أخبار مطيع بن إياس

حدَّثني محمد بن أحمد الزيادي قال: قال أبو نجد الشاعر:

مدح مطيع بن إياس معن بن زائدة بقصيدة فصيحة جيدة، فلما سمعها معن قال: يا ابن إياس، إن شئت أثبناك، وإن شئت مدحناك، فاستحيا مطيع من اختيار الثواب،

ثناء من أمير خير كسب

لصــاحـب مـغـنـم وأخـي ثــراء

ولكن الزمان بـرى عـظـامي

ومالــي كالــدراهم مــن دواء

وكره اختيار المدح وهو محتاج، فكتب إلى معن هذه الأبي

فلما قرأها معن ضحك وقال: صدق، ما مثل الدراهم من دواء، وأمر له بصلة. وحدثني محمد بن أحمد قال: حدَّثني أبو نجد قال: صار مطيع بن إياس إلى صديقه لحماد عجرد يعاتبها له، وقد كانت هاجرته، وكان مطيع صديقاً لحماد، فأنشأ يقول:

أنت معتلة عليه ومـا زا

 

ل مهيناً لنفسه في رضاك

فقام حماد بين يدي المرأة وقبل رأسه وقال: جزاك الله خيراً من أخ، أفصحت عما في ضميري، وشفيت غليلي. والمرأة تضحك، وحماد يقول لا عدمت منك هذا البر يا أخي، ثم أنشأ مطيع يقول:

فذريه وواصلي ابن إياس

 

جعلت نفسه الغداة فداك

فغضب حماد وقال: يا ابن الفاعلة ما جئت بك على هذا، الحديث لنفسك لا لي فاستفرغت المرأة ضحكاً، ورابطت مطيعاً، وفارقت حماداً، فكاد حماد يجن جنونا وجعل يشكو مطيعاً إلى الناس.

وكان مطيع بن إياس صديقاً ليحيى بن زياد، لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً، ويرى كل واحد منهما بصاحبه الدنيا مودة ومحبة، ثم فسد ما بينهما فتهاجرا، ففي ذلك يقول مطيع:

كنت ويحـي كـيدي واحـد

 

نرمي جميعاً ونرامى معـا

إن عضني الدهر فقد عضـه

 

أو موجع نال فقد أوجـعـا

أو نام نامـت أعـين أربـع

 

منّا، وإن صم فلن أسمـعـا

حتى إذا ما الشيب في مفرقي

 

لاح، وفي عارضه أسرعـا

سعى سعـاة بـينـنـا دائبـاً

 

فكاد حبل الوصل أن يقطعا

فكاد أعداء لـنـا لـم تـزل

 

تطمع في تفريقنا مطمـعـا

حتى إذا استمكن من عثـرة

 

أوقد نيران القلى مسـرعـا

ومما يستحسن من شعره كلمته التي أولها:

فلئن كنت لست تصحـب إلا

 

صاحباً لا تزل ما عاش نعله

لا تجده ولو جهـدت وأنـي

 

بالذي لا يكاد يوجد مثـلـه

إنما صاحبي الذي يغفر الذن

 

ب ويكفيه من أخيه أقـلـه

ليس من يظهر المودة إفكـاً

 

وإذا قال خالف القول فعله

وصله للصديق يومٌ فإن طـا

 

ل فيومان ثم يصرم حبلـه

ومما يستحسن له من غزله قوله:

لقد أحببت جهـد الـح

 

ب ذات الخال والعقد

وتحكي بعد غب الـن

 

وم مطروقاً من الشهد

غزال أحور الـعـين

 

له خالٌ على الـخـد

كأن البدر ذاك الـخـا

 

ل وافى ليلة السعـد

ولمطيع بن إياس شعر كثير في جميع الفنون، وهو أحد الخلعاء المجان، وكان صاحب نوادر، ولو استقصينا كل شاعر واستوعبنا شعره زال الكتاب عن الغرض الذي قصدناه. وتوفي مطيع سنة تسع وتسعين ومائة.