أخبار العماني

واسمه محمد بن ذؤيب، وهو من بني نهشل بن دارم من بني فقيم. حدَّثني أبو مالك عبيد الله بن محمد قال: حدثني بن الرياشي قال: قال الأصمعي: مات العماني وهو ابن ثلاثين ومائة سنة، ولم يكن عمانياً ، وإنما غلب عليه العماني. وكان السبب في ذلك أن دكيناً الراجز نظر إليه وهو يسقي الإبل ويرتجز، فرآه مصفراً ضريراً فقال: من هذا العماني؟ لصفرة وجهه، فلزمه ذلك.

قال الرياشي: قال الأصمعي: دخل العماني على الرشيد لينشده، وعليه قلنسوة طويلة، وخف ساذج، فقال له الرشيد: إياك أن تنشدني إلا وعليك عمامة عظيمة وخفان دلقمان.

فانصرف عنه في اليوم، فلما كان من الغد غدا على الرشيد وقد تزيا بزي الأعراب، ثم أنشده وقبل يده وقال: يا أمير المؤمنين قد والله أنشدت مروان بن محمد فرأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته، ومن قبله يزيد ابن الوليد وإبراهيم بن الوليد، ثم أبا العباس السفاح، مدحته ورأيت وجهه، وقبلت يده وأخذت جائزته، ثم مدحت المنصور ثم المهدي ثم الهادي ثم إلى كثير من أشباه الخلفاء والأمراء والسادة والروساء، والله يا أمير المؤمنين أمير المؤمنين ما رأيت فيهم أبهى منظراً، ولا أحسن وجهاًن ولا أندى راحة منك يا أمير المؤمنين. قال: فأجزل له الجائزة على شعره، وأضعفها على كلامه، وأقبل عليه بوجهه وتبسم له وبسطه، حتى تمنى جميع من حضر من الشعراء والخطباء والبلغاء والوفود الذين عنده أنهم قاموا ذلك المقام. وطار اسم العماني بذلك.

وحدثني حيان بن علي البصري قال: حدثني الرياشي عن الأصمعي قال: كان العماني شاعراً قديماً مفلقاً مطبوعاً مفيداًن وكان جيد الرجز والقصيد غير أن الأغلب عليه الرجز، وكان يصف الفرس فيجيد ويحسن.
ومن قوله في ذلك:

كأن تحت البطن منها أكلبا

 

بيضاً صغاراً ينتهشن القبقبا

ومما يختار له كلمته في المهدي:

الـحـمـد لـلـه الـذي بـحـمـــده

 

من عـلـى عـبـاده بـعـــبـــده

مهـدينـا الـهـادي الـذي بـرشـــده

 

أصـبـح بـين غـوره ونـــجـــده

وكـل حـر يرتـجـي مــن رفـــده

 

فضـل الــذي بـــمـــجـــده

يا بـن الـذي كـان نـسـيج وحـــده

 

أثـبـت لـهـاورن مــكـــان ورده

بمـشـرع يشـفـي الـصـدى بـبـرده

 

وأشفع لنـا مـوسـى بـه مـن بـعـده

يا ابـن أبـيه وشـــبـــيه جـــده

 

يعـرف مـنـه جــده بـــجـــده

حذو الـشـراك قـــده بـــقـــده

 

إنـك إن عـضـدتـه بـعــضـــده

شددت زنـده سـاعــد بـــزنـــده

 

وقـد جـرت كـواكـب بـسـعـــده

قل لـلإمـام وولـــي عـــهـــده

 

رديت مـوسـى بـردهــا فـــرده

خليفة الله بمثل بردهوالحم الأمر له وسده

 

 

عن واجب من حقه وأده

 

وادعـم لـنـا أركـان مـصـلـخــده

بمـنـكـبـيه يدفـعـا عـن ضـــده

 

وعن عـرا الـمـلـك وعـن مـقـوده

بالبيض تـتـرى خـلـقـاً مـن سـرده

 

والـخـير لا يعـرف مـا لـم تـبــده

كالـسـيف لا تـعـرفـه فـي غـمـده

 

حتـى تـرى بـصـائراً مـن حـــده

ضربـا يزيل الـهـام عـــن ألـــده

 

وما علـى الـنـاصـح فـوق جـهـده

ومما يستحسن له كلمته في الرشيد:

لما أتانا خبر كـالـشـهـد

 

شبت بماء نقرة صـلـنـد

جاءت به البرد وغير البرد

 

ودعت هنداً وقطين هـنـد

وكنت في سلوة عيش رغد

 

مع الحسان الخفرات الخرد

فجئت من حنظـلة وسـعـد

 

اطوي الـديامـيم بـسـير أدّ

على بنات الأرحبي الـوخـد

 

بكل نـشـز وبـكـل وهـد

إلى امرئ له أبـاد عـنـدي

 

واجـبة الـحـق ولــم أود

حقوقها ولو جهدت جـهـدي

 

هارون يا فرخ فروع المجـد

ويا ابن أشياخ الحطيم التـلـد

 

القائمين الليل بعـد الـرقـد

لله يرجون جنـان الـخـلـد

 

أنت الذي عند اصطكاك الورد

لما خشيت بغي أهل الحـشـد

 

وكدت كل حاسد صـلـخـد

شددت زند سـاعـد بـزنـد

 

ببيعة تشفي غلـيل الـكـبـد

يا بردها للمشتفي بـالـبـرد

 

أصبحت للإسلام خير عضـد

وللمطـيع عـسـلاً بـزبـد

 

لما قدمت ببين باقي الجـنـد

في وفد بيت اللـه خـير وفـد

 

قالت قريش وهي أخت حتـد

جاء الغنى ووثقوا بـالـرفـد

 

عن ملـك نـائلـه لا يكـدى

يعطي الجزيل ويفي بالـوعـد

 

كأنما سيمتـه فـي الـبـرد

بين كهول هاشـم والـمـرد

 

بدر بدا بين نجوم الـسـعـد

ومما يستحسن له ويختار قوله:

لا يستوي مـنـعـم بـنـدار

 

له قـيان ولـه حـمـــار

مقصص قصصه البـيطـار

 

يطيف في السوق به التجـار

وعـربـي بـرده أطـمـار

 

يظل في الطرف له عـثـار

قد نصلت من رجله الأظفـار

 

يأوي إلى حصـن لـه أوار

أحدب قد مال لـه الـجـدار

 

لا درهـم فـيه ولا دينــار

يأكل هزلي الفار فيه الـفـار

 

في بلدة عال لها الـغـبـار

ليس على كهل بـهـا وقـار

 

مثل الشياطين إذا استـثـاروا

لهـم دنـان ولـهـم جـرار

 

وفاشفـارات لـهـا قـتـار

في اليسر لا يطمع فيه الجار

 

 

ومما يستحسن له هذه الأبيات:

يا رب شيخ عرق الجبين

 

يغدو ببغذاذ مع الغـادين

بعارضيه شبه الطـحـين

 

وليس في دنيا ولا لـدين

وواقف في متواقـفـين

 

بباب كل مخصب بطين

في ثوب قوهي وثوب لين

 

إذا دعا لجمل سـمـين

وفاشفارات مع الطردين

 

حاسر كفين بفـارحـين

هانت عليه حاجة المسكين وله أشياء حسان كثيرة، وكان يوزن بالعجاج ورؤبة، بل كان أطيع منهما. وكان من أقرانهما في السن والزمان، وأقران دكين وأبي النجم العجلي، إلا أنه عاش وبقي حتى أدرك أيام الرشيد، وقد امتدح الحجاج بن يوسف.