأنهم من أهل الصدقات ، فإن استغنى عنها أهل بلدها جاز نقلها ، لما روي أن معاذاً بعث إلى عمر صدقة من اليمن ، فأنكر عمر ذلك وقال ‏:‏ لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية ، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس وترد في فقرائهم ‏.‏ فقال معاذ ‏:‏ ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه مني ‏.‏ رواه أبو عبيد في كتاب الأموال ‏.‏ فإن كان مال الرجل غائباً عنه زكاه في بلد المال ، فإن كان متفرقاً زكى كل مال حيث هو ، فإن كان نصاباً من السائمة ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يلزمه في كل بلد من الرفض بقدر ما فيه من المال ، لئلا تنقل زكاته إلى غير بلده ‏.‏

والثاني ‏:‏ يجزئه الإخراج في بعضها ، لئلا يفضي إلى تشقيص زكاة الحيوان ‏.‏ وإن كان ماله تجارة يسافر به ‏.‏ قال أحمد رضي الله عنه ‏:‏ يزكيه في الموضع الذي أكثر مقامه فيه ‏.‏

وعنه ‏:‏ يعطي بعضه في هذا البلد وبعضه في هذا ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ يخرج زكاته حيث حال حوله ، لأن المنع هذا يفضي إلى تأخير الزكاة ‏.‏ وإن كان ماله في بادية ، فرق زكاته في أقرب البلاد إليها ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا احتاج الساعي إلى نقل الصدقة استحب أن يسم الماشية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمها ، و لأن الحاجة تدعو إلى ذلك لتمييزها عن غنم الجزية و الضوال ، ولترد إلى مواضعها إذا شردت ، ويسم الإبل والبقر في أصول أفخاذها ، لأنه موضع صلب يقل ألم الوسم فيه ، وهو قليل الشعر فتظهر السمة ويسم الغنم في آذانها ، فيكتب عليها ‏:‏ لله أو زكاة ‏.‏ وإن وقف من الماشية في الطريق شيء ، أو خاف هلاكه جاز بيعه ، لأنه موضع ضرورة ، وأن باع لغير ذلك فقال القاضي ‏:‏ البيع باطل وعليه الضمان ، لأنه متصرف بالإذن ولم يؤذن له في ذلك ، ويحتمل الجواز ، لأن قيس بن أبي حازم روى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها ، فقال المصدق ‏:‏ إني ارتجعتها بإبل فسكت ‏.‏ رواه سعيد بن منصور ‏.‏ ومعنى الارتجاع أن يبيعها ويشتري بثمنها غيرها ‏.‏


باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم


وهم ثمانية ذكرهم الله تعالى في قوله ‏:‏ ‏{‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم‏}‏ ‏.‏

فلا يجوز صرفها إلى غيرهم من بناء مساجد أو إصلاح طريق أو كفن ميت ، لأن الله تعالى خصهم بها بقوله ‏:‏ ‏{‏إنما‏}‏ وهي للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه ‏.‏ ولا يجب تعميمهم بها ‏.‏

وعنه ‏:‏ يجب تعميمهم التسوية بينهم ‏.‏ وأن يدفع من كل صنف إلى ثلاثة فصاعداً لأنه أقل الجمع إلا العامل ، فإن ما يأخذه أجره فجاز أن يكون واحداً ، وإن تولى الرجل إخراجها بنفسه سقط العامل ‏.‏ وهذا اختيار أبي بكر ، لأن الله تعالى جعلها لهم بلام التمليك ، وشرك بينهم بواو التشريك ، فكانت بينهم على السواء كأهل الخمس ، والأول ‏:‏ المذهب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ ‏:‏ أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم أمر بردها من صنف واحد ‏.‏ وقال لقبيصة لما سأله في حمالة ‏:‏ أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها وهو صنف واحد ‏.‏ وأمر بني بياضة بإعطاء صدقاتهم سلمة بن صخر وهو واحد ، فتبين بهذا أن مراد الآية بيان مواضع الصرف دون التعميم ، ولذلك لا يجب تعميم كل صنف ، ولا التعميم بصدقة واحد إذا أخذها الساعي ، بخلاف الخمس ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا تولى القسمة بدأ بالساعي فأعطاه عمالته ، لأنه يأخذ عوضاً فكان حقه آكد ممن يأخذ مواساة ‏.‏ وللإمام أن يعين أجرة الساعي قبل بعثه ، وله أن يبعثه من غير شرط ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه ساعياً ولم يجعل له أجرة فلما جاء أعطاه ، فإن عين له أجرة دفعها إليه ، وإلا دفع إليه أجرة مثله ‏.‏ ويدفع منها أجرة الحاسب والكاتب والعداد والسائق والراعي والحافظ والحمال و الكيال ونحو ذلك ، لأنه من مؤنتها فقدم على غيره ‏.‏

فصل ‏:‏

والفقراء والمساكين صنفان ، وكلاهما يأخذ لحاجته إلى مؤنة نفسه ، والفقراء أشد حاجة ، لأن الله تعالى بدأ بهم والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم ، ولأن الله تعالى قال ‏:‏ ‏{‏أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر‏}‏ ‏.‏ فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وقال ‏:‏ اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين رواه الترمذي ‏.‏ فدل على أن الفقراء أشد ، فالفقير من ليس له ما يقع موقعاً من كفايته من مكسب ولا غيره والمسكين الذي له ذلك ، فيعطى كل واحد منهما ما تتم به كفايته ‏.‏ وإذا ادعى الفقر من لم يعرف بغنى قبل قوله بغير يمين ، لأن الأصل عدم المال ، وإن ادعاه من عرف غناه لم يقبل إلا ببينة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاث من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قوماً من عيش أو سداداً من عيش رواه مسلم ‏.‏ وإن رآه جلداً وذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين ، لما روى عبيد الله بن عدي بن الخيار ‏:‏ أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الصدقة فسألاه شيئاً ، فصعد بصره فيهما وصوبه ، وقال لهما ‏:‏ إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب رواه أبو داود ‏.‏

وإن ادعى أن له عيالاً ‏:‏ فقال القاضي و أبو الخطاب ‏:‏ يقلد في ذلك كما قلد في حاجة نفسه ‏.‏

وقال ابن عقيل ‏:‏ لا يقبل إلا ببينة ، لأن الأصل عدم العيال ، فلا تتعذر إقامة البينة عليهم ، وإن كان لرجل دار يسكنها ، أو دابة يحتاج إلى ركوبها ، أو خادم يحتاج إلى خدمته ، أو بضاعة يتجر بها ، أو ضيعة يستغلها ، أو سائمة يقتنيها ، ولا يقوم بكفايته فله أخذ ما تتم به الكفاية ولا يلزم بيع شيء من ذلك قل أو كثر ‏.‏

فصل ‏:‏

الصنف الرابع ‏:‏ المؤلفة وهم السادة المطاعون في عشائرهم ، وهم ضربان ‏:‏ كفار ومسلمون، فالكفار من يرجى إسلامهم أو يخاف شرهم ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيباً له في الإسلام ‏.‏

والمسلمون أربعة أضرب ‏:‏

منهم من له شرف ، يرجى بإعطائه إسلام نظيره ، فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعطى عدي بن حاتم ثلاثين فريضة من الصدقة ، وأعطى الزبرقان بن بدر ، مع ثباتهما وحسن نيتهما ‏.‏

الثاني ‏:‏ ضرب نيتهم ضعيفة في الإسلام ، فيعطون لتقوى نيتهم فيه ، فإن أنساً قال حيى أفاء الله على رسوله أموال هوزان طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل وقال ‏:‏ إني أعطي رجالاً حدثاء عهد بكفر أتالفهم متفق عليه ‏.‏

الثالث ‏:‏ قوم إذا أعطوا قاتلوا ودفعوا عن المسلمين ‏.‏

الرابع ‏:‏ قوم إذا أعطوا جبوا الزكاة ، ممن لا يعطيها إلا أن يخاف هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة لأنهم داخلون في اسم المؤلفة ‏.‏ وقد سمى الله تعالى لهم سهماً ‏.‏

وروى حنبل عن أحمد رضي الله عنه أن حكمهم انقطع ، لأن عمر وعثمان رضي الله عنهما لم يعطياهم شيئاً ‏.‏ والمذهب الأول ‏.‏ فإن سهمهم ثبت بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ولا يثبت النسخ بالاحتمال وترك عمر وعثمان عطيتهم ، وإنما كان لغناهم عنهم ‏.‏ والمؤلفة إنما يعطون للحاجة إليهم ، فإن استغني عنهم فلا شيء لهم ‏.‏

فصل ‏:‏

الخامس ‏:‏ الرقاب ‏.‏ وهم المكاتبون ، يعطون ما يؤدونه في كتابتهم ، ولا يقبل قوله ‏:‏ إنه مكاتب إلا ببينة لأن الأصل عدمها ، فإن صدقه المولى ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يقبل ، لأن السيد يقر على نفسه ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يقبل ، لأنه متهم في أن يواطئه ليأخذ الزكاة بسببه ‏.‏ وللسيد دفع زكاته إلى مكاتبه لأنه معه في باب المعاملة كالأجنبي ، ويجوز أن يردها المكاتب إليه ، لأنه يأخذها وفاء عن دينه ، فأشبه الغريم ‏.‏ ولا يزاد المكاتب على ما يوفي كتابته ، ويجوز أن يدفع إليه قبل حلول النجم لئلا يحل وهو معسر فتنفسخ كتابته ‏.‏ وهل يجوز الإعتاق من الزكاة فيه روايتان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يجوز ، لأنه من الرقاب فيدخل في الآية فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها ، وأن يشتريها كلها من زكاته ويعتقها ، ولا يجوز أن يشتري ذا رحمه المحرم عليه فإن فعل عتق عليه ولم تسقط الزكاة ، لأن عتقه حصل بسبب غير الإعتاق من الزكاة ، ويجوز أن يفتك منها أسيراً مسلماً ، لأنه فك رقبته من الأسر ‏.‏

والرواية الثانية ‏:‏ لا يجوز الإعتاق منها لأن الآية تقضي الدفع إلى الرقاب ، لقوله ‏:‏ ‏{‏في سبيل الله‏}‏ ، يريد الدفع إلى المجاهدين والعبد لا يدفع إليه ‏.‏

فصل ‏:‏

السادس ‏:‏ الغارمون ، وهم ضربان ‏:‏ ضرب غرم لإصلاح ذات البين ، وهو من يحمل دية أو مالاً لتسكن فتنة ، وإصلاح بين طائفتين ، فيدفع إليه من الصدقة ما يؤدي حمالته ، وإن كان غنياً ، لما روى قبيصة بن مخارق قال ‏:‏ تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال ‏:‏ أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ‏.‏ ثم قال ‏:‏ يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لثلاث ، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك رواه مسلم ، ولأنه يأخذ لمصلحة المسلمين ، فجاز له الأخذ مع الغنى كالغازي ‏.‏

الضرب الثاني ‏:‏ من غرم لمصلحة نفسه في مباح ، فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه ، ولا يعطي مع الغنى لأنه يأخذ لحاجة نفسه فلم يدفع إليه مع الغنى كالفقير ‏.‏ وإن غرم في معصية، لم يدفع إليه قبل التوبة ، لأنه لا يؤمن أن يستعين بها في المعصية ، وفي إعطائه بعد التوبة وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يعطى ، لأنه يأخذ لتفريغ ذمته ، لا لمعصية فجاز ، كإعطائه لفقره ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يعطى ، لأنه لا يؤمن عوده إلى المعصية ، ولا يقبل قوله ‏:‏ إنه غارم إلا ببينة فإن صدقه الغريم فعلى وجهين ‏.‏ ويجوز للرجل دفع زكاته إلى غريمه وأخذها منه لما ذكرنا في المكاتب ‏.‏

فصل ‏:‏

السابع ‏:‏ في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان إذا نشطوا غزوا ، ويعطون قدر ما لا يحتاجون إليه لغزوهم ، من نفقة طريقهم وإقامتهم ، وثمن السلاح والخيل إن كانوا فرساناً ، وما يعطون السايس وحمولتهم إن كانوا رجالاً مع الغنى ، لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين ‏.‏ ولا يعطى الراتب في الديوان ، لأنه يأخذ قدر كفايته من الفيء ‏.‏ وفي الحج روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ هو من سبيل الله فيعطى من الصدقة ما يحج به حجة الإسلام ، أو يعينه فيها مع الفقر ، لما روي أن رجلاً جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اركبيها فإن الحج في سبيل الله رواه أبو داود ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يجوز ذلك ، لأن سبيل الله إذا أطلق إنما يتناول الغزو ، ولأنه لا مصلحة للمسلمين في حج الفقير ، ولا حاجة به إلى إيجاب الحج عليه ، فلم يدفع إليه كحج النفل ‏.‏

فصل ‏:‏

الثامن ‏:‏ ابن السبيل ‏.‏ وهو المسافر المنقطع به وله اليسار في بلده ، فيعطى من الصدقة ما يبلغه ، فأما المنشئ للسفر من بلده فليس بابن سبيل ، لأن السبيل الطريق ، وابنها الملازم لها الكائن فيها ، والقاطن في بلده ليس بمسافر ، ولا له حكم المسافر ‏.‏ فإن كان هذا فقيراً أعطي لفقره ، وإلا فلا ‏.‏ ومن كان سفره لمعصية فهل يدفع إليه بعد التوبة ما يرجع به ‏؟‏ على وجهين ، كما ذكرنا فيمن غرم لمعصية ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر مما يدفع به حاجته ، فلا يزاد الفقير والمسكين على ما يغنيهما ، ولا العامل على أجرته ، ولا المؤلفة على ما يحصل به التأليف ، ولا الغارم والمكاتب على ما يقضي دينهما ، ولا الغازي على ما يحتاج إليه لغزوه ، ولا ابن السبيل على ما يوصله بلده ، لأن الدفع لحاجة ، فوجب أن يتقيد بها ، وإن اجتمع في واحد سببان كالغارم الفقير دفع إليه بهما ، لأن كل واحد منهما سبب للأخذ ، فوجب أن يثبت حكمه حيث وجد ‏.‏

فصل ‏:‏

وأربعة يأخذون أخذاً مستقراً لا يرجع عليهم بشيء الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة ، وأربعة يأخذون أخذاً مراعى ، الرقاب و الغارمون والغزاة وابن السبيل ، إن صرفوه فيما أخذوا له ، وإلا استرجع منهم ‏.‏ وإن فضل مع المكاتب شيء بعد أداء كتابته أو مع الغارم بعد قضاء غرمه ، أو مع الغازي بعد غزوه ، أو مع ابن السبيل بعد وصوله إلى بلده استرجع منهم أو استغنوا عن الجميع ردوه ، وإن عجز المكاتب رجع على سيده بما أخذ لأن الدفع إليهم لمعنى لم يوجد ‏.‏

وقال الخرقي ‏:‏ إذا عجز المكاتب ورد في الرق ، وقد كان تصدق عليه بشيء فهو لسيده وأربعة يأخذون مع الغنى ، الغازي والعامل والغرم للإصلاح والمؤلفة ، لأنهم يأخذون لحاجتنا إليهم ‏.‏ والحاجة توجد مع الغنى ، و سائرهم لا يعطون إلا مع الفقر ، لأنهم يأخذون لحاجتهم، فاعتبر ذلك فيهم ، إلا أن ابن السبيل تعتبر حاجته في مكانه ، وإن كان له مال في بلده ، لأنه غير مقدور عليه ، فهو كالمعدوم ‏.‏ ولا يستحب إعلام الآخذ أنها زكاة إذا كان ظاهره الاستحقاق ، لأن فيه كسر قلبه ‏.‏ قال أحمد ‏:‏ لا يبلغه بها ، يعني ‏:‏ لا يعلمه ‏.‏ فإن شك في استحقاقه أعلمه كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم الرجلين الجلدين ‏.‏


باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه

وهم ستة أصناف ‏:‏ الكافر ، لا يجوز الدفع إليه لغير التأليف ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ، ولأنها مواساة تجب على المسلم فلا تجب للكافر كالنفقة ‏.‏

الثاني ‏:‏ المملوك ، لأن ما يعطاه يكون لسيده ، ولأن نفقته على سيده فهو غني بغناه ‏.‏

الثالث ‏:‏ بنو هاشم لا يعطون منها إلا لغزو أو حمالة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ إنما الصدقة أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد وسواء أعطوا حقهم من الخمس أو منعوه لعموم الخبر ، ولأن منعهم لشرفهم ، وشرفهم باق ، فينبغي المنع ‏.‏

الرابع ‏:‏ مواليهم ‏:‏ وهم معتقوهم ، فحكمهم حكمهم ، لما روى أبو رافع ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع ‏:‏ اصحبني كيما تصب منها ، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال ‏:‏ إنا لا تحل لنا الصدقة وإن مولى القوم منهم وهذا حديث صحيح ، ولأنهم ممن يرثهم بني هاشم بالتعصيب ، فحرمت عليهم الصدقة كبني هاشم ‏.‏

وفي بني المطلب روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ تحل لهم ، لأن المنع اختص بآل محمد وهم بنو هاشم فلا يلحق بهم غيرهم ‏.‏

والثاني ‏:‏ يحرم عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك أصابعه أخرجه البخاري ‏[‏ والحديث بتمامه أخرجه الشافعي في مسنده ‏]‏ ‏.‏ ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فأشبهوا بني هاشم ‏.‏

الخامس ‏:‏ الغني ، لا تحل له الزكاة سوى من ذكرنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا حظ فيها لغني ولا قوي مكتسب ، وقوله ‏:‏ لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي وهذا حديث حسن ‏.‏ وفي ضابطه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ أنه الكفاية على الدوام ، إما بصناعة أو مكسب أو أجرة أو نحوه ‏.‏ اختارها أبو الخطاب وابن شهاب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قبيصة ‏:‏ فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداد من عيش مد إباحة المسألة إلى حصول الكفاية ، ولأن الغنى ضد الحاجة وهي تذهب بالكفاية ، وتوجد مع عدمها ‏.‏

والثانية ‏:‏ أنه الكفاية أو ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب ، لما روى ابن مسعود قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشاً أو خدوشاً أو كدوحاً في وجهه ، فقيل ‏:‏ يا رسول الله ما الغنى ‏؟‏ قال ‏:‏ خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب ‏.‏ قال الترمذي ‏:‏ هذا حديث حسن ‏.‏ فعلى هذه الرواية ‏:‏ إن كان له عيال فله أن يأخذ لكل واحد من عياله خمسين ، نص عليه ‏.‏ ولو ملك عروضاً تكثر قيمتها لا تقوم بكفايته ، جاز الأخذ رواية واحدة ، وإذا كان للمرأة زوج غني فهي غنية ، لأن كفايتها واجبة عليه وجوباً متأكداً ، فأما من تجب نفقته على نفسه فله الأخذ من الزكاة ، لأن استحقاقه للنفقة مشروط بفقره ، فيلزم من وجوبها له وجود الفقر ، بخلاف نفقة الزوجة ، ولأن وجوبها بطريق الصلة والمواساة بخلاف غيرها ‏.‏

السادس ‏:‏ من تلزمه مؤنته ‏:‏ كزوجته ووالديه وإن علوا ، وأولاده وإن سفلوا ، الوارث منهم وغيره ، ولا يجوز الدفع إليهم ، لأن في دفعها إليهم إغناء لهم عن نفسه ، فكأنه صرفها إلى نفسه ، و فيمن يرثه غير عمودي نسبه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يدفع إليه ، لأن الله تعالى أوجب نفقته عليه بقوله ‏:‏ ‏{‏وعلى الوارث مثل ذلك‏}‏ ‏.‏

والثانية ‏:‏ يجوز لأنه ممن تقبل شهادته له ، فجاز الدفع إليه ، كالأجانب فإن كان محجوباً عن ميراثه ، أو من ذوي الأرحام جاز الدفع إليه ، وإن كان شخصان يرث أحدهما صاحبه دون الآخر كالعمة مع ابن أخيها فللموروث دفع زكاته إلى الوارث ، لأنه لا يرثه ، وفي دفع الوارث زكاته إلى موروثه الروايتان ‏.‏ وهل للمرأة ، دفع زكاتها إلى زوجها ‏؟‏ على روايتين ‏:‏

إحدهما ‏:‏ يجوز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزينب امرأة ابن مسعود ‏:‏ زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم رواه البخاري ، ولأنه لا تلزمها نفقته فلم تحرم عليه زكاتها كالأجنبي ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يجوز ، لأنها تنتفع بدفعها إليه ، لوجوب نفقتها عليه ، وتبسطها في ماله عادة فلم يجز دفعها إليه كالولد ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز لكل واحد من هؤلاء الأخذ من صدقة التطوع ، لأن محمد بن علي كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة ، وقال ‏:‏ إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة ‏.‏ ويجوز لفقراء ذوي القربى الأخذ من وصايا الفقراء والنذور ، لأنها صدقة تطوع بها ، وفي أخذهم من الكفارة وجهان ‏.‏

وعنه ‏:‏ منعهم من صدقة التطوع ، لعموم الخبر ‏.‏ والأول أظهر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ كل معروف صدقة حديث صحيح‏.‏ ويجوز اصطناع المعروف إليهم‏.‏ وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة ‏:‏ لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل ابتاعها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إلى الغني رواه أبو داود ‏.‏ ولو أهدى المسكين مما تصدق به عليه إلى الهاشمي حل له ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مما تصدق به على أم عطية نسيبة وقال ‏:‏ إنها قد بلغت محلها ‏.‏ متفق عليه ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا دفع رب المال الصدقة إلى غني يظنه فقيراً ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يجزئه ، لأنه دفعها إلى غير مستحقها ، فأشبه دفع الدين إلى غير صاحبه ‏.‏

والثانية ‏:‏ يجزئه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالظاهر لقوله للرجلين ‏:‏ إن شئتما أعطيتكما منها ولا حظ فيها لغني ، وهذا يدل على أنه يجزئ ، ولأن الغنى يخفى فاعتبار حقيقته يشق ، ولهذا قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف‏}‏ ‏.‏ وإن بان كافراً أو عبداً أو هاشمياً ، لم تجزئه رواية واحدة ، لأن حال هؤلاء لا تخفى فلم يعذر الدافع إليهم ، بخلاف الغني ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا تولى الرجل إخراج زكاته استحب أن يبدأ بأرقابه الذين يجوز الدفع إليهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صدقتك على ذي القربى صدقة وصلة رواه الترمذي و النسائي ‏.‏ ويخص ذوي الحاجة ، لأنهم أحق ، ومن مات وعليه زكاة ودين لا تتسع تركته لهما ، قسمت بينهما بحصصهما ، لأنهما تساويا في الوجوب فتساويا في القضاء ‏.‏


باب صدقة التطوع


وهي مستحبة ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة‏}‏ وعن أبي هريرة قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب ، فإن الله تعالى يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل متفق عليه ‏.‏ وصدقة السر أفضل لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير‏}‏ ، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أن صلة الرحم تزيد في العمر وصدقة السر تطفئ غضب الرب رواه الترمذي وقال ‏:‏ حديث حسن غريب ‏.‏ والأفضل الصدقة على ذي الرحم للخبر ، ولقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة‏}‏ ، والصدقة في أوقات الحاجة أكثر ثواباً للآية ، وكذلك على من اشتدت حاجته ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏أو مسكيناً ذا متربة‏}‏ والصدقة في الأوقات الشريفة كرمضان ، وفي الأماكن الشريفة تضاعف كما يضاعف غيرها من الحسنات ، والنفقة في سبيل الله تضاعف سبعمائة ضعف ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة‏}‏ ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن عليه دين ، لا يجوز أن يتصدق صدقة تمنع قضاءها ، لأنه واجب فلم يجز تركه ، ولا يجوز تقديمها على نفقة العيال ، لأنها واجبة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت رواه أبو داود ‏.‏ وروى أبو هريرة قال ‏:‏ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة ، فقام رجل فقال ‏:‏ يا رسول الله عندي دينار فقال ‏:‏ تصدق على نفسك ، قال ‏:‏ عندي آخر ، قال ‏:‏ تصدق به على زوجك ، قال ‏:‏ عندي آخر ، قال ‏:‏ تصدق به على خادمك ، قال ‏:‏ عندي آخر ، قال ‏:‏ أنت أبصر رواه أبو داود ‏.‏ فإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‏}‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أفضل الصدقة جهد من مقل إلى فقير في السر رواه أبو داود ‏[‏ ولم يذكر ‏(‏ إلى فقير في السر ‏)‏ ‏]‏ ، ومن أراد الصدقة بكل ماله ، وكان يعلم من نفسه حسن التوكل وقوة اليقين والصبر عن المسألة ، أو كان له مكسب يقوم به فذلك أفضل له وأولى به ، لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه تصدق بكل ماله ، فروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال ‏:‏ ‏(‏‏(‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ‏)‏‏)‏، فوافق مالا عندي ، فقلت ‏:‏ اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏‏(‏ ما أبقيت لأهلك‏؟‏‏)‏‏)‏ قلت ‏:‏ أبقيت لهم مثله ‏.‏ فأتى أبو بكر بكل ما عنده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ما أبقيت لأهلك فقال ‏:‏ الله ورسوله ، فقلت لا أسابقك إلى شي أبداً ، وإن لم يثق من نفسه بهذا كره له ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ يأتي أحدكم بما يملك فيقول ‏:‏ هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى رواهما أبو داود ‏.‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد

إنك أن تدع أهلك أغنياء خير من أن تدعهم عالةً يتكففون الناس متفق عليه ‏.‏ ويكره لمن لا صبر له على الإضاقة أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة ‏.‏