أخبار علي بن الجهم السامي

حدثني الشيرازي قال: حدثني ابن أبي طاهر قال: سمعت أبا عبد الله ابن محمد يسأل الجهم بن بدر- معلم علي- أن يحبسه في المكتب لشيء وجد عليه، فحبسه إلى الظهر، وضاق صدره، فأخذ شق لوح وكتب فيه إلى أمه، وبعث به مع بعض الصبيان إليها من حيث لا يعلم أبوه:

يا أمنـا أفـديك مـن أم

 

أشكو إليك فظاظة الجهم

قد سرح الصبيان كلـهـم

 

وبقيت محصوراً بلا جرم

فلما قرأت الأم البيتين وثبت إلى لحية الجهم فنتفت أكثرها، فذهب الجهم بنفسه حتى أطلقه.


وحدثني أبو العباس الشاعر قال: حدثني ابن أبي عروبة قال: كان علي بن الجهم شاعراً مفلقاً مطبوعاً، يضع لسانه حيث يشاء، وكان هجاء، فأولع بآل طاهر يهجوهم وينسبهم إلى الرفض. فمما عرض به قوله وهو محبوس:

تضافرت الروافض والنصارى

 

وأهل الإعتزال على هجـائي

وعابوني وما نـبـي إلـيهـم

 

سوى بصري بأولاد الـزنـاءِ

وإنما عني بالروافض الطاهريين. وبأهل الاعتزال بني داود، وبالنصارى بختيشوع بن جبريل، فإنه كان يعاديه. ووجد عليه طاهر من ذلك، فما زالوا يكاتبون المتوكل في أمره ويحتالون، حتى أخرج إلى خراسان، فلما وقع في أيديهم صلبوه بباب الشاذياخ، فاجتمع الناس ينظرون إليه وقد صلب عرياناً، فقال وهو على خشبته:

لم ينصبوا بالشاذياخ صبيحة ال

 

إثنين مغموزاً ولا مجـهـولا

نصبوا بحمد الله ملءَ عيونهـمْ

 

حُسناً وملءَ قلوبهم تبـجـيلا

ما ضره أن بز عنه لبـاسـه

 

فالسيف أهول ما يرى مسلولا

فاتصلت الأبيات بالقوم فأنزلوه وأكرموه.

ومن خبيث هجائه:

بني متـيم هل تدرون ما الخـبـر

 

وكيف يسـتر أمر لـيس يستــتــر

حاجيتكم: من أبـوكم يا بني عصـبٍ

 

شتـى ولكـنما لـلعـاهـر الحـجـرُ

قد كان شـيخكم شـيخاً له خـطـرٌ

 

لكن أمكم في أمـرهــا نـــظــر

فلم تكن أمكم والله يكلؤهامحجوبة دونا الأبواب والستر

 

 

كانت مغنية الفتيان إن شروا

 

وغـير مـحجوبة عنـهـم إذا سكـــروا

وكـان إخوانـه غراً جـحاجـحة

 

لا يمكـن الشـيخ أن يعصـى إذا أمـروا

قوم أعَـفّـاء إلا في بـيوتكـم

 

فإن في مثلهـا قد تـخلـع الـعـــذر

قوم إذا نســـبوا فالأم واحـدة

 

والله أعلم بـالآبـاء إذ كـــثـــروا

حدثني ابن أبي فنن قال: حدثني أبو عبد الله اليحصبي قال: لما قال علي بن الجهم وهو محبوس كلمته التي يخاطب فيها المتوكل: قالت:

حُبست فقلت ليس بضائري

 

حبسي، وأي مهند لا يغمدُ

ثم قال حين صلب:

ما ضره أن بز عنه لبـاسـه

 

فالسيف أهول ما يرى مسلولا

حكموا له بأنه أشعر الناس، فأذعنت له الشعراء وهابته الأمراء.

ومما يختار له قوله:

هي النفس ما حملتها تتحـمـلُ

 

وللدهر أيام تـجـور وتـعـدلُ

ولا عار أن زالت عن الحر نعمة

 

ولكن عاراً أن يزول التجـمـل

وعاقبة الصبر الجميل جـمـيلة

 

وأفضل أخلاق الرجال التفضلُ

وله:

أقلني أقالك مـن لـم يزل

 

يقيك ويصرف عنك الردى

وأعلاك حتى لو أن السمـا

 

تنال لجاوزتها مصـعـدا

فما بين ربك جل اسـمـه

 

وبينك إلا نبـي الـهـدى

وأنت بسنـتـه مـقـتـد

 

وفيها نجاؤك منـه غـدا

ويستحسن له أيضاً قوله من رائيته في المتوكل:

إذا نحن شبهناك بالبدر طـالـعـاً

 

وبالشمس قالوا حق للشمس والبدر

ولو قُرنت بالبحر سبـعة أبـحـر

 

لما بلغت جدوى أناملك العـشـر

وله:

إذا نحن شبهناك بالبدر طـالـعـاً

 

بخسناك حظاً أنت أبهى وأكمـل

ونظلم إن قسناك بالليث في الوغى

 

فإنك أحمى للـذمـار وأبـسـلُ

فلا عرف إلا قد تجاوزت حـده

 

ولا بحر إلا سيب كفك أفضـل

وهو ممن شهر بشعره، ووجد عند الخاصة والعامة، وليس قصدنا الاستقصاء، وفيما ذكرناه كفاية.