أخبار العنبري الأصبهاني

حدثني وائل بن يشكر قال: حدثنا خشنام بن أحمد قال:

لما قال علي بن عاصم العنبري أرجوزته التي يهجو فيها أهل الماهيات، وأنشدها أبا دلف:

 

 

لقد أتتكم وائل بعير

 

يحمـلن أوقاراً مـن الأيور

أيرين أيرين على بعير

 

أعيت على البغال والحـمـير

فلما بلغ المنشد هذا البيت:

مرت على الكرج ولم تعرج

قال: اسكتوا حتى يجوزكم.

وكان علي بن عاصم هذا من الشعراء المجيدين. وكان يسكن الجبل. وكان قد دخل العراق ومدح ملوكها. ولو أقام بها لخضعت له رقاب الشعراء، فإنه كان محاسن شعر من مسلم وأبي الشيص وطبقتهما، وهو صاحب القصيدة اللامية التي ليس لأحد مثلها:

نُحِرَتْ جمالكم على الأطلال

كم تتبعوني وقفة الأحـمـالِ

كم تعذلوني قد حشـوت مسامعي

فسددتها عن نـغمة العـذال

كم تعنفون على الذين صدورهم

طويت على الزفرات والبلبال

مطرت خدودهم سحاب شـئونهم

فعفـت طلولهم مع الأطلال

فتكاد تبدؤهم لطول وقوفهـم

في المنزل الأطلال بالتـسآل

بعـث الرحيل بصبره أيدي سبا

حين الحسان برزن للتـرحـال

زم العزاء غـداة زم مـطيهـم

فحدا الحـداة به مع الأجمـال

بيض سلبن مها الصريم عيوهـا

ومن الصريم مآكم الأكـفــال

قضب على كثب تـقـل أهـلّة

تركت أهلتنـا بغـير جـمـال

أخذت لنا أهب البعاد وقربت

آجالنـا بـمحاجر الآجـــال

من كل بهكنة يريك سفـورهـا

قرن الـغـزالة فوق جيد غزال

غصت خلاخلها وجال نطاقهـا

ونطاقها فأقل من خلـخـــال

قطع الحوادث وصلهن بريبـهـا

فكأنما قطعـن مـن أوصالـي

سقـيا لأيام مضين سـوالـفــا

قصر الحبائب طولـهـا بوصال

ما كان طول سرورها لما انقضت

إلا اكتحال متـيم بخيال

والحادثات متى فغرن لغصتي

ألقمتهـن شجى بوخد جـمـال

ونضوت سربال المفارز بالسـرى

وجعلت أردية الدجى سـربـالي

ونشرت من حبر القـصائد يمنة

نجمت أهلتها على ابـن هــلال

فالـشعر لـيس بنافـع أو يرتدي

ألي وألّ مـطيتـي بــــالآل

والنجع في كنف الدروب مقـيلـه

لا في مقيلك عن بنـي الأقـبـال

قطع التنائف وصل ما أمـلـته

فصل الغدو بـها إلى الآصــال

بأبي معاذ فاسـتـعذ بـل جـوده

لك عوذة من لـزبة الإمحـــال

رد لجة المعروف ترو بفـيضـه

حتام أنت تـحوم في الأوشــال

قل يا عبيد الله يا بن هـلالـه

تزل الحوادث عنـك كـل مـزال

ملك ترى الأمـلاك عنـه إذا بدا

خولاً من الإعظـام والإجــلال

مغناه مصرع أجمل وأيانـق

وذراه مطرح أحلس ورحــال

ونداه معـروف تـدفق حـولـه

لجج من الإنعـام والإفـضـال

وإذا الكماة تخالسـوا مهجاتهـم

ضرباً بكل مـهـنـد قـصـال

وحسبـت غمغمة الفوارس في الوغـى

زأر الأسود زأرن فـي الأغـيال

صنعـت بأرواح العداة سيوفـه

ما كان يصنع جوده في المـال

نفـسي فـداؤك أي ليث كريهة

ندعو به والمعلـمـون: مَـزَال

والخيل قاصدة على قصد الفـتـى

نحو الحتوف كأنهن متـالــي

مدت سنابكها علـيه سـرادقـاً

نسجت مضاربه من القسـطـال

في حومة ما إن يبين من الوغى

إلا: هلا في زجرهن وهال

ليل من الغمرات أنت سراجه

ونجومه هندية وعـوالــي

بيض وسمر إن عرين تسربلت

بدل الجفون جماجـم الأبـطال

أوردتهن تواضعاً لجج الردى

فصدرن في قمص من الجريال

أضحكت سن الدين بعد عبـوسه

في فرسجين وقـيعة الضـلال

غادر أيام الـضلال ليالــياً

ولياليَ الإسـلام غير لـــيال

والدين متزراً بثوب جمالــه

والكفر متزراً بثـوب نـكــال

كان كماتـهـم لـديك عـانة

لعبـت بهن بـراثـن الـرئبـال

شبهت يومك يوم حجـر وصنوه

عمرو صبيحة ليلة الأجـبــال

ما ضر دارم يوم قمت بمـجدها

أن لا تقوم مجاشع بـجــلال

بأبي وأمي أنتـم مـن معشــر

بكـم الملاذة سـاعة الزلـزال

من يعتصم بقراه في مثـلهــا

يلقِ العصا بمـعاقـل الأوعـال

أُسدٌ متى ندبت ليوم كريهة

أدرْن في غيل من الآسـال

وإذا الكماة تنازلوا ألفـيتـهـم

 كالأُسدِ حانية على الأشـبـال

لولا محاسن من علاهم لم تسر

 في الخافقين محاسن الأمثـال

يا من تكفل بأسهم وسمـاحـه

للناس بالإكـثـار والإقـلال

لما خلعـت أعـنة الأمـوال

 عطفت عليك أعـنة الآمـال

أين المحيص لحازم أو عـازم

  عند النوائب عنك يا ابن هلال

وجناب دارك مسكن الآمـال

 وغرار سيفك مسكن الآجـال

ومما يستحسن من شعر العنبري كلمته:

سببت لي مـن حـاجـتـي سـبـبـاً

 

بجـمـيل رأيك يا أخـا الـبـــذلِ

حتـى إذا وطـأت أوعـــرهـــا

 

ومن أخرى: دفعتها في الموضع السهل

أرجـأتـهـا فـكـأنـهـا وقـعـت

 

مكسورة الرجـلـين فـي الـوحـل

وشعر علي بن عاصم أكثره مختار. وهو أحد المعدودين.