أخبار نصيب الأصغر

ويعرف أبي الحجناء.

حدثني عبد الأعلى ين عبد الله الأسدي قال: حدثني الهلالي- وكان صديقاً لأبي الحجناء الشاعر- قال: كان الرشيد ولاه بعض كور الشام، وكان أسود، قال الهلالي: فأفاد من ذلك مالاً جزيلاً وكان الرشيد يقدمه على أكثر شعرائه، وكذلك الفضل بن يحيى، وكانت صلات البرامكة لا تنقطع عنه البتة. قال الهلالي: قلت يوماً للأصمعي: ما تقول في شعر الأسود؟ قال: هو في عصرنا هذا أشعر من عبد الحسحاس في عصره. قلتك فأين شعره من شعر نصيب؟ قال: فما في قرن واحد، لأن نمطهما واحد وكان ذاك متقدم الزمان وهذا محدث.

ومما رويناه له واخترناه كلمته في إسحاق بن الصباح الكندي:

كأن ابن صباح وكندة حولـه

 

إذا ما بدا بدر توسط أنجمـا

على أن في البدر المحاق وأنه

 

تمام فما يزداد إلا تتـمـمـا

ترى المنبر الشرقي يهتز تحته

 

إذا ما علا أعواده وتكلـمـا

فأنت ابن خير الناس إلا نبـوة

 

ومن قبلها كنت السنام المقدما

وهي طويلة جيدة.

ومما يختار له أيضاً من شعره كلمته التي طارت له في الآفاق. وقد صارت أبيات من هذه القصيدة فاكهة أهل الأدب، ونقل الملوك في مجالسهم، لجوده الألفاظ والمعاني التي أوردها، وفيها يقول:

عند الملوك مضرة ومنـافـع

 

وأرى البرامك لا تضر، وتنفع

إن العروق إذا استسر بها الثرى

 

أشر النبات بها وطاب المزرع

وإذا جهلت من امرئ أعراقه

 

وقديمه فانظر إلى ما يصنع

وهي طويلة جيدة. وكان الفضل بن يحيى يقول للشعراء: إذا قلتم قولوا مثل هذه الأبيات. وإذا مدحتم فامدحوا بمثل هذا الشعر.

ومما يستحسن قوله يعاتب:

أراني إذا استمطرت منك سحـابة

 

لترويني كانت عجاجـاً وسـافـيا

إذا قلت ظلتني سماؤك، يا مـنـت

 

شآبيبها أو ياسرت عن شـمـالـيا

فلا ترج منّي أن تنـال مـودتـي

 

إذا كنت عنيّ بالكـرامة جـافـيا

لقد كنت أسعى في هواك، وأبتغي

 

رضاك، وأرجو منك ما لست لاقيا

وشيبـتـي أن لا تـزال مـلـمة

 

تقصر عـنـيّ أو تـحـل ورائيا

أتجعل فوقي مـن يقـصـر رأيه

 

ومن ليس يغني عنك مثل غنـائيا

كلانا غنيّ عـن أخـيه حـياتـه

 

ونحن إذا متنـا أشـد تـغـانـيا

وأدليت دلوي فـي دلاء كـثـيرة

 

فأين ملاء غير دلوي كمـا هـيا

ومما سار في الدنيا قوله في وصف الناقة، وقد أفرط وتجاوز الحد في بيته هذا:

هي الريح ما خلتها غير أنها

 

تبيت غوادي الريح حيث تقيل

وهو القائل أيضاً:

لقد سامني طرفي وقد ضر نـفـسـه

 

وأظهر ما أكننت بـين الـجـوانـح

فلم أستطع سيراً لما بي من الـهـوى

 

ولم يخف ما أضمرت والقلب فاضحى

فيا بؤس من نتـأى عـن الإلـف داره

 

ويا بؤس من في القلب كالمتـنـازح

وأزداد شوقاً حـين أدنـو تـوجـسـاً

 

لغاد بوشـك الـبـين مـنـك ورائح

وكان أبو الحجناء يجيد الغزل والمدح والهجو والوصف، ولا يقصر في شيء من ذلك. وهو مخصوص ببني برمك. كانوا يتبجحون به ويقدمونه، واشترى له الفضل داراً تقارب داره بألف دينار. وأشترى له ضيعة تغل غلة كثيرة، وكانوا يجرون عليه يعاشرونه. وكذا كانت عادة آل برمك فيمن يتصل بهم رحمهم الله فما خلفوا بعدهم من شق غبارهم في الجود والكرم والبر والعطاء والإحسان توفي بعد التسعين والمائة.