قال أبو إسحاق النوفلي: بني أبو نخلية داراً شراها، ثم جاء إلى خالد ابن صفوان، فقال: أحب أن تصير معي إليها لتنظير إلى بنائها، فجاء معه، فلما دخلها ورآها قال: كيف تجدها يا أبا صفوان؟ قال إن صدقتك يا أبا نخلية غضبت. قال: ما كنت بالذي أفعل. فقال خالد- وكان من أفصح الناس- رأيتك تسأل الناس إلحافاً، وتنفق إسرافاً، فملأت إحدى يديك سلحاً، وجعلت الأخرى سطحاً، وقلت: من لم يعمر سطحي، ملأته بسلحي. نخجل أبو نخيلة ولم يحر جواباً.
قال محمد بن إبراهيم الحنظلي، ما مدح أبو نخيلة إلا خليفة أو وزيراً، وكان
من أفصح الناس وأشعرهم، وكان مطبوعاً مقتدراً كثير البدائع والمعاني غزيراً
جداً، وكان الغالب عليه الرجز ومع ذلك لا يقصر في القصيد.
حدثني إبراهيم بن عامر النوفلي عن بعضهم قال: رأيت أبا نخيلة قد خرج من عند الوليد بن يزيد راكباً، وبين يديه رجالة قد تقدموه وقد حمل معه مال كثير كان الوليد قد وصله به، وهو يفرق يميناً وشمالاً ويتصدق، حتى أتى منزلة وقد فرق منه شيئاً كثيراً، ثم دفع إلى الرجالة الذين كانوا بين يديه مائة دينار. وكان الوليد يحبه حبه شديداً وهو الذي علم الوليد الشعر.
قال: ومما يستحسن من شعر أبي نخيلة كلمته التي يفتخر فيها ويذكر قومه بني تميم:
نحن ضربنا الأزد بالعراق |
|
والحيّ من ربيعة المراق |
ضرباً يقيم صعر الأعناق |
|
بغير أطماع ولا أرزاق |
إلا بقايا كرم الأعراق وهي طويلة يذكر فيها حرب الأزد وتميم بالبصرة ومما يستحسن من رجزه ويستطرف كلمته التي يقول لها:
لما رأيت الـدين دينـاً يؤفـك |
|
وأمست القبة لا تستمـسـك |
ترتج من أرجائها وتـهـتـك |
|
سرت إلى الباب فسار الدكدك |
فيها الدجوجي وفيها الأرمـك |
|
كالليل إلا أنـهـا تـحـرك |
وهذه الأبيات مشهورة فاقتصرنا على ذكرها.
ومما يستحسن من شعره قصيدته التي يمدح فيها مسلمة بن عبد الملك، وهي جيدة فيها معان حسنة، وفيها يقول:
أمـسلـم أنـي يا ابـن خـير خلـيفة |
|
ويا فـارس الدنـيا ويا جـبـل الأرض |
شكرتك إن الشكر حبل من التـقــى |
|
وما كل من أوليته نعـمة يقـضــي |
وألقيت لما جئت بابك زائراًرواقاً مديداً سامق الطول والعرض |
|
|
وأنبهت لي ذكري وما كان خاملاً |
|
ولكنّ بعض الذكر أنبه من بـعـض |
ومما سار من رجزه واشتهر في أبي العباس يهنئه بالخلافة وهي قوله:
الآن مسّ المنبر الـقـرارا |
|
وطابت الدنيا وصارت دارا |
إذا نزل الخليفة الأنبـارا |
|
|
ومن أراجيزه المشهورة في أيدي الناس قوله:
يا عمرو غم الماء ورد يدهمه |
|
يوم تلاقي شاؤه ونـعـمـه |
واختلفت أمراسـه وقـيمـه |
|
فأبلنا منك بلاء نـعـلـمـه |
فإنما أنت أخ لا نـعـدمـه |
|
صاحب خلان كريم شيمـه |
مترفٌ كان أبـوه يكـرمـه |
|
لم يتجشأ من طعام يتخـمـه |
ولم تبت حمّى به توصـمـه |
|
تدك مدماك الطوى قـدمـه |
أيهات من هامته مخدمـه |
|
|
ولأبي نخيلة في طرد عشر نعائم يصفهن:
أنعت مهراً سبط القـرات |
|
ورداً طمرا مدمج السـراة |
يغدو بنهد في اللجام عـات |
|
نعائما عشراً مـطـردات |
صك العراقيب هجنـعـات |
|
فانصاع وانصعن مولـيات |
ما كان إلا هاكـه وهـات |
|
حتى اجتمعن متناغصـات |
بالسهب والغدر من الحمـاة |
|
واختل حضنا هيقة شوشات |
فانعقرت من آخر الهيقـات |
|
بغير تكـبـير ولا صـلاة |
كأنهما خالـفة الـسـراة |
|
|
وله في الطرد أراجيز كثيرة مشهورة، منها اللامية التي يقول فيها:
فانصاع يسعى بالصعيد الهايل |
|
يلحن من ذي ميعة معاجـل |
حتى دنا من وهج القساطـل |
|
من ذات زف ساقط الخمايل |
فاختلفنا تحت جناح الـمـايل |
|
بضربة حديثه في الصاقـل |
منقوشة الرقين والخصـايل |
|
فهو مقيط كمقاط الـفـايل |
وأعاجيب أبي نخيلة في القنص وغيره كثيرة، وفيما أوردنا من ذلك دليل على باقية. وشعره موجود كثير، فمن أراده لم يعوزه ذلك.