حدثني عبد
الله بن محمد الخزري قال: حدَّثني التوزي قال: قلت لأبي عبيدة: ما تقول في
شعر ابن مطير؟ قال: إنه ليقع من شعره الشيء بعد الشيء فيكثر تعجبي من كثرة
بدائعه، فإذا لقيته فأعلمه أن شعره من أعجب الشعر إليّ.
ومما قال:
كأننا يا سليمى لـم نـلـم بـكـم |
|
وتحتنا عـلـسـيات مـلاجـيج |
ولم نكلمك في الحساد قد حضروا |
|
وفي الكلام عن الحاجات تلحـيج |
ولم نقل يوم سارت عيسكم عنقـاً |
|
والدوسري بجذب الساج مجروج |
: سقى سقى الله جيرانا لنا ظعنوا |
|
لما دنا من رياض الحزن تهـييج |
لم أخش بينهم حتى غدوا حـزقـاً |
|
واستوسقت بهم البزل العناجـيج |
فاحتث من خلفهم حاديهم غـردا |
|
وجددت دون من تهوى الهواديج |
تلكم دياركـم بـالـقـف دارسة |
|
يستن فيها عجاج الصيف والهوج |
قفراً خلاء المغاني ما يظل بهـا |
|
إلا الظباء وغربان مـشـاحـيج |
فيها أوار وآثار لعـرصـتـهـا |
|
وماثل ناحل في الدار مشجـوج |
دار لناعمة بيضاء، حـلـتـهـا |
|
عصب يمان وبرد فيه تـدبـيج |
ومورد آجن سـدم مـنـاهـلـه |
|
كأن ريق الدبى فيهن ممجـوج |
زارتك سلمة والظلمـاء داجـية |
|
والعين هاجعة والروح معروج |
فمرحباً بك من طيف ألـم بـنـا |
|
وليس يا سلم بي في السلم تحريج |
هل يدنينك من سلمى وجيرتـهـا |
|
قلائص أرحبـيات خـراجـيج |
هدل المشافـر أيديهـا مـوثـقة |
|
زج وأرجلهـا زل، هـزالـيج |
قالت: تغيرت عن ودي فقلت لها: |
|
لا والذي بيته يا سلم محـجـوج |
ما أنس لا أنس منكم نظرة سلفت |
|
في يوم عيد ويوم العيد مخروج |
فهذا، كما ترى، شعر كأنه الديباج، بل نظم الدر في حسن وصف، وإحكام رصف وهو الذي يقول:
نزل المشـيب فـمـا يريد بـراحـا |
|
وقضى لبانته الشـبـاب فـراحـا |
لا تـبـعـدن مـن ألـيل ذي لـذة |
|
وغضارة تدع المراض صحـاحـا |
ما كنت بائعـه بـشـيء يشـتـرى |
|
أبداً ولو أنـي أصـبـت ربـاحـا |
فعلى الشـبـاب تـحـية مـن زائر |
|
يغدو ويطـرق لـيلة وصـبـاحـا |
وبـنـازل لـمــا أراد إقـــامة |
|
أهـلاً، أراد مـروءة وصـلاحـا |
فدع الشباب فقد مضى بـسـبـيلـه |
|
وانظر بعينـك بـارقـاً لـمـاحـا |
ما زال يدفعه الصبا دفـع الـطـلا |
|
من لعلـع حـتـى أضـاء ولاحـا |
جون الرباب عصى الرياح على الربا |
|
متبركا من فـوقـهـا إلـحـاحـا |
فعلى كحيل بني فنان عـلـى الـذرا |
|
حوا ودهما يسـتـردن بـطـاحـا |
وكأن أصوات الحـجـيج عـشـية |
|
يبغون بالصوت الـرفـيع فـلاحـا |
فيه، وأصـوات الـروائم فـارقـت |
|
أولادها فلجـجـن بـعـد رواحـا |
يغشى الوحوش بمرسل مـن مـائه |
|
مثل الزقـاق مـلأتـهـن رياحـا |
وترى صفوف الوحش في حافاتهـا |
|
كثمود يوم رغا الفصيل فـصـاحـا |
وكأن يثـرب إذ عـلاهـا وبـلـه |
|
بلد ثغـوت أهـلـهـا لـبـياحـا |
ومما يستحسن له كلمته التي يقول له:
لقد كنت جلدا قبل أن يوقد الهـوى |
|
على كبدي ناراً بطيئاً خمـودهـا |
ولو تركت نار الهوى لتضرمـت |
|
ولكن شوقاً كـل يوم وقـودهـا |
فقد جعلت في حبة القلب والحشـا |
|
عهاد الهوى تولي بشوق يزيدهـا |
وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي |
|
إذا قدمت أيامهـا وعـهـودهـا |
لمرتجة الأرداف هيف خصورها |
|
عذاب ثناياها عجـاف قـيودهـا |
وصفر تراقيها وحمر أكـفـهـا |
|
وسود نواصيها وبيض خـدودهـا |
يمنيننا حتـى تـرف قـلـوبـنـا |
|
رفيف الخزامى تحت طل يجودها |
وفيهن مقلاق الوشـاح كـأنـهـا |
|
مهاة بسـران طـوال قـدودهـا |
مخصرة الأطراف زانت عقودها |
|
بأحسن مما زينتهـا عـقـودهـا |
ومما يستحسن له قوله:
خليلي من عمرو قفا فـتـعـرفـا |
|
لسهمة دار بين لـينة والـحـبـل |
وفيهن مقلاق الوشاحـين طـفـلة |
|
مبتلة الأطراف ذات شـوى خـدل |
حصان لها لونان جـون وواضـح |
|
وخلقان شيء من لطيف ومن عسل |
وسنتها بيضاء واضـحة الـسـنـا |
|
وذروتها مسودة الفـرع والأصـل |
فيا عجباً مني ومن حب قـاتـلـي |
|
كأني أجازيه المودة عن قـتـلـي |
ومن غنيات الحب أن كان أهلـهـا |
|
أحب إلى قلبي وعيني من أهلـي |
ومن السائر المجاز لابن مطير كلمته في وصف السحاب والمطر- وكان من أحذق الشعراء بذلك وهي قوله:
كثرت لكثرة قطره أطـبـاؤه |
|
فإذا تحلب فاضت الأطـبـاء |
وكجوف ضرته التي في جوفه |
|
جوف السحاب سبحلة جوفاء |
وكأن بارقه حريق يلـتـقـي |
|
ريح علـيه عـرفـج وألاء |
مستعبر بمدامع مستضـحـك |
|
بلوامع لم تمـرهـا الأقـذاء |
وله بلا حزن ولا بـمـسـرة |
|
ضحك يراوح بينه وبـكـاء |
لو كان من لجج السواحل ماؤه |
|
لم يبق في لجج السواحل ماء |
وكان سبب هذه القصيدة أن والياً كان على المدينة، دخل عليه ابن مطير- وكان قيل له: هذا أشعر الناس- فأراد أن يختبره، فقال له: قد نشأت سحابة مكفهرة يا ابن مطير، فقل فيها، فقد أرسلت عزاليها فقال هذه القصيدة التي أثبتنا منها هذه الأبيات.
ومما يختار له قوله:
خليلي هذي زفرة اليوم قد مضت |
|
فما بعد مي زفرة قد أطـلـت |
ومن زفرات لو قصدن قتلننـي |
|
تقض التي تأتي التي قد تولـت |
ومما يستحسن قوله:
وكنت أذود العين أن ترد البـكـا |
|
فقد وردت ما كنت عنه أذودها |
خليلي ما في العيش عتب لو أنني |
|
وجدت لأيام الصبا منن يعيدهـا |
وهو من المكثرين المجيدين المعروفين، وحسبنا ما أوردناه من أخباره دليلاً على سائر نمطه.