أخبار أبي فرعون الساسي

حدثني أبو محرز الكوفي قال: أتى أبو فرعون الساسي أبا كهمس التاجر فسأله، فأعطاه رغيفاً من الخبز الحواري كبيراً، فصار إلى حلقة بني عديٌ، فوقف عليهم وهم مجتمعون، فأخرج الرغيف من جرابه، وألقاه في وسط المجلس وقال: يابني عدي استفحلوا هذا الرغيف، فإنه أنبل نِتاج على وجه الأرض، قالوا: وما ذاك؟ فأخبرهم، فاجتمعوا إلى آبى كهمس التاجر فقالوا: عرضتنا لأبي فرعون وقد مزقنا كل ممزق.

ومما يستملح له- وكان من أفصح الناس وأجودهم شعراً، وأكثرهم نادرة، ولكنه لا يصبر عن الكدية- قوله:

رأيت في النوم بختي

 

في زي شيخ أرتِّ

أعمى أصم ضـئيلا

 

أبا بنـين وبـنـت

فقلت: حُييت رزقي

 

فقال رزقك باستي

فكيف لـي بـدواءٍ

 

يلين لي بطن بختي؟

وهو القائل أيضاً:

ليس إغلاقي لبابـي أن لـي

 

فيه ما أخشى عليه السرقـا

إنما أغـلـقـه كـي لا يرى

 

سوء حالي من يجوب الطرقا

منزلٌ أوطنه الفقـر فـلـو

 

دخل السارق فـيه سُـرقـا

لا تراني كاذباً في وصـفـه

 

لو تراه قلت لي: قد صدقـا

وله أيضاً:

وصبية مثـل فـراخ الـذر

 

سود الوجوه كسواد الـقـدرِ

جاء الشـتـاءُ وهـم بِـشَـرِّ

 

بغير ٌُمـص وبـغـير أُزر

حتى إذا لاح عمود الفـجـر

 

وجاءني الصبح غدوت أسري

وبعضهم ملتصق بـصـدري

 

وبعضهم منحجر بحـجـري

أسبقهم إلى أصول الـجـدرِ

 

هذا جميع قصتـي وأمـري

فارحم عيالي وتـول أمـري

 

كنيت نفسي كنية في شعري

أنا أبو الفقر وأم الـفـقـر

 

 

وهذه القصيدة من خيارها: والذي أخذ فيه طريق الجد كلمته في الحسن بن سهل وقد أجمع الناس على حسنها وفصاحتها وهي قوله:

سُقـياً لـحـى بـالـلـوى عـهـدتـهـــم

 

منـذ زمـان ثـم هـذا عــهـــدهـــم

عهـدتـهـم والـعــيش فـــيه غـــرة

 

ولـم ينـاو الـحـدثـان شـعـبـــهـــم

ولـم يبـينـــوا لـــنـــوى قـــذافة

 

تقطع مـن وصـل حـبـالـي حـبـلـهـم

فليت شعـري هـل لـهـم مـن مـطـلـب

 

أو أجـــدن ذات يوم بـــدلـــهـــم

الـنـاس أشـبـاهٌ كـمـا قـد مـثـلـــوا

 

وفـيهـم خـير وأنـــت خـــيرهـــم

حاشـا أمـير الـمـؤمـــنـــين إنـــه

 

خلـيفة الـلـه وأنـت صــهـــرهـــم

فأحـسـنـوا الـتـدبـير لـمـا نـاصـحـوا

 

وأمنـوا الـعـتـب فـطـال نـصـحـهـم

إلـيك أشـكـو صـبـــية وأمـــهـــم

 

لا يشـبـعـون وأبـوهـم مـثـلــهـــم

قد أكـلـوا الـلـحـم ولـم يشـبـعـهـــم

 

وشـربـوا الـمـاء فـطـال شـربـهــم

وامـتـذقـوا الـمـذق فـمـا أغـنـاهــم

 

والمـضـغ إن نـالـوه فـهـو عُـرسـهـم

لا يعـرفـون الـخـبـز إلا بـاســمـــه

 

والـتـمـر هـيهـات فـلـيس عـنـدهـم

ومـا رأوا فـاكـهة فـي سـوقـــهـــا

 

ومـا رأوهـا وهـي تـنـحـو نـحـوهـم

زعـر الـرءوس قـرعـت هـامـاتـهــم

 

من البـلا واسـتـك مـنـهـم سـمـعـهـم

كأنـهـم جـنــاب أرض مـــجـــدب

 

محل فلـو يعـطـون أوجـي سـهـمـهـم

بل لـو تـراهـم لـعـلـمـت أنــهـــم

 

قوم قـلـيل ريهـم وشـبـــعـــهـــم

وجحـشـهـم أجـرب مـنـقـور الـقـرى

 

ومثـل أعـواد الـشـكـاعـي كـلـبـهـم

كأنهم كانوا وإن وليته

 

مطراً موالي وكنت عبدهم

مجتهداً بالنصح لا آلوهم

 

أدعـو لـهـم يا رب سـلـم أمـــهـــم