يستحب الإكثار من ذكر الموت ، والاستعداد له ، فإذا مرض استحب عيادته ، لما روى البراء قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنازة ، وعيادة المريض .متفق عليه . إذا دخل عليه سأله عن حاله ، و رقاه ببعض رقى النبي صلى الله عليه وسلم ، و يحثه على التوبة ، و يرغبه في الوصية ، ويذكر له ما روى ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما حق امرىء مسلم يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه ، إلا ووصيته مكتوبة عنده متفق عليه .
فصل :
ويستحب أن يلي المريض أرفق أهله ، وأعلمهم بسياسته ، وأتقاهم لربه . وإذا رآه منزولاً به تعاهد بل حلقه فيقطر فيه ماء أو شراباً ، ويندي شفتيه بقطنة ، ويلقنه قول : لا إله إلا الله مرة ، لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : لقنوا موتاكم لا إله إلا الله رواه مسلم . ويكون ذلك في لطف ومداراة ، ولا يكرر عليه فيضجره ، إلا أن يتكلم بشيء فيعيد تلقينه ، لتكون آخر كلامه ، لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة رواه أبو داود . ويقرأ عنده سورة يس ليخفف عنه ، لما روى معقل بن يسار أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : اقرؤوا يس على موتاكم رواه أبو داود . ويوجهه إلى القبلة ، كتوجيهه إلى الصلاة ، لأن حذيفة رضي الله عنه قال : وجهوني ، ولأن خير المجالس ما استقبل القبلة .
فصل :
فإذا مات أغمض عينيه ، لما روى شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر ، فإن البصر يتبع الروح من المسند . ولأنه إذا لم يغمض عيناه بقيتا مفتوحتين فيقبح منظره ، ويشد لحيته بعصابة عريضة ، يجمع لحييه ثم يشدها على رأسه ، لئلا ينفتح فوه فيقبح منظره ويدخل فيه ماء الغسل . ويقول الذي يغمضه : بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلين مفاصله ، لأنه أسهل في الغسل ، ولئلا تبقى جافة فلا يمكن تكفينه ، ويخلع ثيابه لئلا يحمي جسمه فيسرع إليه التغير والفساد ، ويجعل على سرير أو لوح حتى لا تصيبه ندوة الأرض فتغيره ، ويترك على بطنه حديدة لئلا ينتفخ بطنه ، وإن لم يكن فطين مبلول . ويسجى بثوب ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجى ببردة حبرة ، متفق عليه . و يسارع في تجهيزه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله رواه أبو داود . وإن شك في موته انتظر به حتى يتيقن موته ، بانخساف صدغيه ، وميل أنفه وانفصال كفيه ، واسترخاء رجليه ، ولا بأس بالانتظار بها قدر ما يجتمع لها جماعة ، ما لم يخف عليه ، أو يشق على الناس . ويسارع في قضاء دينه ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه وهذا حديث حسن . فإن تعذر تعجيله استحب أن يتكفل به عنه ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فسأل : هل عليه دين ؟ قالوا : نعم ، ديناران فلم يصل عليه . فقال أبو قتادة : هما علي يا رسول الله فصلى عليه . رواه النسائي . وتستحب المسارعة في تفريق وصيته ليتعجل ثوابها بجريانها على الموصى له .
باب غسل الميت
وهو فرض على الكفاية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته ناقة : اغسلوه بماء وسدر متفق عليه . وأولى الناس بغسله من أوصي إليه بذلك لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فقدمت بذلك . وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل ، ولأنه حق للميت فقد وصيه فيه على غيره كتفريق ثلثه . فإن لم يكن وصي فأولاهم بغسل الرجل أبوه ، ثم جده ، ثم ابنه وإن نزل ، ثم الأقرب فالأقرب من عصابته ، ثم الرجال من ذوي الأرحام ، ثم الأجانب لأنهم أولى الناس بالصلاة عليه . وأولاهم بغسل المرأة أمها ، ثم جدتها ، ثم ابنتها ثم الأقرب فالأقرب ، ثم الأجنبيات .
ويجوز للمرأة غسل زوجها بلا خلاف ، لحديث أبي بكر . ولقول عائشة : لو استقبلنا ما أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه . رواه أبو داود . وفي غسل الرجل امرأته روايتان :
أشهرهما : يباح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك رواه ابن ماجه . وغسل علي فاطمة رضي الله عنهما ، فلم ينكره منكر ، فكان إجماعاً ، ولأنها أحد الزوجين فأبيح للآخر غسله كالزوج .
والأخرى : لا يباح ، لأنهما فرقة أباحت أختها وأربعاً سواها ، فحرمت اللمس ، والنظر كالطلاق . وأم الولد كالزوجة في هذا ، لأنها محل استمتاعه ، فإن طلق الرجل زوجته فماتت في العدة ، وكان الطلاق بائناً ، فهي كالأجنبية محرمة عليه ، وإن كانت رجعية ، وقلنا : إن الرجعية مباحة له فله غسلها وإلا فلا .
فصل :
ولا يصح غسل الكافر لمسلم ، لأن الغسل عبادة محضة فلا تصح من كافر كالصلاة ، ولا يجوز للمسلم أن يغسل كافراً وإن كان قريبه ، ولا يتولى دفنه ، إلا أن يخاف ضياعه فيواريه. قال أبو حفص العكبري : يجوز ذلك ، وحكاه قولاً لأحمد رضي الله عنه لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : قال للنبي (صلى الله عليه وسلم) : إن عمك الشيخ الضال قد مات . قال : اذهب فواره رواه أبو داود و النسائي . ولنا أنه لا يصلي عليه فلم يكن له غسله كالأجنبي ، والخبر يدل على مواراته وله ذلك : لأنه يتغير بتركه ويتضرر ببقائه . قال أحمد رضي الله عنه - في مسلم مات والده النصراني - : فليركب دابته وليسر أمام الجنازة ، وإذا أراد أن يدفن رجع ، مثل قول عمر رضي الله عنه .
ولا يجوز لرجل غسل امرأة غير من ذكرنا ، ولا لامرأة غسل رجل سوى زوجها وسيدها ، لأن أحدهما محرم على صاحبه في الحياة ، فلم يجز له غسله كحال الحياة . فإن مات رجل بين نساء ، أو امرأة بين رجال ، أو أنثى مشكل فإنه ييمم ، في أصح الروايتين ، لما روى واثلة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجل أخرجه تمام في فوائده .
وعنه : في الرجل تموت أخته فلم يجد نساء ، يغسلها ، وعليها ثياب ويصب عليها الماء صباً ، والأول أولى ، لأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف ولا إزالة النجاسة ، بل ربما كثرت ، فكان التيمم أولى كما لو وجد ماء لا يطهر النجاسة . ويجوز للمرأة غسل صبي لم يبلغ سبع سنين نص عليه ، لأن عورته ليست عورة ، وتوقف عن غسل الرجل الجارية ، قال الخلال : القياس النسوية بين الغلام والجارية ، لولا أن التابعين فرقوا بينهما ، وسوى أبو الخطاب بينهما في الجواز ، جرياً على موجب القياس .
فصل :
وينبغي أن يكون الغاسل أميناً ، لما روي عن ابن عمر أنه قال : لا يغسل موتاكم إلا المأمونون . ولأن غير الأمين لا يؤمن أن لا يستوفي الغسل ، ويذيع ما يرى من قبيح ، وعليه ستر ما يرى من قبيح ، لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من غسل ميتاً ثم لم يفش عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه رواه ابن ماجه بمعناه . وإن رأى أمارات الخير استحب إظهارها ، ليترحم عليه ، ويرغب في مثل طريقته . وإن كان مغموصاً عليه في السنة والدين ،مشهوراً بذلك ، فلا بأس بإظهار الشر عنه ، لتحذر طريقته ، ويستحب ستر الميت عن العيون ، ولا يحضره إلا من يعين في أمره ، لأنه ربما كان فيه عيب يستره في حياته ، وربما بدت عورته فشاهدها .
فصل :
ويجرد الميت عند تغسيله ، ويستر ما بين سرته وركبتيه ، وروى ذلك الأثرم عنه ، واختاره الخرقي وأبو الخطاب ، لأن ذلك أمكن في تغسيله ، وأبلغ في تطهيره ، وأشبه بغسل الحي ، وأصون له عن أن يتنجس بالثوب إذا خلع عنه ، ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك . بدليل أنهم قالوا : لا ندري أنجرد النبي صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا ؟ رواه أبو داود . والظاهر أن النبي أمرهم به وأقرهم عليه .
وروى المروذي ، وعنه : أنه الأفضل غسله في قميص رقيق ينزل الماء فيه ، ويدخل الغاسل يده في كم القميص فيمرها على بدنه ، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) غسل في قميصه . ولأنه أستر للميت . ويستحب أن يوضع على سرير غسله ، متوجهاً ، منحدراً نحو رجليه ، لينصب ماء الغسل منه ، ولا يستنقع تحته فيفسده ، ويستحب أن يتخذ الغاسل ثلاثة آنية ، إناء كبير فيه ماء ، بعيداً عن الميت ، وإناء وسطاً ، وإناء يغترف به من الوسط ، ويصب على الميت ، فإن فسد الماء الذي كان في الوسط كان الآخر سليماً ؟ ويكون بقربه مجمر فيه بخور لتخفى رائحة ما يخرج منه .
فصل :
والفرض فيه ثلاثة أشياء : النية . لأنها طهارة تعبدية ، أشبهت غسل الجنابة . وتعميم البدن بالغسل ، لأنه غسل فوجب فيه ذلك ، كغسل الجنابة وتطهيره من النجاسة . وفي التسمية وجهان بناء على غسل الجنابة . ويسن فيه ثمانية أشياء :
أحدها : أن يبدأ فيحني الميت حنياً لا يبلغ به الجلوس ، ويمر يده على بطنه فيعصره عصراً دقيقاً ليخرج ما في جوفه من فضلة لئلا يخرج بعد الغسل ، أو بعد التكفين فيفسده ، ويصب عليه الماء وقت العصر صباً كثيراً ، ليذهب بما يخرج ، فلا تظهر رائحته .
والثاني : أن يلف على يده خرقة فينجيه بها ولا يحل له مس عورته ، لأن رؤيتها محرمة فلمسها أولى ، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة ، وينبغي أن يتخذ الغاسل خرقتين خشنتين ، ينجيه بإحداهما ثم يلقيها ، ويلف الأخرى على يده فيمسح بها سائر البدن ، لما روي أن علياً رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص .
الثالث : أن يبدأ بعد إنجائه فيوضئه ، لما روت أم عطية أنها قالت : لما غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها متفق عليه . ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغسل فكذلك الميت ، ولا يدخل فاه ولا أنفه ماء ، لأنه لا يمكنه إخراجه ، فربما دخل بطنه ثم خرج فأفسد وضوءه ، لكن يلف على يده خرقة مبلولة ، ويدخلها بين شفتيه فيمسح أسنانه و أنفه ، ويتبع ما تحت أظافره - إن لم يكن قلمها - بعود لين كالصفصاف ، فيزيله ويغسله ، كما يفعل الحي في وضوءه وغسله .
الرابع : أن يغسله بسدر مع الماء ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر وقال للنساء اللاتي غسلن ابنته : اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور متفق عليه . وظاهر كلام أحمد أن السدر يجعل في جميع الغسلات لظاهر الخبر ، وذكره الخرقي .
وقال القاضي و أبو الخطاب : يغسل الأولى بماء وسدر ، ثم يغسل الثانية بماء لا سدر فيه ، كي لا يسلب طهوريته ، ولا يجعل فيه سدر صحيح . ولا فائدة ترك يسير لا يؤثر فإن أعوز السدر جعل مكانهما يقوم مقامه كالخطمي والصابون ونحوه مما ينقي .
الخامس : أن يضرب السدر ، ثم يبدأ فيغسل برغوته رأسه ولحيته ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بعد الوضوء بالصب على رأسه في الجنابة .
السادس : أن يبدأ بشقه الأيمن ، لقوله عليه السلام : ابدأن بميامنها فيغسل يده اليمنى ، وصفحة عنقه ، وشق صدره ، وجنبه ، وفخذه ، وساقه ، وقدمه ، ثم يقلبه على جنبه الأيسر ويغسل شق ظهره الأيمن وما يليه ، ثم يقلبه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر كذلك .
السابع : أن يغسله وتراً للخبر ، فيغسله ثلاثاً فإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس ، أو إلى سبع لا يزيد عليها ، لأنه آخر ما انتهى إليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ويمر في كل مرة يده ، ولا يوضئه إلا في المرة الأولى ، إلا أن يخرج منه شيء فيعيد وضوءه ، لأنه بمنزلة الحدث من المغتسل في الجنابة ، ولو غسله ثلاثاً ثم خرج منه شيء غسله إلى خمس ، فإن خرج بعد ذلك غسله إلى سبع ، فإن خرج بعد ذلك لم يعد إلى الغسل ، ويسد مخرج النجاسة بالقطن ، فإن لم يستمسك فبالطين الحر ، ويغسل موضع النجاسة ، ويوضأ لأن أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالغسل انتهى إلى سبع . واختار أبو الخطاب أنه لا يعاد إلى الغسل لخروج الحدث ، لأن الجنب إذا أحدث بعد غسله لم يعده ، ويوضأ وضوءه للصلاة .
الثامن : أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً ليشده ويبرده ويطيبه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ويستحب أن يضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ، ويسدل من ورائها ، لما روت أم عطية قالت : ضفرنا شعرها ثلاثة قرون ، وألقيناه من خلفها ، تعني : ابنة النبي صلى الله عليه وسلم . متفق عليه.
فصل :
وكره أحمد رضي الله عنه تسريح الميت ، لأن عائشة رضي الله عنها قالت : علام تنصون ميتكم ؟ يعني : لا تسرحوا رأسه بالمشط . ولأنه يقطع شعره وينتفه . والماء البارد في الغسل أفضل من الحار ، لأن البارد يشده ، والحار يرخيه ، إلا من حاجة إليه لوسخ يقلع به ، أو شدة برد يتأذى به الغاسل ولا يستعمل الأشنان ، إلا لحاجة إليه للاستعانة على إزالة الوسخ .
فصل :
ويستحب تقليم أظافر الميت ، وقص شاربه ، لأن ذلك سنة في حياته ، ويترك ذلك معه في أكفانه ، لأنه من أجزائه ، وكل ما سقط من الميت جعل معه في أكفانه ، ليجمع بين أجزائه ، وفي أخذ عانته ، وجهان :
أحدهما : يستحب إزالتها بنورة أو حلق ، لأن سعيد بن العاص جز عانة ميت ، ولأنه من الفطرة ، فأشبه تقليم الظافر .
والثاني : لا يستحب ، لأن فيه لمس العورة ، وربما احتاج إلى نظرها ، وذلك محرم فلا يفعل لأجل مندوب .
فصل :
والسقط إذا أتى عليه أربعة أشهر غسل وصلي عليه ، لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : والسقط يصلى عليه رواه أبو داود ، ولأنه ميت مسلم أشبه المستهل ، ودليل أنه ميت : ما روى ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال : إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يوماً ، ثم علقة مثل ذلك ، ثم مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه ملكاً فينفخ فيه الروح متفق عليه . ومن كان فيه روح ثم خرجت فهو ميت ، ويستحب تسميته ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : سموا أسقاطكم فإنهم أسلافكم . فإن لم يعلم أذكر هو أم أنثى سمي اسماً يصلح لهما كسعادة وسلامة ، ومن له دون أربع أشهر لا يغسل ، ولا يصلى عليه لعدم ما ذكرناه فيه .
فصل :
والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل رواية واحدة . وفي الصلاة عليه روايتان :
إحداهما : يصلى عليه ، اختارها الخلال لما روى عقبة أن النبي(ص) خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف . متفق عليه .
والثانية : لا يصلى عليه ، وهي أصح ، لما روى جابر أن النبي(ص) أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ، ولم يغسلوا ، ولم يصلى عليهم . رواه البخاري . وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد ، بدليل أنه صلى عليهم بعد ثمان سنين ، والخيرة في تكفين الشهداء إلى الوالي ، إن أحب زمله في ثيابه ونزع ما عليه من جلد أو سلاح . لما روى ابن عباس أن رسول (ص) أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد ، وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم . رواه أبو داود . وإن أحب نزع ثيابه وكفنه بغيرها ، لأن صفية أرسلت إلى النبي (ص) ثوبين ليكفن حمزة فيهما ، فكفنه رسول الله (ص) في أحدهما ، وكفن في الآخر رجلاً آخر . قال يعقوب بن شيبة : هو صالح الإسناد ، وإن حمل وبه رمق ، أو أكل أو طالت حياته ، غسل وصلي عليه ، لأن سعد بن معاذ غسله النبي(صلى الله عليه وسلم) فصلى عليه وكان شهيداً ، وإن قتل وهو جنب غسل ، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال يوم أحد : ما بال حنظلة بن الراهب ؟ إني رأيت الملائكة تغسله قالوا : إنه سمع الهائعة ، فخرج ولم يغتسل . رواه الطيالسي . وإن سقط من دابته ، أو تردى من شاهق ، أو وجد ميتاً لا أثر به ، غسل وصلي عليه ، لأنه ليس بقتيل الكفار ، والذي لا أثر به يحتمل أنه مات حتف أنفه ، فلا يسقط الغسل الواجب بالشك .
ومن عاد عليه سلاح فقتله فهو كقتيل الكفار ، لأن عامر بن الأكوع عاد عليه سيفه فقتله فلم يفرد عن الشهداء بحكم .
وقال القاضي : يغسل ويصلى عليه ، لأنه ليس بقتيل الكفار ، ومن قتل من أهل العدل في المعترك فحكمه حكم قتيل المشركين .
وأما أهل البغي فقال الخرقي ، يغسلون ويصلى عليهم ، لأنهم ليس لهم حكم الشهداء .
وأما المقتول ظلماً كقتيل اللصوص ، والمقتول دون ماله ففيه روايتان :
إحداهما : يغسل ويصلى عليه ، لأن ابن الزبير غسل وصلي عليه ، لأنه ليس بشهيد المعترك أشبه المبطون .
والثانية ، لا يغسل ، لأنه قتيل شهيد أشبه شهيد المعترك .
فصل :
ومن تعذر غسله لقلة الماء أو خيف تقطعه به ، كالمجزوم والمحترق ، يمم لأنها طهارة على البدن ، فيدخلها التيمم عند العجز عن استعمال الماء كالجنابة ، وإن تعذر غسل بعضه يمم ، لما لم يصبه الماء ، وإن أمكن صب الماء عليه ، وخيف من عركه ، صب عليه الماء صباً ولا يعرك .
ومن مات في بئر ذات نفس أخرج ، فإن لم يمكن إلا بمثله ، وكانت البئر يحتاج إليها أخرج أيضاً ، لأن رعاية حقوق الأحياء أولى من حفظه عن المثلة ، وإن لم يحتج إليها طمت عليه وكانت قبره .
فصل :
ويستحب لمن غسل ميتاً أن يغتسل ، لأن النبي (ص) قال : من غسل ميتاً فليغتسل رواه الطيالسي و أبو داود . ولا يجب ذلك لأن الميت طاهر ، والخبر محمول على الاستحباب والصحيح فيه أنه موقوف على أبي هريرة ، وكذلك قال أحمد : فإذا فرغ من غسله نشفه بثوبه ، كي لا يبل أكفانه .
باب الكفن
يجب كفن الميت في ماله ، مقدماً على الدين والوصية . والإرث ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته ناقته : كفنوه في ثوبيه متفق عليه . ولأن كسوة المفلس الحي تقدم على دينه ، فكذلك كفنه فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه كسوته في حياته ، فإن لم يكن ففي بيت المال ، وليس على الرجل كفن زوجته ، لأنها صارت أجنبية لا يحل الاستمتاع منها ، فلم يجب عليه كسوتها .
فصل :
وأقل ما يجزئ في الكفن ثوب يستر جميعه .
وقال القاضي : لا يجزئ أقل من ثلاثة ، لأنه لو أجزأ واحد لم يجزئ أكثر منه ، لأنه يكون إسرافاً و لا يصح ، لأن العورة المغلظة يسترها ثوب واحد ، فالميت أولى ، وما ذكره لا يلزمه ، فإنه يجوز التكفين بالحسن وإن أجزأ دونه . ويستحب تحسين الكفن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه رواه مسلم . ويكون جديداً أو غسيلاً إلا أن يوصي الميت بتكفينه في خلق فتمتثل وصيته ، لأن أبا بكر رضي الله عنه قال : كفنوني في ثوبي هذين ، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت ، والأفضل تكفينه في ثلاث لفائف بيض ، لقول عائشة رضي الله عنها : كفن رسول الله ( ص ) في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة . متفق عليه . ولأن حالة الإحرام أكمل أحوال الحي ، وهو لا يلبس المخيط فيها ، فكذلك حال موته .
والمستحب أن يؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها ، فيبسط على بساط ليكون الظاهر للناس أحسنها، لأن هذه عادة الحي ، ثم تبسط الثانية فوقها ، ثم الثالثة فوقهما ، ويذر الحنوط والكافور فيما بينهن ، ثم يحمل الميت فيوضع عليهن مستلقياً ، ليكون أمكن لإدراجه فيها ، ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه ، ويجعل بقية الحنوط والكافور في قطن ، ويجعل من بين أليتيه برفق ، ويكثر ذلك ليرد شيئاً إن خرج حين تحريكه ، ويشد فوقه خرفة مشقوقة الطرف ، كالتبان تأخذ أليتيه ومثانته ، ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده ، ويجعل الطيب والذريرة في مغابنه ومواضع سجوده ، تشريفاً لهذه الأعضاء التي خصت بالسجود ، ويطيب رأسه ولحيته ، لأن الحي يتطيب هكذا . وإن طيب جميع بدنه كان حسناً ، ولا يترك على أعلى اللفافة العليا ولا النعش شيء من الحنوط ، لأن الصديق رضي الله عنه قال : لا تجعلوا على أكفاني حنوطاً . ثم يثني طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ، ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر فوق الطرف الآخر ليمسكه إذا أقامه على شقه الأيمن، ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ، ثم يجمع ذلك جمع طرف العمامة فيرده على وجهه ورجليه ، إلا أن يخاف انتشارها فيعقدها ، وإذا وضع في القبر حلها . ولا يخرق الكفن ، لأن تخريقه يفسده . ولا يجب الطيب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ، ولأنه لا يجب على الحي ، فكذلك على الميت . ولا يزاد الكفن على ثلاثة أثواب لأنه إسراف لم يرد الشرع به .
فصل :
وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جاز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه كفنه فيه متفق على معناه . ويجعل المئزر مما يلي جلده ، ولا يزر عليه القميص ، فإن تشاح الورثة في الكفن ، جعل ثلاث لفائف على حسب ما كان يلبس في حياته ، وإن قال أحدهم : يكفن من ماله ، وقال الآخر : من مال السبيل ، كفن من ماله لئلا يتعير بذلك . ويستحب تجمير الكفن ثلاثاً ، لأن جابراً روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا جمرتم الميت فجمروه ثلاثاً .
فصل :
وتكفن المرأة في خمسة أثواب ، مئزر تؤزر به ، وقميص تلبسه بعده ، ثم تخمر بمقنعة ، ثم تلف بلفافتين ، لما روى أبو داود عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت : كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها ، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقي، ثم الدرع ، ثم الخمار ، ثم الملحفة ، ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر . ولأن المرأة تزيد في حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته ، فكذلك في موتها ، وتلبس المخيط في إحرامها فتلبسه في مماتها .
فصل :
فإن لم يجد إلا ثوباً لا يستر جميعه ، غطي رأسه ، وترك على رجليه حشيش ، لما روى خباب أن مصعب ابن عمير ، قتل يوم أحد ولم يكن له إلا نمرة ، إذا غطي رأسه ، بدت رجلاه ، وإذا غطي رجلاه بدا رأسه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : غطوا بها رأسه ، واجعلوا على رجليه الإذخر متفق عليه . فإن كان أضيق من ذلك ستر به عورته ، وغطي سائره بحشيش أو ورق ، فإن كثر الموتى وقلت الأكفان كفن الاثنان والثلاثة في الكفن الواحد ، لما روى أنس قال : كثرت القتلى وقلت الأكفان يوم أحد ، فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ، ثم يدفنوا في قبر واحد . وهو حديث حسن .
فصل :
فإن خرج منه شيء يسير وهو في أكفانه ، لم يعد إلى الغسل وحمل ، لأن في إعادته مشقة ، ولا يؤمن مثله ثانياً وثالثاً . وإن ظهر منه كثير فالظاهر عنه أنه يحمل أيضاً لمشقة إعادته .
وعنه : أنه يعاد غسله ، ويطهر كفنه ، لأنه يؤمن مثله في الثاني للتحفظ بالتلجم والشد .
فصل :
وإذا مات المحرم ، لم يقرب طيباً ، ولا يخمر رأسه ، لأن حكم إحرامه باق فيجنب ما يتجنبه المحرمون ، لما روى ابن عباس قال : بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تحنطوه ، ولا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً متفق عليه .
وعنه : لا يغطى رأسه ولا رجلاه ، والظاهر عنه ، جواز تغطيتهما ، لأنه لم يذكرهما في حديث ابن عباس ، ولأن الحي لا يمنع من تغطيتهما ، فالميت أولى ، ولا يلبس قميصاً إن كان رجلاً ، لأنه ممنوع من لبس المخيط ، وإن كان امرأة جاز ذلك ، لأنها لا تمنع من لبس المخيط ، وجاز تخمير رأسها لأنها لا تمنع ذلك في حياتها . وإن ماتت معتدة بطل حكم عدتها ، وفعل بها ما يفعل بغيرها ، لأن اجتناب الطيب في الحياة إنما كان لئلا يدعو إلى نكاحها ، وقد أمن ذلك بموتها .
باب الصلاة على الميت
وهي فرض على الكفاية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صلوا على من قال لا إله إلا الله ويكفي واحد لأنها صلاة ليس من شرطها الجماعة ، فلم يشترط لها العدد كالظهر ، ويجوز في المسجد لأن عائشة قالت : (( ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد )) رواه مسلم . وصلي على أبي بكر وعمر في المسجد . وتجوز في المقبرة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر في المقبرة ، ويجوز فعلها فرادى ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه فرادى ، والسنة فعلها في جماعة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بأصحابه ، ويستحب أن يصف ثلاثة صفوف لما روى مالك بن هبيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاث صفوف من المسلمين إلا أوجب وهذا حديث حسن . وإن اجتمع نساء فصلين عليه جماعة ، أو فرادى فلا بأس ، لأن عائشة رضي الله عنها صلت على سعد بن أبي وقاص .
فصل :
وأولى الناس بالصلاة عليه من أوصى إليه بذلك ، لإجماع الصحابة على الوصية بها فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر ، وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب ، وابن مسعود أوصى بذلك الزبير ، وأبا بكرة أوصى به أبا برزة ، وأم سلمة أوصت به سعيد ابن زيد ، وعائشة أوصت إلى أبي هريرة ، وأوصى أبو سريحة إلى زيد بن أرقم ، فجاء عمرو بن حريث وهو أمير الكوفة ليتقدم ، فقال ابنه : أيها الأمير إن أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم فقدم زيداً . ولأنها حق للميت ، فقدم وصيه بها كتفريق ثلثه . ثم الأمير ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه
وقال أبو حازم : شهدت حسيناً عليه السلام حين مات الحسن وهو يدفع في قفا سعد بن العاص ويقول : تقدم ، لولا السنة ما قدمتك . وسعيد أمير المدينة ، لأنها إمامة في صلاة فأشبه سائر الصلوات . ثم الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل ، ثم أقرب العصبة ، ثم الرجال من ذوي أرحامه ، ثم الأجانب . وفي تقديم الزوج على العصبة روايتان :
أشهرهما : تقديم العصبة ، لأن عمر رضي الله عنه قال لقرابة امرأته : أنتم أحق بها ، ولأن النكاح يزول بالموت والقرابة باقية .
والثانية : الزوج أحق بها ، لأن أبا بكرة صلى على امرأته دون إخوتها ، ولأنه أحق منهم بغسلها فإن استووا فأولاهم أولاهم بالإمامة في المكتوبات ، للخبر فيه ، والحر أولى من العبد القريب ، لعدم ولايته ، فإن استووا وتشاحوا أقرع بينهم .
فصل :
ومن شرطها الطهارة والاستقبال والنية ، لأنها من الصلوات فأشبهت سائرهن ، والسنة أن يقوم الإمام حذاء رأس الرجل ووسط المرأة ، لما روي أن أنساً صلى على رجل ، فقام عند رأسه ، ثم صلى على امرأة فقام حيال وسط السرير ، فقال له العلاء بن زياد : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المرأة مقامك منها ، ومن الرجل مقامك منه ؟ قال : نعم . وهذا حديث حسن .
ويجوز أن يصلي على جماعة دفعة واحدة ، ويقدم إلى الإمام أفضلهم ، ويسوى بين رؤوسهم ، فإن اجتمع رجال وصبيان و خناثى ونساء . قدم الرجال وإن كانوا عبيداً ، ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء ، لما روى عمار مولى الحارث بن نوفل قال : شهدت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ، ووضعت المرأة وراءه فصلي عليهما ، وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة ، فسألتهم ، فقالوا : السنة . رواه أبو داود . ولأنهم هكذا يصفون في صلاتهم ، وقال الخرقي : يقدم النساء على الصبيان لحاجتهن للشفاعة ، ويسوى بين رؤوسهم ، لأن ابن عمر كان يسوي بين رؤوسهم ، وعن أحمد ما يدل أنه يجعل صدر الرجل حذاء وسط المرأة ، واختاره أبو الخطاب ليقف كل واحد منهما موقفه .
فصل :
وأركان صلاة الجنازة ستة :
أحدها : القيام : لأنها صلاة مكتوبة فوجب القيام بها كالظهر .
الثاني : أربع تكبيرات ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعاً . متفق عليه .
الثالث : أن يقرأ في التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن ، وقال : إنه من السنة ، أو من تمام السنة ، حديث صحيح ، رواه البخاري . ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة كالظهر .
والرابع : أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية ، لما روى أبو أمامة بن سهل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ، ويقرأ في نفسه ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخلص الدعاء للجنازة ولا يقرأ في شيء منهن ، ثم يسلم سراً في نفسه . رواه الشافعي في مسنده . وليس في الصلاة عليه شيء مؤقت ، وإن صلى كما يصلى عليه في التشهد فحسن .
الخامس : أن يدعو للميت في الثالثة لذلك ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء رواه أبو داود . ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به ، وما دعا به أجزأه .
السادس : التسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : تحليلها التسليم .
فصل :
وسننها سبع :
أولها : رفع اليدين مع كل تكبيرة ، لأن عمر كان يرفع يديه في تكبير الجنازة والعيد ، لأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود ، فسن فيها الرفع كتكبيرة الإحرام .
والثاني : الاستعاذة قبل القراءة ، لقول الله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم .
الثالث : الإسرار بالقراءة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بها .
الرابع : أن يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين بدعاء النبي (ص) . وهو ما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال : كان رسول الله (ص) إذا صلى على الجنازة قال : اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا ، و غائبنا وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا و أنثانا حديث صحيح .
وعن أبي هريرة عن النبي (ص) نحوه . وزاد : اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام ومن توفيته فتوفه على الإيمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده وفي آخر : اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضتها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها ، جئناك شفعاء فاغفر له رواه أبو داود . وعن عوف بن مالك قال : صلى النبي (ص) على جنازة فحفظت دعائه : الله اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه ، وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه ، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت . رواه مسلم . وإن كان طفلاً جعل مكان الاستغفار له : اللهم اجعله لوالديه ذخراً وفرطاً و سلفاً وأجراً ، اللهم ثقل به موازينهما ، وأعظم به أجورهما ، وألحقه بصالح سلف المؤمنين ، واجعله في كفالة إبراهيم ، وقه برحمتك عذاب الجحيم وإن لم يعلم شراً من العبد قال : اللهم لا نعلم إلا خيراً
الخامس : أن يقف بعد الرابعة قليلاً ، وهل يسن فيها ذكر على روايتين .
السادس : أن يضع يمينه على شماله ، لما روي أن النبي (ص) صلى على جنازة فوضع يمينه على شماله .
السابع : الالتفات على يمينه في التسليمة .
فصل :
ولا يسن الاستفتاح ، لأن مبناها على التخفيف ، ولا قراءة شيء بعد الفاتحة لذلك .
وعنه : يسن الاستفتاح ولا يسن تسليمه ثانية ، لأن عطاء بن السائب روى أن النبي (ص) سلم على الجنازة تسليمة واحدة . رواه الجوزجاني ولأنه إجماع . قال أحمد : التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن ستة من أصحاب النبي (ص) وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم . ولا تسن الزيادة على أربع تكبيرات ، لأنها المشهورة عن النبي (ص) . وجمع عمر الناس على أربع تكبيرات ، وقال : هو أطول الصلاة . فإن كبر خمساً جاز وتبعه المأموم ، لأن زيد بن أرقم كبر على جنازة خمساً وقال : كان النبي (ص) يكبرها . رواه مسلم .
وعنه لا يتابع فيها ، اختاره ابن عقيل لأنها زيادة غير مسنونة . وإن كبر ستاً أو سبعاً ففيه روايتان :
إحداهما : يجوز ويتابعه المأموم فيها ، لأنه يروى عن النبي (ص) أنه كبر سبعاً وكبر على أبو قتادة سبعاً .
والثانية : لا يجوز ، ولا يتبعه المأموم فيها ، لأن المشهور عن النبي (ص) وأصحابه خلافها، لمن لا يسلم قبله وينتظره حتى يسلم معه ، لأنها زيادة قول مختلف فيها ، لأنه لا يجز له مفارقة إمامه إذا اشتغل به ، كالقنوت في الصبح ، وإن زاد على سبع لم يتابعه ، ولم يسلم قبله قال أحمد : وينبغي أن يسبح به .
فصل :
وإن كبر على جنازة فجيء بأخرى كبر الثانية عليهما ، ثم إن جيء بثالثة كبر الثالثة عليهن ، ثم إن جيء برابعة كبر الرابعة عليهن ، ثم يتمم سبع تكبيرات ليحصل للرابعة أربع تكبيرات ، فإن جيء بأخرى لم يكبر عليها لئلا يفضي إلى زيادة التكبير على سبع ، أو نقصان الخامسة من أربع ، وكلاهما غير جائز . وإن أراد أهل الأولى رفعها قبل سلام الإمام لم يجز ، لأن السلام ركن لم يأت به . ويقرأ في التكبيرة الرابعة الفاتحة . وفي الخامسة يصلي على النبي (ص) ، ويدعو لهم في السادسة لتكمل الأركان لجميع الجنائز .
فصل :
ومن سبق ببعض الصلاة فأدرك الإمام بين تكبيرتين دخل معه ، كما يدخل في سائر الصلوات .
وعنه : أنه ينتظر تكبير الإمام فيكبر معه ، لأن كل تكبيرة كركعة فلا يشتغل بقضائها فإذا سلم الإمام قضى ما فاته ، لقول النبي (ص) : وما فاتكم فاقضوا . قال الخرقي : يقضيه متتابعاً . فإن سلم ولم يقضه فلا بأس ، لأن ابن عمر رضي الله عنه قال : لا يقضي ، ولأنها تكبيرات متوالية حال القيام فلم يجب قضاء ما فات منها ، كتكبيرات العيد .
وقال القاضي و أبو الخطاب : يقضيه على صفته ، إلا أن ترفع الجنازة فيقضيه متوالياً لعدم من يدعى له ، فإن سلم ولم يقضه فحكى أبو الخطاب عنه رواية أنها لا تصح قياساً على سائر الصلوات .
فصل :
وإذا صلي عليه بودر إلى دفنه ولم ينتظر حضور أحد إلا الوالي ، فإنه ينتظر ما لم يخش عليه التغيير فإن حضر من لم يصل عليه صلى عليه جماعة وفرادى . قال أحمد رضي الله عنه : ولا بأس بذلك ، قد فعله عدة من أصحاب النبي (ص) ومن صلى مرة لم يستحب له إعادتها ، لأنها نافلة ، وصلاة الجنازة لا يتنفل بها ، ومن فاتته الصلاة عليه حتى دفن صلى على قبره ، لما روى ابن عباس أنه مر مع النبي (ص) على قبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه . متفق عليه . ولا يصلى على القبر بعد شهر إلا بقليل ، لأن أكثر ما نقل عن النبي (ص) أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعدما دفنت بشهر . رواه الترمذي . ولأنه لا يعلم بقاؤه أكثر من شهر فتقيد به .
فصل :
وتجوز الصلاة على الغائب .
وعنه : لا تجوز ، لأن حضوره شرط ، بدليل ما لو كانا في بلد واحد ، والأول المذهب ، لما روى أبو هريرة أن النبي (ص) نعى النجاشي اليوم الذي مات فيه ، فصف بهم في المصلى وكبر بهم أربعاً . متفق عليه . فإن كان الميت من أحد جانبي البلد لم يصل عليه في الجانب الآخر ، لأنه يمكن حضوره ، فأشبه ما لو كانا من جانب واحد ، وقال ابن حامد : يجوز قياساً على البعيد ، و تتوقت الصلاة على الغائب بشهر ، لأنه لا يعلم بقاؤه أكثر منه ، فأشبه من في القبر .
فصل :
ويصلي على كل مسلم لما تقدم ، إلا شهيد المعترك ، وإن لم يوجد إلا بعض الميت غسل وصلي عليه .
وعنه : لا يصلى عليه كما لا يصلى على يد الحي إذا قطعت ، والمذهب الأول ، لأن عمر رضي الله عنه صلى على عظام بالشام ، وصلى أبو عبيدة على رؤوس . ولا يصلي الإمام على الغال ولا قاتل نفسه ، لما روى جابر بن سمرة قال : أتى النبي (ص) برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه . رواه مسلم . وعن زيد بن خالد قال : توفي رجل من جهينة يوم خيبر ، فذكر لرسول الله (ص) فقال : صلوا على صاحبكم ، إن صاحبكم غل من الغنيمة احتج به أحمد . ويصلى على سائر الناس ، لقول النبي (ص) : صلوا على صاحبكم .
قال الخلال : الإمام ههنا أمير المؤمنين وحده ، وعن أحمد رضي الله عنه أن إمام كل قرية واليهم . وأنكر هذا الخلال وخطأ ناقله .
فصل :
ولا تجوز الصلاة على كافر ، لقول الله تعالى : ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره ، وقال الله تعالى : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربى . ومن حكمنا بكفره من أهل البدع لم يصل عليه ، قال أحمد : لا أشهد الجهمي ولا الرافضي ، ويشهدهما من أحب .
باب حمل الجنازة والدفن
وهما فرض على الكفاية ، لأن في تركهما هتكاً لحرمتها ، وأذى للناس بها ، وأولى الناس بذلك أولاهم بغسله ، وأولى الناس إدخال المرأة قبرها محارمها الأقرب فالأقرب . وفي تقديم الزوج عليهم وجهان . بناء على ما مر في الصلاة ، فإن لم يكن فالمشايخ من أهل الدين .
وعنه : النساء بعد المحارم ، اختاره الخرقي ، والأول أولى ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة فنزل على قبر ابنته دون النساء . رواه البخاري . ورأى النبي صلى الله عليه وسلم نساء في جنازة فقال : أتدلين فيمن يدلي ؟ قلن : لا ، قال : فارجعن مأزورات غير مأجورات أخرجه ابن ماجه . ولأن الدفن يحتاج إلى قوة وبطش ، ويحضره الرجال فتولي المرأة له ، تعريض لها للهتك .
والتربيع في حمل الجنازة مسنون ، لما روي عن ابن مسعود أنه قال : إذا اتبع أحدكم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربع ، ثم ليتطوع بعد أو ليذر ، فإنه من السنة . رواه سعيد بن منصور . وصفته أنه يبدأ فيضع قائمة السرير اليسرى على كتفه اليمنى من عند رأس الميت ، ثم من عند رجليه ، ثم يضع قائمة السرير اليمنى على كتفه اليسرى من كتفه اليمنى من عند رأسه ، ثم من عند رجليه .
وعنه : أن يدور فيأخذ بعد ياسرة المؤخرة ، يامنة المؤخرة ، ثم المقدمة وإن حمل بين العمودين فحسن . روي عن سعد بن مالك وأبي هريرة وابن عمر وابن الزبير أنهم حملوا بين عمودي السرير . والسنة الإسراع في المشي بها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : أسرعوا بالجنازة ، فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه ، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم متفق عليه . ولا يفرط بالإسراع فيمخضها ويؤذي متبعها .
فصل :
واتباع الجنازة سنة ، وهو على ثلاثة أضرب :
أحدها : أن يصلي وينصرف .
والثاني : أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن ، لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من شهد جنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل : وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين متفق عليه .
الثالث : أن يقف بعد الدفن يستغفر له ، ويسأل الله له التثبيت . كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دفن ميتاً وقف وقال : استغفروا له واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل رواه أبو داود . والمشي أمامها أفضل ، لما روى ابن عمر قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما يمشون أمام الجنازة . رواه أبو داود . ولأنهم شفعاء لها ، والشافع يتقدم المشفوع . وحيث مشى قريباً منها فحسن . وإن كان راكباً فالسنة أن يكون خلفها ، لما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها حديث صحيح . ويكره الركوب لمشيعها إلا من حاجة ، لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ركب في جنازة ولا عيد ، ولا بأس بالركوب في الانصراف لما روى جابر بن سمرة : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ماشياً ، ورجع على فرس )) حديث حسن ، رواه الترمذي ورواه مسلم .
فصل :
وإذا سبقها فجلس لم يقم عند مجيئها ، وإن مرت به جنازة لم يستحب له القيام .
وعنه : يستحب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه رواه مسلم . والأول أولى ، لقول علي رضي الله عنه : قام رسو الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد ، ورواه مسلم . وهذا ناسخ للأول ، فأما من مع الجنازة فيكره أن يجلس حتى توضع عن الأعناق ، لما روى أبو سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تبع جنازة فلا يجلس حتى توضع رواه البخاري و مسلم . وفي لفظ : حتى توضع في الأرض رواه أبو داود .
ويكره اتباع النساء الجنائز لما روت أم عطية قالت : نهينا عن اتباع الجنائز . متفق عليه . ويكره أن تتبع بنار أو صوت ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تتبع الجنازة بصوت أو نار رواه أبو داود .
فصل : ويجوز الدفن في البيت ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم و أبا بكر وعمر دفنوا في بيت . والدفن في الصحراء أفضل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع وإنما دفن في البيت كراهة أن يتخذ قبره مسجداً ولولا ذلك لأبرز قبره ، كذلك قالت عائشة رضي الله عنها . متفق عليه . ويدفن الشهيد في مصرعه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشهداء أحد أن يردوا إلى مصارعهم رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجه و الترمذي وقال : صحيح وكان بعضهم قد حمل إلى المدينة .
وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة مكروه ، لأنه أذى للأحياء والميت لغير فائدة .
وإن تنازع وارثان في الدفن في مقبرة المسلمين أو البيت دفن في المقبرة لأن له في البيت حقاً فلا يجوز إسقاطه ، ويستحب الدفن في المقبرة التي فيها الصالحون لينتفع بمجاورتهم . وجمع الأقارب في الدفن حسن ، لتسهل زيارتهم والترحم عليهم ، وقد روي أن النبي (ص) ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال : أعلم قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي رواه أبو داود .
وإن تشاح اثنان في مقبرة مسبلة قدم السابق ، لقول النبي (ص) : من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به . وإن استويا في السبق أقرع بينهما . ولا يدفن ميت في موضع فيه ميت حتى يبلى الأول ، ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الأرض .
فصل :
ويستحب تعميق القبر وتوسيعه وتحسينه، لأن النبي (ص) قال: احفروا وأوسعوا وأعمقوا رواه أبو داود ، قال أحمد يعمق إلى الصدر ، لأن الحسن وابن سيرين كانا يستحبان ذلك ، ولأن في تعميقه أكثر من ذلك مشقة ، وقال أبو الخطاب : يعمق قدر قامة وبسطة والسنة أن يلحد له ، لقول سعد بن مالك : الحدوا لي لحداً ، وانصبوا علي اللبن نصباً ، كما صنع برسول الله (ص) . رواه مسلم .
قال أحمد رضي الله عنه : ولا أحب الشق ، لقول النبي (ص) : اللحد لنا والشق لغيرنا رواه أبو داود . ومعنى الشق أنه إذا وصل إلى الأرض شق في وسطه شقاً نازلاً ، فإن كانت الأرض رخوة لا يثبت فيها اللحد شق فيها للحاجة .
فصل :
ولا يدفن في القبر اثنان ، لأن النبي (ص) كان يدفن كل ميت في قبره ، فإن دعت الحاجة إليه جاز ، لأن النبي (ص) لما كثر القتلى يوم أحد ، كان يجمع بين الرجلين في القبر الواحد ، ويسأل أيهم أكثر أخذاً للقرآن ؟ فيقدمه في اللحد . حديث صحيح . ويقدم أفضلهم إلى القبلة للخبر ، ويجعل بين كل اثنين حاجزاً من تراب ، ليصير كل واحد منفرداً كأنه في قبر منفرد ، وإن دفن رجل وصبي وامرأة في قبر واحد جعل الرجل في القبلة ، والصبي خلفه ، والمرأة خلفهما ، وقال الخرقي : تقدم المرأة على الصبي ، وقال أحمد : وإن حفروا شبه النهر رأس هذا عند رجل هذا جاز ، ويجعل بينهما حاجز لا يلصق أحدهما بصاحبه ، فإن مات له أقارب بدأ بمن يخاف تغيره ، فإن استووا بدأ بأقربهم إليه على ترتيب النفقات ، فإن استووا قدم أسنهم و أفضلهم .
فصل :
ولا توقيت في عدد من يدخل القبر ، إنما هو بحسب الحاجة إليه ، نص عليه .
ويسل الميت من قبل رأسه ، وهو أن يجعل رأسه عند رجلي القبر ، ثم يسل سلاً ، لأن النبي (ص) سل من قبل رأسه ، وإن كان الأسهل غير ذلك فعل الأسهل ويقول الذي يدخله ، بسم الله ، وعلى ملة رسول الله (ص) ، لما روى ابن عمر أن النبي (ص) كان يقول إذا أدخل الميت القبر من المسند ، ويضعه في اللحد على جانبه الأيمن ، مستقبل القبلة ، لقول النبي (ص) : إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه ويتوسد رأسه بلبنة أو نحوها كالحي إذا نام ويجعل خلفه تراب يسنده لئلا يستلقي على قفاه ، وإن وطأ تحته بقطيفة فلا بأس ، لأن النبي (ص) ترك تحته قطيفة كان يفترشها ، وينصب عليه اللبن نصباً لحديث سعد ، وإن جعل عليه : طن قصب جاز ، لما روى عمر بن شرحبيل أنه قال : إني رأيت المهاجرين يستحبون ذلك .
ويكره الدفن في التابوت ، وأن يدخل القبر آجراً أو خشباً أو شيئاً مسته النار ، لأن إبراهيم قال : كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر ، ولأنه آلة بناء المترفين ، وسائر ما مسته النار يكره للتفاؤل بها .
فصل :
ولا يخمر قبر الرجل ، لما روي عن علي رضي الله عنه ، أنه مر بقوم وقد دفنوا ميتاً وبسطوا على قبره الثوب ، فجذبه وقال : إنما يصنع هذا بالنساء ، ويستحب ذلك للنساء للخبر ولئلا ينكشف منها شيء فيراه الحاضرون .
فصل :
ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر ، لما روى الساجي أن النبي (ص) رفع قبره عن الأرض قدر شبر ، ولأنه يعلم أنه قبر فيتوقى ، ويترحم عليه ، ولا يزاد عليه من غير ترابه، لقول عقبة بن عامر : لا تجعلوا على القبر من التراب أكثر مما خرج منه . رواه أحمد . ويستحب أن يرش عليه الماء ليتلبد ، وروى أبو رافع أن رسول الله (ص) سل سعداً ورش على قبره الماء . رواه ابن ماجه . و تسنيمه أفضل من تسطيحه . لما روى البخاري عن سفيان التمار : أنه رأى قبر النبي (ص) مسنماً ، ولأن السطح يشبه أبنية أهل الدنيا . ولا بأس بتعليمه بصخرة ونحوها لما ذكرنا من حديث عثمان بن مظعون ، ولأنه يعرف قبره فيكثر الترحم عليه .
فصل :
ويكره البناء على القبر ، و تجصيصه والكتابة عليه ، لقول جابر ، نهى رسول الله (ص) أن يجصص القبر ، وأن يبنى عليه ، وأن يقعد عليه . رواه مسلم . زاد الترمذي : وأن يكتب عليها . وقال : حديث صحيح ، ولأنه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت إليه ، ولا يجوز أن يبنى عليه مسجد ، لقول النبي (ص) : لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد يحذر مثل ما صنعوا . متفق عليه . ويكره الجلوس عليه ، والاتكاء إليه ، والاستناد إليه ، لحديث جابر . ويكره المشي عليه ، لما روى عقبة بن عامر قال : قال النبي (ص) : لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي أن أطأ على قبر مسلم ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق . رواه ابن ماجه . فإن لم يكن طريق إلى قبر من يزوره إلا بالوطء جاز لأنه موضع حاجة .
فصل :
ولا يجوز الدفن في الساعات المذكورة في حديث عقبة عن النبي (ص) أنه قال : ثلاث ساعات كان رسول الله (ص) ينهانا أن نصلي فيهن ، وأن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب . رواه مسلم . ويجوز الدفن في سائر الأوقات ليلاً ونهاراً ، لأن النبي (ص) دفن ليلاً ، ودفن ذا البجادين ليلاً . والدفن في النهار أولى ، لأنه روي عن النبي (ص) أنه زجر عن الدفن ليلاً . رواه مسلم . ولأن النهار أمكن وأسهل على مشيعيها ، وأكثر لمتبعيها .
فصل :
وإذا ماتت ذمية حامل من مسلم لم تفن في مقبرة المسلمين لكفرها ، ولا تدفن في مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم ، وتدفن مفردة ، ظهرها إلى القبلة لأن وجه الجنين إلى ظهرها . وإن ماتت امرأة حامل ، وولدها يتحرك ، ورجيت حياته ، سطت عليه القوابل فأخرجنه ، ولا يشق بطنها ، لأن فيه هتكاً لحرمته متيقنة ، لإبقاء حياة موهومة بعيدة ، فإن لم يخرج تركت حتى يموت ، ثم تدفن ، ويحتمل أن يشق بطنها إن غلب على الظن أنه يحيا لأن حفظ حرمة الحي أولى . وإن بلع الميت جوهرة لغيره شق بطنه . وأخذت ، لأن فيه تخليصاً له من مأثمها ، ورداً لها إلى مالكها ، ويحتمل أن يغرم قيمتها من تركته ، ولا يتعرض له صيانة عن المثلة به ، فإن لم يكن له تركة تعين شقه ، فإن كانت الجوهرة له ففيه وجهان :
أحدهما : يشق بطنها لأنها للوارث فهي كجوهرة الأجنبي .
والثاني : لا يشق ، لأنه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها حق الوارث . وإن بلع مالاً يسيراً لم يشق بطنه ، ويغرم القيمة من تركته . وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخذ ، لأنه يمكن رده إلى صاحبه بغير ضرورة فوجب . وإن دفن الميت بغير غسل ، أو إلى غير القبلة نبش ، وغسل ووجه ، لأن هذا مقدور على فعله فوجب ، إلا أن يخاف عليه الفساد فلا ينبش ، لأنه تعذر فسقط كما يسقط وضوء الحي لتعذره . وإن دفن قبل الصلاة عليه احتمل أن يكون حكمه كذلك ، لأنه واجب فهو كغسله ، واحتمل أن يصلي على القبر ولا تهتك حرمته لأنه عذر .
فصل :
سئل أحمد رضي الله عنه عن تلقين الميت في قبره فقال : ما رأيت أحداً يفعله ،إلا أهل الشام . قال : وكان أبو مغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلون . وقال القاضي و أبو الخطاب : يستحب ذلك ، ورويا فيه حديث عن أبي أمامة أن النبي (ص) قال : إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحد عند رأس قبره ، ثم ليقل : يا فلان بن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب ، ثم ليقل : يا فلان ابن فلانة ، الثانية ، فيستوي قاعداً ، ثم ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنه يقول : أرشدنا يرحمك الله ، ولكن لا تسمعونه فيقول : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنك رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد (ص) نبياً ، وبالقرآن إماماً ، فإن منكراً و نكير يتأخر كل واحد منهما ، فيقول : انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون عند الله حجيجه دونهما فقال الرجل : يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه ؟ قال : فلينسبه إلى حواء رواه الطبراني في معجمه بمعناه .
باب التعزية والبكاء على الميت
التعزية سنة لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من عزى مصاباً فله مثل أجره وهو حديث غريب . وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده لعموم الخبر . ويكره الجلوس لها ، لأنه محدث ، ويقول في تعزية المسلم بالمسلم : أعظم الله أجرك ، وأحسن عزاءك ، ورحم ميتك ، وفي تعزيته بكافر : أعظم الله أجرك ، وأحسن عزاءك ، وتوقف أحمد رضي الله عنه عن تعزية أهل الذمة ، وهي تخرج على عيادتهم ، وفيها روايتان :
إحداهما : يعودهم ، لأنه روي أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه ، فقال له : أسلم فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له ، أطع أبا القاسم ، فأسلم ، فقام النبيصلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار رواه البخاري .
والثانية : لا يجوز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تبدؤوهم بالسلام فإن قلنا : نعزيهم فإن تعزيتهم عن مسلم : أحسن الله عزاءك ، وغفر لميتك ، وعن كافر : أخلف الله عليك ، ولا نقص عددك .
فصل :
والبكاء غير مكروه إذا لم يكن مع ندب ولا نياحة ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد بن عبادة ، فوجده في غاشية ، فبكى وبكى أصحابه وقال : ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ، ولا يحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا ، وأشار إلى لسانه أو يرحم متفق عليه . ولا يجوز لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والدعاء بدعوى الجاهلية ، لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية
وعن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة و الحالقة و الشاقة متفق عليهما . ويكره الندب والنوح . ونقل حرب عن أحمد كلاماً يحتمل إباحتهما ، واختاره الخلال وصاحبه ، لأن واثلة و أبا وائل كانا يستمعا النوح ويبكيان وظاهر الأخبار ، التحريم .
قال أحمد في قوله تعالى : ولا يعصينك في معروف . هو النوح ، فسماه معصية . وقالت أم عطية : أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوح . متفق عليه .
وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى وبالصبر والصلاة ، ويسترجع ، ولا يقول إلا خيراً ، لقول الله تعالى : استعينوا بالصبر والصلاة الآيات . وقالت أم سلمة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من عبد مسلم تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله و إنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي ، وأخلف لي خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته ، وأخلف له خير منها . قالت : فلما توفي أبو سلمة قلتها . فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم . وقال : لما مات أبو سلمة : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون . رواه مسلم .
فصل :
ويستحب لأقرباء الميت وجيرانه إصلاح طعام لأهله ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر قال : اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنهم قد أتاهم أمر شغلهم رواه أبو داود .
فأما صنيع أهل الميت الطعام للناس فمكروه ، لأن فيه زيادة على مصيبتهم ، وشغلاً لهم إلى شغلهم .
فصل :
ويستحب للرجال زيارة القبور ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها إنها تذكركم الموت رواه مسلم . وإن مر بها أو زارها قال ما روى مسلم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر ، فكان قائلهم يقول : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإن شاء الله بكم للاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية . و في حديث آخر : يرحم الله المستقدمين منا و المستأخرين وفي حديث آخر : اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنا بعدهم ، وإن زاد : اللهم اغفر لنا ولهم كان حسناً .
فأما النساء ففي كراهية زيارة القبور لهن روايتان :
إحداهما : لا يكره ، لعموم ما رويناه ، ولأن عائشة رضي الله عنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن .
والثانية : يكره ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله زوارات القبور وهذا حديث صحيح ، فلما زال التحريم بالنسخ ، بقيت الكراهية ، ولأن المرأة قليلة الصبر ، فلا يؤمن تهيج حزنها برؤية قبور الأحبة ، فيحملها على فعل ما لا يحل لها فعله ، بخلاف الرجل .
فصل :
ويستحب لم دخل المقابر خلع نعليه ، لما روى بشير بن الخصاصية قال : بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حانت منه نظرة ، فإذا رجل يمشي بالقبور عليه نعلان فقال : يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك فنظر الرجل ، فلما عرف رسول الله (ص) خلعهما فرمى بهما ، رواه أبو داود . فإن خاف الشوك إن خلع نعليه فلا بأس بلبسهما للحاجة ، ولا يدخل في هذا الخفاف ، لأن نزعها يشق ، وفي التمشكات ونحوها وجهان :
أحدهما : هي كالنعل لسهولة خلعها .
والثاني : لا يستحب ، لأن خلع النعلين تعبد فيقصر عليهما .
فصل :
وإن دعا إنسان لميت ، أو تصدق عنه ، أو قضى عنه ديناً واجباً عليه ، نفعه ذلك بلا خلاف لأن الله تعالى قال : والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان . وقال سعد بن عبادة للنبي (ص) ، أينفع أمي إذا تصدقت عنها ؟ قال : نعم متفق عليه . وإن فعل عبادة بدنية كالقراءة والصلاة والصوم ، وجعل ثوابها للميت نفعه أيضاً لأنه إحدى العبادات فأشبهت الواجبات ، ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ، ويقرؤون ويهدون لموتاهم ، ولم ينكره منكر ، فكان إجماعاً .