النكاح مشروع ، أمر الله به ورسوله ، فقال تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} . وقال سبحانه : {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فليصم ، فإن الصوم له وجاء
وقال عليه السلام : إني أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني . وقال سعد بن أبي وقاص : لقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ، ولو أحله له لاختصينا . متفق عليهما ، والتبتل : ترك النكاح .
وقد روي عن أحمد : أن النكاح واجب ، اختاره أبو بكر لظاهر هذه النصوص فظاهر المذهب أنه لا يجب إلا على من يخاف بتركه مواقعة المحظور ، فيلزمه النكاح ، لأنه يجب عليه اجتناب المحظور ، وطريقه النكاح . ولا يجب على غيره . لقوله تعالى : {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} ولو وجب لم يعلقه على الاستطابة . والاشتغال به أفضل من التخلي للعبادة ، لظاهر الأخبار . فإن أقل أحوالها الندب إلى النكاح ، و الكراهة لتركه . إلا أن يكون ممن لا شهوة له ، كالعنين والشيخ الكبير ، ففيه وجهان :
أحدهما : النكاح له أفضل ، لدخوله في عموم الأخبار .
والثاني : تركه أفضل ، لأنهلا يحصل منه مصلحة النكاح ، ويمنع زوجته من التحصن بغيره، ويلزمه نفسه واجبات وحقوق لعله يعجز عنها .
فصل :
ولا يصح إلا في جائز التصرف ، لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع ، ولا يصح نكاح العبد بغير إذن مولاه ، لما روى جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه ، فهو عاهر رواه أبو داود ، و الترمذي وقال : حديث حسن . ولأنه ينقص قيمته ، ويوجب المهر والنفقة ، وفيه ضرر على سيده ، فلم يجز بغير إذنه ،كبيعه . وعنه : أنه يصح ويقف على إجازة مولاه ، بناء على تصرفات الفضولي ، ويجوز نكاحه بإذن مولاه ، لدلالة الحديث ، ولأن المنع لحقه فزال بإذنه .
فصل :
ومن أراد نكاح امرأة ، فله النظر إليها ، لما روى جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إذا خطب أحدكم امرأة ، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل رواه أبو داود .
وينظر إلى الوجه ، لأنه مجمع المحاسن ، وموضع النظر ، وليس بعورة . وفي النظر إلى ما يظهر عادة ، من الكفين والقدمين ، ونحوهما ، روايتان :
إحداهما : يباح ، لأنه يظهر عادة ، أشبه الوجه .
والثانية ، لا يباح لأنه عورة ، أشبه ما لا يظهر ، ولا يجوز النظر إلى ما لا يظهر عادة ، لأنه عورة ، ولا حاجة إلى نظره ، ويجوز النظر إليها بإذنها ، وبغير إذنها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق النظر ، فلا يجوز تقييده . وفي حديث جابر قال : فخطبت امرأة ، فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ، ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها ،
وليس له الخلوة بها ، لأن الخبر إنما ورد بالنظر ، فبقيت الخلوة على أصل التحريم . ويجوز لمن أراد شراء جارية النظر منها إلى ما عدا عورتها ، للحاجة إلى معرفتها ، ويجوز للرجل النظر إلى وجه من يعاملها ، لحاجته إلى معرفتها ، للمطالبة بحقوق العقد . ويجوز ذلك عند الشهادة للحاجة إلى معرفتها ، للتحمل والأداء . ويجوز للطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى مداواته ، من بدنها حتى الفرج ، لأنه موضع ضرورة ، فأشبه الحاجة إلى الختان .
فصل :
وله أن ينظر من ذوات محارمه ، إلى ما يظهر غالباً ، كالرأس ، والرقبة ، والكفين ، والقدمين . لقوله تعالى : {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} وقال تعالى : {لا جناح عليهن في آبائهن} . وذات المحرم : من تحرم عليه على التأبيد ، بنسب أو سبب مباح ، كأم الزوجة وابنتها ، فأما أم المزني بها . والموطوءة بشبهة ، وبنتها ، فلا يباح النظر إليها ، لأنها حرمت بسبب غير مباح ، فلا تلحق بذوات الأنساب . وأما عبد المرأة فليس بمحرم لها ،لأنها لا تحرم عليه على التأبيد ، لكن يباح له النظر إلى ما يظهر منها غالباً ، لقوله تعالى : {وما ملكت أيمانكم} روت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان لإحداكن مكاتب ، فملك ما يؤدي فلتحتجب منه رواه الترمذي . وقال : حديث صحيح . وفيه دلالة على أنها لا تحتجب منه قبل ذلك ، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لحاجتها لخدمته ، فأشبه ذا المحرم .
فصل :
ومن لا تمييز له من الأطفال ، لا يجب ضصالتستر منه في شيء ، لقوله تعالى : {أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء} .
وفي المميز روايتان :
إحداهما : هو كالبالغ لهذه الآية .والثانية : هو كذي المحرم لقوله تعالى : {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم} إلى قوله تعالى : {ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض} ثم قال : {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم} ففرق بينه وبين البالغ . وحكم الطفلة التي لا تصلح للنكاح مع الرجال ، حكم الطفل من النساء ، والتي صلحت للنكاح ، كالمميز من الأطفال ، لما روى أبو بكر بإسناده : أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في ثياب رقاق ، فأعرض عنها وقال : يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه .
فصل :
والعجوز التي لا تشتهى مثلها ، يباح النظر منها إلى ما يظهر غالباً ، لقوله تعالى : {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} . قال ابن عباس استثناهن الله تعالى من قوله : {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} . ولأن ما حرم من النظر لأجله معدوم في حقها ، فأشبهت ذوات المحارم . وفي معناها : الشوهاء التي لا تشتهى . ومن ذهبت شهوته من الرجال ، لكبر أو مرض ، أو تخنيث ، فحكمه حكم ذي المحرم في النظر ، لقوله تعالى : {أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال} . أي الذي لا إرب له في النساء ، كذلك فسره مجاهد ، و قتادة ، ونحوه عن ابن عباس رضي الله عنه . قالت عائشة رضي الله عنها : دخل على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مخنث ، وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة قال : (( إذا أقبلت ،أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أرى هذا يعلم ما هاهنا ؟! لا يدخلن عليكم هذا رواه أبو داود . فأجاز دخوله عليهن حين عده من غير أولي الإربة ، فلما علم ذلك منه ، حجبه .
فصل :
ويباح لكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه ولمسه ، وكذلك السيد مع أمته المباحة له ، لأنه أبيح له الاستمتاع به ، فأبيح له النظر إليه ، كالوجه . وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منا وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك .
ويكره النظر إلى الفرج . فإن زوج أمته ، حرم النظر منها إلى ما بين السرة والركبة ، لما روى ابن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة ، فإن عورة رواه أبو داود .
فصل :
فأما الرجل مع الرجل ، فلكل واحد منهما النظر من صاحبه إلى ما ليس بعورة ، لأن تخصيص العورة بالنهي ،دليل على إباحة النظر إلى غيرها .
ويكره النظر إلى الغلام الجميل ، لأنه لا يأمن الفتنة بالنظر إليه ، والمرأة من المرأة كالرجل من الرجل ، والمسلمة من الكافرة كالمسلمتين ، كما أن المسلم من الكافر كالمسلمين . وعنه : إن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية ، ولا تدخل معها الحمام ، لقوله تعالى : {أو نسائهن} فتخصيصهن بالذكر يدل على اختصاصهن بذلك .
فصل :
وفي نظر المرأة إلى الرجل روايتان :
إحداهما : يحرم عليها من ذلك ما يحرم عليه ، لما روت أم سلمة قالت : كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم أنا و حفصة ، فاستأذن بن أم مكتوم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : احتجبن منه فقلت : يا رسول لله ، ضرير لا يبصر . فقال : أفعمياوان أنتما ، ألا تبصرانه أخرجه أبو داود و النسائي : حديث صحيح .
والثانية : يجوز لها النظر منه إلى ما ليس بعورة ، لما روت فاطمة بنت قيس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى ، تضعين ثيابك فلا يراك وقالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد . متفق عليهما . وهذا أصح . وحديث أم سلمة يحتمل أنه خاص لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم . فإن قدر عمومه ، فهذه الأحاديث أصح منه ، فتقديمها أولى . وكل من أبيح له النظر إلى من لا يحل له الاستمتاع به ، لم يجز له ذلك لشهوة وتلذذ ، لأنه داعية إلى الفتنة .
باب شرائط النكاح
وهي خمسة . أحدها : الولي ، فإن عقدته المرأة لنفسها ، أو لغيرها بإذن وليها ، أو بغير إذنه لم يصح ، لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا نكاح إلا بولي قال أحمد ويحيى : هذا حديث صحيح . وقد روي عن أحمد أن للمرأة تزويج معتقها ، فيخرج من هذا صحة تزويجها لنفسها بإذن وليها ، وتزويج غيرها بالوكالة ، لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له رواه أبو داود و الترمذي . فمفهومه صحته بإذنه ، ولأن المنع لحقه فجاز بإذنه ، كنكاح العبد . والأول المذهب ، لعموم الخبر الأول ، ولأن المرأة غير مأمونة على البضع ، لنقص عقلها ، وسرعة انخداعها ، فلم يجز تفويضه إليها ، كالمبذر من المال ، بخلاف العبد ، فإن المنع لحق المولى خاصة ، وإنما ذكر تزويجها بغير إذن وليها ، لأنه الغالب ، إذ لو رضي ، لكان هو المباشر له دونها .
فصل :
فإن تزوج بغير إذن ولي ، فالنكاح فاسد ، لا يحل الوطء فيه ، وعليه فراقها ، وإن وطئ ، فلا حد عليه في ظاهر كلام أحمد ، لأنه وطء مختلف في حله ، فلم يجب به حد ، كوطء التي تزوجها في عدة أختها . وذكر عن ابن حامد :
أنه أوجب به الحد ، لأنه وطء في نكاح منصوص على بطلانه ، أشبه ما لو تزوج ذات زوج. وإن حكم بصحة هذا العقد حاكم ، ففيه وجهان :
أحدهما : لا يجوز نقضه ، لأنه حكم مختلف فيه فأشبه الشفعة للجار .
والثاني : ينقض ، لأنه خالف النص .
فصل :
فإن كانت أمة ، فوليها سيدها ، لأنه عقد على نفعها ، فكان إلى سيدها كإجارتها ، فإن كان لها سيدان لم يجز تزويجها إلا بإذنهما . وإن كانت سيدتها امرأة ، فوليها ولي سيدتها ، لأنه تصرف فيها فلم يجز بغير إذنه ، كبيعها . وعنه رواية أخرى :
أن مولاتها تأذن لرجل فيزوجها ، لأن سبب الولاية الملك ، وقد تحقق في المرأة ، وامتنعت المباشرة لنقص الأنوثة ، فكان لها التوكيل ، كالولي الغائب ، ونقل عنه : أنه قيل له : هل تزوج المرأة أمتها ؟ قال : قد قيل ذلك ، هي مالها . وهذا يحتمل رواية ثالثة . فإن كانت سيدتها غير رشيدة ، أو كان لغلام أو لمجنون ، فوليها من يلي مالهم ، لأنه تصرف في بعضها ، أشبه إجارتها .
فصل :
وإن كانت حرة ، فأولى الناس بها أبوها ، لأنه أشفق عصباتها ، ويلي مالها عند عدم رشدها . ثم الجد أبو الأب وإن علا ، لأنه أب . وعنه : الابن يقدم على الجد ، لأنه أقوى تعصيباً منه ، وعنه : أن الأخ يقدم على الجد ، لأنه يدلي ببنوة الأب ، والبنوة أقوى . وعنه : أن الجد والأخ سواء ، لاستوائهما في الإرث بالتعصيب . . والمذهب الأول ، لأن للجد إيلاداً وتعصيباً ، فقدم عليهما ، كالأب ، لأنه لا يقاد بها ، ولا يقطع بسرقة مالها ، بخلافهما . ثم ابنها ، ثم ابنه وإن نزل ، لأنه عدل من عصباتها فيلي نكاحها ، كابنها . وقدم على سائر العصبات ، لأنه أقربهم نسباً ، وأقواهم تعصيباً ،فقدم كالأب . ثم الأخ ، ثم ابنه ، ثم العم ، ثم ابنه ، ثم الأقرب فالأقرب من عصباتها على ترتيبهم في الميراث ، لأن الولاية لدفع العار عن النسب ، والنسب في العصبات . وقدوم الأقرب فالأقرب ، لأنه أقوى ، فقدم كتقديمه في الإرث ، ولأنه أشفق ، فقدم ، كالأب . فإن انقرض العصبة من النسب ، فوليها المولى المعتق ، ثم عصابته الأقرب فالأقرب ، ثم مولى المولى ، ثم عصابته ، لأن الولاء كالنسب في التعصب ، فكان مثله في التزويج ويقدم ابن المولى على ابنه ، لأنه أقوى تعصيباً، وإنما قدم الأب المناسب ، لزيادة شفقته ، وتحكم الأصل على فرعه . وهذا معدوم في أبي المولى ، فرجع فيه إلى الأصل . وإذا كان المعتق امرأة ، فولي مولاتها أقرب عصباتها ، لأنه لما لم يمكنها مباشرة نكاحها ، كانت كالمعدومة . وعنه : أنها تولي رجلاً في تزويجها ، لما ذكرنا في أمتها . ثم السلطان ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له .
فصل :
فإن استوى اثنان في الدرجة ، وأحدهما من أبوين ، والآخر من أب ، كالأخوين ، والعمين ، ففيه روايتان :
إحداهما : يقدم ذو الأبوين . اختاره أبو بكر ، لأنه حق يستفاد بالتعصيب فأشبه الميراث بالولاء .
والثانية : هما سواء . اختارها الخرقي ، لأن الولاية بقرابة الأب وهما سواء فيها ، فإن كانا ابني عم ، أحدهما أخ لأم ، فذكر القاضي : أنهما كذلك . والصحيح أن الإخوة لا تؤثر في التقديم ، لاستوائهما في التعصب والإرث به ، بخلاف التي قبلها من كل وجه ، فإن استويا من كل وجه ، فالولاية ثابتة لكل واحد منهما ، أيهما زوج صح تزويجه ، لأن السبب متحقق في كل واحدة ، لكن يستحب تقديم أسنهما وأعلمهما وأتقاهما ، لأنه أحوط للعقد في اجتماع شروطه والنظر في الحظ . فإن استويا وتشاحا ، أقرع بينهما ، لأنهما تساويا في الحق ، و تعذر الجمع ، فيقرع بينهما ، كالمرأتين في السفر . فإن قرع أحدهما فزوج الآخر ، صح ، لأن القرعة لم تبطل ولايته ، فلم يبطل نكاحه ، وذكر أبو الخطاب فيه وجهاً آخر : أنه لا يصح .
فصل :
فإن زوجها الوليان لرجلين دفعة واحدة ، فهما باطلان ، لأن الجمع يتعذر ، فبطلا ، كالعقد على أختين ، ولا حاجة إلى فسخهما ، لبطلانهما . وإن سبق أحدهما ، فالصحيح السابق ، لما روى سمرة وعقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما رواه أبو داود . ولأن الأول : خلا عن مبطل الثاني : تزوج زوجة غيره ، فكان باطلاً ، كما لو علم . فإن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج ، فعليه مهرها ، لأنه وطء بشبهة ، وترد إلى الأول ، لأنها زوجته ، ولا يحل له وطؤها حتى تقضي عدتها من وطء الثاني ، فإن جهل الأول منهما ، ففيه روايتان :
إحداهما : يفسخ النكاحان ، لأن كل واحد منهما يحتمل أن يكون نكاحه هو الصحيح ، لأنه لا سبيل إلى الجمع ، ولا إلى معرفة الزوج ، فيفسخ الإزالة الزوجية ، ثم لها أن تتزوج من شاءت منهما ، أو من غيرهما .
والثانية : يقرع بينهما . فمن خرجت له القرعة أمر صاحبه بالطلاق ثم يجدد القارع نكاحه ، فإن كانت زوجته ، لم يضره ذلك ، وإن لم تكن ، صارت زوجته بالتجديد ، وكلا الطريقين لا بأس به . وسواء علم السابق ثم نسي ، أو جهل الحال ، لأن المعنى في الجميع واحد . وإن أقرت المرأة لأحدهما بالسبق ، لم يقبل إقرارها ، لأن الخصم غيرها ، فلم يقبل قولها عليه ، كما لو أقرت ذات زوج الآخر ، أنه زوجها . وإن ادعى عليها العلم بالسابق ، لم يلزمها يمين ، لأنه من لا يقبل إقراره ، لا يستحلف في إنكاره .
فصل :
ويشترط للولي ثمانية شروط .
أحدها : العقل ، فلا يصح تزويج طفل ، ولا مجنون .
والثاني : الحرية . فلا ولاية لعبد .
الثالث : الذكروية ، فلا ولاية لامرأة ، لأن هؤلاء لا يملكون تزويج أنفسهم ، فلا يملكون تزويج غيرهم بطريق الأولى .
الرابع : البلوغ : فلا يلي الصبي بحال . وعنه : أن الصبي المميز إذا بلغ عشراً ، صح تزويجه ، لأنه يصح بيعه . والأول أولى ، لأنه مولى عليه ، فلا يلي ، كالمرأة .
الخامس : اتفاق الدين . فلا يلي كافر مسلمة بحال لقوله تعالى : {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} إلا أم الولد الذمي المسلمة ، ففيها وجهان :
أحدهما : يملك تزويجها ، لأنه لا يملكها ، فأشبه المسلم إذا كان سيده كافر .
والثاني : لا يليه ، للآية ، ويليه الحاكم ، ولا يلي مسلم كافرة ، لقوله تعالى : {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} إلا السلطان فإنه يلي نكاح الذمية التي لا ولي لها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : السلطان ولي ولا ولي له . ولأن ولايته عامة عليهم . وسيد الأمة الكافرة يزوجها وإن كان مسلماً ، لأنه عقد عليها ، فوليه كبيعها ، وولي سيد الكافرة أو سيدتها يزوجها ، لأنه يقوم مقامهما . ويلي الكفار أهل دينهم ، للآية التي تلوناها . وهل تعتبر عدالتهم في دينهم ؟ على وجهين بناء على الروايتين في المسلمين .
السادس : العدالة . فلا يلي الفاسق نكاح قريبته وإن كان أباً في إحدى الروايتين ، لأنها ولاية نظرية ، فنافاها الفسق ، كولاية المال . والثانية : يلي لأنه قريب ناظر ، فكان ولياً كالعدل ، ولأن حقيقة العدالة لا تعتبر ، بل يكفي كونه مستور الحال . ولو اشترطت العدالة ، اعتبرت حقيقتها كما في الشهادة .
السابع : التعصيب ، أو ما يقوم مقامه ، فلا تثبت الولاية لغيرهم ، كالأخ من الأم ، والخال ، وسائر من عدا العصبات ، لأن الولاية تثبت لحفظ النسب ، فيعتبر فيها المناسب ، ولا تثبت الولاية للرجل على المرأة التي تسلم على يديه . وعنه : أنها تثبت . ووجه الروايتين ما ذكرنا في كتاب الولاء .
الثامن : عدم من هو أولى منه . فلا تثبت الولاية للأبعد مع حضور الأقرب الذي اجتمعت الشروط فيه ، لما ذكرنا في تقديم ولاية الأب . فإن مات الأقرب ، أو جن ، أو فسق ، انتقلت إلى من بعده ، لأن ولايته بطلت ، فانتقلت إلى الأبعد ، كما لو مات . فإن عقل المجنون ، وعدل الفاسق ، عادت ولايته ، لزوال مزيلها مع وجود مقتضيها ، فإن زوجها الأبعد من غير علم بعود ولاية الأقرب ، لم تصح ولاية زوجها بعد زوال ولايته ، يحتمل أن تصح ، بناء على الوكيل إذا تصرف بعد العزل قبل علمه به . وإن دعت المرأة وليها إلى تزويجها من كفء فعضلها ، فللأبعد تزويجها . نص عليه . وعنه : لا يزوجها إلا السلطان وهو اختيار أبو بكر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : فإن اشتجروا ، فالسلطان ولي من لا ولي له . ولأن التزويج حق عليه امتنع منه ، فقام الحاكم مقامه في إيفائه ، كما لو كان عليه دين فامتنع من قضائه ، واختار الخرقي الرواية الأولى ، لأنه تعذر التزويج من جهة الأقرب فوليها الأبعد ، كما لو فسق . والحديث دليل على أن السلطان لا يزوج هاهنا ، لقوله : فالسلطان ولي من لا ولي له وإن غاب الأقرب غيبة منقطعة ولم يوكل في تزويجها ، فللأبعد تزويجها ، لما ذكرنا . والغيبة المنقطعة : ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة في منصوص أحمد ، واختيار أبي بكر . وذكر الخرقي : أنها ما لا يصل الكتاب فيها إليه ، أو يصل فلا يجيب عنه ، لأن غير هذا يمكن مراجعته . وقال القاضي : حدها : ما لا تقطعها القافلة في السنة إلا مرة ، لأن الكفء ينتظر عاماً ولا ينتظر أكثر منه . وقال أبو الخطاب : يحتمل أن يحدها بما تقصر فيه الصلاة ، لأن أحمد قال : إذا كان الأب بعيد السفر ، يزوج الأخ . والسفر البعيد في الشرع : ما علق عليه رخص السفر ، والأولى المنصوص . والرد في هذا إلى العرف ، وما جرت العادة بالانتظار قيه ، والمراجعة لصاحبه ، لعدم التحديد فيه من الشارع . فأما القريب ، فيجب انتظاره ومراجعته ، لأنه في حكم الحاضر ، إلا أن تتعذر مراجعته ، لأسر أو حبس لا يوصل إليه ونحوهما ، فيكون كالبعيد ، لكونه في معناه ، ولا يشترط في الولاية البصر ، لأن شعيباً عليه السلام زوج ابنته وهو أعمى لموسى عليه السلام ، ولأن الأعمى من أهل الرواية والشهادة ، فكان من أهل الولاية كالبصير . فأما الأخرس ، فإن منع فهم الإشارة ، أزال الولاية ، وإن لم يمنعها ، لم يزل الولاية ، لأن الأخرس يصح تزوجه ، فصح تزويجه ، كالناطق .
فصل :
وإذا زوج الأبعد مع حضور الأقرب وسلامته من الموانع ، أو زوج أجنبي ، أو زوجت المرأة المعتبر إذنها بغير إذنها ، أو تزوج العبد بغير إذن سيده ، فالنكاح باطل في أصح الروايتين ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا تزوج العبد بغير إذن سيده ، فهو عاهر وفي لفظ : فنكاحه باطل ولأنه نكاح لم تثبت أحكامه ، من الطلاق ، والخلع ، والتوارث ، فلم ينعقد ، كنكاح المعتدة . والثانية : هو موقوف على إجازة من له الإذن . فإن أجازه ، جاز ، وإلا بطل لما ذكرناه في تصرف الفضولي في البيع ، ولما روى ابن ماجه : أن جارية بكراً ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم . رواه أبو داود . وقال : هذا حديث مرسل ، رواه الناس عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا ابن عباس . فإن قلنا بهذه الرواية ، فإن الشهادة تعتبر حالة العقد ، لأنها شرط له ، فتعتبر معه ، كالقبول . ويكفي في إذن المرأة النطق ، أو ما يدل على الرضى تقوم مقام النطق به ، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لبربرة : إن وطئك زوجك فلا خيار لك فأما إن زوجت المرأة نفسها ، أو زوجها طفل ، أو مجنون ، أو فاسق ، فهو باطل لا يقف على الإجازة ، لأنه تصرف صادر من غير أهله . وذكر أصحابنا : تزويجها لنفسها من جملة الصور المختلفة في وقوفها . والأولى أنها ليست منها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ولأنه تصرف لو قارنه الإذن ، لم يصح ، فلم يصح بالإذن اللاحق ، كتصرف المجنون .
فصل :
ولكل واحد من الأولياء أن يوكل في تزويج موليته ، فيقوم وكيله مقام حاضراً كان الموكل أو غائباً ، ولا يعتبر إذن المرأة في التوكيل . وخرج القاضي ذلك على روايتين في توكيل الوكيل من غير إذن الموكل ، وليس كذلك ، فإن الولي ليس بوكيل للمرأة ، ولا تثبت ولايته من جهتها ، فلم يقف جواز توكيله على إذنها ، كالسلطان ، ولأنه ولي في النكاح فملك الإذن فيه من غير إذنها ، كالسلطان ، ويجوز التوكيل في التزويج مطلقاً من غير تعيين الزوج ، لأنه إذن في التزويج ، فجاز مطلقاً ، كإذن المرأة . ويجوز التوكيل في تزويج معين ، واختلفت الرواية هل تستفاد ولاية النكاح بالوصية ؟ على روايتين . ذكرناهما في الوصايا . ولا يصير وصياً في النكاح بالوصية إليه في المال ، لأنها إحدى الوصيتين ، فلم تملك بالأخرى ، كالأخرى .
فصل :
وإذا لم يكن للمرأة ولي ، ولا للبلد قاض ولا سلطان . فعن أحمد : ما يدل على أنه يجوز لها أن تأذن لرجل عدل يحتاط لها في الكفء والمهر ، ويزوجها ، فإنه قال في دهقان قرية : يزوج المرأة إذا لم يكن في الرستاق قاض إذا احتاط لها في الكفء والمهر . ووجه ذلك أن اشتراط الولي هاهنا يمنع النكاح بالكلية ، فوجب أن لا يشترط .
وعنه : لا يصح إلا بولي لعموم الخبر .
فصل :
وإذا أراد ولي المرأة تزوجها ، كابن عمها ، أو مولاها ، جعل أمرها إلى من يزوجها منه بإذنها ، لما روي أن المغيرة بن شعبة أمر رجلاً أن يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه ، ولأنه وليها ، فجاز أن يتزوجها من وكيله ، كالإمام . فإن زوج نفسه بإذنها ، ففيه روايتان
إحداهما : لا يجوز ، لحديث المغيرة ، ولأنه عقد ملكه بالإذن ، فلم يجز أن يتولى طرفيه ، كالوكيل في البيع .
والثانية : يجوز ، لما روي عن عبد الرحمن بن عوف : أنه قال لأم حكيم بنت قارظ أتجعلين أمرك إلي ؟ قالت : نعم ، فقال : قد تزوجتك ، ولأنه صدر الإيجاب من الولي ، والقبول من الأهل ، فصح ، كما لو زوج الرجل عبده الصغير لأمته . وإن قال السيد : قد أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها . أو قال : قد جعلت عتق أمتي صداقها ، ففيه روايتان :
إحداهما : يصح العتق والنكاح ، ويصير عتقها صداقها ، لما روى أنس : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها )) متفق عليه . وفي رواية أصدقها نفسها .
والثانية : لا يصح حتى يبتدئ العقد عليها بإذنها ، لأنه لم يوجد إيجاب ولا قبول ، فلم يصح العقد ، كما لو كانت حرة . فعلى هذا ينفذ العتق وعليها قيمة نفسها ، لأنه إنما أعتقها بعوض لم يسلم له ، ولم يمكن إبطال العتق ، فرجعنا إلى القيمة . ولا يجوز لأحد أن يتولى طرفي العقد غير من ذكرنا ، إلا السيد يزوج عبده من أمته . فإن كان وكيلاً للزوج والولي أو وكيلاً للزوج ، ولياً للمرأة ، أو وكيلاً للولي ، ولياً للزوج ، ففيه وجهان : بناء على ما ذكرنا في الوكيل في البيع .
فصل :
الشرط الثاني من شرائط النكاح : أن يحضره شاهدان ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل رواه الخلال . وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا بد في النكاح من أربعة : الولي ، والزوج ، والشاهدان . رواه الدارقطني ، وعن أحمد : أن الشهادة ليست شرطاً فيه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها بغير شهود ، ولأنه عقد معاوضة ، فلم تشترط الشهادة فيه ، كالبيع .
فصل :
ويشترط في الشهود سبع صفات :
أحدها : العقل ، لأن المجنون والطفل ليسا من أهل الشهادة .
والثاني : السمع ، لأن الأصم لا يسمع العقد فيشهد به .
والثالث : النطق ، لأن الخرس لا يتمكن من أداء الشهادة .
الرابع : البلوغ ، لأن الصبي لا شهادة له . وعنه : أنه ينعقد بحضور مراهقين ، بناء على أنهما من أهل الشهادة ، والأول أصح .
الخامس : الإسلام . ويتخرج أن ينعقد نكاح المسلم للذمية بشهادة ذميين ، بناء على قبول شهادة بعضهم على بعض . والأول المذهب ، لقوله عليه السلام : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل .
السادس : العدالة ، للخبر ، وعنه : ينعقد بحضور فاسقين ، لأنه تحمل ، فلم تعتبر فيه العدالة كسائر التحملات . والأول أولى ، للخبر ، ولأن من لا يثبت النكاح بقوله ، لا ينعقد بشهادته ، كالصبي إلا أننا لا نعتبر العدالة باطناً . ويكفي أن يكون مستور الحال . وكذلك العدالة المشروطة في الولي ، لأن النكاح يقع بين عامة الناس في مواضع لا تعرف فيها حقيقة العدالة ،فاعتبار ذلك يشق .
السابع : الذكورية . وعنه : ينعقد بشهادة رجل وامرأتين ، لأنه عقد معاوضة أشبه البيع . والأول : المذهب ، لما روى أبو عبيد في الأموال عن الزهري أنه قال : مضت السنة أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ، ولا في النكاح ، ولا في الطلاق . وهل يشترط عدم العداوة والولادة ؟ وهو أن لا يكون الشاهدان عدوين للزوجين ، أو لأحدهما ، ولا ابنين لهما ، أو لأحدهما . على وجهين . ولا تشترط الحرية ، ولا البصر ، لأنها شهادة لا توجب حداً ، فقبلت شهادتهما فيه ، كالشهادة عليه بالاستفاضة . ويعتبر أن يعرف الضرير المتعاقدين ، ليشهد عليهما بقولهما . وهل يشترط كون الشاهد من غير أهل الصنائع الرزية ، كالحجام ونحوه ؟ على وجهين بناء على قبول شهادتهم .
فصل : تابع باب شرائط النكاح
الشرط الثالث من شروط النكاح : تعيين الزوجين ، لأن المقصود بالنكاح أعيانهما ، فوجب تعيينهما . فإن كانت حاضرة ، فقال : زوجتك هذه ، صح ، لأن الإشارة تكفي في التعيين . فإن زاد على ذلك فقال : ابنتي أو فاطمة ، كان تأكيداً . وإن سماها بغير اسمها ، صح ، لأن الاسم لا حكم له مع الإشارة ، فأشبه ما لو قال : زوجتك هذه الطويلة وهي قصيرة . وإن كانت غائبة ، فقال : زوجتك ابنتي وليس له غيرها ، صح لحصول التعيين بتفردها بهذه الصفة المذكورة . وإن سماها باسمها ، أو وصفها بصفتها ، كان تأكيداً . وإن سماها بغير اسمها ، صح أيضاً ، لأن الاسم لا حكم له مع التعيين ، فلا يؤثر الغلط فيه . وإن كان له ابنتان فقال : زوجتك ابنتي ، لم يصح حتى يسميها ، أو يصفها بما تتميز به ، لأن التعيين لا يحصل بدونه . فإن قال : ابنتي فاطمة ، أو ابنتي الكبرى ، صح ، لأنها تعينت به. وإن نويا ذلك من غير لفظ ، لم يصح ، لأن الشهادة في النكاح شرط ، ولا يقع إلا على اللفظ ولا تعيين فيه . وإن خطب الرجل امرأة فزوج غيرها ، لم ينعقد النكاح ، لأنه ينوي القبول لغير ما وقع فيه الإيجاب ، فلم يصح ، كما لو قال : قد زوجتك ابنتي فاطمة . فقال : قبلت تزويج عائشة ، فإن كان له ابنتان كبرى اسمها عائشة وصغرى اسمها فاطمة ، فقال : قبلت تزويج عائشة ، فقبله الزوج ينويان الصغرى ، لم يصح ، لأنهما لم يتلفظا بما تقع الشهادة عليه ، ولم يذكر المنوية بما تتميز به . وإن نوى أحدهما الكبرى ، والآخر الصغرى ، لم يصح ، لأنه قبل النكاح في غير من وقع عليه الإيجاب . وإن قال : زوجتك حمل امرأتي ، لم يصح ، لأنه لم يثبت لها حكم البنات قبل الولادة ، ولا يتحقق كونها بنتاً . وإن قال : إن ولدت زوجتي بنتاً ، زوجتكها ، كان وعداً لا عقداً ، لأن النكاح لا يتعلق على الشروط .
فصل :
الشرط الرابع من شروط النكاح : التراضي من الزوجين ، أو من يقوم مقامهما ، لأن العقد لهما ، فاعتبر تراضيهما به ، كالبيع . فإن كان الزوج بالغاً عاقلاً ، لم يجز بغير رضاه . وإن كان عبداً ، لم يملك السيد إجباره عليه ، لأنه خالص حقه ، وهو من أهل مباشرته ، فلم يجبر عليه كالطلاق . وإن كان العبد صغيراً ، فلسيده تزويجه ، لأنه إذا ملك تزويج ابنه الصغير ، فعبده أولى ، قال أبو الخطاب : ويحتمل أن لا يملكه أيضاً قياساً على الكبير ، ويملك الأب تزويج ابنه الصغير الذي لم يبلغ ، لما روي عن ابن عمر : أنه زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد ، فأجازاه جميعاً . رواه الأثرم . ولأنه يتصرف في ماله بغير تولية ، فملك تزويجه ، كابنته الصغيرة . وسواء كان عاقلة ، أو معتوهاً ، لأنه إذا ملك تزويج العاقل ، فالمعتوه أولى . ويملك الأب أيضاً تزويج ابنه البالغ المعتوه في ظاهر كلام أحمد و الخرقي لأنه غير مكلف فأشبه الصغير . وقال القاضي : لا يجوز تزويجه ، إلا إذا ظهر منه إمارات الشهوة ، باتباع النساء ونحوه . فقال أبو بكر : لا يجوز تزويجه بحال ، لأنه رجل فلم يجز تزويجه بغير إذنه ، كالعاقل ، والأول أولى ، لأنه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته إلى قضاء شهوته ، وحفظه عن الزنى ، فالبالغ أولى . ولا يجوز تزويجه ، إلا إذا رأى وليه المصلحة في تزويجه ، لاحتياجه إلى الحفظ والإيواء ، أو قضاء الشهوة ونحو ذلك، فأما من له إفاقة في بعض أحيانه ، فلا يجوز إجباره على النكاح لأنه يمكن استئذانه . ووصي الأب كالأب في تزويج الصغير والمعتوه ، لأنه نائب عنه فأشبه الوكيل ، ولا يملك غير الأب ووصيه تزويج صغير ولا معتوه ، لأنه إذا لم يملك تزويج الأنثى مع قصورها ، فالذكر أولى . وقال ابن حامد : للحاكم تزويج المعتوه الذي يشتهي النساء ، لأنه يلي ماله ، فملك تزويجه ، كالوصي . وقال القاضي : له تزويج الصغير الذي يشتهي كذلك . ولا يجوز إذا رأى المصلحة في ذلك ، لأنه ناظر له في مصالحه ، وهذا منها ، فأشبه عقده على ماله .
فصل :
فأما المرأة ، فإن السيد يملك تزويج أمته بكراً كانت أو ثيباً ، بغير رضاها ، لأنه عقد على منافعها فملكه ، كإجارتها . وأما الحرة ، فإن الأب يملك تزويج ابنته الصغيرة البكر بغير خلاف ، لأن أبا بكر الصديق زوج عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ست . متفق عليه ولم يستأذنها وروى الأثرم : أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست . ولا يملك تزويج ابنته الثيب الكبيرة إلا بإذنها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الأيم أحق بنفسها من وليها وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس للولي من الثيب أمر رواهما أبو داود . وفي البكر البالغة روايتان :
إحداهما : له إجبارها ، لما روى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن من نفسها وإذنها صماتها وإثباته الحق للأيم على الخصوص يدل على نفيه عن البكر .
والثانية : لا يجوز تزويجها إلا بإذنها ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تأذن ، قالوا : يا رسول الله فكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت متفق عليه . وأما الثيب الصغيرة ، ففيها وجهان :
أحدهما : لا يجوز تزويجها ، لعموم الأحاديث فيها .
والأخرى : يجوز تزويجها ، لأنها ولد صغير فملك الأب تزويجها ، كالغلام . والثيب : هي الموطوءة في فرجها حلالاً كان أو حراماً ، لأنه لو أوصى للثيب بوصية . دخل فيها من ذكرناه ، ولا تدخل في وصيته الأبكار . ووصي الأب إذا نص له على التزويج ، كالأب ، لأنه قائم مقامه .
فصل :
فأما غيرهما ، فلا يملك تزويج كبيرة إلا بإذنها ، جداً كان أو غيره ، لعموم الأحاديث ، ولأنه قاصر عن الأب فلم يملك الإجبار ، كالعم . وفي الصغيرة ثلاث روايات :
إحداهن : له تزويجها ، لما روى أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها والصغيرة لا إذن لها .
والثانية : لهم تزويجها ولها الخيار إذا بلغت ، لقوله تعالى : {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} . دلت بمفهومها على أنه له تزوجها إذا أقسط لها ، وقد فسرته عائشة بذلك .
والثالثة: لهم تزويجها إذا بلغت تسعاً بإذنها ، ولا يجوز قبل ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا زواج عليها رواه أبو داود . وجمعنا بين الأدلة والأخبار ، وقيدنا ذلك بابنة تسع ، لأن عائشة قالت : إذا بلغت الجارية تسع سنين ، فهي امرأة . وروي ذلك مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنها تصلح بذلك للنكاح وتحتاج إليه ، فأشبهت البالغة . وإذن الثيب الكلام ، وإذن البكر الصمات ، أو الكلام في حق الأب وغيره ، لما تقدم من الحديث ، وهو صريح في الحكم . وروى عدي الكندي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : البكر تعرب عن نفسها والبكر رضاها صمتها رواه الأثرم و ابن ماجة . ولا فرق بين الثيوبة بوطء مباح أو محرم ، لشمول اللفظ لهما جميعاً .
فصل :
الشرط الخامس من شروط النكاح : الإيجاب والقبول . ولا يصح الإيجاب إلا بلفظ النكاح ، أو التزويج ، فيقول : زوجتك ابنتي ، أو أنكحتكها، لأن ما سواهما لا يأتي على معنى النكاح ، فلا ينعقد به، كلفظ الإحلال، ولأن الشهادة شرط في النكاح، وهي واقعة على اللفظ . و غير هذا اللفظ ليس بموضوع للنكاح ، وإنما يصرف إليه بالنية ، ولا شهادة عليها ، فيخلوا النكاح عن الشهادة .
وأما القبول ، فيقول : قبلت هذا النكاح . وإن اقتصر على قبلت ، صح ، لأن القبول يرجع إلى ما أوجبه الولي ، كما في البيع . وإن قيل للولي : أزوجت ؟ قال : نعم . قيل للمتزوج : أقبلت ؟ قال : نعم ، انعقد النكاح ، لأن نعم جواب للسؤال ، والسؤال مضمر معاد فيه ، ولهذا لو قيل له : أسرقت ؟ قال : نعم . كان مقراً بالسرقة ، حتى يلزمه القطع الذي يندرئ بالشبهات ، فهاهنا أولى . ولا يصح الإيجاب والقبول بغير العربية لمن يحسنها ، لأنه عدول عن لفظ الإنكاح والتزويج مع إمكانهما ، فلم يصح ، لما ذكرنا . ويصح بمعناهما الخاص بكل لسان ، لمن يحسنهما ، لأنه يشتمل على معنى اللفظ العربي ، فأشبه ما لو أتى به ، وليس عليه تعليمهما بالعربية ، لأن النكاح غير واجب ، فلا يلزم تعلم أركانه ، كالبيع ، ولأن المقصود المعنى دون اللفظ المعجوز وهو حاصل ، بخلاف القراءة . وقال أبو الخطاب : يلزمه التعلم ،لأن ما كانت العربية شرطاً فيه عند الإمكان ، لزمه تعلمه ، كالتكبير . وإذا فهمت إشارة الأخرس ، صح النكاح بها ، لأنه معنى لا يستفاد إلا من جهته ، فصح بإشارته ، كبيعه . وإن تقدم القبول على الإيجاب ، لم يصح ، لأن القبول إنما هو بالإيجاب ، فيشترط تأخره عنه . وإن تراخى القبول عن الإيجاب ، صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه ، لأن حكم المجلس حكم حالة العقد ، بدليل القبض فيما يشترط القبض فيه ، فإن تفرقا قبله ، أو تشاغلا بغيره قبل القبول ، بطل الإيجاب ، لأنهما أعرضا عنه بتفرقهما ، أو تشاغلهما ، فبطل ، كما لو طال التراخي . ونقل أبو طالب عن أحمد في رجل مشى إليه قوم فقالوا : زوج فلاناً على ألف ، فقال : قد زوجته على ألف ، فرجعوا إلى الزوج فأخبروه ، فقبل ، هل يكون هذا نكاحاً؟ قال : نعم . فجعل أبو بكر هذا رواية ثانية . وقال القاضي : هذا محمول على أنه وكل من قبل العقد في المجلس . وإن أخرج عن أحدهما عن أهلية العقد بجنون ، أو إغماء أو موت ، قبل القبول ، بطل ، لأنه لن ينعقد ، فبطل بهذه المعاني ، كإيجاب البيع . ومتى عقد النكاح هازلاً أو تلجئة ، صح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : : ثلاث جدهن جد ، وهزلهن جد : الطلاق ، والنكاح ، والرجعة رواه الترمذي . وقال : حديث حسن .
فصل :
وفي الكفاءة روايتان :
إحداهما : هي شرط لصحة النكاح ، فإذا فاتت ، لم يصح . وإن رضوا به ، لما روى الدارقطني بإسناده عن جابر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ينكح النساء إلا الأكفاء ، ولا يزوجهن إلا الأولياء وقال عمر : لأمنعن فروج ذوي الأحساب إلا من الأكفاء . ولأنه تصرف يتضرر به من لم يرض به ، فلم يصح ، كما لو زوجها وليها بغير رضاها .
والثانية : ليست شرطاً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج زيداً مولاه ابنة عمته زينب بنت جحش ، وزوج أسامة فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية . رواه مسلم وقال عائشة : إن أبا حذيفة تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة . أخرجه البخاري . لكن إن لم ترض المرأة ، ولم يرض بعض الأولياء ، ففيه روايتان :
إحداهما : العقد باطل ، لأن الكفاءة حقهم ، تصرف فيه بغير رضاهم ، فلم يصح ، كتصرف الفضولي .
والثانية : يصح . ولمن لم يرض الفسخ . فلو زوج الأب بغي الكفء فرضيت البنت ، كان للأخوة الفسخ ،لأنه ولي في حال يلحقه العار بفقد الكفاءة ، فملك الفسخ ، كالمتساويين .
فصل :
والكفء ذو الدين والمنصب . فلا يكون الفاسق كفءاً لعفيفة ، لأنه مردود الشهادة والرواية ، غير مأمون على النفس والمال . ولا يكون المولى والعجمي كفءاً لعربية ، لما ذكرنا من قول عمر . وقال سلمان لجرير : إنكم معشر العرب لا نتقدم في صلاتكم ، ولا ننكح نساءكم ، إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعله فيكم . والعرب بعضهم لبعض أكفاء ، والعجم بعضهم لبعض أكفاء ، لأن المقداد بن الأسود الكندي تزوج ضباعة ابنة الزبير ابن عمة رسول الله . وزوج أبو بكر أخته للأشعث بن قيس الكندي ، وزوج علي ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب .
وعنه أن غير قريش لا يكافئهم . وغير بني هاشم لا يكافئهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم أن الله اصطفى كنانة من والد إسماعيل ، و اصطفى من كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم . واختلفت الرواية في ثلاثة أمور : أحدها : الحرية ، فروي أنها ليست شرطاً في الكفاءة ، لأن النبي (ص ) قال لبريرة حين عتقت تحت عبد ، فاختارت فرقته : لو راجعتيه ، قالت : أتأمرني يا رسول الله ؟ قال : لا إنما أنا شفيع ومراجعتها له ابتداء نكاح عبد لحرة . روي أنها شرط ، وهي أصح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين عتقت تحت عبد . فإذا ثبت لها الخيار. فإذا ثبت لها الخيار بالحرية الطارئة ، فبالسابقة أولى . ولأن فيه نقصاً في المنصب والاستمتاع والإنفاق ، ويلحق به العار فأشبه عدم المنصب .
والثاني : اليسار ، ففيه روايتان :
إحداهما : هو من شرط الكفاءة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم الحسب المال وقال إن أحساب الناس بينهم هذا المال رواه النسائي بمعناه . ولأن على الموسرة ضرراً في إعسار زوجها ، لإخلاله بنفقتها ونفقة ولدها .
والثانية : ليس منها ، لأن الفقر شرف في الدين . وقد قال النبي (ص) : اللهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً رواه الترمذي . وليس هو أمراً لازماً ، فأشبه العافية من المرض . واليسار المعتبر : ما يقدر به على الإنفاق عليها حسب ما يجب لها .
والثالث : الصناعة ، وفيها روايتان :
إحداهما : أن أصحاب الصنائع الدنيئة لا يكافؤون من هو أعلى منهم . فالحائك والحجام والكساح والزبال وقيم الحمام لا يكون كفءاً لمن هو أعلى منه ، لأنه نقص في عرف الناس ، وتتعير المرأة به ، ، فأشبه نقص النسب .
والثانية : ليس هذا شرطاً ، لأنه ليس بنقص في الدين ، ولا هو بلازم ، فأشبه المرض . وقد أنشدوا :
وليس على عبد تقي نقيصة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
فصل :
ويستحب إعلان النكاح ، والضرب عليه بالدف ، لما روى محمد بن حاطب قال : قال رسول الله (ص) : فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح رواه النسائي . فإن أسروا وتواصوا بكتمانه ، كره ذلك ، وصح النكاح . وقال أبو بكر : لا يصح ، للحديث . ولنا قول النبي (ص) : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل مفهومه صحته بهما ، والحديث محمول على الندب جمعاً بين الخبرين ، ولأن إعلان النكاح والضرب عليه بالدف إنما يكون بعد العقد وصحته ، ولو كان شرطاً ، لاعتبر حال العقد كسائر شروطه . وقال أحمد : لا بأس بالغزل في العرس ، لقول النبي (ص) للأنصار :
أتيناكــــم ، أتيناكم ** فحـيـانـا وحيـاكـــم
ولـولا الذهــب الأحمـ ** ر مـا حلـت نواديـكـم
ولـولا الحنطة السمـرا ** ء مـا سـمـنت عـذاراكم
فصل :
ويستحب عقده يوم الجمعة ، لأن جماعة من السلف كانوا يحبون ذلك . والمساية أولي ، لما روى أبو حفص بإسناده عن النبي (ص) أنه قال : مسوا بالإملاك فإنه أعظم للبركة
ويستحب تقديم الخطبة بين يدي النكاح ، لقول النبي (ص) : كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ( الحمد لله ) فهو أقطع ويستحب أن يخطب بخطبة ابن مسعود التي قال : علمنا رسول الله (ص) التشهد في الحاجة إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . ويقرأ ثلاث آيات : {اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً . اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } . رواه الترمذي وقال : حديث حسن . وهذا ليس بواجب ، لأن النبي (ص) قال لخاطب الواهبة : زوجتكما بما معك من القرآن ولم يذكر خطبة .
فصل :
ويستحب أن يقال للمتزوج ما روى أبو هريرة : أن رسول الله (ص) كان إذا رفأ الإنسان - إذا تزوج - قال : بارك الله لك ، وبارك عليك وجمع بينكما في خير رواه أبو داود . وإذا زفت إليه قال ما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي (ص) قال : إذا تزوج أحدكم امرأة ، أو اشترى خادماً فليقل : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه رواه أبو داود .
وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد أنه تزوج ، فحضره عبد الله بن مسعود وأبو ذر، و حذيفة ، وغيرهم من أصحاب رسول الله (ص) فقالوا له : إذا دخلت على أهلك فصل ركعتين ، ثم خذ برأس أهلك فقل : اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي في ، وارزقني منهم ، ثم شأنك وشأن أهلك .
فصل :
ويستحب لمن أراد التزوج أن يختار ذات الدين ، لقول النبي (ص) : تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك متفق عليه . ويختار الجميلة ، لأنه أسكن لنفسه ، وأغض لبصره ، وأدوم لمودته ، ولذلك شرع النظر قبل النكاح . وروى سعيد بإسناده أن رسول الله (ص) قال : خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه امرأة جميلة ، تسره إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها ويتخير الحسيبة ، لنجب ولدها . وقد روي عن عائشة أن النبي (ص) قال : تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم ويختار البكر لما روي عن النبي (ص) أنه قال : عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهاً ، وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير رواه ابن ماجه . ويختار الولود ، لما روي عن النبي (ص) أنه قال : تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة رواه سعيد . ويختار ذات العقل ، ويجتنب الحمقاء ، لأنه ربما تعدى ذلك إلى ولدها . وقد قيل : اجتنبوا الحمقاء ، فإن ولدها ضياع ، وصحبتها بلاء . قال أبو الخطاب : ويختار الأجنبية ، لأن ولدها أنجب ، وقد قيل : إن الغرائب أنجب ، وبنات العم أصبر .
باب ما يحرم من النكاح
المحرمات في النكاح عشر أشياء:
أحدها : المحرمات بالنسب ، وهن سبع ذكرهن الله سبحانه وتعالى بقوله : {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} فالأمهات : كل امرأة انتسبت إليها بولادة ، وهي : الأم ، والجدات من جهة الأم وجهة الأب وإن علون . والبنات : كل من انتسب إليك بولادة وهي ابنة الصلب وأولادها وأولاد البنين وإن نزلت درجتهن . و الأخت : من الجهات الثلاث . والعمات : كل من أدلت بالعمومة من أخوات الأب وأخوات الأجداد وإن علون من جهة الأب والأم . والخالات : كل من أدلى بالخؤولة من أخوات الأم وأخوات الجدات وإن علون من جهة الأب والأم . وبنات الأخ : كل من ينتسب ببنوة الأخ من أولاده وأولاد أولاده الذكور والإناث وإن نزلت درجتهن ، وكذلك بنات الأخ ، لأن الاسم ينطلق على البعيد والقريب ، لقوله تعالى : {يا بني آدم} . و {يا بني إسرائيل} . وقال : {ملة أبيكم إبراهيم} . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه : ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً .
ولا فرق بين النسب الحاصل بنكاح ، أو ملك يمين ، أو وطء شبهة أو حرام . فتحرم عليه ابنته في الزنى ، لدخولها في عموم اللفظ ، ولأنها مخلوقة من مائة فحرمت ، كتحريم الزانية على ولدها . وتحرم المنفية باللعان ، لأنها ربيبته ، ولاحتمال أنها ابنته .
فصل :
النوع الثاني : المحرمات بالرضاع ، وهن مثل المحرمات بالنسب سواء ، لقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} نص على هاتين ، وقسنا عليهما سائر المحرمات بالنسب . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب متفق عليه .
فصل :
النوع الثالث : المحرمات بالمصاهرة ، وهن أربع : أمهات النساء ، لقوله تعالى : {وأمهات نسائكم} . فمتى عقد النكاح على امرأة ، حرم عليه جميع أمهاتها من النسب والرضاع وإن علون على ما ذكرنا . وسواء دخل بالمرأة أو لم يدخل ، لعموم اللفظ فيهن ، ولما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما رجل نكح امرأة دخل بها أو لم يدخل فلا يحل له نكاح أمها رواه ابن ماجه .
الثانية : الربائب ، وهن بنات النساء . ولا تحرم ربيبته إلا أن يدخل بأمها ، فإن فارق أمها قبل أن يدخل بها ، حلت له ابنتها ، لقوله تعالى : {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} . وإن ماتت قبل دخوله بها لم تحرم ابنتها ، للآية . وعنه : تحرم ، لأن الموت أقيم مقام الدخول في تكميل الصداق والعدة ، فكذلك هاهنا . وإن خلا بها ثم طلقها ولم يطأها ، فعنه : تحرم ابنتها كذلك . وقال القاضي : وهذا محمول على أنه حصل نظراً لشهوة أو مباشرة ، فيخرج كلامه على إحدى الروايتين ، فأما مع عدم ذلك فلا تحرم ، لأن الدخول كناية عن الجماع ولم يوجد والنسب والرضاع في هذا سواء .
الثالثة : حلائل الأبناء ، وهن زوجات أبنائه ، وأبناء أبنائه وبناته ، وإن سفلوا من نسب أو رضاع ، لقوله تعالى : {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} ويحرمن بمجرد العقد ، لعموم الآية فيهن .
الرابعة : زوجات الأب القريب والبعيد من قبل الأب والأم من نسب أو رضاع ، يحرمن ، لقوله تعالى : {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} وسواء دخل بهن أو لم يدخل ، لعموم الآية .
فصل :
كل من ذكرنا من المحرمات ، من النسب والرضاع ،تحرم ابنتها ، وإن نزلت درجتها ، إلا بنات العمات والخالات ، فإنهن محللات ، لقول الله تعالى : {وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك} وكذلك بنات من نكحهن الآباء ، والأبناء ، فإنهن محللات ،فيجوز للرجل ، نكاح ربيبة أبيه وابنه ، لقوله : {وأحل لكم ما وراء ذلكم} .
فصل :
ومن حرم نكاحها ، حرم وطؤها بملك اليمين ، لأنه إذا حرم النكاح لكونه طريقاً إلى الوطء ، فتحريم الوطء أولى . وكل من حرمها النكاح من أمهات النساء وبناتهن ، وحلائل الآباء والأبناء ، حرمها الوطء في ملك اليمين والشبهة والزنى كذلك ، ولأن الوطء آكد في التحريم من العقد ، وكذلك تحرم به الربيبة ، ولأنه سبب للبعضية ، أشبه الوطء في النكاح . ولا فرق بين الوطء في القبل والدبر ، لأن كل واحد منهما وطء في فرج يجب الحد بجنسه ، فاستويا في التحريم به . وإن وطئ صغيرة لا يوطأ مثلها ، أو ميتة ففيه وجهان : أحدهما : ينشر الحرمة ، لأنه معنى ينشر الحرمة المؤبدة ، أشبه الرضاع .
والثاني : لا ينشرها ، لأنه ليس بسبب للبعضية ، أشبه النظر. وفي القبلة واللمس لشهوة ، والنظر إلى الفرج لشهوة روايتان :
إحداهما: يحرم، لأنها مباشرة لا تباح إلا بملك ، فتعلق بها تحريم المصاهرة ، كالوطء.
والثانية : لا تحرم، لقوله تعالى: {فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} . يريد بالدخول الوطء . وإن تلوط بغلام ، فاختار أبو الخطاب : أن حكمه في تحريم المصاهرة ، حكم المباشرة فيما دون الفرج ، لكونه وطءاً في غير محله. وقال غيره من أصحابنا :حكمه حكم الزنى . فيحرم على الواطئ أم الغلام وابنته ، ويحرم على الغلام أم الواطئ وابنته ، لأنه وطء في فرج آدمي ، أشبه الزنا بالمرأة ، وإن وطئ أم امرأته وابنتها ، انفسخ النكاح ، لأنه طرأ عليها ما يحرمها ، أشبه الرضاع .
فصل :
النوع الرابع : تحريم الجمع وهو ضربان : جمع حرم لأجل النسب بين المرأتين ، وهو ثابت في أربع . بين الأختين ، لقوله تعالى : {وأن تجمعوا بين الأختين} وسواء كانتا من أبوين ، أو من أحدهما ، أو من نسب أو رضاع ، لعموم الآية في الجميع .
والثاني : بين الأم وبنتها ، لأن تحريم الجمع بين الأختين تنبيه على تحريم الجمع بين الأم وبنتها .
والثالث : الجمع بين المرأة وعمتها .
والرابع : الجمع بينها وبين خالتها ، لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها متفق عليه . ولأنهما امرأتان لو كانت إحداهما ذكراً ، حرمت عليه الأخرى ، فحرم الجمع بينهما ، كالأختين . ولأنه يفضي إلى قطيعة الرحم المحرم ، لما بين الزوجات من التغاير ، والتنافر ، والقريبة والبعيدة سواء في التحريم ، لتناول اللفظ لهما ، ولأن المحرمية ثابتة بينهما مع البعد ، فكذلك تحريم الجمع . فإن تزوج أختين في عقد واحد ، بطل فيهما ، لأن إحداهما ليست أولى بالبطلان من الأخرى ، فبطل فيهما ، كما لو باع درهماً بدرهمين . وإن تزوج امرأة وابنتها في عقد واحد ، ففيها وجهان :
أحدهما : يبطل فيهما ، كالأختين .
والثاني : يبطل في الأم وحدها ، لأنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها ، والبنت لا تحرم بمجرد العقد ، فكانت الأم أولى بالبطلان ، فاختصت به ، وإن تزوجت امرأة ، ثم تزوج عليها من يحرم الجمع بينهما ، لم يصح نكاح الثانية وحدها ، لأنها اختصت بالجمع .
فصل :
وإن تزوج امرأة ، ثم طلقها ، لم تحل له أختها ، ولا عمتها ولا خالتها حتى تنقضي عدتها ، رجعية كانت أو بائنة ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين ولأنها محبوسة على النكاح لحقه ، فأشبهت الرجعية . ولو قال : أخبرتني بانقضاء عدتها ، فكذبته ، لم يقبل قوله في إسقاط نفقتها وسكناها ، ويقبل في سقوط رجعتها ، لأنه يقر بسقوط حقه . وفي جواز نكاح أختها ، لأنه حق لله تعالى ، وهو مقلد فيه . ولو أسلم زوج المجوسية ، أو الوثنية ، لم يحل له نكاح أختها حتى تنقضي عدتها . وإن أسلمت زوجته دونه فنكح أختها ، ثم أسلما في عدة الأولى ، اختار منهما واحدة ، كما لو تزوجهما معاً . وإن أسلما بعد عدة الأولى ، بانت منه ، والثانية زوجته .
فصل :
وإن ملك أختين ، جاز ، لأن الملك لا يختص مقصوده بالاستمتاع ، ولذلك جاز أن يملك من لا يحل له ، كالمجوسية ، وأخته من الرضاع . وله وطء إحداهما ، أيتهما شاء ، لأن الأخرى لم تصر فراشاً ، فلم يكن جامع بينهما في الفراش ، فإذا وطئها ، حرمت أختها . حتى تحرم الموطوءة بإخراج عن ملكه أو تزويج أو يعلم أنها ليست حاملاً ، لئلا يكون جامعاً بينهما في الفراش ، أو يكون جامعاً ماءه في رحم أختين . فإن عزلها عن فراشه و استبرأها ، لم تحل له أختها ، لأنه لا يؤمن عوده إليها ، فيكون جامعاً بينهما . وإن رهنها ، أو ظاهر منها ، لم تحل أختها ، لأنه متى شاء فك الرهن وكفر فأحلها . وكذلك إن كاتبها ، لأنه بسبيل من حلها بما لا يقف على غيرهما ، فأشبه ما لو رهنها . وروي عن أحمد : أنه لا يحرم الجمع بين الأختين في الوطء ، وإنما يكره لقوله تعالى : {إلا ما ملكت أيمانكم} . والمذهب الأول ، لكونه إذا حرم الجمع في النكاح لكونه طريقاً إلى الوطء ، ففي الوطء أولى . وإن تزوج امرأة فملك أختها . جاز . ولا تحل له الأمة ، لأن أختها على فراشه . فإن وطئها ، لم تحل الزوجة حتى يستبرئ الأمة ، ويحتمل أن تحرم حتى يخرج الأمة عن ملكه ، أو يزوجها ، لأنها قد صارت فراشاً . وإن وطء أمته ثم تزوج أختها ، فقال القاضي : ظاهر كلام أحمد أن النكاح لا يصح ، لأن النكاح سبب يصير به فراشاً ، فلم يجز أن يرد على فراش الأخت ، كالوطء ، قال أبو الخطاب : ظاهر كلام أحمد : أنه يصح ، لأن النكاح سبب يستباح به الوطء ، فجاز أن يرد على وطء الأخت ، كالشراء . ولا تحل المنكوحة حتى تحرم الأمة بإخراج عن ملكه ، أو تزويج ، لما ذكرنا في التي قبلها . وإن باع الموطوءة أو زوجها ، ثم تزوج أختها ، ثم عادت الموطوءة إلى ملكه ، لم تحل له ، كما لو اشتراها ابتداء . ولا تحرم الزوجة ، لأن النكاح أقوى .
وعنه : ما يدل على تحريمها أيضاً . حتى يخرج الأمة عن ملكه ، لأن هذه فراش ، والمنكوحة فراش ، فلا يحل وطء واحدة منهما ، كما لو كانتا أمتين . ولو كانت له أمة يطأها ، فزوجها أو باعها ، ثم تسرى أختها فعادت الأولى إليه ، لم يبح له واحدة منهما حتى يحرم الأخرى ، لأن الأولى عادت إلى الفراش فاجتمعتا فيه ، فلم يبح له واحدة منهما قبل إخراج الأخرى عن الفراش . فإن ملك أختين فوطئهما ، فقد أتى محرماً ، ولا حد عليه ، لأنه وطئ مملوكته ، فأشبه وطء المظاهر منها ، ولا تحل له واحدة منهما حتى يحرم الأخرى ، كما يحرم وطء الأولى الثانية .
فصل :
إذا تزوج أختين في عقدين ، ثم جهل السابقة منهما ، حرمتا جميعاً ، لأن المحللة اشتبهت بالمحرمة فحرمتا جميعاً ، كما لو اشتبهت بأجنبية ، وعليه فراق كل واحدة منهما بطلقة ، لتحل لغيره ، ويزول حبسه عنها ، إلا أن يريد إمساك إحداهما ، فيطلق الأخرى ، ويجدد العقد للتي يمسكها . فإن طلقهما معاً قبل الدخول ، فعليه نصف المهر لإحداهما ، لأن نكاحها صحيح ، ولا يعلم أيتهما هي ، فيقرع بينهما فيه ، لأنهما سواء فيقرع بينهما ، كما لو أراد السفر بإحدى زوجتيه ، فمن خرجت له القرعة ، فلها نصف صداقها . وقال : أبو بكر يتوجه ألا يلزمه لهما صداق ، لأنه مجبر على طلاقهما ، فلم يلزمه صداقهما ، كما لو فسخ نكاحه برضاع أو غيره . قال : وهذا اختياري . وإن كان دخل بهما ، فعليه كمال الصداقين لهما ، إلا أن لإحداهما المسمى ، وفي الأخرى روايتان :
إحداهما : لها المسمى أيضاً .
والثانية : لها مهر المثل ، لأنه واجب بالإصابة ، لا بالعقد . فإن قلنا : يجب مهر المثل ، أقرعنا بينهما فيه . وإن أراد نكاح إحداهما ، طلق الأخرى . وعقد النكاح للثانية ، إلا أنه إن كان لم يدخل بواحدة منهما ، فله أن يعقد النكاح في الحال . وإن كان دخل بها ، لم يعقده حتى تنقضي عدتها ، لئلا يكون نكاحاً لإحداهما في عدة أختها ، أو ناكحاً لمعتدة من وطئه لها في غير ملكه .
فصل :
ولا يحرم الجمع بين ابنتي العم ، ولا ابنتي الخال ، لقوله تعالى : {وأحل لكم ما وراء ذلكم} ولأن إحداهما لو كانت ذكراً ، حلت له الأخرى ، لكن يكره ، لما روى عيسى بن طلحة قال : (( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن تزوج المرأة على ذي قرابتها مخافة القطيعة )) وهذا محمول على الكراهة ، لما ذكرناه ، ويجوز الجمع بين المرأة وربيبتها ، للآية . وفعله عبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن صفوان بن أمية . ويجوز للرجل أن يتزوج ربيبة ابنه وربيبة أبيه ، وربيبة أمه ، للآية . ولأنه لا نسب بينهما ولا سبب محرم .
فصل :
الضرب الثاني: تحريم الجمع، لكثرة العدد. فلا يحل للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات بلا خلاف، لقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} يعني اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة : أمسك أربعاً وفارق سائرهن رواه الترمذي .
وليس للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين ، لما روي عن الحكم بن عيينة أنه قال : أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن العبد لا ينكح إلا اثنتين.روى الإمام أحمد أن عمر سأل الناس عن ذلك ، فقال : عبد الرحمن بن عوف : لا يتزوج إلا اثنتين . وهذا كان بمحضر من الصحابة فلم ينكر ، فكان إجماعاً . والحكم فيمن تزوج خمساً ، أو نكح خامسة من عدة الرابعة ، ونحو ذلك من الفروع ، كالحكم في الجامع بين أختين على ما مضى فيه .
فصل :
ويباح التسري من الإمام من غير حصر ، لقوله تعالى : {فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} ولأن القسم بينهن غير واجب ، فلم ينحصرن في عدد ، وللعبد أن يتسرى بإذن سيده ، نص عليه أحمد ، لأن ذلك قول ابن عمر ، وابن عباس ، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة ، ولأن العبد يملك في النكاح ، فملك التسري ، كالحر . وإنما يملك التسري إذا ملكه سيده وأذن له في التسري . قال القاضي : يجب أن يكون تسري العبد مبنياً على الروايتين من ثبوت الملك له بتمليك سيده ، لأن الوطء لا يباح إلا بنكاح ، أو ملك يمين . لقوله تعالى : {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} والمكاتب كالقن سواء ، لأنه عبد ما بقي عليه درهم . فأما من بعضه حر ، فإن ملك بجزئه الحر جارية ،فملكه تام ، وله الوطء بغير إذن السيد ، لقوله تعالى : {أو ما ملكت أيمانهم} ولأن ملكه عليها تام . فأما تزويجه ، فإنه يلزمه حقوق تتعلق بجميعه ، فاعتبر رضى السيد به ، ليكون راضياً بتعلق الحق بملكه . وإن تسرى العبد بإذن سيده ثم رجع ، لم يكن له الرجوع ، نص عليه ، لأنه يملك به البضع فلم يملك فسخه ، كالنكاح . وقال القاضي : ويحتمل أنه أراد التزويج . وله الرجوع في التسري ، لأنه رجوع فيما ملكه لعبده ، فأشبه سائر المال .
فصل :
النوع الخامس : المحرمات لاختلاف الدين ، فلا يحل لمسلم نكاح كافرة غير كتابية ، لقوله تعالى : {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} وقوله : {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} . ولا يحل نكاح مرتدة وإن تدينت بدين أهل الكتاب ، لأنها لا تقر على دينها ، ولا مجوسية . لأنه لم يثبت لهم كتاب ، ولا كتابية ، أحد أبويها غير كتابي ، لأنها لم تتمحض كتابية ، أشبهت المجوسية ، ولا من يتمسك بصحف إبراهيم وزبور داود ، أو كتاب غير التوراة والإنجيل ، لقوله تعالى : {أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} . ولأن تلك الكتب ليست بشرائع ، إنما هي مواعظ وأمثال . ويباح نكاح حرائر الكتابيات ، لقوله تعالى : {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} وهم اليهود والنصارى ومن وافقهم من أصل دينهم ودان بالتوراة والإنجيل ، كالسامرة وفرق النصارى ، وفي نصارى بني تغلب روايتان :
إحداهما : إباحة نسائهم ، لأنهن كتابيات فيدخلن في عموم الآية .
والثانية : تحريمهن ، لأنه لا يعلم دخولهن في دينهم قبل تبديل كتابهم . ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال ، كتابياً كان أو غير كتابي ، لقوله تعالى : {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} وقوله : {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} . وكل من تحل حرائرهم بالنكاح ، حل وطء إمائهم بملك اليمين . ومن حرم نكاح حرائرهم ، حرم وطء إمائهم بملك اليمين ، بالقياس على المحرمات بالرضاع .
فصل :
النوع السادس : التحريم لأجل الرق وهو ضربان :
أحدهما : تحريم الإماء ، وهن نوعان : كتابيات ، فلا يحل لمسلم نكاحهن ولو كان عبداً . وعنه : يجوز ، والأول : المذهب ، لقوله تعالى : {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} . فشرط في إباحتهن إيمانهن ، ولأنهن ناقصات من وجهين ، أشبه المشركات .
والثاني : الأمة المسلمة ، فللعبد نكاحها ، لأنها تساويه ، ولا تحل لحر نكاحها إلا بشرطين : عدم الطول ، وهو : العجز عن نكاح حرة ، أو شراء أمة .
والثاني : خشية العنت : وهو الزنى ، لقوله تعالى : {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} . إلى قوله : {ذلك لمن خشي العنت منكم} فإن أمكنه نكاح حرة كتابية ، لم تحل له الأمة المسلمة ، لأنه لا يخشى العنت ، ولأنه أمكنه صيانة ولده عن الرق فحرم عليه إرقاقه ، كما لو قدر على نكاح مؤمنة . وإن تزوج أمة تحل له ، ثم وجد الطول ، ففيه وجهان :
أحدهما : نكاحه باق ، اختاره الخرقي ، لأن زوال الشرط بعد العقد لا يبطله ، كما لو أمن العنت .
والثاني : يبطل ، لأنه أبيح للضرورة فزال بزوالها ، كأكل الميتة . وإن تزوج حرة على أمة فهل يبطل نكاح الأمة ؟ على روايتين كذلك ، فإن تزوج حرة تعفه وأمة في عقد واحد ، فسد نكاح الأمة ، لعدم شرطه ، وهو عدم طول الحرة . وفي نكاح الحرة روايتان .
أصلهما تفريق الصفقة . وكذلك الحكم في كل عقد جمع فيه بين محللة ومحرمة ، كأجنبية وأخته من الرضاع . فإن كانت الحرة لا تعفه ، ولم يتمكن من نكاحها حرة تعفه ، ففي نكاح الأمة روايتان :
إحداهما : لا يصح ، لأنه واجد الطول حرة .
والثانية : يصح ، لأنه خائف العنت ، عادم الطول حرة تعفه ، فحلت له الأمة ، كالعاجز عن نكاح حرة . فعلى هذا يصح العقد فيهما جميعاً ، وكذلك الحكم إن كانت تحته حرة لا تعفه ، فيتزوج عليها أمة ، أو كان تحته أمة لا تعفه فيتزوج عليها ثانية ، ففيها روايتان .
قال الخرقي : وله أن ينكح من الإماء أربعاً ، إذا كان الشرطان فيه قائمين . ووجه الروايتين ما تقدم . وإن تزوج أمتين في عقد وإحداهما تعفه ، بطل فيهما ، لأن إحداهما ليست بأولى من الأخرى ، فبطل فيهما ، كما لو جمع بين أختين .
فصل :
الضرب الثاني : أنه لا يحل للعبد نكاح سيدته ، لأن أحكام الملك والنكاح تتناقض ، إذا ملكها إياه يقتضي وجوب نفقته عليها ، وسفره بسفرها ، وطاعته إياها . ونكاحه إياها ، يوجب عكس ذلك ، فيتنافيان . ولا يصح أن يتزوج الحر أمته ، لأن النكاح يوجب للمرأة حقوقاً يمنعها ملك اليمين من القسم والمبيت فبطل . فإن ملكت المرأة زوجها ، أو جزءاً منه ، أو ملك الرجل زوجته أو جزءاً منها ، انفسخ النكاح ، لما ذكرنا ، ويحرم على الأب نكاح جارية ابنه ، لأن له فيها شبهة يسقط الحد بوطئها ، فلم يحل له نكاحها ، كالمشركة بينه وبين غيره . وللابن أن يتزوج أمة أبيه ، لعدم ذلك فيه . وإن تزوج جارية ثم ملكها ابنه ، ففيه وجهان :
أحدهما : يبطل النكاح ، لأن ملك الابن كملكه في إسقاط الحد وحرمة الاستيلاد ، فكان كملكه في إبطال النكاح .
والثاني : لا يبطل ، لأنه يملكها بملك الابن ، فلم يبطل نكاحها ، كما لو ملكها أجنبي .
فصل :
النوع السابع : منكوحة غيره ، والمعتدة منه ، والمستبرأة منه ، لقوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} . ولقوله: {ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله} . ولأن تزويجها يفضي إلى تزوجيها يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب ، وسواء في ذلك المعتدة من وطء مباح ، أو محرم ، أو من غير وطء ، لأنه لا يؤمن أن تكون حاملاً ، فلو جوزنا تزويجها ، لاختلاط نسب المتزوج بنسب الواطئ الأول . ولا يجوز نكاح المزني بها بالحمل إلا أن تضع . فإن وطئت امرأة الرجل بشبهة أو زنا ، لم يفسخ نكاحه ، لأن النكاح سابق فكان أولى . ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين : لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر يستقي ماء زرع غيره رواه الترمذي وقال : حديث حسن ، وأبو داود ، وزاد ، يعني : إتيان الحبالى . ولأنها ربما يأتي بولد من الزنا فينسب إليه . قال أحمد : وإذا علم الرجل من جاريته الفجور ، فلا يطؤها لعلها تلحق به ولداً ليس منه.
فصل :
ولا يحل التعريض بخطبة الرجعية، لأنها زوجته، فأشبهت ما قبل الطلاق ، ويجوز التعريض بخطبة المعتدة من الوفاة ، والطلاق الثلاث ، لقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} . وروت فاطمة بنت قيس : أن أبا عمر بن حفص ابن المغيرة طلقها آخر ثلاث طلقات ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسبقيني بنفسك ويحرم التصريح ، لأن تخصيص التعريض بالإباحة دليل على تحريم التصريح، ولأن التصريح لا يحتمل غير النكاح ، فلا يأمن أن يحملها الحرص عليه على الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها ، بخلاف التعريض . فأما البائن بخلع ، فلزوجها التصريح بخطبتها والتعريض ، لأنه يحل له نكاحها في عدتها ، إذ لا يصان ماؤه عن مائه ، ولا يخشى اختلاط نسبه بنسب غيره . وهل يحل لغير التعريض بخطبتها ؟ فيه وجهان :
أحدهما : لا يحل ، لأن الزوج يملك استباحتها في عدتها فأشبهت الرجعية .
والثاني : يحل ، لأنها بائن أشبهت المطلقة ثلاثاً . والمرأة كالرجل فيما يحل لها من الجواب ويحرم. والتصريح أن يقول: زوجيني نفسك إذا انقضت عدتك ونحوه ، والتعريض أن يقول : إني في مثلك لراغب ، ولا تسبقيني بنفسك ، وما أحوجني إلى مثلك ونحوه . وتجيبه : ما يرغب عنك . وإن قضي شيء كان ونحوه .
فصل :
ومن خطب امرأة فأجيب ، حرم على غيره خطبتها إلا أن يأذن ، أو يترك ، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك متفق عليه . وفي حديث : أو يأذن له فيخطب ولأن في ذلك إفساداً على أخيه ، وإيقاعاً للعداوة بينهما فحرم ، كبيعه على بيعه . وإن لم يسكن إليه ، فلغيره خطبتها ، لما روت فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت: أن معاوية وأبا جهم خطباها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما أبو جهم ، فلا يضع العصا عن عاتقه ، وأما معاوية ، فصعلوك لا مال له ، ، أنكحي أسامة متفق عليه . فخطبها بعد خطبتها . وإن لم يعلم أجابت أم لا ؟ ففيه وجهان :
أحدهما: التحريم، لعموم النهي .
والثاني : الإباحة ، لأن الأصل عدم الإجابة المحرمة . والتعويل في الإجابة والرد عليها إن كانت غير مجبرة ، وعلى وليها إن كانت مجبرة .
فصل :
النوع الثامن : الملاعنة . تحرم على الملاعن وتذكر في بابه .
النوع التاسع : الزانية ، يحرم نكاحها حتى تتوب ، لقوله تعالى : {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} . ولأنه لا يؤمن أن تلحق به ولداً من غيره ، فحرم نكاحها كالمعتدة . ويحرم نكاحها في عدتها على الزاني وغيره ، لأن ولدها لا يلحق نسبه بأحد ، فيؤدي تزويجها إلى اشتباه النسب. فأما الموطوءة بشبهة ، أو في نكاح فاسد، فهل يحرم؟ فظاهر كلام الخرقي تحريمها على الواطئ، لقوله في الذي تزوج امرأة في عدتها : له أن ينكحها بعد انقضاء العدتين ، وذلك أنه وطء من غير ملك . أشبه الوطء المحرم . ويحتمل أن لا تحرم على الواطئ ، لأن نسب ولدها لاحق به ، فأشبهت المعتدة من النكاح .
فصل :
واختلف أصحابنا في الخنثى ، المشكل . فقال أبو بكر : لا يصح نكاحه . ونص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية الميموني ، لأنه مشكوك في حله للرجال والنساء ، فلم يحل ، كما لو اشتبهت الأجنبية بالأخت . وقال الخرقي : يرجع إلى قوله . فإن قال : إني رجل ، حل له النساء وإن قال : أنا امرأة ، لم ينكح إلا رجلاً ، لأنه معنى لا يعرف إلا من جهته . وليس فيه إيجاب حق على غيره ، فوجب أن يقبل منه ، كما يقبل قول المرأة في انقضاء عدتها ، فعلى هذا إن عاد بعد نكاح المرأة ، فقال : أنا امرأة انفسخ نكاحه ، لإقراره ببطلانه ، ولزمه نصف المهر إن كان قبل الدخول ، وجميعه إن كان بعده ، ولا يحل له بعد ذلك أن ينكح ، لأنه أقر بقوله : أنا رجل ، بتحريم الرجال ، وأقرأ بقوله : أنا امرأة ،بتحريم النساء . وإن تزوج رجلاً ثم قال : أنا رجل ، لم يقبل قوله في فسخ نكاحه ، لأنه حق عليه ، فإذا زال النكاح فلا مهر له ، لأنه يقر أنه لا يستحقه ، وسواء دخل به أو لم يدخل . ويحرم عليه النكاح بعد ذلك لما ذكرناه .
فصل :
النوع العاشر : التحريم للإحرام . فلا يجوز نكاح محرم ولا محرمة ، ولا يجوز عقد المحرم نكاح غيره . ومتى عقد أحد نكاحاً لمحرم ، أو على محرمة ، أو عقد المحرم نكاحاً لغيره ، أو لنفسه ، فالعقد باطل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب رواه مسلم . ولأنه عارض منع الطيب فمنع النكاح ، كالعدة . وعنه : أنه عقد المحرم النكاح لغيره ، صحيح ، لأنه محرم ، لكونه من دواعي الوطء ، ولا يحصل ذلك بكونه ولياً . والأول أصح ، لعموم الخبر ، فأما إن كان شاهداً في النكاح ، انعقد بشهادته ، لأنه من أهل الشهادة ، فأشبه الحلال . وتكره له الشهادة والخطبة ، للخبر في الخطبة ، والشهادة في معناها ، لأنها معونة على النكاح .
باب الشروط في النكاح
وهي قسمان صحيح وفاسد . فالصحيح نوعان:
أحدهما : شرط ما يقتضيه العقد ، كتسليم المرأة إليه ، وتمكنه من استمتاعها ، فهذا لا يؤثر في العقد . ووجوده كعدمه .
والثاني : شرط ما تنتفع به المرأة ، كزيادة على مهرها معلومة ، أو نقد معين ، أو أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ، أو لا يسافر بها ولا ينقلها عن دارها ولا بلدها ، فهذا صحيح يلزم الوفاء له ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج متفق عليه . وروي أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها دارها ، ثم أراد نقلها ، فخاصموه إلى عمر ، فقال : لها شرطها . فقال الرجل : إذاً يطلقننا . فقال عمر : مقاطع الحقوق عند الشروط ، ولأنه شرط لها ، فيه نفع ومقصود لا ينافي مقصود النكاح ، فصح ، كالزيادة في المهر . فإن لم يف به ، فلها فسخ النكاح : لأنه شرط لازم في عقد ، فثبت حق الفسخ بفواته ، كشرط الرهن في البيع .
فصل :
القسم الثاني : فاسد وهو ثلاثة أنواع :
أحدها: ما يبطل في نفسه ، ويصح النكاح ، مثل أن يشرط عليها أنه لا مهر لها ، أو الرجوع عليها بمهرها ، أو لا نفقة لها عليه ، أو أن نفقته عليها ، أو لا يطؤها ، أو يعزل عنها ، أو يقسم لها دون قسم صاحبتها ، أو ألا يقسم لها إلا في النهار ، أو ليلة في الأسبوع ونحوه ، فهذه الشروط باطلة في نفسها ، لأنها تتضمن إسقاط حق يجب بالعقد قبل انعقاده ، فلم يصح ، كإسقاط الشفعة قبل البيع . وقد نقل عن أحمد في النهاريات والليليات : ليس هذا من نكاح أهل الإسلام ، وهذا يحتمل إفساد العقد ، فيتخرج عليه سائر الشروط الفاسدة ، أنها تفسده ، لأنها شروط فاسدة ، فأفسدت العقد ، كما لو زوجه وليته ، بشرط أن يزوجه الآخر وليته . وهذا يحتمل أن يفسد بشرطها عليها ترك الوطء ، لأنه ينافي مقتضى العقد ومقصوده . ولو شرط عليها ألا يطأها ، لم يفسد ، لأنه الوطء حقه عليها وهي لا تملكه .
فصل :
النوع الثاني : ما يفسد النكاح من أصله ، وهو أربعة أمور :
أحدهما : أن يشرطا تأقيت النكاح ، وذلك نكاح المتعة ، مثل أن يقول : زوجتك ابنتي شهراً أو نحوه ، فالنكاح باطل ، نص عليه ، لما روى الربيع ابن سبرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نهى عن المتعة في حجة الوداع )) وفي لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم : حرم متعة النساء رواه أبو داود . ولأنه لم يتعلق به أحكام النكاح من الطلاق وغيره ، فكان باطلاً ، كسائر الأنكحة الباطلة . قال أبو بكر : فيه رواية أخرى : أنها مكروهة ، لأن أحمد قال في رواية ابن منصور يجتنبها أحب إلي ، فظاهرها الكراهة ، لا التحريم وغيره من أصحابنا يقول : المسألة رواية واحدة في تحريمها . ولو اشترط أن يطلقها في وقت بعينه ، لم يصح النكاح ، لأنه شرط يمنع بقاء النكاح ، فأشبهت التأقيت . ويتخرج أن يصح النكاح ويبطل الشرط ، لأن النكاح وقع مطلقاً ، وشرط على نفسه شرطاً لا يؤثر فيه ، فأشبه ما لو شرط ألا يطأها .
فصل :
الأمر الثاني : أن يزوجه وليته بشرط أن يزوجه الآخر وليته ، فهذا نكاح الشغار . ولا تختلف الرواية عن أحمد في فساده ، لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : نهى عن نكاح الشغار ، و الشغار : أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق . متفق عليه . ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفاً في الآخر ، فلم يصح ، كما لو قال : بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي . فإن سميا مع ذلك صداقاً ، فقال : زوجتك أختي على أن تزوجني أختك ، ومهر كل واحدة مائة ، فالمنصوص عن أحمد صحته ، لحديث ابن عمر . وقال الخرقي : لا يصح ، لما روى الأعرج أن العباس بن عبيد الله بن العباس : أنكح عبد الرحمن بن الحكم تبنته ، وأنكحه عبد الرحمن ابنته : وكانا جعلا صداقاً ، فكتب معاوية إلى مروان : يأمره أن يفرق بينهما . وقال في كتابه : هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود ولأنه شرط عقد في عقد فلم يصح ، كما لو باعه ثوبه بشرط أن يبيعه ثوبه ، وإن سمي لإحداهما مهراً ، دون الأخرى ، فقال أبو بكر : النكاح فاسد فيهما ، وقال القاضي : يجب أن يكون في التي سمى لها مهراً روايتان .
فصل :
الشرط الثالث : أن يشرط عليه إحلالها لزوج قبله ، ثم يطلقها فيكون النكاح حراماً باطلاً ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لعن الله المحلل والحلل له قال الترمذي : هذا حديث صحيح . فإن تواطآ على ذلك قبل العقد فنواه في العقد ولم يشرطه ، فالنكاح باطل أيضاً . ونص عليه. وقال: متى أراد بذلك الإحلال، فهو ملعون، لعموم الحديث. وروى نافع : أن رجلاً قال لابن عمر : امرأة تزوجتها أحلها لزوجها ولم يأمرني ولم تعلم . قال : لا ، إلا نكاح رغبة ، إن أعجبتك ، أمسكتها ، وإن كرهتها ، فارقتها . وإن كنا نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحاً . ولا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة . وإن شرط عليه سباقاً إحلالها فنوى غير ذلك ، صح ، لأنه خلا عن نية التحليل وشرطه . وإن قصدت المرأة التحليل ووليها دون الزوج ، لم يؤثر في العقد ، لأنه ليس إليهما إمساك ولا فراق ، فلم يؤثر بينهما ، كالأجنبي . وإن زوجها عبده بنية أن يهبها إياه لينفسخ نكاحه ، فهو نكاح المحلل ، لأنه قصد به التحليل. وذكر القاضي : فيما إذا خلا العقد عن شرط التحليل وجهاً آخر : أنه يصح . وخرجه أبو الخطاب رواية ، لأنه روي عن أحمد : أنه كرهه فظاهر الصحة مع الكراهة ، لأنه مجرد النية لا يفسد العقد كما لو اشترى عبداً ينوي أن يبيعه .
فصل :
النوع الثالث : فاسد ، وفي فساد النكاح به روايتان :
وهو أن يتزوجها بشرط الخيار ، أو إن رضيت أمها ، أو إنسان ذكره ، أو بشرط ألا يكره فلان ، أو إن جاءها بالمهر إلى كذا ، وإلا فلا نكاح بينهما . فنقل عنه ابناه و حنبل : نكاح المتعة حرام ، وكل نكاح فيه وقت أو شرط فاسد ، لأن عقد النكاح يجب أن يكون ثابتاً لازماً ، فنافاه هذا الشرط ، كالخلع . ونقل عنه : أن العقد صحيح والشرط بالطل ، لأن النكاح يصح في المجهول فلم يفسد بالشرط الفاسد ، كالعتق . ونقل عنه فيمن شرط إن جاءها بالمهر في وقت كذا ، وإلا فلا نكاح بينهما ، أن الشرط صحيح ، لأن لها فيه نفعاً أشبه ما لو اشترط ألا يخرجها من دارها .
باب الخيار في النكاح
وأسبابه أربعة:
أحدها : أن يجد أحدهما بصاحبه عيباً يمنع الوطء وهو سبعة أشياء : ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء ، وهي : الجنون مطبقاً كان أو غير مطبق ، والجذام ، والبرص ، واثنان في الرجل : الجب والعنة ، واثنان في المرأة : الرتق ، وهو انسداد الفرج . والفتق وهو انخراق ما بين مخرج البول والمني . وقيل : انخراق ما بين القبل والدبر ، فمن وجد بصاحبه عيباً منها ، فله الخيار في فسخ النكاح ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار فرأى بكشحها بياضاً ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : البسي ثيابك والحقي بأهلك فثبت الرد بالبرص ، بالخبر ، وقسنا عليه سائر العيوب ، لأنها في معناه في منه الاستمتاع . وإن كان قد بقي من ذكر المجبوب ما يمكن الجماع به ، ويغيب منه في الفرج قدر الحشفة ، فلا خيار لها ، لأنه لا يمنع الاستمتاع . وإن اختلفا في ذلك ، فالقول قول المرأة ، لأنه يضعف بالقطع ، والأصل عدم الوطء .
فصل :
وإن وجد أحدهما الآخر خنثى ، أو وجت زوجها خصياً ، ففيه وجهان :
أحدهما : لها الخيار ، لأنه يثير نفرة ، وفيه نقص وعار ، فأشبه البرص .
والثاني : لا خيار لها ، لأنه لا يمنع الاستمتاع . واختلف أصحابنا في البخر ، وهو نتن الفم . وفي الذي لا يستمسك بوله أو خلاه . فقال أبو بكر : يثبت به الخيار ، لأنه ينفر عن الاستمتاع ، ويتعدى ضرره ونجاسته . وقال غيره : لا خيار فيه ، لأنه لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه ، ويتخرج عليه الناصور و الباسور والقروح السيالة في الفرج ، لأنها في معناه. واختلفوا في العفل ، وقيل : هي رغوة في الفرج يمنع لذة الوطء ، فعده الخرقي : مانعاً كذلك ، ولم يعده القاضي في الموانع ، لأنه لا يمنع الاستمتاع . وكذلك يخرج في الرائحة الكريهة التي في الفرج تثور عند الوطء. وما عدا هذه العيوب، كالقرع والعمى والعرج لا يثبت به خيار ، لأنه لا يمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديه .
فصل :
ومن علم العيب وقت العقد ، فلا خيار له ، لأنه دخل على بصيرة بالعيب فأشبه من اشترى ما يعلم عيبه . وإن وجد بصاحبه عيباً به مثله ، ففيه وجهان :
أحدهما : لكل واحد منهما الخيار ، لوجود سببه ، فأشبه العبد المغرور بأمة ، ولأنه قد يعاف عيب غيره ، وإن كان به مثله .
والثاني : لا خيار له ، لأنهما متساويان في النقص فأشبها القفيزين . وإن حدث العيب بأحدهما بعد العقد ، ففيه وجهان :
أحدهما : لا خيار له ، وهو قول أبي بكر : لأنه عيب حدث بعد لزوم العقد أشبه الحادث بالمبيع .
والثاني: يثبت به الخيار . وهو ظاهر قول الخرقي ، لأنه عيب ، لو قارن ، أثبت الخيار ، فإذا حدث أثبته كالإعسار .
فصل :
وإذا علم العيب فأخر المطالبة بالفسخ ، لم يبطل خياره ، وقال القاضي : يبطل ، وأصلهما ما ذكرنا في خيار الرد بالعيب في المبيع ، وإن قال : رضيت به معيباً ، أو وجد منه دلالة على الرضى ، كالاستمتاع ، أو التمكين منه ، بطل خياره .
فصل :
وإن فسخ قبل المسيس ، فلا مهر لها ، لأنه إن كان الفسخ منها ، فالفرقة من جهتها ، فأسقطت مهرها ، كردتها . وإن كان من الزوج ، فهو لمعنى من جهتها ، لحصوله بتدليسها ، فأشبه ما لو باشرتها . وإن كان بعد الدخول ، استقر المهر ولم يسقط ، لاستقرار النكاح بالدخول فيه ، ويجب المسمى ، لأنه نكاح صحيح فيه مسمى صحيح ، فوجب المسمى فيه . كما لو ارتدت . وذكر القاضي : أن فيه رواية أخرى أنه يجب مهر المثل بناء على العقد الفاسد ، وليس هذا بفاسد ، إذ لو كان فاسداً ، لما ثبت الخيار فيه ، ويرجع بالمهر على من غره ، لما روي عن عمر أنه قال : أيما رجل تزوج امرأة بها جنون أو جذام أو برص فمسها ، فلها صداقها، غرم على وليها ، ولأنه غره في النكاح بما يجب به المهر ، فكان المهر عليه ، كما لو غره بحرية أمة . وعنه : لا يرجع على أحد ، لأن ذلك يروى عن علي رضي الله عنه . فإن لم يعلم الولي ، فالغرور من المرأة . وإن طلق الزوج ثم علم بها عيباً ، فعليه المهر ، لا يرجع به على أحد ، لأنه رضي بالتزامه .
فصل :
ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم ، لأنه مختلف فيه ، فافتقر إلى الحاكم ، كالفسخ للإعسار . فإن رده الحاكم إلى مستحقه ، جاز ، والفرقة الواقعة بينهما فسخ لا طلاق ، لأنه رد لعيب ، فكان فسخاً كرد المشتري . وإن اتفقا على الرجعة ، لم يجز إلا بنكاح جديد ، ويرجع على ثلاث طلقات . وقال أبو بكر : فيها قول آخر : أنها تحرم على التأبيد ، لأنه فرقة حاكم ، فأشبهت فرقة اللعان ، ولنا أنها فرقة لعيب أشبهت فرقة المعتقة تحت عبد .
فصل :
وليس لولي صغير ولا صغيرة ولا سيد أمة تزويجهم بمعيب ، لأن فيه ضرراً بهم ، وعليه النظر في الحظ لهم . ولا لولي كبير تزويجها بمعيب بغير رضاها ، لأنه فيه ضرراً بها . فإن طلبت التزويج بمجبوب أو عنين ، لم يملك منعها ، لأن الضرر يختص بها . وإن أرادت التزويج بمعيب غيرهما ، فله منعها ، لأن عليه ضرراً أو عاراً ، ويخشى تعديه إليها وإلى ولدها ، ويحتمل أنه ليس منعها قياساً علة الجب والعنة. فإن رضيا به ، جاز ويكره. قال أحمد ما يعجبني أن يزوجها بعنين، وإن رضيت الساعة فتكره إذا دخلت . وإن حدث العيب بالرجل ، أو وجدته معيباً فرضيت به المرأة ، لم يكن لوليها إجبارها على الفسخ ، لأنه حقه في ابتداء العقد لا في دوامه . ولهذا يملك منعها من نكاح العبد ، ولو عتقت تحت عبد ، لم يملك إجبارها على الفسخ .
فصل :
وإذا اختلفا في عيب المرأة ، أريت النساء الثقات ، فرجع إلى قولهن . فإن ادعت المرأة أن زوجها عنيناً فأنكر ، فالقول قوله مع يمينه ، لأن الأصل السلامة . وإن اعترف ، أجله الحاكم عاماً منذ رافعته ، لما روى سعيد بن المسيب : إن عمر أجل العنين سنة . وعن علي والمغيرة مثله . ولأن العجز قد يكون لعارض من حرارة ، أو برودة ، أو يبوسة ، أو رطوبة . فإذا مضت السنة واختلف عليه الأهوية ولم يزل ، علم أنه خلقة . ولا تثبت المدة إلا بالحكم ، لأنها مدة مختلف فيها، بخلاف مدة الإيلاء . فإذا مضت السنة منذ ضربت له المدة ولم يطأها ، خيرت في المقام معه أو فراقه ، لأن الحق لها . فإن رضيته عنيناً ، أو قالت في وقت : قد رضيته عنيناً ، لم يكن لها خيار بعد ذلك ، لأنها رضيت العيب ، فأشبه ما لو رضيت المبيع المعيب . وإن اختارت فراقه ، فرق الحاكم بينهما . وإن اعترفت أنه وطئها مرة ، بطل كونه عنيناً . وإن ادعى أنه وطئها ، فادعت أنها عذراء ، أريت النساء الثقات ، فإن شهدن بما قالت ، فالقول قولها ، وإلا فالقول قوله . وإن اختلفا في ثيب ، فالقول قوله ، لأن الأصل السلامة . وعنه : القول قولها ، لأن الأصل عدم الإصابة . وعنه : يخلى معها في بيت ، ويقال: أخرج ماءك على شيء ، فإن عجز عن ذلك ، فالقول قولها . وإن فعل ، فالقول قوله . فإن ادعت أنه ليس بمني ، جعل على النار ، فإن ذاب فهو مني ، وبطل قولها ، لأنه شبيه ببياض البيض ، وذاك إذا وضع على النار تجمع ويبس ، وهذا يذوب ، فيتميز بذلك أحدهما من الآخر ، فيختبر به ، لأن هذا قول عطاء . وإن اعترفت أنه وطئ غيرها ، أو وطئها في الدبر ، أو في نكاح آخر ، لم تزل عنته، لأنه قد يعن عن امرأة دون أخرى، وفي نكاح دون نكاح ، والدبر ليس بمحل للوطء ، فأشبه ما دون الفرج . ويقتضي قول أبي بكر أنها متى اعترفت بوطئه لغيرها ، أو لها ، في أي نكاح كان ، زالت عنته . وهذا اختيار ابن عقيل ، لأن العنة جبلة وخلقة ، فلا تبقى مع ما ينافيها . وأدنى الوطء الذي يخرج به من العنة ، إيلاج الحشفة في الفرج ، لأن الوطء الذي تتعلق به الأحكام دون غيره . وهل يحلف من القول قوله ؟ يحتمل وجهين ، بناء على الاستحلاف في غير دعوى المال .
فصل :
السبب الثاني : إذا عتقت المرأة وزوجها عبد ، فلها الخيار في فسخ النكاح ، لما روت عائشة قالت : كاتبت بريرة ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها وكان عبداً ، فاختارت نفسها . قال عروة : ولو كان حراً ما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه مالك في موطئه و أبو داود في سننه . وإن عتقت وزوجها حر، فلا خيار لها، للخبر، ولأنها كملت تحت كامل، فلم يثبت لها خيار ، كما لو أسلمت الكتابية تحت مسلم ، بخلاف زوجة العبد . ولها الفسخ بنفسها ، لأنه خيار ثبت بالنص والإجماع ، ولما روى الحسن عن عمر بن أمية قال: سمعت رجالاً يتحدثون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا أعتقت الأمة فيه بالخيار ما لم يطأها ، إن شاءت فارقته ، فإن وطئها فلا خيار لها رواه الإمام أحمد في المسند . وخيارها على التراخي ، للخبر ، ما لم يطأها ، فإن أمكنته من وطئها عالمة بالحال ، بطل خيارها ، للخبر . ولأنه دليل على رضاها به ، فبطل خيارها ، كما لو نطقت به . وإن لم تعلم ، بطل خيارها أيضاً ، نص عليه أحمد ، للخبر . وقال القاضي و أبو الخطاب ، لا يبطل ، لأن تمكينها مع جهلها لا يدل على رضاها به ، وإن لم تعلم بالعتق حتى وطئها ، ففيه وجهان، كالتي قبلها فعلى هذا إن ادعت الجهل بالعتق وهي ممن يجوز خفاؤه عليها ، لبعدها عن المعتق ، فالقول قولها مع يمينها ، وإن كانت ممن لا يخفى عليها ذلك لقربه واشتهاره ، لم يقبل قولها ، فإن ادعت الجهل بثبوت الخيار ، فالقول قولها ، لأنه لا يعلمه إلا خواص الناس . وإن أعتق العبد قبل اختيارها ، بطل خيارها ، لأن الخيار لدفع الضرر الحاصل بالرق ، وقد زال بعتقه فزال، كرد المعيب إذا زال عيبه . ولو أعتقا معاً ، فلا خيار لها . وعنه : لها الخيار ، والأول أولى، لأنها لو عتقت تحت حر ، لم يثبت لها خيار ، لعدم الضرر ، فكذا هاهنا . ويستحب لمن أراد عتق عبد وجاريته المتزوجين البداءة بعتق الرجل ، لئلا يكون للمرأة عليه خيار . وقد روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها : أنه كان غلام وجارية ، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إني أريد أن أعتقهما ، فقال لها : فابدئي بالرجل .
فصل :
فإن أعتقت المجنونة والصغيرة ، فلا خيار لهما ، لأنهما لا عقل لهما ، ولا قول معتبر ، ولا يملكه وليهما ، لأن هذا طريقه الشهوة ، فلا يدخل تحت الولاية ، كالقصاص ، فإذا بلغت الصغيرة ، وعقلت المجنونة، فلها الخيار حينئذ ، لكونهما صارا على صفة يعتبر كلامهما . والحكم في وطئهما ، كالحكم في وطء الجاهلة بالعتق .
فصل :
إذا عتق بعض الأمة ، فلا خيار لها في إحدى الروايتين ، اختارها الخرقي ، لأنه لا نص فيها ، ولا يصح قياسها على من عتق جميعها ، لأنها أكمل منها .
والثانية : لها الخيار ، اختارها أبو بكر ، لأنها أكمل من زوجها ، فأشبهت الكاملة بالعتق .
فصل :
إذا فسخت قبل الدخول ، سقط مهرها ، لأن الفسخ من جهتها . وعنه : يجب نصف المهر للسيد ، لأنه المستحق له ، فلا يسقط نصفه من جهة غيره . وإن رضيته ، فالمهر للسيد ، لأنه استحقه بالعقد ، وروي وإن فسخت بعد الدخول ، استقر المسمى للسيد ، لأنه وجب له بالعقد ، واستقر بالدخول ، فأشبه ما لو ارتدت . وإن طلقها قبل اختيارها ، وقع طلاقه ، ولسيدها نصف المهر ، وإن كان قبل الدخول ، وجميعه إن كان بعده . وقال القاضي : طلاقه موقوف، إن فسخت ، تبينا أنه لم يقع ، وإن لم تفسخ ، وقع . ولنا أنه طلاق من زوج جائز التصرف في نكاح صحيح ، فوقع ، كما لو لم يعتق .
فصل :
وإن طلقها الزوج طلاقاً بائناً ، ثم أعتقت ، فلا خيار لها ، لأنه لا نكاح بينهما يفسخ . وإن كان رجعياً ، فلها الفسخ في العدة ، لأن نكاحها باق ، ويمكن فسخه ، فإذا فسخت ، انقطعت الرجعة ، وبنت على ما مضى من العدة ، كما لو طلقها بائنة . وإن اختارت المقام معه ، بطل خيارها ، لأنها حالة صح منها اختيار الفسخ ، فصح اختيار المقام ، كصلب النكاح .
فصل :
السبب الثالث : الغرر . فلو تزوجت المرأة رجلاً مطلقاً ، أو على أنه حر فبان عبداً ، فلها الخيار في فسخ النكاح ، لأنها إذا ملكت الفسخ بالحرية الطارئة ، فللسابقة أولى . ولها الفسخ من غير حاكم ، كما لو عتقت تحت عبد . ومن جعل الحرية من شروط الكفاءة ، والكفاءة من شروط النكاح ، أبطله ، لفوات شرطه .
فصل :
وإن تزوج أمة على أنها حرة ، أو يظنها حرة ، وهو ممن لا يحل نكاح الإماء ، فالنكاح فاسد ، وعليه فراقها متى علم ، وحكمه حكم الأنكحة الفاسدة في المهر وغيره . وإن كان ممن تحل له الإماء ، فالنكاح صحيح ، لأن فوات صفة في المعقود عليه لا تفسد العقد ، كما لو تزوجها على أنها بيضاء فبانت سوداء . وفي الموضعين متى أصابها فولدت منه ، فالولد حر ، حراً كان الزوج أو عبداً، لأنه اعتقد حريتها، وعليه فداء أولاده ، لأن عمر وعلياً وابن عباس قضوا بذلك . وعنه : ليس عليه فداؤهم ، لأن الولد ينعقد حراً ، فلم يضمنه لسيدها ، لأنه لم يملكه . وعنه : يقال للزوج افتد ولدك وإلا ، فهم يتبعون الأم . والمذهب الأول . وله فسخ نكاحها إن أحب ، لأنه غرور بالحرية ، أشبه غرور المرأة . فإن فسخ قبل الدخول ، فلا مهر عليه ، لأن الفسخ لسبب من جهتها . وإن فارقها بعد الدخول ، فعليه المهر ما أصاب منها ، ويرجع بما غرمه من المهر ، وفداء الأولاد في الموضعين على من غره ، نص عليه أحمد . وذكره الخرقي ، لأن الصحابة الذين ذكرناهم قضوا به . وعن أحمد : لا يرجع بالمهر ، وهو اختيار أبي بكر ، لأنه يروى عن علي رضي الله عنه . ولأنه وجب في مقابلة نفع وصل إليه . وظاهر المذهب الأول ، لأن العاقد ضمن له سلامة الوطء ، كما ضمن له سلامة الولد ، فوجب أن يرجع به كقيمة الولد .
فصل :
ويفدي الأولاد بقيمتهم يوم الولادة ، لأنه يروى عن عمر رضي الله عنه . ولأنه محكوم بحريتهم يوم وضعهم ، فاعتبر فداؤهم يومئذ . وتجب القيمة ، لأنه ضمان وجب لفوات حرية، فأشبه ضمان حصة شريكه إذا سرى العتق إليه . وعنه : يفديهم بعبد مثلهم ، لأنه يروى عن عمر أنه قضى بفداء ولده بغرة غرة ، مكان كل غلام ،غلام ، ومكان كل جارية ،جارية . ولأن الولد حر ، فلا يضمن بقيمته ، كسائر الأحرار . وعنه : أنه مخير بين فدائهم بمثلهم و قيمتهم ، لأن الأمرين يرويان جميعاً عن عمر . فإن فداهم بمثلهم ، وجب مثلهم في القيمة . اختاره أبو بكر ، لأن الحق ينجبر بذلك ، ويحتمل أن ينظر إلى صفاتها تقريباً ، لأن الآدمي ليس من ذوات الأمثال ، ولا يفدى منهم إلا من ولد حياً في وقت يعيش مثله ، سواء عاش أو مات بعد ذلك ، لأن غير ذلك لا قيمة له .
فصل :
وإن كان المغرور عبداً ، فولده أحرار ، لأنه وطئها يعتقد حريتها ، فكان ولده حراً ، كولد الحر . وعليه فداؤهم ، لأنه فوت رقهم . وهل يتعلق فداؤهم برقبته ، أو بذمته ؟ على وجهين:
أحدهما : برقبته كأرش جنايته .
والثاني : بذمته ، كعوض الخلع من الأمة . ويرجع به على من غره . فإن قلنا برقبته ، رجع به في الحال ، لأنه يؤخذ من سيده في الحال . وإن قلنا : يتعلق بذمته لم يلزمه أداؤه حتى يعتق ، ولا يرجع به حتى يغرمه ، لأنه لا يرجع بشيء لم يفت عليه ، وتتعجل حريتهم في الحال . وللعبد الخيار إذا علم ، ويحتمل أن لا يثبت ، لأنه فقد صفة لم ينقص بها عن رتبته ، فأشبه ما لو شرط نسب امرأة فبان خلافه . والأول ظاهر المذهب ، لأنه مغرور بحرية ، فملك الفسخ ، كالحر الذي يباح له نكاح الإماء . وإن غرت الأمة بعبد ، فتزوجته على أنه حر ، فلها الخيار أيضاً، لأنها مغرورة بحرية من ليس بحر ، أشبهت المرأة الحرة، والعبد المغرور. ويحتمل ألا يثبت لها خيار ، لأنه يكافئها ، ولا يؤثر رقه في إرقاق ولدها ، فأشبه ما لو شرطته أشرف نسباً منها ، فتبين أنه مثلها .
فصل :
فإن غرها بنسبة وكان مخلاً بالكفاءة ، فقد مضى القول فيه ، وإن لم يخل بها ، ففيه وجهان :
أحدها : لا خيار لها ، لأن زيادة نسبه عليها ، لا يضرها فواته ، فأشبه ما لو شرطته جميلاً أو فقيهاً فبان بخلافه .
والثاني : لها الخيار ، لأنها شرطت ما يقصد ، فأشبه شرط الصفة المقصودة في المبيع .
فصل :
وإن شرطها بكراً ، فبانت ثيباً أو نسيبة أو جميلة أو بيضاء ، فبانت بخلافه ، ففيه وجهان :
أحدهما : لا خيار له ، لأن النكاح لا يرد فيه بعيب سوى العيوب السبعة ، فلا يرد بمخالفة الشرط ، كما لو شرطت ذلك في الرجل .
والثاني : له الخيار ، لأنها صفات مقصودة فصح شرطها ، كالحرية . وإن شرطها مسلمة فبانت كافرة ، أو تزوجها في دار الإسلام يظنها مسلمة ، فبانت كافرة ، فله الخيار ، لأنه نقص وضرر يتعدى إلى الولد ، فملك الخيار به ، إذا شرط عدمه ، كالرق . وإن تزوجها على أنها كتابية ، فبانت مسلمة ، فلا خيار له ، لأنها زيادة . وقال أبو بكر : له الخيار ، لأنه قد يكون له غرض في إسقاط العبادات عنها ، فيضره فواته . وإن تزوجها على أنها أمة ، فبانت حرة ، فلا خيار له ، لأنها زيادة ، وكذلك لو شرطها على صفة ، فبانت خيراً منها ، لأنه نفع ، فلم يثبت به الخيار ، كما لو شرطه في المبيع .
فصل :
والسبب الرابع : الإعسار بالنفقة ونحوها على ما نذكره في موضعه ، ومخالفته شرطها اللازم ، كاشتراطها دارها ونحوها على ما مضى ، والله أعلم .
باب نكاح الكفار
أنكحتهم صحيحة إذا اعتقدوا إباحتها في شرعهم، وإن خالفت أنكحة المسلمين، فهي صحيحة ، إلا أن يتزوج محرمة عليه ، لأنه أسلم خلق كثير في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقرهم في أنكحتهم ، ولم يكشف عن كيفيتها . ولا يتعرض لهم ما لم يترفعوا إلينا ، لأننا صالحناهم على إقرارهم على دينهم . وعن أحمد في مجوسي تزوج نصرانية : أو ملك نصرانية يحول بينهما الإمام ، فيخرج من هذا أنه يفرق بينهم ، وبين ذوات المحارم ، لأن عمر كتب : أن فرقوا بين كل ذي رحم محرم من المجوس . وإن ملك نصراني مجوسية ، لم يحل بينهما ، لأنه أعلى منها . وقال أبو بكر : يمنع من وطئها أيضاً ، كما يمنع المجوسي من النصرانية ، فأما إن أسلموا وترافعوا إلينا ، لم ينظر في كيفية عقدهم ، ونظرنا في الحال ، فإن كانت المرأة ممن يجوز عقد نكاحها في الحال ، أقررناهما . وإن كانت ممن يحرم نكاحها في الحال ، كذات محرمة ، والمعتدة ، والمطلقة ثلاثاً ، فرقنا بينهما . وإن تزوجها بشرط الخيار مدة ، أو في عدتها ، ثم أسلما في المدة أو العدة ، فرقنا بينهما كذلك . وإن أسلما بعد انقضائهما ، أقررناهما عليه . وإن قهر حربي حربية ، فوطئها وطاوعته ، واعتقداه نكاحاً ، أقررناهما عليه . وإلا فلا . وإن أسلما وبينهما نكاح متعة ، أو نكاح شرط فيه الخيار متى شاء ، لم يقرا عليه ، لأنهما لا يعتقدان لزومه ولا تأبيده . وإن اعتقدا فساد الشرط وحده ، أقرا عليه.
فصل :
وإذا اسلم الزوجان معاً ، فهما على نكاحهما ، سواء أسلما قبل الدخول أو بعده ، لأن ذلك إجماع ، ولأنه لم يوجد بينهما اختلاف دين يقتضي الفرقة . وإن سبق أحدهما صاحبه وكان المسلم زوج كتابية ، فالنكاح بحاله ، لأنه يحل له ابتداء نكاحها . وإن أسلمت المرأة قبله ، أو أسلم أحد الزوجين الوثنيين ، أو المجوسيين ، قبل الدخول ، بانت منه امرأته ، لقوله تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} . وقوله : {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} . وتقع الفرقة بسبق أحدهما الآخر بلفظه ، لأنه يحصل بذلك اختلاف الدين المحرم ، ويحتمل أن يقف على المجلس ، كالقبض ، لأن حكم المجلس حكم حالة العقد ، لأنه يبعد اتفاقهما على النطق بكلمة الإسلام دفعة واحدة . فإن كان إسلام أحدهما بعد الدخول ، ففيه روايتان :
إحداهما : تتعجل الفرقة ، لما ذكرنا .
والثانية : تقف على انقضاء العدة . فإن أسلم الآخر فيها ، فهما على نكاحهما ، وإن لم يسلم حتى انقضت ، تبينا أن الفرقة وقعت حين أسلم الأول ، بحيث لو كان وطئها في عدتها ولم يسلم ، أدب ، ولها عليه مهر مثلها ، لما روى ابن شبرمة قال : كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبله ، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته . وإن أسلم بعد العدة ، فلا نكاح بينهما . ولم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين زوجين أسلما ، مع أن جماعة منهم أسلموا قبل أزواجهم ، منهم أبو سفيان ، وجماعة أسلم أزواجهن قبلهم ، منهم صفوان بن أمية وعكرمة وأبو العاص ابن الربيع . والفرقة الواقعة بينهما فسخ ، لأنها فرقة عريت عن الطلاق ، فكانت فسخاً ، كسائر الفسوخ .
فصل :
وإن أسلم الحر وتحته أكثر من أربع فأسلمن معه ، أو كن كتابيات ، أمر أن يختار منهن أربعاً ويخلي سائرهن ، سواء تزوجهن في عقد ، أو عقود متفرقة ، وسواء اختار أول من عقد عليها أو آخرهن ، لما روى قيس بن الحارث قال : أسلمت وتحتي ثمان نسوة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له ذلك . فقال : اختر منهن أربعة رواه أبو داود . فإن أبي ، أجبر بالحبس والتعزير ، لأنه حق عليه يمكنه إيفاؤه فأجبر عليه ، كالدين . ولا يملك الحاكم الاختيار عنه ، لأنه حق لغير معين . فإن جن ، خلي حتى يفيق ، ثم يخير لأنه عجز عن الاختيار ، فأشبه العاجز عن الدين بالإعسار ، وعليه نفقة الجميع إلى أن يختار ، لأنهن محبوسات عليه بحكم النكاح . فإن مات قبل الاختيار ، لم يقم وارثه مقامه ، لما ذكرنا . ولزم جميعهن العدة ، لأن كل واحدة يجوز أن تكون زوجة . وعدة الحامل وضع حملها . وعدة ذوات الأشهر أربعة أشهر وعشراً . وعدة ذوات الأقراء أطول الأجلين من ثلاثة قروء وعدة الوفاء ، ليسقط الفرض بيقين ، والميراث لأربع منهن بالقرعة ، إلا أن يصطلحن عليه فيكون بينهن على ذلك .
فصل :
والاختيار أن يقول : قد اخترت هؤلاء ، أو نكاح هؤلاء ، أو أمسكتهن ، أو نحو هذا . وإن قال : اخترت فسخ نكاح هؤلاء ، كان اختياراً لغيرهن . وإن طلق واحدة ، كان اختياراً لها ، لأن الطلاق لا يكون إلا لزوجة . وإن قال : فارقت هذه ففيه وجهان :
أحدهما : يكون اختياراً لنكاحها ، لأن الفراق طلاق .
والثاني : يكون فسخاً لنكاحها واختياراً لغيرها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : أمسك منهن أربعاً و فارق سائرهن وهذا يقتضي أن يكون لفظ الفراق صريحاً في ترك نكاحها . وإن وطئ إحداهن ، كان اختياراً لها في قياس المذهب ، كما لو وطئ لجارية المعيبة في مدة الخيار . وإن آلى ، أو ظاهر منها ، لم يكن اختياراً لها ، لأنه يصح في غير زوجة ، ويحتمل أنه اختيار لها ، لأنه لا يؤثر إلا في زوجة . فإن طلق الجميع ، أقرع بينهن ، فإذا وقعت القرعة على أربع منهن ، فهن المختارات ، فيقع طلاقه بهن ، وينفسخ طلاق البواقي ، وله نكاح من شاء منهن بعد انقضاء عدة المطلقات. وإن أسلم قبلهن وقال : كلما أسلمت واحدة منهن ، فقد اخترتها أو فقد فسخت نكاحها ، لم يصح ، لأن الاختيار والفسخ ، لا يصح تعليقه على شرط ولا على غير معين ، لأنه كالعقد ، ولأن الفسخ إنما يستحق فيما زاد على الأربع ، وقد يجوز ألا يسلم أكثر من أربع ، وإن قال : كلما أسلمت واحدة ، فهي طالق ، ففيه وجهان :
أحدهما : يصح ، لأن الطلاق يصح تعليقه على شرط . وكلما أسلمت واحدة طلقت ، وكان اختياراً لها .
والثاني : لا يصح ، لأنه يتضمن الاختيار الذي لا يصح تعليقه بالشرط . وإن قال : اخترت فلانة ، أو فسخت نكاحها قبل إسلامها ، لم يصح ، لأنه ليس بوقت لاختيار ولا فسخ . وإن طلقها ، كان موقفاً إن أسلمت ، تبينا وقوع طلاقه ، وإلا طلاقه ، وإلا فلا . وإن وطئ واحدة ، فأسلمت في عدتها ، تبينا أنه وطئ زوجته . وإن لم تسلم ، فقد وطئ أجنبية ، وإن طلق الجميع ، فأسلمن في العدة ، أمر باختيار أربعة منهن ، فيتبين وقوع طلاقه بهن ، ويعتددن من حين طلاقه ، وبان سائرهن بغير طلاق .
فصل :
وإن أسلم عبد وتحته أكثر من اثنتين فأسلمن معه ، لزمه اختيار اثنتين ، لأنهما في حقه كالأربع في حق الحر . فإن عتق قبل الاختيار ، لم يجز له الزيادة على اثنتين ، لأنه ثبت له الاختيار وهو عبد . وإن أسلم وعتق ثم أسلمن ، أو أسلمن ثم عتق ، ثم أسلم ، لزوه نكاح أربع ، لأنه في وقت الاختيار ممن له نكاح أربع .
فصل :
ومن أسلم وتحته أختان ، لزمه أن يختار إحداهما ، لما روى الضاحك بن فيروز عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان . قال : طلق أيهما شئت رواه أبو داود . ولأن الجمع بينهما محرم ، فأشبه الزيادة على الأربع ، وهذا القول في المرأة وعمتها ، والمرأة وخالتها ، لأن جمعهما محرم . وإن أسلم وتحته امرأة وبنتها ولم يدخل بالأم ، انفسخ نكاحها ، لأنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها ، وثبت نكاح بنتها ، لأنها لا تحرم قبل الدخول بأمها . وإن كان قد دخل بالأم ،انفسخ نكاحهما ، وحرمتا على التأبيد .
فصل :
ولو أسلم حر وتحته إماء ، فأسلمن معه ، وهو ممن لا يحل له نكاح الإماء ، انفسخ نكاح الإماء . وإن كان ممن يحل له نكاح الإماء ، اختار منهن واحدة ، لأنه يملك ابتداء نكاحها فملك اختيارها كالحرة . ولو أسلم وهو موسر ، فلم يسلمن حتى أعسر ، فله الاختيار منهن ، لأن وقت الاختيار حين اجتماعهن على الإسلام ،فاعتبر حاله حينئذ . وإن أسلم وهو معسر فلم يسلمن حتى أيسر ، لم يكن له الاختيار منهن كذلك . فإن أسلمت معه واحدة ، فله اختيارها ،وله انتظار الباقيات ، لأن له غرضاً صحيحاً فيه ، فإن اختار الأولى ثبت نكاحها ، وانقطعت عصمة البواقي منذ اختلف دينهن . وإن اختار فسخ نكاح المسلمة ، لم يكن له ذلك ، لأن الفسخ إنما يكون في الفضل عمن يثبت نكاحها ولا فضل . فإن فسخ ولم تسلم البواقي ، لزمه نكاحها وبطل الفسخ ، وإن أسلمن فله اختيار واحدة . فإن اختار التي فسخ نكاحها ، ففيه وجهان :
أحدهما : له ذلك ، لأن الفسخ كان قبل وقته ، فوجوده كعدمه .
والثاني : ليس له ذلك ، لأننا إنما منعنا الفسخ فيها ، لكونها غير فاضلة ، وبإسلام غيرها صارت فاضلة ، فصح فسخ نكاحها .
فصل :
وإن أسلم وتحته حرة وأمة ، فأسلمتا في عدتهما ، ثبت نكاح الحرة ، وبطل نكاح الأمة ، لأن لا يجوز له ابتداء نكاح أمة وتحته حرة . وإن لم تسلم الحرة في عدتها ، ثبت له نكاح الأمة ، وإن كان ممن له نكاح الإماء . وإن أسلمتا في العدة ، ثم ماتت الحرة ، أو عتقت الأمة ، لم يكن له إمساك الأمة ، لأن نكاحها انفسخ بإسلام الحرة . وإن عتقت الأمة قبل إسلامها ، فله إمساكها ، لأن الاعتبار بحالة اجتماعهم على الإسلام ، وهي حرة حينئذ . وإن أسلمت قبله وعتقت ، ثم أسلم الزوج ، فله إمساكها كذلك . ولو أسلم وتحته إماء ، فعتقت إحداهن ، ثم أسلمن كلهن ، لزم نكاح الحرة ، وانفسخ نكاح الإماء . وإن أسلمت إحداهن ، ثم عتقت ، ثم أسلم البواقي ، فله الاختيار منهن ، لأن الاعتبار بحالة الاختيار ، وحالة الاختيار حالة اجتماعهما على الإسلام ، وهي أمة حينئذ .
فصل :
وإذا ارتد الزوجان ، أو أحدهما قبل الدخول ، انفسخ النكاح ، لاختلاف دينهما ، أو كون المرأة بحال لا يحل نكاحها . وإن كان بعده ، ففيه روايتان :
إحداهما : تتعجل الفرقة .
والثانية : تقف على انقضاء العدة . فإن اجتمعا على الإسلام قبل انقضائها ، فهما على النكاح . وإن لم يجتمعا ، وقعت الفرقة من حين الردة ، لأنه انتقال عن دين يمنع ابتداء النكاح ، فكان حكمه ما ذكرنا ، كإسلام أحد الزوجين .
فصل :
وإن انتقل الكتابي إلى دين غير أهل الكتاب ، كالمجوسية وغيرها ، ففيه ثلاث روايات :
إحداهن : يجبر على الإسلام ، ولا يقبل منه غيره ، لأن ما سواه باطل اعترف ببطلانه ، لأنه لما كان على دينه اعترف ببطلان ما سواه ، ثم اعترف ببطلان دينه حين انتقل عنه ، فلم يبق إلا الإسلام .
والثانية : لا يقبل إلا منه الإسلام ، أو الدين الذي كان عليه ، لأننا أقررناه عليه أولاً ، فنقره عليه ثانياً .
والثالثة : لا يقبل منه إلا الإسلام ، أو دين أهل الكتاب ، لأنه دين أهل كتاب فيقر عليه كغيره من أهل ذلك الدين . وإن انتقل المجوسي إلى دين أهل الكتاب ، أو انتقل كتابي إلى دين آخر من دين أهل الكتاب ، ففيه ثلاث روايات :
إحداهن : لا يقبل منه إلا الإسلام ، لما ذكرنا .
والثانية : يقر على ما انتقل إليه .
والثالثة : لا يقبل منه إلا الإسلام ، أو دينه الذي كان عليه ، لما تقدم . وإذا قلنا : لا يقبل منه إلا الإسلام ، ففيه روايتان :
إحداهما : أنه يجبر عليه بالقتل ، كالمرتد .
والثانية : أنه إن انتقل إلى المجوسية ، أجبر بالقتل ، وإن انتقل إلى دين أهل الكتاب ، لم يجبر بالقتل ، لكن يجبر بالضرب والحبس ، لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب ، فلم يقبل ، كالباقي على دينه . وكل موضع قلنا : لا يقر ، فإذا انتقلت الكتابية المتزوجة للمسلم ، فحكمها حكم المرتدة على ما يبين في موضعه .
فصل :
إذا أسلم الزوجان قبل الدخول ، فقالت المرأة : أسلم أحدنا فانفسخ النكاح ، وقال : بل أسلمنا معاً ، ففيه وجهان :
أحدهما : القول قول الزوج ، لأن الأصل بقاء النكاح .
والثاني : القول قولها ، لأن الظاهر معها ، فإن اجتمع إسلامهما حتى لا يسبق أحدهما الآخر ، بعيد . وإن اتفقا على سبق أحدهما ، وقالت المرأة : أنت السابق فعليك نصف المهر . وقال الزوج : بل أنت سبقت فلا مهر لك ، فالقول قول المرأة، لأن الأصل بقاء المهر وعدم سقوطه. وإن أسلما بعد الدخول فقال الزوج : أسلمت في عدتك، فالنكاح باق، وقالت : بل انقضت عدتي قبل إسلامك ، فالقول قول الزوج ، لأن الأصل بقاء النكاح. وفيه وجه آخر، أن القول قول المرأة ، لأن الأصل عدم إسلام الثاني . وإن قال : أسلمت قبلك ، فلا نفقة لك ، فقالت : بل أسلمت قبلك فلي النفقة ، ففيه وجهان :
أحدهما : القول قولها ، لأن الأصل وجوب النفقة .
والثاني : القول قوله ، لأن النفقة إنما تجب بالتمكين من الاستمتاع ، والأصل عدم وجوبه .
فصل :
إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين ، ثم ارتد ولم يسلم الآخر في العدة ، فعدتها من حين أسلم الأول . وإن أسلم الثاني في العدة ، فابتداء العدة من حين ارتد ، لأن الحكم اختلاف الدين بإسلام الأول زال بإسلام الثاني منهما . ولو أسلم رجل وتحته عشر نسوة فأسلمن ، ثم ارتددن ، أو ارتد دونهن ، لم يكون له أن يختار منهن ، لأنه لا يملك العقد عليهن في الحال .
فصل :
ولو أسلم عبد وتحته أمة كافرة فأعتقت ، أو أسلمت قبله ثم أعتقت ، فلها فسخ النكاح ، لأنها عتقت تحت عبد ، فإذا فسخت ، ثم أسلم الثاني في العدة بانت بفسخ النكاح . وإن لم يسلم الثاني ، تبينا أنها بانت باختلاف الدين ، وعليها عدة حرة في الموضعين ، لأنها وجبت وهي حرة ، أو عتقت في أثناء عدة يمكن الزوج تلافي نكاحها فيها ، فأشبهت الرجعية . وإن أخرت الفسخ حتى أسلم الثاني منهما ، لم يسقط حقها ، لأنها تركته اعتماداً على جريانها إلى البينونة ، فأشبهت الرجعية . وإن قالت : قد رضيت بالزوج ، فذكر القاضي : أنه يسقط حقها ، لأنها رضيته في حال يمكن فسخه فصح ، كحالة اجتماعهما على الإسلام .
كتاب الصداق
يستحب أن يعقد النكاح بصداق ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يتزوج ويزوج بناته بصداق . وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم ، جاءته امرأة فقالت: إني وهبت نفسي لك ، فقال رجل : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال: هل عندك من شيء تصدقها إياه ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إزارك إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك ، فالتمس شيئاً آخر فقال : لا أجد ، فقال : التمس ولو خاتماً من حديد فالتمس فلم يجد شيئاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل معك شيء من القرآن ؟ قال : نعم، سورة كذا وسورة كذا، لسورة يسميها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زوجتكها بما معك من القرآن متفق عليه . ولأنه أقطع للنزاع فيه .
ويجوز من غير صداق ، لقوله تعالى : {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن} . فأثبت الطلاق مع عدم الفرض ، ولأن القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع ، وهو حاصل بغير صداق .
فصل :
ويجوز أن يكون الصداق قليلاً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : التمس ولو خاتماً من حديد ولأنه بدل منفعتها ، فكان تقديره إليها ، كأجرتها . ويجوز أن يكون كثيراً ، لقوله تعالى : {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً} . ولا تستحب الزيادة على خمسمائة درهم ، لأنه صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته . بدليل ما روى أبو سلمة قال : سألت عائشة عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ثنتا عشر أوقية ونش ، فقلت : وما نش ؟ قالت : نصف أوقية . رواه مسلم ، و أبو داود . ولأنه إذا كثر ، أجحف ، ودعا إلى المقت . ويستحب تخفيفه ، لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة رواه أحمد .
فصل :
وكل ما جاز ثمناً في بيع ، أو عوضاً في إجارة ، من دين وعين ، وحال مؤجل ، ومنفعة معلومة ، من حر أو عبد ، كرد عبدها من مكان معين ، وخدمتها في شيء معلوم ، جاز أن يكون صداقاً ، لأن الله تعالى أخبر عن شعيب أنه قال : {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} فجعل الرعي صداقاً ، و لأنه عقد على المنفعة فجاز ما ذكرنا ، كالإجارة .
فصل :
وما لا يجوز أن يكون ثمناً ولا أجرة ، لا يجوز أن يكون صداقاً ، كالخمر ، وتعليم التوراة ، والإنجيل ، وتعليم الذمية القرآن ، والمعدوم ، وما لم يتم ملكه عليه ، كالمبيع المعتبر قبضه قبل قبضه ، وما لا يقدر على تسليمه ، كالآبق ، والطير في الهواء ، لأنه عوض في عقد ، فأشبه عوض البيع والإجارة . ولا يصح أن يكون مجهولاً ، كعبد وثوب ، هذا اختيار أبي بكر . وقال القاضي : يصح في مجهول جهالة لا تزيد على مهر المثل ، كعبد أو فرس أو بعير ، أو ثوب هروي ، أو قفيز حنطة ، أو قنطار زيت ، لأنه لو تزوجها على مهر مثلها ، صح مع كثرة الجهل ، فهذا أولى . فإن زادت جهالته على جهالة مهر المثل ، كثوب ودابة وحكم إنسان، ورد عبدها أين كان، وخدمتها فيما أرادت، لم يصح. وقال أبو الخطاب : إن تزوجها على عبد من عبيده ، صح ولها أحدهم بالقرعة . نص عليه أحمد . وعلى هذا يخرج إذا أصدقها قميصاً من قمصانه ، أو عمامة من عمائمه ، أو دابة من دوابه ، لأن الجهالة تقل فيه . ولا تصح على عبد مطلق ، لأن الجهالة تكثير ، ولنا أنه عوض في عقد معاوضة ، فلم يصح مجهولاً ، كثمن البيع . وتأويل أبو بكر ، نص أحمد على أنه عين عبداً فأشكل عليه ، فإن أصدقها ما لا يجوز أن يكون صداقاً ، لم يبطل النكاح . ونقل المروذي عن أحمد : إذا تزوج على مال بعينه غير طيب ، أنه كرهه ، وأعجبه استقبال النكاح ، وهذا يدل على أن النكاح لا يصح ، اختاره أبو بكر ، لأنه عقد معاوضة ، ففسد بفساد العوض، كالبيع ، والأول أولى ، لأن فساده ليس بأكثر من عدمه ، وعدمه لا يفسد العقد . ويجب لها مهر المثل ، لأنها لم ترض إلا ببدله ، ولم يسلم البدل ، وتعذر رد العوض، فوجب رد بدله ، كما لو باعه سلعة بخمر فتلفت عند المشتري . وعلى قول القاضي : إذا أصدقها مجهولاً ، وجب لها الوسط ، ووسط العبيد السندي ، فيجب ذلك لها . وإن جاءها بقيمته ، لزم قبوله ، قياساً على الإبل في الدية .
فصل :
فإن أصدقها عبداً فخرج حراً ، أو مستحقاً ، فله قيمته ، لأن العقد وقع على التسمية ، لأنها رضيت بقيمته إذ ظنته مملوكاً ، وقد تعذر تسليمه ، فكانت لها قيمته ، كما لو وجدته معيباً فردته . وإن أصدقها مثلياً فخرج مستحقاً ، فلها مثله ، لأنه أقرب إليه ، ولذلك يضمن به في الإتلاف . وإن أصدقها عصيراً فخرج خمراً ، فذكر القاضي : أن لها قيمته ، لأن الخمر ليس من ذوات الأمثال ، ويحتمل أن يلزمه مثل العصير المسمى ، لأنه مثلي ، فوجب إبداله بمثله ، كما لو أتلف . ويفارق هذا ما إذا قال : أصدقتك هذا الخمر ، أو هذا الحر ، لأنها رضيت بما لا قيمة له ، فأشبهت المفوضة ، ولم ترض هاهنا بذلك . وإن قال : أصدقتك هذا الخمر ، أشار إلى الخل ، أو هذا الحر وأشار إلى عبده ، صح ولها المشار إليه ، لأنه محل يصح العقد عليه ، فلم يختلف حكمه باختلاف تسميته ، كما لو قال : أصدقتك هذا الأبيض ، وأشار إلى الأسود . وإن تزوجها على شيء فخرج معيباً ، فهي مخيرة بين أخذ أرشه ، وبين رده وأخذ قيمته ، أو مثله إن كان مثلياً ، لما ذكرنا في أول الفصل .
فصل :
وإن تزوج الكافر كافرة بمحرم ثم أسلما ، أو تحاكما إلينا قبل الإسلام والقبض ، سقط المسمى ووجب مهر المثل ، لأنه لا يمكن إجباره على تسليم المحرم . وإن كان بعد القبض ، برئت ذمته ، كما لو تبايعا بيعاً فاسداً وتقابضا . وإن قبضت البعض ، برئت ذمته من المقبوض ، ووجب بقسط ما بقي من مهر المثل . فإن كان الصداق خنزيرين ، أو زقي خمر ، أو زق خمر وخنزيراً ، وقبضت أحدهما ، ففيه وجهان :
أحدهما : يعتبر العدد ،لأنه لا قيمة له ، فكان الجميع واحداً ، فيقسط على عدده ، فيسقط نصف الصداق ، ويجب نصف مهر الثمل .
والثاني : يعتبر بقيمته عندهم ، أو بالكيل إن كان مكيلاً لأنه أخصر .
فصل :
وإن تزوج المرأة على أن يشتري لها عبداً بعينه ، صح ، لأنه أصدقها تحصيل عبد معين فصح ، كما لو أصدقها رد عبدها من مكان معين ، فإن لم يبع ، أو طلب به أكثر من قيمته ، فلها قيمته ، لأنه تعذر تسليم المسمى ، فوجبت قيمته ، كما لو تلف . وإن تزوجها على أن يعتق أباها ، صح كذلك . ومتى تعذر إعتاقه ، وجبت قيمته لما ذكرناه ، وفي المسألتين إذا أمكن الوفاء بما شرطه ، فبذل قيمته ، لم يلزمها قبوله ، لأن الحق ثبت لها في معين ، فلم يلزم قبول عوضه مع إمكانه ، كما لو قال : أ صدقتك هذا العبد . وإن تزوجها على عبد موصوف في الذمة ، صح ، لأنه يصلح أن يكون عوضاً في البيع ، ولا يلزمه قبول قيمته ، لأنها استحقت عبداً بعقد معاوضة ، فلم يلزمها قبول قيمته ، كالمبيع . وعند القاضي : يلزمها قبولها ، قياساً على الإبل في الدية .
فصل :
وإن تزوجها على طلاق زوجته الأخرى ، لم يصح الصداق ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها أو إنائها ولتنكح فإنما رزقها على الله رواه البخاري و مسلم .
وعنه : يصح . لأن لها فيه غرضاً صحيحاً ، أشبه عتق أبيها ، فإن فات طلاقها بموتها ، فقال أبو الخطاب : قياس المذهب أن لها مهر الميتة ، لأن عوض طلاقها مهرها ، فأشبه قيمة العبد ، ويحتمل أن يجب مهر المثل ، لأن الطلاق لا قيمة له ولا مثل .
فصل :
وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حياً ، وألفين إن كان ميتاً ، فالتسمية فاسدة ، لأنه في معنى بيعتين في بيعة . وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة ، وعلى ألفين إن كان له زوجة ، فقال أحمد : تصح التسمية ، قال أبو بكر و القاضي : في المسألتين جميعاً روايتان ، جعلا نصه في إحدى المسألتين رواية في الأخرى لتماثلهما .
إحداهما : فساد التسمية ، اختاره أبو بكر ، لأنه لم يعين العوض ففسد، كبيعتين في بيعة .
والثانية : يصح ، لأن الألف معلومة ، وإنما جعلت الثانية ، وهي معلقة على شرط ، فإن وجد ، كانت زيادة في الصداق ، والزيادة فيه صحيحة .
فصل :
فإن أصدقها تعليم شيء مباح، كصناعة ، أو كتابة ، أو فقه ، أو حديث ، أو لغة ، أو شعر لها أو لغلامها ، صح ، ولأنه أحد عوضي الإجارة ، فجاز صدقاً كالأثمان . فإن أصدقها تعليم شيء لا يحسنه ،نظرت ، فإن قال : أحصل لك تعليمه ، صح ، لأنها منفعة في ذمته لا تختص به ، فأشبه ما لو أصدقها ديناراً لا يقدر عليه ، وإن قال ، على أن أعلمك ، فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح ، لأنه تعين بفعله وهو عاجز عنه ، وقال في المجرد يحتمل أن يصح ، لأنه يقع في ذمته فصح لما ذكرنا ، فإن تعلمتها من غيره ، أو تعذر عليه تعليمها ، فعليه أجرة تعليمها ، وإن أتته بغيرها ليعلمها مكانها ، لم يلزمه ذلك ، لأنهما يختلفان في سرعة التعليم وإبطائه ، و يحتمل أن يلزمه إذا أتته بمن يجري مجراها ، كمن اكترى شيئاً جاز أن يوليه لمن يقوم مقامه. وإن طلقها بعد الدخول قبل تعليمها ، ففيه وجهان :
أحدهما : يعلمها من وراء حجاب ، كما يسمع الحديث من الأجنبية .
والثاني : عليه أجرة التعليم ، لأنها صارت أجنبية ، فلا تؤمن الفتنة عليهما في تعليمها . أما الحديث ، فإن الحاجة داعية إلى سماعه ، لأنه لا بدل له . وإن كان قبل الدخول ، ففي تعليمه النصف الوجهان . فإن طلقها بعد تعليمها ، رجع عليها بنصف أجرة التعليم .
فصل :
فإن أصدقها تعليم القرآن أو شيء منه ، ففيه روايتان :
إحداهما : يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم : زوجتكها بما معك من القرآن .
والثانية: لا يجوز، لأن تعليم القرآن لا يقع إلا قربة لصاحبه، فلم يكن صداقاً، كتعليم الإيمان . وقد روى النجاد بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً على سورة من القرآن ، ثم قال: لا تكون لأحد بعدك مهراً فإن قلنا بجوازه ، فأصدقها تعليم بعض القرآن ، فمن شرطه تعيين ذلك البعض ، لأن التعليم والمقاصد تختلف باختلافه . وذكر أبو الخطاب وابن عقيل أنه إن كان في البلد قراءات افتقر إلى تعيين أحدها ، لأن حروف القرآن تختلف ، فأشبه تعيين الآيات ، والصحيح أنه لا يفتقر إليه ، لأنه اختلاف يسير ، وكل حرف ينوب مناب صاحبه ، فأشبه ما لو أصدقها قفيزاً من صبره .
فصل :
ويصح أن يكون الصداق معجلاً ومؤجلاً . فإن أطلق ذكره ، كان حالاً ، لأنه عوض في عقد معاوضة أشبه الثمن ، فإن شرطه مؤجلاً إلى مدة معلومة ، فهي إلى أجله . وإن لم يذكر أجله فقال أبو الخطاب : لا يصح ، ولها مهر المثل قياساً على الثمن في المبيع . وقال القاضي : يصح ، وهو ظاهر كلام أحمد ، لأنه قال : إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة، لأن الصداق يجوز أن يكون مجهولاً فيما إذا تزوجها على مهر المثل ، فالتأجيل التابع له أولى، فعلى هذا محل الآجل الفرقة بموت أو غيره، لأن المطلق يحمل على العرف ، والعادة في الآجل تركه إلى الفرقة ، فحمل عند الإطلاق عليه .
فصل :
وإذا تزوجها على صداقين، سر وعلانية، فقال الخرقي : يؤخذ بالعلانية، لأن الزائد على صداق السر زيادة زادها في الصداق ، وإلحاق الزيادة بالصداق جائزة . وقال القاضي : الواجب مهر العقد الذي انعقد به النكاح ، سراً كان أو علانية ، لأنه الذي انعقد به النكاح ، فكان الواجب المسمى فيه ، كما لو انفرد .
فصل :
وإلحاق الزيادة بالصداق جائز ، فإن زادها في صداقها شيئاً بعد انبرام العقد ، جاز ، وكان الجميع صداقاً ، لقوله تعالى: {فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} .
فصل :
وإذا تزوج أربعاً بصداق واحد ، صح ، لأن جملة صداقهن معلومة فصح ، كما لو اشترى أربعة أعبد بثمن واحد ، ويقسم بينهن على قدر مهورهن ، كما يتقسط ثمن الأعبد على قيمتهم. وقال أبو بكر : يخرج فيه وجه آخر ، أنه يقسم بينهن على عددهن ، لأنه أضيف إليهن إضافة واحدة ، فأشبه ما لو أقر لهن ، وهذا القول فيما إذا خالعهن بعوض واحد ، أو كاتب أعبده بعوض واحد .
فصل :
وتملك المرأة المسمى بالعقد إذا كان صحيحاً ، ومهر المثل في الموضع الذي يجب فيه ، لأنه عقد يملك فيه المعوض بالعقد ، فملك العوض به كالبيع . وعنه رواية أخرى تدل على أنها لا تملك إلا نصفه ، لأنه لو طلقها لم يجب إلا نصفه، والمذهب الأول فعلى هذا نماؤه وزيادته لها، وزكاته عليها ، ونقصانه بعد قبضها إياه عليها . وإن نقص قبل القبض لمنعه إياه من قبض فهو من ضمانه ، وإن لم يمنعها ، فنقص المكيل والموزون عليه ، لأنه يعتبر قبضه ، وما عداه يخرج فيه وجهان بناء على الروايتين في المبيع قبل القبض سواء ، لأنه منتقل بعقد ينقل الملك ، فأشبه المبيع .
والثاني : لها التصرف فيه ، لأنه منتقل بسبب لا ينفسخ بهلاكه قبل قبضه ، فجاز التصرف فيه قبل قبضه ، كالوصية والميراث، وقد نص أحمد على جواز هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضه ، وهو تصرف .
فصل :
ويدفع صداق المرأة إليها إن كانت رشيدة ، وإلى من يلي مالها إن كانت غير رشيدة ، لأنه مال لها ، فأشبه ثمن مبيعها . وفي البكر البالغة العاقلة وجهان :
أحدهما : لا يدفع إلا إليها كذلك .
والثاني : يجوز دفعه إلى أبيها ، لأنه العادة ، ولأنه يملك إجبارها على النكاح ، فأشبهت الصغيرة .
فصل :
ولها منع نفسها حتى تقبض صداقها المعجل ، لأن في إجبارها على تسليم نفسها أولاً خطر إتلاف البضع ، والامتناع عن بذل الصداق ، فلا يمكن الرجوع فيه ، بخلاف المبيع ، ولها النفقة إذا امتنعت ، لأنه امتناع بحق ، فأشبه ما لو امتنعت للإحرام بحجة الإسلام . وإن سلمت نفسها ثم أرادت المنع ، فقد توقف أحمد عن الجواب . وذهب أبو عبد الله بن بطة وأبو إسحق بن شاقلا : إلى أنه ليس لها ذلك ، لأنها سلمت تسليماً استقر به العوض برضى المسلم ، فلم يكن لها المنع ، كما لو سلمت المبيع . وذهب ابن حامد : إلى أن لها ذلك ، لأنه تسليم بحكم عقد النكاح ، فملكت المنع منه قبل قبض صداقها كالأول . فأما إن أكرهها فوطئها ، لم يسقط حقها من الامتناع ، لأنه بغير رضاها . وإن قبضت صداقها فوجدته معيباً فردت ، فلها منع نفسها حتى يبذله ، لأن صداقها جيد . وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها ، ثم أرادت الامتناع ، ففيه وجهان بناء على ما تقدم . وإن كان صداقها مؤجلاً ، فليس لها منع نفسها قبل قبضه ، لأن رضاها بالتأجيل رضى منها بتسليم نفسها قبله ، كالثمن المؤجل ، وإن حل المؤجل قبل تسليم نفسها ، لم يكن لها منع نفسها أيضاً ، لأنه قد وجب عليها تسليم نفسها واستقر ، فلم يسقط بحلوله .
باب ما يستقر به الصداق وما لا يستقر وحكم التراجع
يستقر الصداق بثلاثة أمور :
أحدها : الخلوة بعد العقد ، لما روى الإمام أحمد بإسناده عن زرارة بن أوفى ، قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون ، أن من أغلق باباً ، أو أرخى ستراً ، فقد وجب المهر ، ووجبت العدة ، وهذه قضايا اشتهرت ، فلم تنكر ، فكانت إجماعاً ، ولأنها سلمت نفسها التسليم الواجب عليها ، فاستقر صداقها ، كما لو وطئها . فإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها ، أو الزوج صغيراً ، أو أعمى لا يعلم دخوله عليها ، لم يكمل صداقها ، لأنه لم يحصل التمكين . وكذلك إن نشزت عليه فمنعته وطأها ، لم يكمل صداقها لذلك ، ذكره ابن حامد . وإن كان بهما عذر ، والصيام واجب ، والمرض . أو بأحدهما ، كالحيض والنفاس ، والرتق ، والجب ، والعنة ، ففيه ثلاث روايات :
إحداهن : يستقر بالصداق ، لعموم ما ذكرنا ، ولأن التسليم المستحق قد وجد ، والمنع من غير جهتها ، فلم يؤثر في المهر ، كما لم يؤثر في إسقاط النفقة .
والثانية : لا يستقر ، لأنه لا يتمكن من تسليمها، فلم يستقر مهرها ، كما لو منعت نفسها .
والثالثة : إن كان المانع هو صوم رمضان ، لم يكمل الصداق ، وفي معناه ما يحرم دواعي الوطء كالإحرام ، وما لا يمنع دواعي الوطء ، كسائر الموانع لا يمنع استقرار الصداق .
فصل :
والثاني : الوطء يستقر به الصداق وإن كان من غير خلوة ، لأنه قد وجد استيفاء المقصود ، فاستقر العوض ، كما لو اشترى طعاماً فأكله ، وإن استمتع بغير الوطء كقبلة ، أو مباشرة في الفرج ، أو نال منها ما لا يحل لغيره ، كالنظر إليها عريانة ، فقال أحمد : يكمل الصداق به ، لأنه نوع استمتاع ، أشبه الوطء . وقال القاضي : هذا على الرواية التي يثبت بها تحريم المصاهرة ، ولا يكمل به الصداق على الرواية الأخرى ، لأنه لا يحرم المصاهرة ، فلم يقرر الصداق ، كرؤية الوجه .
فصل :
الثالث : موت أحد الزوجين قبل الدخول يقرر الصداق ، سواء مات حتف أنفه ، أو قتل نفسه، أو قتل غيره ، لما روى معقل بن سنان ، أو رسول الله صلى الله عليه وسلمقضى في بروع بنت واشق ، وكان زوجها مات ولم يدخل بها ، ولم يفرض لها صداقاً ، فجعل لها مهر نسائهم ، ولا وكس ولا شطط. رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه الترمذي . ولأنه عقد عمر ، فبموت أحدهما ينتهي به فيستقر به العوض ، كانتهاء الإجارة .
ومتى استقر الصداق ، لم يسقط منه شيء بانفساخ النكاح ولا بغيره .
فصل :
وإن افترقا قبل استقراره ، لم يخل من أربعة أقسام :
أحدها : أن يكون بسبب من المرأة ، كردتها ، وإسلامها ، وإرضاعها من ينفسخ النكاح بإرضاعه ، وفسخها لعيب الزوج ، أو إعساره ، فيقسط مهرها ، لأنها أتلفت المعوض قبل التسليم فسقط العوض ، كما لو أتلف المبيع قبل تسليمه . وفي معناه فسخ الزوج لعيبها ، ، لما مضى في موضعه .
الثاني : أن يكون بسبب من الزوج ، كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته ، واستمتاعه بأم زوجتها أو بنتها ، فيسقط نصف المسمى ، ويجب نصفه . لقوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} وقسنا عليه سائر ما استقل به الزوج، لأنه في معناه. وعن أحمد : أنه إذا أسلم لا مهر عليه ، لأنه فعل الواجب عليه ، وحصلت الفرق بامتناعها من موافقته على الواجب ، فكان من جهتها .والأول المذهب ، لأن فسخ النكاح ، لاختلاف الدين ، وذلك حاصل بإسلامه ، وإنما ينصف المهر بالخلع ، لأن المغلب فيه جانب الزوج ، بدليل أنه يصح به دونها ، وهو خلعه مع أجنبي ، فصار كالمنفرد به .
الثالث : افترقا بسبب من أجنبي ، كرضاع أو غيره فيجب نصف المهر ، لأنه لا جناية منها تسقط مهرها ، ويرجع الزوج بما لزمه على الفاعل ، لأنه قرره عليه .
الرابع : افترقا بسبب منهما ، كشرائها لزوجها ولعانهما ، ففيه روايتان . وإن اشتراها زوجها ففيه وجهان :
أحدهما : يسقط الصداق ، لأنها شاركت في الفسخ فسقط مهرها ، كالفسخ بعيب .
والثاني : يتنصف ، لأن للزوج فيه اختياراً ، أشبه الخلع .
فصل :
ومتى سقط المهر ، أو نصف بعد تسليمه إليها ،فله الرجوع عليها ، ولا يخلو ، إما أن يكون تالفاً ، أو غير تالف ، فإن كان تالفاً ، رجع مثله إن كان مثلياً ، أو بقيمته إن لم يكن مثلياً أقل ما كانت من حين العقد ، إلى حين القبض ، أو التمكين منه ، لأنه إن زاد بعد العقد ، فالزيادة لها ، وإن نقص ، فالنقص عليه ، فلم يرجع بما هو عليه ، وإن كان باقياً ، لم يخل من خمسة أحوال :
أحدها : أن يكون باقياً بحاله لم يتغير ، ولم يتعلق به حق غيرها ، فإن الزوج يرجع فيه ، ويدخل في ملكه حكماً ، وإن لم يجز ذلك كالميراث في قياس المذهب ، لقوله تعالى : {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} . فعلق تنصيفه بالطلاق وحده ، فيجب أن يتنصف به ، ويحتمل أنه لا يملكه إلا باختياره، لأن الإنسان لا يملك شيئاً بغير اختياره إلا بالميراث ، فعلى هذا الوجه إن زاد بعد الطلاق وقبل الاختيار ، فهو للزوجة ، لأن ملكها لم يزل عنه ، فنماؤه لها ، وعلى الأول نماء نصيب الزوج له ، لأنه نماء ملكه ، فإذا قال : قد رجعت فيه ، أو اخترته ، ثبت الملك فيه على الوجهين . وإن نقص في يدها بعد ثبوت ملكه عليه ، وكانت قد منعته منه ، فعليها ضمان نقصه ، لأن يدها عادية ، فتضم ، كالغاصبة . وإن لم تمنعه ، ففيه وجهان . أصلهما ، الزوج إذا تلف الصداق المعين في يده قبل مطالبتها به ، قال الزوج : نقص قبل الطلاق فهو من ضمانك ، فأنكرته ، فالقول قولها ، لأن الأصل السلامة .
فصل :
الحال الثاني : أن تجده ناقصاً ، كعبد مرض أو نسي صناعته ، أو كبر كبراً ينقص قيمته ، فالزوج بالخيار بين أخذه ناقصاً ، لأنه يرضى بدون حقه وبين تركه ، ومطالبتها بقيمته ، أو نصفها يوم وقع العقد عليه ، لأن النقص حدث في ملكها ، فكان من ضمانها .
فصل :
الحال الثالث : أن تجده زائداً ، فلا تخلو ، إما أن تكون الزيادة منفصلة ، كالولد والثمرة واللبن والكسب ونحو ذلك ، فله نصف الأصل ، والزيادة لها ، لأنها زيادة متميزة حادثة من ملكها ، فلم تتبع الأصل في الرد ، كما في الرد بالعيب ، وأما أن تكون متصلة ، كالسمن والكبر والحمل في البطن ، والثمرة على الشجرة ، وتعلم صناعة ، أو كتابة ونحو ذلك ، فالمرأة مخيرة بين دفع النصف زائداً ، فيلزمه قبوله ، لأنه نصف المفروض مع زيادة لا تتميز ، وبين دفع قيمة حقه يوم وقع العقد عليه ، لأن حقه في نصف الفرض ،والزائد ليس بمفروض ، فوجب أخذ البدل، إلا أن يكون محجوراً عليها لسفه أو فلس أو صغر ، فليس له إلا نصف القيمة . لأن الزيادة لها ، وليس لها التبرع بما لا يجب عليها . وإن كانت مفسلة ، كان غريماً بالقيمة . وإن بذلت له أخذ نصف الشجر دون الثمر ، لم يلزمه ، لأن عليه ضرراً في بقاء الثمر عليها ، فلم يلزمه . وإن قال الزوج : أنا أرجع في نصف الشجر ، وأترك الثمر عليه ، أو أترك الرجوع حتى تجذي ثمرتك ثم أرجع ، ففيه وجهان :
أحدهما : لا تجبر على قبوله ، لأن الحق انتقل من العين ، فلم يعد إليها إلا بتراضيهما .
والثانية : تجبر عليه ، لأنه لا ضرر عليها ، فلزمها كما لو وجدها ناقصة فرضي بها ، وإن أصدقها أرضاً فزرعتها ، فحكمها حكم الشجر إذا أثمر سواء . في قول القاضي ، وقال غيره: يفارق الزرع الثمرة في أنها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع ، لم يلزمه قبوله ، لأن الزرع ينقص الأرض ويضعفها ، ولأنه ملكها أودعته في الأرض ، بخلاف الثمرة . وإن أصدقها أرضاً فبنتها ، أو ثوباً فصبغته ، فحكمها حكم الأرض المزروعة . فإن بذل الزوج لها نصف قيمة البناء والصبغ لتملكه ، فقال الخرقي : يلزمها قبوله ، ويصير له نصف الجميع ، لأن الأرض له ، وفيها بناء لغيره بني بحق ، فكان له تملكه بالقيمة ، كالشفيع والعمير . وقال القاضي : لا يملكه ، لأن بيع البناء معاوضة ، فلا تجبر عليها ، كما لو بذل نصف قيمة الثمرة ليملك نصف الشجرة .
فصل :
الحال الرابع : وجده زائداً من وجه ناقصاً من وجه ، كعبد تعلم صناعة ومرض ، أو خشب شقته دفوفاً ، أو حلي كسرته ثم صاغته على غير ما كان ، أو جارية حملت ، فإن الحمل نقص في الآدمية من وجه ، وزيادة من وجه ، بخلاف حمل البهيمة فإنه زيادة محضة ، فهو كسمنها ، فإذا تراضيا على أخذ نصفه ، جاز ، لأن الحق لهما ، وأيهما امتنع من ذلك ، لم يجبر عليه ، لأن عليه ضرراً .
الحال الخامس : أن يتعلق به حق غيرهما ، وهو ثلاثة أنواع :
أحدها : ما يزيل ملكها كبيع العين ، وهبتها المقبوضة وعتقها ووقفها ، فحكم ذلك حكم تلفها ، فإن عادت العين إلى ملكها ثم طلقها ، فله الرجوع في نصفها ، لعدم المانع منه ، وفي معنى ذلك العقد اللازم المراد لإزالة الملك ، كالرهن والكتابة .
النوع الثاني : ما ليس بلازم ، كالهبة قبل القبض ، والوصية قبل الموت والتدبير ، فله الرجوع في نصفها ، لأنه حق غير لازم فأشبه الشركة .
النوع الثالث : ما لا يزيل الملك ، كالنكاح والإجارة ، فيخير بين الرجوع في نصفها مع بقاء النكاح والإجارة ، وبين الرجوع بنصف القيمة ، لأنه نقص رضي به ، فأشبه نقصها بهزالها.
فصل :
فإن كان الصداق عيناً ، فوهبتها لزوجها ، ثم طلقها قبل الدخول ، ففيه روايتان :
إحداهما : يرجع عليها بنصفه ، لأنه دعا إليه بعقد مستأنف ، فلم يمنع استحقاق نصفه بالطلاق ، كما لو وهبته أجنبياً ، ثم وهبه الأجنبي للزوج .
والثانية: لا يرجع عليها بشيء، لأن نصف الصداق تعجل له بالهبة . وإن كان ديناً فأبرأته منه ثم طلقها ، وقلنا : لا يرجع ثم ، فهاهنا أولى . وإن قلنا : يرجع ثم ، خرج هاهنا وجهان :
أحدهما : يرجع ، لأنه عاد إليه بغير الطلاق ، فأشبه العين .
والثاني : لا يرجع ، لأن الإبراء إسقاط وليس بتمليك . وإن أصدقها عيناً ، فوهبتها له ، أو ديناً ، فأبرأته منه ، ثم ارتدت قبل الدخول ، ففي رجوعه به عليها وجهان ، بناء على الرجوع في النصف بالطلاق . وإن باع رجلاً عبداً ، أو أبرأه من ثمنه ، فوجد به المشتري عيباً فرده ، وطالبه بثمنه ، أو أمسكه وأراد أرشه ، فهل له ذلك ؟ على وجهين ، بناء على الروايتين في الصداق . وإن أصدقها عبداً فوهبته نصفه ، ثم طلقها قبل الدخول انبنى على الروايتين . فإن قلنا : إذا وهبته الكل لا يرجع بشيء ، رجع هاهنا في نصف الباقي من العبد . وإن قلنا : يرجع ثم ، رجع في النصف الباقي جميعه .
فصل :
والزوج هو الذي بيده عقد النكاح . فإذا طلق قبل الدخول ، فأي الزوجين عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو حائز الأمر في ماله ، برئ منه صاحبه ، وكمل في الصداق جميعه . وعنه : ما يدل على الذي بيده عقدة النكاح هو الأب ، فيصح عفوه عن نصف مهر ابنته البكر التي لم تبلغ إذا طلقت قبل الدخول ، لأن الذي بيده عقدة النكاح بعد الطلاق هو الولي ، ولأن الله خاطب الأزواج بخطاب المواجهة ، ثم قال تعالى : {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} وهذا خطاب غائب ، فاعتبرنا هذه الشروط ، لأن الأب يلي مالها في صغرها دون غيره ، ولا يليه في كبرها ، ولا يملك تزويجها إلا إذا كانت بكراً ،ولم تكن ذات زوج ، والمذهب الأول . قال أبو حفص : ما أرى القول الآخر إلا قولاً قديماً، ولا يجوز عفو الأب ولا غيره من الأولياء، لما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ولي العقدة الزوج رواه الدارقطني . ولأن الله تعالى قال : {وأن تعفوا أقرب للتقوى} وليس عفو الولي عن صداق ابنته أقرب للتقوى، ولا يمنع العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب كقوله تعالى : {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها} . ولأن صداق المرأة حق لها ، فلا يملك الولي العفو عنه كسائر ديونها ، لأن الصغير لو رجع إليه صداق زوجته، أو نصفه ، لانفساخ النكاح ، برضاع أو نحوه ، لم يكن لوليه العفو عنه ، رواية واحدة . فكذلك ولي الصغيرة .
باب الحكم في المفوضة
وهو أن يزوج الرجل ابنته بغير صداق برضاها أو رضى أبيها ، سواء سكتا عن ذكره ، أو شرطا نفيه ، ، فالعقد صحيح ، لقوله تعالى : {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} . وعن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : أترضى أن أزوجك فلانة ؟ قال : نعم ، وقال للمرأة : أترضين أن أزوجك فلاناً قالت : نعم، فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل، ولم يفرض لها صداقاً، ولم يعطها شيئاً فلما حضرته الوفاة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ، ولم أفرض لها صداقاً ، ولم أعطها شيئاً ، فإني أشهدكم أني قد أعطيتها سهمي بخيبر . فأخذت سهماً فباعته بمائة ألف . رواه أبو داود .
ويجب لها مهر نسائها بالعقد ، لأنه لو لم يجب، لما استقر بالدخول، ولا ملكت المطالبة بفرضه قبله ، ولأن إخلاء النكاح عن المهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولها المطالبة بفرضه قبل الدخول وبعده ، ويلزمه إجابتها إليه. فإن ترافعا إلى الحاكم، لم يفرض لها إلا مهر المثل، لأنه الواجب لها، وإن تراضى الزوجان على فرضه، جاز. فإن فرض لها مهر مثلها ، فليس لها غيره ، لأنه الواجب لها . وإن فرض لها الحاكم أكثر منه جاز، لأن له أن يزيدها في صداقها . وإن فرض لها أقل منه ، فرضيته ، جاز، لأن الحق لها، فملكت تنقيصه، وما فرض لها من ذلك ، صار كالمسمى في التنصيف بالطلاق قبل الدخول ، وقراره بالدخول وغيره، لأنه مهر مفروض ، فأشبه المفروض بالعقد . وإن دخل بها قبل الفرض ، استقر مهر المثل، لأن الوطء في نكاح خال عن مهر ، خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وإن مات أحدهما قبل الإصابة والفرض، وجب لها مهر نسائها في صحيح المذهب ، لما روى علقمة أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود : لها صداق نسائها ولا وكس ولا شطط، ولها الميراث ، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع ابنة واشق ، امرأة منا ، مثل ما قضيت. أخرجه أبو داود و الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وعن أحمد : لا يكمل لها الصداق لأنها فرقة قبل فرض ومسيس ، فأشبهت الطلاق ، فعلى هذا يجب لها نصف مهر المثل .
فصل :
ومهر نسائها : هو مهر نساء عصباتها المساويات لها ، ويعتبر الأقرب فالأقرب منهن ، فأقربهن الأخوات ، ثم بنات الإخوة ، ثم العمات ، ثم بنات الأعمام ، ، ثم من بعدهن الأقرب فالأقرب ، ولا يعتبر ذوات الأرحام ، كالأم والخالة والأخت من الأم في إحدى الروايتين، لأن المهر يختلف بالنسب، ونسبها مخالف لنسبهن ، والأخرى يعتبر ، لأنهن من نسائها فيدخلن في الخبر . فإن لم يكن لها نساء عصبات ، اعتبر هؤلاء على الروايتين . ويعتبر بمن يساويها في صفاتها من سنها وبلدها وعقلها وعفتها وجمالها ويسارها وبكارتها وثيوبتها ، لأنه عوض متلف ، فاعتبرت فيها الصفات . فإن لم يكن مهر نسائها يختلف بهذه الأمور ، لم تعتبرها ، و إن كان يختلف فلم نجد إلا دونها ، زيد لها بقدر فضيلتها ، وإن لم يوجد إلا أعلى منها ، نقصت بقدر نقيصتها ، وجب حالاً من نقد البلد ، كقيم المتلفات . فإن كان عادة نسائها التأجيل ، ففيه وجهان :
أحدهما : يفرض مؤجلاً ، لأنه مهر نسائها .
والثاني : يفرض حالاً ، لأنه قيمة متلف . وإن كان عادتهم أنهم إذا زوجوا عشيرتهم ، خففوا، وإذا زوجوا غيرهم ، أثقلوا أو عكس ذلك ، اعتبر ، لأنه مهر المثل . فإن لم يوجد من أقاربهم أحد ، اعتبر شبهها من أهل بلدها ، فإن عدم ذلك ، اعتبر أقرب الناس إليها من نساء أقرب البلدان إليها .
فصل:
وإن طلق المفوضة قبل الدخول والفرض ، فليس له إلا المتعة . نص عليه أحمد في رواية جماعة . وعنه : لها نصف مهر المثل ، لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول ، فيوجب نصفه بالطلاق قبله ، كالتي سمي لها ، والأول المذهب ، لقوله تعالى : {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن} . ولا متعة لغيرها في ظاهر المذهب ، لأنه لما خص بالآية من لم يفرض لها ولم يمسها ، دل على أنها لم تجب لمدخول بها ، ولا مفروض لها ، ولأنه حصل في مقابله ابتذال المهر أو نصفه ، بخلاف مسألتنا ، وعنه : لكل مطلقة متاع ، لقوله تعالى : {وللمطلقات متاع بالمعروف حقًّا على المتقين} وقال سبحانه : {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً} قال أبو بكر : العمل عندي على هذه الرواية لولا تواتر الروايات بخلافها ، فإنه لم يرو هذه إلا حنبل ، وخالفه سائر من روى عن أبي عبد الله ، فيتعين حمل هذه الرواية على الاستحباب ، جمعاً بين دلالة الآيات المختلفات ، ولما ذكرنا من المعنى . فأما المتوفى عنها ، فلا متعة لها بغير خلاف ، لأن الآية لم تتناولها ، ولا هي معنى المنصوص عليه .
فصل :
والمتعة معتبرة بحال الزوج {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} وحكى القاضي عن أحمد : أنها مقدرة بنصف مهر المثل ، لأنها بدل عنه ، فتقدرت به ، والمذهب الأول ، لقوله تعالى : {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} فقدرها بحال الزوج دون حال المرأة ، ولأنه لو وجب قدر نصف مهر المثل ، كان ذلك نصف مهر المثل ، وفي قدرها روايتين :
إحداهما : يرجع فيها إلى اجتهاد الحاكم ، فيفرض لها ما يؤديه اجتهاده إليه ، لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره ويحتاج إلى الاجتهاد ، فرد إلى الحاكم ، كالنفقة .
والثانية : أعلى المتعة خادم ، وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها ، وأوسطها ما بين ذلك ، لقول ابن العباس : أعلى المتعة خادم ، ثم دون ذلك النفقة ، ثم دون ذلك الكسوة . وهذا تفسير من الصحابي ، فيجب الرجوع إليه .
فصل :
وكل فرقة أسقطت المسمى ، أسقطت المتعة ، وما نصفت المسمى ، أوجبت المتعة ، لأنها قائمة مقام نصف المسمى ، فاعتبر ذلك فيها . وسئل أحمد : عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها مهراً ، ثم وهب لها غلاماً ، ثم طلقها ، قال : لها المتعة ، وذلك لأن الهبة لا تنقضي بها المتعة، كالمسمى .
فصل :
فأما المفوضة المهر ، وهي التي تزوجها على حكمها ، أو حكمه ، أو حكم أجنبي ، أو بمهر فاسد ، أو يزوجها غير الأب بغير صداق بغير إذنها ، فإنه يتنصف لها مهر المثل بالطلاق في ظاهر المذهب ، وهو اختيار الخرقي . وعن أحمد : ليس لها إلا المتعة ، لأنه نكاح خلا عن تسمية صحيحة ، فأشبه نكاح المفوضة البضع . ولنا : أنها لم ترض بغير صداق ، ولم يرض أبوها ، فلم تجب المتعة ، كالتي سمي لها ، بخلاف الراضية بغير صداق .
فصل :
وللأب تزويج ابنته بغير صداق مثلها ، صغيرة كانت أو كبيرة ، بكراً أو ثيباً ، لأن عمر خطب الناس فقال : ألا لا تغالوا في صدق النساء ، فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً من نسائه أو بناته أكثر من اثني عشرة أوقية ، وظاهره صحة تسمية من زوج بمثل ذلك وإن نقص عن مهر المثل ، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وهو سيد قرشي ، ولأنه غير متهم في حقها ، فلا يمنع من تحصيل المقصود والحظ لابنته بتفويت غير المقصود ، وليس لغيره نقصها عن مهر نسائها إلا بإذنها ، لأنه متهم . فإن زوج بغير صداق ، لم يكن تفويضاً صحيحاً ، لأنه أسقط ما ليس له التصرف فيه ، ويجب مهر المثل ، وإن فعله الأب ، كان تفويضاً صحيحاً .
فصل :
وللأب أن يشترط لنفسه شيئاً من صداق ابنته ، لأن الله تعالى أخبر أن شعيباً زوج ابنته لموسى برعاية غنمه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك ، وقال : إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم قال الترمذي : هذا حديث حسن . فإن زوجها على ألف لها ، وألف له ، ثم طلقت قبل الدخول ، رجع الزوج بالألف التي لها ، لأن ما أخذه الأب محسوب على البنت من صداقها ، فكأنها قبضته، ثم وهبته لأبيها ، فإن شرط غير الأب شيئاً لنفسه ، فالكل لها ، ولا شيء له ، لأنه عوض عنها ، فكان لها ، كالمسمى لها .
فصل :
وإن زوج الرجل ابنه الصغير ، فالمهر على الزوج ، لأنه المعوض له ، فكان العوض عليه ، كالكبير ، وكما لو اشترى له شيئاً ، فإن كان الابن معسراً ، ففيه وجهان :
أحدهما : هو عليه كذلك .
والثاني : على الأب ، لأنه لما زوجه مع علمه بإعساره ووجوب الصداق عليه ، كان رضى منه بالتزامه .
فصل :
وإن تزوج العبد بإذن مولاه ، فالمهر على المولى ، لأنه وجب بإذنه ، فكان عليه ، كالذي يجب بعقد الوكيل . وإن تزوج بغير إذن سيده ، فالنكاح باطل ، فإن فارقها قبل الدخول ، فلا شيء عليه ، وإن دخل بها ففي رقبته صداقها ، لأنه وجب بجنايته ، فكان في رقبته كسائر جناياته . وفي قدره روايتان :
إحداهما : مهر مثلها ، لأنه وطء يوجب المهر ، فأوجب جميعه ، كوطء المكرهة .
والثانية : يجب عليه خمسا المهر ، لما روى خلاس أن غلاماً لأبي موسى تزوج بمولاة تيحان التميمي بغير إذن أبي موسى ، فكتب في ذلك إلى عثمان رضي الله عنه ، فكتب إليه: أن فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها، وكان صداقها خمسة أبعرة . رواه أحمد . ولأن المهر أحد موجبي الوطء ، فجاز أن ينقص في العبد عن الحر كالحد. وقد روى حنبل عن أحمد أنه لا صداق عليه ، ويحتمل هذا أن يحمل على ما إذا فرق بينهما قبل الدخول، ويحتمل أنه لا يجب شيء في الحالين ، ولأن المرأة مطاوعة له في غير نكاح صحيح ، أشبه الزانية. وهذا مذهب ابن عمر ، والمذهب الأول. والسيد مخير بين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته ، أو الواجب من المهر، كأرش جناياته . وإذا زوج السيد عبده أمته ، وجب الصداق عليه ، ثم سقط ، لأن النكاح لا يخلو من مهر ، ولا يثبت للسيد على عبده مال ، فسقط . وقال القاضي : لا يثبت مهر أصلاً لأنه لا يمكن أن يجب للسيد على عبده مال . وإن تزوج العبد بحرة ، أو أمة بغير إذن سيده ، ثم باعها العبد ، أو باعه لسيد الأمة بثمن في الذمة ، صح ويحول صداقها إلى ثمنه ، أو نصفه إن كان قبل الدخول ، وإن باعها إياه بصداقها، صح، لأنه يجوز أن يبيعها به عبد آخر ، فكذلك هذا . وينفسخ النكاح إذا ملكت زوجها . فإن كان قبل الدخول ، رجع السيد عليها بما يسقط من صداقها .
باب اختلاف المزوجين في الصداق
إذا اختلفا في قدره ، ولا بينة على مبلغه ، ففيه روايتان :
إحداهما : القول قول من يدعي مهر المثل منهما . فإن ادعت مهر المثل أو أقل ، فالقول قولها . وإن ادعى مهر مثلها أو أكثر ، فالقول قوله، لأن الظاهر أن صداقها مهر مثلها، ولأنه موجب العقد بدليل ما لو خلا عن الصداق فكان القول قول مدعيه ، كالمنكر في سائر الدعاوى . فإن ادعى أقل من مهر المثل ، وادعت أكثر من مهر المثل ، ردا إلى مهر المثل . وينبغي أن يحلف الزوج على نفي الزائد عن مهر المثل ، وتحلف هي على إثبات ما نقص منه ، لأن دعوى كل واحد منهما محتملة ، فلا تدفع بغير يمين . و الرواية الثانية : القول قول الزوج بكل حال ، لأنه منكر ، فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : ولكن اليمين على المدعى عليه فإن مات الزوجان ، فورثتهما بمنزلتهما، إلا أن من يحلف منهما على الإثبات ، يحلف على البت ، ومن يحلف على النفي ، يحلف على نفي العلم ، لأنه يحلف على نفي فعل الغير ، وإن اختلف الزوج وأبو الصغيرة أو المجنونة ، قام الأب مقامهما في اليمين ، لأنه يحلف على فعل نفسه ، فأشبه الوكيل . فإن لم يحلف حتى بلغت الصبية ، وعقلت المجنونة ، فاليمين عليها دونه ، لأنه إنما حلف لتعذر اليمين من جهتهما ، فإذا أمكن الحلف منهما ، لزمهما ، كالوصي إذا بلغ الطفل .
فصل :
وإن أنكر الزوج تسمية الصداق ، وادعت تسمية مهر المثل ، وكان الخلاف بعد الطلاق قبل الدخول ، ففيه وجهان ، بناء على الروايتين . فإن قلنا : القول قول الزوج ، وجبت المتعة . وإن قلنا بالرواية الأخرى ، فلها نصف مهر المثل . وإن اختلفا قبل الطلاق بعد الدخول ، فقد استقر لها مهر مثلها ، وإن كان قبله ، فلها المطالبة بفرض مهر المثل ، ولا يشرع التحالف . وإن ادعت أكثر من مهر المثل ، حلف على نفي الزيادة .
فصل :
فإن قال : أصدقتك هذا العبد ، قالت : بل هذه الأمة ، لم تملك العبد ، لأنها لا تدعيه ، ولا الأمة ، لأنها لا تجب بمجرد الدعوى ، لكن إن قلنا : القول قول الزوج ، فلها قيمة العبد ، وإن قلنا : القول قول من يدعي مهر المثل ، وكانت الأمة مهر المثل أو أقل ، حلفت ولها قيمتها . وإن كانت أكثر والعبد مهر المثل أو أكثر ، حلف الزوج ولها قيمته . وإن كانت الأمة أكثر والعبد أقل ، رد إلى مهر المثل على ما ذكرنا فيما تقدم .
فصل :
وإن اختلفا في قبض الصداق ، أو إبرائه منه ، فالقول قولها ، لأن الأصل معها . وإن اختلفا فيما يستقر به الصداق بالاستمتاع أو الخلوة ، فالقول قوله ، لأن الأصل معه . وإن اتفقا على أنه دفع إليها مالاً ، فقال : دفعته صداقاً . قالت : بل هبة . فإن كان الخلاف في نيته ، فالقول قوله بلا يمين ، لأنه أعلم بما نواه . وإن اختلفا في لفظه ، فالقول قوله مع يمينه ، لأنه ملكه ، فالقول قوله في صفة نقله .
فصل :
وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق ، فقالت : حدث بعد الطلاق، فلا ضمان علي، وقال : بل قبله ، فالقول قولها ، لأن الأصل براءة ذمتها .
فصل :
ويجب المهر للموطوءة في نكاح فاسد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في التي أنكحت نفسها بغير إذن وليها : فإن أصابها ،فلها المهر بما استحل من فرجها ويجب للموطوءة بشبهة لهذا المعنى . ويجب للمكرهة على الزنا ، لأنه وطء سقط الحد عنها فيه شبهة ،والواطئ من أهل الضمان في حقها ، فأوجب المهر ، كالوطء بالشبهة . ولا يجب مع المهر أرش البكارة في هذه المواضع ، لأنه داخل في المهر . وعنه : للمكرهة الأرش مع المهر ، لأنه إتلاف جزء فوجب عوضه ، كما لو جرحها ثم وطئها . وعن أحمد : لا يجب المهر للمكرهة الثيب قياساً على المطاوعة . وعنه : لا يجب لمحارمه من النسب ، لأن تحريمهن تحريم أصل ، فلا يوجب وطؤهن مهراً ، كاللواط . وعنه : من تحرم ابنتها ، لا مهر لها كذلك ، ومن تحل بنتها ، كالعمة والخالة، يجب لها، لأن تحريمها أخف ، ولنا : أنه أتلف منفعة بضعها بالوطء مكرهة ، فأشبهت الأجنبية والبكر .
فصل :
ولا يجب المهر للمطاوعة على الزنا ، لأنها باذلة لما يوجب البدل لها ، فلم يجب لها شيء - كما لو أذنت في قطع يدها - فإن كانت أمة ، وجب المهر لسيدها ، لأنه المستحق له ، فلا يسقط ببذلها كيدها ، ولا يجب المهر بالوطء في الدبر ، ولا اللواط ، لأنه لا منفعة فيه متقومة في الشرع ، بخلاف الفرج .
فصل :
ومن نكاحها باطل بالإجماع ، كذات الزوج ، والمعتدة ، حكمها حكم الأجنبية في وجوب الصداق إن كان الوطء بشبهة أو إكراه ، وسقوطه إن كانت مطاوعة عالمة بالتحريم ، لأنه باطل بالإجماع ، فكان وجوده كعدمه .
باب الوليمة
وهي : الإطعام في العرس . وهي مستحبة ، لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف حين تزوج : أولم ولو بشاة متفق عليه . وليست واجبة ، لأنها طعام لسرور حادث ، فأشبه سائر الأطعمة . ويستحب أن يولم بشاة ، للخبر . وإن أولم بغيرها أصاب السنة ، لما روى أنس قال : ما أولم الرسول صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة . متفق عليه .
فصل :
وإجابة الداعي إليها واجبة ، لما روى ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها وقال أبو هريرة : (( ومن لم يحب فقد عصا الله و رسوله )) رواهما البخاري . وإن كان الداعي ذمياً ، لم تجب إجابته ، لأن الإجابة للمسلم للإكرام والموالاة ، ولا يجب ذلك للذمي ، وتجوز إجابته ، لما روى أنس أن يهودياً دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة ، فأجابه . رواه أحمد في (الزهد) وإنما تجب إجابة المسلم إذا نص عليه . فإن دعا الجفلى ، كقوله : أيها الناس أجيبوا ، و هلم إلى الطعام ، لم تجب الإجابة ، لأن كل واحد غير منصوص عليه ، فلا ينكسر قلب الداعي بتخلفه ، وإن دعا ثلاثة أيام ، وجبت الإجابة في اليوم الأول ، واستحب في الثاني ، ولم تستحب في الثالث ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الوليمة أول يوم حق ، والثاني معروف ، الثالث رياء و سمعة رواه أبو داود . فإن دعا اثنان ، ولم يمكنه الجمع بينهما ، أجاب أسبقهما ، لأن إجابته وجبت بدعوته ، فمنعت من وجوب إجابة الثاني : فإن استويا ، أجاب أقربهما باباً ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا اجتمع داعيان ، فأجب أقربهما باباً ، فإن أقربهما باباً ، أقربهما جواراً فإن سبق أحدهما ، فأجب الذي سبق رواه أبو داود . فإن استويا أجاب أقربهما رحماً ، فإن استويا أجاب أدينهما ، لأن هذا من أبوب البر ، فقدم بهذه المعاني . فإن استويا ، أقرع بينهما .
فصل :
وإذا دعي الصائم ، لم تسقط الإجابة ، فإذا حضر وكان الصوم واجباً ، لم يفطر . وإن كان تطوعاً ، استحب له الفطر ، ليسر أخاه ويجبر قلبه ، ولا يجب لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن كان صائماً ، فليدع ، وإن كان مفطراً فليطعم رواه مسلم ، و أبو داود . ويستحب إعلامهم بصيامه ، لأنه يروى عن عثمان و ابن عمر رضي الله عنهما ، ولأن التهمة تزول ويتمهد عذره . وإن كان مفطراً ، فالأفضل الأكل ، للخبر ، ولأن فيه جبر قلب الداعي ، ولا يجب ، لما روى جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعي أحدكم إلى الطعام، فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك حديث صحيح .
فصل :
والدعاء إلى الوليمة إذن في الأكل والدخول، لما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فذلك إذن له رواه أبو داود .
فصل :
وإذا دعي إلى وليمة فيها منكر ، كالخمر والزمر ، فأمكنه الإنكار ، حضر وأنكر ، لأنه يجمع بين واجبين . وإن لم يمكنه ، لم يحضر ، لأنه يرى المنكر ويسمعه اختياراً . وإن حضر فرأى المنكر أو سمعه ، أزاله . فإن لم تمكنه إزالته ، انصرف ، لما روى سفينة : أن رجلاً أضافه على فصنع له طعاماً ، فقالت فاطمة : لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا ، فدعوه ، فجاء فوضع يده على عضادتي الباب ، فرأى قراماً من ناحية البيت ، فرجع ، فقالت فاطمة : الحقه ، فقل : ما رجعك يا رسول الله ؟ فقال : إنه ليس لي أن أدخل بيتاً مزوقاً حديث حسن . ولأنه يشاهد المنكر ويسمعه من غير حاجة ، فمنع منه ، كالقادر على إزالته . وإن علم المنكر ولم يره ولم يسمعه ، لم ينصرف ، لأنه لم يره ولم يسمعه ، ولا ينصرف لسماع الدف ، لأنه مشروع ، ولا لرؤية نقوش وصور غير الحيوان ، كالشجر والأبنية ، لأنه نقش مباح ، فهو كعلم الثوب . وأما صور الحيوان ، فإن كانت توطأ أو يتوكأ عليها ، كالبسط والوسائد ، فلا بأس بها . وإن كانت على حيطان أو ستور ، انصرف ، لما روت عائشة قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت لي سهوة بنمط فيه تصاوير ، فلما رآه قال : أتسترين الجدر بستر فيه تصاوير فهتكه . قالت : فجعلت منه وسادتين وحشوتهما ليفاً ، فلم يعب ذلك علي . فإن قطع رأس الصورة ، أو ما لا بقي الحيوان بعده ، كصدر وظهر ، ذهبت الكراهة ، لأنه لا تبقى الحياة فيه ، فأشبه الشجر . وإن أزيل منه ما تبقى الحياة بعده ، كيد أو رجل ، فالكراهة بحالها ، لأنها صورة حيوان . وإن سترت الحيطان بستور غير مصورة لحاجة من حر أو برد ، جاز ولم يكره ، لأنه يستعمله لحاجة ، فأشبه لبس الثياب . وإن كان لغيره حاجة ، ففيه وجهان :
أحدهما : هو محرم ، لما روي عن علي بن الحسين قال ، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستر الجدر . رواه الخلال. والنهي يقتضي التحريم. ودعا ابن عمر أبا أيوب ، فجاء فرأى البيت مستوراً بنجاد أخضر ، فقال : يا عبد الله ! أتسترون الجدر ؟ لا أطعم لكم طعاماً ، ولا أدخل لكم بيتاً ، ثم خرج .
والثاني : هو مكروه ، لأن ابن عمر أقر عليه ولم ينكر ، ولأن كراهته ، لما فيه من السرف ، فلا يبلغ به التحريم ، كالزيادة في الملبوس . ويجوز الرجوع لذلك ، لفعل أبي أيوب .
فصل :
فأما سائر الدعوات غير الوليمة ، كدعوة الختان ، وتسمى : الأعذار ، والعذيرة ، والخرس و الخرسة عند الولادة . والوكيرة : دعوة البناء . والنقيعة : لقدوم الغائب . والحذاق : عند حذق الصبي . والمأدبة : اسم لكل دعوة لسبب كان أو لغير سبب ، ففعلها مستحب ، لما فيه من إطعام الطعام وإظهار النعمة ولا تجب الإجابة إليها، لما روي عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فأبى أن يجيب وقال : إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يدعى إليه . رواه الإمام أحمد . وتستحب الإجابة ، لقوله عليه السلام : إذا دعي أحدكم فليجب عرساً كان أو غير عرس رواه أبو داود ولأن فيه جبر قلب الداعي وتطييبه .
فصل :
والنثار والتقاطه مباح ، ولأنه نوع إباحة فأشبه تسبيل الماء والثمرة ، وفي كراهته روايتان :
إحداهما : يكره وهي التي ذكرها الخرقي ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النهبة وقال : لا تحل النهبى رواه أحمد في المسند . ولأن في التقاطه دناءة وقتلاً ، وقد يأخذ من غيره أحب إلى صاحب النثار منه .
والثانية : لا يكره ، اختارها أبو بكر ، لما روى عبد الله بن قرط قال : قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست بدنات ، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ ، فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : من شاء اقتطع رواه أبو داود . ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعاً ، لأن السلف ، كانوا يتناهدون في الغزو والحج وغيرهما . ومن وقع في حجره شيء من النثار ، فهو مباح ، لأنه مباح حصل في حجره فملكه ، كما لو وثبت سمكة فسقطت في حجره .
باب عشرة النساء
يجب على كل واحد من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف ، لقول الله تعالى : {وعاشروهن بالمعروف} . وقال سبحانه : {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} ويجب على كل واحد منهما بذل ما يجب لصاحبه من الحق عليه ، من غير مطل ، ولا إظهار الكراهية للبذل ، ولا إتباعه بأذى ولا من وكف أذاه عن صاحبه . ولأن هذا من المعاشرة بالمعروف ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : مطل الغني ظلم .
فصل :
وإذا تزوج امرأة يوطأ مثلها ، فطلب تسليمها إليه ، وجب ذلك ، لأنه يطلب حقه الممكن . فإن سألت الإنظار ، أنظرت مدة جرت العادة بإصلاح أمرها فيها ، كاليومين والثلاثة ، لأنه يسير جرت العادة بمثله. وإن كانت لا يجامع مثلها، لصغر أو مرض يرجى زواله، لم يجب تسليمها ، لأنها لا تصلح للاستمتاع المستحق عليها ، وإن كان لمرض غير مرجو الزوال ، أو لكونها نضوة الخلق ، وجب تسليمها ، لأن المقصود من مثلها الاستمتاع بغير الجماع ، وذلك ممكن في الحال . وكل موضع يجب تسليمها إليه إذا طلبها ، يلزمه تسليمها إذا عرضت عليه ، وما لا فلا .
فصل :
ويجب تسليم الحرة ليلاً ونهاراً، لأنه لا حق لغيره عليها، وللزوج السفر بها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه . ويجب تسليم الأمة في الليل دون النهار لأنها مملوكة عقد أحد منفعتيها ، فلم يجب التسليم في وغير وقتها ، كالمستأجرة للخدمة في أحد الزمانين .
فصل :
وله إجبارها على غسل الحيض والنفاس ، مسلمة كانت أو ذمية ، لأن إباحة الوطء يقف عليه، وله إجبار المسلمة على الغسل من الجنابة ، لأنه واجب عليها . وفي الذمية روايتان :
إحداهما : لا يملك إجبارها عليه ، لأنه لا يجب عليها ، ولا يقف إباحة الوطء عليه .
والثانية : يملك إجبارها ، لأن كمال الاستمتاع يقف عليه ، لكون النفس تعاف من لا تغتسل من جنابة . وفي التنظف والاستحداد وجهان ، بناء على هاتين الروايتين . وقال القاضي : له إجبارها على الاستحداد إذا طال الشعر واسترسل ، وتقليم الأظافر إذا طالت رواية واحدة . وهل له منعها أكل ما يتأذى برائحته ؟ على وجهين ، لما ذكرنا وله منع المسلمة من كل محرم ، لأن الله منعها منه ، وليس له منع الذمية من يسير الخمر ، لأنها لا تعتقد تحريمه ، و له إجبارها على غسل فيها منه ، لأن نجاسته تمنع الاستمتاع به ، وله منعها من السكر ، لأنه يجعلها كالزق المنفوخ ، ولا يأمن من جنايتها عليه .
فصل :
وله منعها من الخروج من منزله ، إلا لما لا بد لها منه ، لأن حق الزوج واجب ، فلا يجوز تركه بما ليس بواجب . وقد روي عن ابن عمر قال : أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته ؟ قال : حقه عليها ألا تخرج إلا بإذنه . ويكره منعه إياها من عيادة أحد والديها، أو شهود جنازته، لأنه يؤدي إلى النفور، ويغريها بالعقوق .
فصل :
وله الاستمتاع في كل وقت من غير إضرار بها ، ولا منعها من فريضة ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها ، لعنتها الملائكة حتى ترجع متفق عليه .
ولا يجوز وطؤها في الحيض ولا في الدبر ، لقوله تعالى : {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} . وروى خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد رواهما الأثرم .
ويجوز الاستمتاع بها فيما بين الأليتين ، ووطؤها في الفرج مقبلة ومدبرة ، وكيف شاء لقوله تعالى : {نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم} قال جابر : من بين يديها ومن خلفها غير ألا يأتيها إلا في المأتي . متفق عليه .
فصل :
وإذا أراد الجماع ،استحب أن يقول : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، لما روى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان ، وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً متفق عليه ويستحب التستر عند المجامعة ، ، لما روى عتبة بن عبيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أتى أحدكم أهله ، فليستتر ، ولا يتجردا تجرد العيرين . رواه ابن ماجة . ولا يجامعها بحيث يراها إنسان ، أو يسمع وجسهما . وإذا فرغ قبلها ، كره له النزع حتى تفرغ ، لما روى أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا جامع الرجل أهله ، فليصدقها ، ثم إن قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها ، فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها .
فصل :
ويكره العزل ، وهو : أن ينزل الماء خارج الفرج ، لما فيه من تقليل النسل ، ومنع المرأة من كمال استمتاعها ، وليس بمحرم ، لما روى أبو سعيد قال : ذكر - يعني العزل - عند رسل الله صلى الله عليه وسلم فقال : فلم يفعل أحدكم ؟ - ولم يقل فلا يفعل - فإنه ليس نفس مخلوقة إلا والله خالقها متفق عليه . فإن كان ذلك في أمته ، فله ذلك بغير إذنها ، لأن الاستمتاع بها حق له دونها ، وكذلك أم الولد ، وإن كان في زوجة حرة لم يجز إلا بإذنها ، لما روى ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها . رواه أحمد . وإن كانت أمة فقال أصحابنا : لا يعزل عنها إلا بإذن سيدها ، لأن الولد له ، والأولى جوازه ، لأن تخصيص الحرة بالاستئذان دليل سقوطه في غيرها ، ولأن السيد لا حق له في الوطء ، فلا يجب استئذانه في كيفيته . ولأن على الزوج ضرراً في رق ولده ، بخلاف الحرة . ويحتمل أن يكون الاستئذان للحرة والأمة مستحباً غبر واجب ، لأن حقهما في الوطء لا في الإنزال ، بدليل خروجه بذلك من الفيئة والعنة .
فصل :
وإذا كان له زوجتان ، لم يجمع بينهما في مسكن واحد إلا برضاهما ، لأن عليهما فيه ضرراً ، ويؤدي إلى الخصومة ، ولا يطأ إحداهما بحضرة الأخرى ، لأن فيه دناءة ، وسوء عشرة ، وإثارة للغيرة .
باب القسم
يجب على الرجل المبيت عند امرأته الحرة ليلة من كل أربع ، ووطؤها مرة في كل أربعة أشهر ، إذا لم يكن عذر . وقال القاضي : لا يجب المبيت ولا الوطء ابتداء إذا لم يقصد الإضرار بتركه ، لأنه حق فجاز تركه ، كسكنى الدار المستأجرة ، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر : ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ قال : بلى يا رسول الله . قال : فلا تفعل صم وأفطر ،وقم ونم ، فإن لجسدك عليك حقاً ، وإن لعينك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً متفق عليه . وقال عمر لكعب بن سور : اقض بين هذا وامرأته ، قال : فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة وهي رابعتهن ، فأقضي لها بثلاث أيام ولياليهن يتعبد فيهن ، ولها يوم وليلة . فقال عمر : والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر ، اذهب فأنت قاض على البصرة . ولأن الوطء يجب على المولى ، ويفسخ النكاح لتركه ،وما لا يجب على غير الحالف ، لا يجب على الحالف على تركه ، كسائر المباحات ، وما لا يجب ، لا يفسخ النكاح ، لتعذره ، كزيادة النفقة . فإن لم يفعل فطلبت الفرقة ، فرق بينهما . قال أصحابنا : وحق الأمة ليلة من كل سبع ، لأن أكثر ما يمكنه جمعه معها ثلاث حرائر ، لهن ست ، ولها السابعة . والصحيح أن لها ليلة من ثمان نصف ما للحرة ، لأن زيادتها على ذلك يحل بالتنصيف . وزيادة الحرة على ليلة من أربع زيادة على الواجب ، فتعين ما ذكرنا .
فصل :
فإن كان له امرأتان أو أكثر ، وجب التسوية بينهن في القسم ، لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له امرأتان فمال إلى أحدهما جاء يوم القيامة وشقه مائل رواه أبو داود . ولأن الجور يخل بالعشرة بالمعروف . وليس له البداءة في القسم بإحداهما دون الأخرى من غير رضاها ، لأنه جور يدعو إلى النفور . فإذا أراد البداءة بالقسم ، أقرع بينهما ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه . وإذا بدأ بواحدة بقرعته أو غيرها ، لزمه القضاء للبواقي ، لأن ترك القضاء ميل .
فصل :
ويجب القسم على المريض ، والمجبوب والمظاهر ، والمولى وزوج المريضة ، والمحرمة ، والحائض و النفساء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلمكان يقسم في مرضه ، ولأن القسم يراد للأنس والإيواء ، وذلك أحصل في هذه الأحوال . فأما المجنون والمجنونة ، فإن خيف منهما ، سقط ، لأن الأنس لا يحصل منهما ، وإن لم يخف منهما ، فالمجنونة على حقها في القسم . ويطوف ولي الجنون به ، لأن الأنس يحصل منهما .
فصل :
وإذا سافرت زوجته بغير إذنه ، سقط حقها من القسم والنفقة ، لأنها منعته القسم لها بغيبتها ، فأسقطت نفقتها بنشوزها . وإن بعثها أو أمرها بالنقلة من بلدها ، لم يسقط حقها من نفقة ، ولا قسم ، لأن ذلك حاصل بفعله ، فلم يسقط حقها ، كما لو أتلف المشتري المبيع ، لم يسقط ثمنه . وإن سافرت بإذنه لحاجتها ، ففيه وجهان :
أحدهما : لا يسقطان ، لأنها سافرت بإذنه ، أشبه ما لو سافرت معه .
الثاني : يسقط . اختاره الخرقي ، لأن القسم للأنس ، والنفقة للتمكين من الاستمتاع ، وقد تعذر من جهتها ، فسقط ، كثمن المبيع إذا تعذر تسليمه ، ويحتمل أن يسقط قسمها وجهاً واحداً ، لأنه لو سافر عنها لعذر ، سقط حقها منه ، فإذا سافرت هي ، كان أولى . وفي النفقة وجهان، لأنها لا تسقط بسفره .
فصل :
وعماد القسم الليل ، لقوله تعالى : {وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا} . ولأن الليل للسكن والإيواء ، والنهار للمعاش والانتشار ، إلا من معاشه بالليل ، كالحارس ، فعماد قسمه النهار ، لأن نهاره كليل غيره . وإذا قسم للمرأة ليلة ، كان لها ما يليها من النهار تبعاً لليل ، بدليل ما روي أن سودة وهبت يومها لعائشة . متفق عليه . وقالت عائشة : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلمفي بيتي وفي يومي ، والأولى أن يقسم بين زوجاته ليلة وليلة ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أقرب إلى التسوية في إيفاء الحقوق. فإذا زاد على ذلك، لم يجز إلا برضاهن ، لأنه إذا بات عند واحد، تعينت الليلة الثانية للأخرى ، فلم يجز أن يبيتها عند غيرها بغير رضاها . فإن اتفق الجميع على القسم أكثر من ذلك أو أقل ، جاز ، لأن الحق لا يخرج عنهن . وقال القاضي : له أن يقسم ليلتين ليلتين، وثلاثاً ثلاثاً ، لأنه يسير ، ولا تجوز الزيادة عليه إلا برضاهن . فإن قسم لإحداهما ، ثم طلق الأخرى قبل قسمها ، أثم ، لأنه فوت حقها الواجب لها ، فإن عادت بعد ذلك إليه ، لزمه أن يقضي لها ، لأنه قدر على إيفائه بعد العجز عنه ، فلزمه ، كالدين إذا أعسر به ثم أيسر . وإن نشزت إحداهن في ليلتها ، وأغلقت بابها دونه ، أو ادعت طلاقه ، سقط حقها من القسم . فإن طاوعت ، استأنف القسم بينهما ، ولم يقض لها ، لأنها أسقطت حق نفسها .
فصل :
والأولى أن يطوف على نسائه في منازلهن ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأنه أحسن في العشرة وأصون لهن . وله أن يقيم في موضع واحد ، ويستدعي واحدة واحدة ، وله أن يأتي واحدة ويستدعي واحدة ، لأن المرأة تابعة للزوج في المكان ، ولذلك ملك نقلها إلى حيث شاء. وإن حبس في موضع يمكن حضورها معه ، وهو مسكن مثلها ، فهي على حقها من القسم . و إن لم يكن مسكن مثلها، لم يلزمها إجابته ، لأن عليها ضرراً . وإن كانت له امرأتان في بلدين ، فعليه العدل بينهما ، لأنه حق لهما ، فلا يسقط بتباعدهما ، كالنفقة . فإن امتنعت إحداهما من النقلة بعد طلبه لها ، سقط حقها . وإن أقام في بلد إحداهما ، ولم يقم معها في المنزل ، لم يلزمه القضاء ، لأنه لم يقسم لها ، وإن أقام عندها ، لزمه القضاء للأخرى .
فصل :
ويستحب التسوية بين الزوجات في الاستمتاع ، لأنه أكمل ، ولا يجب ذلك ، لأن الداعي إليه الشهوة والمحبة ، ولا سبيل إلى التسوية فيه . قال الله تعالى : {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} . قال ابن عباس : في الحب والجماع . وقالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ويعدل ثم يقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك رواه الترمذي و ابن ماجة .
فصل :
وإن خرج في ليلة إحداهن ولم يلبث إن عاد ، لم يقض لها ، لأنه لا فائدة في قضائه ، وإن أقام قضى لها ، ساء كانت إقامته لعذر ، أو لغير عذر ، لأن حقها فات بغيبته عنها . ويستحب أن يقضي لها في مثل الوقت الذي خرج فيه ، لأنه أقرب إلى المماثلة . وإن قضاه في غيره من الليل ، ففيه وجهان :
أحدهما : لا يجوز ، لعدم المماثلة .
والثاني : يجوز ، لأنه قضى في الوقت الذي هو المقصود في القسم ، وله الخروج في النهار حيث شاء ، لأن النهار للمعاش والانتشار . وإن دخل على ضرتها في ليلتها ، ولم يلبث أن خرج ، لم يقض ، لعدم الفائدة في قضائه ، فإن جامعها فيه ، ففيه وجهان :
أحدهما : لا يقضي أيضاً ، لأن الزمن اليسير لا يقضى ، والوطء لا يستحق في القسم .
والثاني : عليه القضاء وهو أن يدخل على صاحبة القسم في ليلة الأخرى فيطأها ، ليعدل بينهما . وإن أطال المقام عند الضرة ،قضاه في ليلة المدخول عليها بكل حال . فأما الدخول على غيرها في يومها ، فيجوز للحاجة ، من غير أن يطيل ولا يجامع . وهل له أن يستمتع منها فيما دون الفرج ؟ فيه وجهان :
أحدهما : يجوز لما روت عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علي في يوم غيري وينال مني كل شيء إلا الجماع .
والثاني : لا يجوز ، لأنه يحصل به السكن ، أشبه الجماع . وإن أطال ، قضاه للأخرى . وإن جامع ففيه وجهان . كما ذكرنا في الليل .
فصل :
والكتابية كالمسلمة في القسم ، لأنه من حقوق النكاح فاستويا فيه ، كالنفقة والسكنى . فإن كانت إحداهما حرة ، والأخرى أمة ، فللحرة ليلتان ، وللأمة ليلة ، لما روي عن علي أنه كان يقول : إذا تزوج الحرة على الأمة ، قسم للأمة ليلة ، وللحرة ليلتين . أخرجه الدارقطني واحتج به أحمد . فإن أعتقت الأمة في مدتها أو قبلها ، أضاف إلى ليلتها أخرى ، لأنها صارت حرة ، فيجب التسوية بينهما . وإن أعتقت بعد مدتها ، استأنف القسم متساوياً ولم يقض لها .
فصل :
إذا كان له أربع نسوة ، فنشزت إحداهن ، وظلم أخرى فلم يقسم لها ، وقسم للاثنتين ثلاثين ليلة ، ثم أطاعته الناشز ، وأراد القضاء للمظلومة ، فإنه يقسم لها ثلاثاً ، وللناشز ليلة ، خمس أدوار ، فيكمل للمظلومة خمسة عشر ، ويحصل للناشز خمس ، فتحصل التسوية . فإن كان له ثلاث نسوة ، فظلم إحداهن ، وقسم بين الباقيتين ثلاثين ليلة ، ثم تزوج جديدة ، وأراد القضاء ، فإنه يبدأ فيوفي الجديدة حق العقد ، ثم يقسم بينهما وبين المظلومة خمسة أدوار ، كما ذكرنا في التي قبلها سواء .
فصل :
ولا قسم عليه في ملك اليمين . فإذا كانت له زوجات وإماء ، فله الدخول على الإماء كيف شاء ، والاستمتاع بهن ، لأن الأمة لا حق لها في الاستمتاع ، ولذلك لم تملك المطالبة في الإيلاء .
فصل :
وللمرأة أن تهب حقها من القسم لزوجها ، فيجعله لمن شاء من زوجاته ، ولبعض ضرائرها ، أو لهن جميعاً إذا رضي الزوج ، لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه ، فإذا رضي، جاز ، لما روت عائشة أن سودة وهبت يومها لعائشة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة . متفق عليه . وجوز ذلك في بعض الزمان ، لما روت عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على صفية بنت حيي في شيء ، فقالت لعائشة : هل لك أن ترضي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك يومي ؟ قالت : نعم - فأخذت خماراً مصبوغاً بزعفران ، فرشته بالماء ليفوح ريحه ، ثم قعدت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إليك يا عائشة ، إنه ليس يومك قالت : ذلك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء ، فأخبرته بالأمر فرضي عنها . رواه ابن ماجة . ولا يعتبر رضى الموهوبة ، لأنه حقه عليها عام ، وإنما منعه المزاحمة التي زالت بالهبة ، ثم إن كانت ليلة الواهبة لا تلي ليلة الموهوبة ، لم نجز الموالاة بينهما ، لأن الموهوبة قائمة مقام الواهبة ، فلم يجز تغييرها عن موضعها ، كما لو كانت الواهبة باقية ويحتمل أن يجوز لعدم الفائدة في التفريق . وللواهبة الرجوع في هبتها في المستقبل ، لأنه لم يقبض ، وما مضى فقد اتصل به القبض ، فلا حق لها فيه . وإن بذلت ليلتها بمال ، لم يصح ، لأنها ليست مالاً ، ولا منفعة يستحق بها المال . وإن كان العوض غير المال ، كإرضاء زوجها ونحو ذلك ، جاز لحديث عائشة .
فصل :
والحق في قسم الأمة لها، دون سيدها، فلها هبة ليلتها من غير إذن سيدها، ولها المطالبة بها ، لأن الإيواء والسكنى حق لها ، فملكت إسقاطه والمطالبة به ، كالحرة .
فصل :
وإن تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة ، قطع الدور لحق الجديدة ، فإن كانت بكراً ، أقام عندها سبعاً. وإن كانت ثيباً ، أقام عندها ثلاثاً ، ثم دار ، لما روى أبو قلابة عن أنس قال : من السنة أن تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ، وإذا تزوج الثيب ، أقام عندها ثلاثاً ، ثم قسم . قال أبو قلابة : لو شئت لقلت : إن أنساً رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . متفق عليه .
وإن أحبت الثيب أن يقم عندها سبعاً ، فعل ، ثم قضى جميعها للبواقي ، لما روت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها ، أقام عندها ثلاثاً وقال : إن شئت سبعت لك ، وإن سبعت لك سبعت لنسائي . رواه مسلم . وفي لفظ : إن شئت ثلثت ثم درت والأحرار والرقيق سواء في هذا الحديث ، للإيناس وإزالة الاحتشام ، فاستوين فيه لاستوائهن في الحاجة إليه ، كالنفقة .
فصل :
يكره أن يزف امرأتين في ليلة واحدة ، لأنه لا يمكن الجمع بينهما في إيفاء حقهما ، وتستضر التي يؤخر حقها وتستوحش ، فإن فعل ، بدأ بالتي تدخل عليه أولاً فوفاها حقها ، لأنها أسبق ، فإن أدخلتا عليه معاً ، أقرع بينهما ، فقدم من تخرج لها القرعة ، ثم ثنى بصاحبتها ، ثم قسم بعد ذلك .
فصل :
وإذا أراد السفر بجميع نسائه ، قسم لهن كما يقسم في الحضر . وإن أراد السفر ببعضهن ، لم يسافر بهن إلا بقرعة ، لما روت عائشة : أن رسول الله (ص) كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ،فأيتهن خرج سهمها ، خرج بها معه . متفق عليه . ولا يلزمه القضاء للحاضرات ، لأن عائشة لم تذكر قضاء ، ولأن المسافرة اختصت بمشقة السفر ، فاختصت بالقسم ، والسفر الطويل والقصير سواء في هذا ، لعموم الخبر والمعنى . وإن سافر بإحداهن بغير قرعة ، أثم ، وقضى للبواقي ، لأنه خصها مدة على وجه تلحقه التهمة ، فلزمه القضاء ، كالحاضر . فإن خرجت القرعة لإحداهن فامتنعت من السفر معه ، سقط حقها لامتناعها . وإن آثرت أخرى به ، جاز إذا رضي الزوج ، لأن الحق لها ، أشبه ليلتها في الحضر ، وإن أحب تركها ، والسفر وحده ، جاز ، لأن القرعة لا توجب ، وإنما تعين مستحق التقديم . وإن سافر بها بقرعة ثم بدا له فأبعد السفر ، فله استصحابها معه ، لأنه سفر واحد . وإن أقام في بلدة مدة يلزمه فيها إتمام الصلاة ، قضى ذلك ، فإذا خرج مسافراً ، لم يقض ما سافره ، لأنه سفر واحد قد أقرع له . وإن كانت عنده امرأتان ، فتزوج امرأتين ، ثم أراد سفراً ، أقرع بين الكل ، فإن وقعت القرعة لإحدى الأوليين ، سافر بها ، فإذا قدم ، قضى حق العقد للجديدتين ، ثم دار . وإن وقعت للجديدة ، سافر بها ودخل حق العقد في قسم السفر ، فإذا قدم ، قضى حق العقد للأخرى ، ثم دار ، لأنه حق وجب عليه قبل سفره . ويحتمل ألا يقضي لها ، لأن الإيواء في الحضر أكثر منه في السفر ، فيحصل تفصيلها على التي سافر بها . ويحتمل أن يقيم عند الأخرى لقضاء حق العقد ، لأنه حق وجب بالعقد ، ولم يوجب له مسقط ، فيجب قضاؤه ، ثم يقيم مثله عند التي سافر بها ، لئلا يفضل الحاضر عليها ، فإن العدل يحصل بهذا ، فيكون أولى من إسقاط حق العقد بغير مسقط وإن قدم من سفره قبل إتمام حق العقد للتي معه ، أتمه في الحضر ، والله أعلم .
باب النشوز
وهو نوعان . أحدهما : نشوز المرأة ، وهو معصيتها زوجها فيما يجب له عليها من حقوق النكاح ، فمتى ظهر منها إمارات النشوز ، مثل أن يدعوها فلا تجيبه ، أو تجيبه مكرهة متبرمة ، وعظها وخوفها الله تعالى وما يلحقها من الإثم والضرر بنشوزها من سقوط نفقتها وقسمها وإباحة ضربها وأذاها ، لقوله تعالى : {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن} . ولا يجوز ضربها، لأنه يجوز أن يكون ذلك لعذر، أو ضيق صدر من غير الزوج، فإن أظهرت النشوز ، فله هجرها في المضاجع، لقوله تعالى : {واهجروهن في المضاجع} . قال ابن عباس : لا تضاجعها في فراشك . فإن الهجران في الكلام ، فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ، أو قال : ثلاث ليال ، متفق عليه . فإن ردعها ذلك ، وإلا فله ضربها ، لقوله تعالى : {واضربوهن} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح رواه مسلم . ولا يحرج بالضرب ، للخبر . قال ثعلب : غير مبرح ، أي : غير شديد . وعليه اجتناب الموضع المخوفة ، والمستحسنة ، لأن المقصود التأديب لا الإتلاف والتشويه . وهل له ضربها بأول النشوز ؟ فعنه : له ذلك ، للآية والخبر ، ولأنها صرحت بالمعصية ، فكان له ضربها ، كالمصرة . وظاهر قول الخرقي : أنه ليس له ضربها ، لأن المقصود بهذه العقوبات زجرها عن المعصية في المستقبل ، فيبدأ بالأسهل فالأسهل ، كإخراج من هجم على منزله ، ولأنها عقوبات على جرائم ، فاختلفت باختلافها ، كعقوبات المحاربين .
فصل :
النوع الثاني : نشوز الرجل عن امرأته ، وهو : إعراضه عنها لرغبته عنها ، لمرضها ، أو كبرها ، أو غيرهما ، فلا بأس أن تضع عنه بعض حقها تسترضيه بذلك ، لقوله تعالى : {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً} . قالت عائشة رضي الله عنها : هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها ، فيريد طلاقها ، ويتزوج عليها ، تقول له : أمسكني لا تطلقني ، وأنت في حل من النفقة علي والقسمة لي . رواه بخاري . وقالت عائشة : إن سودة لما أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : يا رسول الله يومي لعائشة ، فقبل ذلك منها . ففي تلك وأشباهها أراه أنزل الله : {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً} رواه أبو داود . ومتى صالحته على شيء من حقها ، ثم أرادت الرجوع ، فلها ذلك . قال أحمد في الرجل يغيب عن زوجته فيقول لها : إن رضيت على هذا وإلا ، فأنت أعلم ، فتقول : قد رضيت ، فهو جائز . وإن شاءت ، رجعت .
فصل :
وإذا ادعى كل واحد منهما ظلم صاحبه وعدوانه ، أسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة يطلع عليهما ، ويلزمهما الإنصاف . فإن لم يكن أنصاف أحدهما من صاحبه ، وخيف الشقاق بينهما ، بعث الحاكم حكماً من أهله ، وحكماً من أهلها ، ليفعلا ما رأيا المصلحة فيه من التفريق بعوض أو غيره ، أو الإصلاح بترك بعض الحقوق أو غيره ، لقوله تعالى : {وإن خفتم شقاق بينهما} ويجوز أن يكون الحكمان أجنبيين ، لأنهما إما وكيلين ، أو حكمان ، وأي ذلك كان ، فلا تشترط له القرابة ، والأولى جعلهما من أهلهما ، للآية ، ولأنهما أعرف بالحال وأشفق . ويجب أن يكونا ذكرين ، عدلين ، لأنهما إن كانا وكيلين ، فهما يحتاجان إلى الرأي في النظر والتفريق ، ولا يكمل بدون هذين الوصفين . وإن كانا حكمين ، فهذا شرط فيه ، واختلفت الرواية فيهما . فروي : أنهما حكمان ، لتسمية الله تعالى إياهما بذلك ، فعلى هذا لهما فعل ما رأياه بغير رضى الزوجين ، لأن الحاكم يحكم بما يراه من غير رضى الخصم . وروي : أنهما وكيلان لا يملكان التفريق ، ولا إسقاط شيء من الحقوق إلا بتوكيلهما أو رضاهما ، لأن الطلاق إلى الزوج ، وبذل المال إلى الزوجة ، فلم يجز إلا بإذنهما . ومتى كانا حكمين ، اشترط كونهما فقيهين حرين ، لأنهما من شرائط الحكم . وإن كانا وكيلين ، جاز أن يكونا عاميين أو عبدين ، لأن توكيلهما جائز . وقال القاضي : لا يجوز أن يكونا عبدين ، لأنهما ناقصان . فإن غاب الزوجان ، نفذ تصرف الحكمين في حقهما إن قلنا : هما وكيلان ، كما ينفذ تصرف الوكيل في غيبة الموكل . وإن قلنا : هما حكمين ، لم ينفذ ، لأنه لا يجوز له الحكم للغائب. وكل واحد منهما محكوم له وعليه. وإن جنى، لم ينفذ تصرف الحكمين بحال ، لأن الوكالة تبطل بجنون الموكل .
كتاب الخلع
ومعناه : فراق الزوج امرأته بعوض . فإن خالعها بغير عوض ، لم يصح ، لكن إن كان بلفظ الطلاق، أو نواه به ، فهو طلاق رجعي ، ولم يقع به شيء، وعنه: يصح الخلع بغير عوض . اختاره الخرقي . فإذا سألته خلعها ، ، فقال : خلعتك ، انفسخ النكاح ولا شيء له ، لأنه فرقة ، فجازت بغير عوض ، كالطلاق . فإن قال : خلعتك من غير سؤال الزوجة ، لم يكن خلعاً ، وكان كناية في الطلاق لا غير . قال أبو بكر : لا خلاف عن أبي عبد الله أن الخلع ما كان من قبل النساء . فإذا كان من قبل الرجال ، فلا نزاع في أنه طلاق يملك به الرجعة. ووجه الرواية الأولى أنه فسخ للنكاح بغير عوض ولا عيب ، فلم يملكه الزوج ، كما لو تسأله المرأة .
فصل :
والخلع على ثلاثة أضرب: مباح: وهو أن تكره المرأة زوجها لبعضها إياه ، وتخاف ألا تؤدي حقه ، ولا تقيم حدود الله في طاعته ، فلها أن تفتدي نفسها منه ، لقوله تعالى : {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}ر . وروى البخاري بإسناده . قال : جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ما أنقم على ثابت من دين ولا خلق ، إلا أني أخاف الكفر في الإسلام ، فقال رسول الله (ص ) أتردين عليه حديقته ؟ فالت : نعم . فردت عليه ، وأمره ففارقها ولأن حاجتها داعية إلى فرقته ، ولا تصل إلى ببذل العوض ، فأبيح لها ذلك ، كشراء المتاع .
الثاني : المخالعة لغير سبب مع استقامة الحال ، فذهب أصحابنا إلى أنه صحيح مع الكراهة ، لقوله تعالى : {فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} . ويحتمل كلام أحمد تحريمه وبطلانه ، لأنه قال : الخلع مثل حديث سهلة ، تكره الرجل ، فتعطيه المهر ، فهذا الخلع . ووجه ذلك قوله تعالى : {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله} وروى ثوبان قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة رواه أبو داود . ولا يلزم من الجواز في غير عقد ، الجواز في عقد بدليل عقود الربا .
الثالث : أن يعضل الرجل زوجته بأذاه لها ، ومنعها حقها ظلماً ، لتفتدي نفسها منه ، فهذا محرم ، لقوله تعالى : {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن} . فإن طلقها في هذه الحال بعوض ، لم يستحقه لأنه عوض أكرهت على بذله بغير حق ، فلم يستحقه ، كالثمن في البيع . ويقع الطلاق رجعياً . وإن خالعها بغير لفظ الطلاق ، وقلنا : هو طلاق ، فحكمه ما ذكرنا ، وإلا فالزوجة بحالها . فإن أدبها لتركها فرضاً أو نشوزها ، فخالعته لذلك، لم يحرم ، لأنه ضربها بحق . وإن زنت فعضلها لتفتدي نفسها منه ، جاز وصح الخلع ، لقول الله تعالى : {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} . والاستثناء من النفي إثبات . وإن ضربها ظلماً لغير قصد أخذ شيء منها ، فخالعته لذلك ، صح الخلع ، لأنه لم يعضلها ليأخذ مما آتاها شيئاً .
فصل :
ويصح الخلع من العبد والسفيه والمفلس ، وكل زوج يصح طلاقه ، لأنه إذا ملك الطلاق بغير عوض ، فبعوض أولى . والعوض في خلع العبد لسيده ، لأنه من كسبه ، لا يجوز تسليمه إلى غيره ، إلا بإذنه ، ولا يجوز تسليم العوض في خلع السفيه إلا إلى وليه ، كسائر حقوقه . وقال القاضي : يصح قبضهما ، لأنه صح خلعهما ، فصح قبضهما ، كالمفلس . ولا يصح من غير زوج ، لأنه لا يملك الطلاق إلا أب الصغير . فإنه فيه روايتين :
إحداهما: لا يملك طلاق زوجته ولا خلعها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الطلاق لمن أخذ بالساق رواه ابن ماجه . ولأنه إسقاط لحقه فلم يملكه ، كإسقاط قصاصه .
والثانية : يملكه ، لأنه يملك تزويجه ، فملك الطلاق والخلع ، كالزوج ، وكذلك القول في زوجة عبده الصغير .
فصل :
ويصح الخلع من كل زوجة رشيدة ، لأن استدانتها صحيحة . فإن كانت أمة ، فحكم خلعها حكم استدانتها بإذن سيدها ، وبغير إذنه ، ويرجع على المكاتبة بالعوض إذا عتقت ، وعلى المفلسة إذا أيسرت ، كاستدانتها . فأما السفيهة والصغيرة والمجنونة ، فلا يصح بذل العوض منهن ، لأنه تصرف في المال وليس من أهله . ويصح بذل العوض في الخلع من الأجنبي . فإذا قال : طلق زوجتك بألف علي ، ففعل ، لزمته ألف ، لأنه إسقاط حق لا يفتقر إلى رضى المسقط عنه ، فصح بالمالك والأجنبي ، كالعتق بمال ، فإن قال : طلق زوجتك بمهرها ، وأنا ضامن ، ففعل ، بانت وعليه مهرها ، ولا يرجع به على أحد . وليس لغير الزوجة خلعها بشيء من مالها ، ولو كان أبا الصغيرة ، لأنه يسقط به حقها من العوض والنفقة والاستمتاع ، فإن فعل وكان طلاقاً ، كان رجعياً ، وإلا ، لم يقع به شيء ، كالخلع مع العضل .
فصل :
ويجوز الخلع من غير حاكم، لأنه قطع عقد بالتراضي، فلم يحتج إلى حاكم ، كالإقالة . ويجوز في الحيض ، لأن تحريم الطلاق فيه يثبت دفعاً لضرر تطويل العدة ، والخلع يدفع به ضرر سوء العشرة ، وهو أعظم وأدوم ، فكان دفعه أولى .
فصل :
وألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية ، لأنه أحد نوعي الفرقة ، فكان له صريح وكناية ، كالطلاق . فالصريح ثلاثة ألفاظ، خالعتك ، لأنه يثبت له عرف الاستعمال . وفاديتك لورود القرآن به . وفسخت نكاحك ، لأنه حقيقة فيه . وما عدا هذا ، مثل بارأتك وأبرأتك وأبنتك ، فكناية . فمتى أتى بالصريح ، وقع وإن لم ينو ، ولا يقع بالكناية إلا بنية ، أو دلالة حال ، بأن تطلب الخلع ، وتبذل العوض ، فيجيبها بذلك ، لأن دلالة الحال تغني عن النية ، . ومتى وقع الخلع بلفظ الطلاق ، أو نوى به الطلاق ، فهو طلاق بائن ، لأنه لا يحتمل غير الطلاق . وإن خالعها بغير لفظ لطلاق غير ناو به الطلاق ، ففيه روايتان :
إحداهما : هو طلاق أيضاً ، لأنه كناية في الطلاق ، نوى به فرقتها ، فكان طلاقاً ، كما لو نوى به الطلاق .
والثانية : هو فسخ لقول الله تعالى : {الطلاق مرتان} ثم ذكر الخلع ، ثم قال : {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} . فلو كان طلاقاً ، كانت أربعاً ، ولا خلاف في تحريمها بثلاث ، ولأنه ليس بصريح في الطلاق ، ولا نوى به الطلاق ، فلم يكن طلاقاً ، كغيره من الكنايات . فإذا قلنا : هو طلاق ، نقص به عدد طلاقها ، ومتى خالعها ثلاثاً ، لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، وإن قلنا : هو فسخ ، لم ينقص به عدد طلاقها ، وحلت له من غير نكاح زوج ثان ، ولو خالعها مراراً .
فصل :
وتبين بالخلع على كلتا الروايتين ، فلا يملك رجعتها ، لأنه عقد معاوضة ، فلم يملك الرجوع فيما اعتاض عنه ، كالبيع ، ولا يلحقها طلاقه ، ولو واجهها به ، لأنها بائن ، فلم يلحقها طلاقه ، كبعد العدة . فإن طلقها بعوض ، وشرطه الرجعة ، فقال ابن حامد : يصح الخلع ويسقط الشرط ، لأن الخلع لا يفسد بالعوض الفاسد ، فلم يفسد بالشرط الفاسد ، كالنكاح. قال القاضي : ويسقط المسمى ، وله صداقها ، لأنه إنما رضي به مع الشرط ، فإذا فسد الشرط ، وجب أن يرجع بما نقص لأجله ، فيصير مجهولاً ، فيفسد ويجب الصداق . ويحتمل أن يجب المسمى ، لأنه مسمى صحيح ، في عقد صحيح ، فوجب قياساً على الصداق في النكاح، وفيه وجه آخر: أنه يسقط العوض، وتثبت الرجعة، لأن شرط العوض والرجعة يتنافيان، فيسقطان، ويبقى مجرد الطلاق. وإن شرط الخيار في الخلع ، بطل الشرط ، وصح الخلع ، لأن الخيار في البيع لا يمنع نقل الملك ، ففي الخلع لا يمنع وقوعه . ومتى وقع ، فلا سبيل إلى رفعه .
فصل :
ويصح الخلع منجزاً بلفظ المعاوضة ، لما فيه من المعاوضة ، ومعلقاً على شرط ، لما فيه من الطلاق. فأما المنجز بلفظ المعاوضة ، فهو أن يوقع الفرقة بعوض ، فيقول : خلعتك بألف، أو طلقتك بألف ، أو أنت طالق بألف ، فتقول : قبلت ، كما يقول : بعتك هذا الثوب بألف ، فتقول : قبلت . هذا قول القاضي ، وقياس قول أحمد : أنه يقع الطلاق رجعياً ، ولاشيء له ، لأنه أوقع الطلاق الذي يملكه ، ولم يعلقه بشرط ، وجعل عليها عوضاً لم تبذله ولم ترض به ، فلم يلزمها . فأما المعاوضة الصحيحة ، فمثل أن تقول المرأة : اخلعني بألف ، أو على ألف ، أو وعلي ألف ، فيقول : طلقتك ، كما تقول : بعني هذا الثوب بألف ، فيقول : بعتك . ولا يحتاج إلى ذكر أو إعادة الألف في الجواب ، لأن الإطلاق يرجع إليه ، كما يرجع في البيع . ولا يصح الجواب في هذا إلا على الفور . ويجوز للرجل الرجوع في الإيجاب قبل القبول ، وللمرأة الرجوع في السؤال قبل الجواب ، كما يجوز في البيع . وأما المعلق فيجوز أن يعلق الطلاق على دفع مال ، أو ضمانه ، فيقول : إن أعطيتني ألفاً ، أو إذا أعطيتني ألفاً ، أو متى أعطيتني ألفاً ، أو متى ضمنت لي ألفاً ، فأنت طالق ، فمتى ضمنتها له ، أو أعطته ألفاً ، طلقت ، سواء كان على الفور أو التراخي ، لأنه تعليق للطلاق على شرط ، فوقع بوجود الشرط ، كما لو عري عن ذكر العوض .ويكفي في العطية أن يحضر المال ، ويأذن في قبضه ، أخذ أو لم يأخذ ، لأن اسم العطية يقع عليه. يقال : أعطيته فلم يأخذ . فإن أعطته بعض الألف ، لم تطلق ، لأنه لم يوجد الشرط . وإن قالت : طلقني بألف ، فقال : أنت طالق بألف إن شئت ، لم تطلق حتى تشاء ، لأنه علق على المشيئة ، فلم يقع إلا بها ، وسواء شاءت على الفور ، أو التراخي ، نص عليه ، لأنه جعل المشيئة شرطاً ، فأشبه تعليقه على دخول الدار .
فصل :
فإذا قال : أنت طالق وعليك ألف ، طلقت رجعية ، ولا شيء له ، لأنه لم يجعل الألف عوضاً للطلقة ، ولا شرطاً فيها ، إنما عطفه على الطلاق الذي يملك إيقاعه ، فوقع ما يملكه دون ما يملكه . وإن قال : أنت طالق على ألف ، أو على أن عليك ألفاً ، فعن أحمد : فيها مثل ذلك ، لأن ((على)) ليست حرف شرط ، ولا مقابله ، لهذا لا يصح أن تقول: بعتك ثوبي على ألف. وقال القاضي : لا يقع الطلاق بها حتى تقبل ذلك ، لأنها أجريت مجرى الشرط والجزاء ، بدليل قوله تعالى في قصة شعيب : {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} . وقوله تعالى : {فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدًّا}. فعلى هذا إذا قال أنت طالق على ألف ، أو بألف ، فقالت : قبلت واحدة بثلث الألف ، لم يقع ، لأنها لم تقبل ما بذله ، فأشبه ما لو قال : بعتك عبيدي الثلاثة ألف ، فقال : قبلت واحداً بثلث الألف، وإن قالت : قبلت واحدة بألف ، وقع الثلاث ، واستحق الألف ، لأنه علق الثلاث على بذلها للألف، وقد وجد. فإن قال: أنت طالق ثلاثاً واحدة منها بألف ، طلقت اثنين ، ووقعت الثالثة على قبولها. ولو لم يبق من طلاقها إلا طلقة ، فقال : أنت طالق اثنتين ، الأولى بغير شيء ، والثانية بألف بانت الثالثة ، ولم يستحق شيئاً . وإن قال : الأولى بألف ، استحق الألف إذا قبلت .
فصل :
وإذا قالت : طلقني بألف ، فقال : خلعتك ينوي به الطلاق ، أو قلنا: الخلع طلاق ، استحق الألف ، لأنه طلقها . وإن لم ينو الطلاق ، وقلنا : ليس بطلاق ، لم يستحق العوض ، لأنها استدعت فرقة تنقص عدد طلاقه ، فلم يجبها إليه ، ويكون كالخلع بغير عوض ، ويحتمل أن لا يقع بها شيء ، لأنه إنما بذل خلعها بعوض ، فلم يحصل ، فلم يقع ، وإن قالت : اخلعني بألف ، فقال : طلقتك بألف ، وقلنا : الخلع فسخ ، ففيه وجهان :
أحدهما : له الألف ، لأن الطلاق بعوض نوع من الخلع ، ولأنها استدعت فرقة لا ينقص عدد طلاقها ، فأتى بفرقة تنقص عدد طلاقها ، وهذا زيادة .
والثاني : لا يستحق شيئاً ، لأنه لم يجبها إلى ما سألت . وإن قالت : طلقني ثلاثاً بألف فطلقها واحدة ، وقعت رجعية ، ولا شيء له ، لأنه لم يجبها إلى ما سألت ، فإنها استدعت فرقة تحرم بها قبل زوج آخر ، فلم يجبها إليه ، وإن لم يكن بقي من عدد طلاقها إلا واحدة ، استحق الألف ، علمت أو لم تعلم ، لأن القصد تحريمها قبل زوج آخر ، وقد حصل ذلك . وإن قالت : طلقني واحدة بألف ، فطلقها ثلاثاً ، طلقت ثلاثاً ، وله الألف ، لأنه حصل ما طلبته وزيادة . وإن قالت : طلقني عشراً بألف ، فطلقها ثلاثاً ، استحق الألف في قياس المسألة التي قبلها ، لأنه حصل المقصود. وإن طلقها أقل من ذلك، لم يستحق شيئاً، لأنه لم يجب سؤالها .
فصل :
فإن قالت : طلقني بألف إلى شهر ، فقال : إذا جاء رأس الشهر ، فأنت طالق ، استحق الألف، ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائناً ، لأنه بعوض . وإن طلقها قبل رأس الشهر ، طلقت ولا شيء له ، نص عليه ، لأنه إخبار بإيقاع الطلاق بغير عوض . وإن قالت : لك علي ألف على أن تطلقني متى شئت من الآن إلى شهر ، فطلقها قبل رأس الشهر، وقع الطلاق ، واستحق الألف ، لأنه أجابها إلى ما سألت . وقال القاضي : تبطل التسمية وله صداقها ، لأن زمن الطلاق مجهول .
فصل :
وإن قالت إحدى زوجتيه : طلقني وضرتي بألف ، ففعل ، صح الخلع فيهما ، لأن الخلع مع الأجنبي صحيح. وإن طلق إحداهما لم يستحق شيئاً ، لأنه لم يجبها إلى ما سألت ، فلم يستحق ما بذلت ، كما لو قال في المناضلة: من سبق بسهمين فله ألف، فسبق أحدهما. وقال القاضي : تبين المطلقة على الباذلة حصتها من الألف، كما لو قال: من رد عبدي فله ألف، فرد أحدهما ، وإن قالت : طلقني بألف على أن تطلق ضرتي بألف ، فكذلك سواء . وقال القاضي : إذا لم يف بشرطها ، فله الأقل من المسمى في صداقها ، أو الألف .
فصل :
وإن قال لزوجتيه: أنتما طالقتان بألف ، فقبلتا ، طلقتا ، وتقسطت الألف بينهما على قدر صداقهما ، وعلى قول أبي بكر يكون بينهما نصفين ، كقوله فيما إذا تزوجهما بألف . وإن قبلت إحداهما ، بانت ، ولزمتها حصتها من الألف ، وإن كانت إحداهما غير رشيدة ، فقبلتا ، بانت الرشيدة بحصتها ، ولم تطلق الأخرى ، لأنها بذلت للعوض غير صحيح . وإن قال : أنتما طالقتان بألف إن شئتما، فقالتا: قد شئنا ، فهي كالتي قبلها ، إلا أن إحداهما إذا شاءت وحدها ، لم تطلق واحدة منهما ، لأن مشيئتهما معاً شرط لطلاقهما ، فلا يوجد بدون شرطه ، فإن قالتا: قد شئنا، وإحداهما صغيرة أو مجنونة ، فكذلك ، لأن مشيئتها غير صحيحة ، وإن كانت سفيهة ، طلقتا ، لأن مشيئتهما صحيحة ، وعلى الرشيدة حصتها من العوض ، ويقع طلاق السفيهة رجعياً ، ولا عوض عليها ، لأن بذلها غير صحيح.
فصل :
وكل ما جاز صداقاً ، جاز جعله عوضاً في الخلع ، قليلاً كان أو كثيراً ، وقال أبو بكر : لا يأخذ أكثر مما أعطاها ، فإن فعل ، رد الزيادة ، والأول المذهب ، لقول الله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} .
وروت الربيع بنت معوذ قالت : اختلعت من زوجي فيما دون عقاص رأسي ، وأجازه عثمان ، ولأنه عوض عن ملك منافع البضع ، أشبه الصداق . ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر ثابت بن قيس أن يأخذ من زوجته حديقته ولا يزداد رواه ابن ماجه ، وحكمه حكم الصداق في أنه إذا وجد عيباً ، خير بين قيمته وأخذ أرشه ، وفي أنه خالعها على عبد فبان حراً ، أو خلاً فبان خمراً ، فله قيمة العبد ، ومثل الخل. وإن خالعها بحر، أو خمر يعلمانه وهما مسلمان، فهو كالخلع بغير عوض ، لأنه رضي منها بما ليس بمال، بخلاف ما إذا لم يعلم، فأنه لم يرض بغير مال، فرجع بحكم الغرور . فإن كانا كافرين فأسلما، أو تحاكما إلينا بعد قبضه، فلا شيء له، لأن حكمه مضى قبل الإسلام ، فإن أسلما قبله ، ، فظاهر كلام الخرقي أنه يجب له عوض ، لأنه لم يرض بغير عوض فأشبه المسلم إذا اعتقده عبداً ، أو خلاً . وقال القاضي في الجامع : لا شيء له : لأنه رضي بما ليس بمال ، فأشبه المسلم . وقال في المجرد : لها مهر المثل ، لأن العوض فاسد يرجع إلى قيمة المتلف ، وهو مهر المثل ، ويحتمل أن يجب لها قيمة الحر لو كان عبداً ، وقيمة الخمر عند الكفار ، لأنه رضي بمالية ذلك ، فأشبه المسلم إذا اعتقده عبداً أو خلاً .
فصل :
ويصح الخلع على عوض مجهول في ظاهر المذهب . وقال أبو بكر : لا يصح ، لأنه عقد معاوضة فلا يصح بالمجهول ، كالبيع . ولنا أن الطلاق معنى يصح تعليقه بالشرط ، فجاز أن يستحق به المجهول ، كالوصية ، وفيه مسائل خمس :
أحدها : أن تخالعنه على ما في يدها من الدراهم ، فإن كان في يدها دراهم ، فهي له ، وإن لم يكن فيها دراهم ، فله ثلاثة ، نص عليه أحمد ، لأنه أقل ما يقع عليه اسم الدراهم حقيقة، ولفظها دل على ذلك فاستحقه ، كما لو وصى له بدراهم .
الثانية : تخالعه على ما في بيتها من المتاع . فإن كان فيه متاع ، فهو له قليلاً كان أو كثيراً ، لأن الخلع على المجهول جائز ، فهو كالوصية به ، وإن لم يكن فيه متاع ، فله أقل ما يقع عليه اسم المتاع كالمسألة قبلها ، وكالوصية . وقال القاضي وأصحابه : له المسمى في صداقها ، لأنها فوتت عليه البضع بعوض مجهول ، فيجب قيمة ما فوتت عليه وهو صداقها ، وهو تعليل يبطل المسألة التي قبلها .
الثالثة : خالعها على دابة ، أو حيوان ، أو بعير ، أو ثوب ، ونحو ذلك . أو قال: إن أعطيتني دابة أو بعيراً أو بقرة ، فإن تطلق ، ويملك ما أعطيته من ذلك . فإن اختلفتا فيما يجب له ، فالواجب أقل ما يقع عليه الاسم في قياس قول أحمد . وفي قول القاضي وأصحابه: يجب له صداقها ، ووجه القولين ما تقدم .
الرابعة : خالعتها على عبد مطلق ، أو قال : إن أعطيتني عبداً ، فأنت طالق ، فالحكم فيها كالتي قبلها. قال أبو الخطاب : نص أحمد على أنه يملك العبد الذي أعطته . وقال القاضي : له عبد وسط بناء على قوله في الصداق . وقال أبو الخطاب : يجب له صداقها ، ووجههما ما تقدم .
الخامسة : خالعها على ما يثمر نخلها ، أو على ما تحمل أمتها ، أو على ما في بطن الأمة من الحمل ، أو ما في ضرع الشاة من اللبن ، أو على ما في النخلة من التمر ، فله ما سمي له إن وجد منه شيء ، وإن لم يوجد منه شيء فقال القاضي في الجامع : لا شيء له ، لأنهما دخلا في العقد مع تساويهما بالعلم بالحال ، ورضاه بما فيه من الاحتمال ، فلم يكن له شيء ، كما لو خالعها على ما ليس بمال . فإذا لم يستحق شيئاً ، كان الخلع بغير عوض . وقد قال أحمد : إذا خلع امرأته على ثمر نخلها سنين ، فجائز ترضيه بشيء قبل حمل نخلها . قيل له : فإن حمل نخلها ؟ قال : هذا أجود من ذاك . قيل له : يستقيم هذا ؟ قال : نعم جائز . قال القاضي : قوله : ترضيه بشيء على طريق الاستحباب ، لأنه لو كان واجباً لتقدير بتقدير يرجع إليه ، وقال : وفي معنى هذا إذا خالعها على حكم أحدهما ، أو حكم أجنبي ، أو على ما في يدها ، أو بيتها ، أو بمثل ما خالع به فلان زوجته ونحو ذلك . وقال أبو الخطاب : يرجع عليها بصداقها ، وقال ابن عقيل : إن خالعها على حمل أمتها ، فلم يخرج الولد سليماً ، فله مهر المثل في هذه المواضع كلها لما تقدم .
فصل :
إذا قال : إذا أعطيتني عبداً ، فأنت طالق ، فأعطته عبداً لها ، ملكه ، وطلقت ، سليماً كان أو معيباً ،قناً أو مدبراً ، لأن اسم العبد يقع عليه ، فقد وجد شرط الطلاق ، وإن دفعت إليه حراً لم تطلق ، لأنها لم تعطه عبداً ، ولم تملكه شيئاً ، وإن دفعت إليه عبداً مغصوباً ، لم تطلق ، لأن معنى العطية هاهنا التمليك ، ولم تملكه شيئاً . وإن قال : إن أعطيتني هذا العبد ،فأنت طالق ، فدفعته إليه ، فإذا هو حر ، أو مغصوب ، لم تطلق كذلك . وعنه : تطلق ، وله قيمته . وإن خرج معيباً ، لم يرجع عليه بشيء ، ذكره أبو الخطاب ، لأنه شرط لوقوع الطلاق، فأشبه ما لو قال : إن ملكته ، فأنت طالق ، ثم ملكه . وقال القاضي : له رده ، والرجوع بقيمته ، أو أخذ أرشه ، لأنها خالعته عليه ، أشبه ما لو قالت : اخلعني على هذا العبد ، فخلعها . وقال - فيما إذا قال : إن أعطيتني عبداً ،فأنت طالق - : يلزمها عبد وسط ، كذلك . وإن قال : إن أعطيتني ألف درهم ، فأنت طالق ، ونويا صنفاً من الدراهم ،حمل العقد عليها . وإن أطلقا ، حمل على نقد البلد ، كالبيع . وإن لم يكن للبلد نقد غالب ، حمل على ما يقع عليه الاسم . ولا يقع الطلاق بدفع ألف عدداً ناقصة الوزن ، ولا تدفع نقرة زنتها ألف ، لأن الدراهم في عرف الشرع المضروبة الوازنة . وإن دفعت إليه مغشوشة تبلغ فضتها ألفاً ، طلقت بوجود الفضة ، وإن نقصت عنها، لم تطلق ، لأن الدراهم اسم للفضة .
فصل :
فإذا خالعها على رضاع ولده مدة معلومة ، صح . وإن أطلق ، صح أيضاً وينصرف إلى ما بقي من الحولين ، لأن الله تعالى قيده بحولين ، فينصرف الإطلاق إليه . فإن ماتت المرضعة أو الصبي ، أو جف لبنها قبل ذلك ، فعليها أجرة المثل لما بقي من المدة ، لأنه عوض معين ، تلف قبل قبضه . فوجبت قيمته ، أو مثله ، كما لو خالعها على قفيز ، فهلك قبل قبضه ، وإن خالعها على كفالة ولده عشر سنين ، صح ، ويرجع عند الإطلاق إلى نفقة مثله ، كما ذكرنا في الإجارة . فإن مات في أثناء المدة ، فله بدل ما يثبت في ذمتها .
فصل :
ويجوز التوكيل في الخلع من الزوجين ، ومن كل واحد منهما ، مع تقدير العوض ، وإطلاقه ، لأنه عقد معاوضة، فجاز ذلك فيه كالبيع. فإن وكل الزوج، فخالع وكيله بما قدر له ، أو بزيادة عليه ، أو بصداقها عند الإطلاق ، أو زيادة عليه ، صح ، ولزم المسمى لأنه امتثل أمره ، أو زاد خيراً . وإن خالع بدونه ، ففيه وجهان :
أحدهما : لا يصح ، اختاره ابن حامد ، لأنه خالف موكله فلم يصح تصرفه ، كما لو وكله في خلع امرأة ، فخالع أخرى .
والثاني : يصح ، ويرجع على الوكيل بالنقص ، اختاره أبو بكر ، لأنه أمكن الجمع بين تصحيح التصرف، ودفع الضرر، فوجب، كما لو لم يخالف. وذكر القاضي وجهين آخرين :
أحدهما : يتخير الزوج بين قبول العوض ناقصاً ، وبين رده ، وله الرجعة .
والثاني : يسقط المسمى ويجب مهر المثل ، وإن عين له جنس العوض ، فخالع بغيره ، أو خالع عند الإطلاق بغير نقد البلد ، أو بمحرم ، لم يصح ، لأنه خالف موكله في الجنس ، أشبه ما لو وكله في بيع شيء فباع غيره . فأما وكيل الزوجة فمتى خالع بالمقدر، أو دونه، أو بصداقها عند الإطلاق ، أو دونه : صح ، لأنه امتثل أو زاد خيراً . وإن خالع بزيادة لم تلزمها، لأنها لم تأذن فيها، وتلزم الوكيل، لأنه التزمها للزوج . وقال القاضي : يلزمها مهر المثل .
فصل :
إذا ادعى الزوج خلعها فأنكرته، أو قالت : إنما خالعك غيري بعوض في ذمته ، بانت بإقراره ، والقول قولها في نفي العوض مع يمينها ، لأنها منكرة . وإن ادعته المرأة فأنكرها ، فالقول قوله ، ولا شيء عليه ، لأنه لا يدعيه . وإن اتفقا على الخلع ، واختلفا في قدر العوض ، أو جنسه أو صفته ، أو حلوله ، فالقول قول المرأة . نص عليه ، لأن القول قولها في أصله ، فالقول قولها في صفته، ولأنها منكرة للزيادة المختلف فيها، والقول قول المنكر ، وإن أقرت ، وقالت : إنها في ضمان زيد ، لزمتها ، الألف ، ولم يلزم زيداً شيء ، إلا أن يقر به .