أخبار الجماز البصري

حدثني ابن أبي عرفة قال: كان الجماز رجلاً من موالي قريش يكنى أبا عبد الله من ساكني البصرة، وكان شاعراً مفلقاً مفوهاً مطبوعاً.

حدثني أبو الأسود البصري قال: مر جعفر بن القاسم الهاشمي ليلةً ببعض ضواحي البصرة، فإذا هو بالجماز في بعض السكك مع غلام أمرد، وكان الجماز صديقاً لجعفر، فقال له: يا آبا عبد الله، في مثل هذا الوقت وهذا الليل المدلهم. أنت في غير منزلك؟ قم بنا حتى أردك إلى أهلك، قال: أصلح الله الأمير. وأشار بيده إلى الغلام. قال: فاستفرغ ضحكا.

وحدثني ابن أبي الدرهم قال: خرج أبو عثمان المازني في بعض الأيام إلى المصلى بالبصرة، فنظر إلى الجماز مع غلام أمرد، فقال: يا أبا عبد الله، ما تصنع ها هنا؟ قال: يا بغيض، أكتري سفينة.

وحدثني محمد بن مصعب قال: كان الجماز ببغداد عند يحيى بن عبد الرحمن البختكاني، ومر الغلام بصحفة، فقطرت على ثوبه قطرة من المرق، فاغتم الجماز، فقال له: يا أبا عبد الله لا تغتم فلك عندنا قميص بل أقمصة. فقال: ما اغتممت أصلحك الله فإن مرقكم لا يغير الثياب- أي ليس فيه دسم- فضحك البختكاني حتى استلقى على قفاه.

وحدثني أبو شراعة قال: كان الجماز يوماً مع قثم بن جعفر الهاشمي، فوقف عليه رجل يستسقي، فقاله له قثم: ادخل الدهليز، وأمر الغلمان أن يسقوه، فدخل غلام ثم خرج مسرعاً. فقال له قثم: أين الماء؟ قال الغلام: قالت لي أمك: هات علامة. فضحك القوم وتشور قثم.

وحدثني أحمد بن خصيب البصري قال: اجتمع الجماز مع قوم يشربون، وعندهم جارية تغني. فبينا هي في بعض أمرها إذ ضرطت ضرطة خفيفة لم يسمعها إلا الجماز، وكان قريب المجلس منها. فظنت الجارية أنه لم يسمعها، وأن أحداً غيره لم يسمعها إن كان هو لم يسمعها، فقالت له لما صار القدح إليه: أي صوت تحب أن أغني لك يا أبا عبد الله؟ فقال: غني: "يا ريح ما تصنعين بالدمن" فضحكت الجارية وقالت: اكتم علي.

ومما اخترناه من شعره قوله:

إن جعلتك يا محمد مفـزعـاً

 

في حاجتي وتشوقي لقضائها

من كان في هدم المكارم شغله

 

فمحمد متشاغل بـبـنـائهـا

وفي الحسين بن الضحاك وأبي جعفر أخيه:

أبو علي وأبـو جـعـفـرِ

 

أصغر من يُعرف بالعسكر

كلاهما طـفـل بـلا دايةٍ

 

عُلل باللوز وبالـسـكـر

وله في جفاءٍ كان من جعفر بن القاسم قوله:

قد جفاني الأمير حين تقـرّا

 

فتقرأت مكرهاً لـرضـائه

ما طلاق لمكره بـطـلاق

 

قد رواه الأمير عن فقهـائه

والذي انطوى عليه المعاصي

 

علم الله ذاك لي من سمـائه