المجلد الثاني - كتاب العتق

وهو ‏:‏ قربة مندوب إليها ، بدليل ما روي أبو هريرة قال ‏:‏ رسول الله من أعتق رقبة مؤمنة ، أعتق الله بكل إرب منها ، إرباً منه من النار ، رواه مسلم ، حتى إنه يتعلق اليد باليد ، والرجل بالرجل ، والفرج بالفرج ‏.‏ والأفضل عتق من له قوة وكسب ، يسغني به ، فأما من لا كسب له ، فحكي عن أحمد أنه لا يستحب عتقه ، لأنه يتضرر بفوات نفقة الواجبة له ، وربما صار كلاً على الناس ‏.‏

فصل ‏:‏

ويحصل العتق بثلاثة ، القول ، والملك ، والاستيلاد ، ولا يحصل بالنية المجردة ، لأنه إزالة ملك ، فلم يحصل بمجرد النية ، كالطلاق ، وألفاظه ، تنقسم إلى صريح وكناية ، فالصريح ‏:‏ لفظ العتق ، والحرية ، وما تصرف منهما ، لأنه يثبت لهما عرف الشرع والاستعمال ،فكانا صريحين ، كلفظ الطلاق في الطلاق ، فإن أراد بهما غير العتق ، كرجل يقول لغلامه ‏:‏ هو حر ، يريد أنه عفيف كريم الأخلاق ، أو يغالبه فيقول ‏:‏ ما أنت إلا حر ، يريد أنك تمتنع من طاعتي امتناع الحر ، فقد قال أحمد في رواية حنبل ‏:‏ أرجو أن لا يعتق ، وأنا أهاب المسألة ، فظاهر هذا أنه لا يعتق ، لأنه نوى بلفظه ما يحتمله ، فانصرف إليه ‏.‏ كما لو نوى العتق بكنايته ‏.‏

والكانية ‏:‏ نحو قوله ‏:‏ قد خليتك ، واذهب حيث شئت ، والحق بأهلك ، وحبلك على غاربك ، ونحوه ‏.‏ فلا يعتق بذلك حتى ينويه ، لأنه يحتمل غير العتق ، فأشبه كناية الطلاق فيه ، وفي قوله ‏:‏ لاسبيل لي عليك ، ولا سلطان لي عليك وأنت سائبة ، وفككت رقبتك ، ولا رق لي عليه ، وأنت لله ، وأنت مولاي ، وملكتك نفسك ‏.‏ فيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ هو صريح في العتق ، لأنها تتضمن العتق ، وقد جاء في كتاب الله تعالى ‏:‏ ‏{‏فك رقبة‏}‏ ‏.‏ يعني ‏:‏ العتق ، فكانت صريحة ، كقوله ‏:‏ أعتقتك ‏.‏

والثانية ‏:‏ هو كناية ، لأنها تحتمل غير العتق ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ قوله ‏:‏ لا رق لي عليك ، ولا ملك لي عليك ، وأنت لله ، صريح ‏.‏ نص عليه أحمد ، في ‏:‏ أنت لله ، لأن معناه ‏:‏ أنت حر لله ‏.‏ واللفظان الأولان صريحان في نفي الملك ، والعتق من ضرورته ‏.‏ وفي قوله لأمته ‏:‏ أنت طالق ، أو أنت حرام علي ، روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ هو كناية ، تعتق به إذا نوى به العتق ، لأن الرق أحد الملكين في الآدمي ، فيزول بلفظ الطلاق ، كملك النكاح ، والحرية يحصل بها تحريمها عليه ، فجاز أن يكون كناية فيه ‏.‏

والثانية ‏:‏ ليس بكناية ، لأنه ملك لا يستدرك بالرجعة ، فلم يزل بالطلاق ، كملك المال ‏.‏ والتحريم صريح في الظهار ، فلم يكن كناية في العتق ، كقوله ‏:‏ أنت علي كظهر أمي ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يصح العتق إلا من جائز التصرف ، ولا يصح من صبي ، ولا مجنون ولا سفيه ، لأنه تبرع في الحياة ، فأشبه الهبة ‏.‏ ولا يصح عتق الموقوف ، لأنه فيه إبطالاً لحق البطن الثاني منه ، وليس له ذلك ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن كان العبد بين شريكين ، فأعتق أحدهما نصيبه وهو موسر ، عتق كله ، ووجب عليه قيمة نصيب شريكه ، لما روى ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ من أعتق شركاً له في عبد ، فإن كان له ما يبلغ مثن العبد ، قوم عليه قيمة العدل ، فأعطى شركاءه حصصهم ، وعتق العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق متفق عليه ‏.‏ وفي لفظ وكان ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل ، فهو عتيق ‏.‏ وفي لفظ فقد عتق كله ‏.‏

ويعتق كله ، حال إعتاق الشريك ، للخبر ، ولأنه سراية قول ، فنفذ في الحال ‏:‏ كطلاق بعض الزوجة ، فإن أعتقه الشريك ، عقيب عتق الأول ، وقبل أخذ القيمة ، لم يثبت له في عتق ، لأنه صار حراً بعتق الأول ‏.‏ ولو لم يؤد القيمة حتى أفلس ، كانت ديناً في ذمته ، وعتقه ماض ، ووقت التقويم ، وقت العتق ، لأنه وقت الإتلاف ، فأشبه الجناية ، فإن اختلفا في القيمة ، فالقول قول المعتق ، لأنه غارم ‏.‏وإن اختلفا في صناعة ، تزيد بها قيمته ، أو عيب تنقص به قيمته ، فالقول قول من ينفيه ، ، لأن الأصل عدمه ، وسواء كان المعتق مسلماً أو كافراً ، لأنه تقويم متلف ، فاستوى فيه المسلم والكافر ، كتقويم ، المتلفات ‏.‏ ويحتمل أن لا يسري كتق الكافر في المسلم ، لأنه لا يجوز أن يتملكه ‏.‏ وإن كان نصيب الشريك وقفاً ، لم يعتق ، لأن الوقف لا يعتق بالمباشرة ،فبالسراية أولى ‏.‏ وإن كان المعتق معسراً ، عتق نصيبه منه خاصة ، وباقيه على الرق ، للخبر ، ولأن سراية العتق ضرر بالشريك ، لتلف ماله بغير رضاه ، من غير عوض يجبره ‏.‏

وعنه ‏:‏ يستسعي العبد في قيمة باقيه ، ويعتق كله ‏.‏ لما روى أبو هريرة قال ‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ صلى الله عليه وسلم من أعتق شقصاً له في مملوكه ، فعليه أن يعتقه كله ، إن كان له مال ، وإلا استسعي العبد غير مشقوق عليه رواه أبو داود ‏.‏

والأول ‏:‏ أصح ، لأن خبر ابن عمر أصح ، ولأن الإحالة على السعاية ، إحالة على وهم ، وفيه ضرر بالعبد ، بإجباره على الكسب من غير اختياره ، فإن كان معه قيمة البعض ،عتق منه بقدره ، لأن ما وجب بالاستهلاك إذا عجز عن البعض ،وجب بقدر ما قدر عليه ، كقيمة المتلف ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن أعتق المعسر بعض عبده ، عتق كله ، لأنه موسر بما يسري إليه ، فأشبه ما لو أعتق بعض عبد، وهو موسر بقيمة باقيه ، فإن أعتق بعضه في مرض موته ، عتق منه ما يحتمله الثلث وإن زاد على قدر ما أعتق ، لأن عتق بعضه كعتق جميعه ،وإن احتمل الثلث جميعه ، عتق كله ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا ملك بعض عبد ، فأعتقه في مرض موته أو دبره ، فعتق بموته ، وكان ثلث ماله يفي بقيمة حصة شريكه ، أعطي وكان كله حراً في إحدى الروايتين ، لأن ثلثه له ، فكان موسراً به ، والأخرى ‏:‏ لا يعتق منه إلا ما ملك ، لأن حق الورثة تعلق بماله ، إلا ما استثناه من الثلث بتصرفه فيه ‏.‏ ذكرهما الخرقي ،و أبو الخطاب ‏.‏ قال الخرقي ‏:‏ وكذلك الحكم إذا دبر بعضه وهو مالك لكله ، لأن ملكه يزول عماً سوى المعتق ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ إن أعتقه في مرض موته وهو موسر ، عتق جميعه ، لأنه أعتقه وهو موسر بثمن جميعه ، فدخل في الخبر ، وإن دبره ، لم يعتق إلا ما ملك ، لأن ملكه زال بالموت ، إلا ما استثناه بوصيته ‏.‏ وصحح الرواية الأولى في العتق في المرض ‏.‏ والثانية في التدبير ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا كان العبد لثلاثه ، لأحدهم نصفه ، وللآخر ثلثه ، وللثالث سدسه، فأعتق ، صاحب النصف وصاحب السدس معاً ، وهما موسران ، عتق عليهما ، وضمنا حق شريكهما فيه بالسوية ، لأن التقويم المستحق بالسراية ، يسقط على عدد الرؤوس ، كما لو اشترك اثنان في جراحة رجل ، جرحه أحدهما جرحاً ، والآخر عشرة ، ويكون ولاؤه بينهما أثلاثاً ، لصاحبه النصف ثلثاه ، ولصاحب السدس ثلثه ، ويحتمل أن يقوم عليهما على قدر ملكيهما ، لأنه يستحق بالملك ، فكان على قدره ، كالشفعة ، فيكون ولاؤء بينهما أرباعاً ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا كان العبد لثلاثة ، فأعتقوه معاً ، أو وكل نفسان الثالث ،فأعتق حقهما مع حقه ، أو أعتقه كل واحد منهم وهو معسر ، عتق على كل واحد حقه منهم ، وولاؤه بينهم أثلاثاً ، وإن أعتقه الأول وهو معسر ، وأعتقه الثاني وهو موسر ، عتق عليه نصيبه ونصيب شريكه ، وكان ثلث ولائه للمعتق الأول ، وثلثاه للمعتق الثاني ‏.‏ وإن قال اثنان منهم للثالث ‏:‏ إذا أعتقت نصيبك فنصيبنا حر ، فأعتق نصيبه وهو معسر عتق كله عليه ، وقوم عليه نصيب شريكيه ، وولاؤه له دونهما ، ويحتمل أن يعتق نصيبهما عليهما ، لأن إعتاق نصيبهما يتعقب إعتاق نصيبه ، ولا تسبقه السراية ، وإن كان معسراً ، عتق عليه نصيبه خاصة ، وعتق نصيب صاحبيه بالشرط ، وولاؤه بينهم أثلاثاً ، سواء اتفقا في القول ، أو سبق به أحدهما ، لأن الوقوع بوجود الشرط ، وقد استويا فيه ، وإن قالا له ‏:‏ إذا أعتقت نصيبك ، فنصيبنا حر مع نصيبك ، فأعتق نصيبه ، عتق نصيب كل واحد على مالكه ، لأن عتقه وقع في حالة واحدة ‏.‏

فصل ‏:‏

فأما العتق بالملك ، فإن من ملك ذا رحم محرم ، عتق عليه بمجرد ملكه ، لما روى سمرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من ملك ذا رحم محرم ، فهو حر رواه أبو داود ولأنه ذو رحم محرم فعتق عليه إذا ملكه الولد ‏.‏

وعنه ‏:‏ لا يعتق عليه ، إلا عمودا النسب ، بناء على أن نفقة غيرهم لا تجب ‏.‏ وإن ملك بعض من يعتق عليه بسبب غير الميراث ، فهو كإعتاقه له في تقويم باقيه عليه مع اليسار ، وبقائه على الرق مع الإعسار ، لأنه عتق بسبب من جهته ، فأشبه إعتاقه بالقول ‏.‏ وإن ملكه بالإرث ، لم يعتق منه إلا ما ملك ، موسراً كان أو معسراً ، لأنه لا اختيار له في إعتاقه ، ولا سبب من جهته ‏.‏ ونقل عنه المروذي ‏:‏ ما يدل على أنه يعتق نصيب الشريك إذا كان موسراً ، لأنه ملك بعضه ، أشبه البيع ‏.‏ وإذا ملك ولده من الزنا ، لم يعتق عليه على ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه ، لأنه لا تجب عليه نفقته ، ويحتمل ويحتمل أن يعتق عليه ، لأنه ولد يحرم نكاحه ، فعتق ، كولد الرشيدة ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وهب لصبي من يعتق عليه ، أو وصي له به ، وكان بحيث لا يجب على الصبي نفقته لكون الصبي معسراً ، أو الموهوب صحيحاً كبيراً ‏.‏ إذا كسب وجب على الولي قبول الهبة والوصية ، لأن فيه فيه نفعاً للصبي ، وجمالاً بحرية قريبه من غير ضرر ‏.‏ وإن كان بحيث تلزمه نفقته ، لم يكن له قبوله ، لأن فيه ضرراً بإلزامه نفقته ‏.‏ وإن وهب له جزء ممن يعتق عليه ، وكان ممن لا تجب نفقته ، ففيه وجهان مبنيان على أنه ‏:‏ هل يقوم على الصبي باقيه ‏؟‏ فيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ لا يقوم عليه باقيه ، لأنه يدخل في ملكه بغير سبب من جهته ، أشبه الإرث ، فعلى هذا يلزم وليه قبوله ، لما فيه من النفع الخالي على الضرر ‏.‏

والثاني ‏:‏يقوم عليه ، لأن قبول وليه يقوم مقام قبوله ، كما لو قبل وكيل البالغ ، فعلى هذا لا يملك قبوله ‏.‏ فإن قبل في موضع لا يملك القبول ، لم يصح ، ولا يملك الولي شراء من يعتق على الصبي ، لأنه إذا لم يملك قبول الهبة التي لا عوض فيها ، فالبيع أولى ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا أعتق في مرضة عبيداً لا مال له غيرهم ، أو دبرهم ، أو أوصى بعتقهم ، أو دبر أحدهم وأوصى بعتق الباقين ،لم يعتق منهم إلا الثلث ، إلا أن يجيز الورثة ، فيقرع بينهم بسهم حرية ، وسهمي رق ، فمن خرج له سهم حرية ، عتق ، ورق الباقون ، لما روى عمران بن حصين ‏:‏ أن رجلاً من الأنصار أعتق سته مملوكين في مرضه لا مال له غيرهم ، فجزأهم رسول الله ثلاث أجزاء ، فاعتق اثنين ، وأرق أربعة ‏.‏ أخرجه مسلم ‏.‏

وإن كان عليه دين يستغرقهم ، لم يعتق منهم شيء ، لأن عتقهم وصية ، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أن الدين قبل الوصية ‏.‏وإن كان يستغرق بعضهم ، عتق من باقيه ثلثه ، فيقرع بينهم لإخراج الدين ، ثم يقرع بينهم لإخراج الحرية ، فإن كان الدين يستغرق نصفهم ، جزأناهم جزأين ، وأقرعنا بينهم بسهم دين ، وسهم تركة ، فمن خرج له سهم الدين ، بيع فيه ، ثم يقرع بين الباقين بسهم حرية ، وسهمي رق كما ذكرنا ‏.‏

فصل ‏:‏

ولو أعتقهم وثلثه يحتملهم ، فأعتقناهم ، ثم ظهر عليه دين يستغرقهم ، بعناهم فيه ، لما ذكرنا ‏.‏ فإن قال الورثة ‏:‏ نحن نقضي الدين ونجيز العتق ، احتمل أن لهم ذلك ، لأن المانع إنما هو الدين ، فإذا قضي ، زال المانع ، فثبت العتق ، واحتمل أنه ليس لهم ذلك ، لأن الغرماء تتعلق حقوقهم بالتركة ، فلم يملك الورثة إبطالهم بالقول ، لكن إذا قضوا الدين ، فلهم استئناف العتق ‏.‏ وإن أعتقنا بعضهم بالقرعة ، ثم ظهر عليه دين يستغرق بعضهم ، احتمل أن يبطل العتق في الجميع ، كما لو اقتسم الشركاء ، ثم ظهر لهم شريك ثالث ، واحتمل أن يبطل بقدر الدين ، لأن بطلانه لأجل الدين ، فيقدر بقدره ، ولو أعتقهم فأعتقنا منهم واحداً يعجز ثلثه عن أكثر منه ، ثم ظهر لهم مال يخرجون من ثلثه ، تبينا أن الباقين كانوا أحراراً من حين أعتقهم ، فيكون كسبهم لهم ، لأنهم يخرجون من الثلث ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن مات بعضهم ، أقرعنا بينهم ، فإن خرجت لميت حسبناه من التركة ، وقومناه حين العتق ، لأنه خرج بذلك من التركة ‏.‏ وإن خرجت لحي ، نظرنا في الميت ، فإن مات في حياة المعتق أو بعدها قبل قبض الوارث ، لم يحسب من التركة ، لأنه لم يصل إلى الوارث ، فيكون لتركة الحيين ، فيكمل ثلثهما ممن وقعت عليه القرعة ، وتعتبر قيمته حين إعتاقه ، لا حين إتلافه ‏.‏ وحكى أبو الخطاب عن أبي بكر ‏:‏ أن الميت يحسب من التركة ، ويعتق من تقع عليه القرعة إن خرج من الثلث ، لأننا حسبناه من التركة إذا وقعت القرعة له ، فكذلك إذا وقعت لغيره ‏.‏ فإن مات بعد قبض الوارث ، حسب من التركة ، لأنه وصل إليه ‏.‏

فصل

قال أحمد ‏:‏ بأي شيء خرجت القرعة ، وقع الحكم به ، سواء كانت رقاعاً أو خواتيم ، وذلك لأن الشرع ورد بالقرعة ،ولم يرد بكيفيتها، فوجب ردها إلى ما يقع عليه الاسم مما تعارفه الناس ، والأحوط أن تقطع رقاع متساوية يكتب في كل رقعة اسم ذي السهم ، ثم يجعل في بنادق طين ، أو شمع ،متساوية ، ثم يغطى بثوب ، ويقال لرجل ‏:‏ أدخل يدك ، فأخرج بندقة ، فيفضها ، ويعلم ما فيها ، فإن كان القصد عتق الثلث ، جزأ العبيد ثلاثة أجزاء ، فإن أمكن تجزئتهم بالعدد والقيمة ، كستة أعبد قيمتهم متساوية ، جعلنا كل اثنين جزءاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ‏.‏ وإن كانت قيمتهم مختلفة ، إلا أننا إذا ضممنا قليل القيمة إلى كثيرها ، صار أثلاثاً ، فعلنا ذلك ‏.‏ وإن أمكن تعديلهم بالقيمة دون العدد ، كستة قيمة أحدهم الثلث ، وقيمة اثنين الثلث ، وقيمة ثلاثة الثلث ، وجزأناهم بالقيمة ‏.‏ وإن لم يمكن تعديلهم بقيمة ولا عدد ، كثمانية أعبد قيمتهم مختلفة ، أو متساوية ، احتمل أن لا نجزئهم ،بل نخرج قرعة الحرية لواحد واحد ، حتى يستوفى الثلث ، واحتمل أن نقارب بينهم ، ونجزئهم ثلاثة أجزاء ، فنجعل ثلاثة جزءاً ، وثلاثة جزءاً ، واثنين جزءاً ، فإن خرجت القرعة على زائد على الثلث ، أقرعنا بين ما وقعت لهم القرعة ، فكملنا الحرية في بعضهم ، وتممنا الثلث من الباقين ‏.‏ وإن وقعت على ما دون الثلث ، عتقوا ، وأعدنا القرعة لتكميل الثلث من الباقين ‏.‏ وإن أعتق عبدين ، قيمة أحدهما مثلا قيمة الآخر ، أقرعنا بينها بسهم حرية ، وسهم رق ، فإن وقع سهم الحرية للأدنى عتق ، وإن وقع للأكثر ، عتق نصفه ‏.‏ فإن كانت قيمة أحدهما مائتين ، واللآخر ثلاثمائة ، جمعنا قيمتهما ، ثم أقرعنا بينهما ، فمن خرج له سهم الحرية ، ضربنا قيمته في ثلاثة ، ونسبنا قيمتها إلى المرتفع بالضرب ، فما خرج من النسبة ، عتق من العبد قدره ، فإذا وقعت على الذي قيمته مائتان ، ضربناه في ثلاثة ، صار ستمائة ، ونسبنا قيمتهما إلى ذلك ، نجدها خمسة أسداسه ، فيعتق منه خمسة أسداسه ، وإن وقعت على الآخر ، عتق منه خمسة أتساعه لذلك ، وهكذا نصنع في أمثال ذلك ‏.‏

فصل

إذا أعتق الأمة وهي حامل ، عتق جنينها ، لأنه يتبعها في البيع والهبة ، ففي العتق أولى ، فإن استثنى جنينها ، لم يعتق ، لما روي عن ابن عمر ‏:‏ أنه أعتق أمة واستثنى ما في بطنها ، ولأنها ذات حمل ، فصح استثناء حملها ، كما لو باع نخلة لم تؤبر ، واشترط ثمرتها ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ يخرج على الروايتين فيما إذا استثنى ذلك في البيع ، والمنصوص عن أحمد ما ذكرناه ‏.‏ وإن أعتق جنينها وحده ، لم تعتق هي ، لأنها ليست تابعة له ، فلا تعتق بعتقه ، كما لو أعتقه بعد الولادة ‏.‏

فصل

وإذا كان العبد بين شريكين ، فادعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق نصيبه ، لم يخل من أحوال ثلاثة ‏:‏

أحدهما ‏:‏ أن يكونا موسرين فيصير العبد حراً ، لاعتراف كل واحد منهما بحريته بإعتاق شريكه ،ويبقى كل واحد منهما يدعي على شريكه قيمة حقه منه ، فإن لم يكن بينة ، حلف كل واحد منهما لصاحبه وبرىء ‏.‏ وإن نكل أحدهما ، قضي عليه ‏.‏ وإن نكلا جميعاً ، تساقطا حقاهما ، ولا ولاء على العبد ، لأنه لا يدعيه أحد ‏.‏ فإن اعترف به أحدهما بعد ذلك ، ثبت له ، سواء كانا عدلين أو فاسقين ‏.‏

الحال الثاني ‏:‏ أن يكونا معسرين ، فلا يقبل قول كل واحد منهما على صاحبه ، لأنه لا اعتراف فيه بالحرية ، لعدم السراية في إعتاق المعسر ، فإن كانا فاسقين ، فلا عبرة بقولهما ‏.‏ وإن كانا عدلين ، فللعبد أن يحلف مع كل واحد منهما ، ويصير حراً ، أو يحلف مع أحدهما ويصير نصفه حراً ‏.‏ فإن كان أحدهما عدلاً ، والآخر فاسقاً ، فله أن يحلف مع العدل ‏.‏ هذا إذا قلنا ‏:‏ إن الحرية تثبت بشاهد ويمين ، ولا ولاء لواحد منهما أيضاً ، لأنه لا يدعيه ‏.‏

الحال الثالث ‏:‏ أن يكون أحدهما موسراً ، والآخر معسراً ، فيعتق نصيب المعسر وحده ، لاعترافه بحريته ، لأنه يعترف بعتق الموسر الذي يسري إلى نصيبه ، ويبقى نصيب الموسر رقيقاً ، لأنه إنما اعترف بإعتاق شريكه الذي لا يسري ، فلا يؤثر ‏.‏ فإن كان المعسر عدلاً ، فللعبد أن يحلف مع شهادته ، ويصير حراً إذا قلنا ‏:‏ إن الحرية تثبت بشهادة ويمين ‏.‏

فصل

وإن ادعى أحد الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه وهما موسران ، أو المدعى عليه موسر وحده ، عتق نصيب المدعي وحده ، لاعترافه بحريته ، وبقي نصيب المدعى عليه رقيقاً ‏.‏ وإن كانا معسرين ، أو المدعى عليه معسراً ، لم يعتق منه شيىء ‏.‏ فإن اشترى المدعي نصيب صاحبه ، عتق ولم يسر إلى نصيبه ، لأن عتقه باعترافه بحريته ، لا بإعتاقه ‏.‏

فصل

إذا ادعى العبد أن سيده أعتقه ، وأقام شاهداً ، حلف مع شاهده ، وصار حراً في إحدى الروايتين ، والأخرى ‏:‏ لا يثبت ذلك بشاهد ويمين ، لأنه ليس بمال ، ولا المقصود منه المال ، فأشبه الطلاق ‏.‏

فصل

إذا مات رجل وخلف ابنين وعبدين متساويي القيمة ، فاعترف كل واحد منهما بعتق أحد العبدين ، عتق من كل واحد ثلثه ، ولكل واحد من الابنين سدس العبد الذي اعترف بعتقه ، ونصف الآخر ، لأنه يزعم أن ثلثي العبد الذي اعترف بعتقه حر ،ويبقى ثلثه لكل واحد منهما سدسه ‏.‏ وإن قال أحدهما ‏:‏ أبي أعتق هذا ‏.‏ وقال الآخر ‏:‏ أبي أعتق أحدهما لا أدري من منهما ، أقرعنا بينهما ، فإن وقعت القرعة على الآخر ، عتق من كل واحد ثلثه ، كالتي قبلها ، لأن القرعة قائمة مقام تعيينه ‏.‏ وإن وقعت على الذي اعترف أخوه بعتقه ، عتق ثلثاه ، إلا أن يجيزا عتقه كاملاً ، وصار كالمتفق على عتقه ‏.‏


باب تعليق العتق بالصفة


ويجوز تعليق العتق بصفة ، نحو قوله ‏:‏ إن دخلت الدار فأنت حر ، أو ‏:‏ إن أعطيتني ألفاً ، فأنت حر ، لأنه عتق بصفة ، فجاز ، كالتدبير، ولا يعتق قبل وجود الصفة بكمالها ، لأنه حق علق على شرط ، فلا يثبت قبله ، كالجعل في الجعالة‏.‏ وإن قال ذلك في مرض موته ، اعتبر من الثلث ، لأنه لو اعتقه ، اعتبر من الثلث ، فإذا عقده ، كان أولى ، فإن قال في الصحة ‏:‏ فهو من رأس المال ، سواء وجدت الصفة في الصحة أو المرض ، لأنه غير متهم بالإضرار بالورثة في تلك الحال ‏.‏ وقال أبو بكر ‏:‏ إن وجدت الصفة في المرض ، فهو من الثلث ، لأن حق الورثة قد تعلق بالثلثين ، فلم ينفذ إعتاقه فيهما ، كما لو نجز العتق ‏.‏ وإن مات السيد قبل وجود الصفة ، بطلت ، لأن ملكه يزول بموته ، فيبطل تصرفه بزواله ‏.‏ وإن قال ‏:‏ إن دخلت الدار بعد موتي ، فأنت حر ، ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا تنعقد هذه الصفة ، لأنه علق عتقه على صفة توجد بعد زوال ملكه ، فلم تصح ، كما لو قال ‏:‏ إن دخلت الدار بعد بيعي إياك ، فأنت حر ‏.‏

والثانية ‏:‏تنعقد ، لأنه إعتاق بعد الموت فصح ، كما لو قال ‏:‏ أنت حر موتي ‏.‏

فصل

وإن علق عتق أمته على صفة وهي حامل ، تبعها ولدها في ذلك ، لأنه كعضو من أعضائها ‏.‏ فإن وضعته قبل وجود الصفة ثم وجدت ، عتق الولد ، لأنه تابع في الصفة ، فأشبه ما لو كلن في البطن ‏.‏ وإن علق عتقها وهي حائل ، ثم وجدت الصفة وهي حامل ، عتقت هي وحملها ، لأن العتق وجد فيها وهي حامل ، فتبعها ولدها ، كالعتق المطلق ‏.‏ وإن حملت ثم ولدت ، ووجدت الصفة ، لم يعتق الولد ، لأن الصفة لم تتعلق به ‏.‏ وفيه وجه آخر ‏:‏ يتبعها قياساً على ولد المدبرة ‏.‏ وإن بطلت الصفة ببيع أو موت ‏.‏ لم يعتق الولد ، لأنه إنما يتبعها في العتق ، لا في الصفة ‏.‏ فإذا لم توجد فيها ، لم توجد فيه ، بخلاف ولد المدبرة ، فإن يتبعها في التدبير ‏.‏ فإذا بطل فيها ، بقي فيه ‏.‏

فصل

وإذا علق العتق بصفة ، لم يملك إبطالها بالقول ، لأنه كالنذر ، ويملك ما يزيل الملك فيه من البيع وغيره ‏.‏ فإذا باعه ثم اشتراه ، فالصفة بحالها ، لأن التعليق والصفة وجدا في ملكه ، فعتق ، كما لو لم يزل الملك ، فإن وجدت الصفة بعد زوال الملك ، ثم اشتراه ، فهل تعود الصفة ‏؟‏ فيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا تعود ، لأنها انحلت بوجودها في ملك المشتري ، فلم تعد ، كما لو انحلت بوجودها في ملكه ‏.‏

والثانية ‏:‏ تعود ، لأنه لم توجد الصفة التي يعتق بها ، فأشبه ما لو عاد إلى ملكه قبل وجود الصفة ، ولأن الملك مقدر بالصفة ، فكأنه قال ‏:‏ إذا دخلت الدار وأنت في ملكي ، فأنت حر ، ولم يوجد ذلك ‏.‏

فصل

وإن علق العتق على صفة قبل الملك فقال لعبد أجنبي ‏:‏ إذا دخلت الدار فأنت حر ، ثم ملكه ودخل الدار ، لم يعتق ، لأنه لا يملك تنجيز العتق ، فلا يملك تعليقه ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ لا عتق قبل ملك رواه أبو داود الطيالسي ‏.‏ وإن قال ‏:‏ إن ملكتك فأنت حر ‏.‏ أو ملكت فلاناً ، فهو حر ، ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا يعتق لذلك ‏.‏

والثانية ‏:‏ يعتق إذا ملكه ، لأنه أضاف العتق إلى حال يملك عتقه فيه ، فأشبه ما لو كان التعليق في ملكه ‏.‏ وإن قال الحر ‏:‏ كل مملوك أملكه ، فهو حر ، ففيه روايتان ، لما ذكرنا ‏.‏ وإن قال ‏:‏ ذلك العبد ، ثم عتق وملك ، فهل يعتق عليه ‏؟‏ على وجهين ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يعتق عليه ، كالحر ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يعتق عليه ، لأن العبد لا يملك ، فلا يصح منه التعليق ‏.‏ ولو قال الحر‏:‏ آخر مملوك أشتريه ، فهو حر ، وقلنا بصحة التعليق ، فمتى مات ، تبينا حصول الحرية لآخر مملوك اشتراه من حين الشراء فيكون اكتسابه له ‏.‏ فإن أشكل الآخر منهم ، أقرع بينهم ، لإخراج الحر ، وكذلك لو قال لأمته ‏:‏ أول ولد تلدينه فهو حر ، فولدت ابنين ، أقرع بينهما إذا أشكل أولهما خروجاً ‏.‏


باب التدبير


ومعناه ‏:‏ تعليق الحرية بالموت ‏:‏ وصريحه ‏:‏أنت حر ، أو عتيق بعد موتي ، أو أنت مدبر ، أو قد دبرتك ، لأن هذا اللفظ موضوع له ، فكان صريحاً فيه ، كلفظ العتق في الإعتاق ، وهو مستحب ، لأنه يقصد به العتق ، ويعتبر من الثلث، لأنه تبرع بالمال بعد الموت ، فهو كالوصية ، ونقل عنه حنبل ‏:‏ أنه من رأس المال ، وليس عليه عمل ، وذكر أبو بكر ‏:‏ أنه كان قولاً قديماً ، وربما رجع عنه ‏.‏

فصل

ويجوز مطلقاً ومقيداً ، فالمطلق كما ذكرنا ، والمقيد نحو أن يقول ‏:‏ إن مت من مرضي هذا ، أو في هذا البلد ، فأنت حر ، لأنه تعليق على صفة ، فجاز مطاقاً ومقيداً ‏.‏ والمقيد ‏:‏ كتعليقه على دخول الدار ‏.‏ وإن قال ‏:‏ إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي ، جاز ، لأنه تعليق على صفة ، فجاز تعليقه على صفة أخرى ، كما ذكرنا ‏.‏ فإن دخل الدار في حياة السيد ، فهو مدبر ، وإن لم يدخل حتى مات ، بطلت الصفة بالموت ، لأنه يزول به الملك ، ولم يوجد التدبير ، لعدم شرطه ‏.‏

فصل

ويجوز تدبير المعلق عتقه على صفة وتعليق عتق المدبر على صفة ، لأن التدبير تعليق على صفة ، فلا يمنع التعليق على صفة أخرى ، كغيره من الصفات ، فإن وجدت إحداهما ، عتق وبطلت الأخرى ، لزوال الرق قبل وجودها ‏.‏ ويجوز تدبير المكاتب ، كما يجوز تعليق عتقه على صفة ، وتجوز كتابة المدبر ، كما يجوز أن يبيعه نفسه ‏.‏ فإذا كاتبه ودبره ، فأدى كتابته قبل موت سيده ، عتق وبطل التدبير ‏.‏ فإن مات السيد قبل الأداء ، عتق بالتدبير إن حمل الثلث ما بقي من كتابته ، وبطلت الكتابة ‏.‏ وإن لم يحمله الثلث ، عتق منه قدر الثلث ، وسقط من مال الكتابة بقدر ما عتق ، وهو على الكتابة فيما بقي ، وما يده من الكسب ، له في الحالين ، لأنه كان مملوكاً له ولم يوجد ما يخرجه في يده ، فبقي له ، كما لو أبرأه من مال الكتابة ، ويحتمل أن تكون كتابة المدبر رجوعاً في تدبيره ، إن قلنا ‏:‏ إنه يملك إبطاله بالرجوع فيه ، ولا يصح تدبير أم الولد ، لأنها تستحق العتق بموت سيدها ، بسسب مؤكد ، فلا يفيد التدبير ‏.‏ ولو استولد المدبرة ، بطل تدبيرها لذلك ‏.‏

فصل

ويجوز بيع المدبرة ، لما روى جابر بن عبد الله ‏:‏ أن رجلاً من الأنصار أعتق غلاماً له عن دبر منه ، ولم يكن له مال غيره ، فاحتاج ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتريه مني‏؟‏ فباعه من نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم ، فدفعها إليه وقال ‏:‏ أنت أحوج منه رواه البخاري ومسلم والنسائي ‏.‏ ولأنه إما وصية ، وإما تعليق على صفة ، وأيهما كان ، لم يمنع البيع ‏.‏ وعن أحمد ‏:‏ أنه لا يباع إلا في الدين ، أو حاجة صاحبه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما باعه لحاجة صاحبه ‏.‏

وعنه ‏:‏ لا يجوز بيع المدبرة خاصة ، لأن بيعها ، إباحة فرجها ، والحكم في هبته ووقفه ، كالحكم في بيعه واكتسابه ومنافعه ‏.‏ وأرش الجناية عليه لسيده ، لأنه كالقن ‏.‏ وإن جنى فسيده بالخيار بين فدائه ، أو تسليمه للبيع ، كالقن ‏.‏ فإن مات السيد قبل ذلك ، عتق ، وأرش جنايته في تركته ، لأنه عتق من جهته ، فتعلق الأرش بماله كالمنجر ‏.‏ وإن كانت الجناية لا تستغرق قيمته ، فبيع بعضه فيها ، فباقيه باق على التدبير ، لأن المانع اختص ببعضه ، فوجب أن يختص المنع به ‏.‏

فصل

فإذا زال ملكه عن المدبر ، ببيع أو غيره ، ثم عاد إليه ، رجع التدبير بحاله ، لأنه علق العتق بصفة ، فلم تبطل بالبيع ، كالتعليق بدخول الدار ‏.‏ وفيه وجه آخر ‏:‏ أنه يبطل بالبيع ،لأنه وصية ، فبطل بالبيع ، كالوصية له بمال ‏.‏

فصل

ولو دبره ، ثم قال ‏:‏ قد رجعت في تدبيري ، أو أبطلته ،لم يبطل ، لأنه تعليق بصفة ، فأشبه تعليقه بدخول الدار ‏.‏

وعنه ‏:‏ يبطل ، لأنه تصرف معلق بالموت يعتبر من الثلث ، فأشبه الوصية ‏.‏ وإن قال للمدبر ‏:‏ إن أديت إلى ورثتي ألفاً ، فأنت حر ، فهو رجوع ، لأنه وقفه على أداء ألف ، وذلك مناف للتدبير ، فأشبه قوله ‏:‏ رجعت في تدبيري ‏.‏ والصبي كالبائع في هذا ، لأنه مثله في التدبير ، فكان مثله في الرجوع فيه ‏.‏

فصل

وإذا دبر أحد الشريكين نصيبه ، لم يسر إلى نصيب شريكه ، لأنه تعليق للعتق بصفة ، أو وصية ، وكلاهما لا يسري ، ويحتمل أن يضمن ويصير كله مدبراً له ، لأنه سبب يوجب العتق بالموت فسرى ، كالاستيلاد ‏.‏ فإن أعتق الآخر نصيبه ، سرى العتق إلى جميعه ، وقوم عليه نصيب شريكه ، لحديث ابن عمر ‏.‏ ويحتمل أنت لا يسري العتق فيه ، إذا قلنا‏:‏ إنه يجوز بيعه ‏.‏

فصل

وما ولدت المدبرة بعد تربيرها ، فولدهل بمنزلتها ، لأنها تستحق الحرية بالموت ، فيتبعها ولدها ، كأم الولد ‏.‏ ولا يتبعها ولدها الموجود قبل التدبير ، لأنه لا يتبع في حقيقة العتق ، ففي تعليقه أولى ‏.‏ وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى ‏:‏ أنه يتبعها في التدبير ‏.‏ وإن دبر عبده ، ثم أذن له في التسري ، فولد له ولد ، لم يكن مدبراً ، لأن أمه غير مدبرة ‏.‏

وعنه ‏:‏ أنه يصير مدبراً ، لأنه ولده من أمته فيتبعه ، كولد الحر ‏.‏ وإذا صار الولد مدبراً لتدبير أمه ، فبطل تدبيرها لبيعها ، والرجوع في تدبيرها ، لم يبطل في ولدها ، لأنه استحق الحرية ، فلم يبطل حقه ، لمعنى وجد في غيره ، كما لو باشره بالتدبير ‏.‏

فصل

ويصبح تدبير الصبي المميز ، والسفيه ، لما ذكرنا في صحة وصيتهما ‏.‏ ويصح تدبير الكافر ، لأنه يصح إعتاقه ‏.‏ فإن أسلم مدبره ، أمر بإزاة ملكه عنه ، لأن الكافر يمكن من استدامة الملك على مسلم ، مع إمكان بيعه ‏.‏ وفيه وجه آخر ‏:‏ أنه لا يباع ، لأنه استحق الحرية بالموت ، فأشبه أم الولد إذا أسلمت ، ولكن تزال يده عنه ، وينفق عليه من كسبه ‏.‏

فإن لم يكن ذا كسب ، فنفقته على سيده ، كأم الولد إذا أسلمت ‏.‏ وإن دبر المرتد عبده ، كان تدبيره موقوفاً ، كسائر تصرفاته ،فإن أسلم ، تبينا صحة تدبيره ‏.‏ وإن مات على الردة ، تبينا بطلانه ‏.‏

وعنه ‏:‏ أن ملكه يزول بنفس الردة ، فيكون تدبيره باطلاً ، وهذا قول أبي بكر ‏.‏ وإن ارتد بعد التدبير وقتل بردته ،أو مات ، بطل التدبير ، لأن ملكه زال في حياته ‏.‏ وإن رجع صح تدبيره ، لأنا تبينا بقاء ملكه ، أو رجوعه إليه بإسلامه بعد زواله ‏.‏

فصل

فإذا ادعى العد أن سيده دبره ، فأنكر ، فالقول قول السيد مع يمينه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولكن اليمين على المدعي رواه مسلم ، والبخاري بمعناه ‏.‏ فإن أقام العبد بينة ، ثبت تدبيره ‏.‏ وهل يكفي شاهد ويمين ، أو رجل وامرأتان ، أم لا يكفي إلا رجلان ‏؟‏ على روايتين ، كما ذكرنا في العتق ، ويتخرج أن لا تسمع دعوى العبد بناء على أن السيد له الرجوع في التدبير ‏.‏ وهل يكون إنكار التدبير رجوعاً عنه ‏؟‏ على وجهين ، بناء على الوصية ‏.‏

فصل

وإن قتل المدبر سيده ، بطل تدبيره ، لأنه استحقاق علق بالموت من غير فعل ، فأبطله القتل ، كالإرث والوصية ‏.‏


باب الكتابة


وهو مندوب إليه في حق من يعلم فيه خيراً ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً‏}‏ يعني ‏:‏ كسباً وأمانة ، في قول أهل التفسير ‏.‏

وعنه ‏:‏ رواية أخرى أنها واجبة ، إذا دعا العبد الذي فيه خير سيده إليها ، لظاهر الآية ، ولأن عمراً أجبر أنساً على كتابة سيرين ، والأول ظاهر المذهب ، لأنه إعتاق بعوض ، فلم يجب كالاستسعاء ، والآية محمولة على الندب ، وقول عمر يخالفه فعل أنس ، فأما من لا كسب له ، ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ تكره كتابته ، لأنه يصير كلاً على الناس ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا تكره ، لعموم الأخبار في فضل الإعتاق ‏.‏ وإذا دعا هذا سيده إلى الكتابة لم يجبر رواية واحدة ‏.‏ وإن دعا السيد عبده إلى الكتابة ، لم يجبر عليها ، لأنه إعتاق على مال ، لم يجبر عليه كغير الكتابة ‏.‏

فصل

ولا تنعقد إلا بالقول ، وتنعقد بقوله ‏:‏ كاتبتك على كذا ، لأنه لفظها الموضوع لها ، فانعقدت به ، كلفظ النكاح فيه ‏.‏ ويحتمل أن يشترط أن يقول ‏:‏ إذا أديت إلي ، فأنت حر ، لأنه إعتاق معلق على شرط ، فاعتبر ذكره ، والأول أولى ‏.‏

فصل

ولا تصح إلا من جائز التصرف ، مسلماً كان أو كافراً ، لأنها تصرف في المال ، فأشبهت البيع ‏.‏ فأما المميز من الصبيان ، فيصح أن يكاتب عبده بإذن وليه ، ولا يصح بغير إذنه ، كما في بيعه ، ويحتمل أن لا تصح بحال ، لأنه إعتاق ‏.‏ وإن كاتب السيد عبده المميز ، صح ، لأن إيجاب سيده له إذن منه في قبولها ‏.‏ وإن كاتب عبده المجنون أو الطفل ، فهو عقد باطل ، وجوده كعدمه ، إلى أن القاضي قال ‏:‏ يعتقد بالأداء ، لأن الكتابة تعليق الحرية بالأداء ، فإن بطلت الكتابة ، كان عتقهما بحكم الصفة المحضة ، وقال أبو بكر ‏:‏ لايعتق ، لأن الكتابة ليست بصفة ، ولا يعتبر ذكر الصفة فيها بحال ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا تصح إلا علىعوض ، لأنها عقد معاوضة ، فأشبه البيع ‏.‏ ومن شرطه أن يكون مؤجلاً ، لأن جعله حالاً يفضي إلى العجز عن أدائه ، وفسخ العقد بذلك ، فيفوت المقصود ‏.‏ وأن يكون منجماً نجمين فصاعداً في قول أبي بكر ، وظاهر كلام الخرقي ، لأن علياً قال ‏:‏ الكتابة على نجمين ، والإيتاء من الثاني ‏.‏ وقال ابن أبي موسى ‏:‏ يجوز جعل المال كله في نجم واحد ، لأن عقد شرط في التأجيل ، فجاز على نجم واحد ، كالسلم ، ولأن القصد بالتأجيل إمكان التسليم عنده ، ويحصل ذلك في النجم الواحد ، والأحوط نجمان فصاعداً ‏.‏ ويجب أن تكون النجوم معلومة ، ويعلم في كل نجم قدر المؤدى ، وأن يكون العوض معلوماً بالصفة ، لأنه عوض في الذمة ، فوجب فيه العلم بذلك ، كالسلم ، ولا تصح إلا على عوض يصح السلم فيه ، لما ذكرنا ‏.‏ وذكر القاضي ‏:‏ أنه يحتمل أن يصح على عوض مطلق ، بناء على قوله في النكاح والخلع ، والصحيح ما قدمنا ‏.‏

فصل ‏:‏

وتجوز الكتابة على المنافع ، لأنها تثبت في الذمة بالعقد ، فجازت الكتابة عليها ، كالمال ، وتجوز على مال أو خدمة ،لأن كل واحد منهما ، يصح أن يكون عوضاً منفرداً ، فصح في الآخر ، كالمالين ‏.‏ فإن كاتبه على خدمة شهر ، أو شهرين متواليين ، فهو كالنجم الواحد ، لأنها مدة واحدة ، فإن قال على أن تخدمني شهراً ، ثم تخدمني عقيبه شهراً آخر ، صح ، لأنهما نجمان ‏.‏ وإن قال ‏:‏ على خدمة شهر ودينار بعده بيوم ، صح ، لأنهما نجمان ‏.‏ فإن جعل الدينار مع انقضاء الشهر ، أو في أثنائه ، صح ، لأن الخدمة بمنزلة العوض الحال ، فصار كالأجلين ، ويحتمل أن لا يصح ، لأنهما في مدة واحدة فكانا نجماً واحداً ‏.‏ وإن جعل الدينار حالاً ، عقيب العقد ، لم يصح ، لأنه عوض حال معجوز عنه ، بخلاف الخدمة ، فإنها وإن كانت في منزلة الحال ، فهو قادر عليها ‏.‏

فصل ‏:‏

والكتابة عقد لازم لا يملك العبد فسخها بحال ‏.‏

وعنه ‏:‏ أنه يملكه ، ولا يملك السيد فسخها قبل عجز المكاتب ، لأنه أسقط حقه منه بالعوض ، فلم يملك ذلك قبل العجز عنه ، كالبيع ‏.‏ وللعبد الامتناع من الأداء ، لأنه جعل شرطاً في عتقه ، فلم يلزمه ، كدخول الدار ‏.‏ ولا تبطل بموت السيد ، ولا جنونه ، ولا الحجر عليه ، ولا جنون العبد لأنه عقد لازم ، فأشبه البيع ، وينتقل بموت السيد إلى ورثته ، لأنه مملوك لمورثهم فانتقل إليهم ، كالقن ‏.‏ فإذا أدى إليهم ، عتق ، وولاؤه لمكاتبه ، لأن السبب وجد منه ، ولا يجوز شرط الخيار في الكتابة ، لأن الخيار شرع لدفع الغبن عن المال ، والسيد دخل على بصيرة ‏:‏ أن الحظ لعبده ، فلا معنى للخيار ‏.‏ وإن اتفقا على الفسخ ، جاز ، لأنه عقد يلحقه الفسخ بالعجز عن المال ، فجاز فسخه بالتراضي ، كالبيع ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز بيع المكاتب ، لأن بريرة قال لعائشة ‏:‏ يا أم المؤمنين إني كاتبت أهلي على تسع أواق ، في كل عام أوقية، فأعينيني على كتابتي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة ‏:‏ اشتريها متفق عليه ، ولأنه سبب يجوز فسخه ، فلم يمنع البيع كالتدبير ‏.‏

وعنه ‏:‏ لا يجوز بيعه ، لأن سبب العتق ثبت له في كل وجه لا يستقل السيد برفعه ، فمنع البيع ، كالاستيلاد ‏.‏ والأول أظهر ،فإن باعه ، لم تبطل الكتابة ،لأنها عقد لازم، فلم تبطل ببيعه كالنكاح ، ويكون في يد مشتريه مبقى على ما بقي من كتابته ، فإذا أدى عتق ، وولاؤه له ،وإن عجز ، فله الفسخ ، ويعود رقيقاً له ، لأن البائع نقل ماله من الحق فيه إلى المشتري فصار بمنزلته ، وإن لم يعلم المشتري أنه مكاتب ، فله الخيار بين فسخ البيع ، وأخذ ما بينه سليماً ومكاتباً ، لأنه عيب ، فأشبه سائر العيوب ، والحكم في هبته والوصية به ، كالحكم في بيعه ، لأنه نقل للملك فيه ‏.‏ ولا يجوز وقفه ، لأنه معرض لزوال الرق فيه ، والوقف يجب أن يكون مستقراً ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن اشترى المكاتب مكاتباً آخر ،صح ، سواء اشتراه من سيده ، أو من أجنبي ، لأن المشتري أهل للشراء ، والمبيع محل له ، فصح ، كما لو اشترى عبداً ‏.‏ فإن عاد المبيع فاشترى سيده ، لم يصح ، لأنه لا يصح أن يملك مالكه ، والله أعلم ‏.‏


باب ما يملكه المكاتب وما لا يملكه


يملك المكاتب اكتساب المال بالبيع ، والإيجار والأخذ بالشفعة ، وأخذ الصدقة ، والهبة، وكسب المباحات ، والسفر ، لأنه من أسباب الكسب ، وهو مع المولى ، كالأجنبي في ضمان المال ، وبذلك المنافع ، وأرش الجنايات ، وجريان الربا بينهما ، لأنه صار بما بذله من العوض كالحر ، وقال ابن أبي موسى ‏:‏ لا ربا بينهما ، لأنه ملك لسيده ‏.‏ قال أصحابنا ‏:‏ ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ، ويضع عنه بعض كتابته ، لأن مال الكتابة ليس بمستقر ، ولذلك لا يصح ضمانه ، فليس بدين صحيح ، فكأن السيد أخذ بعضاً ، وأسقط بعضاً ‏.‏

فصل ‏:‏

ويملك التصرف في المال بما يعود لمصلحته ومصلحة ماله ، فيجوز أن ينفق على نفسه ، لأن هذا من أهم مصالحه ، وعلى رقيقه ، وحيواناته ، وله أن يفدي نفسه ورقيقه في الجناية ، لأن فيه مصلحته ، وله أن يختن غلامه ويؤدبه ، لأنه صلاح للمال ، وله أن يقتص من الجناية عليه ، وعلى رقيقه ، ويأخذ الأرش ، لأن فيه مصلحته ، وذكره القاضي ‏.‏ وقال أبو بكر وأبو الخطاب ‏:‏ لا قصاص له في جناية بعض رقيقه على بعض ، لأن فيه إتلاف المال على سيده ‏.‏

فصل ‏:‏

وليس له إقامة الحد على رقيقه ، لأن طريقه الولاية ، والمكاتب ليس من أهل الولاية ، وليس له أن يتصدق ولا يتبرع ، ولا يعتق الرقيق ، ولا يحج بماله ، ولا يهب ولا يحابي ، ولا يبرئ من الدين ، ولا يكفر بالمال ، ولا ينفق على أقاربه ، ولا يقرض ، ولا يسرف في النفقة على نفسه ، لأن حق السيد متعلق بإكسابه ، فإنه ربما عجز فصار إلى سيده ‏.‏ وإن كانت أمة مزوجة ، لم يملك بذل العوض في خلعها ، ولا تعجيل قضاء دين مؤجل ، لأنه تبرع يمنع التصرف في المال من غير حاجة إليه ‏.‏ وإن كان مكاتباً بين نفسين ، لم يكن له تقديم حق أحدهما ، لأن ما يقدمه يتعلق به حق الآخر ، ولا يملك فداء جناية ، أو جناية رقيقه بأكثر من قيمته ، لأن الفداء كالابتياع ‏.‏ ولا يملك التزويج ولا التسري ، لأنه تلزمه النفقة والمهر في التزويج ، ولا يأمن حبل الأمة ، فتتلف بالولادة ‏.‏ وما فعل من هذا كله بإذن سيده ‏.‏ جاز ‏.‏ لأن المنع لأجله ، فجاز بإذنه ، كتصرف الراهن بإذن المرتهن ، وإن وهب المولى أو أقرضه ، أو حاباه أو فدى جنايته عليه بأكثر من أرشها ، جاز لاتفاقهما عليه ‏.‏

فصل ‏:‏

وليس له التصرف إلا على وجه الحظ والاحتياط ، لأن حق المولى متعلق باكتسابه فلا يبيع نسأً ، وإن أخذ به رهناً ، أو ضميناً ، ويحتمل الجواز لما ذكرنا في المضارب ‏.‏ وإن باع ما يساوي مائة بمائة نقداً وعشرين نسيئة ، جاز ، لأنه لا ضرر فيه ، وليس له أن يضارب بماله ، لأنه يخاطر به ، ولا يرهنه ، لأنه يخرج ماله بغير عوض ‏.‏ وفيه وجه آخر ‏:‏ أنه يجوز له رهنه والمضاربة به ، لأنه قد يرى الحظ فيه ، بدليل أن لولي اليتيم فعله في مال اليتيم ، فجاز ، كإجارته ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا استولدت أمته ، صارت أم ولد له ، لأنها علقت له في ملكه ، وليس له بيعها ، نص عليه وتكون هي وولدها منه موقوفين ‏.‏ إن عتق بالكتابة ، عتق الولد ، وأمه أم ولد ‏.‏ وإن رق ، رقا ‏.‏ وذكر القاضي في موضع آخر ‏:‏ أن الأمة لا تصير أم الولد ، لأنها علقت بمملوك ، وله بيعها ، وليس له مكاتبة رقيقه ، لأنه إعتاق ‏.‏ واختار القاضي ‏:‏ أنه له ذلك ، لأنه معاوضة فملكه كالبيع ‏.‏ وقال أبو بكر ‏:‏ إعتاقه وكتابته موقوفان ‏.‏ وإن أدى وهما في ملكه نفذا ، وإلا بطلا ، كالقول في ذوي أرحامه ‏.‏ والول أصح ، لأن العتق تبرع ، فلم يصح كالهبة ، ومن لا يصح إعتاقه ، لا تصح كتابته ، كالمأذون ، وليس له تزويج الرقيق ‏.‏ وحكي عن القاضي ‏:‏ أن له تزويج الأمة دون العبد ، لأنه معاوضة ، وقال أبو الخطاب ‏:‏ له تزويجهما إذا رأى المصلحة فيه ، لأنه تصرف في الرقيق بما فيه المصلحة ، فجاز ، كختان العبد ‏.‏ والأول أصح ، لأن في التزويج ضرراً في المال ونقصاً في القيمة ، وليس هو من جهات المكاسب ، قال القاضي ‏:‏ وله أن يشتري ذوي رحمه ، لأنه لا ضرر على السيد فيهم ، فإنه إن عجز فهم عبيد ، وإن عتق ، لم يضر السيد عتقهم وقال أبو الخطاب ‏:‏ ليس له شراؤهم ، لأنه يبذل ماله فيما لا يجوز التصرف فيه ، ويلزمه نفقته ، لكن يصح أن يملكهم بالهبة ، والوصية ، أو بالشراء بإذن السيد ، وعلى كلا القولين إذا ملكهم ، لم يعتقوا بمجرد ملكه لهم ، لأنه لا يملك إعتاقه بالقول ، فلا يحصل العتق بالملك القائم مقامه ، ولا يملك بيعهم ، ولا إخراجهم عن ملكه ، لأن من يعتق عليه ينزل منزلة جزئه ، فلم يجز بيعه ، كبعضه ‏.‏ فإن أدى ، عتق وكمل ملكه فيهم ، فعتقوا حينئذ ، وولاؤهم له دون سيده ‏.‏ وإن رق ، رقوا ونفقتهم على المكاتب ، لأنهم عبيده ‏.‏ وإن أعتقهم السيد ، لم يصح ، لأنهم ليسوا عبيداً له ‏.‏ وإن اشترى المكاتب زوجته ، أو المكاتبة زوجها ، صح ، لأنه يملك التصرف فيه ، وإذا ملك أحدهما صاحبه ، انفسخ النكاح ، لأنه لا يجتمع ملك اليمين وملك النكاح ‏.‏ ولو زوج ابنته من مكاتبه ، فمات السيد قبل عتقه ، انفسخ النكاح ، لأنها لما ملكته أو جزأ من أجزائه ، انفسخ النكاح ، كما لو اشترته ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن حبس المكاتب أجنبي عن التصرف ، فعليه أجرة مثله ، لأنه فوت منافعه ، فلزمه عوضها ، كالعبد وإن حبسه سيده ، ففيه ثلاثة أوجه ‏:‏

أحدها ‏:‏ تلزمه أجرة مثله ، لما ذكرنا ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يحتسب عليه بمدة الحبس ، لأنه يلزمه تمكينه من التصرف مدة الكتابة ، فإذا منعه ، لم يحتسب بها عليه ‏.‏

والثالث ‏:‏ يلزمه أرفق الأمرين به ، لأنه وجد سببهما ، فكان للمكاتب أنفعهما ، وإن قهره أهل الحرب فحبسوه ، لم يلزم السيد إنظاره ، لأن الحبس من غير جهته ‏.‏

فصل ‏:‏

وليس للسيد وطء مكاتبته من غير شرط ، لأنه زال ملكه عن استخدامها ، وأرش الجناية عليها ، فلا يحل وطؤها كالمعتقة ، وإن شرطه في عقد الكتابة ، صح الشرط ، لأنه شرط منفعتها مع بقاء ملكه عليها ، فصح ، كما لو شرط خدمتها مدة ، فإن وطئها مع الشرط ، فلا مهر عليه ، لأنه يملكه ، فأشبه وطء أم ولده ، وإن وطئها من غير شرط ، أدب ، لأنه وطئ وطأً محرماً ، ولا حد عليه ، لأنها مملوكته ، ولها عليه مهر مثلها ، سواء أكرهها ، أو طاوعته ، لأنه عوض منفعتها ، فوجب لها ، كما لو استخدمها ، وإن علقت منه ، فالولد حر ، لأنه ولده من أمته ، ولا يلزمه قيمته لذلك ، وتصير أم ولد له ، لأنه أحبلها بجزء من ملكه ، والكتابة بحالها ، فإن أدت ، عتقت ، وإن عجزت ، عتقت بموته ، لأنها من أمهات الأولاد ، وما في يدها لورثة سيدها ، وإن مات السيد قبل عجزها ، عتقت ، لأنه اجتمع بها سببان يقتضيان العتق ، فأيهما سبق عتقت به ، وما في يدها لها ، ذكره القاضي ، لأن العتق إذا وقع في الكتابة ، لا يبطل حكمها ، ولأن الملك كان ثابتاً لها ، والعتق لا يقتضي زواله عنها ، فأشبه ما لو عتقت بالإبراء من مال الكتابة ، وقال الخرقي وأبو الخطاب ‏:‏ ما في يدها لورثة سيدها ، لأنها عتقت بحكم الاستيلاد ، فأشبه غير المكاتبة ، ولو أعتقها سيدها ، أو عتقت بالتدبير ، احتمل أن يكون كذلك، واحتمل أن يكون ما في يدها لها بكل حال ، لأن إعتاقها برضى من المعتق ، رضى منه بإعطائها مالها ، بخلاف العتق بالاستيلاد ‏.‏

فصل ‏:‏

وولد المكاتبة من غير سيدها بعد كتابتها ، بمنزلتها ، لأنها استحقت الحرية بسبب قوي ، فتبعها ولدها كأم الولد ‏.‏ وسواء حملت به بعد الكتابة ، أو كانت حاملاً به عند كتابتها ، ونفقته عليها ، لأنه تبعها في حكمها ، وكسبه لها لذلك ، وإن قتل ، فقيمته لها ، لأنه بمنزله جزئها ، وبذل جزئها لها ‏.‏ فإن أعتقه السيد ، نفذ عتقه ‏.‏ نص عليه ، لأنه عبد له فصح عتقه ، كأمه ‏.‏ فإن كان ولدها جارية ، لم يملك السيد وطأها ، لأنه لا يملك وطء أمها ، وحكمها حكم أمها ، وإن وطئها ، فلا حد عليه للشبهة ، وعليه مهرها ، حكمه حكم كسبها ، وإن علقت منه ، صارت أم ولد له بشبهة الملك ، ولا يلزمه قيمتها ، لأن القيمة تجب لمن يملكها ، والأم لا تملك رقبتها ، إنما هي موقوفة عليها ، ويحتمل أن تلزمه قيمتها لأمها ، كما لو قتلها ، والحكم في وطء جارية المكاتبة ، كالحكم في وطء بنتها ، إلا أنه يلزمه قيمتها إذا أحبلها لمولاتها ، لأنها مملوكتها ‏.‏ ووطء جارية المكاتب ، كوطء جارية المكاتبة سواء ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا كانت الأمة بين شريكين فكاتباها ، ثم وطئها أحدهما ، أدب ولا حد عليه ، لشبهة الملك ، وعليه المهر لها ، لما قدمناه ‏.‏ فإن أولدها ، فولده حر ، وتصير أم ولد له ، وعليه نصف قيمتها لشريكه ، لأنه فوت رقها عليه ‏.‏ فإن كان موسراً أداه ، وإن كان معسراً ففي ذمته ، هذا ظاهر كلام الخرقي ، لأن الإحبال أقوى من الإعتاق ، بدليل نفوذه من المجنون ، وتصير أم ولد للواطئ ومكاتبة له ، كما لو اشترى نصفها من شريكه ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ إن كان الواطئ معسراً ، لم يسر إحباله إلى نصيب الشريك ، لأنه إعتاق ، فلم يسر مع الإعسار ، كالقول ، ويصير نصفها أم ولد ‏.‏ فإن عجزت ، استقر الرق في نصفها ، وثبت حكم الاستيلاد لنصفها ‏.‏ وإن كان الواطئ موسراً ، فنصفها أم ولد ، ونصفها موقوف ‏.‏ إن أدت ، عتقت ‏.‏ وإن عجزت ، فسخت الكتابة ، وقومت حينئذ على الواطئ ، وصار جميعها أم ولد له ، وأما الولد ، فهو حر ، ونسبه لاحق بالواطئ ، وهل تجب نصف قيمته ‏؟‏ فيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ تجب ، لأنه كان من سبيله أن يكون عبداً ، فقد أتلف رقه بفعله ، فكان عليه نصف قيمته ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا تجب قيمته ، لأنه انتقل نصيب شريكه إليه حين علقت به ، ولا قيمة له في تلك الحال ، فلم يضمنه ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ والرواية الأولى أصح على المذهب ، ويكون الواجب لأمه إن كانت في الكتابة ، لأنه بدل ولدها ‏.‏ وقال أبو بكر ‏:‏ إن وضعته بعد التقويم ، فلا شيء على الواطئ ، لأنها وضعته في ملكه ، وإن كان قبله ، غرم نصف قيمته ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن وطئها الثاني بعد وطء الأول ، وكانت باقية على الكتابة ، فعليه المهر لها ‏.‏ وإن كانت قد عجزت وقومت على الأول ، فالمهر له ‏.‏ وإن لم تقوم على الأول ، فمهرها بينهما ، فإن أولدها الثاني بعد الحكم بأنها أم ولد الأول ، لم تصر أو ولد للثاني ، وحكم ولدها حكمها ، كما لو ولدت من أجنبي ، وإن كان قبل الحكم بأنها أم ولد للأول ، صار نصفها أم ولد للثاني ، ونصفها أم ولد للأول ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجب على السيدة إيتاء المكاتب من المال قدر ربع الكتابة ، لقول الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وآتوهم من مال الله الذي آتاكم‏}‏ وروى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية ‏:‏ يحط به الربع أخرجه أبو بكر ‏.‏ وهذا نص ‏.‏ وروي موقوفاً على علي ‏.‏

ويخير السيد بين وضعه عنه ، وبين دفعه إليه ، لأن الله تعالى نص على الدفع إليه ، فنبه به على الوضع ، لكونه أنفع من الدفع ، لتحقق النفع به في الكتابة ، فإن اختار الدفع ، جاز به العقد، للآية ‏.‏ ووقت الوجوب بعد العتق ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وآتوهم من مال الله الذي آتاكم‏}‏ فإذا آتى ما عليه ، عتق ‏.‏ وقال علي ‏:‏ الكتنابة على نجمين ، والإيتاء من الثاني ، ويجب الإيتاء من جنس مال الكتابة ، للآية ‏.‏ فإن اتفقا على غير ذلك ، جاز ، لأن الحق لهما ، فجاز باتفاقهما ‏.‏ وإن مات السيد بعد العتق وقبل الإيتاء ، فذلك دين في تركته يحاص به غرماؤه ، لأنه حق لآدمي فلم يسقط بالموت ، كسائر حقوقه ‏.‏
باب الأداء والعجز


لا يعتق المكاتب حتى يبرأ من مال الكاتبة بالأداء ، أو الإبراء ، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم رواه أبو داود ‏.‏ وقال أصحابنا ‏:‏ إذا أدى ثلاث أرباع كتابته وعجز عن الربع ، عتق ، لأنه حق له ، فلا تتوقف حريته على أدائه ، كأرش جناية سيده عليه ‏.‏ وإن أبرأه سيده ، عتق لأنه لم يبق عليه شيء ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن عجلت الكاتبة قبل محلها وفي قبضها ضرر ، لم يلزمه قبضه قبل محله، كالسلم ‏.‏ وإن لم يكن في قبضه ضرر ، لزمه قبضه وعتق العبد ، لأن الأجل حق لمن عليه الدين ‏.‏ فإذا رضي بإسقاط حقه ، يجب أن يسقط كسائر الحقوق ‏.‏

وعنه ‏:‏ لا يلزمه قبضه ، لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ، ولم يرض بزواله ، فلم يزل ، كما لو علق عتقه بمضي ذلك المدة ‏.‏

وعنه ‏:‏ أنه يعتق إذا ملك ما يؤدي ، لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ إذا كان إحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه رواه الترمذي ، وقال ‏:‏ حديث حسن صحيح ‏.‏ فعلى هذا إن امتنع من الأداء ، أجبره الحاكم عليه ‏.‏

فصل

وإذا حل نجم فعجز عن أدائه ، فللسيد الفسخ ، لأنه تعذرضي الله عنه العوض في عقد معاوضة ، ووجد عين ماله ، فكان له الرجوع ، كما لو باع سلعة فأفلس المشتري قبل تقديمها ‏.‏

وعنه ‏:‏ لا يعجز حتى يحل نجمان ، لأن ما بينهما محل الأداء الأول ، فلا يتحقق عجزه حتى يحل الثاني ‏.‏

وعنه ‏:‏ لا يعجز حتى يقول ‏:‏ قد عجزت ، وللسيد الفسخ بغير حاكم ، لأنه مجمع عليه ، أشبه الرد بالعيب ‏.‏ وإن امتنع العبد من الأداء مع إمكانه ، فظاهر كلام الخرقي ‏:‏ أن للسيد الفسخ ، وهو قول جماعة من أصحابنا ، لأن التعذر حاصل بالامتناع ، كحصوله بالعجز ‏.‏ وقال أبو بكر ‏:‏ ليس له الفسخ ، لأنه أمكن الاستيفاء بإجباره على ذلك ، وتعذر البعض كتعذر الجميع ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن كان معه متاع يريد بيعه فاستنظره لبيعه ، لزمه إنظاره ، لأنه أمكن الاستيفاء من غير ضرر ‏.‏ ولا يلزمه إنظاره أكثر من ثلاث ، لأنها قريبة ، وإن كان له مال غائب ، يرجو قدومه فيما دون مسافة القصر ، فكذلك ، وإن كان أبعد ، لم يلزمه إنظاره ، لأن فيه ضرراً ‏.‏ وإن كان له دين حال على مليء ، أو في يد مودع ، فهو كالغائب القريب ‏.‏ وإن كان على معسر ، أو مؤجلاً ، فهو كالبعيد ‏.‏ وإن حل النجم والمكاتب غائب بغير إذن سيده ، فله الفسخ ‏.‏ وإن كان بإذنه ، لم يفسخ ، ويرفع الأمر إلى الحاكم ليكتب كتاباً إلى حاكم ذلك البلد ، ليأمر بالأداء ، أو يثبت عجزه عنده ،فيفسخ حينئذ ، وإن حل والمكاتب مجنون معه مال ، فسلمه إلى المولى ، عتق ، لأنه قبض ما يستحقه ،فبرئت به ذمة الغريم ، فإن لم يكن معه شيء ، فلسيده الفسخ ‏.‏ وإن فسخ ثم ظهر له قال ، نقض الحكم بالفسخ ، لأننا حكمنا بالعجز في الظاهر ، وقد بان خلافه ، فنقض ، كما لو حكم الحاكم ، ثم وجد النص بخلافه، وإن كان قد أنفق عليه بعد الفسخ ، رجع بما أنفق ، لأنه لم يتبرع به ، بل أنفق على أنه عبده ‏.‏ وإن أفاق بعد الفسخ فأقام بينة أنه كان قد أدى ، نقض الحكم بالفسخ ، ولم يرجع السيد بالنفقة ، لأنه تبرع بإنفاقه عليه ، مع علمه بحريته ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن أحضر المكاتب المال ، فقال السيد ‏:‏ هذا حرام ، وأنكر المكاتب ولا بينة ، فالقول قول المكاتب مع يمينه ، لأنه في يده ، فالظاهر أنه له ‏.‏ فإذا حلف ، خير المولى ، بين أخذه أو إبرائه من مال الكاتبة ‏.‏ فإن لم يفعل ، قبضه الحاكم ، لأنه حق تدخله النيابة ‏.‏ فإذا امتنع منه ، قام الحاكم مقامه ، وكذلك إن عجلت الكاتبة قبل محلها ـ وقلنا ‏:‏ يلزمه أخذه ـ فامتنع ، قام الحاكم مقامه ، وروي أن رجلاً أتى عمر فقال ‏:‏ يا أمير المؤمينين إني كاتب على كذا وكذا ، وإني أيسرت بالمال ، فأتيته بالمال ، فزعم أنه لا يأخذه إلا نجوماً ، فقال عمر ‏:‏ يا برفأ خذ هذا المال فاجعله في بيت المال ، وأد إليه نجوماً في كل عام ، وقد عتق هذا ‏.‏ رواه الأثرم ‏.‏

فصل ‏:‏

فإذا أدى المكاتب ظاهراً فبان مستحقاً ، تبينا أنه لم يعتق ، لأن العتق بالأداء ،وما أدى ‏.‏ وإن علم بعد الموت ،فتركه لمولاه ، أو ورثته ، لأنه مات على الرق ‏.‏ وإن ظهر به عيب ، فللسيد الرد والمطالبة بالأرش ‏.‏ فإن رضي به معيباً ، استقر العتق ‏.‏ وإن طلب الأرش فأدى إليه ، استقر العتق ‏.‏ وإن لم يؤد إليه بطل العتق ، لأن ذمته لم تتم براءتها من المال ‏.‏ وإن رد المعيب بطل العتق ، إلا أن يعطيه بدله ‏.‏ وقال أبو الخطاب ‏:‏ لا يرتفع العتق ، وله قيمة المعيب أو أرشه إن أمسكه ‏.‏ وإن كاتب على خدمة شهر فمرض فيه ، لم يقع العتق ، لعدم العوض ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن باع ما في ذمة المكاتب ، لم يصح ، لأنه بيع دين ، لا سيما وهو غير مستقر ، فإن قبضه المشتري ، لم يعتق المكاتب ، لأنه لم يقبضه السيد ، ولا وكيله وإنما قبضه المشتري لنفسه ، وهو لا يستحقه ‏.‏ وفيه وجه آخر ‏:‏ أنه يعتق ، لأن السيد أذن للمشتري في قبضه ، فكان قبضه كقبض وكيله ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا جنى المكتاتب بدئ بجنايته قبل كتابته ، لأن جنايته تقدم على حق المالك إذا كان قناً ، فعلى حقه إذا كان مكاتباً أولى ‏.‏ فإن أداهما ، عتق ، وإن عجز عن أدائهما ، فلكل واحد منهما تعجيزه ، فإن عجزه ولي الجناية ، بيع فيها إن استغرقته ، وإلا بيع منه بقدر جناية ، وباقيه على الكاتبة ، متى أدى كتابة باقية عتق ‏.‏ وهل يسري عتقه ويقوم على سيده إن كان موسراً ‏؟‏ على وجهين ‏.‏ وإن عجزه السيد ‏.‏ عاد قناً وخير بين فدائه أو تسليمه ، كعبده القن ، فإن أعتقه السيد ، فعليه فداؤه أيضاً ، لأنه أتلف محل الحق ‏.‏ وإن كان عليه دين من معامله ، بدئ بقضائه مما في يده ، لأنه يتعلق بما في يده ، ويختص به ‏.‏ والسيد والمجني عليه يرجعان إلى رقبته ‏.‏ فإن فضل شيء ، قدم ولي الجناية ‏.‏ وإن لم يكن له مال ، لم يملك الغريم تعجيزه ، لأن حقه في الذمة ، فلا فائدة في تعجيزه ، بل تركه على الكاتبة أنفع له ، لأنه ربما اكتسب بما يعطيه ، فكان أولى ‏.‏


باب الكتابة الفاسدة


إذا كاتبه على عوض محرم ، أو مجهول ، فالعقد فاسد ‏.‏ وإن شرطا شرطاً فسداً ، مثل أن يشرط أن يوالي من شاء من ميراثه ، فالعقد صحيح ، لأن عائشة رضي الله عنها قالت ‏:‏ كان في بريرة ثلاث قضيات ، أراد اهلها أن يبيعوها ويشترطوا الولاء ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتريها وأعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعتق متفق عليه ‏.‏ فحكم بفساد الشرط مع أمره بالشراء ، ويتخرج فساد العقد بناء على فساد البيع به ، وإن شرط عليه أن لا يسافر ، ولا يطلب الصدقة ، فالعقد صحيح ‏.‏ وفي الشرط روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ هو صحيح ، لأن فيه غرضاً صحيحاً للسيد ، وهو صيانته عن أكل الصدقة ، وصيانة عبده عن التغرير بالسفر ‏.‏

والثانية ‏:‏ هو باطل ، لأنه ينافي مقتضى العقد ، وهو تمكينه من الكسب ، وأخذ ما فرض الله له من الصدقات ‏.‏

فصل ‏:‏

ومتى فسد العقد ، فللسيد الفسخ ، لأنه عقد فاسد لا حرمة له ، وسواء كان فيه صفة ، كقوله ‏:‏ إن أديت إلي ، فأنت حر ، أو لم تكن ، لأن المقصود المعاوضة ، فصارت الصفة مثبتة عليها ، بخلاف الصفة المجردة ‏.‏ وله فسخ العقد بنفسه ، لأنه مجمع عليه ، وتنفسخ بموت السيد ، وجنونه ، والحجر عليه لسفه ، لأنه عقد غير لازم فأشبه الوكالة ، وقال أبو بكر لا تنفسخ بذلك ، ولا تبطل بجنون العبد ، لأنه لازم من جهته ، فأشبه العتق المعلق بالصفة ‏.‏ وإن أدى ما كوتب عليه عتق ، لأن الكاتبة جمعت معاوضة وصفة ، فإذا بطلت المعاوضة ، بقيت الصفة ، فعتق بها‏.‏ وإن أدى إلى غير كاتبه ، أو أبرأه السيد مما عليه ، لم يعتق ، لأن الصفة لم توجد ‏.‏ وقال أبو بكر ‏:‏ يعتق بالأداء إلى الوارث ، لأنه قام مقام المورث ‏.‏ وإذا عتق فله ما فضل في يده من الكسب ‏.‏ ويتبع الجارية ولدها ، لأنها أجريت مجرى الصحيحة في العتق ، فتجري مجراها فيما ذكرنا ‏.‏ وفيه وجه آخر ‏:‏ لا يتبعها ولدها ولا فضلة كسبها ، لأن عتقها بالصفة دون الكاتبة ‏.‏ ولا يرجع السيد على العبد بشيء ، لأنها إما عتق بصفة ، وإما مجراه مجرى الكاتبة الصحيحة ، وكلاهما لا يثبت فيه التراجع ‏.‏


باب جامع الكتابة


تصح كتابة بعض العبد ، لأنه عقد معاوضة على نصيب المكاتب ، فصح كبيعه ‏.‏ وإذا كاتبه وكان باقيه حراً فأدى ، كملت له الحرية ‏.‏ وإن كان باقيه قناً ، لم تسر الكاتبة إليه، لأنه عقد معاوضة ، فأشبه البيع ، ويصير شريكاً لمالك باقيه في نفسه ‏.‏ فإذا أدى ما كوتب عليه ، ومثله لمالك باقيه ، عتق وسرى العتق إلى سائره إن كان جميعه للمكاتب ، وإن كان لغيره والمكاتب موسر ، عتق جميعه ، وإن كان معسراً ، لم يعتق إلا ما كاتبه كالإعتاق المنجر ‏.‏ وإذا أذن له شريك المكاتب في الأداء من جميع كسبه ، عتق بأدائه ، كما لو أدى إليها ‏.‏ وإن كان باقيه مكاتباً ، أو كاتب السيدان معاً ، جاز ، سواء اتفق العوضان أو اختلفا ، لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع ‏.‏ ولا يملك أن يؤدي إلى أحدهما أكثر مما يؤدي إلى صاحبه ، لأنهما سواء في كسبه ، إلا أن يأذن أحدهما في تعجيل حق الآخر فيجوز ‏.‏ وذكر أبو بكر وجهاً آخر‏:‏أنه لا يجوز تخصيص أحدهما بالأداء وإن أذن الآخر فيه ، لأن حقه في ذمته ، لا فيما في يده ، فلم ينفع إذنه فيه ، والأول أصح ، لأن المنع لحقه ، فجاز بإذنه ‏.‏ فإن أدى إليهما في حال واحدة ، عتق عليهما وولاؤه لهما ‏.‏ وإن أدى أحدهما قبل الآخر بإذنه ، أو لكونه نصيب المؤدى إليه من العوض أقل ، عتق نصيبه وسرى إلى نصيب الآخر إن كان موسراً في قول الخرقي ، لأنه أعتق شركاً له في عبد ، وهو موسر ، فعتق عليه كله ، لحديث ابن عمر ‏.‏ وقال أبو بكر ‏:‏ لا يسري في الحال ، لأن في سرايته إبطال نصيب صاحبة من الولاء الذي انعقد سببه ، وهكذا الخلاف فيما إذا عتق أحدهما نصيبه بالمباشرة ، وفيها إذا كان نصفه قناً فأعتقه صاحب القن ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز أن يكاتب جماعة من عبيده صفقة واحدة بعوض واحد ، لأن العوض بجملته معلوم ، فصح ، كما لو باع عبدين بثمن واحد ، ويصير كل واحد منهم مكاتباً بحصته من العوض ، يقسم بينهم على قدر قيمتهم حين العقد ، لأنه عوض ، فيسقط على المعوض بالقيمة ، كما لو اشترى شقصاً وسيفاً ‏.‏ قال أبو بكر ‏:‏ ويتوجه لأبي عبد الله قول آخر ‏:‏ إن العوض بينهم على عددهم ، لأنه أضيف إليهم إضافة واحدة ، فكان بينهم على السواء ، كما لو أقر لهم بشيء ، والأول أصح ‏.‏ وتعتبر قيمتهم حال العقد ، لأنه حال زوال سلطانه عنهم ‏.‏ وأيهم أدى ، عتق ، لأنه أدى ما عليه فعتق ، كما لو انفرد ‏.‏ وقال أبن ابي موسى ‏:‏ لا يعتق حتى تؤدى جميع الكاتبة ‏.‏ وإن مات بعضهم ، سقط من مال الكتابة بقدر حصته ، والأول أصح ‏.‏

فصل

وإذا كاتب السيد عبده ، فماله لسيده ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم من باع عبداً وله مال ، فماله للبائع ، إلا أن يشترطه المبتاع ، ولأنه عقد يزيل ملك السيد عن إكسابه فأشبه البيع ‏.‏


باب اختلاف السيد ومكاتبه


إذا اختلفا في أصل العقد ، فالقول قول السيد مع يمينه ، لأن الأصل عدمه ‏.‏ وإن اختلفا في قدر مال الكاتبة ، أو أجله ، ففيه ثلاث روايات ‏:‏

إحداهن‏:‏القول قول السيد ، لأنهما اختلفا في الكاتبة ، فأشبه ما لو اختلفا في عقدها‏.‏

والثانية ‏:‏ القول قول المكاتب ، لأن الأصل عدم الزيادة المختلف فيها ‏.‏

والثالثة ‏:‏ يتحالفان ، لأنهما اختلفا في قدر العوض ، فيتحالفان ، كما لو اختلفا في ثمن المبيع ‏:‏ فإذا تحالفا قبل العتق ، فسخنا العقد ، إلا أن يرضى أحدهما بما قال صاحبه ‏.‏ وإن كان التحالف بعد العتق ، رجع السيد على العبد بقيمته ، ورجع العبد بما أداه على سيده ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وضع السيد عن العبد بعض نجومه ، أو أبرأه منه ، واختلفا في أي النجوم هو ، فالقول قول السيد ، لأنهما اختلفا في فعله ‏.‏ وإن وضع عنه دراهم والكتابة على دنانير ، لم يصح ، لأنه وضع عنه غير ما عليه ‏.‏ فإن قال العبد ‏.‏ إنما أردت دنانير بقيمة الدراهم ، فأنكره السيد ، لأن الظاهر معه ، وهو أعلم بما عنى ‏.‏ وإن أدى كتابه ، فقال السيد ‏:‏ أنت حر ، ثم بان مستحقاً ، لم يعتق ، لأن الظاهر أنه قصد إلى الخبر بناء على ظنه ، ، وقد بان خلافه ، فإن قال العبد‏:‏ أردت عتقي ، فأنكر السيد ، فالقول قوله ، لأنه أعلم بقصده ، وإن ادعى العبد وفاء الكاتبة فأنكره السيد ، فالقول قول السيد ، لأن الأصل عدم الوفاء ‏.‏ وإن قال السيد ‏:‏ استوفيت ، فادعى المكاتب أنه وفاه الجميع ، وقال السيد ‏:‏ إنما وفيتني البعض ، فالقول قول السيد ، لأن الاستيفاء لا يقتضي الجميع ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن كان للمكاتبة ولد فقالت ‏:‏ ولدته في الكتابة ، فقال السيد ‏:‏ بل قبلها ، فالقول قول السيد ‏:‏ لأنه إختلاف في وقت الكتابة ، والأصل عدمها قبل الولادة ‏.‏ وإن زوج السيد مكاتبه أمته ، فولدت منه ‏:‏ واشترى زوجته ، فقال السيد ‏:‏ ولدته قبل الشراء ، وقال المكاتب ‏:‏ بل بعده ، احتمل أن تكون كالتي قبلها ، واحتمل أن يكون القول قول العبد ، لأن هذا اختلاف في الملك ، والظاهر مع العبد ، لأنه في يده ‏.‏ بخلاف التي قبلها ،لأنهما لم يختلفا في المللك ، إنما اختلفا في وقت العقد ‏.‏

فصل ‏:‏

فإذا أدى أحد المكاتبين إلى السيد أو أبرأه فادعى كل واحد من المكاتبين أنه المؤدي ، أو المبرأ ، فالقول قول السيد في التعيين ، لأنه لو أنكرهما ، كان القول قوله‏.‏ فإذا أنكر أحدهما ، قبل قوله ، وعليه اليمن له ، فإن نكل قضي عليه ، وعتقا جميعاً ، فإن قال ‏:‏ لا أعلم أيكما المؤدي ، فعليه اليمين أنه لا يعلم ، فيقرع بينهما ، فمن قرع صاحبه ، حلف وعتق ، وبقي الآخر على الكاتبة ، وكذلك إن مات السيد قبل التعيين ، قرع بينهما ، لأنهما تساويا في احتمال الحرية ، فأشبه ما لو أعتق أحدهما وأنسيه ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا كاتب عبيداً كتابة واحدة ، فأدوا ، عتقوا ‏.‏ فقال من كثرت قيمته ‏:‏ أدينا على قدر قيمنا ، وقال الآخر ‏:‏ بل أدينا على السواء ، فبقيت لنا على الأكثر بقية ، فمن جعل العوض بينهم على عدد رؤوسهم قال ‏:‏ القول قول من ادعى التسوية ، ومن جعل على كل واحد قدر حصته ، فعنده فيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ القول قول من يدعي ، التسوية ، لأن أيديهم على المال فيتساوون فيه ‏.‏

والثاني ‏:‏ القول قول الآخر ، لأن الظاهر أن الإنسان لا يؤدي إلا ما عليه ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا كاتب رجلان عبداً بينهما ، فادعى أنه أدى إليهما ، فصدقه أحدهما ، وأنكر الآخر ، عتق نصيب المقر ، وحلف الآخر ، وبقيت حصته على الكتابة ، وله مطالبة المقر بنصف ما قبض ، لحصول حقه في يده ، ومطالبة المكاتب بالباقي ، وله مطالبة المكاتب بالجميع ، لأنه لم يدفع إليه حقه ، ولا إلى وكيله ، فإذا قبض ، عتق المكاتب ، ومن أيهما أخذ ، لم يرجع به المقبوض منه على الآخر ، لأنه يقر ببراءة صاحبه ، ويدعي أن المنكر ظلمه ، فلا يرجع بما ظلمه به على غيره ‏.‏ فإن عجز المكاتب ، عجزه ورق نصفه ، ولم يسر عتق الآخر ، لأنه لا يعترف بعتقه ولا العبد أيضاً ، ولا يعترف المنكر بعتق شيء منه ، وإن شهد المصدق له ‏.‏ فقال الخرقي ‏:‏ تقبل شهادته له في العتق ، لأنه لا نفع له فيه ، ولا تقبل شهادته فيما يرجع إلى براءته من مشاركة صاحبه ‏.‏ وقياس المذهب أنه لا تقبل شهادته في العتق أيضاً ، لأن من شهد بشهادة يجر إلى نفسه نفعاً ، بطلت شهادته في الكل ‏.‏ وإن ادعى المكاتب ، ودفع جميع المال إلى أحدهما ، ليأخذ نصيبه منه ، ويدفع باقيه إلى شريكه ‏.‏ وقال المدعى عليه ‏:‏ بل دفعت إلى كل واحد منا حقه ، فهي كالتي قبلها ، إلا أن المنكر يأخذ حصته بلا يمين ، لأنه لا يدعي واحد منهما دفع المال إليه ، وإن قال المدعى عليه ‏:‏ قبضت المال ، ودفعت إلى شريكي حصته ، فأنكر شريكه ، فعليه اليمين ها هنا ، لأنه يدعي التسليم إليه ‏.‏ فإذا حلف ، فله مطالبة من شاء منهما بجميع حقه ‏.‏ فإن أخذ من المكاتب ، رجع على المقر ، لأنه قبض منه ، سواء صدقه المكاتب في الدفع إلى شريكه ، أو كذبه ، لتفريطه في ترك الإشهاد ‏.‏ فإن حصل للمنكر ماله من أحدهما ، عتق ‏.‏ وإن عجز المكاتب ، فللمنكر استرقاق نصفه ، والرجوع على المقر بنصف ما قبض ، لأنه استحق نصف كسبه ، ويقوم على المقر ، لأنه رقه كان بسبب منه ، وهو التفريط ‏.‏

فصل

وإذا خلف رجل ابنين وعبداً ، فادعى العبد أن سيده كاتبه ، فأنكراه ، فالقول قولهما مع أيمانهما ، لأن الأصل عدم الكتابة ، ويحلفان على نفي العلم ، لأنها يمين على فعل الغير ‏.‏ وإن صدقه أحدهما ، أو نكل عن اليمين ، وحلف الآخر ، ثبتت الكتابة لنصفه ‏.‏ ومتى أدى إلى المقر ، عتق نصيبه ، ولم يسر إلى نصيب شريكه ، لأنه لم يباشر العتق ، ولم يتسبب إليه ، إنما هو مقر بما فعل أبوه، وولاء نصفه الذي عتق للمقر ، لأته لا يدعيه غيره ‏.‏ وإن شهد المقر على المنكر ، فشهادته مقبولة إن كان عدلاً ، لأن لا يجر إلى نفسه نفعاً ، ولا يدفع ضرراً ‏.‏ والله أعلم ‏.‏


باب حكم أمهات الأولاد


إذا أصاب الرجل أمته ، فولدت منه ما يتبين فيه بعض خلق الإنسان ، صارت له أم ولد ، تعتق بموته من رأس المال ، لما روى ابن عباس قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه رواه أحمد ، وابن ماجة ‏.‏ ولأنه إتلاف حصل بالاستمتاع ، فحسب من رأس المال ، كإتلاف ما يأكله ‏.‏ فأما إن علقت منه في غير ملكه ، لم تعتق عليه ، سواء ملكها حاملاً أو بعد الوضع ، لأنها علقت بمملوك ‏.‏ فإذا كان الولد مملوكاً ، فأمه أولى ‏.‏

وعنه ‏:‏ إن ملكها حاملاً فولدت عنده ، صارت له أم ولد ، لعموم الخبر ‏.‏ وقال القاضي ‏:‏ إن لم يطأها بعد ملكه لها ، لم تصر أم ولد ‏.‏ وكذلك إن وطئها في ابتداء حملها ، أو توسطه بعد ملكه لها ، صارت أم ولد ، لأن الماء يزيد في سمعه وبصره ‏.‏ وقد قال عمر ‏:‏ أبعدما اختلطت دماؤكم ودماؤهن ، ولحومكم ولحومهن ، بعتموهن ‏؟‏ ‏!‏ فعلل بالاختلاط وقد وجد ‏.‏ وإن ولدت منه في غير ملكه بنكاح ، أو زنا ، ثم ملكها ، لم تصر أم ولد ، لأن ولدها مملوك لسيد الأمة ‏.‏ ونقل ابن أبي موسى ‏:‏ أنها تصير أم ولد ، لما ذكرناه ‏.‏ والأول المذهب ‏.‏

فصل

فإن أسقطت ولداً ميتاً ، فهو كالحي في ذلك ، لأنه ولد ‏.‏ وإن أسقطت جزءاً منه ، كيد ، ورجل ، فهي أم ولد ، لأنه من ولد ‏.‏ وإن ألقت نطفة أو علقة ، لم تصر أم ولد ، لأنه ليس بولد ‏.‏ وإن وضعت ما يتحقق فيه تخطيط ، من رأس ، أو يد ، أو رجل ، أو عين ، فهو ولد ‏.‏ وإن ألقت مضغة ، فشهدت ثقة من القوابل أنه تخطط ، أو تصور ، ثبت أنه ولد ‏.‏ وإن لم يتخطط ويتصور ، فشهدت أنه بدو خلق آدمي ، ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ لا تصير أم ولد ، لأنه ليس بولد ، أشبه النطفة ، والأخرى هي أم ولد ، لأنه بدو خلق بشر ، أشبه المتخطط ‏.‏

فصل

ويملك الرجل استخدام أم ولده ، وإجارتها ووطأها ، وتزويجها ، وحكمها حكم الإماء في صلاتها وغيرها ، لأنها باقية على ملكه ، إنما تعتق بعد الموت بدليل حديث ابن عباس ‏.‏

فصل

ولا يملك بيعها ولا هبتها ، ولا التصرف في رقبتها ، لما روى سعيد بن منصور بإسناده عن عبيدة ‏.‏ قال ‏:‏ خطب علي الناس فقال ‏:‏ شاورني عمر في أمهات الأولاد ، فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن ، فقضى به عمر حياته ، وعثمان حياته ، فلما وليت رأيت أن أرقهن ‏.‏ قال عبيدة ‏:‏ فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي علي وحده ، وروي عنه أنه قال ‏:‏ بعث إلي علي وإلى شريح أن اقضوا كما كنتم تقضون ، فإني أكره الاختلاف ‏.‏ وروى صالح عن أحمد أنه قال ‏:‏ أكره بيعهن ، وقد باع علي بن أبي طالب ‏.‏ قال أبو الخطاب ‏:‏ فظاهر هذا أنه يصح البيع مع الكراهة ، والمذهب الأول ‏.‏

فصل

وإن ولدت من غير سيدها ، فله حكمها ، يعتق بموت سيدها ، سواء عتقت أو ماتت قبله ، لأن الاستيلاد كالعتق المنجر ، ولا يبطل الحكم فيه بموتها ، لأنه استقر في حياتها فلم يسقط بموتها ، كولد المدبرة ‏.‏

فصل

وإن أسلمت أم ولد الذمي ، لم تعتق ‏.‏ ونقل عنه منها ‏:‏ أنها تعتق ، لأنه لا يجوز إقرار ملك كافر على مسلمة ، ولا سبيل إلى إزالته بغير العتق ‏.‏

وعنه ‏:‏ أنها تستسعى في قيمتها ثم تعتق ، والمذهب الأول ‏.‏ قال أبو بكر ‏:‏ الذي تقتضيه أصول أبي عبد الله أنها لا تعتق ، لأنه سبب يقتضي العتق بعد الموت ، فلم يتجزأ بالإسلام ، كالتدبير ، ولكن تزال يده عنها ، ويحال بينه وبينها ، لأن المسلمة لا تحل لكافر ، وتسلم إلى ارمأة ثقة ، ونفقتها في كسبها ، وما قضل منه ، فهو لسيدها ‏.‏ وإن لم يف بنفقتها ، فعلى سيدها تمامها في إحدى الروايتين ، وهو قول الخرقي ، لأنها مملوكته ‏.‏

والثانية ‏:‏ لا يلزمه ذلك ، لأنه منع الانتفاع بها ‏.‏ فإن أسلم ، حلت له ، وإن مات عتقت ‏.‏

فصل

وإن جنت ، لزم سيدها فداؤها ، لأنه منع من بيعها بالإحبال ، ولم تبلغ حالاً تتعلق بذمتها ، فأشبه ما لو امتنع من تسليم عبده القن ، ويفديها بأقل الأمرين من فيمتها ، أو أرش جنايتها ، لأنه لا يمكن بيعها ‏.‏

وعنه ‏:‏ يفديها بأرش جنايتها بالغة ما بلغت ‏.‏ حكاها أبو بكر ، لأنه ممنوع من تسليمها ‏.‏ فإن عادت فجنت ، فداها كما وصفت ، لأن الموجب لفدائها وجد في الثانية كوجوده في الأول ، فوجب استواؤهما في الفداء ، لاستوائهما في مقتضيه ‏.‏

فصل

وإن جنت أم ولد على سيدها فيما دون النفس ، فهو كجناية القن سواء ‏.‏ وإن قتلته ، عتقت ، لأنه زال ملكه بموته ، ولا يمكن نقل الملك ‏.‏ فإن كانت جنايتها عمداً ، فللأولياء القصاص منها ‏.‏ وإن كانت غير موجبة له ، فسقط بالعفو ، فعليها قيمة نفسها ، لأنها جناية أم ولد ، فلم يجب أكثر من قيمتها ، كالجناية على الأجنبي ‏.‏ وإن ورث ولدها شيئاً من القصاص الواجب عليها ، سقط كله ، لأنه لا يتبعض ، وصار الأمر إلى القيمة ‏.‏