أخبار عمر بن سلمة

وهو المعروف بابن أبي السعلاء.

حدثني عبيد الله محمد الأنصاري قال: حدثني الخصيب بن محمد قال: اجتمعت الشعراء يوماً بباب الرشيد. فسألوا الإذن، فلم يأذن لهم، ثم بدا له، فقال للحاجب: أخرج إليهم فقل لهم: من اقتدر أن يمدحنا بالدين والدنيا في ألفاظ قليلة فليدخل. فبادر ابن أبي السعلاء فاستأذن. فقال للحاجب: ادخله. فأدخله. فقال له الرشيد: أنشدني قولك:

أغيثاً تحمل الناق

 

ة تحمل هارونا

فقال : أنشدك ما اخترته وشرطته اليوم، فقال: بل أنشدني الأبيات فأنشده:

أغيثاً تحمل الـنـاق

 

ة أم تحمل هارونـا

أم الشمس أم البـدر

 

أم الدنيا أم الـدنـيا

ألا لا بل أرى كل ال

 

ذي عددت مقرونـا

على مفرق هارون

 

فداه الآدمـيونــا

قال: فأجزل له في العطاء، فاجتمع عليه الشعراء ففرق عليهم صلته. وكان الرسم في ذلك الزمان إذا وصل الخليفة أحداً من الشعراء وحرم الباقين أن يصلهم ذلك الشاعر ويعطيهم على منازلهم ومراتبهم.

وكان ابن أبي السعلاء تصدى لهارون بالمدينة وهو حاج. وقد خرج عنها يريد مكة على راحلة، فارتجل هذه الأبيات التي كتبناها رافعاً بها صوته. وأعطاه عليها مالاً جزيلاً.

ومما يروي له في الرشد قصيدته التي يقول فيها- وقد قدم الرشيد قافلاً من غزاته وقد ظفر بهم وغنم:

قرت عيون المـسـلـم

 

ين بمقدم الملك الرشـيد

قرت به عين الـقـري

 

ب من الرعية والبعـيد

بين المنابر والـمـجـا

 

لس والمدائح والنـشـيد

هارون أنـت خـلـيفة

 

صورت من كرم وجود

النـاس مـن طـين وأن

 

ت البدر في فلك السعود

وهم كـأيام الـشـهـو

 

ر وأنت فيهم يوم عـيد

وهي طويلة مشهورة.

ومما يستحسن له مرثيته في الرشيد التي يقول فيها:

مات الإمـام فـعـم أه

 

ل الدين كلهم مصـابة

عرين منـه ركـابـه

 

فتعطلت منه قبـابـه

وتـفـردت أجـنـاده

 

وخلا من الحراس بابه

وأقام في مـلـحـوده

 

لا يرتجي منـه إيابـه

في الرمس مقترب المح

 

ل لحافه منه تـرابـه

ما هابه القـدر الـذي

 

أودى به غضاً شبابـه

قد كان كل النـاس تـر

 

جوه وكلهم تـهـابـه

فاعتاقه ريب الـمـنـو

 

ن وحان من أجل كتابه

وهي أيضاً طويلة سائرة.

ومما يستحسن له مرثيته لهارون:

يا ليلة السـبـت الـتـي

 

طلعت كواكبها نحـوسـا

كنت البسـوس عـلـيهـم

 

بل فقت في الشؤم البسوسا

قفل الغـزاة وخـلـفـوا

 

هارون في جدث حبيسـا

في غربة من أهـل طـو

 

س فليتني فارقت طوسـا

ترحاً لنـا إن لـم نـقـت

 

ل عند مصرعه النفوسـا

وهي أيضاً طويلة سائرة.

ومما يختار له قوله في الرشيد يمدحه:

قل للإمام الهاشمي الذي

 

عليه تاج الملك معقـود

بلغت بالجود مدى غـاية

 

قد كان عنها قصر الجود

هارون بدر باهر زاهـر

 

تنجاب عنه، الظلم السود

ومما يستملح قوله أيضاً:

إن للموكـب نـوراً

 

ساطعاً بغشي العيونا

أترون البـدر فـيه

 

أم أمير المؤمنـينـا

وولاة العهد عطفـي

 

ه شمـالاً ويمـينـاً

وأشعاره كثيرة، وهو من فحولة المحدثين المجيدين.

أخبار أبي الهول الحميري  حدثني إبراهيم بن محمد قال: حدثني محمد بن عبد السلام قال: غضب الفضل بن يحيى على أبي الهول في شيء وجده عليه- وكان عنده قبل ذلك في حالة رفيعة، وكان الفضل معجباً بشعره، وكان يصله بالصلات السنية- فلما غضب عليه جفاه الناس وتنكروا له، فلم يدر بمن يتحمل عليه ويستشفع حتى يرضى عنه، فلما ضاق به ذرعه قال:

سما نحونا من غضبة الفضل عارض

 

له زجل فيه الصواعق والـرعـد

وما لي إلى الفضل بن يحيى بن خالد

 

من الجرم ما يخشى عليّ به الحقـد

فجد بالرضى لا أبتغي منـك غـيره

 

ورأيك فيما كنت عودتنـي بـعـد

فلما قرأ الفضل رقعته وقع فيها: رضاي عنك مقرون بإحساني إليك، فإن أردت أن أفرق بينهما لم أفعل. وحمل إليه صلة، واستغني بالأبيات عن الشفع.

مما يستملح له كلمته في العباس بن محمد يرثيه- وكان محسناً إليه:

أتحسبني بـاكرت بعدك لـذة

 

أبا الـفضل أو كشفت عن عاتق ستـرا

أو انتفعت عيناي بـعد بنظـرة

 

وأني من حسناء مرتشـف ثغرا

جفاني إذن يرمي إلى الليل مؤنسيوأضحت يمني من مكارمها صفرا

 

 

ولكنني استشعرت ثوب استكانة

 

وبت كأن الموت يحفر لي قـبـرا

ومما يستحسن لأبي الهول قوله في الغزل:

وواحدة الجمال بـلا شـريك

 

لها صفة تتيه على الصفات

لها خلقان من مـلـق وتـيه

 

هما زفا الحياة إلى الممات

وقلب لا يجيب إذا دعـونـا

 

وطرف يستجيب لنا مواتـي

وأحيانا تمـوتـنـي بـصـد

 

فينشرني التلاحظ بالـغـداة

دعي ذكر الصلاة فإن ذكري

 

لوجهك بالصلاة لها قراتـي

أصلي ساهياً بك لست أدري

 

إذا صليت كم كانت صلاتي

دهيت على المشيب بحب ريم

 

يحاذر ظله حلـك الـفـلاة

ومما يستحسن له قوله في الغزل:

إن أنل منكم ثلاث خـصـال

 

كنت لو نلتها بأحسـن حـال

لا لماماً ولا لـثـامـاً ولا وع

 

داً وإن لم تفز لنا بـوصـال

وأنا العاشق لمـتـيم الـمـش

 

غوف والمستهام أخرى الليالي

يا مهني هناك جسم صـحـيح

 

قد براني هواك بري الخلال

لو حملن الجبال عشر الذي بي

 

من هواكم لأيقنـت بـزوال

ربما تجزع النفوس مـن الأم

 

ر له فرجة كحل الـعـقـال

ومما يروى له قوله في بعض البرامكة:

أصبحت محتاجاَ إلى الضرب

 

في طلبي المعروف من كلب

قد وقح السب لـه وجـهـه

 

فصار لا ينحاش لـلـسـبّ

وأبو الهول من المحدثين المجيدين المشهورين.