حدَّثني عبد الكريم بن عبد الرحيم الأنباري قال: حدَّثني إسماعيل العمري قال: رأيت الحسن بن هانئ غلاماً مع والبة بن الحباب صغيراً مليحاً نادراً، يخدمه ويتصرف في حوائجه الخفاف. ووالبة هو الذي أدب أبا نواس. وحدثني محمد بن الهيثم الموصلي قال: حدَّثني العامري وإبراهيم بن عقيل قالا: قال والبة: رأيت إبليس فيما يرى النائم كأنه أتاني فقال لي: ترى غلامك الحسن بن هانئ هذا؟ قلت: ما شأنه؟ قال: إنّ له لشأنا والله لأغوين به أمة محمد عليه السلام، ولألقين محبته في قلوبهم.
ومما يستحسن لوالبة:
أحسن من در ومرجان |
|
آثار إنسان بـإنـسـان |
قد عضه ذو حنق مشفق |
|
وقلبه ليس بغضـبـان |
عاقبني منتقماً جـهـده |
|
وقد جزاني كلّ إحسان |
لو كان يدري أنه محسنٌ |
|
بدل إحساناً بهـجـران |
ولوالبة في المجون والفتك والخلاعة ما ليس لأحد، وإنما أخذ أبو نواس ذلك عنه. ومما روى لوالبة في المجون:
شبيه الفاتك العيار مـثـلـي |
|
نعيم حين يشرب بالبواطـي |
يعاطينا الـزجـاجة أريحـي |
|
رخيم الدل بورك من معاطي |
أقول له على طرب ألطنـي |
|
ولو بمواجر علج نبـاطـي |
فإن الخمر ليس تطيب إلاّ |
|
علي وضر الجنابة باللواط |
وله أيضاً في ذلك:
قد قابلتنـا الـكـئوس |
|
ودابرتنا النـحـوس |
واليوم هـرمـز روز |
|
قد عظمته المجـوس |
لم تخطه في حسـاب |
|
وذاك مما تـسـوس |
ونحن عنـد عـمـيد |
|
قد غاب عنا البسوس |
نعير كأسـاً وكـأسـاً |
|
أوصى بها جالنـوس |
أنـا وجـي عـروس |
|
والكأس أيضاً عروس |
يسقي العروس عروساً |
|
إحداهما الخنـدريس |
حتى إذا ما انتشـينـا |
|
وهـزّنـا إبـلـيس |
رأيت أعجـب شـيءٍ |
|
منّا ونحن جـلـوس |
هذا يقـبّـل هـــذا |
|
وذاك هـذا يبــوس |
وهذا الشعر مما ينحله العامة أبا نواس. وذلك غلط، لأن العامة الحمقى قد لهجت بأن تنسب كل شعر في المجون إلى أبي نواس، وكذلك تصنع في أمر مجنون بني عامر كل شعر فيه ذكر ليلى تنسبه إلى المجنون.
وحدثني اليزيدي قال: حدَّثني أبو سلهب الشاعر قال: كان والبة بن الحباب ماجناً خليعاً. ما يبالي ما قال ولا ما صنع. وكان منزله في آخر زقاق لا منفذ له. فكان إذا أتاه السائل يسأله، ويتركه حتى يطيل ويكثر ولا يجيبه، فإذا علم أنه قد انصرف ومشى إلى طرف الزقاق- والزقاق طويل جداً- فتح بابه ثم ناداه، فيجيبه: لبيك لبيك، يظن أنه قد أخرج له شيئاً، ويقبل نحوه، فإذا قرب منه قال: صنع الله لك.
وحدثت أن المهدي ذكره ذات يوم فقال: ما أشعره وأملح شعره! وهو مع ذلك أديب واسع الحفظ. فقال له بعض من في مجلسه: ما يمنعك من منادمته؟ قال: يمنعني من ذلك قوله:
قلت لساقينا علـى خـلـوة |
|
أدن كذا رأسك من رأسـي |
وادن فضع صدرك لي ساعة |
|
إني امرؤٌ أنكح جـلاسـي |
فتريد أن ينكحنا لا أم لك.