المجلد الثاني - كتاب الوصايا

الوصية ‏:‏ هي التبرع بعد الموت ، وهي مستحبة لمن ترك خيراً ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ إن الله تعالى تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم ‏.‏ رواه ابن ماجه ‏.‏ وليست واجبة ، لأنها عطية لا تجب في الحياة ، فلا تجب بعد الموت ، كالزائد على الثلث ‏.‏ وحكي عن أبي بكر أنها واجبة للأقارب غير الوارثين ، لظاهر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين‏}‏ ‏.‏

والمستحب فيها الإيصال بالخمس ‏.‏ وقال القاضي وأبو الخطاب ‏:‏ يستحب لمن كثر ماله الوصية بالثلث لما ذكرنا في الحديث ، ووجه ما ذكرنا ما روى عامر بن سعد عن أبيه قال ‏:‏ مرضت مرضاً أشفيت منه على الموت ، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله لي مال كثير ، وليس يرثني إلا ابنتي ، أفأوصي بمالي كله ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، قلت فبالثلثين ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، قلت ‏:‏ فبالشطر ، قال ‏:‏ لا ، قلت ‏:‏ فبالثلث ‏؟‏ قال ‏:‏ الثلث والثلث كثير ، إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس متفق عليه ‏.‏ يعني يطلبون الناس بأكفهم ‏.‏ فاستكثر الثلث مع إخباره إياه بكثرة ماله ، وقلة عياله ، قال ابن عباس ‏:‏ وددت لو أن الناس غضوا من الثلث ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ والثلث كثير ‏.‏ متفق عليه ‏.‏ وأوصى أبو بكر بالخمس ‏.‏ وقال ‏:‏ رضيت نفسي ما رضي الله به لنفسه ‏.‏ وقال علي ‏:‏ لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالثلث ‏.‏ أما قليل المال ذو العيال ، فلا تستحب له الوصية ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ‏.‏

فصل ‏:‏

ويستحب لمن رأى موصياً يحيف في وصيته أن ينهاه ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم سعداً عن الزيادة في الثلث ‏.‏ وقال بعض أهل التفسير في قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً‏}‏ هو أن يرى المريض يحيف على ولده فيقول له ‏:‏ اتق الله ولا توص بمالك كله ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يجوز لمن له وارث الوصية بزيادة على الثلث ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم سعداً عن ذلك ، فإن فعل ، وقف الزائد على الثلث على إجازة الورثة ‏.‏ فإن أجازوه ، جاز ‏.‏ وإن ردوه بطل بغير خلاف ، ولأن الحق لهم ، فجاز بإجازتهم ، وبطل بردهم ‏.‏ وظاهر المذهب أن الإجازة صحيحة ‏.‏ وإجازة الورثة تنفيذ ، لأن الإجازة تنفيذ في الحقيقة ‏.‏ ولا خلاف في تسميتها إجازة ، فعلى هذا يكتفى فيها بقوله ‏:‏ أجزت ، وما يؤدي معناه ، وإن كانت عتقاً ، فالولاء للموصي يختص به عصباته ‏.‏ وقال بعض أصحابنا ‏:‏ الوصية باطلة ، والإجازة هبة يفتقر إلى لفظها ، وولاء المعتقين لجميع الورثة ، وللمجيز إذا كان أباً للموصى له ، الرجوع فيها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، والنهي يقتضي الفساد ، ولأنه أوصى بمال غيره فلم يصح ، كالوصية بما استقر ملك وارثه عليه ‏.‏ ولا يعتبر الرد والإجازة إلا بعد الموت ، لأنه لا حق للوارث قبل الموت ، فلم يصح إسقاطه ، كإسقاط الشفعة قبل البيع ‏.‏ فأما من لا وارث له ، ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ تجوز وصيته بماله كله ، لأن النهي معلل بالإضرار بالورثة ، لقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ‏.‏

والثانية ‏:‏ الوصية باطلة ، لأن ماله يصير للمسلمين ، ولا مجيز منهم ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن أوصى بجزء من المال ،فأجازها الوارث ، ثم قال ‏:‏ إنما أجزتها ظناً مني أن المال قليل ، قبل قوله مع يمينه ، لأنه مجهول في حقه ، فلا تصح الإجازة فيه ، ويحتمل أن لا يقبل ، لأنه رجوع عن قول يلزمه به حق ، فلم يقبل ، كالرجوع عن الإقرار ، وإن وصى بعبد ، فأجازه ، ثم قال ‏:‏ ظننت المال كثيراً فأجزته لذلك ، ففيه أيضاً وجهان ‏.‏ وقيل ‏:‏ يصح هنا وجهاً واحداً ، لأن العبد معلوم ‏.‏


فصل ‏:‏

ويعتبر خروجه من الثلث بعد الموت ، لأنه وقت لزوم الوصية واستحقاقها ‏.‏ فلو وصى بثلث ماله ، وله ألفان ، فصار عند الموت ثلاثة آلاف ، لزمت الوصية في الألف ‏.‏ وإن نقصت فصارت ألفاً ، لزمت الوصية في ثلث الألف ‏.‏ وإن وصى ولا مال له ، ثم استفاد مالاً ، تعلقت الوصية به ، وإن كان له مال ، ثم تلف بعضه بعد الموت ، لم تبطل الوصية ‏.‏


باب من تصح وصيته والوصية له ومن لا تصح


من ثبتت له الخلافة ، صحت وصيته بها ، لأن أبا بكر أوصى بها لعمر رضي الله عنهما ، ووصى عمر إلى أهل الشورى ، ولم ينكره من الصحابة منكر ‏.‏ ومن تثبت له الولاية على مال ولده ، فله أن يوصي إلى من ينظر فيه ، لما روى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة قال ‏:‏ أوصى إلى الزبير تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، عثمان، والمقداد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، فكان يحفظ عليهم أموالهم ، وينفق على أبنائهم من ماله ‏.‏

وللولي في النكاح الوصية بتزويج موليته ، فتقوم وصيته مقامه ، لأنها ولاية شرعية ، فملك الوصية لها كولاية المال ‏.‏

وعنه ‏:‏ ليس له الوصية بذلك ، لأنها ولاية لها من يستحقها بالشرع ، فلم يملك نقلها بالوصية كالحضانة ‏.‏ وقال ابن حامد ‏:‏ إن كان لها عصبة ، لم تصح الوصية بها لذلك ، وإن لم تكن صحت ، لعدمه ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن عليه حق تدخل النيابة ، كالدين والحج والزكاة ورد الوديعة ، صحت الوصية به ، لأنه إذا جاز أن يوصي في حق غيره ، ففي حق نفسه أولى ‏.‏ ويجوز أن يوصي إلى من يفرق ثلثه في المساكين وأبواب البر ، لذلك ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن صح تصرفه في المال ، صحت وصيته ، لأنها نوع تصرف ، ومن لا تمييز له ، كالطفل والمجنون والمبرسم ، ومن عاين الموت ، لا تصح وصيته ، لأنه لا قول له ، والوصية قول ، وتصح وصية البالغ المبذر ، لأنه إنما حجر عليه لحفظ ماله له ، وليس في وصيته إضاعة له ، لأنه إن عاش ، فهو له ‏.‏ وإن مات ، لم يحتج إلى غير الثواب ، وقد حصله ‏.‏ وتصح وصية الصبي المميز لذلك ‏.‏ ولأن عمر أجاز وصية غلام من غسان ‏.‏ وقال أبو بكر ‏:‏ إذا جاوز العشر ، صحت وصيته ‏.‏ رواية واحدة ، ومن دون السبع ، لا تصح وصيته ، ومن بينهما ، ففيه روايتان ‏.‏ ويحتمل أن لا تصح وصية الصبي بحال ، لأنه لا يصح تصرفه ، أشبه الطفل ، فأما السكران ، فلا تصح وصيته ، لأنه لا تمييز له ، ويحتمل أن تصح بناء على طلاقه ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا تصح الوصية بمعصية ، كالوصية للكنيسة ، وبالسلاح لأهل الحرب ، لأن ذلك لا يجوز في الحياة فلا تجوز في الممات ، وتصح الوصية للذمي ، لما روي أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أوصت لأخيها بثلاثمائة ألف ، وكان يهودياً ، ولأنه يجوز التصديق عليه ، في الحياة ، فجاز بعد الممات ‏.‏ وتصح الوصية للحربي لذلك ، ويحتمل أن لا تصح ، لأنه لا يصح الوقف عليه ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا تجوز الوصية لوارث ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ لا وصية لوارث وهذا حديث صحيح ، فإن فعل صحت في ظاهر المذهب ، ووقفت على إجازة الورثة ، لما روى ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ لا يجوز لوارث وصية ، إلا أن يشاء الورثة فيدل على أنهم إذا شاؤوا ، وكانت وصية جائزة ، وقال بعض أصحابنا ‏:‏الوصية باطلة ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا وصية لوارث فإن وصى لغير وارث فصار عند الموت وارثاً ، لم تلزم الوصية ‏.‏ وإن وصى لوارث فصار غير وارث لزمت الوصية ، لأن اعتبار الوصية بالموت ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا تصح الوصية لمن لا يملك ، كالميت والملك والجني ، لأنه تمليك فلم يصح لهم ، كالهبة ‏.‏ وإن وصى لحمل امرأة ، ثم تيقنا وجود حالة الوصية ، بأن تضعه لأقل من ستة أشهر منذ أوصى لغاية أربع سنين وليست بفراش ، صحت الوصية ، لأنه ملك بالإرث فملك بالوصية ، كالمولود ‏.‏ وإن وضعته لستة أشهر فصاعداً وهي فراش ، لم تصح الوصية ، لأنه لا يتيقن وجوده حال الوصية ، لأنه لا يتيقن وجوده حال الوصية ‏.‏ وإن ألقته ميتاً ، لم تصح الوصية له ، لأنه لا يرث ‏.‏ وإن أوصى لما تحمل هذا المرأة ، لم يصح ، لأنه تمليك لمن لا يملك ، وإن قال‏:‏ وصيت لأحد هذين الرجلين ، لم يصح ، لأنه تمليك لغير معين ‏.‏ وإن قال ‏:‏ أعطوا هذا العبد لأحد هذين ، صح ، لأنه ليس بتمليك ، إنما هو وصية بالتمليك فجاز ، كما لو قال لوكيله ‏:‏ بع هذا العبد مع أحد هذين ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى لعبد بمعين من ماله ، أو بمائة ، لم يصح ، لأنه يصير ملكاً للورثة فيملكون وصيته ‏.‏ وحكي عنه ‏:‏ أن الوصية صحيحة ‏.‏وإن وصى له بنفسه ، صح وعتق ، وإن وصى له بمشاع ، كثلث ماله ، صح وتعينت الوصية فيه ، لأنه ثلث المال ، أو من ثلثه ‏.‏ وما فضل من الثلث بعد عتقه ، فهو له ‏.‏ وإن وصى لمكاتبه ، صح ، لأنه يملك المال بالعقود ، فصحت الوصية له ، كالحر ‏.‏ وإن وصى لأم ولده ، صح ، لأنها حرة عند الاستحقاق ، وإن وصى لمدبره ، صح ، لأنه إما أن يعتق كله أو بعضه ، فيملك بجزئه الحر ‏.‏ وإن وصى لعبد غيره ، كانت الوصية لمولاه ، لأنه اكتساب من العبد فأشبه الصيد ، ويعتبر القبول من العبد ، فإن قبل السيد ، لم يصح ، لأن الإيجاب لغيره ، فلم يصح قبوله ، كالإيجاب في البيع ‏.‏


باب ما تجوز الوصية


تصح الوصية بكل ما يمكن نقل الملك فيه ، من مقسوم ، ومشاع ، معلوم ، ومجهول ، لأنه تمليك جزء من ماله ، فجاز في ذلك ، كالبيع ‏.‏ وتجوز بالحمل في البطن ، واللبن في الضرع وبعبد من عبيده ، وبما لا يقدر على تسليمه ، كالطير في الهواء ، والآبق ، لأن الموصى له يخلف الموصي في الموصى به ، كخلاف الورثة في باقي المال ، والوارث يخلفه في هذه الأشياء كلها ، كذلك الموصى له ‏.‏ وإن وصى بمال الكتابة ، صح لذلك ‏.‏ وإن وصى برقبة المكاتب ، انبنى على جواز بيعه ‏.‏ فإن جاز ، جازت الوصية به ، وإلا فلا ‏.‏ وإن وصى له بما تحمل جاريته ، أو شاته ، أو شجرته ، صح ، لأن المعدوم يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة ، فجاز أن يملك بالوصية ‏.‏

فصل ‏:‏

وتجوز الوصية بالمنافع ، لأنها كالأعيان في الملك ، بالعقد ، والإرث ، فكذلك في الوصية ‏.‏ وتجوز الوصية بالعين دون المنفعة ، وبالعين لرجل ، والمنفعة لآخر ، لأنهما كالعينين ، فجاز فيهما ما جاز في العينين ‏.‏ وتجوز بمنفعة مقدرة المدة ، ومؤبدة ، لأن المقدرة كالعين المعلومة ، والمؤبدة كالمجهولة فصحت الوصية بالجميع ‏.‏

فصل ‏:‏

وتجوز الوصية بما يجوز الانتفاع به من النجاسات ، كالكلب ، والزيت النجس ، لأنه يجوز اقتناؤه للانتفاع ، فجاز نقل اليد فيه بالوصية ‏.‏ ولا تجوز بما لا يحل الانتفاع به ، كالخمر ، والخنزير ، والكلب الذي يحرم اقتناؤه ، لأنه لا يحل الانتفاع به ، فلا تقر اليد عليه ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز تعليقها على شرط في الحياة ، لأنها تجوز في المجهول ، فجاز تعليقها على شرط ، كالطلاق ‏.‏ ويجوز تعليقها على شرط بعد الموت ، لأن ما بعد الموت في الوصية كحال الحياة ‏.‏ وإن قال ‏:‏ وصيت لك بثلثي ، وإن قدم زيد ، فهو له ، فقدم زيد في حياة الموصي ، فهو له ‏.‏ وإن قدم بعد موته فقال القاضي ‏:‏ الوصية للأول ، لأنه استحقها بموت الموصي فلم ينتقل عنه ‏.‏ ويحتمل أنها للثاني ، لأنه جعلها له بقدومه وقد جود ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن كانت الوصية لغير معين ، كالفقراء ، أو لمن لا يعتبر قبوله ، كسبيل الله ، لزمت بالموت ، لأنه لا يمكن اعتبار القبول ، فسقط اعتباره ‏.‏ وإن كان لآدمي معين ، لم تلزم إلا بالقبول ، لأنها تمليك ، فأشبهت الصدقة ‏.‏ ولا يصح القبول إلا بعد الموت ، لأن الإيجاب لما بعده ، فكان القبول بعده ‏.‏ فإذا قبل ، ثبت له الملك حينئذ ، لأن القبول يتم به السبب ، فلم يثبت الملك قبله ، كالهبة ‏.‏ ويحتمل أنه موقوف ، إن قبل ، بنينا أن ملكه من حين الموت ، لأن ما وجب انتقاله بالقبول ، وجب انتقاله من جهة الموجب بالإيجاب ، كالبيع والهبة ، والمذهب الأول ‏.‏ فما حدث من نماء منفصل قبل القبول ، فهو للوارث ‏.‏ وإن وصى لرجل بزوجته ، فأولدها قبل القبول ، فولده رقيق للوارث ‏.‏ وعلى الاحتمال الثاني ، يكون النماء للموصى له ، وولده الحر ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن رد الوصية في حياة الموصي ، لم يصح الرد ، لأنه لا حق له في الحياة ، فلم يملك إسقاطه ، كالشفيع قبل البيع ‏.‏ وإن ردها بعد الموت قبل القبول ، صح ، لأن الحق ثبت له فملك إسقاطه ، كالشفيع بعد البيع ، وإن رد بعد القبول ، لم يصح الرد ، لأنه ملك ملكاً تاماً فلم يصح رده ، كالعفو عن الشفعة بعد الأخذ بها ‏.‏ فإن لم يقبل ولم يرد ، فللورثة مطالبته بأحدهما ‏.‏ فإن امتنع ، حكمنا عليه بالرد ، لأن الملك متردد بينه وبين الورثة ، فأشبه من تحجر مواتاً وامتنع من إحيائه ، أو وقف في مشرعة ماء يمنع غيره ، ولا يأخذ ‏.‏





فصل ‏:‏

فإن مات الموصى له قبل موت الموصي ، بطلت الوصية ، لأنه مات قبل استحقاقها ‏.‏ فإن مات بعده قبل القبول ، فكذلك في قياس المذهب ، واختيار ابن حامد ، لأنه عقد يفتقر إلى القبول ، فبطل بالموت قبل القبول ، كالهبة ، والبيع ‏.‏ وقال الخرقي ‏:‏ يقوم الوارث مقام الموصى له في القبول والرد ، لأنه عقد لازم من أحد طرفيه فلم يبطل بموت من له الخيار ، كعقد الرهن ‏.‏ فإن قبل الوارث، ثبت الملك له ، فلو وصى لرجل بأبيه ، فمات الموصى له قبل القبول ، فقبل ابنه ، وقلنا بصحة ذلك ، فإن الملك ينتقل إلى الموصى له بموت الوصي ، ورث الموصى به من أبيه السدس ، لأنا تبينا أنه كان حراً ‏.‏ وإن قلنا ‏:‏ لا ينتقل إلا بالقبول ، لم يرث شيئاً ، لأنه كان رقيقاً ‏.‏


باب ما يعتبر من الثلث


ما وصي به من التبرعات ، كالهبة والوقف والعتق والمحاباة ، اعتبر من الثلث سواء كانت الوصية في الصحة ، أو المرض ، لأن لزوم الجميع بعد الموت ‏.‏

وعنه ‏:‏ أن الوصية في الصحة من رأس المال ، والأول أصح ‏.‏ فأما الواجبات ، كقضاء الدين والحج والزكاة ، فمن رأس المال ، لأن حق الورثة بعد أداء الدين ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏من بعد وصية يوصى بها أو دين‏}‏ ‏.‏ وقال علي رضي الله عنه ‏:‏ ‏(‏‏(‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الدين قبل الوصية‏)‏‏)‏ رواه الترمذي ‏.‏ والواجب لحق الله بمنزلة الدين ‏.‏ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ دين الله أحق أن يقضى فإن وصى بها مطلقاً ، أو من رأس ماله ، فهي من رأس ماله ، فإن قال ‏:‏ أخرجوها من ثلثي ، أخرجت من الثلث ، وتممت من رأس المال ‏.‏ فإن كان معها وصية بتبرع ، فقال القاضي ‏:‏ يبدأ بالواجب ، فإن فضل عنه من الثلث شيء ،فهو للموصى له بالتبرع ، فإن لم يفضل شيء ، سقط ، إلا أن يجيز الورثة ‏.‏ ويحتمل أن يقسم الثلث بين الوصيين بالحصة ، فما بقي من الواجب ، تمم من الثلثين ، فيدخله الدور ، ويحتاج إلى العمل بطريق الجبر ، فتفرض المسألة فيمن وصى بقضاء دينه ، وهو عشرة ، ووصى لآخر بعشرة ، وتركته ثلاثون ، فاجعل تتمة الواجب شيئاً ، ثم خذ ثلث الباقي وهو عشرة إلا ثلث شيء ، قسمها بين الوصيين ، فحصل لقضاء الدين خمسة إلا سدس شيء ، إذا أضفت إليه الشيء المأخوذ كان عشرة ، فأجبر الخمسة من الشيء بسدسه ، يبقى خمسة دنانير وخمسة أسداس شيء تعدل العشرة ، فالشيء ستة ، وحصل لصاحب الوصية الأخرى أربعة ‏.‏

فصل ‏:‏

فأما عطيته في صحته ، فمن رأس ماله ، لأنه مطلق في التصرف في ماله ، لا حق لأحد فيه ‏.‏ وإن كان في مرض غير مخوف ، فكذلك ، لأنهم في حكم الصحيح ‏.‏ وإن كان مخوفاً اتصل به الموت ، فعطيته من الثلث ، لما روى عمران بن حصين ‏:‏ أن رجلاً أعتق ستة أعبد له عند موته ، لم يكن له مال غيرهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة ، وقال له قولاً شديداً ‏.‏ رواه مسلم ‏.‏ ولأنه في هذه الحال لا يأمن الموت ، ، فجعل كحال الموت ‏.‏ فإن برئ ثم مرض ومات ، فهو من رأس المال ، لأنه ليس بمرض الموت ‏.‏ وإن وهب ما يعتبر قبضه وهو صحيح ، وأقبضه وهو مريض ، اعتبر من الثلث ، لأنه لم يلزم إلا بالقبض الذي وجد بالمرض ‏.‏

فصل ‏:‏

والمرض المخوف كالطاعون ، والقولنج ، والرعاف الدائم ، والإسهال المتواتر ، والحمى المطبقة ، وقيام الدم ، والسل في انتهائه ، والفالج في ابتدائه ، ونحوها ‏.‏ وغير المخوف ، كالجرب ووجع الضرس ، والصداع اليسير ، والإسهال اليسير من غير دم ، والسل قبل تناهيه ، والفالج إذا طال ‏.‏ فأما الأمراض الممتدة فإن أضني صاحبها على فراشه ، فهي مخوفة ، وإلا فلا ‏.‏ وقال أبو بكر ‏:‏ فيها وجه آخر أنها مخوفة على كل حال ، فإن أشكل شيء من هذه الأمراض ، رجع إلى قول عدلين من أهل الطب ، لأنهم أهل الخبرة به ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن ضرب الحامل الطلق ، فهو مخوف ، لأنه من أسباب التلف ، وما قبل ستة أشهر فهي في حكم الصحيح ‏.‏ فإن صار له ستة أشهر ، فقال الخرقي ‏:‏ عطيتها من الثلث ، لأنه وقت لخروج الولد ، وهو من أسباب التلف ‏.‏ وقال غيره ‏:‏ هي كالصحيح ، لأنه لا مرض بها ‏.‏ وإن وضعت الولد وبقيت معها المشيمة ، أو حصل مرض ، أو ضربان ، فهو مخوف ، وإلا فلا ، ومن كان بين الصفين حال التحام الحرب ، أو في البحر في هيجانه ، أو أسير قوم عادتهم قتل الأسرى ، أو قدم للقتل ، أو حبس له، أو وقع الطاعون ببلده ، فعطيته من الثلث ، لأنه يخاف الموت خوف المريض وأكثر ، فكان مثله في عطيته ‏.‏ قال أبو بكر ‏:‏ وفيه رواية أخرى ‏:‏ أن عطاياهم من جميع المال ، لأنه لا مرض بهم ‏.‏

فصل ‏:‏

فأما بيع المريض بثمن المثل ، وتزويجه بمهر المثل ، فلازم من جميع المال ، لأنه ليس بوصية ، إنما الوصية التبرع ، وليس هذا تبرعاً ‏.‏ وإن حابى في ذلك ، اعتبرت المحاباة من الثلث ، لأنها تبرع ، وإن كاتب عبده ، اعتبرت من الثلث ، لأن ما يأخذه عوضاً من كسب عبده ، وهو مال له ، فصار كالعتق بغير عوض ‏.‏ وإن وهب له من يعتق عليه ، فقبله ، عتق من المال كله ، لأنه لم يخرج من ماله شيئاً بغير عوض ‏.‏ وإن مات ، ورثه ، لأنه ليس بوصية ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن عجز الثلث عن التبرعات ، قدمت العطايا على الوصايا ، لأنها أسبق ، فإن عجز الثلث عن العطايا ، بدئ بالأول فالأول ، عتقاً كان أو غيره ، لأن السابق استحق الثلث ، فلم يسقط بما بعده ، وإن وقعت دفعة واحدة ، تحاصوا في الثلث ، وأدخل النقص على كل واحد بقدر عطيته ، لأنهم تساووا في الحق ، فقسم بينهم كالميراث ‏.‏

وعنه ‏:‏ أن العتق يقدم ، لأنه آكد ، لكونه مبنياً على التغليب والسراية ، فإن كان العتق لأكثر من واحد ، أقرع بينهم فكمل العتق في بعضهم ، لحديث عمران ، ولأن القصد تكميل الأحكام في العبد ، ولا يحصل إلا بذلك ، وإن قال‏:‏ إن أعتقت سالماً ، فغانم حر ، ثم أعتق سالماً ، قدم على غانم ، لأنه عتقه أسبق ‏.‏ وإن قال ‏:‏ إن أعتقت سالماً فغانم حر مع حريته ، فكذلك ، لأننا لو أعتقنا غانماً بالقرعة ، لرق سالم ، ثم بطل عتق غانم ، لأنه مشروط بعتق سالم ، فيفضي عتقه إلى بطلان عتقه ، وإن كانت التبرعات وصايا ، سوي بين المتقدم والمتأخر ، لأنها توجد عقيب موته دفعة واحدة ، فتساوت كلها ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا أعتق بعض العباد بالقرعة ، تبينا أنه كان حراً من حين الإعتاق فيكون كسبه له ‏.‏ وإن أعتق بعضه ، ملك من كسبه بقدره ‏.‏ فإن أعتق عبداً لا يملك غيره ـ قيمته مائة ـ فكسب في حياة سيده مائة ، عتق نصفه ، وله نصف كسبه ، ويحصل للورثة نصفه ، ونصف كسبه ، وذلك مثلا ما عتق منه ، فطريق عملها أن يقول ‏:‏ عتق منه شيء وله من كسبه شيء ، وللورثة شيئان ، فيقسم العبد وكسبه على أربعة أشياء ، فيخرج للشيء خمسون ، وهو نصف العبد ‏.‏ ولو كسب مثلي قيمته ، لقلت ‏:‏ عتق منه شيء ، وله من كسبه شيئان ، وللورثة شيئان ، فيعتق منه ثلاثة أخماسه ، وله ثلاثة أخماس كسبه ، وللورثة الخمسان ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وهب المريض مريضاً عبداً قيمته عشرة لا يملك غيره ، ثم وهبه الثاني للأول ، ولا يملك غيره ، فقد صحت هبة الأول في شيء ، وصحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء ، بقي له ثلثا شيء ، ولورثة الأول شيئان ، أبسط الجميع أثلاثاً ، تكن ثمانية والشيء ثلاثة ، فلورثة الأول ستة هي ثلاث أرباع العبد ، ولورثة الثاني ربعه ‏.‏

فصل ‏:‏

ولو تزوج المريض امرأة صداق مثلها خمسة ، فأصدقها عشرة لا يملك غيرها ، فماتت قبله ، ثم مات ، فقد صح لها بالصداق خمسة وشيء ، وعاد إلى الزوج نصف ذلك ديناران ونصف ، ونصف شيء ، فصار لورثته سبعة ونصف ، إلا نصف شيء ، تعدل شيئين ، أجبرها بنصف الشيء ، تصر شيئان ونصف ، تعدل سبعة ونصفان ، أبسطها ، تصر خمسة ، تعدل خمسة عشر ‏.‏ فالشيء إذاً ثلاثة ، فلورثة الزوج ستة ، ولورثتها ، أربعة ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن باع المريض عبداً لا يملك غيره قيمته ثلاثون ، بعشرة ، فأسقط الثمن من قيمته ، ثم انسب ثلث العبد كله إلى الباقي من ثمنه ، يكن نصفه ، فيصح البيع في نصفه بنصف ثمنه ‏.‏ ولو اشتراه بخمسة عشر ‏.‏ كانت نسبة الثلث إلى باقيه بثلثين ، فيصح البيع في ثلثه بثلثي ثمنه ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن وصى لرجل بثلث ماله ومنه حاضر وغائب وعين ودين ، فللموصى له ثلث العين الحاضرة ، وللورثة ثلثاها ، وكلما اقتضى من الدين شيء ، أو حضر من الغائب شيء ، اقتسموه أثلاثاً ، لأنهم شركاء فيه ‏.‏ وإن وصى بمائة حاضرة وله مائتان غائبة ، أو دين ، ملك الموصى له ثلث الحاضرة ، وله التصرف فيه في الحال ، لأن الوصية فيه نافذة ، فلا فائدة من وقفه ، ووقف ثلثاها ، فكلما حضر من الغائب شيء أخذه الوارث ، واستحق الموصى له من الحاضرة قدر ثلثه ، وإن تلفت الغائبة ، فالثلثان للورثة ، وكذلك لو دبر عبده ومات وله دين مثلاه ، عتق ثلثه ، ووقف ثلثاه لما ذكرناه ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى له بمنفعة عبد سنة ، ففي اعتبارها في الثلث وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ تقوم المنفعة سنة ، ويقوم العبد مسلوب المنفعة سنة على الوارث ‏.‏

والثاني ‏:‏ يقوم العبد كامل المنفعة ، ويقوم مسلوب المنفعة سنة ، فيعتبر ما بينهما ‏.‏ وإن وصى بنفعه حياه ‏.‏ ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يقوم العبد بمنفعته ، ، ثم يقوم مسلوب المنفعة ، فما زاد على قيمة الرقبة المنفردة ، فهو قيمة المنفعة ‏.‏

والثاني ‏:‏ يقوم العبد بمنفعته على الموصى له ، لأن عبداً لا نفع فيه لا قيمة له ‏.‏ وإن وصى لرجل بنفعه ، ولآخر برقبته ، اعتبر خروج العبد بمنفعته من الثلث وجهاً واحداً ‏.‏ وإن وصى له بثمرة شجرة أبداً ، ففي التقويم الوجهان لما ذكرناه ‏.‏
باب الموصى له


إذا أوصى لجيرانه ، صرف إلى أربعين داراً من كل جانب ، لما روى أبو هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ الجار لأربعون داراً ، هكذا ، وهكذا ، وهكذا ، وهكذا ، وهكذا ‏.‏

وإن أوصى للعلماء ، فهو للعلماء بالشرع دون غيرهم ، لأنه لا يطلق هذا الاسم على غيرهم ، ولا يستحق من يسمع الحديث ولا معرفة له به ، لأن مجرد سماعه ليس بعلم ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن أوصى للأيتام ، فهو لمن لا أب له غير بالغ ، لأن اليتيم فقد الأب من الصغر ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا يتيم بعد احتلام رواه أبو داود ‏.‏ ويدخل فيه الغني والفقير ، لشمول الاسم لهم ‏.‏ والأرامل ‏:‏ النساء غير ذوات الأزواج ‏.‏ لأن الاسم لا يطلق في العرف على غيرهن ، وتستحق منه الغنية والفقيرة لذلك ، فإن قيل ‏:‏ فقد قال الشاعر ‏:‏

هذي الأرامل قد قضيت حاجتها فمن لحاجة هذه الأرامل الذكر ‏؟‏

فسمى الذكر أرملاً ‏.‏ قلنا ‏:‏ هذا البيت حجة لنا ، فإنه لم يدخل الذكور في لفظ الأرامل ، إذ لو دخلوا لكان الضمير ضمير الذكور ، فإنه متى اجتمع ضمير المذكر والمؤنث غلب ضمير التذكير ، وإنما سمى نفسه أرملاً ، تجوزاً ، وكذلك وصفه بكونه ذكراً ‏.‏ والعزاب ‏:‏ من لا أزواج لهم من الرجال والنساء ، يقال ‏:‏ رجل عزب ‏.‏ وامرأة عزبة ، والأيامى مثل العزاب سواء ‏.‏ قال الشاعر ‏:‏

فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت أفتى منكم أتأيم

ويحتمل أن يختص العزاب بالرجال ، والأيامى بالنساء ، لأن الاسم في العرف لهم دون غيرهم ، ولأنه لو كان الأيم مشتركاً بينهما لاحتيج إلى الفرق بهاء التأنيث ، كقائم وقائمة ، فلما أطلق على المؤنث بغيرها ، دل على اختصاصها به ، كطالق وحائض وشبههما ‏.‏

فصل ‏:‏

والغلمان والصبيان ‏:‏ الذكور ممن يبلغ ، لأن الاسم في العرف لهم دون غيرهم ‏.‏ والفتيان والشبان ‏:‏ اسم للبالغين إلى الثلاثين ‏.‏ والكهول ‏:‏ من جاوز ذلك إلى الخمسين ‏.‏ وقيل في قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏يكلم الناس في المهد وكهلا‏}‏ هو ابن ثلاثين ‏.‏ والشيوخ ‏:‏ من جاوز الخمسين إلى آخر العمر ‏.‏ والعانس ‏:‏ من الرجال والنساء ‏:‏ من كبر ولم يتزوج ، قال قيس بن رفاعة الواقفي ‏:‏

فينا الذي ما عدا أن طر شاربه والعانسون وفينا المرد والشيب

فصل ‏:‏

ومن وصى لصنف من أصناف الزكاة ، صرف إلى من يستحق الزكاة من ذلك الصنف ، ويعطي من الوصية والوقف حسب ما يعطى من الزكاة ، إلا الفقراء والمساكين ، فإنه إذا وصى لأحد الصنفين ، دخل الآخر في الوصية ، لأنهما صنفان في الزكاة ، وصنف في سائر الأحكام ، لشمول الاسم للقسمين وإن وصى لأقاربه ، أو أهل قريته ، لم يدخل الكافر في الوصية إذا كان الموصي مسلماً ، لأنهم لم يدخلوا في وصية الله تعالى للأولاد بالميراث ‏.‏ وإن كان الموصي كافراً ‏.‏ لم يدخل المسلم في وصيته في أحد الوجهين لذلك ، ويدخهل في الآخر لعموم اللفظ فيه ، وكونه أحق بالوصية له من الكافر ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن وصى لحمل امرأة فولدت ذكراً وأنثى ، فهما سواء ، لأنه عطية فاستوى فيها الذكر والأنثى ، كالهبة ‏.‏ وإن قال ‏:‏ إن ولدت ذكراً ، فله ألف ‏.‏ وإن ولدت أنثى ، فلها مائة ، فولدت ذكراً وأنثى ، فلكل واحد منهما ما عين له ‏.‏ وإن ولدت خنثى ، فله مائة لأنه اليقين ، ويوقف الباقي حتى يتبين ‏.‏ وإن ولدت ذكرين وأنثيين ، شرك بين الذكرين في الألف ، وبين الأنثيين في المائة ، لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر ‏.‏ ولو قال ‏:‏ إن كان ما في بطنك ذكر ، فله ألف ، وإن كان أنثى ، فله مائة ، فولدت ذكراً وأنثى ، فلا شيء لواحد منهما ‏.‏ لأنه شرط أن يكون جميع ما في البطن على هذه الصفة ولم توجد ‏.‏


فصل ‏:‏

ومتى كانت الوصية لجمع يمكن استيعابهم ، لزم استيعابهم والتسوية بينهم ، لأن اللفظ يقتضي التسوية ، فأشبه ما لو أقر لهم ، وإن لم يكن استيعابهم ، صحت الوصية لهم ، وجاز الاقتصار على واحد ، لأنه لما أوصى لهم عالماً بتعذر استيعابهم ، علم أنه لم يرد ذلك ، إنما أراد أن لا يتجاوزهم بالوصية ، ويحصل ذلك بالدفع إلى واحد منهم ، ويحتمل أن لا يجزئ الدفع إلى أقل من ثلاثة ، بناء على قولنا في الزكاة ‏:‏ ويجوز تفضيل بعضهم على بعض ، لأن من جاز حرمانه جاز تفضيل غيره عليه ، سواء كانت الوصية لقبيلة ، أو أهل بلدة ، أو الموصوفين بصفة ، كالمساكين ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى لزيد والمساكين ، فلزيد النصف ، وللمساكين النصف ، لأنه جعلها لجهتين ، فوجب قسمها نصفين ، كما لو وصى لزيد وعمرو ، وإن وصى لزيد والفقراء والمساكين ، فلزيد الثلث لذلك ‏.‏ وإن وصى لزيد بدينار ، وللفقراء بثلاثة وزيد فقير ، لم يعط غير الدينار ، لأنه قطع الاجتهاد في الدفع إليه بتقدير حقه بدينار ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن قال له ‏:‏ ضع ثلثي حيث يريك الله ، ولم يملك أخذه لنفسه ، لأنه تمليك ملكه بالإذن ، فلم يملك صرفه إلى نفسه ، كالبيع ، ولا إلى ولده ، ولا إلى والده ، لأنه بمنزلته ، ولهذا منع من قبول شهادته له ، ويحتمل جواز ذلك لعموم لفظ الموصي فيهم ، وله وضعها حيث أراه الله ، والمستحب صرفها إلى فقراء أقارب الميت ممن لا يرثه ، لأنهم أولى الناس بوصية الميت وصدقته ، ونقل المروذي عن أحمد رضي الله عنه فيمن وصى بثلثه في أبواب البر ‏:‏ يجزئ ثلاثة أجزاء في الجهاد ، وجزء يتصدق به في قرابته ، وجزء في الحج ‏.‏ ويحتمل أن يصرف في أبواب البر كلها ، وهي ، كل ما فيه قربة ، لأن لفظه عام ولا نعلم قرينة مخصصة ، فوجب إبقاؤه على العموم ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا وصى بشيء لله ولزيد ، فجميعه لزيد ، لأن ذكر الله تعالى للتبرك باسمه ، ، كقوله سبحانه ‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمس‏}‏ وإن وصى بشيء لزيد ولمن لا يملك ، كجبريل والرياح والميت ، فالموصى به كله لزيد ، ويحتمل أن له نصف الموصى به ، لأنه شريك بينه وبين غيره ، فلم يكن له أكثر من النصف ، كما لو كان شريكه ممن يملك ‏.‏ وإن أوصى لزيد وعمرو ، فبان أحدهما ميتاً ، فليس لأحدهما إلا نصف الوصية ، لأنه قاصد للتشريك بينهما ، لاعتقاده حياتهما ‏.‏


باب الوصية بالأنصباء


إذا وصى لرجل بسهم من ماله ، فحكى فيها الخرقي فيها روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ للموصى له السدس ، لأنه يروى عن ابن مسعود ، أن رجلاً وصى لرجل بسهم من ماله ، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سدس المال ‏.‏ وقال إياس بن معاوية ‏:‏ السهم في كلام العرب السدس ، فإن كان الورثة عصبة ، أعطي سدس جميع المال ، والباقي للعصبة ، وإن كانوا ذوي فرض ، أعيلت المسألة بالسدس ، فيصير له السبع ، وإن أعيلت الفريضة ، أعيل سهمه أيضاً ، لأنه ليس بأحسن حالاً من الوارث ‏.‏

والثانية ‏:‏ يعطى سهماً مما تصح منه الفريضة مزاداً عليه ، لأن وصيته من الفريضة ، فيكون سهماً على سهمانها ‏.‏ قال القاضي ‏:‏ ويشترط أن لا يزيد على الثلث ، فإن زاد عليه ، رد إلى السدس ‏.‏ واختار الخلال وصاحبه ‏:‏ أن يعطى أقل سهم من سهام الورثة ، فيكون ذلك بمنزلة الوصية بنصيب وارث ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى له بنصيب ، أو حظ ، أو جزء من ماله ، أعطاه الورثة ما شاؤوا ، لأن كل شيء يقع عليه اسم ذلك ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى له بمثل نصيب أحد ورثته ، أعطي بمثل ما لأقلهم نصيباً ، لأنه اليقين ، يزاد ذلك على مسألة الورثة ‏.‏ فإن كان له ابن ، فله النصف ، لأنه سوى بينهما ، ولا تحصل التسوية إلا بذلك ، وإن كان له ابنان ، فللموصى له الثلث ‏.‏ وإن أوصى بنصيب أحدهما ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يصح ويكون ذلك كناية عن مثل نصيبه بتقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يصح ، لأن نصيب الابن له ، فلا تصح الوصية به ، كما لو وصى بماله من غير الميراث ‏.‏ وإن وصى بمثل نصيب ابنه الكافر ، أو الرقيق ، فالوصة باطلة ، لأنه وصى بمثل نصيبل من لا نصيب له ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى له بضعف نصيب ابنه ، فله مثل نصيبه مرتين ، لأن ضعف الشيء مثلاه ‏.‏ وإن وصى له بضعفي نصيب ابنه ، فقال أصحابنا ‏:‏ له ثلاثة أمثاله ، وثلاثة أضعافه ، وأربعة أمثاله ، لأن ضعف الشيء ‏:‏ هو ومثله ، وضعفاه ‏:‏ هو ومثلاه ‏.‏ وقال ذلك أبو عبيدة ‏.‏

واختياري ‏:‏ أن ضعفي الشيء مثلاه ، بمنزلة ضعفه ، لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏فآتت أكلها ضعفين‏}‏ أي مثلين قال أهل التفسير ‏.‏ وكذلك ‏:‏ ‏{‏يضاعف لها العذاب ضعفين‏}‏ وقال هشام بن معاوية النحوي ‏:‏ العربي يتكلم بالضعف مثنى ، فيقول ‏:‏ إن أعطيتني درهماً ، فلك ضعفاه ، أي ‏:‏ مثلاه ، قال ‏:‏ وإفراده لا بأس به ، والتثنية أحسن ، فعلى هذا ثلاثة أضعاف ‏:‏ ثلاثة أمثاله ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى لرجل بجزء مقدر من ماله ، كثلث أو ربع ، أخذته من مخرجه ، فدفعته إليه ، وقسمت الباقي على مسألة الورثة ، إن انقسم ، وإلا ضربت مسألة الورثة ، أو وفقها من مخرج الوصية ، فما بلغ ، فمنه تصح ‏.‏ فإن كان أكثر من الثلث ، فأجاز الورثة ، فكذلك ، وإن ردوا ، أعطيت الموصى له الثلث ، وجعلت للورثة الثلثين ، وإن وصى بجزأين ، مثل أن يوصي لرجل بثلث ماله ، ولآخر بنصفه ، أخذت مخرج الوصيتين ، وضربت إحداهما في الأخرى ، تصير ستة ، فأعطيت صاحب النصف ثلاثة ، وصاحب الثلث سهمين إن أجاز الورثة ، وإن ردوا ، قسم الثلث بينهما على خمسة ، وضربت ذلك في ثلاثة ، تكن خمسة عشر ، للوصيين خمسة ، وللورثة عشرة ، لأن ما قسم متفاضلاً عند اتساع المال ، قسم متفاضلاً عند ضيقه ، كالمواريث ، وإن أجازوا لأحدهما دون الآخر ضربت مسألة الإجازة في مسألة الرد ، أو وفقها إن وافقت ، وأعطيت المجاز له سهامه من مسألة الإجازة مضروبة في مسألة الرد ، أو وفقها ، وأعطيت الآخر سهامه من مسألة الرد مضروبة في مسألة الإجازة أو وفقها ‏.‏ ولو وصى لرجل بجميع ماله ، ولآخر بثلثه ، قسمت المال على أربعة ، لصاحب المال ثلاثة ، ولصاحب الثلث سهم ، لأن السهام في الوصايا ، كالسهام في الميراث تعال بالزائد ، وإن لم يجيزوا ، قسم الثلث على أربعة ، فإن أجازوا لصاحب الكل وحده ، فلصاحب الثلث ربع الثلث ، لأن ذلك كان له في حال الرد عليهما ، وفي صاحب المال وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ له الباقي كله ، لأنه موصى له به ، وإنما امتنع منه في حال الإجازة لهما ، لمزاحمة صاحبه له ، فإذا زالت المزاحمة في الباقي ، كان له ‏.‏

والثاني ‏:‏ ليس له إلا ثلاثة أرباع المال التي كانت له في حال الإجازة لهما ، والباقي للورثة ، لأنه من نصيب صاحب الثلث ‏.‏ وإن أجازوا لصاحب الثلث وحده ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ له الثلث كاملاً ‏.‏

والثاني ‏:‏ له الربع ، ولصاحب المال الربع ، والباقي للورثة ، وإن كثرت السهام ، كرجل أوصى لرجل بالمال ، ولآخر بنصفه ، ولآخر بثلثه ، ولآخر بربعه ، ولآخر بسدسه ، أخذت مخرجاً يجمع الكسور فجعلته المال ، وهو هنا اثنا عشر ، ثم زدت عليه نصفه وثلثه وربعه وسدسه ، فبلغ الجميع سبعة وعشرين ، فيقسم المال بينهم إن أجيز لهم ، أو الثلث إن رد عليهم ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن أوصى لرجل بثلث ماله ، ولآخر بمثل نصيب أحد ورثته ، وهما اثنان ، ففيها وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ أن يعطي الثلث لصاحبه ، ويقسم الباقي بين الاثنين ، والوصي الآخر على ثلاثة ، فتصح المسألة من تسعة ، للموصى له بالثلث ثلثه ، وللآخر سهمان ، ولكل ابن سهمان ‏.‏ وإن ردا ، قسمت الثلث بين الوصيين على خمسة ‏.‏ والوجه الآخر ‏:‏ أن صاحب النصيب موصى له بثلث المال ، لأننا لا نرتب الوصايا بعضها على بعض ، فعلى هذا إن أجيز لهما ، فللوصين الثلثان ، وللابنين الثلث ‏.‏ فإن ردا ، فالثلث بينهما على اثنين ، والثلثان للابنين ‏.‏ وتصح من ستة ‏.‏ فإن كانت الوصية الأولى بالنصف ، ففيه وجه ثالث ‏.‏ وهو ‏:‏ أن تجعل لصاحب النصيب نصيبه من الثلثين وهو ثلثهما ، ولصاحب النصف إن أجاز الورثة ‏.‏ وإن ردوا ، قسمت الثلث بين الوصيين على ثلاثة عشر سهماً ، والثلثان للابنين ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى لرجل بمثل نصيب أحد ورثته ، ولآخر بجزء مما يبقى من المال ، كرجل له ثلاثة بنين أوصى بمثل نصيب أحدهم ، ولآخر بثلث ما بقي ، فعلى الوجه الذي نقول لصاحب النصيب في المسألة التي قبلها ثلث المال ، له ها هنا ربع المال ، ويكون للآخر ربع أيضاً ، يبقى سهمان من أربعة لثلاثة بنين ، وتصح من اثني عشر سهماً ، لكل واحد من الوصيين ثلاثة ، ولكل ابن سهمان وإن ردوا عليهما ، قسمت الثلث بين الوصيين نصفين ، والباقي للبنين ، وعلى الوجه الآخر لا يزاد صاحب النصيب على ميراث ابن ، لأنه قصد التسوية بينه وبينهم ‏.‏ ولك في عملها طرق ‏:‏

أحدها ‏:‏ أن تضرب مخرج إحدى الوصيتين في الأخرى ، وهو هنا ثلاثة في أربعة ، تكن اثني عشر ، ثم تنقصه سهماً يبقى أحد عشر ، فمنه تصح ، ثم تأخذ مخرج الجزء وهو ثلاثة تنقصها سهماً يبقى سهمان وهو النصيب ‏.‏

الطريق الثاني ‏:‏ أن تجعل المال ثلاثة أسهم ونصيباً ، تدفع النصيب إلى صاحبه ، وإلى الوصي الآخر ثلث الباقي سهماً ، يبقى سهمان بين البنين لكل واحد ثلثا سهم ، فتعلم أن النصيب ثلثا سهم ‏.‏ فإذا بسطتها أثلاثاً كانت أحد عشر ‏.‏

الطريق الثالث ‏:‏ أن تقول ثلاثة أسهم بقية مال ذهب ثلثه ، فرد عليه نصفه وسهماً ، صارت خمسة ونصفاً ، وإذا بسطتها ، كانت أحد عشر ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى لرجل بمثل نصيب أحد ورثته ، ولآخر بثلث ما بقي من الثلث ، فاجعل المال تسعة أسهم وثلاثة أنصباء ، ادفع نصيباً إلى صاحبه ، وإلى الآخر سهمان ، وادفع نصيبين إلى ابنين ، يبقى ثمانية أسهم الابن الثالث ، فتبين أن النصيب ثمانية أسهم ، والمال ثلاثة وثلاثون ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن كان له مائتا درهم وعبد قيمته مائة ، فأوصى لرجل بثلث ماله ، ولآخر بالعبد ، فقد أوصى بثلثي ماله ، فإن لم يجز الورثة ، رددت وصة كل واحد منهما إلى نصفها ، فلصاحب العبد نصفه ، وللآخر سدس المائتين وسدس العبد ، ويحتمل أن يقتسما الثلث على حسب ما يحصل لهما في الإجازة ، فيكون بينهما على عشرين ، لصاحب العبد تسعة وهي ربع العبد وخمسه ، ولصاحب الثلث أحد عشر وهي سدس المال وسدس عشره ، وإن أجازوا لهما ، فللموصى له بالثلث ثلث المائتين ، لأنه لا مزاحم له فيهما ، أو يزدحم هو وصاحب العبد فيه ، لأنه قد أوصى لأحدهما بجميعه ، وللآخر بثلثه ، فيقسم بينهما على أربعة ، لصاحبه ثلاثة أرباعه ، ولصاحب الثلث ربعه ، فإن أجازوا لصاحب الثلث وحده ، فله ثلث المائتين ‏.‏ وهل يستحق ثلث العبد أو ربعه ‏؟‏ على وجهين ‏.‏ ولصاحب العبد نصفه ‏.‏ وإن أجازوا لصاحب العبد وحده ، فلصاحب الثلث سدس المائتين وسدس العبد ، ولصاحب العبد خمسة أسداس في أحد الوجهين ، وفي الآخر ثلاثة أرباعه التي كانت له في حال الإجازة لهما ، وباقيه للورثة ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن أوصى بنصف ماله لوارثه وأجنبي ، فأجيز لهما ، فهو بينهما ، وإن رد عليهما ، أو على الوارث وحده ، فللأجنبي السدس ، الباقي للورثة ، وإن وصى لكل واحد بثلث ماله ، فأجيز لهما ، جاز لهما ، وإن رد عليهما ، فقال القاضي ‏:‏ إن عينوا وصية الوارث بالإبطال ، فالثلث كله للأجنبي ، وإن ابطلوا الزائد على الثلث من غير تعيين ، فللثلث الباقي بين الوصيين ‏.‏ وقال أبو الخطاب ‏:‏ فيها وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ أن الثلث كله للأجنبي ‏.‏

والثاني ‏:‏ للأجنبي السدس ويبطل الباقي ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى له بمثل نصيب أحد ورثته إلا جزءاً من المال ، مثل أن يوصي لرجل بمثل نصيب أحد بينه ـ وهم ثلاثة ـ إلا ربع المال ، فاجعل لكل ابن ربع المال ، واقسم الباقي بينهم وبين الموصى له على أربعة لا تنقسم ، واضرب عدد في مخرج الربع تكن ستة عشر ، له سهم ، ولكل ابن خمسة ، وإن قال ‏:‏ إلا سدساً ، فضلت كل ابن بسدس ، وقسمت الباقي بينهم وبين الوصي على ما ذكرناه ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى له بنصف نصيب أحدهم إلا ربع ما يبقى بعد النصيب ، فرضت المال بقدر مخرج الجزء المستثنى ـ وهو أربعة ـ وزدت عليه نصيباً ، واستثنيت من النصيب سهماً رددته على السهام ، صارت خمسة بين البنين ، لكل ابن سهم وثلثان ، فهو النصيب ، فتبين أن المال خمسة وثلثان ، إذا بسطتها تكن سبعة عشر ، للموصى له سهمان ، ولكل ابن خمسة ‏.‏ فإن كان أوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع الباقي بعد الوصية ، فرضت أقل من مخرج الجزء الموصى به ، وذلك ثلاثة ، وزدت نصيباً ، ثم استثنيت من النصيب سهماً ، وزدته على الثلاثة ، صارت أربعة بين البنين ، لكل ابن سهم وثلث ، فتبين أن النصيب سهم وثلث ، إذا بسطتها ، صارت ثلاثة عشر سهماً ، ومنهما تصح ‏.‏


باب جامع الوصايا


إذا أوصى من عبد من عبيده ، ولا عبيد له ، أو بعبده الحبشي ولا حبشي له ، أو بعبده سالم وليس ذلك له ، فالوصية باطلة ، لأنه وصى له بما لا يملك ، أشبه إذا وصى له بداره ولا دار له ، وعن أحمد في رجل قال ‏:‏ أعطوا فلاناً من كيسي مائة ولم يكن في الكيس مائة ‏:‏ يعطى مائة درهم ، فلم تبطل الوصية ، فيخرج هاهنا مثله ، لأنه لما تعذرت الصفقة ، بقي أصل الوصية ، فيشترى له عبد ‏.‏ فإن كان له عبيد أعطي واحداً بالقرعة في إحدى الروايتين ، لأنهم تساووا بالنسبة إلى استحقاقه ، فيصار إلى القرعة ، كما لو أعتق واحداً منهم ‏.‏

والثانية ‏:‏ يعطيه الورثة ما شاؤوا من سليم ومعيب ، وصغير وكبير ، لأنه يتناوله الاسم ، فيرجع إلى رأي الورثة ، كما لو وصى له بخط أو نصيب ، ولا عرف في هبة الرقيق ، فرجع إلى ما يتناوله الاسم ، فإن مات رقيقه قبل موته أو بعده ، بطلت الوصية ، لفوات ما تعلقت به الوصية به من غير تفريط ‏.‏ وإن بقي منهم واحد ، تعينت الوصية فيه ، لوجوده منفرداً ‏.‏ وإن قتلوا قبل موت الوصي ، بطلت الوصية ، لأنه جاء وقت الوجوب ، ولا رقيق له ‏.‏ وإن قتلوا بعد موته ، وجبت له قيمة أحدهم ، لأنه بدل ما وجب له ، وإن لم يكن له عبيد حين الوصية ، فاستحدثت عبداً ، احتمل صحة الوصية اعتباراً بحالة الموت ، واحتمل ، أن لا تصح ، لأن ذلك يقتضي من عبيده الموجودين حال الوصية ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى بعتق عبد ، وله عبيد ، احتمل أن يجزئ عتق ما وقع عليه الاسم ، لعموم اللفظ ، واحتمل أن لا يجزئ ، إلا عتق رقبة تجزئ في الكفارة ، لأن للعتق عرفاً شرعياً ، فحملت الوصية عليه ، وهل يعتق أحدهم بالقرعة ، أو يرجع إلى اختيار الورثة ‏؟‏ على وجهين ‏.‏ وإن عجز الثل عن عتق رقبة كاملة ، عتق منه قدر الثلث ، إلا أن يجيز الورثة عتق جميعه ‏.‏ وإن وصى بعتق عبيد ، فلم يخرج من الثلث إلا واحد ، عتق واحد منهم بالقرعة ‏.‏ وإن وصى أن يشترى بثلثه رقاب يعتقون ، فأمكن شراء ثلاث رقاب بثمن رقبتين غاليتين ، فعتق الثلاثة أولى ، لأنه تخليص لثلاثة ، وإن اتسع لرقبتين وبعض أخرى ، زيد في ثمن الرقبتين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الرقاب ‏.‏ قال ‏:‏ أغلاهما ثمناً وأنفسهما عند أهلهما وإن قال ‏:‏ أعتقوا أحد رقيقي ، جاز إعتاق الذكر والأنثى والخنثى ، لأنه أحد رقيقه ، وإن قال ‏:‏ أعتقوا عبداً من عبدي ، لم يجزئهم عتق الأنثى ولا الخنثى المشكل ، لأنه لا يعلم كونه ذكراً ، ويجزئ عتق الخنثى المحكوم بذكوريته ، لأنه عبد ، وإن قال ‏:‏ أعتقوا أمة ، لم يجزئهم إلا أنثى ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن قال أعطوه شاة من غنمي ، فهو كالوصية بعبد من عبيده ، ويتناول الضأن والمعز ‏.‏ وهل يتناول الذكر ‏؟‏ فيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يتناوله ، لأن الاسم يقع عليه لغة ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يتناوله ، لأنه لا يتناوله الاسم عرفاً ‏.‏ قال أصحابنا ‏:‏ ويتناول الصغيرة ، ويحتمل أن لا يتناولها ، لأنها لا تسمى شاة عرفاً ، فإن لم يكن له إلا ذكران ، أو صغار ، لم يعط إلا من جنس ماله ، لأنه أضافه إليه فاختص به ‏.‏ وإن قال ‏:‏ أعطوه جملاً ، لم يعط إلا ذكراً ، والبعير كالجمل ، لأنه في العرف مختص به ‏.‏ وقال أصحابنا ‏:‏ البعير كالإنسان ، يتناول الذكر والأنثى ، وإن قال‏:‏ أعطوه ناقة ، لم يعط إلا أنثى ، وإن قال ‏:‏ أعطوه ثوراً ، فهو الذكر ، والبقرة هي الأنثى ‏.‏ وإن وصى له برأس من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، جاز فيه الذكر والأنثى ، لأن ذلك اسم للجنس ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى له بدابة ، أعطي من الخيل ، أو البغال ، أو الحمير ، لأن اسم الدابة يطلق على الجميع ، ويتناوله الذكر والأنثى ‏.‏ وإن قال ‏:‏ من دوابي ، تعينت الوصية فيما عنده ، وإن قرن به ما يصرفه إلى أحدها ، تعينت الوصية فيه ، فإذا قال ‏:‏ أعطوه دابة يقاتل عليها ، فهي فرس ، وإن قال ‏:‏ ينتفع بنسلها ، خرج منها البغال ‏:‏ وإن قال ‏:‏ أعطوع فرساً ، تناول الذكر والأنثى ، وإن قال ‏:‏ حصاناً ، فهو الذكر ، وإن قال ‏:‏ حجرة ، فهي الأنثى ، وإن قال ‏:‏ حماراً فهو ذكر ، وإن قال ‏:‏ أتاناً ، فهي أنثى ‏.‏


فصل ‏:‏

وإن وصى بكلب يباح اقتناؤه ، صحت الوصية ، لأن فيه نفعاً مباحاً ، وتقر اليد عليه ، والوصية تبرع ، فجازت فيه ‏.‏ وإن كان له كلب ، أو لم يكن له إلا كلب هراش ، لم تصح الوصية ، لأنه لا يمكن شراؤه ، وكلب الهراش ، لا يباح اقتناؤه ، وإن كان له كلاب ينتفع بها ، فللموصى له واحد منها ، إلا أن تذكر القرينة على واحد منها بعينه ، من صيد ، أو حفظ غنم ، فيدفع إليه ما دلت القرينة عليه ، وإن وصى له بثلاثة أكلب لا مال له سواها ، ردت الوصية إلى ثلثها ، ويعطى واحداً منها بالقرعة في أحد الوجهين ، وفي الآخر يعطيه الورثة أيها شاؤوا ، وإن لم يكن له إلا كلب واحد ، أعطي ثلثه ، وإن كان للموصي مال ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يدفع جميع الكلاب إلى الموصى له ، وإن قل المال ، لأن أقل المال خير من الكلاب الكثيرة ، فأمضيت الوصية ، كما لو وصى له بشاة ، تخرج من ثلثه ‏.‏

والثاني ‏:‏ يدفع إليه ثلث الكلاب ، لأنه لا يجوز أن يكون للوصي شيء إلا وللورثة مثلاه ، ولا يمكن اعتبار الكلب من ثلث المال ، لأنه لا قيمة له فاعتبر بنفسه ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى له بطبل من طبوله ، وله طبول حرب ، أعطي واحداً منها ، فإن لم يكن له إلا طبول لهو ، فالوصية باطلة ، لأنها وصية بمحرم ، وإن كان له طبل لهو وطبل حرب ، أعطي طبل الحرب ، لأن طبل اللهو لا تصح الوصية به ، فهو كالمعدوم ‏.‏ وإن وصى له بعود من عيدانه ، وله عيدان للسقي والبناء ، أعطي واحداً منها ، وإن لم يكن له إلا عيدان لهو ، فالوصية باطلة ، لأنها وصية بمحرم ، وإن كان له عيدان للهو ولغيره ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ الوصية باطلة ، لأن العود بإطلاقه ينصرف إلى عود اللهو ، ولا تصح الوصية به ‏.‏ والآخر ‏:‏ تصح الوصية ويعطى عوداً مباحاً ، لأن الوصية تعينت فيه لتحريم ما سواه ، فأشبه ما لو وصى له بطبل ، وله طبل لهو ، وطبل حرب ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى له بقوس وأطلق ، انصرف إلى قوس الرمي بالسهام ، لأنه الذي يفهم من إطلاق القوس ، فإن قال ‏:‏ قوس يرمي عليه ، أو يغزو به ، كان تأكيداً لذلك ‏:‏ وإن قال ‏:‏ يندف به ، أو يتعيش به ، انصرف إلى قوس الندف ‏.‏ وإن قال ‏:‏ قوساً من قسيي وليس له إلا قسي ندف أو بندق ، أعطي واحداً منها ، لأن الوصية تعينت فيه بإضافتها إلى قسيه ، واختصاص قسيه بها ‏.‏ قال القاضي ‏:‏ ويعطى القوس بوتره ، لأنه لا ينتفع به إلا به ، فجرى مجرى جزئه ، ويحتمل أن يعطاه بدون الوتر ، لأن الاسم يقع عليه بدونه ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن أوصى له بعبد ، ولآخر بباقي الثلث ، دفع العبد إلى صاحبه ، وتمام الثلث للآخر ، فإن لم يبق من الثلث شيء ، بطلت الوصية بالباقي ، لأنه لا باقي ها هنا ، فإن رد صاحب العبد وصيته ، فوصية الآخر بحالها ، فإن مات العبد بعد موت الموصي فكذلك ، ويقوم العبد حال الموت ‏.‏ وإن مات قبل موت الموصي ، قومت التركة بدون العبد ، لأنه معدوم ‏.‏

فصل ‏:‏

فإن وصى لرجل بمائة ، والآخر بتمام الثلث ، ولثالث بالثلث ، فأجيز لهم ، قسم الثلثان بين الأوصياء على ما ذكر الموصي ، فإن مان الثلث مائة ، سقطت وصية صاحب الباقي ، وقسم الثلثان بين الآخرين نصفين ، وإن كان الثلث دون المائة ، فرد الورثة ، قسم الثلث بينهما بالحصة ‏.‏ فإذا كان الثلث خمسين قسم أثلاثاً ، لصاحب المائة ثلثاها ، وللآخر ثلثها ، وإن كان الثلث أكثر من المائة ، فلم يجز الورثة ، دفع إلى صاحب الثلث نصفه ، وفي باقيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يقدم صاحب المائة بها ، فإن فضل عنها شيء دفع إلى صاحب الباقي ، وإلا فلا شيء له ، لأنه حق في الباقي بعد المائة ، فلا يأخذ شيئاً قبل استيفائها ، كالعصبة ، لا تأخذ شيء قبل تمام الفرض ، ويزاحم صاحب المائة لصاحب الباقي ، وإن لم يعطه شيئاً ، كما يعاد ولد الأبوين الجد بولد الأب ، ولا يعطيه شيئاً ‏.‏

والثاني ‏:‏ أن السدس يقسم بين صاحب المائة ، وصاحب الباقي على قدر وصيتهما ، فإذا كان الثلث مائتين ، أخذا مائة ، فاقتسماها نصفين ، لأنه إنما أوصى له بالمائة من كل الثلث ، لا من بعضه ، فلم يجز أن يأخذ من نصف الثلث ما يأخذه من جميعه ، كالوارث إذا زاحمهم أصحاب الوصايا ‏.‏ وإن بدأ فوصى لرجل بثلث ماله ، ثم وصى لآخر بمائة ، ولآخر بتمام الثلث ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ هي كالتي قبلها سواء ، لأنه إذا أوصى بتمام الثلث بعد وصيته بالثلث ، علم أنه لم يرد ذلك الثلث الموصى به ، وإنما أراد ثلثاً ثانياً ، فصارت كالتي قبلها ‏.‏

والثاني ‏:‏ أن الوصية بتمام الثلث باطلة ، لأن الثلث قد استوعبته الوصية الأولى ، ولا باقي له ، فيكون وجود هذه الوصية كعدمها ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا وصى لرجل بمنفعة جارية ، ولآخر برقبتها ، صح ، ولصاحب المنفعة منافعها ، وأكسابها ، وله إجارتها ، لأنه عقد على منفعتها ، ولا يملك واحد منهما وطأها ، لأن الوطء إنما يكون في ملك تام ، وليس لواحد منهما ملك تام ، ولا يملك أحدهما تزويجها لذلك ، فإن اتفقا عليه جاز ، لأن الحق لا يخرج عنهما ، والولي مالك الرقبة ، لأنه مالكها ، والمهر له ، لأنه بدل منفعة البضع التي لا يصح بذلها ، ولا وصية بها ، وإنما هي تابعة للرقبة ، فتكون لصاحبها ‏.‏ وقال أصحابنا ‏:‏ هو لمالك منفعتها لأنه بدل منفعة من منافعها ، فإن أتت بولد ،فحكمه حكمها ، لأنه جزء من أجزائها ، فيثبت فيه حكمها كولد المكاتبة ، وأم الولد ‏.‏ وإن زنت ، فالحكم في الولد والمهر على ما ذكرنا ‏.‏ وإن وطئت بشبهة ، فالمهر على ما ذكرنا ، والولد حر تجب قيمته يوم وضعه لمالك الرقبة في أحد الوجهين ، وفي الآخر‏:‏ يشتري بها عبد يقوم مقامه ‏.‏ وإن قتلت ، وجبت قيمتها ، يشترى بها ما يقوم مقامها ، وإن ولد ولدها الرقيق ، فكذلك ، لأن الواجب قائم مقام الأصل ، فكان حكمه حكم الأصل ‏.‏ وإن احتاجت إلى نفقة ، احتمل أن تجب على مالك المنفعة ، لأنه يملك نفعها على التأبيد ، فكانت النفقة عليه ، كالزوج ‏.‏ واحتمل أن تجب على صاحب الرقبة ، لأنه مالك رقبتها ، فوجب عليه نفقتها ، كما لو كانت زمنة ‏.‏ واحتمل أن تجب في كسبها ، لأنه تعذر إيجابها على كل واحد منهما ، فلم يبق إلا إيجابها في كسبها ، فإن لم يف كسبها ، ففي بيت المال ، فإن أعتقها صاحب الرقبة ، عتقت ، لأنه مالك لرقبتها ، وتبقى منافعها مستحقة لصاحب المنفعة يستوفيها في حال حريتها ‏.‏ وإن باعها ، احتمل أن يصح ، لأن البيع يقع على رقبتها وهو مالك لها ، واحتمل أن لا يصح لأن ما لا نفع له لا يصح بيعه ، كالحشرات ‏.‏ واحتمل أن يصح بيعها لمالك منفعتها دون غيره ، لأنه يجتمع لها رقبتها ونفعها بخلاف غيره ‏.‏ فإن وطئها أحد الوصيين ، فمن حكمنا له بالمهر ، لا مهر عليه ، ومن لم نحكم له بالمهر ، فهو عليه لصاحبه ، ولا حد عليه ، لأن له شبهة الملك فيها ‏.‏

فصل ‏:‏

ومن أوصي له بشيء ، فتلف بعضه أو هلك ، فله ما بقي إن حمله الثلث ‏.‏ وإن وصى له بثلث ثلاثة دور ، فهلك اثنتان ، فليس له إلا ثلث الباقية ، لأنه لم يوص له منها إلا بثلثها ‏.‏ وإن أوصى له بثلث عبد ، فاستحق ثلثاه ، فجميع الثلث الباقي للموصى له إذا حمله ثلث المال ، لأنه قد أوصى له بجميعه ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا أوصى بعتق مكاتبه ، أو الإبراء مما عليه ، اعتبر من الثلث أقل الأمرين ، من قيمته مكاتباً ، أو مال كتابته ، لأن العتق إبراء ، والإبراء عتق ، فاعتبر أقلهما ، وألغي الآخر ، فإن احتمله الثلث ، عتق وبرئ ، وإن احتمل الثلث بعضه كنصفه ، عتق نصفه ، وبقي نصفه على الكتابة ‏.‏ وإن لم يكن للموصي سوى المكاتب ، عتق ثلثه في الحال ، وبقي ثلثاه على الكتابة ، إن عجز رق ، وإن أدى عتق ، وإن قال ‏:‏ ضعوا عن مكاتبي أكثر ما عليه ، وضع عنه النصف ، وأدنى زيادة ، لأنه الأكثر ‏.‏ وإن قال ‏:‏ ضعوا عنه أكثر نجومه ، وضع عنه أكثر من نصفها لذلك ‏.‏ وإن قال ‏:‏ ضعوا عنه أكبر نجومه ، وضع عنه أكثرها مالاً ، وإن قال ‏:‏ ضعوا عنه أوسط نجومه وهي ثلاثة ، وضع الثاني ‏.‏ وإن كانت خمسة ، وضع الثالث ‏.‏ وإن كانت أربعة ، وضع الثاني والثالث ‏.‏ وعلى هذا القياس ‏.‏ فإن كانت أوسط في القدر ، وأوسط في المدة وأوسط في العدد ، فللوارث وضع أي الثلاثة شاء ، لأن الأوسط يقع على الثلاثة ‏.‏ وإن قال ‏:‏ ضعوا عنه ما قل أو كثر ، فللوارث وضع ما شاء ، لأن الاسم يتناوله ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى لرجل بمال الكتابة ، ولآخر برقبته ، صح ، فإن أدى ، عتق وبطلت الوصية بالرقبة ، وإن عجز ، رق وكان لمالك الرقبة ‏.‏ وإن كانت الكاتبة فاسدة ، فأوصى بما ذمة المكاتب ، لم يصح ، لأنه لا شيء في ذمته ‏.‏ وإن وصى بما يقتضي منه صحت الوصية ، لأنه أضافه إلى حال يملكه ، فصح ، كما لو وصى برقبة المكاتب إذا عجز ، وإن وصى له برقبته ، صحت الوصية ، لأنه وصى بمملوكه ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا قال ‏:‏ حجوا عني بخمسمائة ، وهي تخرج من الثلث ، وجب صرفها كلها في الحج ، وليس للولي أن يصرف إلى من يحج أكثر من نفقة المثل ، لأنه أطلق له التصرف في المعاوضة ، فاقتضى عوض المثل ، كالوكيل في البيع ، ويحج عنه من بلده ، لأن حج المستنيب من بلده ، فكذلك النائب ‏.‏ فإن فضل ما لا يكفي للحج من بلده ، أو كان الموصى به لا يكفي للحج من بلده فقال أحمد ‏:‏ يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب ، من غير مدينته ‏.‏

وعنه ‏:‏ أنه يعان به في الحج ‏.‏ فإن لم يمكن ذلك ، سقطت الوصية لعذرها فإن قال الموصي ‏:‏ أحجوا عني حجة بخمسمائة ، صرف جميع ذلك إلى من يحج حجة واحدة ، لأن الموصي قصد إرفاق الحاج بذلك ، فإن عين الحاج ، تعين ‏.‏ فإن أبى المعين الحج ، صرف إلى من يحج عنه نفقة المثل ، والباقي للورثة ‏.‏ فإن قال المعين‏:‏ أعطونى الزائد ، لم يقبل منه ، لأنه إنما أوصى له بالزيادة بشرط أن يحج، فإذا لم يحج، لم يستحق شيئاً ‏.‏ وإن لم يعين أحداً فالوصى صرفها إلى من شاء ، لأنه فوض إليه الاجتهاد فيه ‏.‏ وإن قال الموصي ‏:‏ أحجوا عني حجة ، ولم يذكر المقدار ، ولم يدفع إلى من يحج عنه إلا قدر نفقة المثل ، إلا أن لا يوجد من يحج بذلك ، فيعطى أقل ما يوجد من يحج به ، وكذلك إن قال ‏:‏ أحجوا عني ولم يذكر قدر ما يحج به ، ولا قدر الحج ، لم يحج أكثر مكن حجة واحدة بقدر نفقة المثل ، لأنه اليقين ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا أوصى ببيع عبده ، فالوصية باطلة ، لأنه لا نفع فيها ، وإن قال ‏:‏ بيعوه لفلان ، صحت الوصية ، لأنه قد يقصد نفع العبد بإيصاله إلى فلان ، أو نفع فلان بإيصال العبد إليه ، فإن أبى الآخر شراءه ، بطلت الوصية ‏.‏ وإن قال ‏:‏ اشتروا عبد زيد بخمسمائة فأعتقوه ، فأبى زيد بيعه بخمسمائة ، أو بيعه بالكلية ، بطلت الوصية ‏.‏ وإن اشتروه بأقل ، فالباقي للورثة ، لأن المقصود قد حصل ، ويحتمل أن تكون الخمسمائة لزيد ، لأنه يحتمل أنه قصد محاباته ، فأشبه ما لو قال ‏:‏ يحج عني فلان بخمسمائة ‏.‏ وإذا أوصى بفرسه في سبيل الله ، وألف درهم ينفق عليه ، فمات الفرس ، فالألف للورثة ، لأن الوصية بطلت فيها ، لعدم مصرفها ‏.‏ وإن أنفق بعضها ، رد الباقي إلى الورثة ‏.‏


باب الرجوع في الوصية


يجوز الرجوع في الوصية ، لأنها عطية لم تزل الملك ، فجاز الرجوع فيها ، كهبة ما يعتبر قبضه قبل قبضه ‏.‏ ويجوز الرجوع فيها بالقول والتصرف ، لأنه فسخ عقد قبل تمامه ، فجاز بالقول والتصرف ، كفسخ البيع في الخيار ‏.‏ فإن قال ‏:‏ رجعت فيها ، أو ‏:‏ فسختها ، فهو رجوع ، لأنه صريح فيه ، وإن قال ‏:‏ هو حرام عليه ، كان رجوعاً ، لأنه لا يكون حراماً وهو وصية ‏.‏ وإن قال ‏:‏ لوارثي ، فهو رجوع ، لأن ذلك ينافي كونه وصية ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن قال ‏:‏ هو تركتي ، لم يكن رجوعاً ، لأن الموصى به من تركته وإن أوصى به لآخر ، لم يكن رجوعاً ، لاحتمال أن يكون ناسياً ، أو قاصداً للتشريك بينهما ‏.‏ وإن قال ‏:‏ ما وصيت به لفلان ، فهو لفلان ، كان رجوعاً ، لأنه صرح برده إلى الآخر ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن باعه ، أو وهبه ، أو وصى ببيعه ، أو هبته ، أو عتقه ، أو كاتبه ، صار رجوعاً ، لأنه صرفه عن الموصى له ، وإن دبره كان رجوعاً ، لأنه أقوى من الوصية ، لكون عتقه ينجز بالموت ، وإن عرضه للبيع ، أو رهنه ، كان رجوعاً ، لأنه عرضه لزوال ملكه ، وفي الكتابة والتدبير والرهن وجه آخر ، أنه ليس برجوع ، لأنه لم يخرجه عن ملكه ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن أوصى بثلث ماله ثم باع ماله ، لم يكن رجوعاً ، لأن الوصية بثلث ماله عند الموت ، لا بثلث الموجود ‏.‏ وإن زوجه أو أجره أو علمه صناعة ، لم يكن رجوعاً ، لأنه لا ينافي الوصية به ، وإن وطئ الجارية ، لم يكن رجوعاً ، لأنه استيفاء منفعة أشبه الاستخدام ‏.‏ وإن غسل الثوب ولبسه ، أو جصص الدار ، أو سكنها ، لم يكن رجوعاً ، لأنه لا يزيل الاسم ، ولا يدل على الرجوع ‏.‏ وإن جحد الوصية ، لم يكن رجوعاً ، لأنه عقد فلم يبطل بالجحود كسائر العقود ، ويحتمل أن يكون رجوعاً ، لأنه يدل على إرادة الرجوع ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى بطعام معين فخلطه بغيره ، كان رجوعاً ، لأنه جعله على صفة لا يمكن تسليمه ‏.‏ وقال أبو الخطاب ‏:‏ ليس برجوع ‏.‏ وإن وصى بقفيز من صبرة ، ثم خلط الصبرة بأخرى ، لم يكن رجوعاً ، لأنه كان مشاعاً ، ولم يزل ، فهو باق على صفته ‏.‏

فصل ‏:‏

وإن وصى بحنطة فزرعها وطحنها ، أو بدقيق فخبزه ، أو بخبز فثرده ، أو جعله فتيتاً ، أو بشاة فذبحها ، أو بثوب فقطعه قميصاً ، أو بخشب ثم نجره باباً ، أو بقطن فغزله ، أو بغزل فنسجه ، كان رجوعاً ، لأنه أزال اسمه وهيأه للانتفاع به ‏.‏ وقال أبو الخطاب ‏:‏ ليس برجوع ، لأنه لا يمنع التسليم أشبه غسل الثوب ‏.‏ وإن أوصى له بقطن ، ثم حشا به فراشاً ، أو مسامير ، ثم سمر بها باباً ، أو بحجر وبناه حائط ، كان رجوعاً ، لأنه شغله بملكه على وجه الاستدامة ‏.‏ وإن أوصى له بعنب فجعله زبيباً ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يكون رجوعاً ، لأنه أزال اسمه ‏.‏

والثاني ‏:‏ ليس برجوع ، لأنه أبقى له وأحفظ على الموصى له ‏.‏ وإن وصى بدار ثم هدمها ، كان رجوعاً في أحد الوجهين ‏.‏ وفي الآخر ‏:‏ لا يكون رجوعاً ، بناء على ما إذا طحن الحنطة ، وإن انهدمت بنفسها فكذلك إذا زال رسمها ، وإن لم يزل اسمها ، فالوصية ثابتة فيما بقي ، وفيما انفصل وجهان‏.‏



فصل ‏:‏

وإن وصى بأرض ثم زرعها ، لم يكن رجوعاً ، لأنه لا يراد للبقاء وقد يحصد قبل الموت ‏.‏ فإن غرسها أو بناها ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يكون رجوعاً ، لأنه جعلها لمنفعة مؤبدة ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يكون رجوعاً ، لأنه استيفاء منفعة أشبه الزراعة ‏.‏ وإن أوصى له بسكنى داره سنة ، ثم أجرها فمات قبل انقضاء الإجارة ، ففيه وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يسكن سنة بعد انقضار الإجارة ، لأنه موصى له بسنة ‏.‏

والثاني ‏:‏ تبطل الوصية بقدر ما بقي من مدة الإجارة ، وتبقى في الباقي ‏.‏


باب الأوصياء


لا تصح الوصي إلا إلى عاقل ، فأما المجنون والطفل ، فلا تصح الوصية إليهما ، لأنهما ليسا من أهل التصرف في مالهما ، فلا يجوز توليتهما على غيرهما ، ولا تصح الوصية إلى فاسق ، لأنه غير مأمون ‏.‏

وعنه ‏:‏ تصح ويضم إليه أمين ينحفظ به المال ‏.‏ قال القاضي ‏:‏ هذه الرواية محمولة على من طرأ فسقه بعد الوصية ، لأنه يثبت في الاستدامة ما لا يثبت في الابتداء ‏.‏ واختار القاضي ‏:‏ أنه إذا طرأ الفسق أظال الولاية ‏.‏ لأن هذه أمانة ، والفاسق ليس من أهلها ‏.‏ وقال الخرقي ‏:‏ إذا كان خائناً ، ضم إليه أمين ، لأنه أمكن الجمع بين حفظ المال بالأمين ، وتحصيل نظر الوصي بإبقائه في الوصية ، ولا تصح وصية مسلم إلى كافر ، لأنه ليس من أهل الولاية على مسلم ‏.‏ وفي وصية الكافر ، إلى الكافر وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يجوز ، لأنه يجوز أن يكون ولياً له ، فجاز أن يكون وصياً له ، كالمسلم ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يجوز ، لأنه أسوأ حالاً من الفاسق ، وتصح وصيته إلى المسلم ، لأن المسلم مقبول الشهادة عليه وعلى غيره ‏.‏

فصل ‏:‏

وتصح وصية الرجل إلى المرأة ، لأن عمر أوصى إلى حفصة ، ولأنها من أهل الشهادة ، فأشبهت الرجل ، وإلى الأعمى ، لأنه من أهل الشهادة والتصرفات ، فأشبه البصير ، وإلى الضعيف لذلك ، إلا أنه يضم إليه أمين يعينه ، وتصح وصية الرجل إلى أم ولده ‏.‏ نص عليه ‏.‏ لأنها حرة عند نفوذ الوصية ‏.‏ وقال ابن حامد تصح الوصية إلى العبد ، سواء كان له أو لغيره ، لأنه يصح توكيله ، فأشبه الحر ، والمكاتب والمدبر والمعلق عتقه بصفة ، كالقن ، لأنهم عبيد ‏.‏ وفي الوصية إلى الصبي العاقل وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ تصح ، لأنه يصح توكيله ، فأشبه الرجل ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يصح ، لأنه ليس من أهل الشهادة ، فلا يكون ولياً ، كالفاسق ‏.‏

فصل ‏:‏

وتعتبر هذه الشروط حال العقد في أحد الوجهين ، لأنها شروط لعقد ، فاعتبرت حال وجوده ، كسائر العقود ‏.‏

والثاني ‏:‏ تعتبر حال الموت ، لأنه حال ثبوت الوصية ولزومها ، فاعتبرت الشروط فيها ، كالوصية له ، ولأن شروط الشهادة تعتبر عند أدائها ، لا عند تحملها ، فكذلك ها هنا ‏.‏ ولو كانت الشروط موجودة عند الوصية ، ثم عدمت عند الموت ، بطلت الوصية إليه ، لأنه يخرج بذلك كونه من أهل الولاية ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز أن يوصي إلى نفسين ، لما روي أن ابن مسعود كتب في وصيته ‏:‏ إن مرجع وصيتي إلى الله ، ثم إلى الزبير وابنه عبد الله ، ولأنها استنابة في التصرف ، فجازت إلى اثنين ، كالوكالة ، ويجوز أن يجعل التصرف إليهما جميعاً ، وإلى كل واحد منهما منفرداً ، لأنه تصرف مستفاد بالإذن ، فجاز ذلك فيه ، كالتوكيل ، فإن جعل إلى كل واحد منهما ، فلكل واحد أن ينفرد بالتصرف والحفظ ‏.‏ فإن ضعف أو فسق أو مات ، فالآخر على تصرفه ، ولا يقام غير الميت مقامه ، لأن الموصي رضي بنظر هذا الباقي ‏.‏ وإن جعل التصرف إليهما جميعاً ، أو أطلق الوصية إليهما ، لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف ، لأنه لم يرض بنظره وحده ‏.‏ وإن فسق أحدهما ، أو جن ، أو مات ، أقام الحاكم مكانه أميناً ، لأن الموصي له لم يرض بنظر أحدهما وحده ، وليس للحاكم ، أن يفوض الجميع إلى الباقي لذلك ‏.‏ وإن ماتا معاً ، فهل للحاكم تفويض ذلك إلى واحد ‏؟‏ فيها وجهان ‏:‏

أحدهما ‏:‏ يجوز ، لأن حكم وصيتهما سقط بموتهما ، فكان الأمر إلى الحاكم ، كمن لم يكن له وصي ‏.‏

والثاني ‏:‏ لا يجوز ، لأن الموصي لم يرض بنظر واحد ‏.‏ وإن اختلف الوصيان في حفظ المال ، جعل في مكان واحد تحت نظريهما ، لأن الموصي لم يرض بأحدهما ، فلم يجز له الانفراد به ، كالتصرف ‏.‏ وإن أوصى إلى رجل ، وبعده إلى آخر ، فهما وصيان ، إلا أن يقول ‏:‏ قد خرجت الأول ، أو ما يدل على ذلك ، لما ذكرنا في الوصية له ‏.‏

فصل ‏:‏

ويجوز أن يوصي إلى رجل ، فإن مات إلى آخر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حبيش مؤتة ‏:‏ أميركم زيد ، فإن قتل فأميركم جعفر ، فإن قتل ، فأميركم عبد الله بن رواحة رواه أحمد والنسائي ‏.‏

والوصية في معنى التأمير ‏.‏ ولو قال ‏:‏ أنت وصيي ، فإذا كبر ابني ، فهو وصيي ، صح ، لأنه إذن في التصرف ، فجاز مؤقتاً ، كالتوكيل ‏.‏ ومن أوصي إليه في مدة ، لم يكن وصياً في غيرها ، لذلك ‏.‏ فإذا أوصى إلى رجل وجعل له أن يوصي إلى من شاء ، جاز ‏.‏ وله أن يوصي إلى من شاء من أهل الوصية ، لأنه رضي باجتهاده وولاية من ولاه ‏.‏ وإن نهاه عن الإيصاء ، لم يكمن له أن يوصي ، كما لو نهى الوكيل عن التوكيل ‏.‏ وإن أطلق ، ففيه روايتان ‏:‏

إحداهما ‏:‏ له أن يوصي ، لأنه قائم مقام الأب فملك ذلك كالأب ‏.‏

والثانية ‏:‏ ليس له ذلك ‏.‏ أختاره أبو بكر وهو ظاهر كلام الخرقي ، لأنه يتصرف بالتولية ، فلم يكن له التفويض من غير إذن فيه ، كالتوكيل ‏.‏

فصل ‏:‏

وللوصي التوكيل فيما لم تجر العادة أن يتولاه بنفسه ، وهل له التوكيل فيما يتولاه بنفسه ‏؟‏ على روايتين ‏.‏

فصل ‏:‏

ولا يتم إلا بالقبول ، لأنه وصية فلا يتم إلا بالقبول ، كالوصية له ‏.‏ ويجوز قبولها وردها في حياة الموصي ، لأنه إذن في التصرف ، فجاز قبوله عقيب الإذن ، كالوكالة ‏.‏ ويجوز تأخير قبولها إلى ما بعد الموت ، لأنه نوع وصية ، فصح قبولها بعد الموت ، كالوصية له ‏.‏

فصل ‏:‏

وللموصي عزل الوصي متى شاء ، وللوصي عزل نفسه متى شاء في حياة الموصي ، وبعد موته ، لأنه إذن في التصرف ، فملك كل واحد منهما فسخه كالوكالة ‏.‏ وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى‏:‏ ليس للوصي عزل نفسه بعد موت الموصي ، لأنه غره بقبول وصيته ، فعزل نفسه إضرار به ، والضرر مدفوع شرعاً ‏.‏

فصل ‏:‏

وإذا بلغ الصبي واختلف هو والوصي في النفقة ، فالقول قول الوصي ، لأنه أمين ويتعذر عليه إقامة البينة عليها ، فإذا قال ‏:‏ أنفقت عليك كل سنة مائة ، فقال الصبي ‏:‏ بل خمسين ، فالقول قول المنفق ، إذا كان ما ادعاه قدر النفقة بالمعروف ، وإن كان أكثر ، ضمن الزيادة لتفريطه بها ‏.‏ وإن قال ‏:‏ أنفقت عليك منذ سنتين ، فقال الصبي ‏:‏ ما مات أبي إلا من سنة ، فالقول قول الصبي ، لأنه لم يثبت كون الوصي أميناً في السنة المختلف فيها ، والأصل عدم ذلك ‏.‏ وإن اختلفا في دفع المال إليه بعد بلوغه ، فالقول قول الوصي ، لأنه أمين في ذلك ، فقبل قوله فيه ، كالنفقة ، وكالمودع ‏.‏

فصل ‏:‏

إذا ملك المريض من يعتق عليه ‏.‏ فحكى الحبرمي عن أحمد أنه يعتق ويرث ، لأنه إن ملكهم بغير عوض ، فلم يضع في عتقهم شيء من ماله ، فلم يحتسب وصية لهم ، كما لو ورثهم ، وإن ملكهم بعوض فلم يصل إليهم ، وإنما أتلفه المريض على ورثته ، فهو كما لو بنى به مسجداً ‏.‏ وقال القاضي فيما ملكه بعوض ‏:‏ إن خرج من الثثلث عتق وورث ، وإلا عتق منه بقدر الثلث ، وما ملكه بغير عوض عتق بكل حال‏.‏