حدثني المالكي عبد الله بن إبراهيم قال: حدثني محمد بن عمران قال: مضيت أنا والوليد وابن الدرقي الشاعر- وهو مولى عبد الله بن مالك ابن يزيد- إلى باب الطاق يوماً من الأيام، فتلقانا أبو الينبغي الشاعر، فمن قبل أن تصل إليه. قال لي ابن الدورقي، هل لك في أن نسخر من أبي الينبغي ساعة؟ فقلت لا تفعل، فإنه سريع الفحش، جيد البديهة خبيث اللسان. فقال: وما عسى أن يقول؟ الله ما هجاؤه بشيء. ولكن إذا دنونا منه فقل هذين الحرفين:
عجوز أبي الينبغي |
|
عجوز سوء بغي |
فلما قربنا منه قلت ذلك. فنظر إلى ابن الدورقي نظر مغضب- وقد علم أن ذلك من فعله والبيت من قوله- فقال على بديهته من غير أن يتفكر:
وأير أبي الينبـغـي |
|
من أمك في المبزغ |
وأشار بيده إلى أبن الدورقي. قال: فنظرت إليه وقد أصفر لونه. فقلت: ألم أنهك أن تفعل؟ قال: فأين الشقاء؟ ومما يستملح لأبي الينبغي قوله:
صبراً على الذل والصغار |
|
يا خالق الليل والنـهـار |
كم من حمار على جـواد |
|
ومن جواد بلا حـمـار |
وطار له البيت الثاني في الآفاق ولهج الناس به. فهو ينشد في كل مجلس ومحفل وسوق وطريق. وإنما يرزق البيت من الشعر ذلك إنه كان جيد المعنى، عذب اللفظ، خفيفاً على اللسان.
ومما يستملح له هجوه لرجاء بن الضحاك على سخف لفظه- وإنما تعمد ذلك ليسبق إليه العامة والصبيان فيروونه- وفيه يقول:
ورجاء الجـرجـرائي |
|
لو درى ما حسن رائي |
لخباني في حـر أمـه |
|
وقعد فـيمـن ورائي |
وله في آل برمك:
إنما الدنيا كـبـيض |
|
عملوه نـيمـرش |
فحشاه البرمـكـيو |
|
ن وقال الناس كشن |
ومما سار له في الدنيا ورواه كل أحد لخفته على الأفواه قوله:
لا يا ملك النـاس |
|
وخير الناس للناس |
أتنهاني عن الـنـاس |
|
فأغنيني عن النـاس |
وإلا فـدع الـنـاس |
|
ودعني أسأل النـاس |
فهل سمعت في الناس |
|
بشعر كله الـنـاس |
وكان أبو الينبغي سريعاً إلى أعراض الناس، يهجوهم ويقطعهم. ولما هجا الفضل بن مروان حبسه بعد أن أغرى به الواثق، وأنهى إليه أنه هجاه، فبقي في السجن حتى مات، وكان يجري عليه في السجن أجراً تاماً حسناً.
وقال أبو هفان: دخلت على أبي الينبغي وهو محبوس فقلت له: ما كانت قصتك؟ قال: أنا أبو الينبغي، قلت مالا ينبغي، فحبست حيث ينبغي.
قال أبو هفان: عرض أبو الينبغي يوماً ليحيى بن خالد في موكبه، والفضل وجعفر عن يمينه وشماله، وفي الموكب وجوه الناس، فقال له رافعاً صوته
صحبت البرامك عشراً ولا |
|
فخبزي شراء وبيتي كرا |
قال فنظر يحيى إلى الفضل وجعفر وقال: سوء أبي الينبغي مما يناقش قال: فلما كان من الغد جئته فقلت: ويحك ماذا صنعت بنفسك؟ لوم تعرضت للبلاء؟ فقال لي: اسكت يا عاجز، والله ما أمسيت أمس حتى وافتني من عند الفضل بدرة، ومن عند جعفر أخرى، وقد أجرى لي كل واحد من مطبخه وظيفة.