أخبار إسحاق بن إبراهيم الموصلي

حدثني محمد بن حبيب البصري قال: حدثني إبراهيم بن حيان قال: كان إسحاق بن إبراهيم الموصلي فقيراً، ثم إنه كثر ماله واشترى بالبصرة شيئاً كثيراً من أرض النخل، وتحول إليها. وخد خمسة من الخلفاء بظرفه وأدبه وبراعته في صناعته، فلما أفضت الوزارة إلى علي بن هشام كتب إليه كتاباً لطيفاً يسأله اللحاق به، فلما قرأ إسحاق الكتاب ساءه ذلك، لأنه كان قد ضعف عن الخدمة، واشتغل بما فيه من المال، فكتب إليه: قدم إلي- أيدك الله- أبو نصر بكتاب منك، يرتفع عن قدري، ويقصر عنه شكري، فلولا ما عرفت من معانيه، لقلت: غلط بي فيه، فما لنا ولك يا أبا عبد الله، تركتنا حتى إذا نسينا الدنيا وأبغضناها، وأقبلنا على الِآخرة وآثرناها، ورجونا السلامة منها، أفسدت علينا قلوبنا، وعلقت بها أنفسنا وزينتها في أعيننا، وحببتها إلينا بما تجدده من أياديك التي يقصر عنها كل عيش ورخاء نعمة، ويكدر مع شرورها كل سرور، فبم هذا- أيدك الله- وأما ما ذكرت من شوقك إلينا، فلولا أنك حلفت عليه لقلنا:

يا من شكا عبثاً إلينا شـوقـه

 

شكوى المحب وليس بالمشتاقِ

لو كنت مشتاقاً إلي تـريدنـي

 

ما طبت نفساً ساعةً بفراقـي

وحفظتن حفظ الخليل خليلـه

 

ووفيت لي بالعهد والميثـاق

هيهات، قد حدثت أمور بعدنـا

 

وشغلت باللذات عن إسحـاق

وقد تركت- أدام الله عزك، وأطال بقاءَك- ما كرهت من العتاب وغيره، وقلت أبياتاً لا أزال أخرج بها إلى ظهر المربد وأتنسم أرواحكم فيه ثم يكون، الله أعلم بنا. وهي هذه.

ألا قد أرى أن الثوى قلـيل

 

وأن ليس يبقى للخليل خليلُ

 

وإني وإن مليت في العـيش حقـبة

 

كذي سفر قد حان منه رحيلُ

فهل لي إلى أن تنظر العين نظرةً

 

إلى ابن هشام في الحياة سبيل

فقد كدت ألقى المنايا بحسرة

 

وفي النفس منه حاجة وغليل

           

وأما بعد، فإني أعلم أنك وإن لم تَسَلْ عن حالي تحب أن تعلمها، وأن تأتيك عني سلامة، وأنا يوم كتبت إليك سالم النفس مريض القلب.

وكان في الكتاب رقة فيها: أنا في صنعة كتاب مليح ظريف، فيه تسمية القوم وأنسابهم وبلادهم وأزمنتهم وطبقاتهم وبعض أحاديثهم، وأحاديث قِيان الحجاز والكوفة والبصرة المعروفات بها، المذكورات، وما قيل فيهن من الأشعار، ولمن كن، وإلى من صرن ومن كان يغشاهن، ومن كان يُرَخِّص في لاغناء من الفقهاء والأشراف، فأعلمني رأيكما تشتهي لأعمل على قدره إن شاء الله تعالى.