أخبار الحسين بن مطير

حدثني عبد الله بن محمد الخزري قال: حدَّثني التوزي قال: قلت لأبي عبيدة: ما تقول في شعر ابن مطير؟ قال: إنه ليقع من شعره الشيء بعد الشيء فيكثر تعجبي من كثرة بدائعه، فإذا لقيته فأعلمه أن شعره من أعجب الشعر إليّ.
ومما قال:

كأننا يا سليمى لـم نـلـم بـكـم

 

وتحتنا عـلـسـيات مـلاجـيج

ولم نكلمك في الحساد قد حضروا

 

وفي الكلام عن الحاجات تلحـيج

ولم نقل يوم سارت عيسكم عنقـاً

 

والدوسري بجذب الساج مجروج

: سقى سقى الله جيرانا لنا ظعنوا

 

لما دنا من رياض الحزن تهـييج

لم أخش بينهم حتى غدوا حـزقـاً

 

واستوسقت بهم البزل العناجـيج

فاحتث من خلفهم حاديهم غـردا

 

وجددت دون من تهوى الهواديج

تلكم دياركـم بـالـقـف دارسة

 

يستن فيها عجاج الصيف والهوج

قفراً خلاء المغاني ما يظل بهـا

 

إلا الظباء وغربان مـشـاحـيج

فيها أوار وآثار لعـرصـتـهـا

 

وماثل ناحل في الدار مشجـوج

دار لناعمة بيضاء، حـلـتـهـا

 

عصب يمان وبرد فيه تـدبـيج

ومورد آجن سـدم مـنـاهـلـه

 

كأن ريق الدبى فيهن ممجـوج

زارتك سلمة والظلمـاء داجـية

 

والعين هاجعة والروح معروج

فمرحباً بك من طيف ألـم بـنـا

 

وليس يا سلم بي في السلم تحريج

هل يدنينك من سلمى وجيرتـهـا

 

قلائص أرحبـيات خـراجـيج

هدل المشافـر أيديهـا مـوثـقة

 

زج وأرجلهـا زل، هـزالـيج

قالت: تغيرت عن ودي فقلت لها:

 

لا والذي بيته يا سلم محـجـوج

ما أنس لا أنس منكم نظرة سلفت

 

في يوم عيد ويوم العيد مخروج

فهذا، كما ترى، شعر كأنه الديباج، بل نظم الدر في حسن وصف، وإحكام رصف وهو الذي يقول:

نزل المشـيب فـمـا يريد بـراحـا

 

وقضى لبانته الشـبـاب فـراحـا

لا تـبـعـدن مـن ألـيل ذي لـذة

 

وغضارة تدع المراض صحـاحـا

ما كنت بائعـه بـشـيء يشـتـرى

 

أبداً ولو أنـي أصـبـت ربـاحـا

فعلى الشـبـاب تـحـية مـن زائر

 

يغدو ويطـرق لـيلة وصـبـاحـا

وبـنـازل لـمــا أراد إقـــامة

 

أهـلاً، أراد مـروءة وصـلاحـا

فدع الشباب فقد مضى بـسـبـيلـه

 

وانظر بعينـك بـارقـاً لـمـاحـا

ما زال يدفعه الصبا دفـع الـطـلا

 

من لعلـع حـتـى أضـاء ولاحـا

جون الرباب عصى الرياح على الربا

 

متبركا من فـوقـهـا إلـحـاحـا

فعلى كحيل بني فنان عـلـى الـذرا

 

حوا ودهما يسـتـردن بـطـاحـا

وكأن أصوات الحـجـيج عـشـية

 

يبغون بالصوت الـرفـيع فـلاحـا

فيه، وأصـوات الـروائم فـارقـت

 

أولادها فلجـجـن بـعـد رواحـا

يغشى الوحوش بمرسل مـن مـائه

 

مثل الزقـاق مـلأتـهـن رياحـا

وترى صفوف الوحش في حافاتهـا

 

كثمود يوم رغا الفصيل فـصـاحـا

وكأن يثـرب إذ عـلاهـا وبـلـه

 

بلد ثغـوت أهـلـهـا لـبـياحـا

ومما يستحسن له كلمته التي يقول له:

لقد كنت جلدا قبل أن يوقد الهـوى

 

على كبدي ناراً بطيئاً خمـودهـا

ولو تركت نار الهوى لتضرمـت

 

ولكن شوقاً كـل يوم وقـودهـا

فقد جعلت في حبة القلب والحشـا

 

عهاد الهوى تولي بشوق يزيدهـا

وقد كنت أرجو أن تموت صبابتي

 

إذا قدمت أيامهـا وعـهـودهـا

لمرتجة الأرداف هيف خصورها

 

عذاب ثناياها عجـاف قـيودهـا

وصفر تراقيها وحمر أكـفـهـا

 

وسود نواصيها وبيض خـدودهـا

يمنيننا حتـى تـرف قـلـوبـنـا

 

رفيف الخزامى تحت طل يجودها

وفيهن مقلاق الوشـاح كـأنـهـا

 

مهاة بسـران طـوال قـدودهـا

مخصرة الأطراف زانت عقودها

 

بأحسن مما زينتهـا عـقـودهـا

ومما يستحسن له قوله:

خليلي من عمرو قفا فـتـعـرفـا

 

لسهمة دار بين لـينة والـحـبـل

وفيهن مقلاق الوشاحـين طـفـلة

 

مبتلة الأطراف ذات شـوى خـدل

حصان لها لونان جـون وواضـح

 

وخلقان شيء من لطيف ومن عسل

وسنتها بيضاء واضـحة الـسـنـا

 

وذروتها مسودة الفـرع والأصـل

فيا عجباً مني ومن حب قـاتـلـي

 

كأني أجازيه المودة عن قـتـلـي

ومن غنيات الحب أن كان أهلـهـا

 

أحب إلى قلبي وعيني من أهلـي

ومن السائر المجاز لابن مطير كلمته في وصف السحاب والمطر- وكان من أحذق الشعراء بذلك وهي قوله:

كثرت لكثرة قطره أطـبـاؤه

 

فإذا تحلب فاضت الأطـبـاء

وكجوف ضرته التي في جوفه

 

جوف السحاب سبحلة جوفاء

وكأن بارقه حريق يلـتـقـي

 

ريح علـيه عـرفـج وألاء

مستعبر بمدامع مستضـحـك

 

بلوامع لم تمـرهـا الأقـذاء

وله بلا حزن ولا بـمـسـرة

 

ضحك يراوح بينه وبـكـاء

لو كان من لجج السواحل ماؤه

 

لم يبق في لجج السواحل ماء

وكان سبب هذه القصيدة أن والياً كان على المدينة، دخل عليه ابن مطير- وكان قيل له: هذا أشعر الناس- فأراد أن يختبره، فقال له: قد نشأت سحابة مكفهرة يا ابن مطير، فقل فيها، فقد أرسلت عزاليها فقال هذه القصيدة التي أثبتنا منها هذه الأبيات.

ومما يختار له قوله:

خليلي هذي زفرة اليوم قد مضت

 

فما بعد مي زفرة قد أطـلـت

ومن زفرات لو قصدن قتلننـي

 

تقض التي تأتي التي قد تولـت

ومما يستحسن قوله:

وكنت أذود العين أن ترد البـكـا

 

فقد وردت ما كنت عنه أذودها

خليلي ما في العيش عتب لو أنني

 

وجدت لأيام الصبا منن يعيدهـا

وهو من المكثرين المجيدين المعروفين، وحسبنا ما أوردناه من أخباره دليلاً على سائر نمطه.