حدثني الخصيب بن محمد الكوفي قال: حدثني ابن العلاف قال: مر أعرابي بأبي الشمقمق الشاعر فقال له: يا أعرابي. قال: ما تشاء؟ قال: أتقول الشعر؟ قال: بعضه، قال: خذ هذا الدرهم واهجني. قال: فأطرق الأعرابي هنيهة ثم قال: ما رأيت أحداً يشتري الهجو بالثمن غيرك قال: وما أخذ. قال الأعرابي:
مررت بأير بغل مسـبـطـر |
|
فويق الباع كالحبل المـطـوق |
فما إن زلت أعركه بـكـفـي |
|
إلى أن صار كالسهم المفـوق |
فلما أن طغـى وربـا وأنـدى |
|
ضربت به حر أم أبي الشمقمق |
أزيدك، أم كفـاك؟ وذاك أنـي |
|
رأيتك في التجارة لم تـوفـق |
فقال أبو الشمقمق: أعوذ بالله من الشقاء، ما كان أغناني عن هذه التجارة.
حدثني محمد بن يزيد قال: جعفر بن إسحاق المهلبي قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول: ماتت ابنة عم للمنصور، فحضر المنصور دفنها، فلما صار على شفير القبر إذا هو بأبي الشمقمق. فقال له: ما أعددت لهذا الموضع؟ قال: ابنة عم أمير المؤمنين. فضحك المنصور في ذلك الموضع، على أنه قليل الهزل، وقد روى بعض الناس أن هذا الكلام لأبي دلامة مع المنصور.
ومما يروي له ويستحسن قوله:
عاد الشمقمق في الخسارة |
|
وصبا وحنّ إلـى زراره |
من بعد ما قـيل ارعـوي |
|
وصحا لأبواب الشطـارة |
من قـهـوة مـسـكـية |
|
واللون مثل الجـلـنـارة |
تدع الحلـيم بـلا نـهـى |
|
حيران ليس بـه إحـاره |
ولربمـا غـنـى بـهـا |
|
يا جارتا ما كنـت جـاره |
يا أيها الـمـلـك الـذي |
|
جمع الجلالة والـوقـاره |
ورث المكارم صـالـحـاً |
|
والجود منه والعـمـاره |
إني رأيتك فـي الـمـنـا |
|
م وعدتني منك الـزياره |
فغدوت نحـوك قـاصـداً |
|
وعليك تصديق العـبـاره |
أني أتـانـي بـالـنـدى |
|
والجود منك إلى البشـاره |
إن العـيال تـركـتـهـم |
|
بالمصر خبزهم العصاره |
وشرابهم بـول الـحـمـا |
|
ر مزاجه بول الحمـاره |
ضجوا فقلت تـصـبـروا |
|
فالنجح يقرن بالصـبـاره |
حتـى أزور الـهـاشـم |
|
ي أخا الغضارة والنضارة |
ولقد غدوت ولـيس لـي |
|
إلا مديحك من تـجـاره |
وله أيضاً:
ما جمع الناس لدنـياهـم |
|
أنفع في البيت من الخبز |
والخبز باللحم إذا نلـتـه |
|
فأنت في أمن من الترز |
والقلز من بعد على إثره |
|
فإنما اللذات في القلـز |
وقد دنا الفطر وصبياننـا |
|
ليسوا بذي تمـر ولا أرز |
وذاك أن الدهر عاداهـم |
|
عداوة الشاهين لـلـوز |
كانت لهم عنز فأودي بها |
|
وأجدبوا من لبن العـنـز |
فلو رأوا خبزاً على شاهق |
|
لأسرعوا للخبز بالجمـز |
ولو أطاقوا القفز ما فاتهم |
|
وكيف للجائع بالقـفـز |
وله أيضاَ:
الحمد للـه شـكـراً |
|
أمشي ويركب غيري |
قد كنت آمل طرفـا |
|
فصرت أرضى بعير |
ليت الأيور دواب |
|
فكنت أركـب أيري |
لم ترض نفسي بهـذا |
|
يا رب منك لـخـير |
وله يهجو ابن البختكان، وكان خبيث الهجاء:
ومحتجب والنـاس لا يقـربـونـه |
|
وقد مات هزلاً من ورا الباب حاجبه |
إذا قيل: من ذا مقبلاً؟ قـيل: لاحـدٌ |
|
وإن قيل: من ذا خلفه؟ قيل كاتبـه |
ومما يستحسن قوله:
يبس اليدين فما يسطيع بسطهـمـا |
|
كأن كفيه شدا بـالـمـسـامـير |
عهدي به آنفاً في مربـط لـهـم |
|
يكسكس الروث عن نقر العصافير |
وله في بعضهم:
وإبطك قابض الأرواح يرمي |
|
بسهم الموت من تحت الثياب |
شرابك في الشراب إذا عطشنا |
|
وخبزك عند منقطع التـراب |
وما روحتنا لـتـذب عـنـا |
|
ولكن خفت مرزئة الذبـاب |
وله:
ذهب الموال فـلا مـوا |
|
ل وقد فجعنا بالـعـرب |
إلا بـقـايا أصـبـحـوا |
|
بالمصر من قشر القصب |
بالقول بـذوا حـاتـمـاً |
|
والعقل ريح في القـرب |
وشعر أبي الشمقمق نوادر كله.
ولما ولي المأمون خالد بن يزيد بن مزيد الموصل خرج معه أبو الشمقمق، فلما كان وقت دخوله البلد اندق اللواء، فتطير خالد لذلك، واغتم غما شديداً، فقال أبو الشمقمق فيه:
ما كان مندق اللـواء لـريبة |
|
تخشى ولا سبب يكون مزيلاً |
لكن رأى صغر الولاية فانثني |
|
متقصداً لما استقل الموصلا |
وكتب أصحاب الأخبار بذلك إلى المأمون، فولى خالداً ديار ربيعة كلها، وكتب إليه: هذا الاستقلال لوائك ولاية الموصل. وأحسن إلى أبي الشمقمق، ووصله بعشرة آلاف درهم. وتوفي أبو الشمقمق في حدود الثمانين ومائة.