أخبار الحمادين

حماد عجرد وحماد بن الزبرقان وحماد الراوية، وكانوا في عصر واحد، وكلهم شاعر مفلق وخطيب مبرز.

حدثني أحمد بن محمد الثقفي قال: حدثني إبراهيم بن عمر الكوفي قال: كان حماد عجرد مولى لبني سوءة بن عامر بن صعصعة وكان معلماً ثم شهر بالشعر وامتدح الملوك. وكان بالكوفة ثلاثة يقال لهم الحمادون: حماد عجرد وحماد بن الزبرقان وحماد الراوية يتنادمون على الشراب، ويتناشدون الأشعار، ويتعاشرون أجمل عشرة، كانوا كأنهم نفس واحدة، وكانوا جميعاً يرمون بالزنذقة، وإذا رأى الناس واحداً منهم قالوا: زنديق. اقتلوه. وكان حماد بن الزبرقان عتب على حماد الراوية في شيءٍ فهجاه، فقال فيما يهجوه، وينسبه إلى شرب الخمر:

 

 

نعم الفتى لو كان يعرف قدره

 

ويقيم وقت صلاته حمـاد

هدلت مـشافرة الدنان فأنفه

 

مثـل القـدوم يسنها الحـداد

وابيض من شـرب المدامة وجهه

 

وبياضه يوم الحساب سـواد

وحماد عجرد هو القائل:

إن الكريم ليخفي عنك عسرتـه

 

حتى تراه غنياً وهو مجـهـود

وللبخيل على أموالـه عِـلـلٌ

 

زرق العيون عليها أوجه سود

إذا تكرهت أن تعطى القليل ولم

 

تقدر على سعة لم يظهر الجود

أورق بخير يرجى للنوال فمـا

 

ترجى الثمار إذا لم يورق العود

 بث النوال ولا تمنعك قلـتـه

 

فكل ما سد فقراً فهو محمود

وهو القائل أيضاً وهي مليحة سائرة:

حُريث أبو الفضل ذو خبرة

 

بما يصلح المعد الفاسـده

تخوف تخـمة أضـيافـه

 

فعودهـم أكـلة واحـده

ومما يختار له أيضاً قوله:

لست بغضبان ولكـنـنـي

 

أعرف ما شأنك يا صاحِ

لأن تركت الراح جانبتنـي

 

ما كان حبيك على الراحِ

قد كنت من قبل وأنت الذي

 

يعنيك إمسائي وإصباحـي

لم تر عيني منك إلا الـذي

 

أفسدني من بعد إصلاحي

أنت من الناس وإن عبتهـم

 

دونكها مني بإفصـاحـي

ومما يختار لحماد عجرد قصيدته التي يعاتب فيها أبا يزيد ويحيى وهي:

قد جفاني أبـو يزيد ويحـيى

 

ولعمري ما خفت أن يجفواني

واصلاني فيما مضى فلغير ال

 

ود فيما مضى واصـلانـي

غير أني كنت في ظل سلطـا

 

ن فكان الوصال للسلـطـان

ثم لما حال الزمان بسـلـطـا

 

ني حالوا مع احتيال الزمـان

وقال يمدح محمد بن أبي العباس السفاح وهو والي المنصور على البصرة:

أدعوك بعد أبي العباس إذ بـانـا

 

يا أكرم الناس أعراقاً وعـيدانـا

فأنت أكرم من يمشي على قـدم

 

وأنضر الناس عند المحل أغصانا

لو مج عود على قوم عصارتـه

 

لمج عودك فينا المسك والبـانـا

وهي طويلة. ومما يستحسن من شعر حماد كلمته التي يهجو بها بعض الأمويين:

زرتُ امرأً في بيته مرةً

 

له حـياء ولـه خِـيرُ

يكره أن يتخم أضيافـه

 

إن أذى التخمة محذورُ

ويشتهي أن يؤجروا عنده

 

بالصوم والصائم مأجورُ

حدثني محمد بن عامر الحنفي قال: حدثني اليحصبي قال: شرب حماد عجرد مع أبي دلامة يوماً، فسكرا من الخمر فطلبوهما، فأما أبو دلامة فهرب وأما حماد فأخذ فأُتي به المهدي فقال: استنكهوه. ففعلوا فشموا منه رائحة الخمر، فأحب أن يعبث به، فقال: يا عدو الله أتشرب الخمر وتسكر؟ إني سأقيم عليك الحد ولا تأخذني في الله لومة لائم. وقال: احبسوه حتى يصحو. فمضي به إلى بيت فيه دجاج بعد أن وُجئ عنقه ومزق رداؤه، فكتب إلى المهدي:

أمير المؤمنين فدتك نفـسـي

 

علام حبستني وخرقت ساجي

أقاد إلى السجون بغـير ذنـب

 

كأني بعض عمال الخـراجِ

ولو معهم حبست لهان وجدي

 

ولكني حبست مع الـدجـاج

أمن صهباء، ريح المسك منها

 

ترقرق في الإناء لدى المزاج

عُقارٌ مثل عين الديك صـرف

 

كأن شعاعها لهب الـسـراج

وقد طبخت بنار اللـه حـتـى

 

لقد كنت من النطف النضاج

وقد كانت تحدثني ظـنـونـي

 

بأني من عقابك غـير نـاج

على أني وإن لاقـيت شـراً

 

لخيرك بعد ذاك الشـر راج

فأخرجه ووصله، فلما ولي قال الربيع: أما فهمتَ قوله:

وقد طبخت بنار اللـه حـتـى

 

لقد صارت من النطف النضاج

قال: بلى، فما أراد؟ قال: إنما أراد الشمس، وقال المهدي: ردوه. فردوه فقال: ما أردت بقولك: وقد طبخت بنار الله...

تعني بها الشمس؟ قال: لا ، ولكن نار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، وهي على الربيع موصدة، فضحك منه وأمر بإطلاقه.

وأشعار حماد كثيرة واسعة، وهو من المشهورين.